تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا عبيدة، يقول: قال عبد الله: الكذب لا يصلح منه شيء في جد ولا هزلٍ، واقرؤوا إن شئتم: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [سورة التوبة: 119]، فهل ترون من رخصة في الكذب؟ ). [الزهد لابن المبارك: 2/660]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (119) : قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، عن سعيد بن مسروقٍ، عن عمرو بن مرّة، قال: قال عبد اللّه: لا يصلح من الكذب جدٌّ ولا هزلٌ؛ ذلك بأنّ اللّه يقول: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه، قال: لا يصلح من الكذب جدٌّ ولا هزلٌ؛ ذلك بأنّ اللّه يقول: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن (مجاهدٍ، عن) أبي معمرٍ، عن ابن مسعودٍ، قال: لا يصلح الكذب في جدٍّ ولا هزل، ولا أن يعد أحدكم صبيّه شيئًا ثم لا ينجزه له.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، قال: قال عبد اللّه: لا يصلح من الكذب جد، ولا هزل). [سنن سعيد بن منصور: 5/292-296]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {يا أيّها الّذين آمنوا، اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين} [التوبة: 119]
- حدّثنا يحيى بن بكيرٍ، حدّثنا اللّيث، عن عقيلٍ، عن ابن شهابٍ، عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ، عن عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ، وكان قائد كعب بن مالكٍ، قال: سمعت كعب بن مالكٍ، يحدّث حين تخلّف عن قصّة تبوك " فواللّه ما أعلم أحدًا أبلاه اللّه في صدق الحديث أحسن ممّا أبلاني، ما تعمّدت منذ ذكرت ذلك لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إلى يومي هذا كذبًا، وأنزل اللّه عزّ وجلّ على رسوله صلّى الله عليه وسلّم: {لقد تاب اللّه على النّبيّ والمهاجرين، والأنصار} [التوبة: 117] إلى قوله {وكونوا مع الصّادقين} [التوبة: 119] "). [صحيح البخاري: 6/70-71]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين)
ذكر فيه طرفًا مختصرًا من قصّة توبة كعب أيضا). [فتح الباري: 8/344]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ قوله: {يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين} (التّوبة: 119)
أي هذا باب في قوله تعالى: {يا أيها الّذين آمنوا} الآية، وهذه الآية عقيب قوله: {وعلى الثّلاثة الّذين خلفوا} (التّوبة: 118) الآية، ولما جرى على هؤلاء الثّلاثة من الضّيق والكرب وهجر المسلمين إيّاهم نحوا من خمسين ليلة فصبروا على ذلك واستكانوا لأمر الله فرج الله عنهم بسبب صدقهم جميع ذلك وتاب عليهم، وكان عاقبة صدقهم وتقواهم نجاة لهم وخيرا، وأعقب ذلك بقوله: {يا أيها الّذين آمنوا} الآية. قوله: (اتّقوا الله) أي: خافوه. قوله: (وكونوا مع الصّادقين) يعني: إلزموا الصدق تكونوا مع أهله وتنجوا من المهالك ويجعل لكم فرجا من أموركم ومخرجاً.
- حدّثنا يحيى بن بكيرٍ حدثنا اللّيث عن عقيلٍ عن ابن شهابٍ عن عبد الرّحمان ابن عبد الله بن كعب بن مالكٍ أنّ عبد لله بن كعب بن مالكٍ وكان قائد كعب بن مالكٍ قال سمعت كعب بن مالكٍ يحدّث حين تخلّف عن قصّة تبوك فوالله ما أعلم أحداً أبلاه الله في صدق الحديث أحسن ممّا أبلاني ما تعمّدت منذ ذكرت ذالك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هاذا كذّباً وأنزل الله عزّ وجلّ على رسوله صلى الله عليه وسلم لقد تاب الله على النبيّ والمهاجرين إلى قوله وكونوا مع الصّادقين. .
مطابقته للتّرجمة تؤخذ من حيث إن الله فرج عن كعب وتاب عليه بحسن صدقه كما في متن الحديث، وأنزل الله تعالى هذه الآية وأمر المؤمنين بالتقوى والصدق. ورجال إسناده قد ذكروا عن قريب وفيما قبله غير مرّة، والحديث قطعة من حديث كعب الطّويل، وتكلمنا فيه فيما مضى). [عمدة القاري: 18/279-280]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين} [التوبة: 119]
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}) الذين صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وأعمالهم وخرجوا إلى الغزو لإخلاص أو الخطاب للمنافقين أي: {يا أيها الذين آمنوا} في العلانية اتقوا الله وكونوا مع الذين صدقوا وأخلصوا النية. عن ابن عمر فيما ذكره ابن كثير {وكونوا مع الصادقين} مع محمد وأصحابه وسقط التبويب لغير أبي ذر.
- حدّثنا يحيى بن بكيرٍ، حدّثنا اللّيث، عن عقيلٍ عن ابن شهابٍ، عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ، أنّ عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ وكان قائد كعب بن مالكٍ - قال: سمعت كعب بن مالكٍ يحدّث حين تخلّف عن قصّة تبوك فواللّه ما أعلم أحدًا أبلاه اللّه في صدق الحديث أحسن ممّا أبلاني ما تعمّدت منذ ذكرت ذلك لرسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- إلى يومي هذا كذبًا وأنزل اللّه عزّ وجلّ على رسوله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: {لقد تاب اللّه على النّبيّ والمهاجرين} -إلى قوله- {وكونوا مع الصّادقين}.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير ونسبه لجده قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام المجتهد (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن) أباه (عبد الله بن كعب بن مالك) ولأبي ذر عن عبد الله بن كعب بن مالك (وكان) عبد الله (قائد كعب بن مالك) زاد في السابقة من بنيه حين عمي (قال: سمعت كعب بن مالك يحدث) عن خبره (حين تخلف عن قصة تبوك) وإخباره
الرسول عليه الصلاة والسلام بالصدق من شأنه بأنه لم يكن له عذر عن التخلف (فوالله ما أعلم أحدًا أبلاه الله) بالموحدة الساكنة أي أنعم الله عليه (في صدق الحديث أحسن مما أبلاني ما تعمدت منذ) بالنون ولأبي ذر مذ (ذكرت ذلك) القول الصدق (لرسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- إلى يومي هذا كذبًا وأنزل الله عز وجل على رسوله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: {لقد تاب الله على النبي والمهاجرين}) ولأبي ذر زيادة {والأنصار} (إلى قوله {وكونوا مع الصادقين}) ). [إرشاد الساري: 7/162]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين}
- أخبرنا يوسف بن سعيدٍ، حدّثنا حجّاج بن محمّدٍ، حدّثنا ليث بن سعدٍ، حدّثني عقيلٌ، عن ابن شهابٍ، قال: أخبرني عبد الرّحمن بن عبد الله بن كعب بن مالكٍ: أنّ عبد الله بن كعب بن مالكٍ، - وكان قائد كعبٍ من بنيه حين عمي - قال: سمعت كعب بن مالكٍ، يحدّث حديثه حين تخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك قال: فبينما أنا جالسٌ على الحال الّتي ذكر الله منّا، قد ضاقت عليّ نفسي، وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صارخًا أوفى على أعلى جبلٍ بأعلى صوتٍ: يا كعب بن مالكٍ أبشر، قال: فخررت ساجدًا، وعرفت أن قد جاء فرجٌ، وآذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر، فدهم النّاس يبشّرونا، وذهب قبل صاحبيّ مبشّرون، وركض رجلٌ إليّ فرسًا، وسعى ساعٍ من أسلم فأوفى على جبلٍ فكان الصّوت أسرع من الفرس، فلمّا جاءني الّذي سمعت صوته بشّرني نزعت ثوبيّ فكسوته إيّاهما بشارةً، والله ما أملك غيرهما، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتلقّاني النّاس فوجًا فوجًا يهنّئوني بالتّوبة، يقولون: لتهنئك توبة الله عليك، قال كعبٌ: حتّى دخلت المسجد، فإذا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالسًا حوله النّاس، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله يهرول حتّى صافحني وهنّأني، ووالله ما قام إليّ رجلٌ من المهاجرين غيره، ولا أنساها لطلحة، قال كعبٌ: فلمّا سلّمت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال وهو يبرق وجهه من السّرور: «أبشر بخير يومٍ مرّ عليك منذ ولدتك أمّك» فقلت: من عندك يا رسول الله، أو من عند الله؟ قال: «لا، بل من عند الله» وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سرّ استنار وجهه كأنّه قطعة قمرٍ، وكنّا نعرف ذلك منه، فلمّا جلست بين يديه قلت: يا رسول الله، إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله تبارك وتعالى وإلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أمسك عليك بعض مالك فهو خيرٌ لك» قلت: فإنّي أمسك سهمي الّذي بخيبر، قلت: يا رسول الله، إنّ الله تعالى إنّما أنجاني بالصّدق، وإنّ من توبتي ألّا أحدّث إلّا صدقًا ما بقيت، فوالله ما أحدٌ من المسلمين أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحسن ممّا أبلاني، وما تعلمون منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم كذبًا، وإنّي لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي، فأنزل الله عزّ وجلّ {لقد تاب الله على النّبيّ والمهاجرين والأنصار الّذين اتّبعوه في ساعة العسرة} [التوبة: 117] تلا إلى {الصّادقين} [التوبة: 119]، فوالله ما أنعم الله عليّ من نعمةٍ قطّ بعد أن هداني للإسلام بأعظم في نفسي من صدق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يومئذٍ ألّا أكون كذبته فأهلك كما هلك الّذين كذبوه، حتّى أنزل الوحي بشرّ ما قال لأحدٍ: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم} [التوبة: 95] إلى {الفاسقين} [التوبة: 96]، قال كعبٌ: وكنّا تخلّفنا أيّها الثّلاثة عن أمر أولئك الّذين قبل منهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين حلفوا له، فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا حتّى قضى الله فيه، فلذلك قال الله عزّ وجلّ {وعلى الثّلاثة الّذين خلّفوا} [التوبة: 118] وليس الّذي ذكر الله تخلّفنا عن الغزو، وإنّما هو تخليفه إيّانا، وإرجاؤه أمرنا عمّن حلف له واعتذر إليه فقبل منه مختصرٌ). [السنن الكبرى للنسائي: 10/121-122]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين}.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين معرّفهم سبيل النّجاة من عقابه والخلاص من أليم عذابه: يا أيّها الّذين آمنوا باللّه ورسوله، اتّقوا اللّه وراقبوه بأداء فرائضه وتجنّب حدوده، وكونوا في الدّنيا من أهل ولاية اللّه وطاعته، تكونوا في الآخرة مع الصّادقين في الجنّة. يعني مع من صدق اللّه الإيمان به فحقّق قوله بفعله ولم يكن من أهل النّفاق فيه الّذين يكذب قيلهم فعلهم.
وإنّما معنى الكلام: وكونوا مع الصّادقين في الآخرة باتّقاء اللّه في الدّنيا، كما قال جلّ ثناؤه: {ومن يطع اللّه والرّسول فأولئك مع الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين}.
وإنّما قلنا ذلك معنى الكلام، لأنّ كون المنافق مع المؤمنين غير نافعه بأيّ وجوه الكون كان معهم إن لم يكن عاملاً عملهم، وإذا عمل عملهم فهو منهم، وإذا كان منهم كان لا وجه في الكلام أن يقال: اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين. ولتوجيه الكلام إلى ما وجهنا من تأويله فسّر ذلك من فسّره من أهل التّأويل بأن قال: معناه: وكونوا مع أبي بكرٍ وعمر، أو مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والمهاجرين رحمة اللّه عليهم.
ذكر من قال ذلك أو غيره في تأويله:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن زيد بن أسلم، عن نافعٍ، في قول اللّه: {اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين} قال: مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حبويه أبو يزيد، عن يعقوب القمّيّ، عن زيد بن أسلم، عن نافعٍ، قال: قيل للثّلاثة الّذين خلّفوا: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين} محمّدٍ وأصحابه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق بن إسماعيل، عن عبد الرّحمن المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {وكونوا مع الصّادقين} قال: مع أبي بكرٍ وعمر وأصحابهما رحمة اللّه عليهم.
- قال: حدّثنا محمّد بن يحيى، قال: حدّثنا إسحاق بن بشرٍ الكاهليّ، قال: حدّثنا خلف بن خليفة، عن أبي هاشمٍ الرّمّانيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: {اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين} قال: مع أبي بكرٍ وعمر رحمة اللّه عليهما.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين} قال: مع المهاجرين الصّادقين.
وكان ابن مسعودٍ فيما ذكر عنه يقرؤه: وكونوا من الصّادقين ويتأوّله أنّ ذلك نهي من اللّه عن الكذب.
ذكر الرّواية عنه بذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم العسقلانيّ، قال: حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، قال: سمعت أبا عبيدة بن عبد اللّه بن مسعودٍ، يقول: قال ابن مسعودٍ: إنّ الكذب لا يحلّ منه جدٌّ ولا هزلٌ، اقرءوا إن شئتم: (يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وكونوا من الصّادقين) قال: وكذلك هي قراءة ابن مسعودٍ: (من الصّادقين)، فهل ترون في الكذب رخصةً؟.
- قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن شعبة، عن عمرو بن مرّة، قال: سمعت أبا عبيدة، عن عبد اللّه نحوه.
- قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، قال: سمعت أبا عبيدة يحدّث، عن عبد اللّه قال: الكذب لا يصلح منه جدٌّ ولا هزلٌ، اقرءوا إن شئتم. يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وكونوا من الصّادقين وهي كذلك في قراءة عبد اللّه، فهل ترون من رخصةٍ في الكذب؟.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبد اللّه، قال: لا يصلح الكذب في هزلٍ ولا جدٍّ، ثمّ تلا عبد اللّه: {اتّقوا اللّه وكونوا} ما أدري أقال من الصّادقين أو {مع الصّادقين} وهو في كتابي: {مع الصّادقين}.
- قال: حدّثنا أبي، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن أبي معمرٍ، عن عبد اللّه مثله
- قال: حدّثنا أبي، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه، مثله.
والصّحيح من التّأويل في ذلك هو التّأويل الّذي ذكرناه عن نافعٍ والضّحّاك، وذلك أنّ رسوم المصاحف كلّها مجمعةٌ على: {وكونوا مع الصّادقين}، وهي القراءة الّتي لا أستجيز لأحدٍ القراءة بخلافها.
وتأويل عبد اللّه رحمة اللّه عليه في ذلك على قراءته تأويلٌ غير صحيحٍ، أنّ القراءة بخلافها). [جامع البيان: 12/67-70]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين (119)
قوله عزّ وجلّ: يا أيّها الّذين آمنوا.
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى ثنا محمّد بن عليٍّ ثنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: يا أيّها الّذين آمنوا يعني به مؤمني أهل الكتاب.
قوله تعالى: اتّقوا اللّه.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: اتّقوا اللّه يعني: الموحّدين يحذّرهم.
- حدّثنا أبي ثنا أبو الرّبيعٍ الزّهرانيّ ثنا يعقوب القمّيّ، أنبأ زيد بن أسلم عن نافعٍ في قوله: يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه قال: في الثّلاثة الّذين خلّفوا...
اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين.
قوله تعالى: وكونوا مع الصادقين.
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ ثنا أبو داود ثنا شعبة عن عمرو بن مرّة سمع أبا عبيدة يحدّث عن عبد اللّه قال: إنّ الكذب لا يصلح منه جدٌّ ولا هزلٌ، اقرءوا إنّ شئتم يا أيّها الّذين آمنوا اتقوا الله وكونوا من الصّادقين قال: وهي في قراءة عبد اللّه هكذا، فهل تجدون لأحدٍ رخصةً في الكذب؟
- حدّثنا أبي ثنا يحيى الحمّانيّ ثنا يعقوب القمّيّ عن زيد بن أسلم عن نافع ابن عمر يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين قال: مع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا المحاربيّ عن جويبرٍ عن الضّحّاك في قوله: يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين قال: مع أبي بكرٍ وعمر وأصحابهما.
والوجه الثّالث:
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ ثنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين يعني به: مؤمني أهل الكتاب يأمرهم بالجهاد، وأن يكونوا مع المجاهدين، ويقال: يعني به مؤمني أهل مكّة الّذين تخلّفوا عن الهجرة، يقول: هاجروا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وكونوا مع المهاجرين.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن خالدٍ ثنا سباع الموصليّ ثنا خليد بن دعلجٍ عن الحسن في قوله: يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين قال: إن أردت أن تكون مع الصّادقين، فعليك بالزّهد في الدّنيا والكفّ عن أهل الملّة.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي ثنا سهل بن عثمان ثنا رجلٌ قد سمّاه عن السّدّيّ في قوله: يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين قال: كونوا مع كعب بن مالكٍ، ومرارة بن ربيعة، وهلال بن أميّة.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ ثنا الحسين بن محمّدٍ المروزيّ ثنا شيبان عن قتادة قوله: اتّقوا اللّه وكونوا مع الصّادقين قال: الصّدق في النّيّة، والصّدق في العمل، والصّدق في اللّيل والنّهار، والصّدق في السّرّ والعلانية). [تفسير القرآن العظيم: 6/1906-1907]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 119
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن نافع في قوله {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} قال: نزلت في الثلاثة الذين خلفوا: قيل لهم: كونوا مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وأخرج ابن المنذر عن كعب بن مالك قال: فينا نزلت أيضا {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عمر في قوله {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} قال: مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في قوله {وكونوا مع الصادقين} قال: مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ واين عساكر عن الضحاك في قوله {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} قال: أمروا أن يكونوا مع أبي بكر وعمر وأصحابهما.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} قال: مع علي بن أبي طالب.
وأخرج ابن عساكر عن أبي حعفر في قوله {وكونوا مع الصادقين} قال: مع علي بن أبي طالب.
وأخرج ابن أبي حاتم وابو الشيخ عن السدي في قوله {اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} قال: كونوا مع كعب بن مالك ومرارة بن ربيعة وهلال بن أمية.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عدي وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن عبد الله بن مسعود قال: لا يصلح الكذب في جد ولا هزل ولا أن يعد أحدكم صبيه شيئا ثم لا ينجزه اقرأوا إن شئتم {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} قال: وهي في قراءة عبد الله هكذا قال: فهل تجدون لأحد رخصة في الكذب
وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن ابن عباس أنه كان يقرأ {وكونوا مع الصادقين}.
وأخرج أبو داود الطيالسي والبخاري في الأدب، وابن عدي والبيهقي في الشعب عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: عليكم بالصدق فإنه
يهدي إلى البر وهما في الجنة وإياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور وهما في النار ولا يزال الرجل يصدق حتى يكتب عند الله صديقا ولا يزال يكذب حتى يكتب عند الله كذابا.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم، وابن عدي والبيهقي، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا.
وأخرج ابن عدي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يا أيها الناس اجتنبوا الكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإنه يقال: صدق وبر وكذب وفجر
وأخرج أحمد والبيهقي في الشعب عن أبي مالك الجشمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: أرأيت لو كان لك عبدان أحدهما يخونك ويكذبك حديثا والآخر لا يخونك ويصدقك حديثا أيهما أحب إليك قال: قلت: الذي لا يخونني ويصدقني حديثا قال: كذلك أنتم عند ربكم عز وجل.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه رفع الحديث إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ولا يعد الرجل ابنه ثم لا ينجز له إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار إنه يقال للصادق صدق وبر ويقال للكاذب كذب وفجر وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقا ويكذب حتى يكتب عند الله كذابا.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: ما يحملكم على أن تتابعوا على الكذب كما يتتابع الفراش في النار كل الكذب يكتب على ابن آدم
إلا رجل كذب في خديعة حرب أو إصلاح بين اثنين أو رجل يحدث امرأته ليرضيها.
وأخرج البيهقي عن النواس بن سمعان الكلابي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مالي أراكم تتهافتون في الكذب تهافت الفراش في النار كل الكذب يكتب على ابن آدم إلا رجل كذب في خديعة حرب أو إصلاح بين اثنين أو رجل يحدث امرأته ليرضيها.
وأخرج البيهقي عن ابن شهاب قال: ليس بكذاب من درأ عن نفسه.
وأخرج ابن عدي والبيهقي وضعفه عن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الكذب مجانب للإيمان.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن عدي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: إياكم والكذب فإن الكذب مجانب للإيمان، قال البيهقي: هذا هو الصحيح موقوف
وأخرج ابن عدي والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يطبع المؤمن على كل شيء إلا الخيانة والكذب.
وأخرج ابن عدي عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال يطبع المؤمن على كل خلق ليس الخيانة والكذب.
وأخرج ابن عدي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المؤمن ليطبع على خلال شتى من الجود والبخل وحسن الخلق ولا يطبع المؤمن على الكذب ولا يكون كذابا.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب.
وأخرج البيهقي عن عبد الله بن أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن يطبع على كل خلق إلا الكذب والخيانة.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن جعفر بن محمد قال: يبنى الإنسان على خصال فمهما بني عليه فإنه لا يبنى على الخيانة والكذب.
وأخرج مالك والبيهقي عن صفوان بن سليم أنه قيل يا رسول الله أيكون المؤمن جبانا قال نعم، قيل: أيكون المؤمن بخيلا قال: نعم، قيل: أيكون المؤمن كذابا قال: لا.
وأخرج البيهقي وأبو يعلى وضعفه عن أبي برزة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال الكذب يسود الوجه والنميمة عذاب القبر.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها قالت ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة.
وأخرج أحمد وهناد بن السري رضي الله عنه في الزهد، وابن عدي والبيهقي عن النواس بن سمعان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثا هو لك مصدق وأنت به كاذب.
وأخرج أحمد والبيهقي عن أسماء بنت عميس قالت كنت صاحبة عائشة التي هيأتها فأدخلتها على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في نسوة فما وجدنا عنده قرى إلا قدح من لبن فتناوله فشرب منه ثم ناوله عائشة فاستحيت منه فقلت: لا تردي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذته فشربته ثم قال: ناولي صواحبك، فقلت: لا نشتهيه، فقال: لا تجمعن كذبا وجوعا، فقلت: إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه لا أشتهي أيعد ذلك كذبا، فقال: إن الكذب يكتب كذبا حتى الكذيبة تكتب كذيبة.
وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت ألعب فقالت أمي لي: يا عبد الله تعال أعطيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أردت أن تعطيه قالت: أردت أن أعطيه تمرا قال: إما أنك لو لم تفعلي لكتبت عليك كذبة.
وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وصححه والدارمي وأبو يعلى، وابن حبان والطبراني والبيهقي والضياء عن الحسن بن علي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة وإن الكذب ريبة.
وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته إن أعظم الخطيئة عند الله اللسان الكاذب.
وأخرج ابن عدي عن أبي بكر الصديق قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الصدق أمانة والكذب خيانة.
وأخرج ابن ماجة والحكيم الترمذي في نوادر الأصول والخرائطي في مكارم الأخلاق والبيهقي عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: قلنا يا رسول الله من خير الناس قال ذو القلب المحموم واللسان الصادق قلنا: قد عرفنا اللسان الصادق فما القلب المحموم قال: التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد، قلنا يا رسول الله: فمن على أثره قال: الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة قلنا ما نعرف هذا فينا إلا رافعا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن على أثره قال: مؤمن في حسن خلق، قلنا: أما هذا ففينا.
وأخرج البيهقي في الشعب عن عمر بن الخطاب قال: لا تجد المؤمن كذابا.
وأخرج البيهقي عن عمر بن الخطاب قال لا تنظروا إلى صلاة أحد ولا إلى صيامه ولكن انظروا إلى من حدث صدق وإذا ائتمن أدى وإذا أشفى ورع.
وأخرج البيهقي عن أنس قال: إن الرجل ليحرم قيام الليل وصيام النهار بالكذبة يكذبها.
وأخرج ابن عدي والبيهقي عن محمد بن سيرين قال: الكلام أوسع من أن يكذب ظريف
وأخرج البيهقي عن مطر الوراق قال: خصلتان إذا كانتا في عبد كان سائر عمله تبعا لهما حسن الصلاة وصدق الحديث.
وأخرج البيهقي عن الفضيل قال: لم يتزين الناس بشيء أفضل من الصدق وطلب الحلال.
وأخرج البيهقي عن عبد العزيز بن أبي رواد قال: إبرار الدنيا الكذب وقلة الحياء من طلب الدنيا بغيرهما فقد أخطأ الطريق والمطلب وإبرار الآخرة الحياء والصدق فمن طلب الآخرة بغيرهما فقد أخطأ الطريق والمطلب.
وأخرج البيهقي عن يوسف بن أسباط قال: يرزق العبد بالصدق ثلاث خصال الحلاوة والملاحة والمهابة.
وأخرج البيهقي عن أبي روح حاتم بن يوسف قال: أتيت باب الفضيل بن عياض فسلمت عليه فقلت: يا أبا علي معي خمسة أحاديث إن رأيت أن تأذن لي فأقرأ، فقال لي: اقرأ، فقرأت فإذا هي ستة فقال لي: أن قم يا بني تعلم الصدق ثم أكتب الحديث
وأخرج ابن عدي عن عمران بن الحصين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب.
وأخرج ابن عدي عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن في المعاريض ما يغني الرجل العاقل عن الكذب). [الدر المنثور: 7/581-592]
تفسير قوله تعالى: (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (120) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال في براءة: {إلا تنفروا يعذّبكم عذابًا أليمًا ويستبدل قومًا غيركم ولا تضرّوه شيئًا}؛ وقال: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنّهم لا يصيبهم ظمأٌ ولا نصبٌ ولا مخمصةٌ في سبيل الله ولا يطؤون موطئًا يغيظ الكفّار ولا ينالون من عدوٍّ نيلاً}، الآية كلها؛
فنسختها واستثنى بالآية التي تليها، فقال: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}). [الجامع في علوم القرآن: 3/74-75] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى مخمصة قال هو الجوع). [تفسير عبد الرزاق: 1/290]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنّهم لا يصيبهم ظمأٌ ولا نصبٌ ولا مخمصةٌ في سبيل اللّه ولا يطئون موطئًا يغيظ الكفّار ولا ينالون من عدوٍّ نيلاً إلاّ كتب لهم به عملٌ صالحٌ إنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين}.
يقول تعالى ذكره: لم يكن لأهل المدينة مدينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ومن حولهم من الأعراب سكّان البوادي، الّذين تخلّفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة تبوك، وهم من أهل الإيمان به؛ أن يتخلّفوا في أهاليهم ولا دارهم، ولا أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه في صحبته في سفره والجهاد معه ومعاونته على ما يعانيه في غزوه ذلك. يقول: إنّه لم يكن لهم هذا بأنّهم من أجل أنّهم وبسبب أنّهم لا يصيبهم في سفرهم إذا كانوا معه ظمأٌ وهو العطش ولا نصبٌ، يقول: ولا تعبٌ، {ولا مخمصةٌ في سبيل اللّه} يعني: ولا مجاعة في إقامة دين اللّه ونصرته، وهدم منار الكفر {ولا يطئون موطئًا} يعني أرضًا، يقول: ولا يطئون أرضًا يغيظ الكفّار وطؤهم إيّاها {ولا ينالون من عدوّ نيلاً} يقول ولا يصيبون من عدوّ اللّه وعدوّهم شيئًا في أموالهم وأنفسهم وأولادهم إلاّ كتب اللّه لهم بذلك كلّه ثواب عملٍ صالحٍ قد ارتضاه {إنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين} يقول: إنّ اللّه لا يدع محسنًا من خلقه أحسن في عمله فأطاعه فيما أمره وانتهى عمّا نهاه عنه، أن يجازيه على إحسانه ويثيبه على صالح عمله؛ فلذلك كتب لمن فعل ذلك من أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب ما ذكر في هذه الآية الثّواب على كلّ ما فعل فلم يضيّع له أجر فعله ذلك.
وقد اختلف أهل التّأويل في حكم هذه الآية، فقال بعضهم: هي محكمةٌ، وإنّما كان ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خاصّةً، لم يكن لأحدٍ أن يتخلّف إذا غزا خلافه فيقعد عنه إلاّ من كان ذا عذرٍ، فأمّا غيره من الأئمّة والولاة فإنّ لمن شاء من المؤمنين أن يتخلّف خلافه إذا لم يكن بالمسلمين إليه ضرورةٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه} هذا إذا غزا نبيّ اللّه بنفسه، فليس لأحدٍ أن يتخلّف. ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لولا أن أشقّ على أمّتي ما تخلّفت خلف سريّةٍ تغزو في سبيل اللّه، لكنّي لا أجد سعةً فأنطلق بهم معي، ويشقّ عليّ أو أكره أن أدعهم بعدي.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، قال: سمعت الأوزاعيّ، وعبد اللّه بن المبارك، والفزاريّ، والسّبيعيّ، وابن جابرٍ، وسعيد بن عبد العزيز يقولون في هذه الآية: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه}، إلى آخر الآية. إنّها لأوّل هذه الأمّة وآخرها من المجاهدين في سبيل اللّه.
وقال آخرون: هذه الآية نزلت وفي أهل الإسلام قلّةٌ، فلمّا كثروا نسخها اللّه وأباح التّخلّف لمن شاء، فقال: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه} فقرأ حتّى بلغ: {ليجزيهم اللّه أحسن ما كانوا يعملون} قال: هذا حين كان الإسلام قليلاً، فلمّا كثر الإسلام بعد قال: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ}. إلى آخر الآية.
والصّواب من القول في ذلك عندي، أنّ اللّه عنى بها الّذين وصفهم بقوله: {وجاء المعذّرون من الأعراب ليؤذن لهم} الآية، ثمّ قال جلّ ثناؤه: ما كان لأهل المدينة الّذين تخلّفوا عن رسول اللّه ولا لمن حولهم من الأعراب الّذين قعدوا عن الجهاد معه أن يتخلّفوا خلافه ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه. وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان ندب في غزوته تلك كلّ من أطاق النّهوض معه إلى الشّخوص إلاّ من أذن له أو أمره بالمقام بعده، فلم يكن لمن قدر على الشّخوص التّخلّف، فعدّد جلّ ثناؤه من تخلّف منهم، فأظهر نفاق من كان تخلّفه منهم نفاقًا وعذر من كان تخلّفه لعذرٍ، وتاب على من كان تخلّفه تفريطًا من غير شكٍّ ولا ارتيابٍ في أمر اللّه إذ تاب من خطأ ما كان منه من الفعل. فأمّا التّخلّف عنه في حال استغنائه فلم يكن محظورًا إذا لم يكن عن كراهته منه صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك.
وكذلك حكم المسلمين اليوم إزاء إمامهم، فليس بفرضٍ على جميعهم النّهوض معه إلاّ في حال حاجته إليهم لما لا بدّ للإسلام وأهله من حضورهم واجتماعهم واستنهاضه إيّاهم فيلزمهم حينئذٍ طاعته.
وإذا كان ذلك معنى الآية لم تكن إحدى الآيتين اللّتين ذكرنا ناسخةً للأخرى، إذ لم تكن إحداهما نافيةً حكم الأخرى من كلّ وجوهه، ولا جاء خبرٌ يوجّه الحجّة بأنّ إحداهما ناسخةً للأخرى.
وقد بيّنّا معنى المخمصة وأنّها المجاعة بشواهده، وذكرنا الرّواية عمّن قال ذلك في موضعٍ غير هذا، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا.
وأمّا النّيل: فهو مصدرٌ من قول القائل. نالني ينالني، ونلت الشّيء: فهو منيلٌ، وذلك إذا كنت تناله بيدك. وليس من التّناول، وذلك أنّ التّناول من النّوال، يقال منه: نلت له أنول له من العطيّة.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يقول: النّيل مصدرٌ من قول القائل: نالني بخيرٍ ينولني نوالاً. وأنالني خيرًا إنالةً؛ وقال: كأنّ النّيل من الواو أبدلت ياءً لخفّتها وثقل الواو.
وليس ذلك بمعروفٍ في كلام العرب، بل من شأن العرب أن تصحّح الواو من ذوات الواو إذا سكنت وانفتح ما قبلها، كقولهم: القول، والعول، والحول، ولو جاز ما قال لجاز القيل). [جامع البيان: 12/70-74]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنّهم لا يصيبهم ظمأٌ ولا نصبٌ ولا مخمصةٌ في سبيل اللّه ولا يطئون موطئًا يغيظ الكفّار ولا ينالون من عدوٍّ نيلًا إلّا كتب لهم به عملٌ صالحٌ إنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين (120)
قوله تعالى: ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب.
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى أنبأ عبد اللّه بن وهبٍ أخبرني أبو هاني الخولانيّ عن عمرو بن مالكٍ عن بعض أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لمّا نزلت هذه الآية ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
والّذي بعثني بالحقّ لولا ضعفاء النّاس ما كانت سريّةٌ إلا كنت فيها.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج ثنا عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه عزّ وجلّ ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه هذا حين كان الإسلام قليلا لم يكن لأحدٍ أن يتخلّف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلمّا كثر الإسلام وفشا، قال اللّه- عزّ وجلّ: وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً.
قوله تعالى: ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه.
- حدّثنا عليّ بن الحسن ثنا أبو الجماهر ثنا سعيد بن بشيرٍ عن قتادة: يعني قوله: ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه قال: إذا بعث الجيوش والسّرايا فليس لهم أن يعروا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وإذا غزا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنفسه فليس لأحدٍ أن يتخلّف عنه إلا بأمره.
قوله تعالى: ذلك بأنّهم لا يصيبهم ظمأٌ.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامر بن الفرات ثنا أسباطٌ قوله: ذلك بأنّهم لا يصيبهم ظمأٌ والظّمأ: العطش.
قوله تعالى: ولا نصب.
- وبه عن السّدّيّ قوله: ولا نصبٌ والنّصب: العناء.
- حدّثنا أبي ثنا عيسى بن يونس الرّمليّ ثنا الوليد عن أبي بكر بن أبي مريم عن رجاء ابن حيوة ومكحولٍ: أنّهما يكرهان التّلثيم من الغبار في سبيل اللّه.
- حدّثنا أبي ثنا عيسى بن يونس الرّمليّ ثنا الوليد قال: سمعت الأوزاعيّ وسعيد بن عبد العزيز وابن جابرٍ وابن المبارك في هذه الآية لا يصيبهم ظمأٌ ولا نصبٌ ولا مخمصةٌ في سبيل اللّه
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب، أنبأ بشرٌ بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك ابن عباس في قوله: ولا مخمصةٌ قال: مجاعةٌ وروي عن قتادة والسّدّيّ: مثل ذلك.
قوله تعالى: ولا يطؤن موطئًا يغيظ الكفّار
- حدّثنا أبي ثنا الرّبيع بن نافع أو توبة ثنا عبد اللّه بن بكيرٍ الغنويّ عن حكيم بن جبيرٍ عن الحسن بن سعدٍ مولى عليٍّ عن أبيه عن عليٍّ رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أراد أن يغزو فدعاني فعزم عليّ إلا تخلّفت قبل أن أتكلّم فبكيت، فقال: ما يبكيك يا عليّ؟ قلت: يبكيني خصال غير واحدة تقول قريشٌ: ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمّه وخذله! وتبكيني خصلةٌ أخرى: كنت أتعرّض للجهاد في سبيل اللّه لأنّ اللّه عزّ وجل قال: ولا يطؤن موطئًا يغيظ الكفّار الآية وكنت أريد أن أتعرّض للأجر من اللّه.
قوله تعالى: ولا ينالون من عدوٍّ نيلا إلا كتب لهم الآية.
- حدّثنا أبي ثنا هشام بن خالدٍ ثنا الوليد ثنا الأوزاعيّ وعبد اللّه بن المبارك وإبراهيم بن محمّدٍ الفزاريّ وعيسى بن يونس السّبيعيّ أنّهم قالوا في قول اللّه عزّ وجلّ: ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه إلى قوله: ولا ينالون من عدوٍّ نيلا إلا كتب لهم به عملٌ صالحٌ إنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين فقالوا: هذه الآية إلى أن تقوم السّاعة). [تفسير القرآن العظيم: 6/1907-1909]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني الحسن بن محمّد بن إسحاق الإسفرايينيّ، ثنا عمير بن مرداسٍ، ثنا عبد اللّه بن بكيرٍ الغنويّ، ثنا حكيم بن جبيرٍ، عن الحسن بن سعدٍ مولى عليٍّ، عن عليٍّ رضي اللّه عنه، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أراد أن يغزو غزاةً له، قال: فدعا جعفرًا فأمره أن يتخلّف على المدينة فقال: لا أتخلّف بعدك يا رسول اللّه أبدًا. قال: فدعاني رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فعزم عليّ لما تخلّفت قبل أن أتكلّم. قال: فبكيت، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " ما يبكيك يا عليّ؟ قلت: يا رسول اللّه، يبكيني خصالٌ غير واحدةٍ تقول قريشٌ غدًا: ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمّه، وخذله، ويبكيني خصلةٌ أخرى كنت أريد أن أتعرّض للجهاد في سبيل اللّه، لأنّ اللّه يقول {ولا يطئون موطئًا يغيظ الكفّار ولا ينالون من عدوٍّ نيلًا} إلى آخر الآية، فكنت أريد أن أتعرّض لفضل اللّه فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا قولك تقول قريشٌ ما أسرع ما تخلّف عن ابن عمّه، وخذله، فإنّ لك بي أسوةً، قد قالوا ساحرٌ، وكاهنٌ، وكذّابٌ أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي؟ وأمّا قولك أتعرّض لفضل اللّه فهذه أبهارٌ من فلفلٍ جاءنا من اليمن فبعه واستمتع به أنت وفاطمة حتّى يأتيكم اللّه من فضله فإنّ المدينة لا تصلح إلّا بي أو بك» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/367]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) ابن عباس - رضي الله عنهما -: قال: في قوله تعالى: {إلّا تنفروا يعذّبكم عذاباً أليماً} [التوبة: 39] و {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلّفوا عن رسول اللّه} [التوبة: 120] قال: نسختها {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً} [التوبة: 122]. أخرجه أبو داود). [جامع الأصول: 2/190] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 120 - 121.
أخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن مالك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت هذه الآية {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي بعثني بالحق لولا ضعفاء الناس ما كانت سرية إلا كنت فيها.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله} قال: هذا حين كان الإسلام قليلا فلما كثر الإسلام وفشا قال الله تعالى (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) (التوبة الآية 122)
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {لا يصيبهم ظمأ} قال: العطش {ولا نصب} قال: العناء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن رجاء بن حيوة ومكحول: أنهما كانا يكرهان التلثم من الغبار في سبيل الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي وعبد الله بن المبارك وإبراهيم بن محمد الغزاري وعيسى بن يونس السبيعي أنهم قالوا في قوله تعالى {ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح} قالوا: هذه الآية للمسلمين إلى أن تقوم الساعة.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله {ما كان لأهل المدينة} الآية قال: نستخها الآية التي تليها {وما كان المؤمنون لينفروا كافة} الآية.
وأخرج الحاكم، وابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة وخلف جعفرا في أهله فقال جعفر: والله ما أتخلف عنك فخلفني، فقلت: يا رسول الله أتخلفني أي شيء تقول قريش أليس يقولون: ما أسرع ما خذل ابن عمه وجلس عنه وأخرى أبتغي الفضل من الله لأني سمعت الله تعالى يقول {ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار} الآية، قال: أما قولك أن تقول قريش: ما أسرع ما خذل ابن عمه وجلس عنه فقد قالوا: إني ساحر وكاهن وإني كذاب فلك بي أسوة أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى غير أنه لا نبي بعدي وأما قولك تبتغي الفضل من الله فقد جاءنا فلفل من اليمن فبعه وأنفق عليك وعلى فاطمة حتى يأتيكما الله منه برزق). [الدر المنثور: 7/592-594]
تفسير قوله تعالى: (وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (121) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا ينفقون نفقةً صغيرةً ولا كبيرةً ولا يقطعون واديًا إلاّ كتب لهم ليجزيهم اللّه أحسن ما كانوا يعملون}.
يقول تعالى ذكره: {ذلك بأنّهم لا يصيبهم ظمأٌ}، وسائر ما ذكر، ولا ينالون من عدوٍّ نيلاً، ولا ينفقون نفقةً صغيرةً في سبيل اللّه، ولا يقطعون مع رسول اللّه في غزوه واديًا إلاّ كتب لهم أجر عملهم ذلك، جزاءً لهم عليه كأحسن ما يجزيهم على أحسن أعمالهم الّتي كانوا يعملونها وهم مقيمون في منازلهم.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولا ينفقون نفقةً صغيرةً ولا كبيرةً} الآية، قال: ما ازداد قومٌ من أهليهم في سبيل اللّه بعدًا إلاّ ازدادوا من اللّه قربًا). [جامع البيان: 12/75]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا ينفقون نفقةً صغيرةً ولا كبيرةً ولا يقطعون واديًا إلّا كتب لهم ليجزيهم اللّه أحسن ما كانوا يعملون (121)
قوله تعالى: ولا ينفقون نفقةً.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد النّرسيّ أنبأ يزيد بن زريعٍ عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ولا ينفقون نفقةً صغيرةً ولا كبيرةً الآية، قال ك ما ازداد قومٌ من أهليهم بعدًا في سبيل اللّه، إلا ازدادوا من اللّه قربًا.
قوله تعالى: ولا يقطعون واديًا.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ حدّثنا شيبان عن قتادة قوله: ولا يقطعون واديًا إلا كتب لهم ليجزيهم اللّه أحسن ما كانوا يعملون قال: ما ازداد القوم من أهليهم في سبيل اللّه بعدًا، إلا ازدادوا من اللّه قربًا). [تفسير القرآن العظيم: 6/1909]