تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (يقال: {تلك آيات} [البقرة: 252] : «يعني هذه أعلام القرآن»). [صحيح البخاري: 6/72] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله يقال تلك آيات يعني هذه أعلام القرآن ومثله حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم المعنى بكم هذا وقع لغير أبي ذرٍّ وسيأتي للجميع في التّوحيد وقائل ذلك هو أبو عبيدة بن المثنّى وفي تفسير السّدّيّ آيات الكتاب الأعلام والجامع بينهما أنّ في كلّ منهما صرف الخطاب عن الغيبة إلى الحضور وعكسه). [فتح الباري: 8/346]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (يقال تلك آياتٌ يعني هذه أعلام القرآن
أشار به إلى قوله تعالى: {آلر تلك آيات الكتاب الحكيم} (يونس: 1) وأراد أن: تلك، هنا بمعنى: هذه، على أن معنى: تلك آيات الكتاب: هذه أعلام القرآن وعلم من هذه أن اسم الإشارة للغائب قد يستعمل للحاضر لنكتة يعرفها من له يد في العربيّة، وقال الزّمخشريّ: تلك إشارة إلى ما تضمنته السّورة من الآيات والكتاب السّورة، والحكيم ذو الحكمة لاشتماله عليها ونطقه بها). [عمدة القاري: 18/284]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (يقال {تلك آيات}) قال أبو عبيدة (يعني هذه أعلام القرآن) وأراد أن معنى تلك هذه). [إرشاد الساري: 7/165]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الر}.
قال أبو جعفرٍ: اختلف أهل التّأويل في ذلك، فقال بعضهم: تأويله أنا اللّه أرى.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا يحيى بن داود بن ميمونٍ الواسطيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {الر} أنا اللّه، أرى.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا شريكٌ، عن عطاء بن السّائب، عن أبي الضّحى، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {الر} قال: أنا اللّه، أرى.
وقال آخرون: هي حروفٌ من اسم اللّه الّذي هو الرّحمن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبد اللّه بن أحمد بن شبّويه، قال: حدّثنا عليّ بن الحسين، قال: ثني أبي، عن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، {الر}، و{حم}، ونون حروف الرّحمن مقطّعةٌ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عيسى بن عبيدٍ، عن الحسين بن عثمان، قال: ذكر سالم بن عبد اللّه: {الر}، و{حم} ونون فقال: اسم الرّحمن مقطّعٌ. ثمّ قال: الرّحمن.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبي حمّادٍ، قال: حدّثنا مندلٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: {الر}، و{حم}، ونون هو اسم الرّحمن.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا سويد بن عمرٍو الكلبيّ، عن أبي عوانة، عن إسماعيل بن سالمٍ، عن عامرٍ، أنّه سئل عن: {الر}، و{حم}، و{ص} قال: هي أسماء اللّه مقطّعةٌ بالهجاء، فإذا وصلتها كانت اسمًا من أسماء اللّه تعالى.
وقال آخرون: هي اسمٌ من أسماء القرآن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {الر} اسمٌ من أسماء القرآن.
وقد ذكرنا اختلاف النّاس وما إليه ذهب كلّ قائلٍ في الّذي قال فيه، وما الصّواب لدينا من القول في ذلك في نظيره، وذلك في أوّل سورة البقرة، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع وإنّما ذكرنا في هذا الموضع القدر الّذي ذكرنا لمخالفة من ذكرنا قوله في هذا قول في {الم} فأمّا الّذين وفّقوا بين معاني جميع ذلك، فقد ذكرنا قولهم هناك مكتفيًا عن الإعادة ههنا.
القول في تأويل قوله تعالى: {تلك آيات الكتاب الحكيم}.
واختلف في تأويل ذلك، فقال بعضهم: تلك آيات التّوراة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن مجاهدٍ، {تلك آيات الكتاب الحكيم} قال: التّوراة والإنجيل.
- قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا هشامٌ، عن عمرٍو، عن سعيدٍ، عن قتادة، {تلك آيات الكتاب} قال: الكتب الّتي كانت قبل القرآن.
وقال آخرون: معنى ذلك: هذه آيات القرآن.
وأولى التّأويلين في ذلك بالصّواب تأويل من تأوّله: هذه آيات القرآن، ووجه معنى تلك إلى معنى هذه.
وقد بيّنّا وجه توجيه تلك إلى هذا المعنى في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته. والآيات الأعلام، والكتاب اسمٌ من أسماء القرآن، وقد بيّنّا كلّ ذلك فيما مضى قبل.
وإنّما قلنا هذا التّأويل أولى في ذلك بالصّواب، لأنّه لم يجئ للتّوراة والإنجيل قبل ذكرٌ ولا تلاوةٌ بعده فيوجّه إليه الخبر.
فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: والرّحمن هذه آيات القرآن الحكيم. ومعنى {الحكيم} في هذا الموضع: المحكم صرف مفعلٍ إلى فعيلٍ، كما قيل عذابٌ أليمٌ، بمعنى مؤلمٌ، وكما قال الشّاعر:
أمن ريحانة الدّاعي السّميع
وقد بيّنّا ذلك في غير موضعٍ من الكتاب.
فمعناه إذًا: تلك آيات الكتاب المحكم الّذي أحكمه اللّه وبيّنه لعباده، كما قال جلّ ثناؤه: {الر كتابٌ أحكمت آياته ثمّ فصلت من لدنٌ حكيمٌ خبيرٌ}). [جامع البيان: 12/103-106]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (الر تلك آيات الكتاب الحكيم (1)
قوله عزّ وجلّ: الر
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو غسّان، ثنا شريكٌ عن عطاء بن السّائب قال شريكٌ: أراه إلا عن أبي الضّحى يعني: مسلم بن صبيحٍ، عن ابن عبّاسٍ: الر، قال أنا اللّه أرى.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، الر قال: أنا اللّه أرى.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا هدبة بن عبد الوهّاب ثنا عليّ بن الحسين بن واقدٍ عن أبيه، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ، الر: حروف الرّحمن مفرّقةٌ فحدّثنيه الأعمش فقال بذلك مثل هذا فلا تخبرنا.
وروي عن سالم بن عبد اللّه الر وحم ن: اسم الرّحمن مقطّعٌ.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا محمّد بن نور عن معمرٍ عن قتادة قال: الر: اسمٌ من أسماء القرآن.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا يحيى بن أبي زائدة قال ابن جريجٍ: قال مجاهدٌ: الم قال: هذا فواتح يفتح اللّه بها القرآن، قال قلت: ألم تكن تقل اسمًا قال: لا.
قوله تعالى: تلك
- حدّثنا موسى بن أبي موسى الخطميّ، ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: تلك يعني: هذه.
قوله: آيات.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عليّ بن زنجة، ثنا عليّ بن الحسن عن ابن الحسين بن واقدٍ عن مطرٍ قال: تلك آيات قال: الزّبور.
قوله تعالى: الكتاب الحكيم
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا ابن السّمّاك عن أبي بكرٍ عن الحسن في هذه الآية: الر تلك آيات الكتاب قال: التّوراة والزّبور.
- حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجانيّ، ثنا أبو الجماهر ثنا سعيدٌ عن قتادة، قوله: تلك آيات الكتاب قال: الكتب الّتي خلت قبل القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 6/1921-1922]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 1.
أخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {الر} قال: فواتح السور أسماء من أسماء الله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات، وابن النجار في تاريخه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {الر} قال: أنا الله أرى.
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله {الر} قال: أنا الله أرى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {الر} قال: أنا الله أرى.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {الر} و(حم) و(ن) قال: اسم مقطع.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {الر} و(حم) و(ن) قال: حروف الرحمن مفرقة.
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي في قوله {الر} قال: ألف ولام وراء من الرحمن، أما قوله: {تلك آيات الكتاب الحكيم}.
أخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك رضي الله عنه في قوله تعالى {تلك} يعني هذه
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {تلك آيات الكتاب} قال: الكتب التي خلت قبل القرآن). [الدر المنثور: 7/624-626]
تفسير قوله تعالى: (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال زيد بن أسلم: {أنّ لهم قدم صدقٍ} [يونس: 2] : «محمّدٌ صلّى الله عليه وسلّم» وقال مجاهدٌ: «خيرٌ»). [صحيح البخاري: 6/72]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال زيد بن أسلم أنّ لهم قدم صدق عند ربهم محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم وقال مجاهدٌ خيرٌ أمّا قول زيد بن أسلم فوصله بن جرير من طريق بن عيينة عنه بهذا الحديث وهو في تفسير بن عيينة أخبرت عن زيد بن أسلم وأخرج الطّبريّ من طريق الحسن وقتادة قال محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم شفيعٌ لهم وهذا وصله بن مردويه من حديث عليّ ومن حديث أبي سعيدٍ بإسنادين ضعيفين وأمّا قول مجاهدٍ فوصله الفريابيّ من طريق بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله تعالى وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدقٍ قال خير وروى بن جرير من وجهٍ آخر عن مجاهدٍ في قوله قدم صدق قال صلاتهم وصومهم وصدقتهم وتسبيحهم ولا تنافي بين القولين ومن طريق الرّبيع بن أنسٍ قدم صدق أي ثواب صدقٍ ومن طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في قوله تعالى أن لهم قدم صدق قال سبقت لهم السّعادة في الذّكر الأوّل ورجح بن جريرٍ قول مجاهدٍ ومن تبعه لقول العرب لفلان قدم صدقٍ في كذا أي قدمٌ فيه خيرٌ أو قدم سوءٍ في كذا أي قدمٌ فيه شرٌّ وجزم أبو عبيدة بأنّ المراد بالقدم السّابقة وروى الحاكم من طريق أنسٍ عن أبيّ بن كعبٍ في قوله قدم صدق قال سلف صدقٍ وإسناده حسنٌ تنبيهٌ ذكر عياضٌ أنّه وقع في رواية أبي ذرٍّ وقال مجاهد بن جبيرٍ قال وهو خطأٌ قلت لم أره في النّسخة الّتي وقعت لنا من رواية أبي ذرٍّ إلّا على الصّواب كما قدمته نعم ذكر بن التّين أنّها وقعت كذلك في رواية الشّيخ أبي الحسن يعني القابسيّ ومجاهد هو بن جبرٍ بفتح الجيم وسكون الموحّدة لكنّ المراد هنا أنّه فسّر القدم بالخير ولو كان وقع بزيادة بن مع التّصحيف لكان عاريًا عن ذكر القول المنسوب لمجاهدٍ في تفسير القدم). [فتح الباري: 8/346]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال ابن عبّاس فاختلط فنبت بالماء من كل لون وقال زيد ابن أسلم أن لهم قدم صدق محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم وقال مجاهد خير
أما قول ابن عبّاس فقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا أبو صالح ثنا معاوية عن علّي عن ابن عبّاس به
وأما قول زيد بن أسلم فقال أبو جعفر الطّبريّ في تفسيره ثنا المثنى ثنا إسحاق ثنا عبد الله بن الزبير هو الحميدي ثنا ابن عيينة عن زيد بن أسلم في قوله 2 يونس {أن لهم قدم صدق عند ربهم} قال محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم
ورواه سعيد بن عبد الرّحمن المخزومي عن ابن عيينة في تفسيره قال أخبرت عن زيد بن أسلم في هذه الآية {وبشر الّذين آمنوا أن لهم قدم صدق} 2 يونس قال محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم
وأما قول مجاهد فقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله {وبشر الّذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم} قال خير). [تغليق التعليق: 4/221-222]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال زيد بن أسلم أنّ لهم قدم صدقٍ محمّدٌ صلى الله عليه وسلم وقال مجاهدٌ خيرٌ
زيد بن أسلم أبو أسامة مولى عمر بن الخطاب، وقد فسر: (قدم صدق) في قوله تعالى: {وبشر الّذين آمنوا أن لهم قدم صدق} (يونس: 2) بأنّه محمّد صلى الله عليه وسلم، ووصل هذا التّعليق أبو جعفر بن جرير من طريق ابن عيينة عنه، وعن ابن عبّاس: منزل صدق، وقيل: القدم: العمل الصّالح، وعن الرّبيع بن أنس: ثواب صدق، وعن السّديّ: قدم يقدمون عليه عند ربهم. قوله: (وقال مجاهد: خير) يعني: قدم صدق هو خير، أسنده أبو محمّد البستي من حديث ابن أبي نجيح عنه، ثمّ روى عنه أيضا صلاتهم وتسبيحهم وصومهم، ورجح ابن جرير قول مجاهد لقول العرب: لفلان قدم صدقٍ في كذا، إذا قدم فيه خيرا، وقدم شرٍ في كذا إذا قدم فيه شرا، وذكر عياض أنه وقع في رواية أبي ذر: وقال مجاهد بن جبر، وهو خطأ. قلت: جبر، بفتح الجيم وسكون الباء الموحدة: اسم والد مجاهد، ووجه كونه خطأ أنه لو كان ابن جبر لخلا الكلام عن ذكر القول المنسوب إلى مجاهد في تفسير القدم، ويرد بهذا أيضا ما ذكره ابن التّين أنّها وقعت كذلك في نسخة أبي الحسن القابسيّ). [عمدة القاري: 18/283-284]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال زيد بن أسلم) أبو أسامة مولى عمر بن الخطاب مما وصله ابن جرير ({أن لهم قدم صدق}) [يونس: 2] هو (محمد -صلّى اللّه عليه وسلّم-) وأخرج الطبري من طريق الحسن أو قتادة قال محمد شفيع لهم ووصله ابن مردويه من حديث علي ومن حديث أبي سعيد لإسنادين ضعيفين.
(وقال مجاهد): هو ابن جبر فيما وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه قدم صدق قال: (خير) ورجحه ابن جرير لقول العرب لفلان قدم صدق في كذا أي قدّم فيه خير أو قدم سوء في كذا إذا قدم فيه شرًا). [إرشاد الساري: 7/164-165]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أكان للنّاس عجبًا أن أوحينا إلى رجلٍ منهم أن أنذر النّاس}.
يقول تعالى ذكره: أكان عجبًا للنّاس إيحاؤنا القرآن على رجلٍ منهم بإنذارهم عقاب اللّه على معاصيه، كأنّهم لم يعلموا أنّ اللّه قد أوحى من قبله إلى مثله من البشر، فتعجبوا من وحينا إليه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا بعث اللّه محمّدًا رسولاً أنكرت العرب ذلك، أو من أنكر منهم، فقالوا: اللّه أعظم من أن يكون رسوله بشرًا مثل محمّدٍ فأنزل اللّه تعالى: {أكان للنّاس عجبًا أن أوحينا إلى رجلٍ منهم}. وقال: {وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: عجبت قريشٌ أن بعث، رجلٌ منهم قال: ومثل ذلك: {وإلى عادٍ أخاهم هودًا}، {وإلى ثمود أخاهم صالحًا} قال اللّه: {أوعجبتم أن جاءكم ذكرٌ من ربّكم على رجلٍ منكم}.
القول في تأويل قوله تعالى: {وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم}.
يقول جلّ ثناؤه: أكان عجبًا للنّاس أن أوحينا إلى رجلٍ منهم أن أنذر النّاس، وأن بشّر الّذين آمنوا باللّه ورسوله أنّ لهم قدم صدقٍ؛ عطف على أنذر.
واختلف أهل التّأويل في معنى قوله: {قدم صدقٍ} فقال بعضهم: معناه: أنّ لهم أجرًا حسنًا بما قدّموا من صالح الأعمال.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم} قال: ثواب صدقٍ.
- قال: حدّثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ: {أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم} قال: الأعمال الصّالحة.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم} يقول: أجرًا حسنًا بما قدّموا من أعمالهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يزيد بن حيّان، عن إبراهيم بن يزيد، عن الوليد بن عبد اللّه بن أبي مغيثٍ، عن مجاهدٍ، {أنّ لهم، قدم صدقٍ عند ربّهم} قال: صلاتهم، وصومهم، وصدقتهم، وتسبيحهم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {قدم صدقٍ} قال: خيرٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {قدم صدقٍ} مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، قال: {قدم صدقٍ} ثواب صدقٍ عند ربّهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدقٍ} قال: القدم الصّدق: الثّواب الصّدق بما قدّموا من الأعمال.
وقال آخرون: معناه: أنّ لهم سابق صدقٍ في اللّوح المحفوظ من السّعادة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: ثني معاوية بن صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم} يقول: سبقت لهم السّعادة في الذّكر الأوّل.
وقال آخرون: معنى ذلك أنّ محمّدًا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم شفيعٌ لهم، قدم صدقٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن فضيل بن عمرو بن الجون، عن قتادة، أو الحسن: {أنّ لهم، قدم صدقٍ عند ربّهم} قال: محمّدٌ شفيعٌ لهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم} أي سلف صدقٍ عند ربّهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، عن ابن عيينة، عن زيد بن أسلم، في قوله: {أنّ لهم، قدم صدقٍ عند ربّهم} قال: محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال عندي بالصّواب، قول من قال: معناه أنّ لهم أعمالاً صالحةً عند اللّه يستوجبون بها منه الثّواب.
وذلك أنّه محكيّ عن العرب: هؤلاء أهل القدم في الإسلام؛ أي هؤلاء الّذين قدّموا فيه خيرًا، فكان لهم فيه تقديمٌ، ويقال: له عندي قدم صدقٍ وقدم سوءٍ، وذلك ما قدّم إليه من خيرٍ أو شرٍّ، ومنه قول حسّان بن ثابتٍ رضي اللّه عنه:
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا = لأوّلنا في طاعة اللّه تابع
وقول ذي الرّمّة:
لكم قدمٌ لا ينكر النّاس أنّها = مع الحسب العاديّ طمّت على البحر
فتأويل الكلام إذًا: وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم تقدمة خيرٍ من الأعمال الصّالحة عند ربّهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {قال الكافرون إنّ هذا لساحرٌ مبينٌ}.
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة والبصرة: {إنّ هذا لسحرٌ مبينٌ} بمعنى: إنّ هذا الّذي جئتنا به، يعنون القرآن لسحرٌ مبينٌ وقرأ ذلك مسروقٌ وسعيد بن جبيرٍ وجماعةٌ من قرّاء الكوفيّين: {إنّ هذا لسحرٌ مبينٌ}؛ بمعنى: إنّ هذا النذير الذي يدعونا إلى التوحيد – يعنون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم - لساحرٌ مبينٌ.
وقد بيّنت فيما مضى من نظائر ذلك أنّ كلّ موصوفٍ بصفةٍ نزل الموصوف على صفته، وصفته عليه، فالقارئ مخيّرٌ في القراءة في ذلك؛ وذلك نظير هذا الحرف: {قال الكافرون إنّ هذا لساحرٌ مبينٌ} ولسحرٌ مبينٌ.
وذلك أنّهم إنّما وصفوه بأنّه ساحرٌ، ووصفهم ما جاءهم به أنّه سحرٌ يدلّ على أنّهم قد وصفوه بالسّحر. وإذا كان ذلك كذلك فسواءٌ بأيّ ذلك قرأ القارئ لاتفاق معنى القراءتين وفي الكلام محذوفٌ استغنى بدلالة ما ذكر عمّا ترك ذكره وهو: فلمّا بشّرهم وأنذرهم وتلا عليهم الوحي، قال الكافرون إنّ هذا الّذي جاءنا به لسحرٌ مبينٌ.
فتأويل الكلام إذًا: {أكان للنّاس عجبًا أن أوحينا إلى رجلٍ منهم أن أنذر النّاس وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم}، فلمّا آتاهم بوحي اللّه وتلاه عليهم، قال المنكرون توحيد اللّه ورسالة رسوله: إنّ هذا الّذي جاءنا به محمّدٌ لسحرٌ مبينٌ؛ أي يبيّن لكم عنه أنّه مبطلٌ فيما يدّعيه). [جامع البيان: 12/106-113]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (أكان للنّاس عجبًا أن أوحينا إلى رجلٍ منهم أن أنذر النّاس وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم قال الكافرون إنّ هذا لساحرٌ مبينٌ (2)
قوله تعالى: أكان للنّاس عجبًا أن أوحينا إلى رجلٍ منهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا كريب بن محمّد بن العلاء، ثنا عثمان بن سعيدٍ ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم رسولا أنكرت العرب ذلك أو من أنكر ذلك منهم اللّه أعظم من أن يكون رسوله بشرًا مثل محمّدٍ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: أكان للنّاس عجبًا أن أوحينا إلى رجلٍ منهم.
قوله تعالى: أن أنذر النّاس وبشّر الّذين آمنوا
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عمّارٍ ثنا الوليد بن مسلمٍ ثنا خليدٌ عن قتادة قال: المؤمنون هم العجّاجون باللّيل والنّهار، واللّه ما زالوا يقولون: ربّنا، ربّنا حتّى استجيب لهم.
- وأخبرنا محمود بن آدم المرّوذيّ فيما كتب إليّ قال: سمعت النّضر بن سهلٍ يقول: تفسير المؤمن: إنّه آمنٌ من عذاب اللّه.
قوله تعالى: أنّ لهم قدم صدق
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، قوله: وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم.
قال: تحقّق لهم الشّهادة في الذّكر الأوّل.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ ثنا زيد بن الحباب عن إبراهيم بن يزيد، عن الوليد بن عبد اللّه بن أبي مغيثٍ عن مجاهدٍ، أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربهم قال: صلاتهم وتسبيحهم.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: قدم صدقٍ قال: خيره.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، حدّثني عبد اللّه بن عمران بن عليٍّ الأسديّ ثنا يحيى بن الضّريس، ثنا خالد بن صبيحٍ البجليّ، عن مقاتل بن حيّان في قوله: أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم قال: محمّدٌ شفيع صدقٍ.
الوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا رجلٌ سمّاه، عن السّدّيّ أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربهم قال: يقدمون عليه عند ربهم.
الوجه السّادس:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا الجرّاح بن مخلدٍ، ثنا عبد اللّه بن ميمونٍ، ثنا عوفٌ عن الحسن في قوله: قدم صدقٍ عند ربّهم: مصيبتهم في نبيّهم صلّى الله عليه وسلّم.
الوجه السّابع:
- حدّثنا سهل بن بحرٍ العسكريّ، ثنا جعفر بن حميدٍ الكوفيّ، ثنا ابن المبارك عن ابن جريجٍ عن مجاهدٍ في قوله: قدم صدقٍ عند ربّهم: قال: سلف صدقٍ. وروي عن قتادة مثله.
الوجه الثّامن:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ في قوله: وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربهم قال: ثواب صدقٍ عند ربّهم.
قوله تعالى: عند ربّهم
- حدّثنا أبي، ثنا عليّة بن محمّدٍ الطّنافسيّ، ثنا يحيى بن آدم ثنا فضيل ابن مرزوقٍ، عن ملاك بن الجفون يعني: عمرًا، عن الحسن، في قوله: قدم صدقٍ عند ربّهم قال: شفيعٌ لهم يوم القيامة.
قوله تعالى: قال الكافرون إنّ هذا لساحرٌ مبينٌ
- أخبرنا محمّد بن سعيدٍ فيما كتب إليّ حدّثني أبي، حدّثني عمّي، عن أبيه، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: قال الكافرون إنّ هذا لساحرٌ مبينٌ لزادهم ذلك تكذيبًا.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: قال الكافرون إنّ هذا لساحرٌ مبينٌ فنظروا إليه فلم يصدّقوا به). [تفسير القرآن العظيم: 6/1922-1924]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم يعني إن لهم خيرا عند ربهم). [تفسير مجاهد: 291]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو نصرٍ أحمد بن سهلٍ الفقيه ببخارى، ثنا أبو عصمة سهل بن المتوكّل، ثنا عمرو بن مرزوقٍ، ثنا شعبة، عن قتادة، عن أنسٍ رضي اللّه عنه، عن أبيّ بن كعبٍ رضي اللّه عنه، في قوله تعالى " {وبشّر الّذين آمنوا أنّ لهم قدم صدقٍ عند ربّهم} [يونس: 2] قال: سلف صدقٍ عند ربّهم «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/368]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 2.
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم رسولا أنكرت العرب ذلك ومن أنكر منهم قالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشرا مثل محمد، فأنزل الله {أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم} الآية، (ما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم) (الأنبياء الآية 7) الآية، فلما كرر الله عليهم الحجج قالوا: وإذا كان بشرا فغير محمد كان أحق بالرسالة (فلولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) (الزخرف الآية 31) يقولون: أشرف من محمد يعني الوليد بن المغيرة من مكة ومسعود بن عمر والثقفي من الطائف فأنزل الله ردا عليهم (أهم يقسمون رحمة ربك) (الزخرف الآية 32) الآية، والله أعلم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم} قال: ما سبق لهم من السعادة في الذكر الأول.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {أن لهم قدم صدق عند ربهم} قال: القدم هو العمل الذي قدموا، قال الله (سنكتب ما قدموا وآثارهم) (يسن الآية 12) والآثار ممشاهم قال: مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين اسطوانتين من مسجدهم ثم قال هذا أثر مكتوب.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع في قوله {قدم صدق} قال: ثواب صدق.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله {قدم صدق} قال: يقدمون عليه عند ربهم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {قدم صدق} قال: خير.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {قدم صدق}
قال: سلف صدق.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {قدم صدق} أي سلف صدق.
وأخرج أبو الشيخ عن بكار بن مالك رضي الله عنه في قوله {قدم صدق عند ربهم} قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله {أن لهم قدم صدق عند ربهم} قال: محمد صلى الله عليه وسلم شفيع لهم يوم القيامة.
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله {أن لهم قدم صدق عند ربهم} قال: محمد صلى الله عليه وسلم شفيع لهم يوم القيامة.
وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري في قوله {قدم صدق عند ربهم} قال: محمد صلى الله عليه وسلم شفيع صدق لهم يوم القيامة.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي بن كعب في قوله {لهم قدم صدق} قال: سلف صدق.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله {أن لهم قدم صدق عند ربهم} قال: مصيبتهم في نبيهم صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم في قوله {قدم صدق} قال: محمد صلى الله عليه وسلم، أما قوله تعالى: {قال الكافرون إن هذا لساحر مبين}.
وأخرج أبو الشيخ عن زائدة قال: قرأ سليمان في يونس عند الآيتين {لساحر مبين}). [الدر المنثور: 7/626-629]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّموات والأرض في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش يدبّر الأمر ما من شفيعٍ إلاّ من بعد إذنه ذلكم الله ربّكم فاعبدوه أفلا تذكّرون}.
يقول تعالى ذكره: إنّ ربّكم الّذي له عبادة كلّ شيءٍ، ولا تنبغي العبادة إلاّ له، هو الّذي خلق السّماوات السّبع والأرضين السّبع في ستّة أيّامٍ، وانفرد بخلقها بغير شريكٍ ولا ظهيرٍ، ثمّ استوى على عرشه مدبرًا للأمور وقاضيًا في خلقه ما أحبّ، لا يضاده في قضائه أحدٌ ولا يتعقّب تدبيره متعقّبٌ ولا يدخل أموره خللٌ. {ما من شفيعٍ إلاّ من بعد إذنه} يقول: لا يشفع عنده شافعٌ يوم القيامة في أحدٍ إلاّ من بعد أن يأذن له في الشّفاعة فيه.
{ذلكم اللّه ربّكم} يقول جلّ جلاله: هذا الّذي هذه صفته سيّدكم ومولاكم لا من لا يسمع، ولا يبصر، ولا يدبّر، ولا يقضي من الآلهة والأوثان. {فاعبدوه} يقول: فاعبدوا ربّكم الّذي هذه صفته، وأخلصوا له العبادة، وأفردوا له الألوهة والرّبوبيّة بالذّلّة منكم له دون أوثانكم وسائر ما تشركون معه في العبادة. {أفلا تذكّرون} يقول: أفلا تتّعظون وتعتبرون بهذه الآيات والحجج، فتنيبون إلى الإذعان بتوحيد ربّكم وإفراده بالعبادة، وتجمعون الأنداد وتبرءون منها.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {يدبّر الأمر} قال: يقضيه وحده.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الأعلى، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ: {يدبّر الأمر ما من شفيعٍ إلاّ من بعد إذنه} قال: يقضيه وحده.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يدبّر الأمر} قال: يقضيه وحده.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله). [جامع البيان: 12/113-115]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش يدبّر الأمر ما من شفيعٍ إلّا من بعد إذنه ذلكم اللّه ربّكم فاعبدوه أفلا تذكّرون (3)
قوله تعالى: إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السماوات والأرض
- حدثنا أبي يونس محمّد بن أحمد بن يزيد بن عبد اللّه بن يزيد بمكّة، ثنا إبراهيم بن حمزة، عن عبد العزيز بن محمّدٍ عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة أنّه قال نزلت هذه الآية: إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السماوات والأرض في ستّة أيّامٍ لقي ركبٌ عظيمٌ لا يرون إلا أنّهم من العرب، فقالوا لهم: من أنتم؟ قالوا: من الجنّ خرجنا من المدينة أخرجتنا هذه الآية.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عيسى ثنا سلمة ثنا محمّد بن إسحاق، قال: ابتدع السّماوات والأرض، ولم يكونا بقدرته لم يستعن على ذلك بأحدٍ من خلقه، ولم يشركه في شيءٍ من أمره، فسلطانه قاهرٌ قوله النّافذ الّذي يقول به لما أراه أن يقول له: كن فيكون، ففرغ من خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّامٍ.
- أخبرنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ ثنا إسماعيل بن عبد الكريم أخبرني عبد الصّمد بن معقلٍ أنّه سمع عمّه وهب بن منبّهٍ يقول: قال عزيرٌ يا ربّ أمرت الماء فجمد في وسط الهواء فجعلت منه سبعًا وسمّيته السّماوات ثمّ أمرت الماء ينفتق من التّراب وأمرت التّراب أن يميّز من الماء فكان كذلك، فسمّيت جميع ذلك الأرضين وجميع البحار.
قوله تعالى: في ستّة أيّامٍ
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ، عن الضحاك، عن ابن عباس: خلق السماوات والأرض في ستّة أيّامٍ، قال: يومٌ مقداره ألف سنةٍ.
قوله تعالى: ثمّ استوى
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع عن أبي العالية في قوله: ثمّ استوى، يقول: ارتفع.
وروي عن الحسن والرّبيع بن أنسٍ مثله.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ ثنا شعيب بن إسحاق، عن ابن أبي عروبة عن قتادة، في قول اللّه: ثمّ استوى على العرش قال يوم السّابع
وحدّث يزيد بن سنانٍ ثنا يزيد بن أبي حكيمٍ حدّثني الحكم بن أبان قال: سمعت عكرمة يقول إنّ اللّه بدء خلق السّماوات والأرض وما بينهما يوم الأحد، ثمّ استوى على العرش يوم الجمعة في ثلاث ساعاتٍ، فخلق في ناحيةٍ منها الشّموس كي يرغّب النّاس إلى ربّهم في الدّعاء والمسألة، وخلق في ناحيةٍ النّتن الّذي يسقط على ابن آدم إذا مات لكي يقبر.
قوله تعالى: على العرش
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ ابن الحارث ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، وإنّما سمّي العرش عرشًا لارتفاعه.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا أبو أسامة، ثنا إسماعيل بن أبي خالدٍ قال سمعت سعدًا الطّائيّ يقول العرش ياقوتةٌ حمراء.
- قرئ على بحر بن نصرٍ الخولانيّ المصريّ، ثنا أسد بن موسى ثنا يوسف، عن أبي العبّاس ابن بنت وهب بن منبّهٍ، عن وهب بن منبّهٍ قال إنّ اللّه خلق العرش من نور.
قوله تعالى: يدبّر الأمر
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: يدبّر الأمر قال: يقبضه وحده.
قوله تعالى: ما من شفيعٍ إلا من بعد إذنه
- حدّثنا أبي، ثنا حييّ بن عبد الحميد الحمّانيّ، ثنا المذيّل بن عميرٍ الهمذانيّ ثنا شريكٌ عن سالمٍ عن سعيد بن جبيرٍ قال من يتكلّم عنده إلا بإذنه.
قوله تعالى: ذلكم اللّه ربّكم فاعبدوه
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا أبو غسّان، ثنا سلمة بن الفضل عن محمد ابن إسحاق قال فيما أخبرني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: اعبدوا أي وحّدوا.
قوله تعالى: أفلا تذكّرون
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، في قوله: تذكّرون قال: أهل الذّكر هم أهل القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 6/1924-1926]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يدبر الأمر قال يقضي الأمر وحده). [تفسير مجاهد: 292]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 3 - 4.
أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {يدبر الأمر} قال: يقضيه وحده، وفي قوله {إنه يبدأ الخلق ثم يعيده} قال: يحييه ثم يميته ثم يحييه). [الدر المنثور: 7/629]
تفسير قوله تعالى: (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إليه مرجعكم جميعًا وعد اللّه حقًّا إنّه يبدأ الخلق ثمّ يعيده ليجزي الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات بالقسط والّذين كفروا لهم شرابٌ من حميمٍ وعذابٌ أليمٌ بما كانوا يكفرون}.
يقول تعالى ذكره: إلى ربّكم الّذي صفته ما وصف جلّ ثناؤه في الآية قبل هذه، معادكم أيّها النّاس يوم القيامة جميعًا. {وعد اللّه حقًّا} فأخرج وعد اللّه مصدرًا من قوله: {إليه مرجعكم} لأنّ فيه معنى الوعد، ومعناه: يعدكم اللّه أن يحييكم بعد مماتكم وعدًا حقًّا، فلذلك نصب {وعد اللّه حقًّا} {إنّه يبدؤ الخلق ثمّ يعيده}. يقول تعالى ذكره: إنّ ربّكم يبدأ إنشاء الخلق وإحداثه وإيجاده ثمّ يعيده، فيوجده حيًّا كهيئته يوم ابتدأه بعد فنائه وبلائه.
- كما حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {يبدأ الخلق ثمّ يعيده} قال: يحييه ثمّ يميته.
قال أبو جعفرٍ: وأحسبه أنّه قال: ثمّ يحييه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ: {يبدأ الخلق ثمّ يعيده} قال: يحييه ثمّ يميته ثمّ يحييه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إنّه يبدأ الخلق ثمّ يعيده} يحييه ثمّ يميته، ثمّ يبدؤه ثمّ يحييه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوه.
وقرأت قرّاء الأمصار ذلك: {إنّه يبدأ الخلق} بكسر الألف من إنّه على الاستئناف وذكر عن أبي جعفرٍ الرّازيّ أنّه قرأه أنّه بفتح الألف من أنّه كأنّه أراد: حقًّا أن يبدأ الخلق ثمّ يعيده، فـ أنّ حينئذٍ تكون رفعًا، كما قال الشّاعر:
أحقًّا عباد اللّه أن لست زائرًا = ريا حيّةٍ إلاّ عليّ رقيب
وقوله: {ليجزي الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات بالقسط} يقول: ثمّ يعيده من بعد مماته كهيئته قبل مماته عند بعثه من قبره، وقوله: {ليجزي الّذين آمنوا} يقول: ليثيب من صدق اللّه ورسوله وعملوا ما أمرهم اللّه به من الأعمال واجتنبوا ما نهاهم عنه على أعمالهم الحسنة {بالقسط} يقول: ليجزيهم على الحسن من أعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا الحسن من الثّواب والصّالح من الجزاء في الآخرة، وذلك هو القسط. والقسط العدل والإنصاف.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {بالقسط} بالعدل.
وقوله: {والّذين كفروا لهم شرابٌ من حميمٍ} فإنّه جلّ ثناؤه ابتدأ الخبر عمّا أعدّ اللّه للّذين كفروا من العذاب. وفيه معنى العطف على الأوّل، لأنّه تعالى ذكره عمّ بالخبر عن معاد جميعهم كفّارهم ومؤمنيهم إليه، ثمّ أخبر أنّ إعادتهم ليجزي كلّ فريقٍ بما عمل، المحسن منهم بالإحسان والمسيء بالإساءة. ولكن لمّا كان قد تقدّم الخبر المستأنف عمّا أعدّ للّذين كفروا من العذاب ما يدلّ سامع ذلك على المراد ابتدأ الخبر والمعنى العطف، فقال: والّذين جحدوا اللّه ورسوله وكذّبوا بآيات اللّه، لهم شرابٌ في جهنّم من حميمٍ، وذلك شرابٌ قد أغلي واشتدّ حرّه حتّى أنّه فيما ذكر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليتساقط من أحدهم حين يدنيه منه فروة رأسه، وكما وصفه جلّ ثناؤه: {كالمهل يشوي الوجوه}.
وأصله مفعولٌ صرف إلى فعيلٍ، وإنّما هو محمومٌ: أي مسخّنٌ، وكلّ مسخّنٍ عند العرب فهو حميمٌ، ومنه قول المرقّش:
وكلّ يومٍ لها مقطرةٌ = فيها كباءٌ معدٌّ وحميم
يعني بالحميم: الماء المسخّن.
وقوله: {وعذابٌ أليمٌ} يقول: ولهم مع ذلك عذابٌ موجعٌ سوى الشّراب من الحميم {بما كانوا يكفرون} باللّه ورسوله). [جامع البيان: 12/115-118]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إليه مرجعكم جميعًا وعد اللّه حقًّا إنّه يبدأ الخلق ثمّ يعيده ليجزي الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات بالقسط والّذين كفروا لهم شرابٌ من حميمٍ وعذابٌ أليمٌ بما كانوا يكفرون (4)
قوله تعالى: إليه مرجعكم جميعًا وعد اللّه حقًّا
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا زيد بن الحباب، عن أبي سنانٍ، عن الضّحّاك، في قوله: إليه مرجعكم جميعًا قال: البرّ والفاجر.
قوله تعالى: إنه يبدؤا الخلق ثمّ يعيده
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: يبدؤا الخلق ثمّ يعيده: يحييه ثمّ يميته ثمّ يحييه.
قوله تعالى: ليجزي الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن إسماعيل ثنا إسماعيل بن أبي أويسٍ حدّثني عبد اللّه بن نافعٍ الصّائغ، عن عاصم بن عمر، عن زيد بن أسلم الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه رضي اللّه عنهم.
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى، ثنا هشام بن يوسف، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: الأعمال الصّالحات: سبحان اللّه، والحمد للّه، ولا إله إلا اللّه، واللّه أكبر.
قوله تعالى: بالقسط
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ ثنا بشرٌ بن عمارة عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قوله: بالقسط قال: بالعدل، وروي عن السّدّيّ ومجاهدٍ وقتادة بمثل ذلك.
قوله: والّذين كفروا لهم شرابٌ من حميمٍ
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو نعيمٍ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن إبراهيم وأبي رزينٍ، حميمٍ قالا: ما يسيل من صديدهم.
قوله تعالى: وعذابٌ أليمٌ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: عذاب أليمٌ قال: نكالٌ موجعٌ.
قوله تعالى: أليمٌ بما كانوا يكفرون
- حدّثنا أحمد بن عمر بن أبي عاصمٍ حدّثنا أبو عمرٍو، ثنا شبيب بن بشيرٍ، أنبأ عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قوله عز وجل: عذاب أليم قال: أليم: كلّ شيءٍ موجعٌ). [تفسير القرآن العظيم: 6/1926-1927]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إنه يبدأ الخلق ثم يعيده يقول يخلقه ثم يميته ثم يعيده يعني ثم يحييه). [تفسير مجاهد: 291]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 3 - 4.
أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {يدبر الأمر} قال: يقضيه وحده، وفي قوله {إنه يبدأ الخلق ثم يعيده} قال: يحييه ثم يميته ثم يحييه). [الدر المنثور: 7/629] (م)