تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدّنيا واطمأنّوا بها والّذين هم عن آياتنا غافلون (7) أولئك مأواهم النّار بما كانوا يكسبون}.
يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين لا يخافون لقاءنا يوم القيامة، فهم لذلك مكذّبون بالثّواب والعقاب، متنافسون في زين الدّنيا وزخارفها، راضون بها عوضًا من الآخرة، مطمئنّين إليها ساكنين {والّذين هم} عن آيات اللّه، وهي أدلّته على وحدانيّته، وحججه على عباده في إخلاص العبادة له {غافلون} معرضون عنها لاهون، لا يتأمّلونها تأمّل ناصحٍ لنفسه، فيعلموا بها حقيقة ما دلّتهم عليه، ويعرفوا بها بطول ما هم عليه مقيمون. {أولئك مأواهم النّار} يقول جلّ ثناؤه: هؤلاء الّذين هذه صفتهم مأواهم مصيرها إلى النّار نار جهنّم في الآخرة. {بما كانوا يكسبون} في الدّنيا من الآثام والأجرام ويجترحون من السّيّئات.
والعرب تقول: فلانٌ لا يرجو فلانًا: إذا كان لا يخافه. ومنه قول اللّه جلّ ثناؤه: {ما لكم لا ترجون للّه وقارًا}. ومنه قول أبي ذؤيبٍ:
إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها = وخالفها في بيت نوبٍ عواسل
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {واطمأنّوا بها} قال: هو مثل قوله: {من كان يريد الحياة الدّنيا وزينتها نوفّ} إليهم أعمالهم فيها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {إنّ الّذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدّنيا واطمأنّوا بها} قال: هو مثل قوله: {من كان يريد الحياة الدّنيا وزينتها نوفّ} إليهم أعمالهم فيها.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ الّذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدّنيا واطمأنّوا بها والّذين هم عن آياتنا غافلون} قال: إذا شئت رأيت صاحب دنيا لها يفرح، ولها يحزن، ولها يرضى، ولها يسخط.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {إنّ الّذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدّنيا واطمأنّوا بها} الآية كلّها، قال: هؤلاء أهل الكفر. ثمّ قال: {أولئك مأواهم النّار بما كانوا يكسبون}). [جامع البيان: 12/120-122]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ الّذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدّنيا واطمأنّوا بها والّذين هم عن آياتنا غافلون (7)
قوله تعالى: إنّ الّذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدّنيا
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، قوله: إنّ الّذين لا يرجون لقاءنا إلى قوله: عن آياتنا غافلون قال: إذا أتيت رأيته صاحب دنيا، لها يفرح، ولها يحزن ولها يرضى ولها يسخط.
قوله تعالى: واطمأنّوا بها
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ واطمأنّوا بها مثل قوله: من كان يريد الحياة الدّنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن أبي زيادٍ القطوانيّ ثنا سيّار بن حاتمٍ العنزيّ ثنا عبد اللّه بن شميطٍ ثنا حوشبٌ عن الحسن في قوله: إنّ الّذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدّنيا واطمأنوا بها فقال الحسن: واللّه ما زيّنوها ولا رفعوها حتّى رضوا بها.
قوله تعالى: والّذين هم عن آياتنا غافلون
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسي فيما كتب إليه، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن يزيد بن أسلم، في قوله تعالى: والّذين هم عن آياتنا غافلون قال: هؤلاء هم أهل الكفر ثمّ قال: أولئك مأواهم النّار بما كانوا يكسبون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1928-1929]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها قال هو مثل قوله من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها). [تفسير مجاهد: 291-292]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 7 - 8.
أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله {إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا} الآية، قال: هؤلاء أهل الكفر.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها} قال: مثل قوله (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها) (هود الآية 15) الآية.
وأخرج أبو الشيخ عن يوسف بن أسباط قال: الدنيا دار نعيم الظالمين قال: وقال علي بن أبي طالب: الدنيا جيفة فمن أرادها فليصبر على مخالطة الكلاب). [الدر المنثور: 7/631-632]
تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدّنيا واطمأنّوا بها والّذين هم عن آياتنا غافلون (7) أولئك مأواهم النّار بما كانوا يكسبون}.
يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين لا يخافون لقاءنا يوم القيامة، فهم لذلك مكذّبون بالثّواب والعقاب، متنافسون في زين الدّنيا وزخارفها، راضون بها عوضًا من الآخرة، مطمئنّين إليها ساكنين {والّذين هم} عن آيات اللّه، وهي أدلّته على وحدانيّته، وحججه على عباده في إخلاص العبادة له {غافلون} معرضون عنها لاهون، لا يتأمّلونها تأمّل ناصحٍ لنفسه، فيعلموا بها حقيقة ما دلّتهم عليه، ويعرفوا بها بطول ما هم عليه مقيمون. {أولئك مأواهم النّار} يقول جلّ ثناؤه: هؤلاء الّذين هذه صفتهم مأواهم مصيرها إلى النّار نار جهنّم في الآخرة. {بما كانوا يكسبون} في الدّنيا من الآثام والأجرام ويجترحون من السّيّئات). [جامع البيان: 12/120-121] (م)
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أولئك مأواهم النّار بما كانوا يكسبون (8)
قوله تعالى: أولئك مأواهم النّار
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: يهديهم ربّهم بإيمانهم: يكون لهم نورا يمشون به.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ الأزرق، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة يعني قوله: إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات يهديهم ربّهم بإيمانهم ثنا الحسن أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ المؤمن إذا خرج من قبره مثّل له عمله في صورةٍ حسنةٍ، وريحٍ طيّبةٍ، فيقول له: ما أنت؟ فو الله إنّي لأراك عين امرئٍ صدقٍ فيقول أنا عملك فيكون له نورًا قائدًا إلى الجنّة وأمّا الكافر إذا خرج من قبره مثّل له عمله في صورةٍ سيّئةٍ وريحٍ منتنةٍ فيقول ما أنت إنّي لأراك عين امرئٍ سوءٍ فيقول: أنا عملك فينطلق حتّى يدخله النّار). [تفسير القرآن العظيم: 6/1929]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات يهديهم ربّهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنّات النّعيم (9) دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ وتحيّتهم فيها سلامٌ وآخر دعواهم أن الحمد للّه ربّ العالمين}.
يقول تعالى ذكره: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} إنّ الّذين صدقوا اللّه ورسوله وعملوا الصّالحات، وذلك العمل بطاعة اللّه والانتهاء إلى أمره. {يهديهم ربّهم بإيمانهم} يقول: يرشدهم ربّهم بإيمانهم به إلى الجنّة.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات يهديهم ربّهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنّات النّعيم} بلغنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورةٍ حسنةٍ، فيقول له: ما أنت، فواللّه إنّي لأراك امرأ صدقٍ؟ فيقول: أنا عملك، فيكون له نورًا وقائدًا إلى الجنّة. وأمّا الكافر إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورةٍ سيّئةٍ وبشارةٍ سيّئةٍ، فيقول: ما أنت فواللّه إنّي لأراك أمرأ سوءٍ؟ فيقول: أنا عملك. فينطلق به حتّى يدخله النّار.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {يهديهم ربّهم بإيمانهم} قال: يكون لهم نورًا يمشون به.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ. عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقال ابن جريجٍ: {يهديهم ربّهم بإيمانهم} قال: يمثّل له عمله في صورةٍ حسنةٍ وريحٍ طيّبةٍ، يعارض صاحبه ويبشّره بكلّ خيرٍ، فيقول له: من أنت؟ فيقول: أنا عملك؛ فيجعل له نورًا من بين يديه حتّى يدخله الجنّة، فذلك قوله: {يهديهم ربّهم بإيمانهم} والكافر يمثّل له عمله في صورةٍ سيّئةٍ وريحٍ منتنةٍ، فيلازم صاحبه ويلازّه حتّى يقذفه في النّار.
وقال آخرون: معنى ذلك: بإيمانهم يهديهم ربّهم لدينه، يقول: بتصديقهم هداهم.
وقوله: {تجري من تحتهم الأنهار} يقول: تجري من تحت هؤلاء المؤمنين الّذين وصف جلّ ثناؤه صفتهم أنهار الجنّة، {في جنّات النّعيم} يقول: في بساتين النّعيم الّذي نعّم اللّه بها أهل طاعته والإيمان به.
فإن قال قائلٌ: وكيف قيل تجري من تحتهم الأنهار، وإنّما وصف جلّ ثناؤه أنهار الجنّة في سائر القرآن أنّها تجري تحت الجنّات؟ وكيف يمكّن الأنهار أن تجري من تحتهم إلاّ أن يكونوا فوق أرضها والأنهار تجري من تحت أرضها، وليس ذلك من صفة أنهار الجنّة، لأنّ صفتها أنّها تجري على وجه الأرض في غير أخاديدٍ؟
قيل: إنّ معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبت، وإنّما معنى ذلك: تجري من دونهم الأنهار إلى ما بين أيديهم في بساتين النّعيم، وذلك نظير قول اللّه: {قد جعل ربّك تحتك سريًّا}. ومعلومٌ أنّه لم يجعل السّريّ تحتها وهي عليه قاعدةٌ؛ إذ كان السّريّ هو الجدول، وإنّما عنى به جعل دونها: بين يديها، وكما قال جلّ ثناؤه مخبرًا عن قيل فرعون: {أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي} بمعنى: من دوني بين يدي). [جامع البيان: 12/123-126]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات يهديهم ربّهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنّات النّعيم (9)
قوله تعالى: تجري من تحتهم الأنهار
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ عن أسباطٍ، عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قوله: تجري من تحتهم الأنهار يعني: تحت منازلهم وأرضهم.
قوله تعالى: في جنّات النّعيم
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن أبي الحواديّ، ثنا زيد بن الحباب قال: سمعت أبا عبد الملك... قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: نعيم أهل الجنّة برضوان اللّه عنهم أفضل من نعيمهم بها في الجنّان). [تفسير القرآن العظيم: 6/1929]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يهديهم ربهم بإيمانهم قال يكون لهم إيمانهم نورا يمشون به). [تفسير مجاهد: 292]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 9.
أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {يهديهم ربهم بإيمانهم} قال: يكون لهم نورا يمشون به.
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {يهديهم ربهم بإيمانهم} قال: حدثنا الحسن قال: بلغنا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال المؤمن إذا خرج من قبره صور له عمله في صورة حسنة وريح طيبة فيقول له: ما أنت، فوالله إني لأراك عين امرئ صدق، فيقول له: أنا عملك، فيكون له نورا وقائدا إلى الجنة وأما الكافر فإذا خرج من قبره صور له عمله في صورة سيئة وريح منتنة فيقول له: ما أنت فوالله إني لأراك عين إمرئ سوء فيقول: أنا عملك فينطلق به حتى يدخله النار.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله {يهديهم ربهم بإيمانهم} قال: يمثل له عمله في صورة حسنة وريح طيبة يعارض صاحبه ويبشره بكل خير فيقول: من أنت فيقول: أنا عملك الصالح فيجعل له نورا من بين يديه حتى يدخله الجنة والكافر يمثل له عمله في صورة سيئة وريح منتنة فيلازم صاحبه حتى يقذفه في النار.
وأخرج أبو الشيخ عن الربيع في قوله {يهديهم ربهم بإيمانهم} قال: حتى يدخلهم الجنة، فحدث أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لأحدهم يومئذ أعلم بمنزلة منكم اليوم بمنزلنا ثم ذكر عن العلماء أنه أنزلهم الجنة سبعة منازل لكل منزل من تلك المنازل أهل في سبع فضائل فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم يسعى عليهم بما سألوا وبما خطر على أنفسهم حتى إذا امتلأوا كان طعامهم ذلك جشاء وريح المسك ليس فيها حدث ثم ألهموا الحمد والتسبيح كما ألهموا النفس ثم يجتني فاكهتها قائما وقاعدا ومتكئا على أي حال كان عليه ثم لا تصل إلى فيه حتى تعود كما كانت إنها بركة الرحمن وبركة الرحمن لا تفنى وهي الخزائن التي لا تنقطع أبدا ما أخذ منها لم ينقص وما ترك منها لم يفسد). [الدر المنثور: 7/632-633]
تفسير قوله تعالى: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {دعواهم فيها سبحانك اللهم} قال: إذا اشتهوا شيئًا قالوا: سبحانك اللّهمّ فإذا هو بين أيديهم [الآية: 10]). [تفسير الثوري: 128]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (يقال: {دعواهم} [يونس: 10] «دعاؤهم»). [صحيح البخاري: 6/72]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله دعواهم دعاؤهم هو قول أبي عبيدة قاله في معنى قوله دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ وروى الطّبريّ من طريق الثّوريّ قال في قوله دعواهم فيها قال إذا أرادوا الشّيء قالوا اللّهمّ فيأتيهم ما دعوا به ومن طريق بن جريجٍ قال أخبرت فذكر نحوه وسياقه أتمّ وكلّ هذا يؤيّد أنّ معنى دعواهم دعاؤهم لأنّ اللّهمّ معناها يا اللّه أو معنى الدّعوى العبادة أي كلامهم في الجنّة هذا اللّفظ بعينه). [فتح الباري: 8/346]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (دعواهم دعاؤهم
أشار به إلى قوله تعالى: {دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ} (يونس: 10) وفسّر الدّعوى بالدّعاء. قوله: سبحانك اللّهمّ، تفسير دعواهم، وكذا فسره أبو عبيدة). [عمدة القاري: 18/284]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({دعواهم}) ولأبي ذر يقال دعواهم قال أبو عبيدة: (دعاؤهم) في الجنة اللهم إنّا نسبحك تسبيحًا). [إرشاد الساري: 7/165]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وأمّا قوله: {دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ} فإنّ معناه: دعاؤهم فيها سبحانك اللّهمّ.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرت أنّ قوله: {دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ} قال: إذا مرّ بهم الطّير فيشتهونه، قالوا: سبحانك اللّهمّ وذلك دعواهم، فيأتيهم الملك بما اشتهوا، فيسلّم عليهم، فيردّون عليه، فذلك قوله: {وتحيّتهم فيها سلامٌ} قال: فإذا أكلوا حمدوا اللّه ربّهم، فذلك قوله: {وآخر دعواهم أن الحمد للّه ربّ العالمين}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ} يقول: ذلك قولهم فيها؛ {وتحيّتهم فيها سلامٌ}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه الأشجعيّ، قال: سمعت سفيان، يقول: {دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ وتحيّتهم فيها سلامٌ} قال: إذا أرادوا الشّيء قالوا: اللّهمّ فيأتيهم ما دعوا به.
وأمّا قوله: {سبحانك اللّهمّ} فإنّ معناه: تنزيهًا لك يا ربّ ممّا أضاف إليك أهل الشّرك بك من الكذب عليك والفرية.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، عن غيرٍ واحدٍ، عطيّة فيهم: سبحان اللّه تنزيهٌ للّه.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن عثمان بن عبد اللّه بن موهبٍ، قال: سمعت موسى بن طلحة، قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن سبحان اللّه، قال: إبراء اللّه عن السّوء.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وأبو السّائب، وخلاّد بن أسلم، قالوا: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا قابوس، عن أبيه: أنّ ابن الكوّاء سأل عليًّا رضي اللّه عنه عن سبحان اللّه قال: كلمةٌ رضيها اللّه لنفسه.
- حدّثني نصر بن عبد الرّحمن الأوديّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن سفيان بن سعيدٍ الثّوريّ عن عثمان بن عبد اللّه بن موهب الطّلحيّ، عن موسى بن طلحة، قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، عن سبحان اللّه، فقال: تنزيهًا للّه عن السّوء.
- حدّثني عليّ بن عيسى البزّار، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن حمّادٍ، قال: ثني حفص بن سليمان، قال: حدّثنا طلحة بن يحيى بن طلحة، عن أبيه، عن طلحة بن عبيد اللّه، قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن تفسير سبحان اللّه، فقال: هو تنزيه اللّه من كلّ سوءٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرو بن تمامٍ الكلبيّ، قال: حدّثنا سليمان بن أيّوب، قال: ثني أبي، عن جدّي، عن موسى بن طلحة، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول اللّه قول سبحان اللّه؟ قال: تنزيه اللّه عن السّوء.
{وتحيّتهم} يقول: وتحيّة بعضهم بعضًا {فيها سلامٌ} أي سلمت وأمنت ممّا ابتلي به أهل النّار.
والعرب تسمّي الملك التّحيّة؛ ومنه قول عمرو بن معد يكرب:
أزور بها أبا قابوس حتّى = أنيخ على تحيّته بجندي
ومنه قول زهير بن جنابٍ الكلبيّ:
من كلّ ما نال الفتى = قد نلته إلاّ التّحيّة
وقوله: {وآخر دعواهم} يقول: وآخر دعائهم {أن الحمد للّه ربّ العالمين} يقول: وآخر دعائهم أن يقولوا: الحمد للّه ربّ العالمين؛ ولذلك خفّفت أنّ ولم تشدّد، لأنّه أريد بها الحكاية). [جامع البيان: 12/126-129]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ وتحيّتهم فيها سلامٌ وآخر دعواهم أن الحمد للّه ربّ العالمين (10)
قوله تعالى: دعواهم فيها
- حدّثنا أبي، ثنا عمرو بن رافعٍ البجليّ، ثنا سليمان بن علي، عن الربيع بن أنسٍ قال: أهل الجنّة إذا اشتهوا شيئًا قالوا: سبحانك اللّهمّ وبحمدك فإذا هو عندهم فذلك قوله: دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيب بن إسحاق، ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، قوله: دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ يقول: ذلك قولهم فيها، وتحيّتهم فيها سلامٌ.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى، ثنا معتمر بن سليمان قال: سمعت شبيب بن عبد الملك يحدّث أنّ مقاتل بن حيّان قال: إنّ أهل الجنّة إذا دعوا بالطّعام قالوا: سبحانك اللّهمّ قال: فيقوم على أحدهم عشرة آلاف خادمٍ، مع كلّ خادمٍ صحفةٌ من ذهبٍ، فيها طعامٌ ليس في الأخرى قال فيأكل منهنّ أكلهنّ.
- حدّثنا أبي، ثنا يعقوب بن إبراهيم الرّوزقيّ، ثنا الأشجعيّ، عن سفيان في قول اللّه عزّ وجلّ: دعواهم فيها سبحانك اللّهمّ قال: إذا أراد الرّجل من أهل الجنّة أن يدعوا قال: سبحانك اللّهمّ فيأتيه الّذي دعا به.
قوله تعالى: سبحانك اللهم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان ثنا زيد بن الحباب، ثنا أبو الأشعب، عن الحسن قال: سبحان اللّه اسمٌ لا يستطيع النّاس أن ينتحلوه.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا ابن نفيلٍ ثنا النّضر بن عربيٍّ قال: سأل رجلٌ ميمون بن عثمان عن سبحان اللّه فقال: اسمٌ يعظّم اللّه به ونجّانا به من السّوء.
قوله تعالى: وتحيّتهم فيها سلامٌ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا محمّد بن سعيدٍ الخزاميّ ثنا محمّد بن مروان العقيليّ عن الفضل الرقاشي فقال: تحيتهم فيها سلامٌ وآخر دعواهم أن الحمد للّه ربّ العالمين قال فيتجلّى لهم فيخرون له سجّدًا ويقولون سبحانك اللّهمّ وتحيّتهم بالسّلام فإذا انصرف عنهم قالوا الحمد للّه ربّ العالمين.
قوله تعالى: وآخر دعواهم
[الوجه الأول]
- ذكر عن ابن أبي عمر، ثنا سفيان عن أبي سنانٍ عن ابن أبي المذيّل قال: الحمد للّه أوّله وآخره ثمّ تلا سفيان وآخر دعواهم أن الحمد للّه ربّ العالمين.
- حدثنا أبي ثنا أبو معمر المقري، ثنا عبد الوارث ثنا عليّ بن زيد بن جدعان، عن يوسف بن مهران قال: قال ابن عبّاسٍ: الحمد للّه كلمة الشّكر، فإذا قال العبد: الحمد للّه قال: شكرني عبدي.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيبٌ، ثنا سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن السّلوليّ، عن كعبٍ قال: الحمد للّه ثناء اللّه.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الرّحمن العرزميّ، ثنا بزيعٌ أبو حازمٍ عن يحيى بن عبد الرّحمن يعني أبا بسطامٍ عن الضّحّاك قال: الحمد رداء الرّحمن.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا أبو معمرٍ القطيعيّ ثنا حفصٌ عن حجّاجٍ عن ابن أبي مليكة عن ابن عبّاسٍ قال: قال عمر: قد علمنا سبحان اللّه والحمد للّه قال عليٌّ كلمةٌ رضي اللّه لنفسه قال: أبو محمّدٍ رواه أبو معمرٍ القطيعيّ عن حفصٍ وحدّث به الأشجّ، فقال حفصٌ وخالفه فيه فقال فيه: قال عمر لعليٍّ وأصحابه عنده لا إله إلا اللّه والحمد للّه، واللّه أكبر، قد عرفناها، فما سبحان اللّه؟ فقال عليٌّ كلمةٌ أحبّها اللّه لنفسه ورضيها لنفسه وأحبّ أن تقال.
قوله تعالى: ربّ العالمين
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا هشامٌ ثنا خالد بن الوليد بن مسلمٍ ثنا الفرات بن الوليد عن مغيث بن شمسٍ عن تبيعٍ في قوله عزّ وجلّ: ربّ العالمين قال: العالمين: ألف أمّةٍ، فستّمائةٍ في البحر وأربعمائةٍ في البرّ.
- حدّثنا عليّ بن حربٍ الموصليّ، ثنا زيد بن الحباب عن حسين بن واقدٍ عن مطرٍ الورّاق عن قتادة، في قول اللّه: ربّ العالمين قال: ما وصف من خلقه.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو غسّان مالك بن إسماعيل، ثنا قيسٌ عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قوله: ربّ العالمين قال الجنّ والإنس.
وروي عن عليٍّ بإسنادٍ لا يعتمد عليه مثله وروي عن مجاهدٍ مثله). [تفسير القرآن العظيم: 6/1929-1932]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 10.
أخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قالوا سبحانك الله أتاهم ما شتهوا من الجنة من ربهم
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال: أهل الجنة إذا اشتهوا شيئا قالوا: سبحانك اللهم وبحمدك، فإذا هو عندهم فذلك قوله {دعواهم فيها سبحانك اللهم}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه قال: إن أهل الجنة إذا دعوا بالطعام قالوا: سبحانك اللهم، فيقوم على أحدهم عشرة آلاف خادم مع كل خادم صحفة من ذهب فيها طعام ليس في الأخرى فيأكل منهن كلهن.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {دعواهم فيها سبحانك اللهم} قال: يكون ذلك قولهم فيها.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج قال: أخبرت أن قوله {سبحانك اللهم} إذا مر بهم الطائر يشتهونه قالوا: سبحانك اللهم ذلك دعاؤهم به فيأتيهم بما اشتهوا فإذا جاء الملك بما يشتهون فيسلم عليهم فيردون عليه فذلك قوله {وتحيتهم فيها سلام} فإذا أكلوا قدر حاجتهم قالوا: الحمد لله رب العالمين، فذلك قوله {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن أبي الهذيل قال: الحمد أول الكلام وآخر الكلام ثم تلا {وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين}). [الدر المنثور: 7/633-635]