العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 06:49 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة التوبة [ الآيتين (111) ، (112) ]

تفسير سورة التوبة
[ الآيتين (111) ، (112) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) }



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 11:10 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي


تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) )
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا ابن فضيلٍ، عن أبيه، عن إسماعيل، عن الحسن، قال: إذا قرأ هذه الآية {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} قال: أنفسٌ هو خلقها وأموالٌ هو رزقها {فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقًّا في التّوراة والإنجيل}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 466]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقًّا في التّوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}.
يقول تعالى ذكره: إنّ اللّه ابتاع من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنّة {وعدًا عليه حقًّا}، يقول: وعدهم الجنّة جلّ ثناؤه، وعدًا عليه حقًّا أن يوفي لهم به في كتبه المنزلة التّوراة والإنجيل والقرآن، إذا هم وفّوا بما عاهدوا اللّه فقاتلوا في سبيله ونصرة دينه أعداءه فقتلوا وقتلوا {ومن أوفى بعهده من اللّه} يقول جلّ ثناؤه: ومن أحسن وفاءً بما ضمن وشرط من اللّه؟. {فاستبشروا} يقول ذلك للمؤمنين: فاستبشروا أيّها المؤمنون الّذين صدقوا اللّه فيما عاهدوا {ببيعكم} أنفسكم وأموالكم بالّذي بعتموها من ربّكم، فإنّ ذلك هو الفوز العظيم.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن حفص بن حميدٍ، عن شمر بن عطيّة، قال: ما من مسلمٍ وللّه في عنقه بيعةً وفّى بها أو مات عليها في قول اللّه: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين}، إلى قوله: {وذلك هو الفوز العظيم} ثمّ حلاّهم فقال: {التّائبون العابدون}، إلى: {وبشّر المؤمنين}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة} ثامنهم اللّه فأغلى لهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن محمّد بن يسارٍ، عن قتادة، أنّه تلا هذه الآية: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة} قال: ثامنهم اللّه فأغلى لهم الثّمن.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني منصور بن هارون، عن أبي إسحاق الفزاريّ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، أنّه تلا هذه الآية: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} قال: بايعهم فأغلى لهم الثّمن.
- حدّثنا الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، وغيره، قالوا: قال عبد اللّه بن رواحة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اشترط لربّك ونفسك ما شئت قال: أشترط لربّي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني ممّا تمنعون منه أنفسكم وأموالكم قالوا: فإذا فعلنا ذلك فماذا لنا؟ قال: الجنّة قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل فنزلت: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين} الآية.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا عبيد بن طفيلٍ العبسيّ، قال: سمعت الضّحّاك بن مزاحمٍ، وسأله، رجلٌ عن قوله: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم} الآية، قال الرّجل: ألاّ أحمل على المشركين فأقاتل حتّى أقتل؟ قال: ويلك أين الشّرط: {التّائبون العابدون}؟). [جامع البيان: 12/5-7]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقًّا في التّوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم (111)
قوله تعالى: إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم.
- حدّثنا أبي ثنا عبيد بن آدم العسقلانيّ ثنا أبي ثنا أبو شيبة عن عطاء الخراسانيّ عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ قال: نزلت هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو في المسجد إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة إلى آخر الآية، فكبّر النّاس في المسجد، فأقبل رجلٌ من الأنصار ثانيًا طرفي ردائه على أحد عاتقيه، فقال: يا رسول اللّه، أنزلت هذه الآية؟ فقال: نعم فقال الأنصاريّ: بيعٌ ربيحٌ، لا نقيل ولا نستقيل.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن المعرور بن سويدٍ قال: خرجنا مع عمر في حجّةٍ حجّها فقرأ هذه الآية: إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم إلى آخر الآية فجعل لهم الصّفقتين جميعًا.
- حدّثنا أبي ثنا هوذة بن خليفة ثنا أبو الأشهب ثنا عوفٌ عن الحسن في قوله: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم قال: هم الّذين وفّوا ببيعتهم.
- حدّثنا أبي ثنا أبو سلمة ثنا مباركٌ بن فضالة قال: سمعت الحسن يقول: اسمعوا رحمكم اللّه بيعةً بايع اللّه لكلّ مؤمنٍ قال الحسن: لا واللّه ما على ظهر الأرض مؤمنٌ إلا قد دخل في هذه البيعة إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم الآية.
قوله تعالى: بأنّ لهم الجنّة.
- حدّثنا أبي ثنا المسيّب بن واضحٍ ثنا أبو إسحاق الفزاريّ عن أبي رجاءٍ عن سهيلٍ عن كثيرٍ عن الحسن أنّه كان إذا تلا هذه الآية إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم قال: بايعهم واللّه فأغلى لهم.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله عزّ وجلّ: إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة.
قوله تعالى: يقاتلون.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه يقاتلون يعني: أن يقاتلوا المشركين، في سبيل اللّه يعني: في طاعة اللّه، فيقتلون يعني: العدوّ ويقتلون يعني المؤمنين.
- حدّثنا عليّ بن الحسن، ثنا أبو الجماهر، أنبأ سعيد عن قتادة قوله: إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم الآية. قال: الغزو غزوان: فغزوٌ يطاع اللّه فيه وينهى فيه عن الفساد، ويحسن فيه مشاركة الشّريك فهذا من خير الغزو، وغزوٌ آخر يعصى اللّه فيه، ويظهر فيه الفساد، وينكل فيه عن العدوّ ويساء فيه صحابة الصّاحب، فهذا من شرّ الغزو.
قوله تعالى: وعدًا عليه حقًّا.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: وعدًا عليه حقًّا يعني: ينجز ما وعدهم من الجنّة في التّوراة والإنجيل والقرآن
قوله تعالى: في التّوراة والإنجيل والقرآن.
- حدّثنا أبي ثنا أبو سلمة، أنبأ مبارك قال: سمعت الحسن يقول في قوله: وعدًا عليه حقًّا قال الحسن: أين قال؟ في التّوراة والإنجيل والقرآن.
قوله تعالى: ومن أوفى بعهده من اللّه.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: ومن أوفى بعهده من اللّه فليس أحدٌ أوفى بعهده من اللّه.
قوله تعالى: فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به.
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به الرّبّ تبارك وتعالى بإقراركم بالعهد الّذي ذكره في الآية.
قوله تعالى: وذلك هو الفوز العظيم.
- وبه عن سعيدٍ في قوله عزّ وجلّ: وذلك يعني: الّذي ذكر من الثّواب في الجنّة للقاتل والمقتول هو الفوز العظيم). [تفسير القرآن العظيم: 6/1886-1888]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 111
أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا: قال عبد الله بن رواحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اشترط لربك ولنفسك ما شئت، قال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم، قالوا فإذا فعلنا ذلك فما لنا قال: الجنة، قال: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن جابر بن عبد الله قال نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} الآية، فكبر الناس في المسجد، فاقبل رجل من الأنصار ثانيا طرفي ردائه على عاتقه فقال: يا رسول الله أنزلت هذه الآية قال: نعم، فقال الأنصاري: بيع ربيح لا نقبل ولا نستقيل.
وأخرج ابن مردويه عن أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من سل سيفه في سبيل الله فقد بايع الله.
وأخرج ابن سعد عن عباد بن الوليد بن عبادة بن الصامت أن أسعد بن زرارة أخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة فقال: يا أيها الناس هل تدرون علام تبايعون محمدا إنكم تبايعونه على أن تحاربوا العرب والعجم والجن والإنس كافة، فقالوا: نحن حرب لمن حارب وسلم لمن سالم، فقال أسعد بن زرارة: يا رسول الله اشترط علي فقال: تبايعوني على أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وإني رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة والسمع والطاعة ولا تنازعوا الأمر أهله وتمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم، قالوا: نعم، قال قائل الأنصار: نعم هذا لك يا رسول الله فما لنا قال: الجنة والنصر.
وأخرج ابن سعد عن الشعبي قال: انطلق النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالعباس بن عبد المطلب - وكان ذا رأي - إلى السبعين من الأنصار عند العقبة فقال العباس: ليتكلم متكلمكم ولا يطل الخطبة فإن عليكم للمشركين عينا وإن يعلموا بكم يفضحوكم، فقال قائلهم وهو أبو أمامة أسعد: يا محمد سل لربك ما شئت ثم سل لنفسك وأصحابك ما شئت ثم أخبرنا ما لنا من الثواب على الله وعليكم إذا فعلنا ذلك، فقال أسألكم لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأسألكم لنفسي وأصحابي أن تؤوونا وتنصرونا وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم، قال: فما لنا إذا فعلنا
ذلك قال: الجنة، فكان الشعبي إذا حدث هذا الحديث قال: ما سمع الشيب والشبان بخطبة أقصر ولا أبلغ منها.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن أنه كان إذا قرأ هذه الآية {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} قال: أنفس هو خلقها وأموال هو رزقها.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} قال: ثامنهم - والله - وأعلى لهم.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن قال: ما على ظهر الأرض مؤمن إلا قد دخل هذه البيعة، وفي لفظ: اسعوا إلى بيعة بايع الله بها كل مؤمن {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم}.
وأخرج ابن المنذر من طريق عياش بن عتبة الحضرمي عن إسحاق بن عبد الله المدني قال: لما نزلت هذه الآية {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} دخل على رسول الله رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله نزلت هذه الآية فقال: نعم، فقال الأنصاري: بيع رابح لا نقيل ولا نستقيل قال عياش: وحدثني إسحاق أن المسلمين كلهم قد دخلوا في هذه الآية من كان منهم إذا احتيج إليه نفع وأغار ومن كان منهم لا يغير إذا احتيج إليه فقد خرج من هذه البيعة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير في قوله {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون} يعني يقاتلون المشركين {في سبيل الله} يعني في طاعة الله {فيقتلون} العدو {ويقتلون} يعني المؤمنين {وعدا عليه حقا} يعني ينجز ما وعدهم من الجنة {في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله} فليس أحد أوفى بعهده من الله {فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به} الرب تبارك بإقراركم بالعهد الذي ذكره في هذه الآية {وذلك} الذي ذكر من الثواب في الجنة للقاتل والمقتول {هو الفوز العظيم}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} قال: ثامنهم - والله - فأعلى لهم الثمن {وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن} قال: وعدهم في التوراة والإنجيل أنه من قتل في سبيل الله أدخله الجنة
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن شمر بن عطية قال: ما من مسلم إلا ولله تعالى في عنقه بيعة وفى بها أو مات عليها {إن الله اشترى من المؤمنين} الآية.
وأخرج أبو الشيخ عن الربيع قال: في قراءة عبد الله رضي الله إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بالجنة.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله {إن الله اشترى} الآية، قال: نسخها (ليس على الضعفاء) (التوبة الآية 91) الآية
وأخرج أبو الشيخ عن سليمان بن موسى رضي الله عنه: وجبت نصرة المسلمين على كل مسلم لدخوله في البيعة التي اشترى الله بها من المؤمنين أنفسهم). [الدر المنثور: 7/539-544]

تفسير قوله تعالى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) )
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو أسامة، عن أبي الأشهب، قال: قرأ الحسن: {التّائبون العابدون} قال: تابوا من الشّرك وبرئوا من النّفاق). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 398]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {التّائبون العابدون الحامدون السّائحون الرّاكعون السّاجدون الآمرون بالمعروف والنّاهون عن المنكر والحافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنين}.
يقول تعالى ذكره: إنّ اللّه اشترى من المؤمنين التّائبين العابدين أنفسهم وأموالهم؛ ولكنّه رفع، إذ كان مبتدأٌ به بعد تمام أخرى مثلها، والعرب تفعل ذلك، وقد تقدّم بياننا ذلك في قوله: {صمٌّ بكمٌ عميٌ} بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
ومعنى التّائبون: الرّاجعون ممّا كرهه اللّه وسخطه إلى ما يحبّه ويرضاه.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّام بن سلمٍ، عن ثعلبة بن سهيلٍ، قال: قال الحسن في قول اللّه: {التّائبون} قال: تابوا إلى اللّه من الذّنوب كلّها.
- حدّثنا سوّار بن عبد اللّه العنبريّ، قال: ثني أبي، عن أبي الأشهب، عن الحسن، أنّه قرأ: {التّائبون العابدون} قال: تابوا من الشّرك وبرئوا من النّفاق.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو سلمة، عن أبي الأشهب، قال: قرأ الحسن: {التّائبون العابدون} قال: تابوا من الشّرك، وبرئوا من النّفاق.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا منصور بن هارون، عن أبي إسحاق الفزاريّ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، قال: التّائبون من الشّرك.
- حدّثنا الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا جرير بن حازمٍ، قال: سمعت الحسن، قرأ هذه الآية: {التّائبون العابدون} قال الحسن: تابوا واللّه من الشّرك، وبرئوا من النّفاق.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {التّائبون} قال: تابوا من الشّرك ثمّ لم ينافقوا في الإسلام.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، {التّائبون} قال: الّذين تابوا من الذّنوب ثمّ لم يعودوا فيها.
وأمّا قوله: {العابدون} فهم الّذين ذلّوا خشيةً للّه وتواضعًا له، فجدّوا في خدمته.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {العابدون} قومٌ أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن ثعلبة بن سهيلٍ، قال: قال الحسن في قول اللّه {العابدون} قال: عبدوا اللّه على أحايينهم كلّها في السّرّاء والضّرّاء.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني منصور بن هارون، عن أبي إسحاق الفزاريّ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، {العابدون} قال: العابدون لربهم.
وأمّا قوله: {الحامدون} فإنّهم الّذين يحمدون اللّه على كلّ ما امتحنهم به من خيرٍ وشرٍّ.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {الحامدون} قومٌ حمدوا اللّه على كلّ حالٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن ثعلبة، قال: قال الحسن: {الحامدون} الّذين حمدوا اللّه على أحايينهم كلّها في السّرّاء والضّرّاء.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني منصور بن هارون، عن أبي إسحاق الفزاريّ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، {الحامدون} قال: الحامدون على الإسلام.
وأمّا قوله: {السّائحون} فإنّهم الصّائمون.
- كما حدّثني محمّد بن عيسى الدّامغانيّ، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، عن عبيد بن عميرٍ، وحدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني عمرو بن الحارث، عن عمرٍو، عن عبيد بن عميرٍ، قال: سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن السّائحين، فقال: هم الصّائمون.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ، قال: حدّثنا حكيم بن حزامٍ، قال: حدّثنا سليمان، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، قال: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: السّائحون هم الصّائمون.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا إسرائيل، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، قال: {السّائحون} الصّائمون.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، قال: {السّائحون} الصّائمون.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، قال: حدّثنا سفيان، قال: ثني عاصم، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، بمثله.
- حدّثني محمّد بن عمارة الأسديّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه، قال: أخبرنا شيبان، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرّحمن، قال: السّياحة: الصّيام.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عطيّة، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أشعث، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: {السّائحون} الصّائمون.
- حدّثني ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، وإسرائيل، عن أشعث، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: {السّائحون} الصّائمون.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أشعث، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: {السّائحون} الصّائمون.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أشعث بن أبي الشّعثاء، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، مثله.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن أبي عبد الرّحمن، قال: {السّائحون} هم الصّائمون.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {السّائحون} قال: يعني بالسّائحين الصّائمين.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن إسرائيل، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: {السّائحون} هم الصّائمون.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة: قال حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {السّائحون} الصّائمون.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كلّ ما ذكر اللّه في القرآن السّياحة: هم الصّائمون.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن المسعوديّ، عن أبي سنانٍ، عن ابن أبي الهذيل، عن أبي عمرٍو العبديّ، قال: {السّائحون} الّذي يديمون الصّيام من المؤمنين.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن ثعلبة بن سهيلٍ، قال: قال الحسن: {السّائحون} الصّائمون.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني منصور بن هارون، عن أبي إسحاق الفزاريّ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، قال: {السّائحون} الصّائمون شهر رمضان.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: {السّائحون} الصّائمون.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: كلّ شيءٍ في القرآن {السّائحون} فإنّه الصّائمون.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {السّائحون} الصّائمون.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال سمعت الضّحّاك يقول في قوله: {السّائحون} يعني: الصّائمين.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، ويعلى، وأبو أسامة، عن عبد الملك، عن عطاءٍ، قال: {السّائحون} الصّائمون.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، عن ابن عيينة، قال: حدّثنا عمرٌو، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يقول: كانت السّياحة في بني إسرائيل، وكان الرّجل إذا ساح أربعين سنةً رأى ما كان يرى السّائحون قبله، فساح ولد بغيٍّ أربعين سنةً، فلم ير شيئًا، فقال: أي ربّ أرأيت إن أساء أبواي وأحسنت أنا؟ قال: فأري ما أري السّائحون قبله.
قال ابن عيينة: إذا ترك الطّعام والشّراب والنّساء فهو السّائح.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، السّائحون قومٌ أخذوا من أبدانهم صومًا للّه.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إبراهيم بن يزيد، عن الوليد بن عبد اللّه، عن عائشة، قالت: سياحة هذه الأمّة: الصّيام.
وقوله: {الرّاكعون السّاجدون} يعني: المصلّين الرّاكعين في صلاتهم السّاجدين فيها.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني منصور بن هارون، عن أبي إسحاق الفزاريّ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، {الرّاكعون السّاجدون} قال: الصّلاة المفروضة.
وأمّا قوله: {الآمرون بالمعروف والنّاهون عن المنكر} فإنّه يعني أنّهم يأمرون النّاس بالحقّ في أديانهم، واتّباع الرّشد والهدى والعمل، وينهونهم عن المنكر؛ وذلك نهيهم النّاس عن كلّ فعلٍ وقولٍ نهى اللّه عباده عنه.
وقد روي عن الحسن في ذلك ما:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني منصور بن هارون، عن أبي إسحاق الفزاريّ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، {الآمرون بالمعروف} لا إله إلاّ اللّه. {والنّاهون عن المنكر} عن الشّرك.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن ثعلبة بن سهيلٍ، قال الحسن، في قوله: {الآمرون بالمعروف} قال: أما إنّهم لم يأمروا النّاس حتّى كانوا من أهلها {والنّاهون عن المنكر} قال: أما إنّهم لم ينهوا عن المنكر حتّى انتهوا عنه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية، قال: كلّ ما ذكر في القرآن الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، فالأمر بالمعروف: دعاءٌ من الشّرك إلى الإسلام؛ والنّهي عن المنكر: نهى عن عبادة الأوثان والشّياطين.
وقد دلّلنا فيما مضى قبل على صحّة ما قلنا من أنّ الأمر بالمعروف هو كلّ ما أمر اللّه به عباده أو رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، والنّهي عن المنكر هو كلّ ما نهى اللّه عنه عباده أو رسوله.
وإذا كان كذلك ولم يكن في الآية دلالةٌ على أنّها عني بها خصوص دون عمومٍ ولا خبر عن الرّسول، ولا في فطرة عقلٍ، فالعموم بها أولى لما قد بيّنّا في غير موضعٍ من كتبنا.
وأمّا قوله: {والحافظون لحدود اللّه} فإنّه يعني: المؤدّون فرائض اللّه، المنتهون إلى أمره ونهيه، الّذين لا يضيّعون شيئًا ألزمهم العمل به ولا يرتكبون شيئًا نهاهم عن ارتكابه.
- كالّذي حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، {والحافظون لحدود اللّه} يعني: القائمين على طاعة اللّه، وهو شرطٌ اشترطه على أهل الجهاد إذا وفّوا اللّه بشرطه وفّى لهم شرطهم.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {والحافظون لحدود اللّه} قال: القائمون على طاعة اللّه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن ثعلبة بن سهيلٍ، قال: قال الحسن، في قوله: {والحافظون لحدود اللّه} قال: القائمون على أمر اللّه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني منصور بن هارون، عن أبي إسحاق الفزاريّ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، {والحافظون لحدود اللّه} قال: لفرائض اللّه.
وأمّا قوله: {وبشّر المؤمنين} فإنّه يعني: وبشّر المصدّقين بما وعدهم اللّه إذا هم وفّوا اللّه بعهده أنّه موفٍ لهم بما وعدهم من إدخالهم الجنّة.
- كما حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا هوذة بن خليفة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم}.. حتّى ختم الآية، قال الّذين وفّوا ببيعتهم {التّائبون العابدون الحامدون}، حتّى ختم الآية، فقال: هذا عملهم وسيرهم في الرّخاء، ثمّ لقوا العدوّ فصدقوا ما عاهدوا اللّه عليه.
وقال بعضهم: معنى ذلك: وبشّر من فعل هذه الأفعال، يعني قوله: {التّائبون العابدون}، إلى آخر الآية، وإن لم يغزوا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: ثني منصور بن هارون، عن أبي إسحاق الفزاريّ، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، {وبشّر المؤمنين} قال: الّذين لم يغزوا). [جامع البيان: 12/7-18]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (التّائبون العابدون الحامدون السّائحون الرّاكعون السّاجدون الآمرون بالمعروف والنّاهون عن المنكر والحافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنين (112)
قوله تعالى: التّائبون.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ قال: قال: أبو الأشهب عن الحسن التائبون قال: تابوا من الشرك وبروءا من النّفاق.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو خالدٍ عن جويبرٍ عن الضّحّاك في قوله: التّائبون قال: من الذّنوب والشّرك.
قوله تعالى: العابدون.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: العابدون الّذين يقيمون الصّلاة.
- حدّثنا أبي ثنا أبو سلمة المبارك قال: سمعت الحسن يقول العابدون قال: الصّلاة- يعني: طولها.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا حكّامٌ ثنا ثعلبة بن سهيلٍ عن رجلٍ عن الحسن: أنّه سئل عن هذه الآية العابدون قال: اعبدوا اللّه على أحايينهم كلّها في السّرّاء والضّرّاء.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو خالدٍ عن جويبرٍ عن الضّحّاك العابدون قال: العابدون للّه عزّ وجلّ.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: العابدون يعني: الموحدين.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنا العبّاس بن الوليد ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة العابدون: قومٌ أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم.
- حدّثنا أبي ثنا أبو سلمة ثنا مباركٌ قال: سمعت الحسن يقول الحامدون قال: حمدوا على كلّ حالٍ.
- حدّثنا أبي ثنا المسيّب بن واضحٍ، ثنا أبو إسحاق الفزاريّ عن أبي رجاءٍ عن سهيلٍ عن كثيرٍ عن الحسن قوله: الحامدون قال: يحمدون اللّه على الإسلام.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا حكّامٌ ثنا ثعلبة بن سهيلٍ عن رجلٍ عن الحسن: أنّه سئل عن هذه الآية الحامدون قال: مثلها، يعني: يحمدون على أحايينهم كلّها في السراء والضراء.
قوله تعالى: السائحون.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أبو الجماهر محمّد بن عثمان التّنوخيّ الدّمشقيّ ثنا الهيثم بن حميدٍ ثنا العلاء بن الحارث عن القاسم عن أبي إمامة: أنّ رجلا استأذن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- في السّياحة، فقال: إنّ سياحة أمّتي الجهاد في سبيل اللّه.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ عن سفيان عن عاصمٍ عن زرٍّ عن عبد اللّه السّائحون الصّائمون
- وروي عن ابن عبّاسٍ وأبي هريرة، وأبي عبد الرّحمن السّلميّ ومجاهدٍ، وأبي الحسن وأبي عياضٍ وعطاءٍ والضّحّاك وقتادة والرّبيع بن أنسٍ أنّهم قالوا: الصّائمون.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ عن سفيان عن أبي سنانٍ ضرار بن مرّة عن عبد اللّه بن أبي الهذيل عن أبي عمرٍو العبديّ قال: السّائحون: الصّائمون الّذين يديمون الصّيام.
- حدّثنا الأشجّ ثنا أبو يحيى التّيميّ عن أبي سنانٍ عن ابن أبي الهذيل قال: سمعت من سأل أبا عمرٍو العبديّ عن السّائحين: قال: الّذين يديمون الصّيام من المؤمنين والرّهبان.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت إسحاق بن سويدٍ يقول: ثنا أبو فاختة مولى جعدة بن هبيرة أنّ عثمان بن مظعونٍ أراد أن ينظر أيستطيع السّياحة؟ قال: وكانوا يعدّون السّياحة قيام اللّيل وصيام النّهار، قال إسحاق: فصادفت يحيى بن عمر بن خراسانيّ فإذا هو يحدّث القوم هذا الحديث لم يدع منه حرفًا.
والوجه الرّابع:
- ذكره أبي عن محمّد بن سليمان الحميريّ عن الوليد بن بكيرٍ عن عمر بن نافعٍ قال: سمعت عكرمة وسئل عن قوله السائحون قال: طلبة العلم.
الوجه الخامس:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ بن الفرج قال: سمعت ابن زيد بن أسلم يعني عبد الرّحمن يقول في قول اللّه السّائحون قال: هم المهاجرون، ليس في أمّة محمّدٍ- صلّى اللّه عليه وسلّم- سياحةٌ إلا الهجرة وكان سياحتهم الهجرة حين هاجروا إلى المدينة، ليس في أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وترهب.
قوله تعالى: الرّاكعون.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكري حدّثني عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: الرّاكعون يعني في الصّلوات.
قوله تعالى: السّاجدون.
- حدّثنا أبي ثنا المسيّب بن واضحٍ ثنا أبو إسحاق الفزاريّ عن أبي رجاءٍ عن سهيلٍ عن كثير بن زياد أبي سهلٍ عن الحسن السّاجدون في الصّلوات المفروضة.
- حدّثنا عليّ بن الحسن ثنا أبو الجماهر ثنا سعيدٌ عن قتادة السّاجدون قال: ذكر لنا أنّ أقرب ما يكون العبد إلى اللّه في سجوده.
قوله تعالى: الآمرون بالمعروف.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: الآمرون بالمعروف يعني بالتوحيد
- حدثنا أبي ثنا أبي ثنا المسيّب بن واضحٍ ثنا أبو إسحاق الفزاريّ عن سهيل بن أبي حزمٍ أخو حزم بن أبي حزمٍ القطعيّ عن كثير بن زيادٍ أبي سهلٍ البرسانيّ عن الحسن الآمرون بالمعروف: بلا إله إلا اللّه.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا حكّامٌ، ثنا ثعلبة بن سهيلٍ عن رجلٍ عن الحسن، أنّه سئل عن هذه الآية الآمرون بالمعروف قال: لم يأمروا بالمعروف حتّى كانوا من أهله.
قوله تعالى: النّاهون عن المنكر.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: والناهون عن المنكر يعني: عن الشّرك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا حكّامٌ، ثنا ثعلبة بن سهيل عن رجلٍ عن الحسين: أنّه سئل عن هذه الآية والناهون عن المنكر قال: لم ينهوا النّاس عن المنكر حتّى انتهوا عنه.
قوله تعالى: والحافظون لحدود اللّه.
[الوجه الأول]
- وبه عن الحسن: أنّه سئل عن هذه الآية والحافظون لحدود اللّه قال: القائمون بأمر اللّه عزّ وجلّ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسن ثنا أبو الجماهر، أنبأ سعيدٌ عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة الحافظون لحدود اللّه لفرائضه من حلاله وحرامه، ثمّ قال: وبشّر المؤمنين.
الوجه الثّالث:
- قرأت على محمّد بن الفضل ثنا محمّد بن عليٍّ أنبأ محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: والحافظون لحدود اللّه يعني: الحافظين لشرط اللّه في الجهاد فمن وفّى بهذا الشّرط، وفّى اللّه له بالجنّة.
قوله تعالى: وبشر المؤمنين.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: وبشّر المؤمنين يعني: القائمين على طاعة اللّه وهو شرطٌ اشترطه على أهل الجهاد إذا وفوا اللّه شرطه، وفي لهم بشرطه.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا المسيّب بن واضحٍ ثنا أبو إسحاق بالغزاريّ عن أبي رجاءٍ عن سهيلٍ عن كثيرٍ عن الحسن وبشر المؤمنين وبشر الذين لم يهز من الفقراء.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ وبشّر المؤمنين يعني: المصدّقين بما وعد اللّه في هذه الآيات.
والوجه الرّابع:
- ذكره عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عليّ ثنا عليٌّ أنبأ عبد اللّه ثنا سهيل بن أبي حزمٍ عن أبي سهل عن الحسن وبشّر المؤمنين: الّذين أيضًا لا يجاهدون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1888-1893]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد السائحون الصائمون). [تفسير مجاهد: 287]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن سليمان بن موسى المذكّر، ثنا جنيد بن حكيمٍ الدّقّاق، ثنا حامد بن يحيى البلخيّ، ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن عبيد بن عميرٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: سئل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عن " السّائحين فقال: «هم الصّائمون» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه على أنّه ممّا أرسله أكثر أصحاب بن عيينة ولم يذكروا أبا هريرة في إسناده "). [المستدرك: 2/365]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {السّائحون} [التوبة: 112].
- عن عبد اللّه - يعني ابن مسعودٍ - قال: السّائحون: الصّائمون.
رواه الطّبرانيّ، وفيه عاصم بن بهدلة، وقد وثّقه جماعةٌ، وضعّفه آخرون، وبقيّة رجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 7/34-35]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مسدّدٌ: حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عبيد بن عميرٍ رضي الله عنه، قال: سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن السائحين؟ فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: هم الصّائمون.
هذا مرسلٌ صحيح الإسناد). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/695]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 112.
أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن ابن عباس قال: من مات على هذه التسع فهو في سبيل الله {التائبون العابدون} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: الشهيد من كان فيه التسع خصال {التائبون العابدون} إلى قوله {وبشر المؤمنين}.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله {التائبون} قال: تابوا من الشرك وبرئوا من النفاق، وفي قوله {العابدون} قال: عبدوا الله في أحايينهم كلها أما والله ما هو بشهر ولا شهرين ولا سنة ولا سنتين ولكن كما قال العبد الصالح (وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا) (مريم الآية 31) وفي قوله {الحامدون} قال: يحمدون الله على كل حال في السراء والضراء، وفي قوله {الراكعون الساجدون} قال: في الصلوات المفروضات، وفي قوله {الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر} قال: لم يأمروا بالمعروف حتى ائتمروا
به ولم ينهوا الناس عن المنكر حتى انتهوا عنه، وفي قوله {والحافظون لحدود الله} قال: القائمون بأمر الله عز وجل {وبشر المؤمنين} قال: الذين لم يغزوا
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك في قوله {التائبون} قال: من الشرك والذنوب {العابدون} قال: العابدون لله عز وجل.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {التائبون} قال: الذين تابوا من الشرك ولم ينافقوا في الإسلام {العابدون} قال: قوم أخذوا من أبدانهم في ليلهم ونهارهم {الحامدون} قال: قوم يحمدون الله على كل حال {السائحون} قال: قوم أخذوا من أبدانهم صوما لله عز وجل {والحافظون لحدود الله} قال: لفرائضه من حلاله وحرامه.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {العابدون} قال: الذين يقيمون الصلاة.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من يدعى إلى الجنة الحمادون الذين يحمدون الله على السراء والضراء.
وأخرج ابن المبارك عن سعيد بن جبير قال: إن أول من يدعى إلى الجنة الذين يحمدون الله على كل حال أو قال: في السراء والضراء
وأخرج البيهقي في الشعب عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه الأمر يسره قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وإذا أتاه الأمر يكرهه قال: الحمد لله على كل حال.
وأخرج ابن جرير عن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال: سئل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن السائحين قال هم الصائمون.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس قال: كلما ذكر الله في القرآن السياحة هم الصائمون.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ عن ابن مسعود قال {السائحون} الصائمون.
وأخرج ابن جرير عن عائشة قالت: سياحة هذه الأمة الصيام
وأخرج الفريابي ومسدد في مسنده، وابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان من طريق عبيد بن عمير عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السائحين فقال هم الصائمون، وأ رج ابن جرير وأبو الشيخ، وابن مردويه، وابن النجار من طريق أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم السائحون: هم الصائمون.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن السائحين، فقال: الصائمون.
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال {السائحون} الصائمون.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {السائحون} قال: هم الصائمون.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن الحسن مثله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي عمر والعبدي قال {السائحون} الصائمون الذين يديمون الصيام
وأخرج ابن المنذر عن سفيان بن عيينة قال: إنما سمي الصائم السائح لأنه تارك للذات الدنيا كلها من المطعم والمشرب والمنكح فهو تارك للدنيا بمنزلة السائح.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي فاختة مولى جعدة بن هبيرة، أن عثمان بن مظعون أراد أن ينظر أيستطيع السياحة قال: كانوا يعدون السياحة قيام الليل وصيام النهار.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي أمامة، أن رجلا استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السياحة، قال إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله {السائحون} قال: هم المهاجرون ليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم سياحة إلا الهجرة وكانت سياحتهم الهجرة حين هاجروا إلى المدينة ليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ترهب.
وأخرج ابن جرير عن وهب بن منبه قال: كانت السياحة في بني إسرائيل.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله {السائحون} قال: طلبة العلم.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس الآمرون بالمعروف قال: بلا إله إلا الله {والناهون عن المنكر} قال: الشرك بالله {وبشر المؤمنين} قال: الذين لم يغزوا.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله {والحافظون لحدود الله} قال: لفرائض الله التي افترض نزلت هذه الآية في المؤمنين الذين لم يغزوا والآية التي قبلها فيمن غزا {وبشر المؤمنين} قال: الغازين.
وأخرج أبو الشيخ عن الربيع في هذه الآية قال: هذه قال فيها أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إن الله قضى على نفسه في التوراة والإنجيل والقرآن لهذه الأمة أنه من قتل منهم على هذه الأعمال كان عند الله شهيدا ومن مات منهم عليها فقد وجب أجره على الله.
وأخرج ابن المنذر عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: الشهيد من لو مات على فراشه دخل الجنة، قال: وقال ابن عباس: من مات وفيه تسع فهو شهيد {التائبون العابدون} إلى آخر الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} يعني بالجنة ثم قال: {التائبون} إلى قوله {والحافظون لحدود الله} يعني القائمون على طاعة الله وهو شرط اشترطه الله على أهل الجهاد إذا وفوا الله بشرطه وفى لهم بشرطهم). [الدر المنثور: 7/544-550]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 11:11 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فيقتلون ويقتلون...}
قراءة أصحاب عبد الله يقدّمون المفعول به قبل الفاعل. وقراءة العوام: {فيقتلون ويقتلون}.
وقوله: {وعداً عليه حقّاً} خارج من قوله: {بأنّ لهم الّجنّة} وهو كقولك: عليّ ألف درهم عدّةً صحيحةً، ويجوز الرفع لو قيل). [معاني القرآن: 1/453]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {فيقتُلُون ويقتَلُون}.
والنخعي {فيقتَلُون ويقتُلُون} ). [معاني القرآن لقطرب: 636]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} إلى آخر الآية، ثم قال: {التائبون العابدون} فكأنه قال: هم التائبون على الابتداء؛ لأن أوله مخفوض؛ وهو كثير في القرآن، منه ما قد مضى؛ وستراه في ما تستقبل إن شاء الله.
وقال حسان بن ثابت في ذلك:
أحار بن كعب ألا الأحلام تزجركم = عنا وأنتم من الجوف الجماخير
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم = جسم البغال وأحلام العصافير
رفعه على الابتداء؛ كأنه قال: أجسامهم أجسام البغال). [معاني القرآن لقطرب: 650]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} إلى آخر الآية، ثم قال: {التائبون العابدون} فكأنه قال: هم التائبون على الابتداء؛ لأن أوله مخفوض؛ وهو كثير في القرآن، منه ما قد مضى؛ وستراه في ما تستقبل إن شاء الله.
وقال حسان بن ثابت في ذلك:
أحار بن كعب ألا الأحلام تزجركم = عنا وأنتم من الجوف الجماخير
لا بأس بالقوم من طول ومن عظم = جسم البغال وأحلام العصافير
رفعه على الابتداء؛ كأنه قال: أجسامهم أجسام البغال). [معاني القرآن لقطرب: 650]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقّا في التّوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}
يروى: أنه تاجرهم فأغلى لهم الثمن.
وهذا كما قال: {أولئك الّذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم}.
{يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقّا}.
بالمعنى لأن معنى قوله: {بأنّ لهم الجنّة}، وعدهم الجنة وعدا عليه حقّا.
ولو كانت في غير القرآن جاز الرفع على معنى ذلك وعد عليه حق.
وقوله:{في التّوراة والإنجيل والقرآن}.
يدل أن أهل كل ملّة أمروا بالقتال وأوعدوا عليه الجنة). [معاني القرآن: 2/471]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}
هذا تمثيل كما قال جل وعز: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى} ). [معاني القرآن: 3/257]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} قال ابن الأعرابي:
يقال: ليس في الكرام أكرم ممن يشتري من عبده ما وهبه له، والله - عز وجل - أكرم الأكرمين، اشترى من عبيده أنفسهم، وأنفسهم ملكه دونهم واشترى منهم أموالهم، وهي منه نعم عليهم، فهذه صفة من الكرم لا يقدر عليها أحد غيره - جل وعز). [ياقوتة الصراط:247- 248]

تفسير قوله تعالى: (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {التّائبون العابدون...}
استؤنفت بالرفع لتمام الآية قبلها وانقطاع الكلام، فحسن الاستئناف. وهي في قراءة عبد الله "التائبين العابدين" في موضع خفض؛ لأنه نعت للمؤمنين: اشترى من المؤمنين التائبين. ويجوز أن يكون {التائبين} في موضع نصب على المدح؛ كما قال:

لا يبعدن قومي الذين هم =سمّ العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك = والطيّبين معاقد الأزر).
[معاني القرآن: 1/453]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {التّائبون العابدون الحامدون السّائحون الرّاكعون السّاجدون الآمرون بالمعروف والنّاهون عن المنكر والحافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنين}
وقال: {التّائبون العابدون..} إلى رأس الآية ثم فسر {وبشّر المؤمنين} لأن قوله - والله أعلم - {التائبون} إنما هو تفسير لقوله: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم} ثم فسر فقال "هم التّائبون"). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({السائحون}: في التفسير الصائمون). [غريب القرآن وتفسيره: 167]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {السّائحون}: الصائمون. وأصل السائح: الذاهب في الأرض. ومنه يقال: ماء سائح وسيح: إذا جرى وذهب. والسائح في الأرض ممتنع من الشهوات. فشبه الصائم به. لإمساكه في صومه عن المطعم والمشرب والنكاح). [تفسير غريب القرآن: 193]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {التّائبون العابدون الحامدون السّائحون الرّاكعون السّاجدون الآمرون بالمعروف والنّاهون عن المنكر والحافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنين}
يصلح أن يكون رفعه على وجوه:
أحدها المدح كأنه قال هؤلاء التائبون، أو هم التائبون.
ويجوز أن يكون على البدل.
المعنى يقاتل التائبون، وهذا مذهب أهل اللغة.
قال أبو إسحاق: والذي عندي واللّه أعلم أن قوله: التائبون العابدون رفع بالابتداء، وخبره مضمر، المعنى التائبون العابدون إلى آخر الآية لهم الجنة أيضا، أي من لم يجاهد غير معاند ولا قاصد لترك الجهاد، لأن بعض
المسلمين يجزى عن بعض في الجهاد. فمن كانت هذه صفته فله الجنة أيضا.
التائبون الذين تابوا من الكفر، والعابدون: الذين عبدوا اللّه وحده.
والراكعون الساجدون الذين أدّوا ما افترض الله عليهم في الركوع والسّجود.
{الآمرون بالمعروف}.
الآمرون بالإيمان باللّه.
{والنّاهون عن المنكر} عن الكفر باللّه.
ويجوز الآمرون بجميع المعروف، الناهون عن جميع المنكر.
{والحافظون لحدود اللّه}.
القائمون بما أمر اللّه به.
وقوله: {السّائحون}.
في قول أهل اللغة والتفسير جميعا: الصائمون.
ومذهب الحسن أنهم الذين يصومون الفرض.
وقد قيل: إنهم الذين يديمون الصيام.
وقول الحسن في هذا أبين.
وكذلك {الراكعون الساجدون} عند الحسن هم الذين يؤدّون ما افترض عليهم في ركوعهم وسجودهم). [معاني القرآن: 2/471-472]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {التائبون العابدون الحامدون السائحون}
قال الحسن أي التائبون من الشرك العابدون الله وحده السائحون
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال الصائمون وقد صح عن ابن مسعود
قال أبو جعفر وأصل السيح الذهاب على وجه الأرض ومنه قيل ماء سيح ومنه سمي سيحان
وقيل للصائم سايح لأنه تارك للمطعم والمشرب والنكاح فهو بمنزلة السايح
ثم قال جل وعز: {الراكعون الساجدون}
أي المؤدون الفرائض
ثم قال جل وعز: {الآمرون بالمعروف} أي بالإيمان بالله جل وعز
ثم قال: {والناهون عن المنكر} أي عن الكفر
ويجوز أن يكون المعنى الآمرون بكل معروف والناهون عن كل منكر
والحافظون لحدود الله أي العاملون بأمر الله جل وعز ونهيه). [معاني القرآن: 3/257-259]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {السَّائِحُونَ} الصائمون. وأصله الذهاب في الأرض، فشبه الصائم به لامتناع كل واحد منهما من الطعام، والشراب، واللذات). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 100]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {السَّائِحُونَ}: الصائمون). [العمدة في غريب القرآن: 149]



رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 11:12 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) }


تفسير قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 11:13 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 11:13 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:29 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:30 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم الآية، هذه الآية نزلت في البيعة الثالثة وهي بيعة العقبة الكبرى، وهي التي أناف فيها رجال الأنصار على السبعين وكان أصغرهم سنا عقبة بن عمرو، وذلك أنهم اجتمعوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند العقبة فقالوا: اشترط لك ولربك، والمتكلم بذلك عبد الله بن رواحة، فاشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم حمايته مما يحمون منه أنفسهم، واشترط لربه التزام الشريعة وقتال الأحمر والأسود في الدفع عن الحوزة، فقالوا: ما لنا على ذلك؟ قال الجنة، فقالوا: نعم ربح البيع لا نقيل ولا نقال، وفي بعض الروايات ولا نستقيل فنزلت الآية في ذلك.
ثم الآية بعد ذلك عامة في كل من جاهد في سبيل الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، وقال بعض العلماء: ما من مسلم إلا ولله في عنقه هذه البيعة وفى بها أو لم يف، وفي الحديث أن فوق كل بربرا حتى يبذل العبد دمه فإذا فعل ذلك فلا بر فوق ذلك، وهذا تمثيل من الله عز وجل جميل صنعه بالمبايعة، وذلك أن حقيقة المبايعة أن تقع بين نفسين بقصد منهما وتملك صحيح، وهذه القصة وهب الله عباده أنفسهم وأموالهم ثم أمرهم ببذلها في ذاته ووعدهم على ذلك ما هو خير منها، فهذا غاية التفضل، ثم شبه القصة بالمبايعة، وأسند الطبري عن كثير من أهل العلم أنهم قالوا: ثامن الله تعالى في هذه الآية عباده فأعلى لهم وقاله ابن عباس والحسن بن أبي الحسن، وقال ابن عيينة: معنى الآية اشترى منهم أنفسهم ألا يعملوها إلا في طاعة الله، وأموالهم أن لا ينفقوها إلا في سبيل الله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فالآية على هذا أعم من القتل في سبيل الله، ومبايعة الخلفاء هي منتزعة من هذه الآية. كان الناس يعطون الخلفاء طاعتهم ونصائحهم وجدهم ويعطيهم الخلفاء عدلهم ونظرهم والقيام بأمورهم، وحدثني أبي رضي الله عنه أنه سمع الواعظ أبا الفضل بن الجوهري يقول على المنبر بمصر: ناهيك من صفقة البائع فيها رب العلى والثمن جنة المأوى والواسطة محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم،
وقوله يقاتلون في سبيل اللّه مقطوع ومستأنف، وذلك على تأويل سفيان بن عيينة، وأما على تأويل الجمهور من أن الشراء والبيع إنما هو مع المجاهدين فهو في موضع الحال، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وأبو عمرو والحسن وقتادة وأبو رجاء وغيرهم: «فيقتلون» على البناء للفاعل «ويقتلون» على البناء للمفعول، وقرأ حمزة والكسائي والنخعي وابن وثاب وطلحة والأعمش بعكس ذلك، والمعنى واحد إذ الغرض أن المؤمنين يقاتلون فيوجد فيهم من يقتل وفيهم من يقتل وفيهم من يجتمعان له وفيهم من لا تقع له واحدة منهما، وليس الغرض أن يجتمع ولا بد لكل واحد واحد، وإذا اعتبر هذا بان، وقوله سبحانه وعداً عليه حقًّا مصدر مؤكد لأن ما تقدم من الآية هو في معنى الوعد فجاء هو مؤكدا لما تقدم من قوله: بأنّ لهم الجنّة، وقال المفسرون: يظهر من قوله: في التّوراة والإنجيل والقرآن، أن كل أمة أمرت بالجهاد ووعدت عليه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحتمل أن ميعاد أمة محمد صلى الله عليه وسلم تقدم ذكره في هذه الكتب، وقوله ومن أوفى بعهده من اللّه استفهام على جهة التقرير أي لا أحد أوفى بعهده من الله، وقوله فاستبشروا فعل جاء فيه استفعل بمعنى أفعل وليس هذا من معنى طلب الشيء، كما تقول: استوقد نارا واستهدى مالا واستدعى نصرا بل هو كعجب واستعجب، ثم وصف تعالى ذلك البيع بأنه الفوز العظيم، أي أنه الحصول على الحظ الأغبط من حط الذنوب ودخول الجنة بلا حساب). [المحرر الوجيز: 4/ 415-417]

تفسير قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: التّائبون العابدون الحامدون السّائحون الرّاكعون السّاجدون الآمرون بالمعروف والنّاهون عن المنكر والحافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنين (112) ما كان للنّبيّ والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبيّن لهم أنّهم أصحاب الجحيم (113)
هذه الأوصاف هي من صفات المؤمنين الذين ذكر الله أنه اشترى منهم أنفسهم، وارتفعت هذه الصفات لما جاءت مقطوعة في ابتداء آية على معنى: «هم التائبون»، ومعنى الآية على ما تقتضيه أقوال العلماء والشرع أنها أوصاف الكملة من المؤمنين ذكرها الله تعالى ليستبق إليها أهل التوحيد حتى يكونوا في أعلى رتبة والآية الأولى مستقلة بنفسها يقع تحت تلك المبايعة كل موحد قاتل في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا وإن لم يتصف بهذه الصفات التي هي في هذه الآية الثانية أو بأكثرها وقالت فرقة: بل هذه الأوصاف جاءت على جهة الشرط، والآيتان مرتبطتان فلا يدخل في المبايعة إلا المؤمنون الذين هم على هذه الأوصاف ويبذلون أنفسهم في سبيل الله، وأسند الطبري في ذلك عن الضحاك بن مزاحم أن رجلا سأله عن قول الله عز وجل: إنّ اللّه اشترى [التوبة: 111] وقال الرجل ألا أحمل على المشركين فأقاتل حتى أقتل، فقال الضحاك: ويلك أين الشرط التّائبون العابدون الآية، وهذا القول تحريج وتضييق والله أعلم، والأول أصوب، والشهادة ماحية لكل ذنب إلا لمظالم العباد، وقد روي أن الله تعالى يحمل عن الشهيد مظالم العباد ويجازيهم عنه ختم الله لنا بالحسنى، وقالت فرقة: إن رفع «التائبين» إنما هو على الابتداء وما بعده صفة، إلا قوله الآمرون فإنه خبر الابتداء كأنه قال «هم الآمرون»، وهذا حسن إلا أن معنى الآية ينفصل من معنى التي قبلها وذلك قلق فتأمله، وفي مصحف عبد الله بن مسعود «التائبين العابدين» إلى آخرها، ولذلك وجهان أحدهما: الصفة للمؤمنين على اتباع اللفظ والآخر النصب على المدح، والتّائبون لفظ يعم الرجوع من الشر إلى الخير كان ذلك من كفر أو معصية والرجوع من حالة إلى ما هي أحسن منها، وإن لم تكن الأولى شرا بل خيرا، وهكذا توبة النبي صلى الله عليه وسلم واستغفاره سبعين مرة في اليوم، والتائب هو المقلع عن الذنب العازم على التمادي على الإقلاع النادم على ما سلف، والتائب عن ذنب يسمى تائبا وإن قام على غيره إلا أن يكون من نوعه فليس بتائب والتوبة ونقضها دائبا خير من الإصرار، ومن تاب ثم نقض ووافى على النقض فإن ذنوبه الأولى تبقى عليه لأن توبته منها علم الله أنها منقوضة، ويحتمل الأمر غير ذلك والله أعلم.
وقال الحسن في تفسير الآية: التّائبون معناه من الشرك، والعابدون لفظ يعم القيام بعبادة الله والتزام شرعه وملازمة ذلك والمثابرة عليه والدوام، والعابد هو المحسن الذي فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله، «أن تعبد الله كأنك تراه» الحديث، وبأدنى عبادة يؤديها المرء المسلم يقع عليه اسم عابد ويحصل في أدنى رتبته وعلى قدر زيادته في العبادة يحصل الوصف،
والحامدون معناه: الذاكرون لله بأوصافه الحسنى في كل حال وعلى السراء والضراء وحمده لأنه أهل لذلك، وهو أعم من الشكر إذ الشكر إنما هو على النعم الخاصة بالشاكر، والسّائحون معناه الصائمون، وروي عن عائشة أنها قالت: سياحة هذه الأمة الصيام، وأسنده الطبري وروي أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الحديث «إن لله ملائكة سياحين مشائين في الآفاق يبلغوني صلاة أمتي عليّ»، ويروى الحديث «صياحين» بالصاد من الصياح والسياحة في الأرض مأخوذ من السيح وهو الماء الجاري على الأرض إلى غير غاية، وقال بعض الناس وهو في كتاب النقاش: السّائحون هم الجائلون بأفكارهم في قدرة الله وملكوته، وهذا قول حسن وهي من أفضل العبادات، ومن ذلك قول معاذ بن جبل: اقعد بنا نؤمن ساعة، ويروى أن بعض العباد أخذ القدح ليتوضأ لصلاة الليل فأدخل أصبعه في أذن القدح وجعل يفكر حتى طلع الفجر فقيل له في ذلك فقال: أدخلت أصبعي في أذن القدح فتذكرت قول الله تعالى: إذ الأغلال في أعناقهم والسّلاسل [غافر: 71] وفكرت كيف أتلقى الغل وبقيت في ذلك ليلي أجمع، والرّاكعون السّاجدون هم المصلون الصلوات الخمس كذا قال أهل العلم، ولكن لا يختلف في أن من يكثر النوافل هو أدخل في الاسم وأغرق في الاتصاف، وقوله: الآمرون بالمعروف والنّاهون عن المنكر هو أمر فرض على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالجملة ثم يفترق الناس فيه مع التعيين، فأما ولاة الأمر والرؤساء فهو فرض عليهم في كل حال، وأما سائر الناس فهو فرض عليهم بشروط: منها أن لا تلحقه مضرة وأن يعلم أن قوله يسمع ويعمل به ونحو هذا ثم من تحمل بعد في ذات الله مشقة فهو أعظم أجرا، وأسند الطبري عن بعض العلماء أنه قال: حيثما ذكر الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو الأمر بالإسلام والنهي عن الكفر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا شك أنه يتناول هذا وهو أحرى، إذ يتناول ما دونه فتعميم اللفظ أولى، وأما هذه الواو التي في قوله والنّاهون ولم يتقدم في واحدة من الصفات قبل فقيل معناها الربط بين هاتين الصفتين وهي «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» إذ هما من غير قبيل الصفات الأول.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: لأن الأول فيما يخص المرء، وهاتان بينه وبين غيره، ووجب الربط بينهما لتلازمهما وتناسبهما، وقيل هي زائدة وهذا قول ضعيف لا معنى له، وقيل هي واو الثمانية لأن هذه الصفة جاءت ثامنة في الرتبة، ومن هذا قوله في أبواب الجنة وفتحت أبوابها [الزمر: 73]، وقوله وثامنهم كلبهم [الكهف: 22]، ومن هذا قوله ثيّباتٍ وأبكاراً [التحريم: 5].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: على أن هذه تعترض حتى لا يلزم أن يكون واو ثمانية، لأنها فرقت بين فصلين يعمان بمجموعهما جميع النساء، ولا يصح أن يكون «ثيبات أبكارا» [التحريم: 5]، فهي فاصلة ضرورة، وواو الثمانية قد ذكرها ابن خالويه، في مناظرته لأبي علي الفارسي في معنى قوله وفتحت أبوابها [الزمر: 73]، وأنكرها أبو علي، وحدثني أبي رضي الله عنه عن الأستاذ أبي عبد الله الكفيف المالقي وكان ممن استوطن غرناطة وقرأ فيها في مدة ابن حبوس أنه قال: هي لغة فصيحة لبعض العرب من
شأنهم أن يقولوا إذا عدوا واحد اثنان ثلاثة أربعة خمسة ستة سبعة وثمانية تسعة عشرة، فهكذا هي لغتهم، ومتى جاء في كلامهم أمر ثمانية أدخلوا الواو، وقوله والحافظون لحدود اللّه لفظ عام تحته إلزام الشريعة والانتهاء عما نهى الله في كل شيء وفي كل فن، وقوله وبشّر المؤمنين قيل هو لفظ عام أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يبشر أمته جميعا بالخير من الله، وقيل بل هذه الألفاظ خاصة لمن لم يغز أي لما تقدم في الآية وعد المجاهدين وفضلهم أمر أن يبشر سائر الناس ممن لم يغز بأن الإيمان مخلص من النار والحمد لله رب العالمين). [المحرر الوجيز: 4/ 417-422]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:30 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:30 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقًّا في التّوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم (111)}
يخبر تعالى أنّه عاوض عباده المؤمنين عن أنفسهم وأموالهم إذ بذلوها في سبيله بالجنّة، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه، فإنّه قبل العوض عمّا يملكه بما تفضّل به على عباده المطيعين له؛ ولهذا قال الحسن البصريّ وقتادة: بايعهم واللّه فأغلى ثمنهم.
وقال شمر بن عطيّة: ما من مسلمٍ إلّا وللّه، عزّ وجلّ، في عنقه بيعةٌ، وفّى بها أو مات عليها، ثمّ تلا هذه الآية.
ولهذا يقال: من حمل في سبيل اللّه بايع اللّه، أي: قبل هذا العقد ووفّى به.
وقال محمّد بن كعبٍ القرظي وغيره: قال عبد اللّه بن رواحة، رضي اللّه عنه، لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -يعني ليلة العقبة -: اشترط لربّك ولنفسك ما شئت! فقال: "أشترط لربّي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني ممّا تمنعون منه أنفسكم وأموالكم". قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: "الجنّة". قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت: {إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم} الآية.
وقوله: {يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون} أي: سواءٌ قتلوا أو قتلوا، أو اجتمع لهم هذا وهذا، فقد وجبت لهم الجنّة؛ ولهذا جاء في الصّحيحين: "وتكفّل اللّه لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلّا جهادٌ في سبيلي، وتصديقٌ برسلي، بأن توفّاه أن يدخله الجنّة، أو يرجعه إلى مسكنه الّذي خرج منه، نائلًا ما نال من أجرٍ أو غنيمةٍ".
وقوله: {وعدًا عليه حقًّا في التّوراة والإنجيل والقرآن} تأكيدٌ لهذا الوعد، وإخبارٌ بأنّه قد كتبه على نفسه الكريمة، وأنزله على رسله في كتبه الكبار، وهي التّوراة المنزّلة على موسى، والإنجيل المنزّل على عيسى، والقرآن المنزّل على محمّدٍ، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين.
وقوله: {ومن أوفى بعهده من اللّه} [أي: ولا واحد أعظم وفاءً بما عاهد عليه من اللّه] فإنّه لا يخلف الميعاد، وهذا كقوله تعالى: {ومن أصدق من الله حديثًا} [النّساء: 87] {ومن أصدق من اللّه قيلا} [النّساء: 122]؛ ولهذا قال: {فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم} أي: فليستبشر من قام بمقتضى هذا العقد ووفى بهذا العهد، بالفوز العظيم، والنعيم المقيم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 218]

تفسير قوله تعالى: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({التّائبون العابدون الحامدون السّائحون الرّاكعون السّاجدون الآمرون بالمعروف والنّاهون عن المنكر والحافظون لحدود اللّه وبشّر المؤمنين (112)}
هذا نعت المؤمنين الّذين اشترى اللّه منهم أنفسهم وأموالهم بهذه الصّفات الجميلة والخلال الجليلة: {التّائبون} من الذّنوب كلّها، التّاركون للفواحش، {العابدون} أي: القائمون بعبادة ربّهم محافظين عليها، وهي الأقوال والأفعال فمن أخصّ الأقوال الحمد ؛ فلهذا قال: {الحامدون} ومن أفضل الأعمال الصيام، وهو ترك الملاذّ من الطّعام والشّراب والجماع، وهو المراد بالسّياحة هاهنا؛ ولهذا قال: {السّائحون} كما وصف أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك في قوله تعالى: {سائحاتٍ} [التّحريم: 5] أي: صائماتٍ، وكذا الرّكوع والسّجود، وهما عبارةٌ عن الصّلاة، ولهذا قال: {الرّاكعون السّاجدون} وهم مع ذلك ينفعون خلق اللّه، ويرشدونهم إلى طاعة اللّه بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، مع العلم بما ينبغي فعله ويجب تركه، وهو حفظ حدود اللّه في تحليله وتحريمه، علمًا وعملًا فقاموا بعبادة الحقّ ونصح الخلق؛ ولهذا قال: {وبشّر المؤمنين} لأنّ الإيمان يشمل هذا كلّه، والسّعادة كلّ السّعادة لمن اتّصف به.
[بيان أنّ المراد بالسّياحة الصّيام]:
قال سفيان الثّوريّ، عن عاصمٍ، عن زرّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: {السّائحون} الصّائمون. وكذا روي عن سعيد بن جبير، والعوفيّ عن ابن عبّاسٍ.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: كلّ ما ذكر اللّه في القرآن السّياحة، هم الصّائمون. وكذا قال الضّحّاك، رحمه اللّه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أحمد بن إسحاق، حدّثنا أبو أحمد، حدّثنا إبراهيم بن يزيد، عن الوليد بن عبد اللّه، عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: سياحة هذه الأمّة الصّيام.
وهكذا قال مجاهدٌ، وسعيد بن جبير، وعطاءٌ، وأبو عبد الرّحمن السّلميّ، والضّحّاك بن مزاحم، وسفيان بن عيينة وغيرهم: أنّ المراد بالسّائحين: الصّائمون.
وقال الحسن البصريّ: {السّائحون} الصّائمون شهر رمضان.
وقال أبو عمرٍو العبدي: {السّائحون} الّذين يديمون الصّيام من المؤمنين.
وقد ورد في حديثٍ مرفوعٍ نحو هذا، وقال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بزيع، حدّثنا حكيم بن حزامٍ، حدّثنا سليمان، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "السّائحون هم الصّائمون"
[ثمّ رواه عن بندار، عن ابن مهديٍّ، عن إسرائيل، عن سليمان الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة أنّه قال: {السّائحون} الصّائمون].
وهذا الموقوف أصحّ.
وقال أيضًا: حدّثني يونس، عن ابن وهبٍ، عن عمر بن الحارث، عن عمرو بن دينارٍ، عن عبيد بن عمير قال: سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن السّائحين فقال: "هم الصّائمون".
وهذا مرسلٌ جيّدٌ.
فهذه أصحّ الأقوال وأشهرها، وجاء ما يدلّ على أنّ السّياحة الجهاد، وهو ما روى أبو داود في سننه، من حديث أبي أمامة أنّ رجلًا قال: يا رسول اللّه، ائذن لي في السّياحة. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "سياحة أمّتي الجهاد في سبيل اللّه".
وقال ابن المبارك، عن ابن لهيعة: أخبرني عمارة بن غزيّة: أنّ السّياحة ذكرت عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أبدلنا اللّه بذلك الجهاد في سبيل اللّه، والتّكبير على كلّ شرفٍ".
وعن عكرمة أنّه قال: هم طلبة العلم. وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: هم المهاجرون. رواهما ابن أبي حاتمٍ.
وليس المراد من السّياحة ما قد يفهمه بعض من يتعبّد بمجرّد السّياحة في الأرض، والتّفرّد في شواهق الجبال والكهوف والبراري، فإنّ هذا ليس بمشروعٍ إلّا في أيّام الفتن والزّلازل في الدّين، كما ثبت في صحيح البخاريّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يوشك أن يكون خير مال الرّجل غنم يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القطر، يفرّ بدينه من الفتن".
وقال العوفيّ وعليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {والحافظون لحدود اللّه} قال: القائمون بطاعة اللّه. وكذا قال الحسن البصريّ، وعنه رواية: {والحافظون لحدود اللّه} قال: لفرائض اللّه، وفي روايةٍ: القائمون على أمر اللّه).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 218-221]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:16 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة