العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:36 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة التوبة [ الآيتين (122) ، (123) ]

تفسير سورة التوبة
[ الآيتين (122) ، (123) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) }


روابط مهمة:
- القراءات
- توجيه القراءات
- أسباب النزول
- الوقف والابتداء


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:40 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال في براءة: {إلا تنفروا يعذّبكم عذابًا أليمًا ويستبدل قومًا غيركم ولا تضرّوه شيئًا}؛ وقال: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنّهم لا يصيبهم ظمأٌ ولا نصبٌ ولا مخمصةٌ في سبيل الله ولا يطؤون موطئًا يغيظ الكفّار ولا ينالون من عدوٍّ نيلاً}، الآية كلها؛
فنسختها واستثنى بالآية التي تليها، فقال: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}). [الجامع في علوم القرآن: 3/74-75] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الحسن في قوله تعالى من كل فرقة منهم طائفة لينفقوا في الدين قال يتفقه الذين خرجوا مما يريهم الله من الظهور على المشركين والنصر ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/291]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر وقال قتادة ليتفقه الذين قعدوا مع النبي ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم قال ينذر الذين خرجوا إذا رجعوا إليهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/291]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (122) : قوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن سليمان الأحول، عن عكرمة، قال : سمعته، يقول: لمّا نزلت: {إلّا تنفروا يعذّبكم عذابًا أليمًا ويستبدل قومًا غيركم} قال المنافقون: قد بقي من النّاس ناسٌ لم ينفروا، فهلكوا، وكان قومٌ تخلّفوا ليتفقّهوا ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، فنزل العذر لأولئك: {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم} و (أنزل) اللّه في أولئك: {والّذين يحاجّون في الله من بعد ما استجيب له حجّتهم داحضةٌ عند ربّهم} ). [سنن سعيد بن منصور: 5/300]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون}.
يقول تعالى ذكره: ولم يكن المؤمنون لينفروا جميعًا.
وقد بيّنّا معنى الكافّة بشواهده وأقوال أهل التّأويل فيه، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في المعنى الّذي عناه اللّه بهذه الآية وما النّفر الّذي كرهه لجميع المؤمنين، فقال بعضهم: هو نفرٌ كان من قومٍ كانوا بالبادية بعثهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعلّمون النّاس الإسلام، فلمّا نزل قوله: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه} انصرفوا عن البادية إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خشية أن يكونوا ممّن تخلّف عنه وممّن عنّي بالآية. فأنزل اللّه في ذلك عذرهم بقوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً} وكره انصراف جميعهم من البادية إلى المدينة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ} قال: ناسٌ من أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم خرجوا في البوادي، فأصابوا من النّاس معروفًا ومن الخصب ما ينتفعون به، ودعوا من وجدوا من النّاس إلى الهدى، فقال النّاسٌ لهم: ما نراكم إلاّ قد تركتم أصحابكم وجئتمونا فوجدوا في أنفسهم من ذلك حرجًا، وأقبلوا من البادية كلّهم حتّى دخلوا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال اللّه: {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ} يبتغون الخير، {ليتفقّهوا} وليسمعوا ما في النّاس، وما أنزل اللّه بعدهم، {ولينذروا قومهم} النّاس كلّهم، {إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون}.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله، إلاّ أنّه قال في حديثه: فقال اللّه: {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ} خرج بعضٌ وقعد بعضٌ، يبتغون الخير.
- قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ نحو حديثه، عن أبي حذيفة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ نحو حديث المثنّى عن أبي حذيفة، غير أنّه قال في حديثه: ما نراكم إلاّ قد تركتم صاحبكم، وقال: {ليتفقّهوا} ليسمعوا ما في النّاس.
وقال آخرون: معنى ذلك: وما كان المؤمنون لينفروا جميعًا إلى عدوّهم ويتركوا نبيّهم صلّى اللّه عليه وسلّم وحده.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً} قال: ليذهبوا كلّهم، فلولا نفر من كلّ حيٍّ وقبيلةٍ طائفةٌ وتخلّف طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين، ليتفقّه المتخلّفون مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الدّين، ولينذر المتخلّفون النّافرين إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً} يقول: ما كان المؤمنون لينفروا جميعًا ويتركوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وحده، {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ} يعني عصبةً، يعني السّرايا، ولا يتسرّوا إلاّ بإذنه، فإذا رجعت السّرايا، وقد نزل بعدهم قرآنٌ تعلّمه القاعدون من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا: إنّ اللّه قد أنزل على نبيّكم بعدكم قرآنًا وقد تعلّمناه؛ فيمكث السّرايا يتعلّمون ما أنزل اللّه على نبيّهم بعدهم ويبعث سرايا أخر، فذلك قوله: {ليتفقّهوا في الدّين} يقول: يتعلّمون ما أنزل اللّه على نبيّه، ويعلّمونه السّرايا إذا رجعت إليهم لعلّهم يحذرون.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً}، إلى قوله: {لعلّهم يحذرون} قال: هذا إذا بعث نبيّ اللّه الجيوش أمرهم أن لا يعرّوا نبيّه؛ وتقيم طائفةٌ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تتفقّه في الدّين، وتنطلق طائفةٌ تدعو قومها وتحذّرهم وقائع اللّه فيمن خلا قبلهم.
- حدّثنا الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً} الآية، كان. نبيّ اللّه إذا غزا بنفسه لم يحلّ لأحدٍ من المسلمين أن يتخلّف عنه إلاّ أهل العذر، وكان إذا أقام فأسرت السّرايا لم يحلّ لهم أن ينطلقوا إلاّ بإذنه. فكان الرّجل إذا أسرى فنزل بعده قرآنٌ تلاه نبيّ اللّه على أصحابه القاعدين معه، فإذا رجعت السّريّة قال لهم الّذين أقاموا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه أنزل بعدكم على نبيّه قرآنًا فيقرئونهم ويفقّهونهم في الدّين. وهو قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً} يقول: إذا أقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ} يعني بذلك أنّه لا ينبغي للمسلمين أن ينفروا جميعًا ونبيّ اللّه قاعدٌ، ولكن إذا قعد نبيّ اللّه تسرّت السّرايا وقعد معه معظم النّاس.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ما هؤلاء الّذين نفروا بمؤمنين، ولو كانوا مؤمنين لم ينفر جميعهم؛ ولكنّهم منافقون، ولو كانوا صادقين أنّهم مؤمنون لنفر بعضٌ ليتفقّه في الدّين ولينذر قومه إذا رجع إليهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً} فإنّها ليست في الجهاد، ولكن لمّا دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على مضرٍ بالسّنين، أجدبت بلادهم، وكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتّى يحلّوا بالمدينة من الجهد، ويعتلّوا بالإسلام وهم كاذبون، فضيّقوا على أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأجهدوهم. وأنزل اللّه يخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّهم ليسوا مؤمنين، فردّ رسول اللّه عشائرهم، وحذّر قومهم أن يفعلوا فعلهم؛ فذلك قوله: {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون}.
وقد روي عن ابن عبّاسٍ في ذلك قولٌ ثالثٌ، وهو ما:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً}، إلى قوله: {لعلّهم يحذرون} قال: كان ينطلق من كلّ حيٍّ من العرب عصابةٌ فيأتون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فيسألونه عمّا يريدونه من دينهم ويتفقّهون في دينهم، ويقولون لنبيّ اللّه: ما تأمرنا أن نفعله وأخبرنا ما نقول لعشائرنا إذا انطلقنا إليهم قال فيأمرهم نبيّ اللّه بطاعة اللّه وطاعة رسوله، ويبعثهم إلى قومهم بالصّلاة والزّكاة. وكانوا إذا أتوا قومهم نادوا: إنّ من أسلم فهو منّا وينذرونهم، حتّى إنّ الرّجل ليعرف أباه وأمّه. وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخبرهم وينذرون قومهم، فإذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى الإسلام وينذرونهم النّار ويبشّرونهم بالجنّة.
وقال آخرون: إنّما هذا تكذيبٌ من اللّه لمنافقين أزروا بأعراب المسلمين وعزّروهم في تخلّفهم خلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهم ممّن قد عذره اللّه بالتّخلّف.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن سليمان الأحول، عن عكرمة، قال: لمّا نزلت هذه الآية: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه}، إلى: {إنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين} قال ناسٌ من المنافقين: هلك من تخلّف فنزلت: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً}، إلى: {لعلّهم يحذرون}، ونزلت: {والّذين يحاجّون في اللّه من بعد ما استجيب له حجّتهم داحضةٌ} الآية.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، عن ابن عيينة، قال: حدّثنا سليمان الأحول، عن عكرمة، قال: سمعته يقول: لمّا نزلت: {إلاّ تنفروا يعذّبكم عذابًا أليمًا} و{ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب} = إلى قوله: {ليجزيهم اللّه أحسن ما كانوا يعملون} قال المنافقون: هلك أصحاب البدو الّذين تخلّفوا عن محمّدٍ ولم ينفروا معه وقد كان ناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خرجوا إلى البدو إلى قومهم يفقّهونهم، فأنزل اللّه: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ}، إلى قوله: {لعلّهم يحذرون}، ونزلت: {والّذين يحاجّون في اللّه من بعد ما استجيب له} الآية.
واختلف الّذين قالوا عنى بذلك النّهي عن نفر الجميع في السّريّة وترك النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام وحده في المعنيّين بقوله: {ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} فقال بعضهم: عنى به الجماعة المتخلّفة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وقالوا: معنى الكلام: فهلاّ نفر من كلّ فرقةٍ طائفةٌ للجهاد ليتفقّه المتخلّفون في الدّين ولينذروا قومهم الّذين نفروا في السّريّة إذا رجعوا إليهم من غزوهم وذلك قول قتادة، وقد ذكرنا رواية ذلك عنه من رواية سعيد بن أبي عروبة.
- وقد حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال. حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين} الآية، قال: ليتفقّه الّذين قعدوا مع نبيّ اللّه. {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} يقول: لينذروا الّذين خرجوا إذا رجعوا إليهم.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن، وقتادة، {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً} قالا. كافّةً، ويدعوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال آخرون منهم: بل معنى ذلك: لتتفقّه الطّائفة النّافرة دون المتخلّفة وتحذّر النّافرة المتخلّفة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن: {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين} قال: ليتفقّه الّذين خرجوا بما يريهم اللّه من الظّهور على المشركين والنّصرة، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم.
وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصّواب أن يقال: تأويله. وما كان المؤمنون لينفروا جميعًا ويتركوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وحده، وأنّ اللّه نهى بهذه الآية المؤمنين به أن يخرجوا في غزو وجهادٍ وغير ذلك من أمورهم ويدعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وحيدًا، ولكن عليهم إذا سرى رسول اللّه سريّةً أن ينفر معها من كلّ قبيلةٍ من قبائل العرب وهي الفرقة. {طائفةٌ} وذلك من الواحد إلى ما بلغ من العدد، كما قال اللّه جلّ ثناؤه: {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ} يقول: فهلاّ نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ وهذا إلى هاهنا على أحد الأقوال الّتي رويت عن ابن عبّاسٍ، وهو قول الضّحّاك وقتادة.
وإنّما قلنا هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصّواب، لأنّ اللّه تعالى ذكره حظر التّخلّف خلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على المؤمنين به من أهل المدينة مدينة الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، ومن الأعراب لغير عذرٍ يعذرون به إذا خرج رسول اللّه لغزو وجهاد عدوٍّ قبل هذه الآية بقوله: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه}، ثمّ عقّب ذلك جلّ ثناؤه بقوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً} فكان معلومًا بذلك إذ كان قد عرّفهم في الآية الّتي قبلها اللاّزم لهم من فرض النّفر والمباح لهم من تركه في حال غزو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وشخوصه عن مدينته لجهاد عدوٍّ، وأعلمهم أنّه لا يسعهم التّخلّف خلافه إلاّ لعذرٍ بعد استنهاضه بعضهم وتخليفه بعضهم أن يكون عقيب تعريفهم ذلك تعريفهم الواجب عليهم عند مقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمدينته وإشخاص غيره عنها، كما كان الابتداء بتعريفهم الواجب عند شخوصه وتخليفه بعضهم.
وأمّا قوله: {ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} فإنّ أولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: ليتفقّه الطّائفة النّافرة بما تعاين من نصر اللّه أهل دينه وأصحاب رسوله على أهل عداوته والكفر به، فيفقه بذلك من معاينته حقيقة علم أمر الإسلام وظهوره على الأديان من لم يكن فقهه، ولينذروا قومهم فيحذروهم أن ينزل بهم من بأس اللّه مثل الّذي نزل بمن شاهدوا وعاينوا ممّن ظفر بهم المسلمون من أهل الشّرك إذا هم رجعوا إليهم من غزوهم. {لعلّهم يحذرون} يقول: لعلّ قومهم إذا هم حذّروهم ما عاينوا من ذلك يحذرون، فيؤمنون باللّه ورسوله، حذرًا أن ينزل بهم ما نزل بالّذين أخبروا خبرهم.
وإنّما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصّواب، وهو قول الحسن البصريّ الّذي روّيناه عنه؛ لأنّ النّفر قد بيّنّا فيما مضى أنّه إذا كان مطلقًا بغير صلةٍ بشيءٍ أنّ الأغلب من استعمال العرب إيّاه في الجهاد والغزو فإذا كان ذلك هو الأغلب من المعاني فيه، وكان جلّ ثناؤه قال: {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين} علم أنّ قوله: ليتفقّهوا إنّما هو شرطٌ للنّفر لا لغيره، إذ كان يليه دون غيره من الكلام.
فإن قال قائلٌ: وما تنكر أن يكون معناه: ليتفقّه المتخلّفون في الدّين؟
قيل: ننكر ذلك لاستحالته؛ وذلك أنّ نفر الطّائفة النّافرة لو كان سببًا لتفقّه المتخلّفة، وجب أن يكون مقامها معهم سببًا لجهلهم وترك التّفقّه؛ وقد علمنا أنّ مقامهم لو أقاموا ولم ينفروا لم يكن سببًا لمنعهم من التّفقّه.
وبعد، فإنّه قال جلّ ثناؤه: {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} عطفًا به على قوله: {ليتفقّهوا في الدّين} ولا شكّ أنّ الطّائفة النّافرة لم ينفروا إلاّ والإنذار قد تقدّم من اللّه إليها، وللإنذار وخوف الوعيد نفرت، فما وجه إنذار الطّائفة المتخلّفة الطّائفة النّافرة وقد تساوتا في المعرفة بإنذار اللّه إيّاهما؟ ولو كانت إحداهما جائزٌ أن توصف بإنذار الأخرى، لكان أحقّهما بأن يوصف به الطّائفة النّافرة، لأنّها قد عاينت من قدرة اللّه ونصرة المؤمنين على أهل الكفر به ما لم تعاين المقيمة، ولكن ذلك إن شاء اللّه كما قلنا من أنّها تنذر من حيّها وقبيلتها ومن لم يؤمن باللّه إذا رجعت إليه أن ينزل به ما أنزل بمن عاينته ممّن أظفر اللّه به المؤمنين من نظرائه من أهل الشّرك). [جامع البيان: 12/75-85]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون (122)
قوله تعالى: وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ وعثمان بن عطاءٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ عن ابن عبّاسٍ قوله: انفروا خفافًا وثقالا وقوله: إلا تنفروا يعذّبكم عذابًا أليمًا فنسخ هؤلاء الآيات وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً يقول: لتنفر طائفةٌ، ولتمكث طائفةٌ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً يعني: ما كان المؤمنون لينفروا جميعًا، ويتركوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المدينة وحده.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع الجرجانيّ ثنا وهب بن جريرٍ ثنا أبي قال: سمعت عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ في قوله: وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً إلى آخر الآية، قال: كان المؤمنون لحرصهم على الجهاد إذا بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالمدينة في رقةً من النّاس، فأنزل اللّه عزّ وجلّ وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً أمروا إذا بعث النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- سريّةً أن تخرج طائفةٌ وتقيم طائفةٌ فيحفظ المقيمون على الّذين خرجوا ما أنزل اللّه من القرآن، وما يسنّ من السّنن فإذا رجعوا إلى إخوانهم أخبروهم بذلك، وإذا خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يتخلّف عنه أحدٌ إلّا بإذنٍ، أو عذرٍ.
قوله تعالى: كافّةً.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قوله: كافّةً يقول: جميعًا- وروي عن أبي العالية والرّبيع بن أنسٍ وعكرمة والضّحّاك وقتادة والسّدّيّ ومقاتل بن حيّان: نحو ذلك.
قوله تعالى: فلولا.
- حدّثنا ابن أبي موسى ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ: وكلّ ما في القرآن فلولا فهو فهلا، إلا حرفين: في يونس فلولا كانت قريةٌ آمنت، والآخر فلولا كان من القرون من قبلكم.
قوله تعالى: فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ يعني: عصبة السّرايا ولا يتسرّوا إلا بإذنه.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ناسٌ من أصحاب محمّدٍ- صلّى اللّه عليه وسلّم- خرجوا في البوادي، فأصابوا من النّاس معروفًا، ومن الخصب ما ينتفعون به، ودعوا من وجدوا من النّاس إلى الهدى فقال لهم النّاس: ما نراكم إلا تركتم أصحابكم وجئتمونا، فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرّجًا، وأقبلوا من البادية كلّهم، حتّى دخلوا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال اللّه عزّ وجلّ: فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ خرج بعضٌ وقعد بعضٌ، يبتغون الخير ليتفقّهوا ويسمعوا ما في النّاس، وما أنزل بعدهم.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي الحسين عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قوله: فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم قال: كان ينطلق من كلّ حيٍّ من العرب عصابةٌ، فيأتون النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- فيسألونه عمّا يريدونه من أمر دينهم ويتفقّهون في دينهم، ويقولون لنبي الله صلّى اللّه عليه وسلّم: ما تأمرنا أن نفعله؟ وأخبرنا بما نقوله لعشائرنا إذا انطلقنا إليهم؟ قال: فيأمرهم نبيّ اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- بطاعة اللّه وطاعة رسوله ويبعثهم إلى قومهم على الصّلاة والزّكاة، وكانوا إذا أتوا قومهم نادوا: من أسلم فهو منّا، وينذرونهم، حتّى أنّ الرّجل ليفارق أباه وأمّه.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث، ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامر بن الفرات عن أسباطٍ عن السّدّيّ قوله: فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم قال: أقبلت أعراب هذيلٍ، وأصابهم الجوع واستعانوا بتمر المدينة، وأظهروا الإسلام ودخلوا، فقال عتبة بن مسعودٍ أخو عبد اللّه بن مسعودٍ له أشعرت أنّه قدم منّا ألفٌ أهل بيتٍ أسلموا جميعًا؟ فقال عبد اللّه: واللّه لوددت أنّه لم يبق منهم، فكانوا يفخرون على المؤمنين ويقولون: نحن أسلمنا طائعين بغير قتالٍ، وأنتم قاتلتم، فنحن خيرٌ منكم، فآذوا المؤمنين فأنزل اللّه فيهم يخبرهم بأمرهم فقال: وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً يقول: جميعًا فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ يقول: من كلّ بطنٍ منهم طائفةٌ، فأتوا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فسمعوا كلامه، ثم رجعوا فأخبروهم الخبر، فجئتم على بصيرةٍ، ولكن إنّما جئتم من أجل الطعام.
قوله تعالى: طائفة.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: طائفةٌ يعني: عصبةً.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا وكيعٌ عن سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قال: الطّائفة: رجلٌ.
قوله تعالى: ليتفقّهوا في الدّين.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا حجّاج بن محمّدٍ عن ابن جريجٍ وعثمان بن عطاءٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ عن ابن عبّاسٍ في قوله: فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين يقول: لتنفر طائفةٌ، ولتمكث طائفةٌ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فالماكثون مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هم الّذين يتفقّهون في الدّين وينذرون إخوانهم إذا رجعوا إليهم من الغزو لعلّهم يحذرون.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين يعني: السّرايا، فإذا رجعت السّرايا وقد نزل بعدهم قرآنٌ، تعلمه القاعدون مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ اللّه قد أنزل على نبيّكم بعدكم قرآنًا، وقد تعلّمنا سرايا آخرين فذلك قوله تعالى: ليتفقّهوا في الدين يقول: ليتعلّموا ما أنزل اللّه على نبيّهم، ويعلّموا السّرايا إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن الحسن من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين قال: ليتفقّه الّذين خرجوا بما يريهم اللّه من الظّهور على المشركين والنّصر، وينذروا قومهم.
قوله تعالى: ولينذروا قومهم.
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا حجّاج بن محمّدٍ عن ابن جريجٍ وعثمان بن عطاءٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ عن ابن عبّاسٍ في قوله: ولينذروا قومهم ينذرون إخوانهم.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم: يعلّموه السّرايا.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي الحسين عن زبية عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قوله: ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم قال: ينذرون قومهم إذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى الإسلام، وينذرونهم النّار، ويبشّرونهم الجنّة.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: ولينذروا قومهم قال: النّاس كلّهم.
قوله تعالى: إذا رجعوا إليهم.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا حجّاج بن محمّدٍ عن ابن جريجٍ وعثمان بن عطاءٍ الخراسانيّ عن ابن عبّاسٍ قوله: إذا رجعوا إليهم قال: من الغزو.
قوله تعالى: لعلّهم يحذرون.
- وبه عن ابن عبّاسٍ لعلّهم يحذرون ما نزل من بعدهم من قضاء اللّه وكتابه، وحدوده.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: وما كان المؤمنون لينفروا كافة فإنّها ليست في الجهاد، ولكن لمّا دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على مضرٍ بالسّنين، أجدبت بلادهم فكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتّى يحلّوا بالمدينة من الجهد، ويعتلّوا بالإسلام وهم كاذبون فضيّقوا على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأجهدوهم فأنزل اللّه جلّ ثناؤه يخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عشائرهم، وحذّر قومهم أن يفعلوا فعلهم فذلك قوله: ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1909-1913]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة وذلك أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجوا في البوادي فأصابوا من الناس معروفا من الخصب ما ينتفعون به ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى فقال لهم الناس ما نراكم إلا قد تركتم صاحبكم وجئتمونا فوجدوا من ذلك في أنفسهم تحرجا وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال الله عز وجل فلولا نفر من كل فرقة يعني بعضا ويقعد بعض ليتفقهوا وليسمعوا ما في الناس وما انزل بعدهم ولينذروا قومهم يعني لينذروا الناس كلهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون). [تفسير مجاهد: 288-289]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: في قوله تعالى: {إلّا تنفروا يعذّبكم عذاباً أليماً} [التوبة: 39] و {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه} [التوبة: 120] قال: نسختها {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً} [التوبة: 122]. أخرجه أبو داود). [جامع الأصول: 2/190] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 122.
أخرج أبو داود في ناسخه، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال: نسخ هؤلاء الآيات (انفروا خفافا وثقالا) (التوبة الآية 41) و(إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) (التوبة الآية 39) قوله {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} يقول: لتنفر طائفة ولتمكث طائفة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فالماكثون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هم الذين يتفقهون في الدين وينذرون إخوانهم إذا رجعوا إليهم من الغزو لعلهم يحذرون ما نزل من بعدهم من قضاء الله في كتابه وحدوده.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في المدخل عن ابن عباس في قوله {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} يعني ما كان المؤمنون لينفروا جميعا ويتركوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم وحده: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} يعني عصبة يعني السرايا
فلا يسيرون إلا بإذنه فإذا رجعت السرايا وقد نزل قرآن تعلمه القاعدون من النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالوا: إن الله قد أنزل على نبيكم بعدنا قرآنا وقد تعلمناه فتمكث السرايا يتعلمون ما أنزل الله على نبيهم بعدهم ويبعث سرايا أخر فذلك قوله {ليتفقهوا في الدين} يقول يتعلمون ما أنزل الله على نبيه ويعلمونه السرايا إذا رجعت إليهم {لعلهم يحذرون}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} قال: ليست هذه الآية في الجهاد ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين أجدبت بلادهم فكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يحلوا بالمدينة من الجهد ويعتلوا بالإسلام وهم كاذبون فضيقوا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم فأنزل الله تعالى يخبر رسوله صلى الله عليه وسلم أنهم ليسوا بمؤمنين فردهم إلى عشائرهم وحذر قومهم أن يفعلوا فعلهم فذلك قوله {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: كان المؤمنون يحرضهم على الجهاد إذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية خرجوا فيها وتركوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة في رقة من الناس فأنزل الله تعالى {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} أمروا إذ بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم سرية أن تخرج طائفة وتقيم طائفة فيحفظ المقيمون على الذين خرجوا ما أنزل الله من القرآن وما يسن من السنن فإذا رجع إخوانهم أخبروهم بذلك وعلموهم وإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتخلف عنه أحد إلا بإذن أو عذر.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة قال: لما نزلت (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) (التوبة الآية 39) (وما كان لأهل المدينة) (التوبة الآية 120) الآية، قال المنافقون: هلك أهل البدو الذين تخلفوا عن محمد صلى الله عليه وسلم ولم يغزوا معه وقد كان ناس خرجوا إلى البدو وإلى قومهم يفقهونهم فأنزل الله تعالى {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} الآية، ونزلت (والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة) (الشورى الآية 16) الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} الآية، قال: ناس من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم خرجوا في البوادي فأصابوا من الناس معروفا ومن الخصب ما ينتفعون به ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى فقال لهم الناس: ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتونا، فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرجا وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} خرج بعض وقعد بعض يبتغون الخير {ليتفقهوا في الدين} وليسمعوا ما في الناس وما أنزل بعدهم {ولينذروا قومهم} قال: الناس كلهم إذا رجعوا إليهم {لعلهم يحذرون}). [الدر المنثور: 7/594-597]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار وليجدوا فيكم غلظةً واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله: يا أيّها الّذين صدّقوا اللّه ورسوله قاتلوا من وليكم من الكفّار دون من بعد منهم، يقول لهم: ابدءوا بقتال الأقرب فالأقرب إليكم دارًا دون الأبعد فالأبعد. وكان الّذي يلون المخاطبين بهذه الآية يومئذٍ الرّوم، لأنّهم كانوا سكّان الشّام يومئذٍ، والشّام كانت أقرب إلى المدينة من العراق.
فأمّا بعد أن فتح اللّه على المؤمنين البلاد، فإنّ الفرض على أهل كلّ ناحيةٍ قتال من وليهم من الأعداء دون الأبعد منهم ما لم يضطرّ إليهم أهل ناحيةٍ أخرى من نواحي بلاد الإسلام، فإن اضطرّوا إليهم لزم عونهم ونصرهم، لأنّ المسلمين يدٌ على من سواهم.
ولصحّة كون ذلك، تأوّل كلّ من تأوّل هذه الآية أنّ معناها إيجاب الفرض على أهل كلّ ناحيةٍ قتال من وليهم من الأعداء.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن شبيب بن غرقدة، عن عروة البارقيّ، عن رجلٍ، من بني تميمٍ، قال: سألت ابن عمر عن قتال الدّيلم، قال: عليك بالرّوم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، وأحمد بن إسحاق، وسفيان بن وكيعٍ، قالوا: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن يونس، عن الحسن، {قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار} قال: الدّيلم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن الرّبيع، عن الحسن: أنّه كان إذا سئل عن قتال الرّوم، والدّيلم، تلا هذه الآية: {قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب قال: حدّثنا عمران أخي قال: سألت جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين فقلت: ما ترى في قتال الدّيلم؟ فقال: قاتلوهم ورابطوهم، فإنّهم من الّذين قال اللّه: {قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن الرّبيع، عن الحسن أنّه سئل عن الشّام والدّيلم، فقال: {قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار} الدّيلم.
- حدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد، قال: سمعت أبا عمرٍو، وسعيد بن عبد العزيز، يقولان: يرابط كلّ قومٍ ما يليهم من مسالحهم وحصونهم. ويتأوّلان قول اللّه: {قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار} قال: كان الّذين يلونهم من الكفّار العرب، فقاتلوهم حتّى فرغ منهم. فلمّا فرغ قال اللّه: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر}.. حتّى بلغ {وهم صاغرون} قال: فلمّا فرغ من قتال من يليه من العرب أمره بجهاد أهل الكتاب، قال: وجهادهم أفضل الجهاد عند اللّه.
وأمّا قوله: {وليجدوا فيكم غلظةً} فإنّ معناه: وليجد هؤلاء الكفّار الّذين تقاتلونهم {فيكم} أي منكم شدّةً عليهم {واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين} يقول: وأيقنوا عند قتالكم إيّاهم أنّ اللّه معكم وهو ناصركم عليهم، فإن اتّقيتم اللّه وخفتموه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه، فإنّ اللّه ناصر من اتّقاه ومعينه). [جامع البيان: 12/85-88]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار وليجدوا فيكم غلظةً واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين (123)
قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي وأبو زرعة قالا: ثنا أبو نعيمٍ، ثنا سفيان عن الرّبيع عن الحسن: أنّه سئل عن الشّام والرّوم والدّيلم، فقال قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار يعني الدّيلم.
- حدّثنا أبي ثنا أبو الرّبيعٍ الزّهرانيّ ثنا يعقوب بن عبد اللّه الأشعريّ ثنا أخي عمران بن عبد اللّه الأشعريّ قال: سألت جعفر بن محمد يقول في قتال الدّيلم؟
قال: قاتلوهم ورابطوهم، فإنّهم من الّذين قال اللّه عزّ وجلّ قاتلوا الّذين يلونكم من الكفار.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسن ثنا أبو الجماهر ثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة قوله: يا أيّها الّذين آمنوا قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار يريد المشركين الّذين حول المدينة، أحبّ أن يقاتل كلّ قومٍ من يليهم إلا أنّه قال: على مكانٍ يخاف فيه على المسلمين.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه عزّ وجلّ: قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار قال: كان الّذين يلونه من الكفّار: العرب فقاتلهم حتّى فرغ منهم.
قوله تعالى: وليجدوا فيكم غلظةً.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قوله: وليجدوا فيكم غلظةً قال: شدّةً). [تفسير القرآن العظيم: 6/1913-1914]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 123.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} قال: الأدنى فالأدنى.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك، مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال: كان الذين يلونه من الكفار العرب فقاتلهم حتى فرغ منهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن جعفر بن محمد، أنه سئل عن قتال الديلم فقال: قاتلوهم فإنهم من الذين قال الله تعالى {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار}
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الحسن، أنه كان إذا سئل عن قتال الروم والديلم تلا هذه الآية {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} قال: شدة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر، أنه سئل عن غزو الديلم فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول {قاتلوا الذين يلونكم من الكفار} قال: الروم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {وليجدوا فيكم غلظة} قال: شدة). [الدر المنثور: 7/597-598]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:44 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً...}
لمّا عيّر المسلمون بتخلفهم عن غزوة تبوك جعل النبي صلى الله عليه وسلم يبعث السريّة فينفرون جميعا، ليبقى النبي صلى الله عليه وسلم وحده، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كآفّةً} يعني: جميعا ويتركوك وحدك.
ثم قال: {فلولا نفر} معناه: فهلاّ نفر {من كلّ فرقةٍ مّنهم طائفةٌ} ليتفقّه الباقون الذين تخلّفوا، ويحفظوا قومهم ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن.
{ولينذروا قومهم} يقول: ليفقهوهم. وقد قيل فيها: إن أعراب أسد قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فغلت الأسعار وملئوا الطرق بالعذرات، فأنزل الله تبارك وتعالى: {فلولا نفر} يقول: فهلاّ نفر منهم طائفة ثم رجعوا إلى قومهم فأخبروهم بما تعلّموا). [معاني القرآن: 1/454-455]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم} مجازه: فهلا، وقد فرغنا منها في غير موضع). [مجاز القرآن: 1/271]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لينفروا كافّةً} أي جميعا.
{فلولا نفر من كلّ فرقةٍ} أي هلّا نفر! ). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (لولا ولوما
لولا تكون في بعض الأحوال بمعنى: هلّا وذلك إذا رأيتها بغير جواب، تقول: لولا فعلت كذا تريد هلّا، فعلت كذا، قال الله تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ} [هود: 116]، {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: 122] {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} [الأنعام: 43]، {فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} [الواقعة: 86]، أي فهلا. وقال: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ} [يونس: 98].
وقال الشاعر:

تَعُدُّونَ عَقْرَ النِّيبِ أَفْضَلَ مَجْدِكُمْ = بَنِي ضَوْطَرَى لَوْلا الكَمِيَّ المقنَّعَا
أي: فهّلا تعدُّونَ الكميَّ.
وكذلك {لوما}، قال: {لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ} [الحجر: 7] أي هلّا تأتينا). [تأويل مشكل القرآن: 540-541]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّة فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون }
هذا لفظ خبر فيه معنى أمر كما كان {ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} والمعنى أنهم كانوا إذا كانت سرية نفروا فيها بأجمعهم.
فأعلم اللّه جلّ وعزّ أنّه ينبغي أن ينفر بعضهم ويبقى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض لئلا يبقى وحده.
ولئلا يخلو من خرج منهم من فائدة منه، فقال جلّ وعزّ:
{فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدّين}.
المعنى أنهم إذا بقيت منهم بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم - بقية فسمعوا منه وحيا أعلموا الذين نفروا ما علموا فاستووا في العلم، ولم يخلوا منه.
وجائز - واللّه أعلم - أن يكون هذا دليلا على فرض الجهاد يجزى الجماعة فيه عن الجماعة). [معاني القرآن: 2/475]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يلونكم مّن الكفّار...}
يريد: الأقرب فالأقرب). [معاني القرآن: 1/455]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا قاتلوا الّذين يلونكم مّن الكفّار وليجدوا فيكم غلظةً واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
وقال: {وليجدوا فيكم غلظةً} وبها نقرأ وقال بعضهم {غلظة} وهما لغتان). [معاني القرآن: 2/30]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو جعفر وشيبة ونافع {وليجدوا فيكم غلظة} وفي اللغة: فيه غلظة وغلظة وغلظة). [معاني القرآن لقطرب: 637]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {يا أيّها الّذين آمنوا قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}
{غلظة} فيها ثلاث لغات غلظة، وغلظة، وغلظة.
فهذا دليل أنه ينبغي أن يقاتل أهل كلّ ثغر الذين يلونهم وقيل إن هذا يعنى به العرب، وقيل إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ربّما تخطى في حربه الذين يلونه من الأعداء ليكون ذلك أهيب له فأمر بقتال من يليه ليستنّ بذلك.
وقوله: {واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين}.
أي اللّه آمر من نَصَرهُ بالحرب.
وقوله: {وعلى الثّلاثة الّذين خلّفوا}.
المعنى: وتاب على الثلاثة الذين خلّفوا، ويقال إنهم هم المرجون لأمر الله). [معاني القرآن: 2/476]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:52 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) }

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:53 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 10:54 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:39 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:39 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون (122) يا أيّها الّذين آمنوا قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار وليجدوا فيكم غلظةً واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين (123)
قالت فرقة: سبب هذه الآية أن المؤمنين الذين كانوا بالبادية سكانا ومبعوثين لتعليم الشرع لما سمعوا قول الله عز وجل: ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب [الكهف: 62] أهمهم ذلك فنفروا إلى المدينة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية أن يكونوا مذنبين في التخلف عن الغزو فنزلت هذه الآية في نفرهم ذلك، وقالت فرقة: سبب هذه الآية أن المنافقين لما نزلت الآيات في المتخلفين قالوا هلك أهل البوادي فنزلت هذه الآية مقيمة لعذر أهل البوادي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فيجيء قوله تعالى: ما كان لأهل المدينة ومن حولهم [الكهف: 62] عموم في اللفظ والمراد به في المعنى الجمهور والأكثر، وتجيء هذه الآية مبينة لذلك مطردة الألفاظ متصلة المعنى من قوله تعالى: ما كان لأهل المدينة إلى قوله يحذرون بين في آخر الآية العموم الذي في أولها إذ هو معرض أن يتأول فيه ألا يتخلف بشر، و «التفقه» هو من النافرين، و «الإنذار» هو منهم، والضمير في رجعوا لهم أيضا، وقالت فرقة هذه: الآية ليست في معنى الغزو وإنما سببها أن قبائل من العرب لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين أصابتهم مجاعة وشدة، فنفروا إلى المدينة لمعنى المعاش فكادوا أن يفسدوها، وكان أكثرهم غير صحيح الإيمان وإنما أضرعه الجوع فنزلت الآية في ذلك، فقال وما كان من صفته الإيمان لينفر مثل هذا النفر أي ليس هؤلاء المؤمنين، وقال ابن عباس ما معناه: إن هذه الآية مختصة بالبعوث والسرايا، والآية المتقدمة ثابتة الحكم مع خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغزو، وهذه ثابتة الحكم مع تخلفه أي يجب إذا تخلف ألا ينفر الناس كافة فيبقى هو منفردا وإنما ينبغي أن تنفر طائفة وتبقى طائفة لتتفقه هذه الباقية في الدين، وينذروا النافرين إذا رجع النافرون إليهم، وقالت فرقة: هذه الآية ناسخة لكل ما ورد من إلزام الكافة النفير والقتال، والضمير في قوله ليتفقّهوا عائد أيضا على هذا التأويل على الطائفة المتخلفة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو القول الأول في ترتيبنا هذا عائد على الطائفة النافرة، وكذلك يترتب عوده مع بعض الأقوال على هذه ومع بعضها على هذه، والجمهور على أن «التفقه» إنما هو بمشاهدة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبته، وقالت فرقة يشبه أن يكون «التفقه» في الغزو في السرايا لما يرون من نصرة الله لدينه وإظهاره العدد القليل من المؤمنين على الكثير من الكافرين وعلمهم بذلك صحة دين الإسلام ومكانته من الله تعالى، ورجحه الطبري وقواه، والآخر أيضا قوي، والضمير في قوله لينذروا عائد على المتفقهين بحسب الخلاف، و «الإنذار» عام للكفر والمعاصي والحذر منها أيضا كذلك). [المحرر الوجيز: 4/ 434-435]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار الآية، قيل هذه الآية نزلت قبل الأمر بقتال الكفار كافة فهي من التدريج الذي كان في أول الإسلام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول يضعفه هذه الآية من آخر ما نزل، وقالت فرقة: إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما تجاوز قوما من الكفار غازيا لقوم آخرين أبعد منهم، فأمر الله تعالى بغزو الأدنى فالأدنى إلى المدينة، وقالت فرقة: الآية مبينة صورة القتال كافة وهي مترتبة مع الأمر بقتال الكفار كافة، ومعناها أن الله تبارك وتعالى أمر فيها المؤمنين أن يقاتل كل فريق منهم الجنس الذي يصاقبه من الكفرة، وهذا هو القتال لكلمة الله ورد الناس إلى الإسلام، وأما إذا مال العدو إلى صقع من أصقاع المسلمين ففرض على من اتصل به من المسلمين كفاية عدو ذلك الصقع وإن بعدت الدار ونأت البلاد، وقال قائلو هذه المقالة: نزلت الآية مشيرة إلى قتال الروم بالشام لأنهم كانوا يومئذ العدو الذي يلى ويقرب إذ كانت العرب قد عمها الإسلام وكانت العراق بعيدة، ثم لما اتسع نطاق الإسلام توجه الفرض في قتال الفرس والديلم وغيرهما من الأمم، وسأل ابن عمر رجل عن قتال الديلم فقال: عليك بالروم، وقال الحسن: هم الروم والديلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يعني في زمنه ذلك، وقاله علي بن الحسين، وقال ابن زيد: المراد بهذه الآية وقت نزولها العرب، فلما فرغ منهم نزلت في الروم وغيرهم قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر [التوبة: 29] إلى قوله حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون [التوبة: 29]، وقرأ جمهور الناس «غلظة» بكسر الغين، وقرأ المفضل عن عاصم والأعمش «غلظة» بفتحها، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبان بن ثعلبة وابن أبي عبلة «غلظة» بضمها، وهي قراءة أبي حيوة ورواها المفضل عن عاصم أيضا، قال أبو حاتم رويت الوجوه الثلاثة عن أبي عمرو، وفي هاتين القراءتين شذوذ وهي لغات، ومعنى الكلام وليجدوا فيكم خشونة وبأسا، وذلك مقصود به القتال، ومنه عذابٍ غليظٍ [إبراهيم: 17، لقمان: 24، فصلت: 50، هود: 58] وغليظ القلب [آل عمران: 129] وغلاظٌ شدادٌ [التحريم: 6] في صفة الزبانية، وغلظت علينا كبده في حفر الخندق إلى غير ذلك، ثم وعد تعالى في آخر الآية وحض على التقوى التي هي ملاك الدين والدنيا وبها يلقى العدو، وقد قال بعض الصحابة: إنما تقاتلون الناس بأعمالكم وأهلها هم المجدون في طرق الحق فوعد تعالى أنه مع أهل التقوى ومن كان الله معه فلن يغلب). [المحرر الوجيز: 4/ 435-437]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:40 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:40 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون (122)}
هذا بيانٌ من اللّه تعالى لمّا أراد من نفير الأحياء مع الرّسول في غزوة تبوك، فإنّه قد ذهب طائفةٌ من السّلف إلى أنّه كان يجب النّفير على كلّ مسلمٍ إذا خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ ولهذا قال تعالى: {انفروا خفافًا وثقالا} [التّوبة: 41]، وقال: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه} [التّوبة: 120]، قالوا: فنسخ ذلك بهذه الآية.
وقد يقال: إنّ هذا بيانٌ لمراده تعالى من نفير الأحياء كلّها، وشرذمةٍ من كلّ قبيلةٍ إن لم يخرجوا كلّهم، ليتفقّه الخارجون مع الرّسول بما ينزل من الوحي عليه، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم بما كان من أمر العدوّ، فيجتمع لهم الأمران في هذا: النّفير المعين وبعده، صلوات اللّه وسلامه عليه، تكون الطّائفة النّافرة من الحيّ إمّا للتّفقّه وإمّا للجهاد؛ فإنّه فرض كفايةٍ على الأحياء.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً} يقول: ما كان المؤمنون لينفروا جميعًا ويتركوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وحده، {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ} يعني: عصبةً، يعني: السّرايا، ولا يتسرّوا إلّا بإذنه، فإذا رجعت السّرايا وقد نزل بعدهم قرآنٌ تعلّمه القاعدون من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقالوا: إنّ اللّه قد أنزل على نبيّكم قرآنًا، وقد تعلّمناه. فتمكث السّرايا يتعلّمون ما أنزل اللّه على نبيّهم بعدهم، ويبعث سرايا أخرى، فذلك قوله: {ليتفقّهوا في الدّين} يقول: ليتعلّموا ما أنزل اللّه على نبيّهم، وليعلّموا السّرايا إذا رجعت إليهم {لعلّهم يحذرون}.
وقال مجاهدٌ: نزلت هذه الآية في أناسٍ من أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، خرجوا في البوادي، فأصابوا من النّاس معروفًا، ومن الخصب ما ينتفعون به، ودعوا من وجدوا من النّاس إلى الهدى، فقال النّاس لهم: ما نراكم إلّا وقد تركتم أصحابكم وجئتمونا. فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرّجًا، وأقبلوا من البادية كلّهم حتّى دخلوا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال اللّه، عزّ وجلّ: {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ} يبتغون الخير، {ليتفقّهوا [في الدّين]} وليستمعوا ما في النّاس، وما أنزل اللّه بعدهم، {ولينذروا قومهم} النّاس كلّهم {إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون}.
وقال قتادة في هذه الآية: هذا إذا بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الجيوش، أمرهم اللّه ألّا يعروا نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وتقيم طائفةٌ مع رسول اللّه تتفقّه في الدّين، وتنطلق طائفةٌ تدعو قومها، وتحذّرهم وقائع اللّه فيمن خلا قبلهم.
وقال الضّحّاك: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا غزا بنفسه لم يحل لأحدٍ من المسلمين أن يتخلّف عنه، إلّا أهل الأعذار. وكان إذا أقام فاسترت السّرايا لم يحلّ لهم أن ينطلقوا إلّا بإذنه، فكان الرّجل إذا استرى فنزل بعده قرآنٌ، تلاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أصحابه القاعدين معه، فإذا رجعت السّريّة قال لهم الّذين أقاموا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه أنزل بعدكم على نبيّه قرآنًا. فيقرئونهم ويفقّهونهم في الدّين، وهو قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً} يقول إذا أقام رسول اللّه {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ} يعني بذلك: أنّه لا ينبغي للمسلمين أن ينفروا جميعًا ونبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قاعدٌ، ولكن إذا قعد نبيّ اللّه تسرّت السّرايا، وقعد معه عظم الناس.
وقال [عليّ] بن أبي طلحة أيضًا عن ابن عبّاسٍ: قوله: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً} فإنّها ليست في الجهاد، ولكن لمّا دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على مضر بالسّنين أجدبت بلادهم، وكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتّى يحلّوا بالمدينة من الجهد، ويعتلّوا بالإسلام وهم كاذبون. فضيّقوا على أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأجهدوهم. فأنزل اللّه يخبر رسوله أنّهم ليسوا مؤمنين، فردّهم رسول اللّه إلى عشائرهم، وحذّر قومهم أن يفعلوا فعلهم، فذلك قوله: {ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون}.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: كان ينطلق من كلّ حيٍّ من العرب عصابةٌ، فيأتون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. فيسألونه عمّا يريدون من أمر دينهم، ويتفقّهون في دينهم، ويقولون لنبيّ اللّه: ما تأمرنا أن نفعله؟ وأخبرنا [ما نقول] لعشائرنا إذا قدمنا انطلقنا إليهم. قال: فيأمرهم نبيّ اللّه بطاعة اللّه وطاعة رسوله، ويبعثهم إلى قومهم بالصّلاة والزّكاة. وكانوا إذا أتوا قومهم نادوا: إنّ من أسلم فهو منّا، وينذرونهم، حتّى إنّ الرّجل ليفارق أباه وأمّه، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخبرهم وينذرهم قومهم، فإذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى الإسلام وينذرونهم النّار ويبشّرونهم بالجنّة.
وقال عكرمة: لمّا نزلت هذه الآية: [الشّريفة] {إلا تنفروا يعذّبكم عذابًا أليمًا} [التّوبة: 39]، و {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا [عن رسول اللّه]} [التّوبة: 120]، قال المنافقون: هلك أصحاب البدو الّذين تخلّفوا عن محمّدٍ ولم ينفروا معه. وقد كان ناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خرجوا إلى البدو إلى قومهم يفقّهونهم، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ} الآية، ونزلت: {والّذين يحاجّون في اللّه من بعد ما استجيب له} الآية [الشّورى: 16].
وقال الحسن البصريّ: {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين} قال: ليتفقّه الّذين خرجوا، بما يردهم اللّه من الظّهور على المشركين، والنصرة، وينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 235-237]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار وليجدوا فيكم غلظةً واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين (123)}
أمر اللّه تعالى المؤمنين أن يقاتلوا الكفّار أوّلًا فأوّلًا الأقرب فالأقرب إلى حوزة الإسلام؛ ولهذا بدأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقتال المشركين في جزيرة العرب، فلمّا فرغ منهم وفتح اللّه عليه مكّة والمدينة، والطّائف، واليمن واليمامة، وهجر، وخيبر، وحضرموت، وغير ذلك من أقاليم جزيرة العرب، ودخل النّاس من سائر أحياء العرب في دين اللّه أفواجًا، شرع في قتال أهل الكتاب، فتجهّز لغزو الرّوم الّذين هم أقرب النّاس إلى جزيرة العرب، وأولى النّاس بالدّعوة إلى الإسلام لكونهم أهل الكتاب، فبلغ تبوك ثمّ رجع لأجل جهد النّاس وجدب البلاد وضيق الحال، وكان ذلك سنة تسعٍ من هجرته، عليه السّلام.
ثمّ اشتغل في السّنة العاشرة بحجّته حجّة الوداع. ثمّ عاجلته المنيّة، صلوات اللّه وسلامه عليه، بعد الحجّة بأحدٍ وثمانين يومًا، فاختاره اللّه لما عنده.
وقام بالأمر بعده وزيره وصديقه وخليفته أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه، وقد مال الدّين ميلةً كاد أن ينجفل، فثبّته اللّه تعالى به فوطّد القواعد، وثبّت الدّعائم. وردّ شارد الدّين وهو راغمٌ. وردّ أهل الرّدّة إلى الإسلام، وأخذ الزّكاة ممّن منعها من الطّغام، وبيّن الحقّ لمن جهله، وأدّى عن الرّسول ما حمله. ثمّ شرع في تجهيز الجيوش الإسلاميّة إلى الرّوم عبدة الصّلبان وإلى الفرس عبدة النّيران، ففتح اللّه ببركة سفارته البلاد، وأرغم أنفس كسرى وقيصر ومن أطاعهما من العباد. وأنفق كنوزهما في سبيل اللّه، كما أخبر بذلك رسول الإله.
وكان تمام الأمر على يدي وصيّه من بعده، ووليّ عهده الفاروق الأوّاب، شهيد المحراب، أبي حفصٍ عمر بن الخطّاب، فأرغم اللّه به أنوف الكفرة الملحدين، وقمع الطّغاة والمنافقين، واستولى على الممالك شرقًا وغربًا. وحملت إليه خزائن الأموال من سائر الأقاليم بعدًا وقربا. ففرّقها على الوجه الشّرعيّ، والسّبيل المرضيّ.
ثمّ لمّا مات شهيدًا وقد عاش حميدًا، أجمع الصّحابة من المهاجرين والأنصار. على خلافة أمير المؤمنين [أبي عمرٍو] عثمان بن عفان شهيد الدار. فكسى الإسلام [بجلاله] رياسة حلّةٍ سابغةً. وأمدّت في سائر الأقاليم على رقاب العباد حجّة اللّه البالغة، وظهر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، وعلت كلمة اللّه وظهر دينه. وبلغت الأمّة الحنيفيّة من أعداء اللّه غاية مآربها، فكلّما علوا أمّةً انتقلوا إلى من بعدهم، ثمّ الّذين يلونهم من العتاة الفجّار، امتثالًا لقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا قاتلوا الّذين يلونكم من الكفّار} وقوله تعالى: {وليجدوا فيكم غلظةً} [أي: وليجد الكفّار منكم غلظةً] عليهم في قتالكم لهم، فإنّ المؤمن الكامل هو الّذي يكون رفيقًا لأخيه المؤمن، غليظًا على عدوّه الكافر، كما قال تعالى: {فسوف يأتي اللّه بقومٍ يحبّهم ويحبّونه أذلّةٍ على المؤمنين أعزّةٍ على الكافرين} [المائدة: 54]، وقال تعالى: {محمّدٌ رسول اللّه والّذين معه أشدّاء على الكفّار رحماء بينهم} [الفتح: 29]، وقال تعالى: {يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم} [التّوبة: 73، والتّحريم: 9]، وفي الحديث: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أنا الضّحوك القتّال"، يعني: أنه ضحوك في وجه وليه، قتّال لهامة عدوّه.
وقوله: {واعلموا أنّ اللّه مع المتّقين} أي: قاتلوا الكفّار، وتوكّلوا على اللّه، واعلموا أنّ اللّه معكم إن اتّقيتموه وأطعتموه.
وهكذا الأمر لمّا كانت القرون الثّلاثة الّذين هم خير هذه الأمّة، في غاية الاستقامة، والقيام بطاعة اللّه تعالى، لم يزالوا ظاهرين على عدوّهم، ولم تزل الفتوحات كثيرةً، ولم تزل الأعداء في سفال وخسارٍ. ثمّ لمّا وقعت الفتن والأهواء والاختلافات بين الملوك، طمع الأعداء في أطراف البلاد، وتقدّموا إليها، فلم يمانعوا لشغل الملوك بعضهم ببعضٍ، ثمّ تقدّموا إلى حوزة الإسلام، فأخذوا من الأطراف بلدانًا كثيرةً، ثمّ لم يزالوا حتّى استحوذوا على كثيرٍ من بلاد الإسلام، وللّه، سبحانه، الأمر من قبل ومن بعد. فكلّما قام ملكٌ من ملوك الإسلام، وأطاع أوامر اللّه، وتوكّل على اللّه، فتح اللّه عليه من البلاد، واسترجع من الأعداء بحسبه، وبقدر ما فيه من ولاية اللّه. واللّه المسئول المأمول أن يمكّن المسلمين من نواصي أعدائه الكافرين، وأن يعلي كلمتهم في سائر الأقاليم، إنّه جوادٌ كريمٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 237-239]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:20 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة