تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ويقبضون أيديهم قال يقبضون أيديهم عن كل خير). [تفسير عبد الرزاق: 1/283]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {المنافقون والمنافقات بعضهم من بعضٍ يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا اللّه فنسيهم إنّ المنافقين هم الفاسقون}.
يقول تعالى ذكره: {المنافقون والمنافقات} وهم الّذين يظهرون للمؤمنين الإيمان بألسنتهم ويسرّون الكفر باللّه ورسوله {بعضهم من بعضٍ} يقول: هم صنفٌ واحدٌ، وأمرهم واحدٌ، في إعلانهم الإيمان واستبطانهم الكفر، يأمرون من قبل منهم بالمنكر، وهو الكفر باللّه وبمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وبما جاء به وتكذيبه. {وينهون عن المعروف} يقول: وينهونهم عن الإيمان باللّه ورسوله وبما جاءهم به من عند اللّه.
وقوله: {ويقبضون أيديهم} يقول: ويمسكون أيديهم عن النّفقة في سبيل اللّه ويكفّونها عن الصّدقة، فيمنعون الّذين فرض اللّه لهم في أموالهم ما فرض من الزّكاة حقوقهم.
- كما حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ويقبضون أيديهم} قال: لا يبسطونها بنفقةٍ في حقٍّ.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ويقبضون أيديهم} لا يبسطونها بخيرٍ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {ويقبضون أيديهم} قال: يقبضون أيديهم عن كلّ خيرٍ.
وأمّا قوله: {نسوا اللّه فنسيهم} فإنّ معناه: تركوا اللّه أن يطيعوه ويتّبعوا أمره، فتركهم اللّه من توفيقه وهدايته ورحمته.
وقد دللنا فيما مضى على أنّ معنى النّسيان التّرك بشواهده، فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا.
وكان قتادة يقول في ذلك ما:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {نسوا اللّه فنسيهم} نسوا من الخير، ولم ينسوا من الشّرّ.
قوله: {إنّ المنافقين هم الفاسقون} يقول: إنّ الّذين يخادعون المؤمنين بإظهارهم لهم بألسنتهم الإيمان باللّه، وهم للكفر مستبطنون، هم المفارقون طاعة اللّه الخارجون عن الإيمان به وبرسوله). [جامع البيان: 11/548-549]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (المنافقون والمنافقات بعضهم من بعضٍ يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا اللّه فنسيهم إنّ المنافقين هم الفاسقون (67)
قوله تعالى: المنافقون والمنافقات
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ يعني قوله: بالمنكر: هو التّكذيب وهو أنكر المنكر.
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع عن أبي العالية قال: كلّ آيةٍ ذكرها اللّه في القرآن، فذكر المنكر: عبادة الأوثان والشيطان.
- قرأت على محمّد بن الفضل ثنا محمّد بن عليٍّ ثنا محمّد بن مزاحمٍ ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: بالمنكر قال: معصية ربّهم.
قوله تعالى: يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، المعروف، أن تشهدوا أن لا إله إلا اللّه، والإقرار بما أنزل اللّه وتقاتلونهم عليه، ولا إله إلا اللّه هو أعظم المعروف
- وروي عن أبي العالية قال: التّوحيد.
قوله تعالى: ويقبضون أيديهم.
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: يقبضون أيديهم: لا يبسطونها بنفقةٍ في حقٍّ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن قتادة: يقبضون أيديهم قال: يقبضون أيديهم عن كلّ خيرٍ
- وروي عن السّدّيّ أنّه قال: يقبضونها من الصّدقة والخير.
قوله تعالى: نسوا الله فنسيهم.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: نسوا اللّه يقول: تركوا اللّه.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان ثنا الحسين بن عليٍّ ثنا عامر بن الفرات ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: نسوا اللّه قال: تركوا طاعة اللّه.
قوله تعالى: فنسيهم.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ أنبأ بشرٌ عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قوله: فنسيهم يقول: تركهم من ثوابه وكرامته.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد ابن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة قوله: فنسيهم نسوا من كان خيرٍ، ولم ينسوا من الشّرّ.
قوله تعالى: إنّ المنافقين هم الفاسقون
- ذكر عن سليمان بن حربٍ عن حمّاد بن زيدٍ عن ابن جريجٍ عن مجاهدٍ الفاسقون: العاصون.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: الفاسقون قال: الكاذبون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1831-1833]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ويقبضون أيديهم قال لا يبسطونها بالنفقة في حق). [تفسير مجاهد: 283]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 67 - 70.
أخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم عن حذيفة، أنه سئل عن المنافق، فقال: الذي يصف الإسلام ولا يعمل به.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: النفاق نفاقان، نفاق تكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم فذاك كفر ونفاق خطايا وذنوب فذاك يرجى لصاحبه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {يأمرون بالمنكر} قال: هو التكذيب، قال: وهو أنكر المنكر {وينهون عن المعروف} قال: شهادة أن لا إله إلا الله والإقرار بما أنزل الله وهو أعظم المعروف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: كل آية ذكرها الله تعالى في القرآن فذكر المنكر عبادة الأوثان والشيطان.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ويقبضون أيديهم} قال: لا يبسطونها بنفقة في حق الله.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {ويقبضون أيديهم} قال: لا يبسطونها بخير {نسوا الله فنسيهم} قال: نسوا من كل خير ولم ينسوا من الشر.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {نسوا الله فنسيهم} قال: تركوا الله فتركهم من كرامته وثوابه.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك {نسوا الله} قال: تركوا أمر الله {فنسيهم} تركهم من رحمته أن يعطيهم إيمانا وعملا صالحا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: إن الله لا ينسى من خلقه ولكن نسيهم من الخير يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: نسوا في العذاب). [الدر المنثور: 7/430-431]
تفسير قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (68) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعد اللّه المنافقين والمنافقات والكفّار نار جهنّم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذابٌ مّقيمٌ}.
يقول تعالى ذكره: {وعد اللّه المنافقين والمنافقات والكفّار} باللّه {نار جهنّم} أن يصليهموها جميعًا. {خالدين فيها} يقول: ماكثين فيها أبدًا، لا يحيون فيها ولا يموتون. {هي حسبهم} يقول: هي كافيتهم عقابًا وثوابًا على كفرهم باللّه. {ولعنهم اللّه} يقول: وأبعدهم اللّه وأسحقهم من رحمته. {ولهم عذابٌ مقيمٌ} يقول: وللفريقين جميعًا، يعني من أهل النّفاق والكفر عند اللّه، عذابٌ مقيمٌ دائمٌ، لا يزول ولا يبيد). [جامع البيان: 11/550]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وعد اللّه المنافقين والمنافقات والكفّار نار جهنّم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم اللّه ولهم عذابٌ مقيمٌ (68)
قوله تعالى: وعد اللّه المنافقين والمنافقات.
- حدّثنا أبي حدّثنا قبيصة ثنا سفيان عن إسماعيل ثنا أحمد بن عبد الله ابن يونس ثنا الحسن بن عيّاشٍ عن إسماعيل ومجاهد عن الشعبي قال: الكذاب منافق.
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ ثنا وكيعٌ عن الأعمش عن ثابت بن هرمز أبي المقدام عن أبي يحيى قال: سئل حذيفة، من المنافق؟ قال: الّذي يصف الإسلام ولا يعمل به.
قوله تعالى: والكفّار نار جهنم.
- حدّثنا أبي ثنا أبو سلمة ثنا حمّادٌ أنبأ عليّ بن زيدٍ عن القاسم بن عبد الرّحمن: أنّ ابن مسعودٍ سئل عن المنافقين فقال: يجعلون في توابيت من نارٍ فتطبق عليهم في أسفل دركٍ من النّار.
قوله تعالى: خالدين فيها هي حسبهم.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: خالدين فيها يعني: لا يموتون.
قوله تعالى: ولعنهم اللّه ولهم عذابٌ مقيمٌ.
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ عن أسباطٍ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قوله: عذابٌ مقيمٌ يعني: دائمًا لا ينقطع). [تفسير القرآن العظيم: 6/1833-1834]