تفسير قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (71) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وأما قوله: "فما أنت وعثمان" فالرفع فيه الوجه لأنه عطف اسمًا ظاهرًا على اسم مضمر منفصل وأجراه مجراه، وليس ههنا فعل، فيحمل على المفعول، فكأنه قال: فما أنت وما عثمان، هذا تقديره في العربية، ومعناه لست منه في شيء، قد ذكر سيبويه رحمه الله النصب وجوزه جوازًا حسنًا وجعله مفعولاً معه، وأضمر كان من أجل الاستفهام، فتقديره عنده: ما كنت وفلانًا. وهذا الشعر كما أصف لك ينشد:
وأنت امرؤ من أهل نجدٍ وأهلنا = تهامٍ وما النجدي والمتغور
وكذلك قوله:
تكلفني سويق الكرم جرمٌ = وما جرمُ وما ذاك السويق
فإن كان الأول مضمرًا متصلاً كان النصب، لئلا يحمل ظاهر على مضمر، تقول: ما لك وزيدًا وذلك أنه أضمر الفعل، فكأنه قال في التقدير: وملابستك زيدًا، وفي النحو تقديره: مع زيد. وإنما صلح الإضمار لأن المعنى عليه إذا قلت: ما لك وزيدًا فإنما تنهاه عن ملابسته، إذا لم يجز" وزيدٍ" وأضمرت لأن حروف الاستفهام للأفعال، فلو كان الفعل ظاهرًا لكان على غير إضمار، نحو قولك: ما زلت وعبد الله حتى فعل، لأنه ليس يريد: ما زلت ومازال عبد الله، ولكنه أراد: وما زلت بعبد الله. فكان المفعول مخفوضًا بالياء، فلما زال ما خفضه وصل الفعل إليه فنصبه، كما قال تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً}، فالواو في معنى مع، وليست بخافضة، فكان ما بعدها على الموضع، فعلى هذا ينشد هذا الشعر:
فما لك والتلدد حول نجدٍ = وقد غصت تهامة بالرجال
ولو قلت: ما شأنك وزيدًا لاختير النصب، لأن زيدًا لا يلتبس بالشأن، لأن المعطوف على الشيء أبدًا في مثل حاله، ولو قلت: ما شانك وشأن زيد لرفعت، لأن الشأن يعطف على الشأن، وهذه الآية تفسر على وجهين من الإعراب: أحدهما هذا، وهو الأجود فيها وهو قوله عز وجل: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ}. فالمعنى والله أعلم: مع شركائكم، لأنك تقول: جمعت قومي، وأجمعت أمري، ويجوز أن يكون لما أدخل الشركاء مع الأمر حمله على مثل لفظه. لأن المعنى يرجع إلى شيء واحد، فيكون كقوله:
يا ليت زوجك قد غدا = متقلدًا سيفًا ورمحا).
[الكامل: 1/431-432] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ويكون: "تبكي عليك نجوم الليل والقمر"، على أن تكون الواو في معنى مع، وإذا كانت كذلك فكان قبل الاسم الذي يليه أو بعده فعلٌ انتصب لأنه في المعنى مفعول وصل الفعل إليه فنصبه. ونظيرُ ذلك: استوى الماء والخشبة لأنك لم ترد استوى الماء واستوت الخشبة؛ ولو أردت ذلك يم يكن إلا الرفع، ولكن التقدير: ساوى الماءُ الخشبة، وكذلك "ما زلت أسير والنيلَ" يا فتى؛ لأنك لست تخبر عن النيل بسير، وإنما تريدُ أن سيرك بحذائه ومعه، فوصل الفعلُ. وهذا بابٌ يطولُ شرحه. فإن قلتَ: "عبد الله وزيدٌ أخواك" وأنت تريد بالواو معنى مع، لم يكن إلا الرفعُ، لن قبلها اسمًا مبتدأ، فهي على موضعِهِ.
وأجود التفسير عندنا في قوله الله جلَّ وعزَّ: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} أن تكون الواو في معنى مع، لأنك تقولُ: أجمعت رأيي وأمري، وجمعتُ القومَ، فهذا هو الوجهُ. وقومٌ ينصبونه على دخوله بالشركة مع اللام في معنى الأول، والمعنى الاستعدادُ بهما، فيجعلونه كقولِ القائلِ:
يا ليت زوجكِ قد غدا = متقلدًا سيفًا ورمحا
والرمح لا يتقلد، ولكن أدخل مع ما يتقلد، فتقديره: "متقلدًا سيفًا وحاملاً رمحًا"، ويكون تقدير الآية: فأجمعوا أمركم وأعدوا شركاءكم. والمعنى يؤول إلى أمر واحدٍ. ومن ذلك قوله:
شراب ألبانٍ وتمرٍ وأقطْ
فأما ما جاء من القرآن على هذا خاصة؛ فقوله جل وعز: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} فأدخل من ههنا، لأن الناس مع هذه الأشياء، فجرت على لفظٍ واحدٍ، ولا تكون من إلا لمن يعقل إذا أفردتها). [الكامل: 2/835-837]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( قربتها للرحل لما اعتادني = سفر أهم به وأمر مجمع
يقال أجمع فلان على الأمر إذا عزم عليه، ومنه قول الله عز وجل: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم}، ويروى أمر مزمع، وأنشد:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع = هل أغدون يومًا وأمري مجمع).
[شرح المفضليات: 66]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( ألا أم عمرو أجمعت فاستقلت = وما ودعت جيرانها إذ تولت
يقال: أجمع على الأمر إذا عزم عليه وهو من قول الله تعالى: {فأجمعوا أمركم وشركاءكم}، وقال الراجز:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع = هل أغدون يومًا وأمري مجمع)
.
[شرح المفضليات: 194]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( وأنتم معشر زيد على مائة = فأجمعوا أمركم كلاً فكيدوني
وروى أحمد زيد على مائة أي زيادة على مائة وروي صفًا فكيدوني زيد زيادة يقال أجمع أمره بألف وجمع بغير ألف، قال الله تعالى: {فأجمعوا أمركم وشركائكم}، وقال الشاعر:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع = هل أغدون يومًا وأمري مجمع).
[شرح المفضليات: 323]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( فكأنها بالجزع بين نبايع = وأولات ذي العرجاء نهب مجمع
أي كأن العير والأتن وهو يطردها بالجزع وأولات ذي العرجاء نهب مجمع أي إبل انتهبت
فأجمعت فجعلت شيئا واحدا من قولك: أجمع فلان أمره: قال الله جل وعز: {فأجمعوا أمركم}: يريد أنها ليست بمجموعة من أماكن شتى: وإذا جمعت من أماكن مختلفة النجر والمواضع فهي مجموعة: وإذا جمعت شيئا تحت يدك فصررته فهو مجمع. وقال أبو عبيدة: إذا جمع المال وسيق فهو مجمع وإذا لم يسق فهو مجموع. ويقال المجمع ههنا المطرود: ويقال أجمع إبله إذا طردها). [شرح المفضليات: 862-863]
تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (72) }
تفسير قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) }
تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74) }