العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:28 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:28 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ عاصم وعوام القراء والناس في كل قطر إلا بالمدينة «والذين اتخذوا»، وقرأ أهل المدينة نافع وأبو جعفر وشيبة وغيرهم «الذين اتخذوا» بإسقاط الواو، وكذلك في مصحفهم، قاله أبو حاتم، وقال الزهراوي: وهي قراءة ابن عامر وهي في مصاحف أهل الشام بغير واو، فأما من قرأ بالواو فذلك عطف على قوله وآخرون أي ومنهم الذين اتخذوا، وأما من قرأ بإسقاطها فرفع الّذين بالابتداء.
واختلف في الخبر فقيل الخبر لا تقم فيه أبداً [التوبة: 108] قاله الكسائي ويتجه بإضمار إما في أول الآية
وإما في آخرها، بتقدير لا تقم في مسجدهم وقيل الخبر لا يزال بنيانهم قاله النحاس وهذا أفصح، وقد ذكرت كون الّذين بدلا من، آخرون، آنفا، وقال المهدوي: الخبر محذوف تقديره معذبون أو نحوه، وأما الجماعة المرادة ب الّذين اتّخذوا، فهم منافقو بني غنم بن عوف وبني سالم بن عوف، وأسند الطبري عن ابن إسحاق عن الزهري وغيره أنه قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك حتى نزل بذي أوان بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار، وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا يا رسول الله إنّا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة، وإنّا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، فقال إني على جناح سفر وحال شغل، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلينا لكم فيه، فلما أقبل ونزل بذي أوان نزل عليه القرآن في شأن مسجد الضرار، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشم ومعن بن عدي أو أخاه عاصم بن عدي، فقال: انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدماه وحرقاه، فانطلقا مسرعين ففعلا وحرقاه بنار في سعف، وذكر النقاش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث لهدمه وتحريقه عمار بن ياسر ووحشيا مولى المطعم بن عدي، وكان بانوه اثني عشر رجلا، خذام بن خالد، ومن داره أخرج مسجد الشقاق وثعلبة بن حاطب ومتعب بن قشير، وأبو حبيبة بن الأزعر وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف، وجارية بن عمرو وابناه مجمع بن جارية وهو كان إمامهم، وحلف لعمر بن الخطاب في خلافته أنه لم يشعر بأمرهم وزيد بن جارية ونبتل بن الحارث، ويخرج وهو من بني ضبيعة وبجاد بن عثمان ووديعة بن ثابت ويخرج منهم هو الذي حلف لرسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أردت إلا الحسنى» والتوسعة علينا وعلى من عجز أو ضعف عن المسير إلى مسجد قباء، وقرأ ابن أبي عبلة «ما أردنا إلا الحسنى»، والآية تقتضي شرح شيء من أمر هذه المساجد، فروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وقت الهجرة بني مسجدا في بني عمرو بن عوف وهو مسجد قباء، وقيل وجده مبنيا قبل وروده، وقيل وجده موضع صلاة فبناه وتشرف القوم بذلك، فحسدهم من حينئذ رجال من بني عمهم من بني غنم بن عوف وبني سالم بن عوف، فكان فيهم نفاق، وكان موضع مسجد قباء مربطا لحمار امرأة من الأنصار اسمها لية، فكان المنافقون يقولون والله لا نصبر على الصلاة في مربط حمار لية ونحو هذا من الأقوال، وكان أبو عامر عبد عمرو المعروف بالراهب منهم، وكانت أمه من الروم فكان يتعبد في الجاهلية فسمي الراهب، وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة وكان سيدا نظيرا وقريبا من عبد الله بن أبي ابن سلول، فلما جاء الله بالإسلام نافق ولم يزل مجاهرا بذلك فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق، ثم خرج في جماعة من المنافقين فحزب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحزاب، فلما ردهم الله بغيظهم أقام أبو عامر بمكة مظهرا لعداوته، فلما فتح الله مكة هرب إلى الطائف.
فلما أسلم أهل الطائف خرج هاربا إلى الشام يريد قيصر مستنصرا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب إلى قومه المنافقين منهم أن ابنوا مسجدا مقاومة لمسجد قباء وتحقيرا له، فإني سآتي بجيش من الروم أخرج به محمدا وأصحابه من المدينة فبنوه، وقالوا سيأتي أبو عامر ويصلي فيه ويتخذه متعبدا ويسر به، ثم إن أبا عامر هلك عند قيصر ونزل القرآن في أمر مسجد الضرار فذلك قوله وإرصاداً لمن حارب اللّه ورسوله يعني أبا عامر وقولهم سيأتي أبو عامر، وقرأ الأعمش «للذين حاربوا الله» وقوله ضراراً أي داعية للتضار من جماعتين فلذلك قال ضراراً وهو في الأكثر مصدر ما يكون من اثنين وإن كان المصدر الملازم لذلك مفاعلة كما قال سيبويه، ونصب «ضرار» وما بعده على المصدر في موضع الحال، ويجوز أن يكون على المفعول من أجله، وقوله بين المؤمنين يريد بين الجماعة التي كانت تصلي في مسجد قباء فإن من جاوز مسجدهم كانوا يصرفونه إليه وذلك داعية إلى صرفه عن الإيمان، وقيل أراد بقوله بين المؤمنين جماعة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا بحسب الخلاف في المسجد المؤسس على التقوى وسيأتي ذلك، قال النقاش يلزم من هذا أن لا يصلى في كنيسة ونحوها لأنها بنيت على شر من هذا كله وقد قيل في هذا لا تقم فيه أبدا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا تفقه غير قوي، و «الإرصاد» الإعداد والتهيئة، والذي حارب الله ورسوله هو أبو عامر الفاسق، وقوله من قبل يريد في غزوة الأحزاب وغيرها، والحالف المراد في قوله ليحلفنّ هو يخرج ومن حلف من أصحابه، وكسرت الألف من قوله إنّهم لكاذبون لأن الشهادة في معنى القول، وأسند الطبري عن شقيق أنه جاء ليصلي في مسجد بني غاضرة فوجد الصلاة قد فاتته فقيل له إن مسجد بني فلان لم يصل فيه بعد، فقال: لا أحب أن أصلي فيه فإنه بني على ضرار وكل مسجد بني ضرارا ورياء وسمعة فهو في حكم مسجد الضرار، وروي أن مسجد الضرار لما هدم وأحرق اتخذ مزبلة ترمى فيه الأقذار والقمامات). [المحرر الوجيز: 4/ 403-406]

تفسير قوله تعالى: {لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: لا تقم فيه أبداً لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ أحقّ أن تقوم فيه فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين (108) أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوانٍ خيرٌ أم من أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ فانهار به في نار جهنّم واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (109)
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت لا تقم فيه أبداً كان لا يمر بالطريق التي فيها المسجد، وهذا النهي إنما هو لأن البانين لمسجد الضرار قد كانوا خادعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: بنينا مسجدا للضرورات والسيل الحائل بيننا وبين قومنا فنريد أن تصلي لنا فيه وتدعو بالبركة، فهمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشي معهم إلى ذلك، واستدعى قميصه لينهض فنزلت الآية لا تقم فيه أبداً وقوله: لمسجدٌ قيل إن اللام لام قسم، وقيل هي لام الابتداء كما تقول: لزيد أحسن الناس فعلا، وهي مقتضية تأكيدا، وقال ابن عباس وفرقة من الصحابة والتابعين: المراد «بالمسجد الذي أسس على التقوى» هو مسجد قباء.
وروي عن عمر وأبي سعيد وزيد بن ثابت أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، ويليق القول الأول بالقصة، إلا أن القول الثاني روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نظر مع الحديث،
وأسند الطبري في ذلك عن أبي سعيد الخدري أنه قال: اختلف رجل من بني خدرة ورجل من بني عمرو بن عوف فقال الخدري: هو مسجد الرسول وقال الآخر: هو مسجد قباء فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألاه فقال: هو مسجدي هذا، وفي الآخر خير كثير إلى كثير من الآثار في هذا عن أبي بن كعب وسهل بن سعد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان في بقعته نخل وقبور مشركين ومربد ليتيمين كانا في حجر أسعد بن زرارة، وبناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، الأولى بالسميط وهي لبنة أمام لبنة، والثانية بالصعيدة، وهي لبنة ونصف في عرض الحائط، والثالثة بالأنثى والذكر، وهي لبنتان تعرض عليهما لبنتان، وكان في طوله سبعون ذراعا وكان عمده النخل وكان عريشا يكف في المطر، وعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم بنيانه ورفعه فقال: لا بل يكون عريشا كعريش أخي موسى كان إذا قام ضرب رأسه في سقفه.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل فيه اللبن على صدره، ويقال إن أول من وضع في أساسه حجرا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضع أبو بكر حجرا، ثم وضع عمر حجرا، ثم وضع عثمان حجرا، ثم رمى الناس بالحجارة فتفاءل بذلك بعض الصحابة في أنها الخلافة فصدق فأله، قوله: من أوّل يومٍ قيل معناه منذ أول يوم، وقيل معناه من تأسيس أول يوم، وإنما دعا إلى هذا الاختلاف أن من أصول النحويين أن «من» لا تجر بها الأزمان، وإنما تجر الأزمان بمنذ، تقول ما رأيته منذ يومين أو سنة أو يوم، ولا تقول من شهر ولا من سنة ولا من يوم، فإذا وقعت «من» في الكلام وهي تلي زمنا فيقدر مضمر يليق أن تجره «من» كقول الشاعر: [زهير بن أبي سلمى]
لمن الديار كقنة الحجر = أقوين من حجج ومن دهر
ومن شهر رواية، فقدروه من مر حجج ومن مر دهر، ولما كان «أول يوم» يوما وهو اسم زمان احتاجوا فيه إلى تقدير من تأسيس، ويحسن عندي أن يستغنى في هذه الآية عن تقدير وأن تكون «من» تجر لفظة «أول» لأنها بمعنى البدأة كأنه قال من مبتدأ الأيام، وهي هاهنا تقوم مقام المر في البيت المتقدم، وهي كما تقول جئت من قبلك ومن بعدك وأنت لا تدل بهاتين اللفظتين إلا على الزمن، وقد حكي لي هذا الذي اخترته عن بعض أئمة النحو، ومعنى أن تقوم فيه أي بصلاتك وعبادتك، وقرأ جمهور الناس «أن تقوم فيه فيه رجال» بكسر الهاء، وقرأ عبد الله بن زيد «أن تقوم فيه فيه» بضم الهاء الثانية على الأصل ويحسنه تجنب تكرار لفظ واحد، وقال قتادة وغيره: الضمير عائد على مسجد الرسول، و «الرجال» جماعة الأنصار.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: يا معشر الأنصار إني رأيت الله أثنى عليكم بالطهور فماذا تفعلون؟ فقالوا يا رسول الله إنا رأينا جيراننا من اليهود يتطهرون بالماء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يريد الاستنجاء بالماء، ففعلنا نحن ذلك فلما جاء الإسلام لم ندعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلا تدعوه أبدا، وقال عبد الله بن سلام وغيره ما معناه: إن الضمير عائد على مسجد قباء والمراد بنو عمرو بن عوف.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قال المقالة المتقدمة لنبي عمرو بن عوف والأول أكثر، واختلف أهل العلم في الأفضل بين الاستنجاء بالماء أو بالحجارة فقيل هذا وقيل هذا، ورأت فرقة من أهل العلم الجمع بينهما فينقي بالحجارة ثم يتبع بالماء، وحدثني أبي رضي الله عنه أنه بلغه أن بعض علماء القيروان كانوا يتخذون في متوضياتهم أحجارا في تراب ينقون بها، ثم يستنجون بالماء أخذا بهذا القول.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإنما يتصور الخلاف في البلاد التي يمكن فيها أن تنقى الحجارة، وابن حبيب لا يجيز الاستنجاء بالحجارة حيث يوجد الماء، وهو قول شذ فيه، وقرأ جمهور الناس «يتطهروا»، وقرأ طلحة بن مصرف والأعمش «يطهروا» بالإدغام، وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «المتطهرين» بالتاء، وأسند الطبري عن عطاء أنه قال: أحدث قوم من أهل قباء الاستنجاء بالماء فنزلت الآية فيهم.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منهم عويم بن ساعدة ولم يسم أحد منهم غير عويم). [المحرر الوجيز: 4/ 407-410]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: أفمن أسّس بنيانه الآية استفهام بمعنى تقرير، وقرأ نافع وابن عامر وجماعة «أسس بنيانه» على بناء «أسس» للمفعول ورفع «بنيان» فيهما، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي وجماعة «أسس بنيانه» على بناء الفعل للفاعل ونصب «بنيان» فيهما، وقرأ عمارة بن ضبا رواه يعقوب الأول على بناء الفعل للمفعول والثاني على بنائه للفاعل، والآية تتضمن معادلة بين شيئين، فإما بين البناءين وإما بين البانين، فالمعادلة الأولى هي بتقدير أبناء من أسس، وقرأ نصر بن علي ورويت عن نصر بن عاصم: «أفمن أس بنيانه» على إضافة «أس» إلى «بنيان» وقرأ نصر بن عاصم وأبو حيوة أيضا «أساس بنيانه»، وقرأ نصر بن عاصم أيضا «أسس بنيانه» على وزن فعل بضم الفاء والعين وهو جمع أساس كقذال وقذل حكى ذلك أبو الفتح، وذكر أبو حاتم أن هذه القراءة لنصر إنما هي «أسس» بهمزة مفتوحة وسين مفتوحة وسين مضمومة، وعلى الحكايتين فالإضافة إلى البنيان، وقرأ نصر بن علي أيضا «أساس» على جمع «أس» و «البنيان» يقال بنى يبني بناء وبنيانا كالغفران والطغيان فسمي به المبنى مثل الخلق إذا أردت به المخلوق، وقيل هو جمع واحده بنيانة، وأنشد في ذلك أبو علي: [الطويل]
كبنيانة القاري موضع رجلها = وآثار نسعيها من الدق أبلق
وقرأ الجمهور على تقوى وقرأ عيسى بن عمر «على تقوّى» بتنوين الواو حكى هذه القراءة سيبويه وردها الناس، قال أبو الفتح: قياسها أن تكون الألف للإلحاق كأرطى ونحوه، وأما المراد بالبنيان الذي أسس على التقوى والرضوان فهو في ظاهر اللفظ وقول الجمهور المسجد المذكور قبل ويطرد فيه الخلاف المتقدم، وروي عن عبد الله بن عمر أنه قال: المراد بالمسجد المؤسس على التقوى هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد بأنه أسس على تقوى من الله، ورضوانٍ خيرٌ هو مسجد قباء، وأما البنيان الذي أسس على شفا جرفٍ هارٍ فهو مسجد الضرار بإجماع.
و «الشفا» الحاشية والشفير.
و «الجرف» حول البئر ونحوه مما جرفته السيول والندوة والبلى. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي وجماعة «جرف» بضم الراء، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة وجماعة «جرف» بسكون الراء، واختلف عن عاصم. وهما لغتان، وقيل الأصل ضم الراء وتخفيفها بعد ذلك مستعمل وهارٍ: معناه متهدم منهال وهو من هار يهور ويقال هار يهير ويهير، وأصله هاير أو هاور، فقيل قلبت راؤه قبل حرف العلة فجاء هارو أو هاري فصنع به ما صنع بقاض وغاز، وعلى هذا يقال في حال النصب هاريا، ومثله في يوم راح أصله رايح ومثله شاكي السلاح أصله شايك ومثله قول العجاج: [الوافر]
لاث به الأشاء والعبري
أصله لايث. ومثله قول الشاعر [الأجدع الهمداني]: [الكامل]
... ... ... ... = خفضوا أسنتهم فكلّ ناع
على أحد الوجهين:
فإنه يحتمل أنه من نعى ينعي والمراد أنهم يقولون يا ثارات فلان، ويحتمل أن يريد فكلهم نايع أي عاطش كما قال عمير بن شييم،
... ... ... ... = ... ... والأسل النياعا
وقيل في هارٍ إن حرف علته حذف حذفا فعلى هذا يجري بوجوه الإعراب، فتقول: جرف هار ورأيت جرفا هارا، ومررت بحرف هار.
واختلف القراء في إمالة هارٍ وانهار، وتأسيس البناء على تقوى إنما هو بحسن النية فيه وقصد وجه الله تعالى وإظهار شرعه، كما صنع بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم وفي مسجد قباء.
والتأسيس على شفا جرفٍ هارٍ إنما هو بفساد النية وقصد الرياء والتفريق بين المؤمنين، فهذه تشبيهات صحيحة بارعة، وخيرٌ في هذه الآية تفضيل ولا شركة بين الأمرين في خير إلا على معتقد يأتي مسجد الضرار، فبحسب ذلك المعتقد صح التفضيل، وقوله فانهار به في نار جهنّم الظاهر منه وما صح من خبرهم وهدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجدهم أنه خارج مخرج المثل، أي مثل هؤلاء المضارين من المنافقين في قصدهم معصية الله وحصولهم من ذلك على سخطه كمن ينهار بنيانه في نار جهنم، ثم اقتضب الكلام اقتضابا يدل عليه ظاهره، وقيل بل ذلك حقيقة وإن ذلك المسجد بعينه انهار في نار جهنم، قاله قتادة وابن جريج.
وروي عن جابر بن عبد الله وغيره أنه قال: رأيت الدخان يخرج منه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروي في بعض الكتب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه حين انهار حتى بلغ الأرض السابعة ففزع لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروي أنهم لم يصلوا فيه أكثر من ثلاثة أيام أكملوه يوم الجمعة وصلوا فيه يوم الجمعة وليلة السبت وانهار يوم الاثنين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا كله بإسناد لين، وما قدمناه أصوب وأصح، وكذلك بقي أمره والصلاة فيه من قبل سفر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك إلى أن يقبل صلى الله عليه وسلم.
وقوله واللّه لا يهدي القوم الظّالمين: طعن على هؤلاء المنافقين وإشارة إليهم، والمعنى لا يهديهم من حيث هم الظالمون، أو يكون المراد الخصوص فيمن يوافي على ظلمه، وأسند الطبري عن خلف بن ياسين أنه قال: رأيت مسجد المنافقين الذين ذكر الله في القرآن، فرأيت فيه مكانا يخرج منه الدخان، وذلك في زمن أبي جعفر المنصور.
وروي شبيه بهذا أو نحوه عن ابن جريج أسنده الطبري). [المحرر الوجيز: 4/ 410-414]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم إلاّ أن تقطّع قلوبهم واللّه عليمٌ حكيمٌ (110) إنّ اللّه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة يقاتلون في سبيل اللّه فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقًّا في التّوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من اللّه فاستبشروا ببيعكم الّذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم (111)
الضمير في بنيانهم عائد على المنافقين البانين للمسجد ومن شاركهم في غرضهم، وقوله الّذي بنوا تأكيد وتصريح بأمر المسجد ورفع للإشكال، و «الريبة» الشك، وقد يسمى ريبة فساد المعتقد واضطرابه والاعتراض في الشيء والتحفظ فيه والحزازة من أجله وإن لم يكن شكا، فقد يرتاب من لا يشك، ولكنها في معتاد اللغة تجري مع الشك، ومعنى «الريبة» في هذه الآية أمر يعم الغيظ والحنق ويعم اعتقاد صواب فعلهم ونحو هذا مما يؤدي كله إلى الريبة في الإسلام، فمقصد الكلام لا يزال هذا البنيان الذي هدم لهم يبقي في قلوبهم حزازة وأثر سوء، وبالشك فسر ابن عباس الريبة هنا، وفسرها السدي بالكفر، وقيل له أفكفر مجمع بن جارية؟ قال: لا ولكنها حزازة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومجمع رحمه الله قد أقسم لعمر أنه ما علم باطن القوم ولا قصد سوءا، والآية إنما عنت من أبطن سوءا فليس مجمع منهم، ويحتمل أن يكون المعنى لا يزالون مريبين بسبب بنائهم الذي اتضح فيه نفاقهم، وجملة هذا أن الريبة في الآية تعم معاني كثيرة يأخذ كل منافق منها بحسب قدره من النفاق، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي «إلا أن تقطع قلوبهم» بضم التاء وبناء الفعل للمفعول، وقرأ ابن عامر وحمزة وعاصم بخلاف عنه «إلا أن تقطع» بفتح التاء على أنها فاعلة، وقرأ الحسن بن أبي الحسن ومجاهد وقتادة ويعقوب: «إلى أن تقطع» على معنى إلى أن يموتوا، وقرأ بعضهم: «إلى أن تقطع»، وقرأ أبو حيوة «إلا أن يقطع» بالياء مضمومة وكسر الطاء ونصب «القلوب» أي بالقتل، وأما على القراءة الأولى فقيل بالموت قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد وغيرهم، وقيل، بالتوبة وليس هذا بالظاهر إلا أن يتأول: أو يتوبوا توبة نصوحا يكون معها من الندم والحسرة على الذنب ما يقطع القلوب هما وفكرة، وفي مصحف ابن مسعود «ولو قطعت قلوبهم»، وكذلك قرأها أصحابه وحكاها أبو عمرو «وأن قطعت» بتخفيف الطاء، وفي مصحف أبيّ «حتى الممات» وفيه «حتى تقطع»). [المحرر الوجيز: 4/ 414-415]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:28 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 23 شعبان 1435هـ/21-06-2014م, 06:28 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل وليحلفنّ إن أردنا إلا الحسنى واللّه يشهد إنّهم لكاذبون (107) لا تقم فيه أبدًا لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ أحقّ أن تقوم فيه فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين (108)}
سبب نزول هذه الآيات الكريمات: أنّه كان بالمدينة قبل مقدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إليها رجلٌ من الخزرج يقال له: "أبو عامرٍ الراهب"، وكان قد تنصّر في الجاهليّة وقرأ علم أهل الكتاب، وكان فيه عبادةٌ في الجاهليّة، وله شرفٌ في الخزرج كبيرٌ. فلمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مهاجرًا إلى المدينة، واجتمع المسلمون عليه، وصارت للإسلام كلمةٌ عاليةٌ، وأظهرهم اللّه يوم بدرٍ، شرق اللّعين أبو عامرٍ بريقه، وبارز بالعداوة، وظاهر بها، وخرج فارًّا إلى كفّار مكّة من مشركي قريشٍ فألّبهم على حرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فاجتمعوا بمن وافقهم من أحياء العرب، وقدموا عام أحدٍ، فكان من أمر المسلمين ما كان، وامتحنهم اللّه، وكانت العاقبة للمتّقين.
وكان هذا الفاسق قد حفر حفائر فيما بين الصّفّين، فوقع في إحداهنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأصيب ذلك اليوم، فجرح في وجهه وكسرت رباعيته اليمنى السّفلى، وشجّ رأسه، صلوات اللّه وسلامه عليه.
وتقدّم أبو عامرٍ في أوّل المبارزة إلى قومه من الأنصار، فخاطبهم واستمالهم إلى نصره وموافقته، فلمّا عرفوا كلامه قالوا: لا أنعم اللّه بك عينًا يا فاسق يا عدوّ اللّه، ونالوا منه وسبّوه. فرجع وهو يقول: واللّه لقد أصاب قومي بعدي شر. وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد دعاه إلى اللّه قبل فراره، وقرأ عليه من القرآن، فأبى أن يسلم وتمرّد، فدعا عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يموت بعيدًا طريدًا، فنالته هذه الدّعوة.
وذلك أنّه لمّا فرغ النّاس من أحدٍ، ورأى أمر الرّسول، صلوات اللّه وسلامه عليه في ارتفاعٍ وظهورٍ، ذهب إلى هرقل، ملك الرّوم، يستنصره على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فوعده ومنّاه، وأقام عنده، وكتب إلى جماعةٍ من قومه من الأنصار من أهل النّفاق والرّيب يعدهم ويمنّيهم أنّه سيقدم بجيشٍ يقاتل به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ويغلبه ويردّه عمّا هو فيه، وأمرهم أن يتّخذوا له معقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كتبه ويكون مرصدًا له إذا قدم عليهم بعد ذلك، فشرعوا في بناء مسجدٍ مجاورٍ لمسجد قباءٍ، فبنوه وأحكموه، وفرغوا منه قبل خروج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى تبوك، وجاءوا فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأتي إليهم فيصلّي في مسجدهم، ليحتجّوا بصلاته، عليه السّلام، فيه على تقريره وإثباته، وذكروا أنّهم إنّما بنوه للضّعفاء منهم وأهل العلّة في اللّيلة الشّاتية، فعصمه اللّه من الصّلاة فيه فقال: "إنّا على سفرٍ، ولكن إذا رجعنا إن شاء اللّه".
فلمّا قفل، عليه السّلام راجعًا إلى المدينة من تبوك، ولم يبق بينه وبينها إلّا يومٌ أو بعض يومٍ، نزل عليه الوحي بخبر مسجد الضّرار، وما اعتمده بانوه من الكفر والتّفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء، الّذي أسّس من أوّل يومٍ على التّقوى. فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى ذلك المسجد من هدمه قبل مقدمه المدينة، كما قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا [وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين]} وهم أناسٌ من الأنصار، ابتنوا مسجدًا، فقال لهم أبو عامرٍ، ابنوا مسجدًا واستعدّوا بما استطعتم من قوّةٍ ومن سلاحٍ، فإنّي ذاهبٌ إلى قيصر ملك الرّوم، فآتي بجندٍ من الرّوم وأخرج محمّدًا وأصحابه. فلمّا فرغوا من مسجدهم أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: قد فرغنا من بناء مسجدنا، فنحبّ أن تصلي فيه وتدعو لنا بالبركة. فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {لا تقم فيه أبدًا لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ} إلى {واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}.
وكذا روي عن سعيد بن جبير، ومجاهدٍ، وعروة بن الزّبير، وقتادة وغير واحدٍ من العلماء.
وقال محمّد بن إسحاق بن يسار، عن الزّهريّ، ويزيد بن رومان، وعبد الله بن أبي بكر، وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم، قالوا: أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -يعني: من تبوك -حتّى نزل بذي أوانٍ -بلدٌ بينه وبين المدينة ساعةٌ من نهارٍ -وكان أصحاب مسجد الضّرار قد كانوا أتوه وهو يتجهّز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول اللّه، إنّا قد بنينا مسجدًا لذي العلّة والحاجة، واللّيلة المطيرة، واللّيلة الشّاتية، وإنّا نحبّ أن تأتينا فتصلّي لنا فيه. فقال: "إنّي على جناح سفر وحال شغل -أو كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -ولو قد قدمنا إن شاء اللّه تعالى أتيناكم فصلّينا لكم فيه". فلمّا نزل بذي أوانٍ أتاه خبر المسجد، فدعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مالك بن الدّخشم أخا بني سالم بن عوفٍ، ومعن بن عديٍّ -أو: أخاه عامر بن عديٍّ -أخا بلعجلان فقال: "انطلقا إلى هذا المسجد الظّالم أهله، فاهدماه وحرّقاه". فخرجا سريعين حتّى أتيا بني سالم بن عوفٍ، وهم رهط مالك بن الدّخشم، فقال مالكٌ لمعنٍ: أنظرني حتّى أخرج إليك بنارٍ من أهلي. فدخل أهله فأخذ سعفا من النّخل، فأشعل فيه نارًا، ثمّ خرجا يشتدّان حتّى دخلا المسجد وفيه أهله، فحرقاه وهدماه وتفرّقوا عنه. ونزل فيهم من القرآن ما نزل: {والّذين اتّخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا} إلى آخر القصّة. وكان الّذين بنوه اثني عشر رجلًا خذام بن خالدٍ، من بني عبيد بن زيدٍ، أحد بني عمرو بن عوفٍ، ومن داره أخرج مسجد الشّقاق، وثعلبة بن حاطبٍ من بني عبيدٍ وهو إلى بني أميّة بن زيدٍ، ومعتّب بن قشير، من [بني] ضبيعة بن زيدٍ، وأبو حبيبة بن الأذعر، من بني ضبيعة بن زيدٍ، وعبّاد بن حنيف، أخو سهل بن حنيفٍ، من بني عمرو بن عوفٍ، وجارية بن عامرٍ، وابناه: مجمّع بن جارية، وزيد بن جارية ونبتل [بن] الحارث، وهم من بني ضبيعة، وبحزجٌ وهو من بني ضبيعة، وبجاد بن عثمان وهو من بني ضبيعة، [ووديعة بن ثابتٍ، وهو إلى بني أميّة] رهط أبي لبابة بن عبد المنذر.
وقوله: {وليحلفنّ} أي: الّذين بنوه {إن أردنا إلا الحسنى} أي: ما أردناه ببنيانه إلّا خيرًا ورفقًا بالنّاس، قال اللّه تعالى: {واللّه يشهد إنّهم لكاذبون} أي: فيما قصدوا وفيما نووا، وإنّما بنوه ضرارا لمسجد قباء، وكفرًا باللّه، وتفريقًا بين المؤمنين، وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله، وهو أبو عامرٍ الفاسق، الّذي يقال له: "الرّاهب" لعنه اللّه.
وقوله: {لا تقم فيه أبدًا} نهيٌ من اللّه لرسوله، صلوات اللّه وسلامه عليه، والأمّة تبع له في ذلك، عن أن يقوم فيه، أي: يصلّي فيه أبدًا.
ثمّ حثّه على الصّلاة في مسجد قباء الّذي أسّس من أوّل يوم بنائه على التّقوى، وهي طاعة اللّه، وطاعة رسوله، وجمعًا لكلمة المؤمنين ومعقلا وموئلًا للإسلام وأهله؛ ولهذا قال تعالى: {لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ أحقّ أن تقوم فيه} والسّياق إنّما هو في معرض مسجد قباء؛ ولهذا جاء في الحديث الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "صلاةٌ في مسجد قباء كعمرة". وفي الصّحيح: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يزور مسجد قباء راكبًا وماشيًا وفي الحديث: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا بناه وأسّسه أوّل قدومه ونزوله على بني عمرو بن عوفٍ، كان جبريل هو الّذي عيّن له جهة القبلة فاللّه أعلم.
وقال أبو داود: حدّثنا محمّد بن العلاء، حدّثنا معاوية بن هشامٍ، عن يونس بن الحارث، عن إبراهيم بن أبي ميمونة، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلم قال: "نزلت هذه الآية في أهل قباءٍ: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا} قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم الآية.
ورواه التّرمذيّ وابن ماجه، من حديث يونس بن الحارث، وهو ضعيفٌ، وقال التّرمذيّ: غريبٌ من هذا الوجه.
وقال الطّبرانيّ: حدّثنا الحسن بن عليٍّ المعمريّ، حدّثنا محمّد بن حميدٍ الرّازيّ، حدّثنا سلمة بن الفضل، عن محمّد بن إسحاق، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا نزلت هذه الآية: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا} بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عويم بن ساعدة فقال: "ما هذا الطّهور الّذي أثنى اللّه عليكم؟ ". فقال: يا رسول اللّه، ما خرج منّا رجلٌ ولا امرأةٌ من الغائط إلّا غسل فرجه -أو قال: مقعدته -فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. "هو هذا".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسين بن محمّدٍ، حدّثنا أبو أويسٍ، حدّثنا شرحبيل، عن عويم بن ساعدة الأنصاريّ: أنّه حدّثه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أتاهم في مسجد قباء، فقال: "إنّ اللّه تعالى قد أحسن [عليكم الثّناء] في الطّهور في قصّة مسجدكم، فما هذا الطّهور الّذي تطهّرون به؟ " فقالوا: واللّه -يا رسول اللّه -ما نعلم شيئًا إلّا أنّه كان لنا جيرانٌ من اليهود، فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط، فغسلنا كما غسلوا.
ورواه ابن خزيمة في صحيحه.
وقال هشيم، عن عبد الحميد المدنيّ، عن إبراهيم بن إسماعيل الأنصاريّ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال لعويم بن ساعدة. "ما هذا الّذي أثنى اللّه عليكم: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين} قالوا: يا رسول اللّه، إنّا نغسل الأدبار بالماء.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن عمارة الأسديّ، حدّثنا محمّد بن سعدٍ، حدّثنا إبراهيم بن محمّدٍ، عن شرحبيل بن سعدٍ قال: سمعت خزيمة بن ثابتٍ يقول: نزلت هذه الآية: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين} قال: كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد بن حنبلٍ: حدّثنا يحيى بن آدم، حدّثنا مالكٌ -يعني: ابن مغول -سمعت سيّارًا أبا الحكم، عن شهر بن حوشبٍ، عن محمّد بن عبد اللّه بن سلامٍ قال: لمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، يعني: قباء، فقال: "إنّ اللّه، عزّ وجلّ، قد أثنى عليكم في الطّهور خيرًا، أفلا تخبروني؟ ". يعني: قوله تعالى: {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين} فقالوا: يا رسول اللّه، إنّا نجده مكتوبًا علينا في التّوراة: الاستنجاء بالماء.
وقد صرّح بأنّه مسجد قباءٍ جماعةٌ من السّلف، رواه عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ. ورواه عبد الرّزّاق، عن معمر، عن الزّهريّ، عن عروة بن الزّبير. وقاله عطيّة العوفيّ، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، والشّعبيّ، والحسن البصريّ، ونقله البغويّ عن سعيد بن جبير، وقتادة.
وقد ورد في الحديث الصّحيح: أنّ مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي هو في جوف المدينة، هو المسجد الّذي أسّس على التّقوى. وهذا صحيحٌ. ولا منافاة بين الآية وبين هذا؛ لأنّه إذا كان مسجد قباءٍ قد أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ، فمسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بطريق الأولى والأحرى؛ ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبلٍ في مسنده: حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا عبد اللّه بن عامرٍ الأسلميّ، عن عمران بن أبي أنسٍ، عن سهل بن سعدٍ، عن أبيّ بن كعبٍ: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "المسجد الّذي أسّس على التّقوى مسجدي هذا". تفرّد به أحمد.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، حدّثنا ربيعة بن عثمان التّيميّ، عن عمران بن أبي أنسٍ، عن سهل بن سعدٍ السّاعديّ قال: اختلف رجلان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في المسجد الّذي أسّس على التقوى، فقال أحدهما: هو مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وقال الآخر: هو مسجد قباء.
فأتيا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسألاه، فقال: "هو مسجدي هذا" تفرّد به أحمد أيضًا.
حديثٌ آخر: قال أحمد: حدّثنا موسى بن داود، حدّثنا ليثٌ، عن عمران بن أبي أنسٍ، عن سعيد بن أبي سعيدٍ الخدريّ، رضي اللّه عنه، قال: تمارى رجلان في المسجد الّذي أسّس على التّقوى، فقال أحدهما: هو مسجد قباءٍ، وقال الآخر: هو مسجد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "هو مسجدي هذا" تفرّد به أحمد.
طريقٌ أخرى: قال الإمام أحمد: حدّثنا إسحاق بن عيسى، حدّثنا ليثٌ، حدّثني عمران بن أبي أنسٍ، عن ابن أبي سعيدٍ، عن أبيه أنّه قال: تمارى رجلان في المسجد الّذي أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ، فقال رجلٌ: هو مسجد قباءٍ، وقال الآخر: هو مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "هو مسجدي".
وكذا رواه التّرمذيّ والنّسائيّ عن قتيبة، عن اللّيث وصحّحه التّرمذيّ، ورواه مسلمٌ كما سيأتي.
طريقٌ أخرى: قال أحمد: حدّثنا يحيى، عن أنيس بن أبي يحيى، حدّثني أبي قال: سمعت أبا سعيدٍ الخدريّ قال: اختلف رجلان: رجلٌ من بني خدرة، ورجلٌ من بني عمرو بن عوفٍ في المسجد الّذي أسّس على التّقوى، فقال الخدريّ: هو مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال العمري: هو مسجد قباءٍ، فأتيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسألاه عن ذلك، فقال: "هو هذا المسجد" لمسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال: "في ذاك [خيرٌ كثيرٌ] يعني: مسجد قباءٍ.
طريقٌ أخرى: قال أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا يحيى بن سعيدٍ -حدّثنا حميدٌ الخرّاط المدنيّ، سألت أبا سلمة بن عبد الرّحمن بن أبي سعيدٍ فقلت: كيف سمعت أباك يقول في المسجد الّذي أسّس على التّقوى؟ فقال أبي: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فدخلت عليه في بيتٍ لبعض نسائه، فقلت: يا رسول اللّه، أين المسجد الّذي أسّس على التّقوى؟ قال: فأخذ كفًّا من حصباء فضرب به الأرض، ثمّ قال: "هو مسجدكم هذا". ثمّ قال: [فقلت له: هكذا] سمعت أباك يذكره؟.
رواه مسلمٌ منفردًا به عن محمّد بن حاتمٍ، عن يحيى بن سعيدٍ، به ورواه عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره، عن حاتم بن إسماعيل، عن حميدٍ الخرّاط، به.
وقد قال بأنّه مسجد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم جماعةٌ من السّلف والخلف، وهو مرويٌّ عن عمر بن الخطّاب، وابنه عبد اللّه، وزيد بن ثابتٍ، وسعيد بن المسيّب. واختاره ابن جريرٍ.
وقوله: {لمسجدٌ أسّس على التّقوى من أوّل يومٍ أحقّ أن تقوم فيه فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين} دليلٌ على استحباب الصّلاة في المساجد القديمة المؤسّسة من أوّل بنائها على عبادة اللّه وحده لا شريك له، وعلى استحباب الصّلاة مع جماعة الصّالحين، والعباد العاملين المحافظين على إسباغ الوضوء، والتّنزّه عن ملابسة القاذورات.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، عن شعبة، عن عبد الملك بن عميرٍ، سمعت شبيبًا أبا روحٍ يحدّث عن رجلٍ من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى بهم الصّبح فقرأ بهم الرّوم فأوهم، فلمّا انصرف قال: "إنّه يلبس علينا القرآن، إن أقوامًا منكم يصلّون معنا لا يحسنون الوضوء، فمن شهد الصّلاة معنا فليحسن الوضوء".
ثمّ رواه من طريقين آخرين، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن شبيبٍ أبي روحٍ من ذي الكلاع: أنّه صلّى مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكره فدلّ هذا على أنّ إكمال الطّهارة يسهّل القيام في العبادة، ويعين على إتمامها وإكمالها والقيام بمشروعاتها.
وقال أبو العالية في قوله تعالى: {واللّه يحبّ المطّهّرين} إنّ الطّهور بالماء لحسنٌ، ولكنّهم المطّهّرون من الذّنوب.
وقال الأعمش: التّوبة من الذّنب، والتّطهير من الشّرك.
وقد ورد في الحديث المرويّ من طرقٍ، في السّنن وغيرها، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأهل قباءٍ: "قد أثنى اللّه عليكم في الطّهور، فماذا تصنعون؟ " فقالوا: نستنجي بالماء.
وقد قال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا عبد اللّه بن شبيبٍ، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبد العزيز قال: وجدته في كتاب أبي، عن الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ قال: نزلت هذه الآية في أهل قباءٍ. {فيه رجالٌ يحبّون أن يتطهّروا واللّه يحبّ المطّهّرين} فسألهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: إنّا نتبع الحجارة الماء.
ثمّ قال: تفرّد به محمّد بن عبد العزيز، عن الزّهريّ، ولم يرو عنه سوى ابنه.
قلت: وإنّما ذكرته بهذا اللّفظ لأنّه مشهورٌ بين الفقهاء ولم يعرفه كثيرٌ من المحدّثين المتأخّرين، أو كلّهم، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 210-217]

تفسير قوله تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أفمن أسّس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوانٍ خيرٌ أم من أسّس بنيانه على شفا جرفٍ هارٍ فانهار به في نار جهنّم واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (109) لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم إلا أن تقطّع قلوبهم واللّه عليمٌ حكيمٌ (110)}
يقول تعالى: لا يستوي من أسّس بنيانه على تقوى اللّه ورضوانٍ، ومن بنى مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين، وإرصادًا لمن حارب اللّه ورسوله من قبل، فإنّما بنى هؤلاء بنيانهم {على شفا جرفٍ هارٍ} أي: طرف حفيرة مثاله {في نار جهنّم واللّه لا يهدي القوم الظّالمين} أي: لا يصلح عمل المفسدين.
قال جابر بن عبد اللّه: رأيت المسجد الّذي بني ضرارًا يخرج منه الدّخان على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال ابن جريج ذكر لنا أنّ رجالًا حفروا فوجدوا الدّخان يخرج منه. وكذا قال قتادة.
وقال خلف بن ياسين الكوفيّ: رأيت مسجد المنافقين الّذي ذكره اللّه تعالى في القرآن، وفيه جحرٌ يخرج منه الدّخان، وهو اليوم مزبلة. رواه ابن جريرٍ رحمه اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 217]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (110) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {لا يزال بنيانهم الّذي بنوا ريبةً في قلوبهم} أي: شكًّا ونفاقًا بسبب إقدامهم على هذا الصّنيع الشّنيع، أورثهم نفاقًا في قلوبهم، كما أشرب عابدو العجل حبّه.
وقوله: {إلا أن تقطّع قلوبهم} أي: بموتهم. قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة، وزيد بن أسلم، والسّدّيّ، وحبيب بن أبي ثابتٍ، والضّحّاك، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، وغير واحدٍ من علماء السّلف.
{واللّه عليمٌ} أي: بأعمال خلقه، {حكيمٌ} في مجازاتهم عنها، من خيرٍ وشرٍّ).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 217]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:16 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة