تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيبٍ قال: قرأ رجلٌ من الأنصار فقال: {السابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ}، فقال عمر: والذين اتبعوهم بإحسان، من أقرأك، وتواعده، فقال: رجلٌ من الأنصار، فقال: ائتني به، فجاءه فسأله، فقال: نعم، فقال: من أقرأكها، فقال: أبيّ بن كعبٍ، فانطلق به إلى أبيٍّ، فقال له عمر: إنّ هذا يزعم أنّك أقرأته هذه الآية، فقال أبيٌّ: نعم، سمعتها من رسول اللّه، فقال له عمر: فما منعك أن تخبرني، فقال: فرقت منك، قال عمر: ذلك أجدر ألا تكون من شهداء اللّه). [الجامع في علوم القرآن: 1/27-28]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني سعد بن عبد اللّه المعافري عن أبي معشر عن [القرظي .. .. {السابقون الأوّلون] من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم [بإحسانٍ رضي الله عنهم ورضوا] عنه}، وأخذ [عمر بيده فقال]: من أقرأك بها، قال: أبيّ بن كعبٍ، قال: لا تفارقني حتّى أذهب بك إليه، قال: لمّا جاءه قال عمر: [أنت أقرأت] هذه الآية، قال: نعم، قال: أنت [سمعتها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: نعم، قد] كنت أظنّ أنّا قد رفعنا رفعةً لا يبلغه أحدٌ بعدنا؛ قال: بلى، [تصديق هذه الآية في أوّل سورة الجمعة وأوسط] سورة الحشر، وآخر سورة الأنفال؛ في سورة الجمعة و [ .. = .. ] {والّذين جاءوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين [سبقونا بالإيمان}، وفي سورة الأنفال: {والّذين آمنوا] من بعد وهاجروا وجاهدوا [معكم فأولئك منكم}). [الجامع في علوم القرآن: 2/1-2]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار قال الذين صلوا القبلتين جميعا). [تفسير عبد الرزاق: 1/285]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (100) : قوله تعالى: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ} الآية]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، عن مطرّف، عن الشّعبيّ، قال: المهاجرون الأوّلون: الّذين شهدوا بيعة الرّضوان). [سنن سعيد بن منصور: 5/272]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّاتٍ تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم}.
يقول تعالى ذكره: والّذين سبقوا النّاس أوّلاً إلى الإيمان باللّه ورسوله من المهاجرين الّذين هاجروا قومهم وعشيرتهم وفارقوا منازلهم وأوطانهم، والأنصار الّذين نصروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أعدائه من أهل الكفر باللّه ورسوله. {والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ} يقول: والّذين سلكوا سبيلهم في الإيمان باللّه ورسوله والهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، طلب رضي اللّه، {رضي اللّه عنهم ورضوا عنه}.
واختلف أهل التّأويل في المعنى بقوله: {والسّابقون الأوّلون} فقال بعضهم: هم الّذين بايعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيعة الرّضوان أو أدركوا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا محمّد بن بشرٍ، عن إسماعيل، عن عامرٍ، {والسّابقون الأوّلون} قال: من أدرك بيعة الرّضوان.
- قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن مطرّفٍ، عن عامرٍ، قال: المهاجرون الأوّلون من أدرك البيعة تحت الشّجرة.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا يحيى، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ، قال: المهاجرون الأوّلون الّذين شهدوا بيعة الرّضوان.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، عن مطرّفٍ، عن الشّعبيّ، قال: المهاجرون الأوّلون: من كان قبل البيعة إلى البيعة فهم المهاجرون الأوّلون، ومن كان بعد البيعة فليس من المهاجرين الأوّلين.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا إسماعيل ومطرّفٌ عن الشّعبيّ، قال: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار} هم الّذين بايعوا بيعة الرّضوان.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن داود، عن عامرٍ، قال: فصل ما بين الهجرتين بيعة الرّضوان، وهي بيعة الحديبية.
- حدّثني المثنّى، قال: أخبرنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالدٍ ومطرّفٌ، عن الشّعبيّ، قال: هم الّذين بايعوا بيعة الرّضوان.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا عبثر أبو زبيدٍ، عن مطرّفٍ، عن الشّعبيّ، قال: المهاجرون الأوّلون: من أدرك بيعة الرّضوان.
وقال آخرون: بل هم الّذين صلّوا القبلتين مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن قيسٍ، عن عثمان الثّقفيّ، عن مولًى لأبي موسى، عن أبي موسى، قال: المهاجرون الأوّلون: من صلّى القبلتين مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا قيس بن الرّبيع، عن عثمان بن المغيرة، عن أبي زرعة بن عمرو بن جريرٍ، عن مولى لأبي موسى، قال: سألت أبا موسى الأشعريّ، عن قوله: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار} قال: هم الّذين صلّوا القبلتين جميعًا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبي هلالٍ، عن أبي قتادة، قال: قلت لسعيد بن المسيّب: لم سمّوا المهاجرين الأوّلين؟ قال: من صلّى مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم القبلتين جميعًا، فهو من المهاجرين الأوّلين.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، قال: المهاجرون الأوّلون: الّذين صلّوا القبلتين.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، قوله: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار} قال: هم الّذين صلّوا القبلتين جميعًا.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبّاس بن الوليد، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن بعض، أصحابه، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، وعن أشعث، عن ابن سيرين، في قوله: {والسّابقون الأوّلون} قال: هم الّذين صلّوا القبلتين.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن معاذٍ، قال: حدّثنا ابن عونٍ، عن محمّدٍ، قال: المهاجرون الأوّلون: الّذين صلّوا القبلتين.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار} قال: هم الّذين صلّوا القبلتين جميعًا.
وأمّا الّذين اتّبعوا المهاجرين الأوّلين والأنصار بإحسانٍ، فهم الّذين أسلموا للّه إسلامهم وسلكوا منهاجهم في الهجرة والنّصرة وأعمال الخير؛ كما:
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ، قال: مرّ عمر برجلٍ وهو يقرأ هذه الآية: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ} قال: من أقرأك هذه الآية؟ قال أقرأنيها أبيّ بن كعبٍ. قال: لا تفارقني حتّى أذهب بك إليه فأتاه فقال: أنت أقرأت هذا هذه الآية؟ قال نعم، قال: وسمعتها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: لقد كنت أرانا رفعنا رفعةً لا يبلغها أحدٌ بعدنا. قال: وتصديق ذلك في أوّل الآية الّتي في أوّل الجمعة، وأوسط الحشر، وآخر الأنفال؛ أما أوّل الجمعة: {وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم}، وأوسط الحشر: {والّذين جاءوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان}، وأمّا آخر الأنفال: {والّذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا الحسن بن عطيّة، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: مرّ عمر بن الخطّاب برجلٍ يقرأ: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار}.. حتّى بلغ: {ورضوا عنه} قال: وأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا؟ قال: أبيّ بن كعبٍ. فقال: لا تفارقني حتّى أذهب بك إليه فلمّا جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا؟ قال: نعم، قال: أنت سمعتها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: نعم، قال: لقد كنت أظنّ أنّا رفعنا رفعةً لا يبلغها أحدٌ بعدنا، فقال أبيّ: بلى تصديق هذه الآية في أوّل سورة الجمعة: {وآخرين منهم لمّا يلحقوا بهم} إلى: {وهو العزيز الحكيم}، وفي سورة الحشر: {والّذين جاءوا من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان}، وفي الأنفال: {والّذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم} إلى آخر الآية.
وروي عن عمر، في ذلك ما:
- حدّثني به، أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن هارون، عن حبيب بن الشّهيد، وعن ابن عامرٍ الأنصاريّ، أنّ عمر بن الخطّاب، قرأ: والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار الّذين اتّبعوهم بإحسانٍ فرفع الأنصار ولم يلحق الواو في الّذين، فقال له زيد بن ثابتٍ: والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ، فقال عمر: الّذين اتّبعوهم بإحسانٍ. فقال زيدٌ: أمير المؤمنين أعلم فقال عمر: ائتوني بأبيّ بن كعبٍ فأتاه فسأله عن ذلك، فقال أبيّ: {والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ} فقال عمر: إذًا نتابع أبيًّا.
والقراءة على خفض الأنصار عطفًا بهم على المهاجرين.
وقد ذكر عن الحسن البصريّ أنّه كان يقرأ: الأنصار بالرّفع عطفًا بهم على السّابقين.
والقراءة الّتي لا أستجيز غيرهما الخفض في الأنصار، لإجماع الحجّة من القرّاء عليه، وأنّ السّابق كان من الفريقين جميعًا من المهاجرين والأنصار. وإنّما قصد الخبر عن السّابق من الفريقين دون الخبر عن الجميع، وإلحاق الواو في الّذين اتّبعوهم بإحسانٍ، لأنّ ذلك كذلك في مصاحف المسلمين جميعًا، على أنّ التّابعين بإحسانٍ غير المهاجرين والأنصار. وأمّا السّابقون فإنّهم مرفوعون بالعائد من ذكرهم في قوله: {رضي اللّه عنهم ورضوا عنه}.
ومعنى الكلام: رضي اللّه عن جميعهم لما أطاعوه وأجابوا نبيّه إلى ما دعاهم إليه من أمره ونهيه، ورضي عنه السّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار، والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ لما أجزل لهم من الثّواب على طاعتهم إيّاه وإيمانهم به وبنبيّه عليه الصّلاة والسّلام، وأعدّ لهم جنّاتٍ تجري تحتها الأنهار يدخلونها خالدين فيها لابثين فيها أبدًا لا يموتون فيها ولا يخرجون منها، {ذلك الفوز العظيم}). [جامع البيان: 11/637-642]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ رضي اللّه عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّاتٍ تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم (100)
قوله تعالى السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار
[الوجه الأول]
- حدّثنا حمّاد بن الحسن بن عنبسة حدّثنا أبو داود حدّثنا قيسٌ عن عثمان بن المغيرة عن مولى لأبي موسى عن أبي موسى أنّه سئل عن قوله تعالى: والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار قال: هم الّذين صلّوا القبلتين مع رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو الجماهر ثنا سعيد بن بشيرٍ ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد ابن المسيّب قوله: والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار قال: هم الّذين صلّوا القبلتين جميعًا وهم أهل بدرٍ، وروي عن الشّعبيّ في إحدى الرّوايات وعن الحسن وابن سيرين وقتادة: أنّهم الّذين صلّوا مع النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- القبلتين.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا مسدّدٌ ثنا يحيى القطّان عن إسماعيل بن أبي خالدٍ عن عامرٍ والسّابقون الأوّلون من أدرك بيعة الرّضوان- وروي عن ابن سيرين: مثل ذلك.
قوله تعالى: والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ عن سفيان عن قيسٍ يعني: ابن مسلمٍ عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى قال: كان النّاس على ثلاث منازلٍ: المهاجرون الأولون، والذين اتبعوهم بإحسان... ، والذين جاؤ من بعدهم يقولون ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان فأحسن ما نكون أن نكون بهذه المنزلة.
- حدّثنا أبي ثنا عبيد اللّه بن حمزة بن إسماعيل ثنا إسحاق بن سليمان حدّثنا أبو سنانٍ يعني: ابن سنانٍ الشّيبانيّ عن ابن عبّاسٍ، قال: أتاه رجلٌ فذكر بعض أصحاب محمّدٍ- صلّى اللّه عليه وسلّم- ورضي عنهم كأنه يتنقص بعضهم، فقال ابن عبّاسٍ والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ أمّا أنت فلم تتّبعهم بإحسانٍ.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأنا العبّاس ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة قوله: والذين اتبعوهم بإحسان قال: التّابعون.
الوجه الثّاني:
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى أنبأ ابن وهبٍ حدّثني عبد الرّحمن في قوله: والّذين اتّبعوهم بإحسانٍ من بقي من أهل الإسلام إلى أن تقوم السّاعة.
قوله تعالى: رضي اللّه عنهم ورضوا عنه وأعدّ لهم جنّاتٍ تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا المحاربيّ عن ليثٍ عن عثمان بن عمير أبي اليقظان عن أنسٍ: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- ثمّ يتجلّى لهم الرّبّ تبارك وتعالى- فيقول: سلوني أعطكم، قال: فيسألونه الرّضا، فيقول: رضاي أحلّكم داري وأنالكم كرامتي فسلوني أعطكم قال: فيسألونه الرّضا، قال: فيشهدهم أنّه قد رضي عنهم.
قوله تعالى: ذلك الفوز العظيم.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قوله: ذلك الفوز العظيم يعني: ذلك الثّواب، الفوز العظيم). [تفسير القرآن العظيم: 6/1868-1869]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال إسحاق بن راهويه: ثنا عبدة بن سليمان، ثنا محمّد بن عمرو بن علقمة، ثنا أبو سلمة بن عبد الرّحمن قال: "مرّ عمر بن الخطّاب- رضي اللّه عنه- برجلٍ وهو يقرأ: (والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار ... ) حتّى ختم الآية. فقال عمر: انصرف انصرف. فقال: من أقرأك هذه السّورة؟ فقال: أقرأنيها أبيّ بن كعبٍ. فقال: لا تفارقني حتّى نذهب إليه. فجاء فاستأذن وهو متكىء فأذن له. فقال: زعم هذا أنّك أقرأته آية كذا وكذا. وتلاها عليه، فقال: صدق. فقال عمر لأبيٍّ: أتلقّيتها من فيّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: نعم. فرد عمر ثلاث مرات، كل ذلك يقوله له أبي: نعم. ثمّ قال: إنّي أشهد أنّ اللّه - تعالى- أنزلها على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم جاء بها جبريل- عليه السّلام- من عند اللّه- عزّ وجلّ- لم يؤامر فيها الخطاب، ولا ابنه. قال: فخرج عمر وهو يقول: اللّه أكبر، اللّه أكبر".
هذا إسنادٌ صحيحٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/216-217]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال إسحاق: أخبرنا عبدة بن سليمان، ثنا محمّد بن عمرو بن علقمة، ثنا أبو سلمة بن عبد الرّحمن، قال: مرّ عمر بن الخطّاب رضي الله عنه برجلٍ، وهو يقرأ: {والسّابقون الأوّلون من المهاجرين والأنصار} حتّى ختم الآية، فقال عمر رضي الله عنه: انصرف، انصرف، فقال: من أقرأك هذه السّورة؟ فقال: أقرأنيها أبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه، فقال (رضي الله عنه): لا تفارقني، حتّى نذهب إليه، (فجاء) فاستأذن، وهو متّكئٌ، فأذن له، فقال: زعم هذا أنّك أقرأته آية كذا، وتلاها عليه، فقال: صدق، فقال عمر لأبيٍّ رضي الله عنهما: أتلقّيتها من في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: نعم، (فردّ) عمر رضي الله عنه ثلاث مرّاتٍ، كلّ ذلك يقول له أبيٌّ رضي الله عنه: نعم، ثمّ قال: إنّي أشهد أنّ اللّه تعالى، أنزلها على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، جاء بها جبريل عليه الصلاة والسلام من عند اللّه (تبارك و) تعالى، لم يؤامر فيها الخطّاب ولا ابنه، قال: فخرج عمر رضي الله عنه، وهو يقول: اللّه أكبر، اللّه أكبر). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/686]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 100.
أخرج أبو عبيد وسنيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن حبيب الشهيد عن عمرو بن عامر الأنصاري، أن عمر بن الخطاب قرأ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان فرفع الأنصار ولم يلحق الواو في الذين فقال له زيد بن ثابت: والذين، فقال عمر: الذين، فقال زيد: أمير المؤمنين أعلم، فقال عمر رضي الله عنه: ائتوني بأبي بن كعب فأتاه فسأله عن ذلك فقال أبي: والذين، فقال عمر رضي الله عنه: فنعم إذن فتابع أبيا.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب القرظي قال: مر عمر رضي الله عنه برجل يقرأ {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} فأخذ عمر بيده فقال: من أقرأك هذا قال: أبي بن كعب، قال: لا تفارقني حتى أذهب بك إليه فلما جاءه قال عمر: أنت أقرأت هذا هذه الآية هكذا قال: نعم، قال: وسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، قال: لقد كنت أرى أنا رفعنا رفعة لا يبلغها أحد بعدنا فقال أبي: تصديق ذلك في أول سورة الجمعة (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم) (الجمعة آية 3) وفي سورة الحشر (والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا في الإيمان) (الحشر آية 10) وفي الأنفال (والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم) (الأنفال آية 75).
وأخرج أبو الشيخ عن أبي أسامة ومحمد بن إبراهيم التميمي قالا: مر عمر بن الخطاب برجل وهو يقرأ {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان} فوقف عمر فلما انصرف الرجل قال: من أقرأك هذه قال: أقرأنيها أبي بن كعب، قال: فانطلق إليه فانطلقا إليه فقال: يا أبا المنذر أخبرني هذا أنك أقرأته هذه الآية، قال: صدق تلقيتها من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عمر: أنت تلقيتها من في رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال في الثالثة وهو غضبان: نعم، والله لقد أنزلها الله على جبريل عليه السلام وأنزلها جبريل عليه السلام على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ولم يستأمر فيها الخطاب ولا ابنه، فخرج عمر رافعا يديه وهو يقول: الله أكبر الله أكبر.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وأبو نعيم في المعرفة عن أبي موسى، أنه سئل عن قوله {والسابقون الأولون} قالوا: هم الذين صلوا القبلتين جميعا.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة عن سعيد بن المسيب في قوله {والسابقون الأولون} قال: هم الذين صلوا القبلتين جميعا.
وأخرج ابن المنذر وأبو نعيم عن الحسن ومحمد بن سيرين في قوله {والسابقون الأولون} قالوا: هم الذين صلوا القبلتين جميعا وهم أهل بدر.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس {والسابقون الأولون من المهاجرين} قال: أبو بكر وعمر وعلي وسلمان وعمار بن ياسر.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه وأبو الشيخ وأبو نعيم في المعرفة عن الشعبي في قوله {والسابقون الأولون} قال: من أدرك بيعة الرضوان وأول من بايع بيعة الرضوان سنان بن وهب الأسدي.
وأخرج ابن مردويه عن غيلان بن جرير قال: قلت لأنس بن مالك هذا الاسم الأنصار أنتم سيتموه أنفسكم أو الله تعالى سماكم من السماء قال: الله تعالى سمانا من السماء.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والنسائي عن معاوية بن أبي سفيان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحب الأنصار أحبه الله ومن أبغض الأنصار أبغضه الله.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار.
وأخرج أحمد عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأزواج الأنصار ولذراري الأنصار الأنصار كرشي وعيبتي ولو أن الناس أخذوا شعبا وأخذت الأنصار شعبا لأخذت شعب الأنصار ولولا الهجرة كنت إمرأ من الأنصار.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد عن الحارث بن زياد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحب الأنصار أحبه الله حين يلقاه ومن أبغض الأنصار أبغضه الله حين يلقاه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن قيس بن سعد بن عبادة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال اللهم صل على الأنصار وعلى ذرية الأنصار وعلى ذرية ذرية الأنصار.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو سلك الناس واديا وشعبا وسلكتم واديا وشعبا لسلكت واديكم وشعبكم أنتم شعار والناس دثار ولولا الهجرة لكنت إمرأ من الأنصار ثم رفع يديه حتى إني لأرى بياض إبطيه فقال: اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن ماجة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق ومن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله.
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إن عيبتي التي آوي إليها أهل بيتي وإن كرشي الأنصار فاعفوا عن مسيئهم واقبلوا من محسنهم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذا الحي من الأنصار حبهم إيمان وبغضهم نفاق.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أنس رضي الله عنه سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولنساء الأنصار ولنساء أبناء الأنصار ولنساء أبناء أبناء الأنصار.
وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وحسنه والنسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن رفاعة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم اغفر للأنصار ولذراري الأنصار ولذراري ذراريهم ولمواليهم ولجيرانهم.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار موالي الله ورسوله لا مولى لهم غيره.
وأخرج ابن أبي شيبة ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر.
وأخرج الطبراني عن السائب بن يزيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم الفيء الذي أفاء الله بحنين في أهل مكة من قريش وغيرهم فغضبت الأنصار فأتاهم فقال: يا معشر الأنصار قد بلغني من حديثكم في هذه المغانم التي آثرت بها أناسا أتألفهم على الإسلام لعلهم أن يشهدوا بعد اليوم وقد أدخل الله قلوبهم الإسلام يا معشر الأنصار ألم يمن الله عليكم بالإيمان وخصكم بالكرامة وسماكم بأحسن الأسماء أنصار الله وأنصار رسوله ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس واديا وسلكتم واديا لسلكت واديكم، أفلا ترضون أن يذهب الناس بهذه الغنائم والشاء والنعم والبعير وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: رضينا، فقال: أجيبوني فيما قلت، قالوا: يا رسول الله وجدتنا في ظلمة فأخرجنا الله بك إلى النور ووجدتنا على شفا حفرة من النار فأنقذنا الله بك ووجدتنا ضلالا فهدانا الله بك، فرضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، فقال: أما والله لو أجبتموني بغير هذا القول لقلت صدقتم لو قلت ألم تأتنا طريدا فآويناك ومكذبا فصدقناك ومخذولا فنصرناك وقبلنا ما رد الناس عليك لو قلتم هذا لصدقتم، قالوا: بل لله ورسوله المن والفضل علينا وعلى غيرنا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه قال: كان الناس على ثلاث منازل، المهاجرون الأولون والذين اتبعوهم بإحسان والذين جاؤوا من بعدهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، فأحسن ما يكون أن يكون بهذه المنزلة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه أتاه رجل فذكر بعض الصحابة فتنقصه فقال ابن عباس {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان}
وأخرج عن ابن زيد في قوله {والذين اتبعوهم بإحسان} قال: من بقي من اهل الإسلام إلى أن تقوم الساعة.
وأخرج أبو الشيخ عن عصمة رضي الله عنه قال: سألت سفيان عن التابعين قال: هم الذين أدركوا أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يدركوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم سألته عن الذين اتبعوهم بإحسان قال: من يجيء بعدهم، قلت: إلى يوم القيامة قال: أرجو.
وأخرج أبو الشيخ، وابن عساكر عن أبي صخر حميد بن زياد قال: قلت لمحمد بن كعب القرظي رضي الله عنه: أخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما أريد الفتن فقال: إن الله قد غفر لجميع أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم قلت له: وفي أي موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابهم قال: ألا تقرأ {والسابقون الأولون} الآية، أوجب لجميع أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم الجنة والرضوان وشرط على التابعين شرطا لم يشترطه فيهم قلت: وما اشترط عليهم قال: اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان، يقول: يقتدون بهم في أعمالهم الحسنة ولا يقتدون بهم في غير ذلك، قال أبو صخر: لكأني لم أقرأها قبل ذلك وما عرفت تفسيرها حتى قرأها علي محمد بن كعب
وأخرج ابن مردويه من طريق الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير والقاسم ومكحول وعبدة بن أبي لبابة وحسان بن عطية، أنهم سمعوا جماعة من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقولون لما أنزلت هذه الآية {والسابقون الأولون} إلى قوله {ورضوا عنه} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا لأمتي كلهم وليس بعد الرضا سخط). [الدر المنثور: 7/493-502]