العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 03:01 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة التوبة [ الآيتين (73) ، (74) ]

تفسير سورة التوبة
[ الآيتين (73) ، (74) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 03:02 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الحسن في قوله تعالى جاهد الكفار والمنافقين بالحدود أقم عليهم حدود الله). [تفسير عبد الرزاق: 1/283]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنّم وبئس المصير}.
يقول تعالى ذكره: يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار بالسّيف والسّلاح والمنافقين.
واختلف أهل التّأويل في صفة الجهاد الّذي أمر اللّه نبيّه به في المنافقين، فقال بعضهم: أمره بجهادهم باليد واللّسان، وبكلّ ما أطاق جهادهم به.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حميد بن عبد الرّحمن، ويحيى بن آدم، عن حسن بن صالحٍ، عن عليّ بن الأقمر، عن عمرو بن جندبٍ، عن ابن مسعودٍ، في قوله تعالى: {جاهد الكفّار والمنافقين} قال: بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، فإن لم يستطع فليكفهرّ في وجهه.
وقال آخرون: بل أمره بجهادهم باللّسان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله تعالى: {يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم} فأمره اللّه بجهاد الكفّار بالسّيف والمنافقين باللّسان، وأذهب الرّفق عنهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثني الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {جاهد الكفّار والمنافقين} قال: الكفّار بالقتال، والمنافقين: أن تغلظ عليهم بالكلام.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم} يقول: جاهد الكفّار بالسّيف، واغلظ على المنافقين بالكلام، وهو مجاهدتهم.
وقال آخرون: بل أمره بإقامة الحدود عليهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن: {جاهد الكفّار والمنافقين} قال: جاهد الكفّار بالسّيف، والمنافقين بالحدود، أقم عليهم حدود اللّه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم} قال: أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يجاهد الكفّار بالسّيف، ويغلظ على المنافقين في الحدود.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصّواب ما قال ابن مسعودٍ من أنّ اللّه أمر نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم من جهاد المنافقين، بنحو الّذي أمره به من جهاد المشركين.
فإن قال قائلٌ: فكيف تركهم صلّى اللّه عليه وسلّم مقيمين بين أظهر أصحابه مع علمه بهم؟
قيل: إنّ اللّه تعالى ذكره إنّما أمر بقتال من أظهر منهم كلمة الكفر، ثمّ أقام على إظهاره ما أظهر من ذلك. وأمّا من إذا اطّلع عليه منهم أنّه تكلّم بكلمة الكفر وأخذ بها، أنكرها ورجع عنها وقال: إنّي مسلمٌ، فإنّ حكم اللّه في كلّ من أظهر الإسلام بلسانه، أن يحقن بذلك له دمه وماله وإن كان معتقدًا غير ذلك، وتوكّل هو جلّ ثناؤه بسرائرهم، ولم يجعل للخلق البحث عن السّرائر، فلذلك كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مع علمه بهم واطّلاع اللّه إيّاه على ضمائرهم واعتقاد صدورهم، كان يقرّهم بين أظهر الصّحابة، ولا يسلك بجهادهم مسلك جهاد من قد ناصبه الحرب على الشّرك باللّه؛ لأنّ أحدهم كان إذا اطّلع عليه أنّه قد قال قولاً كفر فيه باللّه ثمّ أخذ به أنكره، وأظهر الإسلام بلسانه، فلم يكن صلّى اللّه عليه وسلّم يأخذه إلاّ بما أظهر له من قوله عند حضوره إيّاه وعزمه على إمضاء الحكم فيه، دون ما سلف من قولٍ كان نطق به قبل ذلك، ودون اعتقاد ضميره الّذي لم يبح اللّه لأحدٍ الأخذ به في الحكم وتولّى الأخذ به هو دون خلقه.
وقوله: {واغلظ عليهم} يقول تعالى ذكره: واشدد عليهم بالجهاد والقتال والإرهاب.
وقوله: {ومأواهم جهنّم} يقول: ومساكنهم جهنّم وهي مثواهم ومأواهم. {وبئس المصير} يقول: وبئس المكان الّذي يصار إليه جهنّم). [جامع البيان: 11/565-568]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنّم وبئس المصير (73)
قوله تعالى: يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار
[الوجه الأول]
- (*) حدّثنا أبي ثنا عليّ بن زنجة ثنا يحيى بن آدم، ثنا حسن بن صالحٍ عن عليّ بن الأقمر عن عمرو بن أبي جندبٍ عن عبد اللّه بن مسعودٍ في قوله: جاهد الكفّار والمنافقين قال: بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وليلقه بوجهٍ مكفهرٍ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ في قوله: يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين قال: فأمره اللّه أن يجاهد الكفّار بالسّيف- وروي عن الحسن والضّحّاك وقتادة ومقاتل بن حيّان والرّبيع بن أنسٍ: مثله.
قوله تعالى: والمنافقين
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا نصر بن عليٍّ أنبأ زياد بن الرّبيع اليحمديّ عن حوشبٍ عن الحسن في قوله: جاهد الكفّار والمنافقين قال: المنافقين بالحدود- وروي عن قتادة: مثله.
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع قوله: يا أيّها النبي جاهد الكفار والمنافقين قال: جهاد المنافقين: ألا تظهر منهم معصيةٌ إلا أطفيت، ولا حدا إلا أقيم.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: جاهد الكفّار والمنافقين فأمره بجهاد المنافقين باللّسان.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو معاوية عن جويبرٍ عن الضّحّاك جاهد الكفّار والمنافقين قال: جاهد المنافقين بالقول- وروي عن مقاتل بن حيّان والرّبيع بن أنسٍ: مثله.
قوله تعالى: واغلظ عليهم
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: واغلظ عليهم يقول: أذهب الرّفق عنهم.
- حدّثنا أبي ثنا عبد العزيز بن منيبٍ ثنا أبو معاذٍ النّحويّ ثنا عبيد بن سليمان عن الضّحّاك قوله: واغلظ عليهم قال: واغلظ على المنافقين بالكلام.
قوله تعالى: ومأواهم (جهنم) النار
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: ومأواهم (جهنّم) النار أي: فلا تظنّوا أنّ لهم عاقبة نصرٍ ولا ظهور عليكم، ما اعتصمتم بي، واتّبعتم أمري، للمعصية الّتي أصابتكم منهم بذنوبٍ قدّمتموها لأنفسكم.
قوله: وبئس المصير
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ قوله: وبئس المصير قال: مصير الكافر إلى النّار، قال ابن أبي نجيحٍ: سمعته من عكرمة فعرضته على مجاهدٍ فلم ينكره). [تفسير القرآن العظيم: 6/1841-1842]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال مسدّدٌ: ثنا جعفر بن سليمان عن المعلى بن زياد، سمعت الحسن: {يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين} قال: جهاد الكفّار بالسّيف، وجهاد المنافقين باللّسان). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/705]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 73.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله {يا أيها النّبيّ جاهد الكفار} قال: بالسيف
{والمنافقين} قال: باللسان {واغلظ عليهم} قال: أذهب الرفق عنهم.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا في كتاب الأمر بالمعروف، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله {جاهد الكفار والمنافقين} قال: بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وليلقه بوجه مكفهر.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال: لما نزلت {يا أيها النّبيّ جاهد الكفار والمنافقين} أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجاهد بيده فإن لم يستطع فقلبه فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فليلقه بوجه مكفهر.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله {جاهد الكفار} قال: بالسيف {والمنافقين} بالقول باللسان {واغلظ عليهم} قال: على الفريقين جميعا ثم نسخها فأنزل بعدها (قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة) (التوبة الآية 123).
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجاهد الكفار بالسيف ويغلظ على المنافقين في الحدود). [الدر المنثور: 7/442-443]

تفسير قوله تعالى: (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (سمعت هشام بن سعد يحدث عن زيد بن أسلم أن رجلا من المنافقين قال يوما: لئن كان ما يقول حقا، يريد رسول الله، لنحن أشر من الحمير؛ فقال له رجل من الأنصار: والله، إنه لصادق، وإن ما يقول حقا، وإنك لأشر من الحمار؛ فقال: فنزل القرآن: {ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا}). [الجامع في علوم القرآن: 2/36-37]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر قال نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول). [تفسير عبد الرزاق: 1/283]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (74) : قوله تعالى: {وما نقموا إلّا أن أغناهم الله ورسوله من فضله} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة، قال: قتل رجلٌ مولًى لبني عديّ بن كعبٍ رجلًا من الأنصار، فقضى له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وفيه نزلت {وما نقموا إلّا أن أغناهم الله ورسوله من فضله}). [سنن سعيد بن منصور: 5/259-260]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا وما نقموا إلاّ أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرًا لّهم وإن يتولّوا يعذّبهم الله عذابًا أليمًا في الدّنيا والآخرة وما لهم في الأرض من وليٍّ ولا نصيرٍ}.
اختلف أهل التّأويل في الّذي نزلت فيه هذه الآية، والقول الّذي كان قاله، الّذي أخبر اللّه عنه أنّه يحلف باللّه ما قاله. فقال بعضهم: الّذي نزلت فيه هذه الآية: الجلاس بن سويد بن الصّامت.
وكان القول الّذي قاله ما:
- حدّثنا به ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه: {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} قال: نزلت في الجلاس بن سويد بن الصّامت، قال: إن كان ما جاء به محمّدٌ حقًّا، لنحن أشرّ من الحمير، فقال له ابن امرأته: واللّه يا عدوّ اللّه، لأخبرنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما قلت، فإنّي إن لا أفعل أخاف أن تصيبني قارعةٌ وأؤاخذ بخطيئتك، فدعا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الجلاس، فقال: يا جلاس أقلت كذا وكذا؟ فحلف ما قال، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا وما نقموا إلاّ أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو معاوية الضّرير، عن هشام بن عروة عن أبيه، قال: نزلت هذه الآية: {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} في الجلاس بن سويد بن الصّامت، أقبل هو وابن امرأته مصعبٌ من قباء، فقال الجلاس: إن كان ما جاء به محمّدٌ حقًّا، لنحن أشرّ من حميرنا هذه الّتي نحن عليها، فقال مصعبٌ: أما واللّه يا عدوّ اللّه لأخبرنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما قلت، فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وخشيت أن ينزل في القرآن أو تصيبني قارعةٌ أو أن أخلط، قلت: يا رسول اللّه أقبلت أنا والجلاس من قباء، فقال كذا وكذا، ولولا مخافة أن أؤاخذ بخطيئةٍ أو تصيبني قارعةٌ ما أخبرتك، قال: فدعا الجلاس، فقال له: يا جلاس أقلت الّذي قال مصعبٌ؟ قال: فحلف، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان الّذي قال تلك المقالة فيما بلغني الجلاس بن سويد بن الصّامت، فرفعها عنه رجلٌ كان في حجره يقال له عمير بن سعيدٍ، فأنكر، فحلف باللّه ما قالها، فلمّا نزل فيه القرآن تاب ونزع وحسنت توبته فيما بلغني.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {كلمة الكفر} قال أحدهم: لئن كان ما يقول محمّدٌ حقًّا لنحن شرٌّ من الحمير، فقال له رجلٌ من المؤمنين: أنّ ما قال لحقٌّ ولأنت شرٌّ من حمارٍ، قال: فهمّ المنافقون بقتله، فذلك قوله: {وهمّوا بما لم ينالوا}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه.
- قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثني أيّوب بن إسحاق بن إبراهيم، قال: حدّثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، قال: حدّثنا إسرائيل، عن سماكٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسًا في ظلّ شجرةٍ، فقال: إنّه سيأتيكم إنسانٌ فينظر إليكم بعيني شيطانٍ، فإذا جاء فلا تكلّموه فلم يلبث أن طلع رجلٌ أزرق، فدعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فانطلق الرّجل فجاء بأصحابه، فحلفوا باللّه ما قالوا وما فعلوا حتّى تجاوز عنهم، فأنزل اللّه: {يحلفون باللّه ما قالوا} ثمّ نعتهم جميعًا، إلى آخر الآية.
وقال آخرون: بل نزلت في عبد اللّه بن أبيٍّ ابن سلول، قالوا: والكلمة الّتي قالها ما:
- حدّثنا به بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يحلفون باللّه ما قالوا} إلى قوله: {من وليٍّ ولا نصيرٍ} قال: ذكر لنا أنّ رجلين اقتتلا، أحدهما من جهينة والآخر من غفارٍ، وكانت جهينة حلفاء الأنصار. وظهر الغفاريّ على الجهنيّ، فقال عبد اللّه بن أبيٍّ للأوس: انصروا أخاكم، فواللّه ما مثلنا ومثل محمّدٍ إلاّ كما قال القائل: سمّن كلبك يأكلك، وقال: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} فسعى بها رجلٌ من المسلمين إلى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فأرسل إليه فسأله، فجعل يحلف باللّه ما قاله، فأنزل اللّه تبارك وتعالى: {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر}.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} قال: نزلت في عبد اللّه بن أبيٍّ ابن سلول.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنّ اللّه تعالى أخبر عن المنافقين أنّهم يحلفون باللّه كذبًا على كلمة كفرٍ تكلّموا بها أنّهم لم يقولوها. وجائزٌ أن يكون ذلك القول ما روي عن عروة أنّ الجلاس قاله، وجائزٌ أن يكون قائله عبد اللّه بن أبيٍّ ابن سلول. والقول ما ذكره قتادة عنه أنّه قال، ولا علم لنا بأنّ ذلك من أيٍّ؛ إذ كان لا خبر بأحدهما يوجب الحجّة ويتوصّل به إلى يقين العلم به، وليس ممّا يدرك علمه بفطرة العقل، فالصّواب أن يقال فيه كما قال اللّه جلّ ثناؤه: {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم}.
وأمّا قوله: {وهمّوا بما لم ينالوا} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في الّذي كان همّ بذلك وما الشّيء الّذي كان همّ به. فقال بعضهم: هو رجلٌ من المنافقين، وكان الّذي همّ به قتل ابن امرأته الّذي سمع منه ما قال وخشي أن يفشيه عليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: همّ المنافق بقتله، يعني قتل المؤمن الّذي قال له: أنت شرٌّ من الحمار. فذلك قوله: {وهمّوا بما لم ينالوا}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ به.
وقال آخرون: كان الّذي همّ رجلاً من قريشٍ، والّذي همّ به قتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا شبلٌ، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وهمّوا بما لم ينالوا} قال: رجلٌ من قريشٍ همّ بقتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقال له الأسود.
قال آخرون: الّذي همّ عبد اللّه بن أبيٍّ ابن سلول، وكان همّه الّذي لم ينله قوله: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ}. من قول قتادة، وقد ذكرناه.
وقوله: {وما نقموا إلاّ أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله} ذكر لنا أنّ المنافق الّذي ذكر اللّه عنه أنّه قال كلمة الكفر كان فقيرًا، فأغناه اللّه بأن قتل له مولًى، فأعطاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ديته. فلمّا قال ما قال، قال اللّه تعالى: {وما نقموا} يقول: ما أنكروا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شيئًا {إلاّ أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه: {وما نقموا إلاّ أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله} وكان الجلاس قتل له مولًى له، فأمر له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بديته، فاستغنى، فذلك قوله: {وما نقموا إلاّ أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله}.
- قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرٍو، عن عكرمة، قال: قضى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالدّية اثني عشر ألفًا في مولًى لبني عديّ بن كعبٍ وفيه أنزلت هذه الآية: {وما نقموا إلاّ أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وما نقموا إلاّ أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله} قال: كانت لعبد اللّه بن أبيٍّ ديةٌ، فأخرجها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم له.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، عن سفيان، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: سمعت عكرمة: أنّ مولًى، لبني عديّ بن كعبٍ قتل رجلاً من الأنصار، فقضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالدّية اثني عشر ألفًا، وفيه أنزلت: {وما نقموا إلاّ أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله} قال عمرٌو: لم أسمع هذا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلاّ من عكرمة، يعني الدّية اثني عشر ألفًا.
- حدّثنا صالح بن مسمارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن سنانٍ العوقيّ، قال: حدّثنا محمّد بن مسلمٍ الطّائفيّ، عن عمرو بن دينارٍ، عن عكرمة مولى ابن عبّاسٍ، عن ابن عبّاسٍ: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم جعل الدّية اثني عشر ألفًا، فذلك قوله: {وما نقموا إلاّ أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله} قال: بأخذ الدّية.
وأمّا قوله: {فإن يتوبوا يك خيرًا لهم} يقول تعالى ذكره: فإن يتب هؤلاء القائلون كلمة الكفر من قيلهم الّذي قالوه فرجعوا عنه، يك رجوعهم وتوبتهم من ذلك خيرًا لهم من النّفاق. {وإن يتولّوا} يقول: وإن يدبروا عن التّوبة فيأبوها، ويصرّوا على كفرهم {يعذّبهم اللّه عذابًا أليمًا} يقول: يعذّبهم عذابًا موجعًا في الدّنيا، إمّا بالقتل، وإمّا بعاجل خزي لهم فيها، ويعذّبهم في الآخرة بالنّار.
وقوله: {وما لهم في الأرض من وليٍّ ولا نصيرٍ} يقول: وما لهؤلاء المنافقين إن عذّبهم اللّه في عاجل الدّنيا، من وليٍّ يواليه على منعه من عقاب اللّه، ولا نصيرٍ ينصره من اللّه، فينقذه من عقابه وقد كانوا أهل عزٍّ ومنعةٍ بعشائرهم وقومهم يمتنعون بهم ممّن أرادهم بسوءٍ، فأخبر جلّ ثناؤه أنّ الّذين كانوا يمنعونهم ممّن أرادهم بسوءٍ من عشائرهم وحلفائهم، لا يمنعونهم من اللّه ولا ينصرونهم منه إذا احتاجوا إلى نصرهم.
وذكر أنّ الّذي نزلت فيه هذه الآية تاب ممّا كان عليه من النّفاق.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه: {فإن يتوبوا يك خيرًا لهم} قال: قال الجلاس: قد استثنى اللّه لي التّوبة، فأنا أتوب، فقبل منه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه: {فإن يتوبوا يك خيرًا لهم} الآية، فقال الجلاس: يا رسول اللّه إنّي أرى اللّه قد استثنى لي التّوبة، فأنا أتوب، فتاب، فقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منه). [جامع البيان: 11/569-576]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا وما نقموا إلّا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرًا لهم وإن يتولّوا يعذّبهم اللّه عذابًا أليمًا في الدّنيا والآخرة وما لهم في الأرض من وليٍّ ولا نصيرٍ (74)
قوله تعالى: يحلفون باللّه ما قالوا.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يعقوب بن حميد بن كاسبٍ ثنا محمّد بن فليحٍ عن موسى بن عقبة عن عبد اللّه بن الفضل عن أنس بن مالكٍ قال: سمع زيد بن أرقم رجلا من المنافقين يقول: والنّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- يخطب لئن كان هذا صادقًا، لنحن أشرّ من الحمير ثمّ رفع ذلك إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- فجحد القائل فأنزل اللّه تعالى: يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم فكان ما أنزل من هذه الآية تصديقًا لقول زيدٍ.
قوله تعالى: ولقد قالوا كلمة الكفر.
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع ثنا عبد اللّه بن إدريس قال: ابن إسحاق: فحدّثني الزّهريّ عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ عن أبيه عن جدّه كعبٍ قال: لمّا نزل القرآن فيه ذكر المنافقين وما قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-، قال الجلاس: واللّه لئن كان هذا الرّجل صادقًا لنحن أشرّ من الحمير، قال: فسمعها عمير بن سعدٍ فقال: واللّه يا جلاس، إنّك لأحبّ النّاس إليّ، أحسنهم عندي أثرًا أو أعزّهم عليّ أن يدخل عليه شيءٌ يكرهه، ولقد قلت: مقالةً لئن ذكرتها لتفضحنّك، ولئن سكت عنها لتهلكنّي، ولأحدهما أشرّ عليّ من الأخرى، فمشى إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- فذكر له ما قال الجلاس، فحلف باللّه ما قال عمير، ولقد كذب عليّ، فأنزل اللّه: يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم
قوله تعالى: وكفروا بعد إسلامهم.
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ محمّد بن عمرٍو زنيجٌ أنبأ سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: فيما ثنا محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قال: كان الجلاس بن سويد بن الصّامت ممّن تخلّف عن رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- في غزوة تبوك، وقال: لئن كان هذا الرّجل صادقًا لنحن أشهر من الحمر، فرفع عمير بن سعدٍ إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- باللّه لقد كذب عليّ عميرٌ وما قلت: ما قال عمير بن سعدٍ، فأنزل اللّه تعالى فيه يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا فزعموا أنّه تاب وحسنت توبته، حتّى عرف منه الإسلام والخير.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة قوله: يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر إلى قوله: وما لهم في الأرض من وليٍّ ولا نصيرٍ قال: ذكر لنا أنّ رجلين اقتتلا، أحدهما من جهينة، والآخر من غفار، وكانت جهينة حلفاء الأنصار فظهر الغفاريّ على الجهنيّ فنادى عبد اللّه بن أبيٍّ: يا بني أوسٍ، انصروا أخاكم، وقال: واللّه ما مثلنا ومثل محمّدٍ إلا كما قال القائل: سمّن كلبك يأكلك، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ فسعى بها رجلٌ من المسلمين إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- فأرسل نبيّ اللّه- صلّى الله عليه وسلّم- فسأله فحلف باللّه ما قالوا فأنزل اللّه في ذلك القرآن يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا.
والوجه الثّالث:
- ذكره أحمد بن محمّد بن أبي أسلم ثنا إسحاق بن راهويه أنبأ محمّد بن...
يرصدون إذا قدم أبو عامرٍ أن يصلّي فيه وكان قد خرج من المدينة محاربا لله- ق إ وكفروا بعد إسلامهم وهم الّذين أرادوا أن يدفعوا النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- ليلة العقبة وكانوا قومًا قد أجمعوا على أن يقتلوا رسول اللّه- صلّى الله عليه وسلّم- وهم معه في بعض أسفاره فجعلوا يلتمسون غرّته حتّى أخذ في عقبةٍ فتقدّم بعضهم وتأخّر بعضهم وذلك ليلًا، قالوا: إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي، فسمع حذيفة وهو يسوق بالنّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- فكان قائده تلك اللّيلة عمّار بن ياسرٍ، وسائقه حذيفة بن اليمان فسمع حذيفة وقع أخفاف الإبل، فالتفت فإذا هو بقومٍ متلثّمين، فقال: إليكم إليكم يا أعداء اللّه فأمسكوا، ومضى النّبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- حتّى نزل منزله الّذي أراد فلمّا أصبح أرسل إليهم كلّهم، فقال: أردتم كذا وكذا، فحلفوا باللّه ما قالوا، ولا أرادوا الّذي سألهم عنه فذلك قوله: يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا.
قوله تعالى: وهمّوا بما لم ينالوا.
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن عبادة بن البختريّ الواسطيّ ثنا يزيد ثنا حمّاد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال: أنزل اللّه وهمّوا بما لم ينالوا قال: وكان الجلاس اشترى فرسًا ليقتل النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم-.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن المبارك عن شريكٍ عن جابرٍ عن مجاهدٍ عن ابن عبّاسٍ وهمّوا بما لم ينالوا قال: همّ رجلٌ يقال له: الأسود بقتل محمّدٍ- صلّى اللّه عليه وسلّم-.
والوجه الثّالث:
- بدالر حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، قوله: كلمة الكفر قال أحدهم: لئن كان ما يقول محمّدٌ حقًّا لنحن أشرّ من الحمير، فقال له رجل من المؤمنين: فو الله إنّما يقول الحقّ، ولأنت أشرّ من حمارٍ، فهمّ بقتله المنافق، فذلك همّهم بما لم ينالوا.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا إسماعيل بن إبراهيم الواسطيّ ثنا محمّد بن يزيد عن إسماعيل عن السّدّيّ وهمّوا بما لم ينالوا قال: أرادوا أن يتوّجوا عبد اللّه بن أبيٍّ، قالوا: وإن لم يرض محمّدٌ- صلّى اللّه عليه وسلّم-.
قوله تعالى: وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن الحسن البغداديّ ثنا محمّد بن سنانٍ ثنا محمّد بن مسلم الطّائفيّ عن عمرو بن دينارٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- جعل الدّية اثنى عشر ألفًا وذلك قوله: وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله قال: بأخذهم الدّية.
- حدّثنا أبي ثنا يسرة بن صفوان ثنا محمّد بن مسلمٍ الطّائفيّ عن عمرو بن دينارٍ قال: سمعت عكرمة يقول: قتل رجلٌ من بني عديّ بن كعبٍ رجلا من الأنصار، فقضى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- في ديّته باثني عشر ألف درهمٍ، قال: فقال اللّه- عزّ وجلّ- وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله يعني: ما أخذوا من الدية.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة قوله: وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله قال: كانت لعبد اللّه بن أبيّ ديةٌ فأخرجها رسول اللّه- صلّى الله عليه وسلّم- له.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا الحكم بن موسى ثنا عبّاد بن عبّادٍ المهلّبيّ عن هشام بن عروة عن أبيه وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله قال: كان جلاس تحمّل حمالةً أو كان عليه دينٌ، فأدّى عنه رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- فذلك قوله: وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه (ورسوله) من فضله.
قوله تعالى: فإن يتوبوا يك خيرًا لهم
- حدّثنا أبي، ثنا الحكم بن موسى ثنا عبّاد بن عبّادٍ المهلّبيّ عن هشام بن عروة عن أبيه فإن يتوبوا يك خيرًا لهم وقد كان جلاس بن سويدٍ الأنصاريّ قال صدق عمير بن سعدٍ واللّه يا رسول اللّه، يعني: فيما كان أدّى عنه إلى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- من قوله: إن كان الّذي يقول محمّدٌ حقا فإنّه أشرّ من الحمار- وما كان حلف إنّه لم يقله-، فقال: قد قلت يا رسول اللّه، وقد عرض اللّه عليّ التّوبة، وإنّي أتوب إلى اللّه وأستغفره من قولي فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- لعميرٍ: وفّت أذنك، وصدّقك ربّك.
قوله تعالى: وإن يتولّوا يعذّبهم اللّه عذابًا أليمًا في الدّنيا والآخرة وما لهم في الأرض من وليٍّ ولا نصير
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: قوله: وإن يتولّوا قال: على كفرهم). [تفسير القرآن العظيم: 6/1842-1846]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولقد قالوا كلمة الكفر قال: قال رجل من المنافقين لئن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير فقال له رجل من المؤمنين والله إن ما يقول محمد حق ولأنت شر من حمار فهم المنافق بقتل المؤمن فذلك همهم بما لم ينالوا). [تفسير مجاهد: 284]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وهمّوا بما لم ينالوا} [التوبة: 74].
- عن ابن عبّاسٍ في قوله - عزّ وجلّ -: {وهمّوا بما لم ينالوا} [التوبة: 74] قال: همّ رجلٌ يقال له الأسود بقتل رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم.
رواه الطّبرانيّ في الأوسط، وفيه عطاء بن السّائب، وقد اختلط). [مجمع الزوائد: 7/31]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 74.
أخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك قال لما نزل القرآن فيه ذكر المنافقين قال الجلاس: والله لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير، فسمعه عمير بن سعد فقال: والله يا جلاس إنك لأحب الناس إلي وأحسنهم عندي أشرا وأعزهم علي أن يدخل عليه شيء يكرهه ولقد قلت مقالة لئن ذكرتها لتفضحنك ولئن سكت عنها لتهلكني ولأحدهما أشد علي من الأخرى، فمشى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ما قال فأتى الجلاس فجعل يحلف بالله ما قال ولقد كذب على عمير فأنزل الله {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال كان الجلاس بن سويد بن الصامت ممن تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وقال: لئن كان هذا الرجل صادقا لنحن شر من الحمير، فرفع عمير بن سعد مقالته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلف الجلاس بالله لقد كذب علي وما قلت، فأنزل الله {يحلفون بالله ما قالوا} الآية، فزعموا أنه تاب وحسنت توبته.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال سمع زيد بن أرقم رضي الله عنه رجلا من المنافقين يقول - والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب -: إن كان هذا صادقا لنحن شر من الحمير، فقال
زيد رضي الله عنه: هو - والله - صادق ولأنت أشر من الحمار فرفع ذلك إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فجحد القائل فأنزل الله {يحلفون بالله ما قالوا} الآية، فكانت الآية في تصديق زيد
وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل شجرة فقال: إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان فإذا جاء فلا تكلموه فلم يلبثوا إلا أن طلع رجل أزرق فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: علام تشتمني أنت وأصحابك فانطلق الرجل فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا حتى تجاوز عنهم وأنزل الله {يحلفون بالله ما قالوا} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال ذكر لنا أن رجلين اقتتلا أحدهما من جهينة والآخر من غفار وكانت جهينة حلفاء الأنصار فظهر الغفاري على الجهني فقال عبد الله بن أبي للأوس: انصروا أخاكم والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل: سمن كلبك يأكلك، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فسعى بها رجل من المسلمين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فسأله فجعل يحلف بالله ما قاله فأنزل الله {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} الآية.
وأخرج ابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} قال: نزلت في عبد الله بن أبي بن سلول.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عروة أن رجلا من الأنصار يقال الجلاس بن سويد قال ليلة في غزوة تبوك والله لئن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير، فسمعه غلام يقال له عمير بن سعد وكان ربيبه فقال له: أي عم تب إلى الله، وجاء الغلام إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره فأرسل النّبيّ صلى الله عليه وسلم إليه فجعل يحلف ويقول: والله ما قلت يا رسول الله، فقال الغلام: بلى والله لقد قلته فتب إلى الله ولولا أن ينزل القرآن فيجعلني معك ما قلته فجاء الوحي إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسكتوا فلا يتحركون إذا نزل الوحي فرفع عن النّبيّ فقال {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} إلى قوله {فإن يتوبوا يك خيرا لهم} فقال: قد قلته وقد عرض الله علي التوبة فأنا أتوب فقبل ذلك منه وقتل له قتيل
في الإسلام فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاه ديته فاستغنى بذلك وكان هم أن يلحق بالمشركين وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم للغلام: وعت أذنك.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن سيرين رضي الله عنه قال: لما نزل القرآن أخذ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأذن عمير فقال وعت أذنك يا غلام وصدقك ربك
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن سيرين رضي الله عنه قال: قال رجل من المنافقين: لئن كان محمد صادقا فيما يقول لنحن شر من الحمير، فقال له زيد بن أرقم رضي الله عنهما: إن محمدا لصادق ولأنت شر من الحمار، فكان فيما بينهما ذلك كلام فلما قدموا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره فأتاه الآخر فحلف بالله ما قال فنزلت {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن أرقم وعت أذنك.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في الآية قال: قال أحدهم: إن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من الحمير، فقال رجل من المؤمنين: فوالله إن ما يقول محمد لحق ولأنت شر من الحمار، فهم بقتله المنافق فذلك همهم بما لم ينالوا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {يحلفون بالله ما قالوا} قال هم الذين أرادوا أن يدفعوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وكانوا قد أجمعوا أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم معه في بعض أسفاره فجعلوا يلتمسون غرته حتى أخذ في عقبة فتقدم بعضهم وتأخر بعضهم وذلك ليلا قالوا: إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته في الوادي فسمع حذيفة رضي الله عنه وهو يسوق النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكان قائده تلك الليلة عمار وسائقه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فسمع حذيفة أخفاف الإبل فالتفت فإذا هو بقوم متلثمين: فقال: إليكم إليكم يا أعداء الله فأمسكوا، ومضى النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتى نزل منزله الذي أراد فلما أصبح أرسل إليهم كلهم فقال: أردتم كذا وكذا فحلفوا بالله ما قالوا ولا أرادوا الذي سألهم عنه فذلك قوله {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وهموا بما لم ينالوا} قال: هم رجل يقال له الأسود بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن عروة رضي الله عنه قال رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا من تبوك إلى المدينة حتى إذا كان ببعض الطريق مكر برسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه فتآمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق فلما بلغوا العقبة أرادوا أن يسلكوها معه فلما غشيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر خبرهم فقال: من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنه أوسع لكم وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة وأخذ الناس ببطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله صلى الله عليه وسلم لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا وقد هموا بأمر عظيم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وعمار بن ياسر رضي الله عنه فمشيا معه شيئا فأمر عمار أن يأخذ بزمام الناقة وأمر حذيفة بسوقها، فبينما هم يسيرون إذ سمعوا وكرة القوم من ورائهم قد غشوه فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر حذيفة أن يردهم وأبصر حذيفة رضي الله عنه غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع ومعه محجن فاستقبل وجوه رواحلهم فضربها ضربا بالمحجن وأبصر القوم وهم متلثمون لا يشعرون إنما ذلك فعل المسافر فرعبهم الله حين أبصروا حذيفة رضي الله عنه وظنوا أن مكرهم قد ظهر عليه فأسرعوا حتى خالطوا الناس وأقبل حذيفة رضي الله عنه حتى أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أدركه قال: اضرب الراحلة يا حذيفة وامش أنت يا عمار فأسرعوا حتى استووا بأعلاها فخرجوا من العقبة يتنظرون الناس فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم لحذيفة: هل عرفت يا حذيفة من هؤلاء الرهط أحدا قال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان وقال: كانت ظلمة الليل وغشيتهم وهم متلثمون، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: هل علمتم ما كان شأنهم وما أرادوا قالوا: لا والله يا رسول الله، قال: فإنهم مكروا ليسيروا معي حتى إذا طلعت في العقبة طرحوني منها، قالوا: أفلا تأمر بهم يا رسول الله فنضرب أعناقهم قال: أكره أن يتحدث الناس ويقولوا: إن محمد وضع يده في أصحابه فسماهم لهما وقال: أكتماهم.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن إسحاق نحوه وزاد بعد قوله لحذيفة هل عرفت من القوم أحدا فقال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد أخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم وسأخبرك بهم إن شاء الله عند وجه الصبح فلما أصبح سماهم به: عبد الله بن أبي سعد وسعد بن أبي سرح وأبا حاصر الأعرابي وعامرا وأبا عامر والجلاس بن سويد بن صامت ومجمع بن حارثة ومليحا التيمي وحصين بن نمير وطعمة بن أبيرق وعبد الله بن عيينة ومرة بن ربيع، فهم اثنا
عشر رجلا حاربوا الله ورسوله وأرادوا قتله فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك وذلك قوله عز وجل {وهموا بما لم ينالوا} وكان أبو عامر رأسهم وله بنوا مسجد الضرار وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة.
وأخرج ابن سعد عن نافع بن جبير بن مطعم قال: لم يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسماء المنافقين الذين تحسوه ليلة العقبة بتبوك غير حذيفة رضي الله عنه وهم اثنا عشر رجلا ليس فيهم قرشي وكلهم من الأنصار ومن حلفائهم.
وأخرج البيهقي في الدلائل عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كنت آخذا بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم اقود به وعمار يسوقه أو أنا أسوقه وعمار يقوده حتى إذا كنا بالعقبة فإذا أنا باثني عشر راكبا قد اعترضوا فيها قال: فأنبهت رسول الله صلى الله عليه وسلم فصرخ بهم فولوا مدبرين فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل عرفتم القوم قلنا لا يا رسول الله كانوا متلثمين ولكنا قد عرفنا الركاب، قال: هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة، هل تدرون ما أرادوا قلنا: لا، قال: أرادوا أن يزحموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة فيلقوه منها، قلنا يا رسول الله ألا تبعث إلى عشائرهم حتى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم قال: لا إني أكره أن تحدث العرب بينها: أن محمد قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم ثم قال: اللهم ارمهم بالدبيلة، قلنا يا رسول الله وما الدبيلة قال: شهاب من نار يوضع على نياط قلب أحدهم فيهلك.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله {وهموا بما لم ينالوا} قال: أرادوا أن يتوجوا عبد الله بن أبي وإن لم يرض محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أبو الشيخ عن أبي صالح {وهموا بما لم ينالوا} قال: هموا أن يتوجوا عبد الله بن أبي بتاج.
وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن عكرمة رضي الله عنه، أن مولى لبني عدي بن كعب قتل رجلا من الأنصار فقضى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالدية اثني عشر ألفا وفيه نزلت {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله}.
وأخرج ابن ماجة، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قتل رجل على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم فجعل
ديته اثني عشر ألفا وذلك قوله {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله} قال: بأخذهم الدية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله} قال: كانت له دية قد غلب عليها فأخرجها له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة قال: كان جلاس يحمل حمالة أو كان عايه دين فأدى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فذلك قوله {وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله}.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: ثم دعاهم إلى التوبة فقال {فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة} فأما عذاب الدنيا فالقتل وأما عذاب الآخرة فالنار
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن قوما قد هموا بهم سوءا وأرادوا أمرا فليقوموا فليستغفروا فلم يقم أحد ثلاث مرار فقال: قم يا فلان قم يا فلان، فقالوا: نستغفر الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لأنا دعوتكم إلى التوبة والله أسرع إليكم بها وأنا أطيب لكم نفسا بالاستغفار أخرجوا.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: احفظ عني كل شيء في القرآن {وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير} فهي للمشركين فأما المؤمنون فما أكثر شفعاءهم وأنصارهم). [الدر المنثور: 7/443-454]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 03:08 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {جاهد الكفّار} بالسيف {والمنافقين} بالقول الغليظ). [تفسير غريب القرآن: 190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنّم وبئس المصير})
أمر بجهادهم، والمعنى جاهدهم بالقتل والحجة، فالحجة على المنافقين جهاد لهم). [معاني القرآن: 2/461]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم}
قال الحسن أي جاهد الكفار بالسيف والمنافقين بإقامة الحدود عليهم وباللسان
وقال قتادة أي جاهد الكفار بالقتال والمنافقين بالإغلاظ في القول). [معاني القرآن: 3/232-233]

تفسير قوله تعالى: ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) )


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 جمادى الأولى 1434هـ/13-03-2013م, 06:43 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) }

تفسير قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) }
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا} أي بأمر لم يقدروا أن يتموه). [مجالس ثعلب: 473]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 2 جمادى الأولى 1434هـ/13-03-2013م, 06:45 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 2 جمادى الأولى 1434هـ/13-03-2013م, 06:46 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:38 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:38 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنّم وبئس المصير (73) يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا وما نقموا إلاّ أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيراً لهم وإن يتولّوا يعذّبهم اللّه عذاباً أليماً في الدّنيا والآخرة وما لهم في الأرض من وليٍّ ولا نصيرٍ (74)
قوله جاهد مأخوذ من بلوغ الجهد وهي مقصود بها المكافحة والمخالفة، وتتنوع بحسب المجاهد فجهاد الكافر المعلن بالسيف، وجهاد المنافق المتستر باللسان والتعنيف والاكفهرار في وجهه، ونحو ذلك، ألا ترى أن من ألفاظ الشرع قوله صلى الله عليه وسلم «والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله»، فجهاد النفس إنما هو مصابرتها باتباع الحق وترك الشهوات، فهذا الذي يليق بمعنى هذه الآية لكنا نجلب قول المفسرين نصا لتكون معرضة للنظر، قال الزجّاج: وهو متعلق في ذلك بألفاظ ابن مسعود: أمر في هذه الآية بجهاد الكفار والمنافقين بالسيف، وأبيح له فيها قتل المنافقين، قال ابن مسعود: إن قدر وإلا فباللسان وإلا فبالقلب والاكفهرار في الوجه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والقتل لا يكون إلا مع التجليح ومن جلح خرج عن رتبة النفاق، وقال ابن عباس: المعنى «جاهد المنافقين» باللسان، وقال الحسن بن أبي الحسن: المعنى جاهد المنافقين بإقامة الحدود عليهم، قال: وأكثر ما كانت الحدود يومئذ تصيب المنافقين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ووجه ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم المنافقين بالمدينة أنهم لم يكونوا مجلحين بل كان كل مغموص عليه إذا وقف ادعى الإسلام، فكان في تركهم إبقاء وحياطة للإسلام ومخافة أن تنفر العرب إذا سمعت أن محمدا صلى الله عليه وسلم يقتل من يظهر الإسلام، وقد أوجبت هذا المعنى في صدر سورة البقرة، ومذهب الطبري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرفهم ويسترهم، وأما قوله تعالى: واغلظ عليهم فلفظة عامة تتصرف في الأفعال والأقوال واللحظات، ومنه قوله تعالى: ولو كنت فظًّا غليظ القلب [آل عمران: 159] ومنه قول النسوة لعمر بن الخطاب: أنت أفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى الغلظ خشونة الجانب فهي ضد قوله تعالى: واخفض جناحك لمن اتّبعك من المؤمنين [الشعراء: 215] ثم جرت الآية المؤمنين عليهم في عقب الأمر بإخباره أنهم في جهنم، والمعنى هم أهل لجميع ما أمرت أن تفعل بهم، و «المأوى» حيث يأوي الإنسان ويستقر). [المحرر الوجيز: 4/ 363-365]

تفسير قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله يحلفون باللّه ما قالوا الآية، هذه الآية نزلت في الجلاس بن سويد بن الصامت، وذلك كأنه كان يأتي من قباء ومعه ابن امرأته عمير بن سعد فيما قال ابن إسحاق، وقال عروة اسمه مصعب، وقال غيره وهما على حمارين.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمى قوما ممن اتهمهم بالنفاق، وقال إنهم رجس، فقال الجلاس للذي كان يسير معه: والله ما هؤلاء الذين سمى محمد إلا كبراؤنا وسادتنا، ولئن كان ما يقول محمد حقا لنحن شر من حمرنا هذه، فقال له ربيبه أو الرجل الآخر؟ والله إنه لحق، وإنك لشر من حمارك، ثم خشي الرجل من أن يلحقه في دينه درك، فخرج وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصة فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في الجلاس فقرره فحلف بالله ما قال، فنزلت هذه الآية،
والإشارة ب كلمة الكفر إلى قوله: إن كان ما يقول محمد حقا فنحن شر من الحمر، إن التكذيب في قوة هذا الكلام، قال مجاهد وكان الجلاس لما قال له صاحبه إني سأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولك هم بقتله، ثم لم يفعل عجزا عن ذلك فإلى هذا هي الإشارة بقوله وهمّوا بما لم ينالوا،
وقال قتادة بن دعامة: نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي ابن سلول، وذلك أن سنان بن وبرة الأنصاري والجهجاه الغفاري كسع أحدهما رجل الآخر في غزوة المريسيع، فثاروا، فصاح جهجاه بالأنصار وصاح سنان بالمهاجرين، فثار الناس فهدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله بن أبي ابن سلول: ما أرى هؤلاء إلا قد تداعوا علينا، ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقفه فحلف أنه لم يقل ذلك، فنزلت الآية مكذبة له، والإشارة ب كلمة الكفر إلى تمثيله: سمن كلبك يأكلك، قال قتادة والإشارة ب همّوا إلى قوله لئن رجعنا إلى المدينة،
وقال الحسن هم المنافقون من إظهار الشرك ومكابرة النبي صلى الله عليه وسلم بما لم ينالوا،
وقال تعالى: بعد إسلامهم ولم يقل بعد إيمانهم لأن ذلك لم يتجاوز ألسنتهم، وقوله تعالى: وما نقموا إلّا أن أغناهم اللّه ورسوله، معناه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنفذ لعبد الله بن أبي ابن سلول دية كانت قد تعطلت له، ذكر عكرمة أنها كانت اثني عشر ألفا، وقيل بل كانت للجلاس.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا بحسب الخلاف المتقدم فيمن نزلت الآية من أولها، وتقدم اختلاف القراء في نقموا في سورة الأعراف، وقرأها أبو حيوة وابن أبي عبلة بكسر القاف، وهي لغة، وقوله إلّا أن أغناهم اللّه استثناء من غير الأول كما قال النابغة:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم = بهن فلول من قراع الكتائب
فكأن الكلام وما نقموا إلا ما حقه أن يشكر، وقال مجاهد في قوله وهمّوا بما لم ينالوا إنها نزلت في قوم من قريش أرادوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا لا يناسب الآية، وقالت فرقة إن الجلاس هو الذي هم بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهذا يشبه الآية إلا أنه غير قوي السند، وحكى الزجّاج أن اثني عشر من المنافقين هموا بذلك فأطلع الله عليهم، وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في إغنائهم من حيث كثرت أموالهم من الغنائم، فرسول الله صلى الله عليه وسلم سبب في ذلك وعلى هذا الحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار «كنتم عالة فأغناكم الله بي»، ثم فتح عز وجل لهم باب التوبة رفقا بهم ولطفا في قوله فإن يتوبوا يك خيراً لهم.
وروي أن الجلاس تاب من النفاق فقال إن الله قد ترك لي باب التوبة فاعترف وأخلص، وحسنت توبته، و «العذاب الأليم» اللاحق بهم في الدنيا هو المقت والخوف والهجنة عند المؤمنين). [المحرر الوجيز: 4/ 365-367]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:38 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 22 شعبان 1435هـ/20-06-2014م, 09:38 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها النّبيّ جاهد الكفّار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنّم وبئس المصير (73) يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرًا لهم وإن يتولّوا يعذّبهم اللّه عذابًا أليمًا في الدّنيا والآخرة وما لهم في الأرض من وليٍّ ولا نصيرٍ (74)}
أمر تعالى رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بجهاد الكفّار والمنافقين والغلظة عليهم، كما أمره بأن يخفض جناحه لمن اتّبعه من المؤمنين، وأخبره أنّ مصير الكفّار والمنافقين إلى النّار في الدّار الآخرة. وقد تقدّم عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبٍ أنّه قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأربعة أسيافٍ، سيفٍ للمشركين: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} [التّوبة:5] وسيفٍ للكفّار أهل الكتاب: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم اللّه ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين أوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون} [التّوبة:29] وسيفٍ للمنافقين: {جاهد الكفّار والمنافقين} [التّوبة:73، التّحريم:9] وسيفٍ للبغاة: {فقاتلوا الّتي تبغي حتّى تفيء إلى أمر اللّه} [الحجرات:9]
وهذا يقتضي أنّهم يجاهدون بالسّيوف إذا أظهروا النّفاق، وهو اختيار ابن جريرٍ.
وقال ابن مسعودٍ في قوله تعالى: {جاهد الكفّار والمنافقين} قال: بيده، [فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه] فإن لم يستطع فليكفهرّ في وجهه.
وقال ابن عبّاسٍ: أمره اللّه تعالى بجهاد الكفّار بالسّيف، والمنافقين باللّسان، وأذهب الرّفق عنهم.
وقال الضّحّاك: جاهد الكفّار بالسّيف، واغلظ على المنافقين بالكلام، وهو مجاهدتهم. وعن مقاتلٍ، والرّبيع مثله.
وقال الحسن وقتادة: مجاهدتهم إقامة الحدود عليهم.
وقد يقال: إنّه لا منافاة بين هذه الأقوال، لأنّه تارةً يؤاخذهم بهذا، وتارةً بهذا بحسب الأحوال، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 178]

تفسير قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (74) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} قال قتادة: نزلت في عبد اللّه بن أبيٍّ، وذلك أنّه اقتتل رجلان: جهني وأنصاريٌّ، فعلا الجهني على الأنصاري، فقال عبد اللّه للأنصار: ألا تنصروا أخاكم؟ واللّه ما مثلنا ومثل محمّدٍ إلّا كما قال القائل: "سمّن كلبك يأكلك"، وقال: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ} [المنافقون:8] فسعى بها رجلٌ من المسلمين إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأرسل إليه فسأله، فجعل يحلف باللّه ما قاله، فأنزل اللّه فيه هذه الآية
وروى إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، عن عمّه موسى بن عقبة قال: فحدّثنا عبد اللّه بن الفضل، أنّه سمع أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، يقول: حزنت على من أصيب بالحرّة من قومي، فكتب إليّ زيد بن أرقم، وبلغه شدّة حزني، يذكر أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "اللّهمّ، اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار" -وشكّ ابن الفضل في أبناء أبناء الأنصار -قال ابن الفضل: فسأل أنسًا بعض من كان عنده عن زيد بن أرقم، فقال: هو الّذي يقول له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أوفى اللّه له بأذنه". وذاك حين سمع رجلًا من المنافقين يقول -ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يخطب -: لئن كان هذا صادقًا فنحن شرٌّ من الحمير، فقال زيد بن أرقم: فهو واللّه صادقٌ، ولأنت شرٌّ من الحمار. ثمّ رفع ذلك إلى رسول اللّه، فجحده القائل، فأنزل اللّه هذه الآية تصديقًا لزيدٍ -يعني قوله: {يحلفون باللّه ما قالوا} الآية.
رواه البخاريّ في صحيحه، عن إسماعيل بن أبي أويسٍ، عن إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة. إلى قوله: "هذا الّذي أوفى اللّه له بأذنه" ولعلّ ما بعده من قول موسى بن عقبة، وقد رواه محمّد بن فليح، عن موسى بن عقبة بإسناده ثمّ قال: قال ابن شهابٍ. فذكر ما بعده عن موسى، عن ابن شهابٍ.
والمشهور في هذه القصّة أنّها كانت في غزوة بني المصطلق، فلعلّ الرّاوي وهم في ذكر الآية، وأراد أن يذكر غيرها فذكرها، واللّه أعلم.
[حاشيةٌ]
قال "الأمويّ" في مغازيه: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ، عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ، عن جدّه قال: لمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أخذني قومي فقالوا: إنّك امرؤٌ شاعرٌ، فإن شئت أن تعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض العلّة، ثمّ يكون ذنبًا تستغفر اللّه منه. وذكر الحديث بطوله، إلى أن قال: وكان ممّن تخلّف من المنافقين، ونزل فيه القرآن منهم، ممّن كان مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: الجلاس بن سويد بن الصّامت، وكان على أمّ عمير بن سعدٍ، وكان عميرٌ في حجره، فلمّا نزل القرآن وذكرهم اللّه بما ذكر ممّا أنزل في المنافقين، قال الجلاس: واللّه لئن كان هذا الرّجل صادقًا فيما يقول لنحن شرٌّ من الحمير [قال] فسمعها عمير بن سعدٍ فقال: والله -يا جلاس -إنك لأحب النّاس إليّ، وأحسنهم عندي بلاءً، وأعزّهم عليّ أن يصله شيءٌ يكرهه، ولقد قلت مقالةً لئن ذكرتها لتفضحنّك ولئن كتمتها لتهلكنّي، ولإحداهما أهون عليّ من الأخرى. فمشى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر له ما قال الجلاس. فلمّا بلغ ذلك الجلاس خرج حتّى يأتي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فحلف باللّه ما قال ما قال عمير بن سعدٍ، ولقد كذب عليّ. فأنزل اللّه، عزّ وجلّ، فيه: {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} إلى آخر الآية. فوقفه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليها. فزعموا أنّ الجلاس تاب فحسنت توبته، ونزع فأحسن النّزوع هكذا جاء هذا "مدرجًا" في الحديث متّصلًا به، وكأنّه واللّه أعلم من كلام ابن إسحاق نفسه، لا من كلام كعب بن مالكٍ.
وقال عروة بن الزّبير: نزلت هذه الآية في الجلاس بن سويد بن الصّامت، أقبل هو وابن امرأته مصعب من قباء، فقال الجلاس: إن كان ما جاء به محمّدٌ حقًّا فنحن أشرّ من حمرنا هذه الّتي نحن عليها. فقال مصعبٌ: أما واللّه -يا عدوّ اللّه -لأخبرنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما قلت: فأتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وخفت أن ينزل فيّ القرآن أو تصيبني قارعةٌ، أو أن أخلط بخطيئته، فقلت: يا رسول اللّه، أقبلت أنا والجلاس من قباء، فقال كذا وكذا، ولولا مخافة أن أخلط بخطيئةٍ أو تصيبني قارعةٌ ما أخبرتك. قال: فدعا الجلاس فقال: "يا جلاس، أقلت الّذي قاله مصعبٌ؟ " فحلف، فأنزل اللّه: {يحلفون باللّه ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم} الآية.
وقال محمّد بن إسحاق: كان الّذي قال تلك المقالة -فيما بلغني -الجلاس بن سويد بن الصّامت، فرفعها عليه رجلٌ كان في حجره، يقال له: عمير بن سعيدٍ، فأنكرها، فحلف باللّه ما قالها: فلمّا نزل فيه القرآن تاب ونزع وحسنت توبته، فيما بلغني.
وقال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثني أيّوب بن إسحاق بن إبراهيم، حدّثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، حدّثنا إسرائيل، عن سماكٍ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جالسًا في ظلّ شجرةٍ فقال: "إنّه سيأتيكم إنسان فينظر إليكم بعيني الشّيطان، فإذا جاء فلا تكلّموه". فلم يلبثوا أن طلع رجلٌ أزرق، فدعاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "علام تشتمني أنت وأصحابك؟ " فانطلق الرّجل فجاء بأصحابه، فحلفوا باللّه ما قالوا، حتّى تجاوز عنهم، فأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {يحلفون باللّه ما قالوا} الآية
وذلك بيّنٌ فيما رواه الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ في كتاب "دلائل النّبوّة" من حديث محمّد بن إسحاق، عن الأعمش عن عمرو بن مرة، عن [أبي] البختريّ، عن حذيفة بن اليمان، رضي اللّه عنه، قال: كنت آخذًا بخطام ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أقود به، وعمّارٌ يسوق النّاقة -أو أنا: أسوقه، وعمّارٌ يقوده -حتّى إذا كنّا بالعقبة فإذا أنا باثني عشر راكبًا قد اعترضوه فيها، قال: فأنبهت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [بهم] فصرخ بهم فولّوا مدبرين، فقال لنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "هل عرفتم القوم؟ قلنا: لا يا رسول اللّه، قد كانوا متلثّمين، ولكنّا قد عرفنا الرّكّاب. قال: "هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة، وهل تدرون ما أرادوا؟ " قلنا: لا. قال: "أرادوا أن يزحموا رسول اللّه في العقبة، فيلقوه منها". قلنا: يا رسول اللّه، أو لا تبعث إلى عشائرهم حتّى يبعث إليك كلّ قومٍ برأس صاحبهم؟ قال: "لا أكره أن تتحدّث العرب بينها أنّ محمّدًا قاتل بقومٍ حتّى [إذا] أظهره اللّه بهم أقبل عليهم يقتلهم"، ثمّ قال: "اللّهمّ ارمهم بالدّبيلة". قلنا: يا رسول اللّه، وما الدّبيلة؟ قال: "شهابٌ من نارٍ يقع على نياط قلب أحدهم فيهلك"
وقال الإمام أحمد، رحمه اللّه: حدّثنا يزيد، أخبرنا الوليد بن عبد اللّه بن جميعٍ، عن أبي الطّفيل قال: لمّا أقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من غزوة تبوك، أمر مناديًا فنادى: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخذ العقبة فلا يأخذها أحدٌ. فبينما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقوده حذيفة ويسوقه عمّارٌ، إذ أقبل رهطٌ متلثّمون على الرّواحل فغشوا عمّارًا وهو يسوق برسول اللّه، وأقبل عمّارٌ، رضي اللّه عنه، يضرب وجوه الرّواحل، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لحذيفة: "قد، قد" حتّى هبط رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، [فلمّا هبط] نزل ورجع عمّارٌ، فقال: "يا عمّار، هل عرفت القوم؟ " فقال: قد عرفت عامّة الرّواحل، والقوم متلثّمون. قال: "هل تدري ما أرادوا؟ " قال: اللّه ورسوله أعلم. قال: "أرادوا أن ينفروا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيطرحوه". قال: فسارّ عمّارٌ رجلًا من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: نشدتك باللّه كم تعلم كان أصحاب العقبة؟ قال: أربعة عشر. فقال: إن كنت منهم فقد كانوا خمسة عشر. قال: فعذر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منهم ثلاثةً قالوا: واللّه ما سمعنا منادي رسول اللّه، وما علمنا ما أراد القوم. فقال عمّارٌ: أشهد أنّ الاثني عشر الباقين حربٌ للّه ولرسوله في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد
وهكذا روى ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزّبير نحو هذا، وأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمر أن يمشي النّاس في بطن الوادي، وصعد هو وحذيفة وعمّارٌ العقبة، فتبعهم هؤلاء النّفر الأرذلون، وهم متلثّمون، فأرادوا سلوك العقبة، فأطلع اللّه على مرادهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأمر حذيفة فرجع إليهم، فضرب وجوه رواحلهم، ففزعوا ورجعوا مقبوحين، وأعلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حذيفة وعمّارًا بأسمائهم، وما كانوا همّوا به من الفتك به، صلوات اللّه وسلامه عليه، وأمرهما أن يكتما عليهم
وكذلك روى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، إلّا أنّه سمّى جماعةً منهم، فاللّه أعلم
وكذا قد حكي في معجم الطّبرانيّ، قاله البيهقيّ. ويشهد لهذه القصّة بالصّحّة، ما رواه مسلمٌ: حدّثنا زهير بن حربٍ، حدّثنا أبو أحمد الكوفيّ، حدّثنا الوليد بن جميع، حدّثنا أبو الطّفيل قال: كان [بين] رجلٍ من أهل العقبة [وبين حذيفة بعض ما يكون بين النّاس، فقال: أنشدك باللّه، كم كان أصحاب العقبة] قال: فقال له القوم: أخبره إذ سألك. قال: كنّا نخبر أنّهم أربعة عشر، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر، وأشهد باللّه أنّ اثني عشر منهم حربٌ للّه ولرسوله في الحياة الدّنيا ويوم يقوم الأشهاد، وعذر ثلاثةً قالوا: ما سمعنا منادي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولا علمنا بما أراد القوم. وقد كان في حرّةٍ فمشى، فقال: "إنّ الماء قليلٌ، فلا يسبقني إليه أحدٌ"، فوجد قومًا قد سبقوه، فلعنهم يومئذٍ
وما رواه مسلمٌ أيضًا، من حديث قتادة، عن أبي نضرة، عن قيس بن عبّادٍ، عن عمّار بن ياسرٍ قال: أخبرني حذيفة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "في أصحابي اثنا عشر منافقًا، لا يدخلون الجنّة، ولا يجدون ريحها حتّى يلج [الجمل] في سمّ الخياط: ثمانيةٌ تكفيكهم الدّبيلة: سراجٌ من نارٍ يظهر بين أكتافه حتّى ينجم من صدورهم"
ولهذا كان حذيفة يقال له: "صاحب السّرّ، الّذي لا يعلمه غيره" أي: من تعيين جماعةٍ من المنافقين، وهم هؤلاء، قد أطلعه عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دون غيره، واللّه أعلم. وقد ترجم الطّبرانيّ في مسند حذيفة تسمية أصحاب العقبة، ثمّ روى عن عليّ بن عبد العزيز، عن الزّبير بن بكّارٍ أنّه قال: هم معتّب بن قشيرٍ، ووديعة بن ثابتٍ، وجدّ بن عبد اللّه بن نبتل بن الحارث من بني عمرو بن عوفٍ، والحارث بن يزيد الطّائيّ، وأوس بن قيظي، والحارث بن سويد، وسعد بن زرارة وقيس بن فهدٍ، وسويدٌ وداعسٌ من بني الحبليّ، وقيس بن عمرو بن سهلٍ، وزيد بن اللّصيت، وسلالة بن الحمام، وهما من بني قينقاع أظهرا الإسلام
وقوله: {وما نقموا إلا أن أغناهم اللّه ورسوله من فضله} أي: وما للرّسول عندهم ذنبٌ إلّا أنّ اللّه أغناهم ببركته ويمن سفارته، ولو تمّت عليهم السّعادة لهداهم اللّه لما جاء به، كما قال، عليه السّلام للأنصار: "ألم أجدكم ضلالا فهداكم اللّه بي؟ وكنتم متفرّقين فألّفكم اللّه بي؟ وعالةً فأغناكم اللّه بي؟ " كلّما قال شيئًا قالوا: اللّه ورسوله أمنّ.
وهذه الصّيغة تقال حيث لا ذنب كما قال تعالى: {وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا باللّه العزيز الحميد} [البروج:8] وكما قال، عليه السّلام ما ينقم ابن جميلٍ إلّا أن كان فقيرًا فأغناه اللّه".
ثمّ دعاهم اللّه تبارك وتعالى إلى التّوبة فقال: {فإن يتوبوا يك خيرًا لهم وإن يتولّوا يعذّبهم اللّه عذابًا أليمًا في الدّنيا والآخرة} أي: وإن يستمرّوا على طريقهم {يعذّبهم اللّه عذابًا أليمًا في الدّنيا} أي: بالقتل والهمّ والغمّ، {والآخرة} أي: بالعذاب والنّكال والهوان والصّغار، {وما لهم في الأرض من وليٍّ ولا نصيرٍ} أي: وليس لهم أحدٌ يسعدهم ولا ينجدهم، ولا يحصّل لهم خيرًا، ولا يدفع عنهم شرًّا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 178-183]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:05 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة