تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الحسن في قوله تعالى فأنى تؤفكون قال أنى تصرفون). [تفسير عبد الرزاق: 1/296]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثمّ يعيده قل اللّه يبدأ الخلق ثمّ يعيده فأنّى تؤفكون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل} يا محمّد {هل من شركائكم} يعني من الآلهة والأوثان {من يبدأ الخلق ثمّ يعيده} يقول: من ينشئ خلق شيءٍ من غير أصلٍ، فيحدث خلقه ابتداءً ثمّ يعيده، يقول: ثمّ يفنيه بعد إنشائه، ثمّ يعيده كهيئته قبل أن يفنيه؟ فإنّهم لا يقدرون على دعوى ذلك لها.
وفي ذلك الحجّة القاطعة والدّلالة الواضحة على أنّهم في دعواهم أنّها أربابٌ، وهي للّه في العبادة شركاء كاذبون مفترون. ف {قل} لهم حينئذٍ يا محمّد: {اللّه يبدأ الخلق} فينشئه من غير شيءٍ ويحدثه من غير أصلٍ ثمّ يفنيه إذا شاء، {ثمّ يعيده} إذا أراد كهيئته قبل الفناء. {فأنّى تؤفكون} يقول: فأيّ وجهٍ عن قصد السّبيل وطريق الرّشد تصرفون وتقلبون.
- كما حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن، {فأنّى تؤفكون} قال: أنّى تصرفون.
وقد بيّنّا اختلاف المختلفين في تأويل قوله: {فأنّى تؤفكون} والصّواب من القول في ذلك عندنا بشواهده في سورة الأنعام). [جامع البيان: 12/177-178]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثمّ يعيده قل اللّه يبدأ الخلق ثمّ يعيده فأنّى تؤفكون (34)
قوله: هل من شركائكم من يبدؤا الخلق ثمّ يعيده
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: يبدؤا الخلق ثمّ يعيده: يحييه ثمّ يميته ثمّ يبديه ثمّ يحييه.
قوله تعالى: قل اللّه يبدؤا الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: أنى يؤفكون قال يكذبون.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ عن الحسن فأنّى تؤفكون قال: فأنّى تصرفون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1951-1952]
تفسير قوله تعالى: (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحقّ قل اللّه يهدي للحقّ أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدى فما لكم كيف تحكمون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل} يا محمّد لهؤلاء المشركين {هل من شركائكم} الّذين تدعون من دون اللّه، وذلك آلهتهم وأوثانهم، {من يهدي إلى الحقّ} يقول: من يرشد ضالًّا من ضلالته إلى قصد السّبيل، ويسدّد جائرًا عن الهدى إلى واضح الطّريق المستقيم؛ فإنّهم لا يقدرون أن يدّعوا أنّ آلهتهم وأوثانهم ترشد ضالًّا أو تهدي حائرًا.
وذلك أنّهم إن ادّعوا ذلك لها أكذبتهم المشاهدة وأبان عجزها عن ذلك الاختبار بالمعاينة، فإذا قالوا لا وأقرّوا بذلك، فقل لهم. فاللّه يهدي الضّالّ عن الهدى إلى الحقّ. {أفمن يهدي} أيّها القوم ضالًّا {إلى الحقّ} وجائرًا عن الرّشد إلى الرّشد، {أحقّ أن يتّبع} إلى ما يدعو إليه {أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدى}.
واختلف القرّاء في قراءة ذلك. فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة: أم من لا يهدّي بتسكين الهاء وتشديد الدّال، فجمعوا بين ساكنين. وكأنّ الّذي دعاهم إلى ذلك أنّهم وجّهوا أصل الكلمة إلى أنّه: أم من لا يهتدي، ووجدوه في خطّ المصحف بغير ما قرّروا وأنّ التّاء حذفت لمّا أدغمت في الدّال، فأقرّوا الهاء ساكنةً على أصلها الّذي كانت عليه، وشدّدوا الدّال طلبًا لإدغام التّاء فيها، فاجتمع بذلك سكون الهاء والدّال. وكذلك فعلوا في قوله: {وقلنا لهم لا تعدوا في السّبت} وفي قوله: {يخصّمون}.
وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل مكّة والشّام والبصرة: يهدّي بفتح الهاء وتشديد الدّال. وأمّوا ما أمّه المدنيّون من الكلمة غير أنّهم نقلوا حركة التّاء من يهتدي إلى الهاء السّاكنة، فحرّكوا بحركتها وأدغموا التّاء في الدّال فشدّدوها.
وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة: يهدّي بفتح الياء وكسر الهاء وتشديد الدّال، بنحو ما قصده قرّاء أهل المدينة؛ غير أنّه كسر الهاء لكسرة الدّال من يهتدي استثقالاً للفتحة بعدها كسرة في حرفٍ واحدٍ.
وقرأ ذلك بعض عامّة قرّاء الكوفيّين: أم من لا يهدي بتسكين الهاء وتخفيف الدّال، وقالوا: إنّ العرب تقول: هديت بمعنى اهتديت، قالوا: فمعنى قوله: {أمّن لا يهدّي} أم من لا يهتدي {إلاّ أن يهدى}.
وأولى القراءة في ذلك بالصّواب قراءة من قرأ: أم من لا يهدّي بفتح الهاء وتشديد الدّال، لما وصفنا من العلّة لقارئ ذلك كذلك، وأنّ ذلك لا يدفع صحّته ذو علمٍ بكلام العرب، وفيهم المنكر غيره، وأحقّ الكلام أن يقرأ بأفصح اللّغات الّتي نزل بها كلام اللّه تبارك وتعالى.
فتأويل الكلام إذًا: أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع، أم من لا يهتدي إلى شيءٍ إلاّ أن يهدى.
وكان بعض أهل التّأويل يزعم أنّ معنى ذلك: أم من لا يقدر أن ينتقل عن مكانه إلاّ أن ينقل.
وكان مجاهدٌ يقول في تأويل ذلك ما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدى} قال: الأوثان، اللّه يهدي منها ومن غيرها من شاء لمن شاء.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدى} قال: قال: الوثن.
وقوله: {فما لكم كيف تحكمون} ألا تعلمون أنّ من يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع من الّذي لا يهتدي إلى شيءٍ إلاّ أن يهديه إليه هادٍ غيره، فتتركوا اتّباع من لا يهتدي إلى شيءٍ وعبادته وتتّبعوا من يهديكم في ظلمات البرّ والبحر وتخلصوا له العبادة فتفردوه بها وحده دون ما تشركونه فيها من آلهتكم وأوثانكم؟). [جامع البيان: 12/178-181]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحقّ قل اللّه يهدي للحقّ أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أم من لا يهدّي إلّا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون (35)
قوله تعالى: قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق الآية
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن لا يهدّي إلا أن يهدى الأوثان- اللّه عزّ وجلّ يهدي منها ومن غيرها ما شاء.
قوله تعالى: فما لكم كيف تحكمون
....... ). [تفسير القرآن العظيم: 6/1952]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أفمن يهدي إلى الحق وهو الله أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى وهي الأوثان). [تفسير مجاهد: 294]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 34 – 40
أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {أم من لا يهدي إلا أن يهدى} قال: الأوثان الله يهدي منها ومن غيرها ما شاء). [الدر المنثور: 7/662-663]
تفسير قوله تعالى: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى {وما يتّبع أكثرهم إلاّ ظنًّا إنّ الظّنّ لا يغني من الحقّ شيئًا إنّ اللّه عليمٌ بما يفعلون}.
يقول تعالى ذكره: وما يتّبع أكثر هؤلاء المشركين إلاّ ظنًّا، يقول: إلاّ ما لا علم لهم بحقيقته وصحّته، بل هم منه في شكٍّ وريبةٍ. {إنّ الظّنّ لا يغني من الحقّ شيئًا} يقول: إنّ الشّكّ لا يغني من اليقين شيئًا، ولا يقوم في شيءٍ مقامه، ولا ينتفع به حيث يحتاج إلى اليقين. {إنّ اللّه عليمٌ بما يفعلون} يقول تعالى ذكره: إنّ اللّه ذو علمٍ بما يفعل هؤلاء المشركون من اتّباعهم الظّنّ وتكذيبهم الحقّ اليقين، وهو لهم بالمرصاد، حيث لا يغني عنهم ظنّهم من اللّه شيئًا). [جامع البيان: 12/181]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وما يتّبع أكثرهم إلّا ظنًّا إنّ الظّنّ لا يغني من الحقّ شيئًا إنّ اللّه عليمٌ بما يفعلون (36)
قوله: وما يتّبع أكثرهم إلا ظنًّا الآية.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: عليمٌ يعني عالمٌ بها.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة، ثنا محمّدٌ في قوله: عليمٌ أي: عليمٌ بما يخفون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1952]