قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل فريضةً من اللّه واللّه عليمٌ حكيمٌ (60)
إنّما في هذه الآية حاصرة تقتضي وقوف الصّدقات على الثمانية الأصناف، وإنما اختلف في صورة القسمة فقال مالك وغيره: ذلك على قدر اجتهاد الإمام وبحسب أهل الحاجة، وقال الشافعي: هي ثمانية أقسام على ثمانية أصناف لا يخل بواحد منها إلا أن المؤلّفة انقطعوا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويقول صاحب هذا القول: إنه لا يجزئ المتصدق والقاسم من كل صنف أقل من ثلاثة، وأما الفقير والمسكين فقال الأصمعي وغيره: الفقير أبلغ فاقة وقال غيرهم: المسكين أبلغ فاقة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا طريق إلى هذا الاختلاف ولا إلى الترجيح إلا النظر في شواهد القرآن والنظر في كلام العرب وأشعارها، فمن حجة الأولين قول الله عز وجل أمّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر [الكهف: 79] واعترض هذا الشاهد بوجوه منها، أن يكون سماهم «مساكين» بالإضافة إلى الغاصب وإن كانوا أغنياء على جهة الشفقة كما تقول في جماعة تظلم مساكين لا حيلة لهم وربما كانوا مياسير ومنها: أنه قرئ «لمساكين» بشد السين بمعنى: دباغين يعملون المسوك قاله النقاش وغيره ومنها:
أن تكون إضافتها إليهم ليست بإضافة ملك بل كانوا عاملين بها فهي كما تقول: سرج الفرس، ومن حجة الآخرين قول الراعي: [البسيط]
أما الفقير الذي كانت حلوبته = وفق العيال فلم يترك له سبد
وقد اعترض هذا الشاهد بأنه إنما سماه فقيرا بعد أن صار لا حلوبة له، وإنما ذكر الحلوبة بأنها كانت، وهذا اعتراض يرده معنى القصيدة ومقصد الشاعر بأنه إنما يصف سعاية أتت على مال الحي بأجمعه، فقال: أما الفقير فاستؤصل ماله فكيف بالغني مع هذه الحال، وذهب من يقول إن المسكين أبلغ فاقة إلى أنه مشتق من السكون، وأن الفقير مشتق من فقار الظهر كأنه أصيب فقارة فيه لا محالة حركة، وذهب من يقول إن الفقير أبلغ فاقة: إلى أنه مشتق من فقرت البئر إذا نزعت جميع ما فيها، وأن المسكين من السكن.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومع هذا الاختلاف فإنهما صنفان يعمهما الإقلال والفاقة، فينبغي أن يبحث على الوجه الذي من أجله جعلهما الله اثنين، والمعنى فيهما واحد، وقد اضطرب الناس في هذا، فقال الضحاك بن مزاحم: «الفقراء» هم من المهاجرين والمساكين من لم يهاجر، وقال النخعي نحوه، قال سفيان: يعني لا يعطى فقراء الأعراب منها شيئا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: «والمسكين السائل» يعطى في المدينة وغيرها، وهذا القول هو حكاية الحال وقت نزول الآية، وأما منذ زالت الهجرة فاستوى الناس، وتعطى الزكاة لكل متصف بفقر،
وقال عكرمة: «الفقراء» من المسلمين، والمساكين من أهل الذمة، ولا تقولوا لفقراء المسلمين مساكين، وقال الشافعي في كتاب ابن المنذر: «الفقير» من لا مال له ولا حرفة سائلا كان أو متعففا، «والمسكين» الذي له حرفة أو مال ولكن لا يغنيه ذلك سائلا كان أو غير سائل، وقال قتادة بن دعامة: الفقير الزمن المحتاج، والمسكين الصحيح المحتاج،
وقال ابن عباس والحسن ومجاهد والزهري وابن زيد وجابر بن زيد ومحمد بن مسلمة: «المساكين» الذين يسعون ويسألون، و «الفقراء» هم الذين يتصاونون، وهذا القول الأخير إذا لخص وحرر أحسن ما يقال في هذا، وتحريره: أن الفقير هو الذي لا مال له إلا أنه لم يذل ولا بذل وجهه، وذلك إما لتعفف مفرط وإما لبلغة تكون له كالحلوبة وما أشبهها، والمسكين هو الذي يقترن بفقره تذلل وخضوع وسؤال، فهذه هي المسكنة، فعلى هذا كل مسكين فقير وليس كل فقير مسكينا، ويقوي هذا أن الله تعالى قد وصف بني إسرائيل بالمسكنة وقرنها بالذلة مع غناهم،
وإذا تأملت ما قلناه بان أنهما صنفان موجودان في المسلمين، ويقوي هذا قوله تعالى: للفقراء الّذين أحصروا في سبيل اللّه لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التّعفّف [البقرة: 273] وقيل لأعرابي: أفقير أنت؟ فقال: إني والله مسكين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين بهذا الطوّاف الذي ترده اللقمة واللقمتان، ولكن المسكين هو الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه، اقرأوا إن شئتم لا يسئلون النّاس إلحافاً [البقرة: 273]، فدل هذا الحديث على أن المسكين في اللغة هو الطواف، وجرى تنبيه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث على المتصاون مجرى تقديم «الفقراء» في الآية لمعنى الاهتمام إذ هم بحيث إن لم يتهمم بهم هلكوا، والمسكين يلح ويذكر بنفسه، وأما العامل فهو الرجل الذي يستنيبه الإمام في السعي على الناس وجمع صدقاتهم، وكل من يصرف من عون لا يستغنى عنه فهو من العاملين لأنه يحشر الناس على السعي، وقال الضحاك: للعاملين ثمن ما عملوا على قسمة القرآن، وقال الجمهور: لهم قدر تعبهم ومؤنتهم قاله مالك والشافعي في كتاب ابن المنذر، فإن تجاوز ذلك ثمن الصدقة فاختلف، فقيل يتم لهم ذلك من سائر الأنصباء وقيل، بل يتم لهم ذلك من خمس الغنيمة، واختلف إذا عمل في الصدقات هاشمي فقيل: يعطى منها عمالته وقيل: بل يعطاها الخمس، ولا يجوز للعامل قبول الهدية والمصانعة ممن يسعى عليه وذلك إن فعله رد في بيت المال كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بابن اللتبية حين استعمله على الصدقة فقال، هذا لكم وهذا أهدي لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هلا قعدت في بيت أبيك وأمك حتى تعلم ما يهدى لك» وأخذ الجميع منه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وتأمل عمالة الساعي هل يأخذها قبل العمل أو بعده، وهل هي إجازة أو هي جعل وهل العمل معلوم أو هو يتتبع وإنما يعرف قدره بعد الفراغ، وأما المؤلّفة قلوبهم فكانوا صنفين، مسلمين وكافرين مساترين، قال يحيى بن أبي كثير، كان منهم أبو سفيان بن حرب بن أمية والحارث بن هشام وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وعيينة والأقرع ومالك بن عوف والعباس بن مرداس والعلاء بن جارية الثقفي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأكثر هؤلاء من الطلقاء الذين ظاهر أمرهم يوم الفتح الكفر، ثم بقوا مظهرين الإسلام حتى وثقه الاستئلاف في أكثرهم واستئلافهم إنما كان لتجلب إلى الإسلام منفعة أو تدفع عنه مضرة، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه والحسن والشعبي وجماعة من أهل العلم: انقطع هذا الصنف بعزة الإسلام وظهوره، وهذا مشهور مذهب مالك رحمه الله، قال عبد الوهاب: إن احتيج إليهم في بعض الأوقات أعطوا من الصدقة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقول عمر عندي إنما هو لمعنيين، فإنه قال لأبي سفيان حين أراد أخذ عطائه القديم: إنما تأخذ كرجل من المسلمين فإن الله قد أغنى عنك وعن ضربائك، يريد في الاستئلاف، وأما أن ينكر عمر الاستئلاف جملة وفي ثغور الإسلام فبعيد، وقال كثير من أهل العلم: المؤلّفة قلوبهم موجودون إلى يوم القيامة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإذا تأملت الثغور وجد فيها الحاجة إلى الاستئلاف، وقال الزهري: المؤلّفة من أسلم من يهودي أو نصراني وإن كان غنيا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: يريد لتبسط نفسه ويحبب دين الإسلام إليه،
وأما الرّقاب فقال ابن عباس والحسن ومالك وغيره: هو ابتداء العتق وعون المكاتب بما يأتي على حريته، واختلف هل يعان بها المكاتب في أثناء نجومه بالمنع والإباحة، واختلف على القول بإباحة ذلك إن عجز فقيل يرد ذلك من عند السيد، وقيل يمضى لأنه كان يوم دفعه بوجه مترتب، وقال الشافعي: معنى وفي الرّقاب في المكاتبين ولا يبتدأ منها عتق عبد، وقاله الليث وإبراهيم النخعي وابن جبير، وذلك أن هذه الأصناف إنما تعطى لمنفعة المسلمين أو لحاجة في أنفسها، والعبد ليس له واحدة من هاتين العلتين، والمكاتب قد صار من ذوي الحاجة وقال الزهري: سهم الرقاب نصفان، نصف للمكاتبين ونصف يعتق منه رقاب مسلمون ممن صلى، قال ابن حبيب: ويفدى منه أسارى المسلمين ومنع ذلك غيره،
وأما «الغارم» فهو الرجل يركبه دين في غير معصية ولا سفه، قال العلماء: فهذا يؤدى عنه وإن كانت له عروض تقيم رمقه وتكفي عياله، وكذلك الرجل يتحمل بحمالة في ديارات أو إصلاح بين القبائل ونحو هذا، وهو أحد الخمسة الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة لعامل عليها أو غاز في سبيل الله أو رجل تحمل بحمالة أو من أهديت له أو من اشتراها بماله».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد سقط المؤلّفة من هذا الحديث، ولا يؤدى من الصدقة دين ميت ولا يعطى منها من عليه كفارة ونحو ذلك من حقوق الله، وإنما «الغارم» من عليه دين يسجن فيه، وقد قيل في مذهبنا وغيره: يؤدى دين الميت من الصدقات قاله أبو ثور، وأما في سبيل اللّه فهو المجاهد يجوز أن يأخذ من الصدقة لينفقها في غزوه وإن كان غنيا قال ابن حبيب: ولا يعطى منها الحاج إلا أن يكون فقيرا فيعطى لفقره، وقال ابن عباس وابن عمر وأحمد وإسحاق: يعطى منها الحاج وإن كان غنيا، والحج سبيل الله، ولا يعطى منها في بناء مسجد ولا قنطرة ولا شراء مصحف ونحو هذا، وأما ابن السّبيل فهو الرجل في السفر والغربة يعدم فإنه يعطى من الزكاة وإن كان غنيا في بلده، وسمي المسافر ابن السبيل لملازمته السبيل كما يقال للطائر: ابن ماء لملازمته له ومنه عندي قولهم: ابن جلا وقد قيل فيه غير هذا ومنه قولهم: بنو الحرب وبنو المجد ولا يعطى بنو هاشم من الصدقة المفروضة، قال ابن الماجشون ومطرف وأصبغ وابن حبيب: ولا من التطوع ولا يعطى مواليهم لأن مولى القوم منهم، وقال ابن القاسم: يعطى بنو هاشم من صدقة التطوع ويعطى مواليهم من الصدقتين، ومن سأل من الصدقة وقال إنه فقير، فقالت فرقة يعطى دون أن يكلف بينة على فقره بخلاف حقوق الآدميين يدعي معها الفقر فإنه يكلف البينة لأنها حقوق الناس يؤخذ لها بالأحوط، وأيضا فالناس إذا تعلقت بهم حقوق آدمي محمولون على الغنى حتى يثبت العدم ويظهر ذلك من قوله تعالى وإن كان ذو عسرةٍ [البقرة: 280] أي ان وقع فيعطي هذا أن الأصل الغنى فإن وقع ذو عسرة فنظرة،
وقالت فرقة: الرجل الصحيح الذي لا يعلم فقره لا يعطى إلا أن يعلم فقره، وأما إن ادعى أنه غارم أو مكاتب أو ابن سبيل أو في سبيل الله أو نحو ذلك مما لم يعلم منه فلا يعطى إلا ببينة قولا واحدا، وقد قيل في الغارم: تباع عروضه وجميع ما يملك ثم يعطى بالفقر، ويعطي الرجل قرابته الفقراء وهم أحق من غيرهم فإن كان قريبه غائبا في موضع تقصر إليه الصلاة فجاره الفقير أولى، وإن كان في غيبة لا تقصر إليه الصلاة فقيل هو أولى من الجار الفقير، وقيل الجار أولى ويعطي الرجل قرابته الذين لا تلزمه نفقتهم، وتعطي المرأة زوجها، وقال بعض الناس ما لم ينفق ذلك عليها، ويعطي الرجل زوجته إذا كانت من الغارمين، واختلف في ولاء الذي يعتق من الصدقة، فقال مالك: ولاؤه لجماعة المسلمين وقال أبو عبيد: ولاؤه للمعتق وقال عبيد الله بن الحسن: يجعل ماله في بيت الصدقات، وقال الحسن وأحمد وإسحاق: ويعتق من ماله رقاب، وإذا كان لرجل على معسر دين فقيل يتركه له ويقطع ذلك من صدقته وقيل لا يجوز ذلك جملة، وقيل إن كان ممن لو رفعه للحاكم أمكن أن يؤديه جاز ذلك وإلا لم يجز لأنه قد توي وأما السبيل: فهو الذي قدمنا ذكره يعطى الرجل الغازي وإن كان غنيا، وقال أصحاب الرأي لا يعطى الغازي في سبيل الله إلا أن يكون منقطعا به، قال ابن المنذر؟ وهذا خلاف ظاهر القرآن وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما القرآن فقوله وفي سبيل اللّه، وأما الحديث فقوله «إلا لخمسة لعامل عليها أو غاز في سبيل الله»، وأما صورة التفريق فقال مالك وغيره: على قدر الحاجة ونظر الإمام يضعها في أي صنف رأى وكذلك المتصدق، وقاله حذيفة بن اليمان وسعيد بن جبير وإبراهيم وأبو العالية، قال الطبري: وقال بعض المتأخرين: إذا قسم المتصدق قسم في ستة أصناف لأنه ليس ثم عامل ولأن المؤلفة قد انقطعوا فإن قسم الإمام ففي سبعة أصناف، وقال الشافعي وعكرمة والزهري: هي ثمانية أقسام لثمانية أصناف لا يخل بواحد منها واحتج الشافعي بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله: «إن الله تعالى لم يرض في الصدقات بقسم نبي ولا غيره حتى قسمها بنفسه فجعلها ثمانية أقسام لثمانية أصناف فإن كنت واحدا منها أعطيتك».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والحديث في مصنف أبي داود، وقال أبو ثور: إذا قسمها الإمام لم يخل بصنف منها وإن أعطى الرجل صدقته صنفا دون صنف أجزأه ذلك وقال النخعي: إذا كان المال كثيرا قسم على الأصناف كلها وإذا كان قليلا أعطاه صنفا واحدا. وقالت فرقة من العلماء: من له خمسون درهما فلا يعطى من الزكاة، وقال الحسن وأبو عبيد، لا يعطى من له أوقية وهي أربعون درهما، قال الحسن: وهو غني وقال الشافعي: قد يكون الرجل الذي لا قدر له غنيا بالدرهم مع سعيه وتحيله، وقد يكون الرجل له القدر والعيال ضعيف النفس والحيلة فلا تغنيه آلاف، وقال أبو حنيفة: لا يأخذ الصدقة من له مائتا درهم ومن كان له أقل فلا بأس أن يأخذ، قال سفيان الثوري: لا يدفع إلى أحد من الزكاة أكثر من خمسين درهما، إلا أن يكون غارما وقال أصحاب الرأي، إن أعطي ألفا وهو محتاج أجزأ ذلك، وقال أبو ثور: يعطى من الصدقة حتى يغنى ويزول عنه اسم المسكنة ولا بأس أن يعطى الفقير الألف وأكثر من ذلك، وقال ابن المنذر: أجمع أكثر من يحفظ عنه من أهل العلم أن من له دار وخادم لا يستغني عنهما أن يأخذ من الزكاة وللمعطي أن يعطيه، وقال مالك: إن لم يكن في ثمن الدار والخادم فضلة على ما يحتاج إليه منهما جاز له الأخذ وإلا لم يجزه، وأما الرجل يعطي الآخر وهو يظنه فقيرا فإذا هو غني، فإنه إن كان بفور ذلك أخذها منه فإن فاتت نظر، فإن كان الآخذ غنيا وأخذها مع علمه بأنها لا تحل له ضمنها على كل وجه، وإن كان لم يغر بل اعتقد أنها تجوز له، أو لم يتحقق مقصد المعطي نظر، فإن كان أكلها أو لبسها ضمنها، وإن كانت تلفت لم يضمن، واختلف في إجزائها عن المتصدق فقال الحسن وأبو عبيدة: تجزيه، وقال الثوري وغيره: لا تجزيه، وأهل بلد الصدقة أحق بها إلا أن تفضل فضلة فتنقل إلى غيرها بحسب نظر الإمام، قال ابن حبيب في الواضحة: أما المؤلّفة فانقطع سهمهم، وأما سبيل الله فلا بأس أن يعطي الإمام الغزاة إذا قل الفيء في بيت المال.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا الشرط فيه نظر، قال ابن حبيب: وينبغي للإمام أن يأمر السعاة بتفريقها بالمواضع التي جبيت فيها ولا يحمل منه شيء إلى الإمام إلا أن يرى ذلك لحاجة أو فاقة نزلت بقوم، قال مالك: ومن له مزرعة أو شيء في ثمنه إذا باعه ما يغنيه لم يجز له أخذ الصدقة، وهذه جملة من فقه الآية كافية على شرطنا في الإيجاز والله الموفق برحمته، وقوله تعالى: فريضةً من اللّه أي موجبة محدودة وهو مأخوذ من الفرض في الشيء بمعنى الحز والقطع ثبوت ذلك ودوامه، شبه ما يفرض من الأحكام، ونصب فريضةً على المصدر، ثم وصف نفسه تعالى بصفتين مناسبتين لحكم هذه الآية لأنه صدر عن علم منه بخلقه وحكمة منه في القسمة بينهم). [المحرر الوجيز: 4/ 340-349]