تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (64) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يحذر المنافقون أن تنزّل عليهم سورةٌ تنبّئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إنّ الله مخرجٌ مّا تحذرون}.
يقول تعالى ذكره: يخشى المنافقون أن تنزّل فيهم سورةٌ تنبّئهم بما في قلوبهم، يقول: تظهر المؤمنين على ما في قلوبهم.
وقيل: إنّ اللّه أنزل هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؛ لأنّ المنافقين كانوا إذا عابوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وذكروا شيئًا من أمره وأمر المسلمين، قالوا: لعلّ اللّه لا يفشي سرّنا، فقال اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهم: استهزئوا، متهدّدًا لهم متوعّدًا {إنّ اللّه مخرجٌ ما تحذرون}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {يحذر المنافقون أن تنزّل عليهم سورةٌ} قال: يقولون القول بينهم، ثمّ يقولون: عسى اللّه أن لا يفشي سرّنا علينا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثله، إلاّ أنّه قال: سرّنا هذا.
وأمّا قوله: {إنّ اللّه مخرجٌ ما تحذرون} فإنّه يعني: إنّ اللّه مظهرٌ عليكم أيّها المنافقون ما كنتم تحذرون أن تظهروه، فأظهر اللّه ذلك عليهم وفضحهم، فكانت هذه السّورة تدعى الفاضحة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كانت تسمّى هذه السّورة الفاضحة فاضحة المنافقين). [جامع البيان: 11/541-542]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يحذر المنافقون أن تنزّل عليهم سورةٌ تنبّئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إنّ اللّه مخرجٌ ما تحذرون (64)
قوله تعالى: يحذر المنافقون أن تنزّل عليهم سورةٌ
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: يحذر المنافقون أن تنزّل عليهم سورةٌ تنبّئهم بما في قلوبهم يقولون: القول فيما بينهم، ثمّ يقولون: عسى اللّه ألا يفشي علينا هذا.
قوله تعالى: قل استهزؤا إنّ اللّه مخرجٌ ما تحذرون.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: قل استهزؤا إنّ اللّه مخرجٌ ما تحذرون قال: كانت هذه السّورة تسمّى: الفاضحة- فاضحة المنافقين- وكان يقال لها: المثيرة- أنبأت بمثالبهم وعوراتهم- فقال: المثالب: العيوب). [تفسير القرآن العظيم: 6/1829]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم يقول كانوا يقولون القول بينهم ثم يقولون عسى الله ألا يفشي هذا علينا يقول الله عز وجل قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون). [تفسير مجاهد: 283]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 64.
أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم} قال: يقولون القول فيما بينهم ثم يقولون عسى الله أن لا يفشي علينا هذا.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه قال: كانت هذه السورة تسمى الفاضحة فاضحة المنافقين وكان يقال لها المثيرة أنبأت بمثالبهم وعوراتهم.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر وأبو الشيخ عن المسيب بن رافع رضي الله عنه قال: ما عمل رجل من حسنة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله ولا عمل رجل من سيئة في سبعة أبيات إلا أظهرها الله وتصديق ذلك كلام الله تعالى {إن الله مخرج ما تحذرون}). [الدر المنثور: 7/424-425]
تفسير قوله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قال بينما النبي في غزوة تبوك وركب من المنافقين يسيرون بين يديه فقالوا أيظن هذا أن تفتتح قصور الروم وحصونها فأطلع الله تبارك وتعالى نبيه على ما قالوا فقال علي بهؤلاء النفر فدعاهم فقال أقلتم كذا وكذا فحلفوا ما كنا إلا نخوض ونلعب). [تفسير عبد الرزاق: 1/282]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب قل أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون}.
يقول تعالى جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ولئن سألت يا محمّد هؤلاء المنافقين عمّا قالوا من الباطل والكذب، ليقولنّ لك: إنّما قلنا ذلك لعبًا، وكنّا نخوض في حديث لعبًا وهزوًا. يقول اللّه لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد أباللّه وآيات كتابه ورسوله كنتم تستهزئون.
وكان ابن إسحاق يقول: الّذي قال هذه المقالة كما:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان الّذي قال هذه المقالة فيما بلغني وديعة بن ثابتٍ، أخو بني أميّة بن زيدٍ من بني عمرو بن عوفٍ.
- حدّثنا عليّ بن داود، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثنا اللّيثٌ، قال: حدّثني هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم: أنّ رجلاً من المنافقين قال لعوف بن مالكٍ في غزوة تبوك: ما لقرّائنا هؤلاء أرغبنا بطونًا وأكذبنا ألسنةً وأجبننا عند اللّقاء، فقال له عوفٌ: كذبت، ولكنّك منافقٌ، لأخبرنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذهب عوفٌ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فقال زيدٌ: قال عبد اللّه بن عمر: فنظرت إليه متعلّقًا بحقب ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، تنكبه الحجارة، يقول: {إنّما كنّا نخوض ونلعب} فيقول له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} ما يزيده.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثني هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن عبد اللّه بن عمر، قال: قال رجلٌ في غزوة تبوك في مجلسٍ، ما رأينا مثل قرّائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنةً ولا أجبن عند اللّقاء، فقال رجلٌ في المجلس: كذبت، ولكنّك منافقٌ، لأخبرنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ونزل القرآن، قال عبد اللّه بن عمر: فأنا رأيته متعلّقًا بحقب ناقة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، تنكبه الحجارة، وهو يقول: يا رسول اللّه إنّما كنّا نخوض ونلعب، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: {أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا أيّوب، عن عكرمة، في قوله: {ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب} إلى قوله: {بأنّهم كانوا مجرمين} قال: فكان رجلٌ ممّن إن شاء اللّه عفا عنه يقول: اللّهمّ إنّي أسمع آيةً أنا أعنى بها، تقشعرّ منها الجلود، وتجل منها القلوب، اللّهمّ فاجعل وفاتي قتلاً في سبيلك، لا يقول أحدٌ: أنا غسّلت، أنا كفّنت، أنا دفنت، قال: فأصيب يوم اليمامة، فما من أحدٍ من المسلمين إلاّ وجد غيره.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب} الآية، قال: بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يسير في غزوته إلى تبوك، وبين يديه ناسٌ من المنافقين، فقال: أيرجو هذا الرّجل أن يفتح قصور الشّام وحصونها؟ هيهات هيهات، فأطلع اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على ذلك، فقال نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: احبسوا عليّ هؤلاء الرّكب. فأتاهم فقال: قلتم كذا؟ قلتم كذا؟ قالوا: يا نبيّ اللّه إنّما كنّا نخوض ونلعب، فأنزل اللّه تبارك وتعالى فيها ما تسمعون.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب} قال: بينما النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة تبوك وركبٌ من المنافقين يسيرون بين يديه، فقالوا: يظنّ هذا أن يفتح قصور الرّوم وحصونها، فأطلع اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على ما قالوا، فقال: عليّ بهؤلاء النّفر فدعاهم فقال: قلتم كذا وكذا؟ فحلفوا: ما كنّا إلاّ نخوض ونلعب.
- حدّثنا الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ وغيره قالوا: قال رجلٌ من المنافقين: ما أرى قرّاءنا هؤلاء إلاّ أرغبنا بطونًا، وأكذبنا ألسنةً، وأجبننا عند اللّقاء، فرفع ذلك إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فجاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول اللّه، إنّما كنّا نخوض ونلعب، فقال: {أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون} إلى قوله: {مجرمين} وإنّ رجليه لتسفعان بالحجارة، وما يلتفت إليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو متعلّقٌ بنسعة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إنّما كنّا نخوض ونلعب} قال: قال رجلٌ من المنافقين: يحدّثنا محمّدٌ أنّ ناقة فلانٍ بوادي كذا وكذا في يوم كذا وكذا، وما يدريه ما الغيب.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه). [جامع البيان: 11/542-546]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب قل أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزئون (65)
قوله تعالى: ولئن سألتهم
- ذكره أبي عن عبد اللّه بن عمر بن أبان الكوفيّ ثنا عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ ثنا خلادٌ عن عبد اللّه بن عيسى عن عبد الحميد بن كعب بن مالكٍ عن أبيه قال: خرج رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- في حرٍّ شديدٍ، وأمر بالغزو إلى تبوك، قال: ونزل نفرٌ من أصحاب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- في جانبٍ فقال بعضهم لبعضٍ واللّه إنّ أرغبنا بطونًا، وأجبنا عند اللّقاء وأضعفنا، لقرّاؤنا، فدعا النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- عمّارًا فقال: اذهب إلى هؤلاء الرّهط فقل لهم: ما قلتم؟ ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب قل أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن.
قوله تعالى: ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب.
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى أنبأ عبد اللّه بن وهبٍ ثنا هشام بن سعدٍ عن زيد بن أسلم عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رجلٌ في غزوة تبوك في مجلسٍ يومًا: ما رأيت مثل قرّائنا هؤلاء لا أرغب بطونًا، ولا أكذب ألسنةً، ولا أجبن عند اللّقاء، فقال رجلٌ في المجلس: كذبت ولكنّك منافقٌ لأخبرنّ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- فبلغ ذلك النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- ونزل القرآن قال عبد الله: فأنا رأيته متعلّقًا بحقب ناقة رسول اللّه- صلّى الله عليه وسلّم- تنكبه الحجارة وهو يقول: يا رسول اللّه: إنّما كنّا نخوض ونلعب ورسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، قوله: ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب قال رجلٌ من المنافقين: يحدّثنا محمّدٌ أنّ ناقة فلانٍ بوادي كذا وكذا في يوم كذا وكذا وما يدريه ما الغيب؟
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليّ ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة، قوله: ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب قل أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن قال: بينما رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- في غزوته إلى تبوك وبين يديه أناسٌ من المنافقين، فقالوا: أيرجو هذا الرّجل أن يفتح قصور الشّام وحصونها؟! هيهات هيهات!، فأطلع اللّه نبيّه على ذلك فقال نبيّ اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم-: احتبسوا على الرّكب فأتاهم فقال: قلتم كذا، قلتم كذا، قالوا: يا نبيّ اللّه، إنّما كنّا نخوض ونلعب فأنزل اللّه فيهم ما تسمعون.
- أخبرنا عمرو بن ثورٍ القيساريّ فيما كتب إليّ ثنا الفريابيّ ثنا قيس بن الرّبيع عن سالمٍ الأفطس عن سعيد بن جبيرٍ قال: كان رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- في مسيرٍ، وأناسٌ من المنافقين يسيرون أمامه فقالوا: إن كان ما يقول هذا أراه قال: محمّدٌ حقًّا، نحن شرٌّ من الحمير، يعنون النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- فأعلم اللّه نبيّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- الّذي قالوا: فقال: ولئن سألتهم ليقولنّ إنّما كنّا نخوض ونلعب فأرسل إليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: ما كنتم تقولون؟
قالوا ما قلنا شيئًا إنّما كنّا نخوض ونلعب قل أباللّه وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن.
قوله تعالى: قل أبالله وآياته ورسوله الآية.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن ميمونٍ الخيّاط ثنا إسماعيل بن داود المخراقيّ ثنا مالك بن أنسٍ عن نافعٍ عن عبد اللّه بن عمر قال: رأيت عبد اللّه بن أبي، قدّام النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- والأحجار تنكبه فيقول: يا محمّد. إنّما كنّا نخوض ونلعب والنّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: أباللّه وآياته ورسوله، كنتم تستهزؤن). [تفسير القرآن العظيم: 6/1829-1830]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قال: قال رجل من المنافقين يحدثنا محمد أن ناقة فلان بوادي كذا وكذا في يوم كذا وكذا وما يدريه ما الغيب). [تفسير مجاهد: 283]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 65 - 66.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن شريح بن عبيد رضي الله عنه، أن رجلا قال لأبي
الدرداء رضي الله عنه: يا معشر القراء ما بالكم أجبن منا وأبخل إذا سئلتم وأعظم لقما إذا أكلتم فأعرض عنه أبو الدرداء ولم يرد عليه شيئا فأخبر بذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فانطلق عمر إلى الرجل الذي قال ذلك فقاله بثوبه وخنقه وقاده إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال الرجل: إنما كنا نخوض ونلعب، فأوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن عبد الله بن عمر قال: قال رجل في غزوة تبوك في مجلس يوما: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء لا أرغب بطونا ولا أكذب ألسنة ولا أجبن عند اللقاء، فقال رجل في المجلس: كذبت ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن، قال عبد الله: فأنا رأيته متعلقا يحقب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكيه وهو يقول: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم والعقيلي في الضعفاء وأبو الشيخ، وابن مردويه والخطيب في رواة مالك عن ابن عمر قال رأيت عبد الله بن أبي وهو يشتد قدام النّبيّ صلى الله عليه وسلم والأحجار تنكيه وهو يقول: يا محمد إنما كنا نخوض ونلعب والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب} قال: قال رجل من المنافقين يحدثنا محمد: أن ناقة فلان بوادي كذا وكذا في يوم كذا وكذا وما يدريه بالغيب.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوته إلى تبوك وبين يديه أناس من المنافقين فقالوا: يرجو هذا الرجل أن تفتح له قصور الشام وحصونها هيهات هيهات، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال نبي صلى الله عليه وسلم الله احبسوا علي هؤلاء الركب، فأتاهم فقال: قلتم كذا قلتم كذا، قالوا: يا نبي الله إنما كنا نخوض ونلعب فأنزل الله فيهما ما تسمعون.
وأخرج الفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن سعيد بن جبير قال بينما النّبيّ صلى الله عليه وسلم في مسيره وأناس من المنافقين يسيرون أمامه فقالوا: إن كان ما يقول محمد حقا فلنحن أشر من الحمير، فأنزل الله تعالى ما قالوا فأرسل إليهم، ما كنتم تقولون فقالوا: إنما كنا نخوض ونلعب). [الدر المنثور: 7/425-427]
تفسير قوله تعالى: (لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال الكلبي كان رجل منهم لم يمالئهم في الحديث يسير مجانبا لهم فنزلت إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة فسمي طائفة وهو واحد). [تفسير عبد الرزاق: 1/282-283]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نّعف عن طائفةٍ مّنكم نعذّب طائفةً بأنّهم كانوا مجرمين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهؤلاء الّذين وصفت لك صفتهم: {لا تعتذروا} بالباطل، فتقولوا: كنّا نخوض ونلعب. {قد كفرتم} يقول: قد جحدتم الحقّ بقولكم ما قلتم في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين به {بعد إيمانكم} يقول: بعد تصديقكم به وإقراركم به. {إن نعف عن طائفةٍ منكم نعذّب طائفةً} وذكر أنّه عني بالطّائفة في هذا الموضع رجلٌ واحدٌ.
وكان ابن إسحاق يقول فيما:
- حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كان الّذي عفي عنه فيما بلغني مخشيّ بن حميرٍ الأشجعيّ حليف بني سلمة، وذلك أنّه أنكر منهم بعض ما سمع.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا زيد بن حبّان، عن موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ: {إن نعف عن طائفةٍ، منكم} قال: طائفةٌ: رجلٌ.
واختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: إن نعف عن طائفةٍ منكم بإنكاره ما أنكر عليكم من قبل الكفر، نعذّب طائفةً بكفره واستهزائه بآيات اللّه ورسوله.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: قال بعضهم: كان رجلٌ منهم لم يمالئهم في الحديث، فيسير مجانبًا لهم، فنزلت: {إن نعف عن طائفةٍ منكم نعذّب طائفةً} فسمّي طائفةً وهو واحدٌ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إن تتب طائفةٌ منكم فيعفو اللّه عنه، يعذّب اللّه طائفةً منكم بترك التّوبة.
وأمّا قوله: {إنّهم كانوا مجرمين} [الدخان] فإنّ معناه: نعذّب طائفةً منهم باكتسابهم الجرم، وهو الكفر باللّه، وطعنهم في رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 11/546-547]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفةٍ منكم نعذّب طائفةً بأنّهم كانوا مجرمين (66)
قوله تعالى: لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع ثنا عبد اللّه بن إدريس قال: قال ابن إسحاق حدّثني الزّهريّ عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ عن أبيه عن جدّه كعبٍ قال: قال مخشيّ بن حميرٍ: لوددت أنّي أقاضى على أن يضرب كلّ رجلٍ منكم مائةً مائةً على أن ننجو من أن ينزل فينا قرآنٌ، فقال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- لعمّار بن ياسرٍ: أدرك القوم فإنّهم قد احترقوا، فاسألهم عمّا قالوا، فإن هم أنكروا وكتموا، فقل: بلى، قد قلتم كذا وكذا، فأدركهم فقال لهم: الّذي أمر به رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- فجاءوا لرسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- يعتذرون، وقال مخشيّ بن حميرٍ: يا رسول اللّه، قعد بي اسمي واسم أبي فأنزل- اللّه تعالى- فيهم لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفةٍ منكم نعذّب طائفةً فكان الّذي عفا اللّه عنه: مخشيّ بن حميرٍ، فتسمّى: عبد الرّحمن، وسأل اللّه أن يقتل شهيدًا لا يعلم بمقتله فقتل يوم اليمامة لا يعلم مقتله ولا من قتله ولا يرى له أثرٌ ولا عينٌ.
قوله تعالى: إن نعف عن طائفةٍ منكم نعذّب طائفة بأنهم كانوا مجرمين الآية.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ أنبأ بشرٌ عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: إن نعف عن طائفةٍ منكم نعذب طائفة قال: الطّائفة: الرّجل والنّفر). [تفسير القرآن العظيم: 6/1831]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن كعب بن مالك قال: قال محشي بن حمير: لوددت أني أقاضي على أن يضرب كل رجل منكم مائة على أن ينجو من أن ينزل فينا قرآن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر أدرك القوم فإنهم قد احترقوا فسلهم عما قالوا فإن هم أنكروا وكتموا فقل بلى قد قلتم كذا وكذا فأدركهم فقال لهم، فجاءوا يعتذرون فأنزل الله {لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طائفة منكم} الآية، فكان الذي عفا الله عنه محشي بن حمير فتسمى عبد الرحمن وسأل الله أن يقتل شهيدا لا يعلم بمقتله، فقتل باليمامة لا يعلم مقتله ولا من قتله ولا يرى له أثر ولا عين.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في رهط من المنافقين من بني عمرو بن عوف فيهم وديعة بن ثابت ورجل من أشجع حليف لهم يقال له محشي بن حمير كان يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك فقال بعضهم لبعض: أتحسبون قتال بني الأصفر كقتال غيرهم والله لكأنا بكم غدا تقادون في الحبال، قال محشي بن حمير: لوددت أني أقاضي، فذكر الحديث مثل الذي قبله.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود، نحوه.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر وأبو الشيخ عن الكلبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أقبل من غزوة تبوك وبين يديه ثلاثة رهط استهزأوا بالله وبرسوله وبالقرآن قال: كان رجل منهم لم يمالئهم في الحديث يسير مجانبا لهم يقال له يزيد بن وديعة فنزلت {إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة} فسمي طائفة وهو واحد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة} قال: الطائفة الرجل والنفر.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الطائفة الواحد إلى الألف.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس قال: الطائفة رجل فصاعدا.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك {إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة}
يعني إن عفى بعضهم فليس بتارك الآخرين أن يعذبهم {بأنهم كانوا مجرمين}.
وأخرج ابن مردويه، عن جابر بن عبد الله قال: كان فيمن تخلف بالمدينة من المنافقين وداعة بن ثابت أحد بني عمرو بن عوف فقيل له: ما خلفك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الخوض واللعب، فأنزل الله فيه وفي أصحابه: {ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب} إلى قوله {مجرمين}). [الدر المنثور: 7/427-430]