العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة التوبة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 02:46 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي تفسير سورة التوبة [ من الآية (6) إلى الآية (10) ]

تفسير سورة التوبة
[ من الآية (6) إلى الآية (10) ]

بسم الله الرحمن الرحيم
{ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 02:47 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال في سورة النساء: {إلا الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ أو جاءوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم ولو شاء اللّه لسلّطهم عليكم فلقاتلوكم فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السّلم فما جعل اللّه لكم عليهم سبيلاً}؛
وقال: {ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كلّ ما ردّوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السّلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطاناً مبيناً}؛
وقال في سورة الممتحنة: {لا ينهاكم اللّه عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّ اللّه يحبّ المقسطين}؛
ثم قال فيها: {إنّما ينهاكم اللّه عن الّذين قاتلوكم في الدّين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولّوهم ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون}؛
فنسخ هؤلاء الآيات في شأن المشركين، فقال: {براءةٌ من اللّه ورسوله إلى الّذين عاهدتم من المشركين (1) فسيحوا في الأرض أربعة أشهرٍ واعلموا أنّكم غير معجزي اللّه وأنّ اللّه مخزي الكافرين}؛
فجعل لهم أجلا أربعة أشهر يسيحون فيها وأبطل ما كان قبل ذلك، ثم قال في الآية التي تليها: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصدٍ}؛
ثم نسخ واستثنى: {فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فخلّوا سبيلهم إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}؛
وقال: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه). [الجامع في علوم القرآن: 3/70-72] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} قال: كتاب الله [الآية: 6]). [تفسير الثوري: 123]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه ذلك بأنّهم قومٌ لا يعلمون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه: وإن استأمنك يا محمّد من المشركين الّذين أمرتك بقتالهم وقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم أحدٌ ليسمع كلام اللّه منك، وهو القرآن الّذي أنزله اللّه عليه {فأجره} يقول: فأمّنه {حتّى يسمع كلام اللّه} وتتلوه عليه. {ثمّ أبلغه مأمنه} يقول: ثمّ ردّه بعد سماعه كلام اللّه إن هو أبى أن يسلم ولم يتّعظ لما تلوته عليه من كلام اللّه فيؤمن، إلى مأمنه، يقول: إلى حيث يأمن منك وممّن في طاعتك حتّى يلحق بداره وقومه من المشركين. {ذلك بأنّهم قومٌ لا يعلمون} يقول: تفعل ذلك بهم من إعطائك إيّاهم الأمان، ليسمعوا القرآن، وردّك إيّاهم إذا أبوا الإسلام إلى مأمنهم، من أجل أنّهم قومٌ جهلةٌ لا يفقهون عن اللّه حجّةً ولا يعلمون ما لهم بالإيمان باللّه لو آمنوا وما عليهم من الوزر والإثم بتركهم الإيمان باللّه.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك} أي من هؤلاء الّذين أمرتك بقتالهم {فأجره}.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فأجره حتّى يسمع كلام اللّه} أمّا كلام اللّه: فالقرآن.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره} قال: إنسانٌ يأتيك فيسمع ما تقول ويسمع ما أنزل عليك، فهو آمنٌ حتّى يأتيك فيسمع كلام اللّه، وحتّى يبلغ مأمنه حيث جاء.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم غازيًا، فلقي العدوّ، وأخرج المسلمون رجلاً من المشركين وأشرعوا فيه الأسنّة، فقال الرّجل ارفعوا عنّي سلاحكم، وأسمعوني كلام اللّه تعالى، فقالوا: تشهد أن لا إله إلاّ اللّه وأنّ محمّدًا عبده ورسوله وتخلع الأنداد وتتبرّأ من اللاّت والعزّى؟ فقال: فإنّي أشهدكم أنّي قد فعلت.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ثمّ أبلغه مأمنه} قال: إن لم يوافقه ما تقول عليه وتحدّثه، فأبلغه. قال: وليس هذا بمنسوخٍ.
واختلف في حكم هذه الآية، وهل هو منسوخٌ أو هو غير منسوخٍ؟
فقال بعضهم: هو غير منسوخٍ.
وقد ذكرنا قول من قال ذلك. وقال آخرون: هو منسوخٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} نسختها: {فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً}.
- قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، مثله.
وقال آخرون: بل نسخ قوله: {فاقتلوا المشركين} قوله: {فإمّا منًّا بعد}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبدة بن سليمان، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة: {حتّى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق} نسخها قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
وقال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك عندي قول من قال: ليس ذلك بمنسوخٍ، وقد دللنا على أنّ معنى النّسخ هو نفي حكمٍ قد كان ثبت بحكمٍ آخر غيره، ولم تصحّ حجّةٌ بوجوب حكم اللّه في المشركين بالقتل بكلّ حالٍ ثمّ نسخه بترك قتلهم على أخذ الفداء ولا على وجه المنّ عليهم.
فإذا كان ذلك كذلك فكان الفداء والمنّ والقتل لم يزل من حكم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيهم من أوّل حربٍ حاربهم، وذلك من يوم بدرٍ، كان معلومًا أنّ معنى الآية: فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم للقتل أو المنّ أو الفداء واحصروهم، وإذا كان ذلك معناه صحّ ما قلنا في ذلك دون غيره). [جامع البيان: 11/346-349]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه ذلك بأنّهم قومٌ لا يعلمون (6)
قوله تعالى: وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره يقول: من جاءك واستمع ما تقول واستمع ما أنزل إليك فهو آمنٌ حتّى يأتيك.
قوله تعالى: فأجره
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة حدّثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: فأجره يقول: فهو آمنٌ حتّى يأتيه فيسمع كلام اللّه.
قوله تعالى: حتّى يسمع كلام اللّه
- حدّثنا أبي ثنا الحسين بن الأسود ثنا عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ عن أصحابه في قول اللّه وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه قال: كلام اللّه: القرآن وروي عن قتادة نحو ذلك.
قوله تعالى: ثمّ أبلغه مأمنه
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: ثم أبلغه مأمنه من حيث جاء.
- حدّثنا أبي ثنا سهل بن عثمان ثنا يحيى قال: قال ابن جريجٍ: قال عطاء في الرّجل من أهل الشّرك يأتي المسلمين بغير عهدٍ قال: يخيّره إمّا أن يقرّه وإمّا أن يبلغه مأمنه.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ- فيما كتب إليّ- أنبأ أصبغ ثنا ابن زيدٍ في قوله: ثمّ أبلغه مأمنه قال: إن لم يوافقه ما يقصّ عليه ويحدّثه فأبلغه مأمنه، وليس هذا بمنسوخٍ.
قوله تعالى: ذلك بأنّهم قومٌ لا يعلمون
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن العلاء ثنا عثمان بن سعيدٍ ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ لا يعلمون يقول: لا يعقلون). [تفسير القرآن العظيم: 6/1755-1756]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (حدثنا إبراهيم ثنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وإن أحد من المشركين استجارك فأجره يقول إنسان يأتي فيسمع ما تقول ويسمع ما أنزل عليك فهو آمن حتى يسمع كلام الله وحتى يبلغ مأمنه من حيث جاء). [تفسير مجاهد: 273]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 6 - 7.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {ثم أبلغه مأمنه} قال: إن لم يوافقه ما يقضي عليه 7 ويجتريه فأبلغه مأمنه وليس هذا بمنسوخ.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} قال: أمر من أراد ذلك أن يأمنه فإن قبل فذاك وإلا خلى عنه حتى يأتي مأمنه وأمر أن ينفق عليهم على حالهم ذلك
وأخرج أبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {حتى يسمع كلام الله} أي كتاب الله.
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه قال: ثم استثنى فنسخ منها فقال
{وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} وهو كلامك بالقرآن فأمنه {ثم أبلغه مأمنه} يقول: حتى يبلغ مأمنه من بلاده.
وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن أبي عروبة رضي الله عنه قال: كان الرجل يجيء إذا سمع كلام الله وأقر به وأسلم، فذاك الذي دعي إليه وإن أنكر ولم يقر به فرد إلى مأمنه ثم نسخ ذلك فقال (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) (التوبة الآية 5) ). [الدر المنثور: 7/248-249]

تفسير قوله تعالى: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين}.
يقول تعالى ذكره: أنّى يكون أيّها المؤمنون باللّه ورسوله، وبأيّ معنًى يكون للمشركين بربّهم عهدٌ وذمّةٌ عند اللّه وعند رسوله، يوفّى لهم به، ويتركوا من أجله آمنين يتصرّفون في البلاد، وإنّما معناه: لا عهد لهم، وأنّ الواجب على المؤمنين قتلهم حيث وجدوهم إلاّ الّذين أعطوا العهد عند المسجد الحرام منهم، فإنّ اللّه جلّ ثناؤه أمر المؤمنين بالوفاء لهم بعهدهم والاستقامة لهم عليه، ما داموا عليه للمؤمنين مستقيمين.
واختلف أهل التّأويل في الّذين عنوا بقوله: {إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام} فقال بعضهم: هم قومٌ من جذيمة بن الدّيل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} هم بنو جذيمة بن الدّيل.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن محمّد بن عبّاد بن جعفرٍ، قوله: {إلاّ الّذين عاهدتم من المشركين} قال: هم جذيمة بكرٍ من كنانة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {كيف يكون للمشركين} الّذين كانوا وأنتم على العهد العامّ بأن لا تمنعوهم ولا يمنعوكم من الحرم ولا في الشّهر الحرام {عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام} وهي قبائل بني بكرٍ الّذين كانوا دخلوا في عهد قريشٍ وعقدتم يوم الحديبية إلى المدّة الّتي كانت بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبين قريشٍ، فلم يكن نقضها إلاّ هذا الحيّ من قريشٍ وبنو الدّيل من بكرٍ، فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن نقض عهده من بني بكرٍ إلى مدّته {فما استقاموا لكم} الآية.
وقال آخرون: هم قريشٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، قوله: {إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام} هم قريشٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام} يعني: أهل مكّة.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام} يقول: هم قومٌ كان بينهم وبين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مدّةٌ، ولا ينبغي لمشركٍ أن يدخل المسجد الحرام، ولا من يعطي المسلم الجزية.
{فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} يعني أهل العهد من المشركين.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} قال: هؤلاء قريشٌ.
وقد نسخ هذا الأشهر الّتي ضربت لهم، وغدروا بهم فلم يستقيموا، كما قال اللّه، فضرب لهم بعد الفتح أربعة أشهرٍ يختارون من أمرهم: إمّا أن يسلموا، وإمّا أن يلحقوا بأيّ بلادٍ شاءوا قال: فأسلموا قبل الأربعة الأشهر، وقبل قتلٍ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} قال: هم قوم جذيمة. قال: فلم يستقيموا، نقضوا عهدهم، أي أعانوا بني بكرٍ حلف قريشٍ على خزاعة حلف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال آخرون: هم قومٌ من خزاعة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام} قال: أهل العهد من خزاعة.
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال بالصّواب عندي قول من قال: هم بعض بني بكرٍ من كنانة، ممّن كان أقام على عهده ولم يكن دخل في نقض ما كان بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبين قريشٍ يوم الحديبية من العهد مع قريشٍ حين نقضوه بمعونتهم حلفاءهم من بني الدّيل على حلفاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من خزاعة.
وإنّما قلت: هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصّواب؛ لأنّ اللّه أمر نبيّه والمؤمنين بإتمام العهد لمن كانوا عاهدوه عند المسجد الحرام، ما استقاموا على عهدهم.
وقد بيّنّا أنّ هذه الآيات إنّما نادى بها عليٌّ في سنة تسعٍ من الهجرة، وذلك بعد فتح مكّة بسنةٍ، فلم يكن بمكّة من قريشٍ ولا خزاعة كافرٌ يومئذٍ بينه وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهدٌ فيؤمر بالوفاء له بعهده ما استقام على عهده؛ لأنّ من كان منهم من ساكني مكّة كان قد نقض العهد وحورب قبل نزول هذه الآيات.
وأمّا قوله: {إنّ اللّه يحبّ المتّقين} فإنّ معناه: إنّ اللّه يحبّ من اتّقى وراقبه في أداء فرائضه، والوفاء بعهده لمن عاهده، واجتناب معاصيه، وترك الغدر بعهوده لمن عاهده). [جامع البيان: 11/349-354]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلّا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين (7)
قوله تعالى: كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله
- قرأت على محمّد بن الفضل ثنا محمّد بن عليٍّ ثنا محمّد بن مزاحمٍ ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان، ثمّ قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد عاهده أناسٌ من المشركين وعاهد أيضًا أناسًا من بني ضمرة بن بكرٍ وكنانة خاصّةً عاهدهم عند المسجد الحرام، وجعل مدّتهم أربعة أشهرٍ وهم الّذين ذكر اللّه إلا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم هم بنو جذيمة بن فلان.
قوله تعالى: إلا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: إلا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام يعني: أهل مكّة.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ- فيما كتب إليّ- ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: إلا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم قال: هؤلاء قريشٌ.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا ابن ثورٍ عن معمرٍ عن قتادة قوله: إلّا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم قال: هو يوم الحديبية، قال: فلم يستقيموا ونقضوا عهدهم، أعانوا بني بكرٍ حلف قريشٍ على خزاعة حلفاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: فما استقاموا لكم
- قرأت على محمّدٍ ثنا محمّدٌ ثنا محمّدٌ عن بكيرٍ عن مقاتلٍ قوله: فما استقاموا لكم يقول: ما وفوا لكم بالعهد.
قوله تعالى: فاستقيموا لهم
- وبه عن مقاتل قوله: فاستقيموا لهم قال: فوفّوا لهم). [تفسير القرآن العظيم: 6/1756-1757]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} قال: قريش.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنهما في قوله {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} قال: هؤلاء قريش.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل رضي الله عنه قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم قد عاهده الناس من المشركين وعاهد أيضا أناسا من بني ضمرة بن بكر وكنانة خاصة عاهدهم عند المسجد الحرام وجعل مدتهم أربعة أشهر وهم الذين ذكر الله {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} يقول: ما وفوا لكم بالعهد فوفوا لهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} قال: هم بنو خزيمة بن فلان.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} قال: هو يوم الحديبية {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} قال: فلم يستقيموا ونقضوا عهدكم أعانوا بني بكر حلفاء قريش على خزاعة حلفاء النّبيّ صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 7/249-250]

تفسير قوله تعالى: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى إلا ولا ذمة قال الإل الحلف والذمة العهد). [تفسير عبد الرزاق: 1/268]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر قال وأخبرني ابن أبي نجيح عن مجاهد قال إلا ولا ذمة لا يراقبون الله تعالى ولا غيره). [تفسير عبد الرزاق: 1/268]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] قال: قال مجاهد: {كيف وإن لم يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة} قال: إلًّا: اللّه وقال بعضهم: الرحم [الآية: 8]). [تفسير الثوري: 123]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: كيف يكون لهؤلاء المشركين الّذين نقضوا عهدهم أو لمن لا عهد له منهم منكم أيّها المؤمنون عهدٌ وذمّةٌ، وهم إن يظهروا عليكم يغلبوكم، لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً.
واكتفى بـ كيف دليلاً على معنى الكلام، لتقدّم ما يراد من المعنى بها قبلها، وكذلك تفعل العرب إذا أعادت الحرف بعد مضيّ معناه استجازوا حذف الفعل، كما قال الشّاعر:
وخبّرتماني أنّما الموت في القرى = فكيف وهذي هضبةٌ وكثيب
فحذف الفعل بعد كيف لتقدّم ما يراد بعدها قبلها. ومعنى الكلام: فكيف يكون الموت في القرى وهذي هضبةٌ وكثيبٌ لا ينجو فيهما منه أحدٌ.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً} فقال بعضهم: معناه: لا يراقبوا اللّه فيكم ولا عهدًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا} قال: اللّه.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن سليمان، عن أبي مجلزٍ، في قوله: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّةً} قال: مثل قوله جبرائيل ميكائيل إسرافيل، كأنّه يقال: يضاف جبر وميكا وإسراف إلى إيل، يقول: عبد اللّه {لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا} كأنّه يقول: لا يرقبون اللّه.
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثني محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إلًّا ولا ذمّةً} لا يرقبون اللّه ولا غيره.
وقال آخرون: الإلّ: القرابة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّةً} يقول: قرابةً ولا عهدًا. وقوله: {وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً} قال: الإلّ: يعني القرابة، والذّمّة: العهد.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً} الإلّ: القرابة، والذّمّة: العهد. يعني أهل العهد من المشركين، يقول: ذمّتهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، وعبدة، عن حوشبٍ، عن الضّحّاك: الإلّ: القرابة.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا محمّدٌ، عن عبد اللّه، عن سلمة بن كهيلٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّةً} قال: الإلّ: القرابة، والذّمّة: العهد.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّةً} الإلّ: القرابة، والذّمّة: الميثاق.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {كيف وإن يظهروا عليكم} المشركون، لا يرقبوا فيكم عهدًا ولا قرابةً ولا ميثاقًا.
وقال آخرون: معناه: الحلف.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً} قال: الإلّ: الحلف، والذّمّة: العهد.
وقال آخرون: الإلّ: هو العهد، ولكنّه كرّر لمّا اختلف اللّفظان وإن كان معناهما واحدًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال. حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إلًّا} قال: عهدًا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً} قال: لا يرقبوا فيكم عهدًا ولا ذمّةً. قال: إحداهما من صاحبتها كهيئة {غفورٌ رحيمٌ} قال: فالكلمة واحدةٌ وهي تفترق، قال: والعهد هو الذّمّة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ {ولا ذمّةً} قال: العهد.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا قيسٌ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: {ولا ذمّةً} قال: الذّمّة العهد.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء المشركين الّذين أمر نبيّه والمؤمنين بقتلهم بعد انسلاخ الأشهر الحرم وحصرهم والقعود لهم على كلّ مرصدٍ أنّهم لو ظهروا على المؤمنين لم يرقبوا فيهم إلًّا، والإلّ: اسمٌ يشتمل على معانٍ ثلاثةٍ: وهي العهد والعقد، والحلف، والقرابة، وهو أيضًا بمعنى اللّه. فإذ كانت الكلمة تشمل هذه المعاني الثّلاثة، ولم يكن اللّه خصّ من ذلك معنًى دون معنًى، فالصّواب أن يعمّ ذلك كما عمّ بها جلّ ثناؤه معانيها الثّلاثة، فيقال: لا يرقبون في مؤمنٍ اللّه، ولا قرابةً، ولا عهدًا، ولا ميثاقًا.
ومن الدّلالة على أنّه يكون بمعنى القرابة قول ابن مقبلٍ:
أفسد النّاس خلوفٌ خلفوا = قطعوا الإلّ وأعراق الرّحيم
بمعنى: قطعوا القرابة، وقول حسّان بن ثابتٍ:
لعمرك إنّ إلّك من قريشٍ = كإلّ السّقب من رأل النّعام
وأمّا معناه: إذا كان بمعنى العهد. فقول القائل:
وجدناهم كاذبًا إلّهم = وذو الإلّ والعهد لا يكذب
وقد زعم بعض من ينسب إلى معرفة كلام العرب من البصريّين أنّ الإلّ والعهد والميثاق واليمين واحدٌ، وأنّ الذّمّة في هذا الموضع: التّذمّم ممّن لا عهد له، والجمع: ذممٌ.
وكان ابن إسحاق يقول: عنى بهذه الآية أهل العهد العامّ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {كيف وإن يظهروا عليكم} أي المشركون الّذين لا عهد لهم إلى مدّةٍ من أهل العهد العامّ {لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً}.
وأمّا قوله: {يرضونكم بأفواههم} فإنّه يقول: يعطونكم بألسنتهم من القول خلاف ما يضمرونه لكم في نفوسهم من العداوة والبغضاء. {وتأبى قلوبهم} أي تأبى عليهم قلوبهم أن يذعنوا لكم بتصديق ما يبدونه لكم بألسنتهم. يحذّر جلّ ثناؤه أمرهم المؤمنين ويشحذهم على قتلهم واجتياحهم حيث وجدوا من أرض اللّه، وألاّ يقصّروا في مكروههم بكلّ ما قدروا عليه. {وأكثرهم فاسقون} يقول: وأكثرهم مخالفون عهدكم ناقضون له، كافرون بربّهم خارجون عن طاعته). [جامع البيان: 11/354-359]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون (8)
قوله تعالى: كيف وإن يظهروا عليكم
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمّةً يقول: كيف وإن يظهروا عليكم المشركون لا يرقبوا فيكم
قوله تعالى: لا يرقبوا فيكم
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: لا يرقبوا فيكم لا يرقبوا في محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم إلا.
- حدّثنا أبي ثنا نعيم بن حمّادٍ ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمّةً لا يراقبون اللّه ولا غيره.
قوله تعالى: إلا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قوله: لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمّةً قال: الإلّ القرابة وروي عن الضّحّاك مثله.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ عن سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ إلا قال: اللّه عزّ وجلّ.
وروي عن سعيد بن جبيرٍ قال: إلهًا.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ إلا قال: عهدًا. وروي عن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم نحو ذلك
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى، أنبأ محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن قتادة إلاً قال: الإلّ: الحلف.
قوله تعالى: ولا ذمّةً
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ إلا ولا ذمّةً قال: الذّمّة: العهد. وروي عن مجاهدٍ في إحدى الرّوايات وقتادة والضّحّاك في أحد قوليه مثله.
والوجه الثّاني:
- أخبرنا أحمد بن عثمان- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمّةً يقول: عهدًا ولا قرابةً، ولا ميثاقًا
وروي عن سعيد بن جبيرٍ أنّه قال: العقد.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا نصر بن عليٍّ الجهضميّ ثنا معتمرٌ عن محمّد بن الهيصم عن بديلٍ عن الضّحّاك بن مزاحمٍ لا يرقبون في مؤمن إلًا ولا ذمةً قال: الذّمّة الحلف.
قوله تعالى: يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم
بياضٌ لم يذكر فيه شيءٌ.
قوله تعالى: وأكثرهم فاسقون
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: وأكثرهم فاسقون قال: القرون الماضية.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد حدّثنا يزيد بن زريعٍ حدّثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: وأكثرهم فاسقون قال: ذمّ اللّه- تعالى أكثر النّاس). [تفسير القرآن العظيم: 6/1757-1759]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله إلًّا الإلّ القرابة والذّمّة والعهد تقدّم في الجزية). [فتح الباري: 8/314]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 8.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه قال الأل الله عز وجل.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة قال: الأل: الله.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة قال: الإل الحلف والذمة العهد .
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {إلا ولا ذمة} قال: الأل القرابة والذمة العهد، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول:
جزى الله إلا كان بيني وبينهم * جزاء ظلوم لا يؤخر عاجلا.
وأخرج ابن الأنباري في كتاب الوقف والابتداء عن ميمون بن مهران رضي الله عنه، أن نافع بن الأزرق قال لابن عباس رضي الله عنهما: أخبرني عن قول الله تعالى {لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة} قال: الرحم وقال فيه حسان بن ثابت:
لعمرك إن غلك من قريش * كال السقب من رال النعام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {وأكثرهم فاسقون} قال: ذم الله تعالى أكثر الناس). [الدر المنثور: 7/250-251]

تفسير قوله تعالى: (اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اشتروا بآيات اللّه ثمنًا قليلاً فصدّوا عن سبيله إنّهم ساء ما كانوا يعملون}.
يقول جلّ ثناؤه: ابتاع هؤلاء المشركون الّذين أمركم اللّه أيّها المؤمنون بقتلهم حيث وجدتموهم بتركهم اتّباع ما احتجّ اللّه به عليهم من حججه يسيرًا من العوض قليلاً من عرض الدّنيا، وذلك أنّهم فيما ذكر عنهم كانوا نقضوا العهد الّذي كان بينهم وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بأكلةٍ أطعمهموها أبو سفيان بن حربٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: {اشتروا بآيات اللّه ثمنًا قليلاً} قال: أبو سفيان بن حربٍ أطعم حلفاءه، وترك حلفاء محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ مثله.
وأمّا قوله: {فصدّوا عن سبيله} فإنّ معناه: فمنعوا النّاس من الدّخول في الإسلام، وحاولوا ردّ المسلمين عن دينهم. {إنّهم ساء ما كانوا يعملون} يقول جلّ ثناؤه: إنّ هؤلاء المشركين الّذين وصفت صفاتهم، ساء عملهم الّذي كانوا يعملون من اشترائهم الكفر بالإيمان والضّلالة بالهدى، وصدّهم عن سبيل اللّه من آمن باللّه ورسوله أو من أراد أن يؤمن). [جامع البيان: 11/359-360]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (اشتروا بآيات اللّه ثمنًا قليلًا فصدّوا عن سبيله إنّهم ساء ما كانوا يعملون (9)
قوله تعالى: اشتروا بآيات اللّه
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: اشتروا بآيات اللّه ثمنًا قليلا قال أبو سفيان بن حربٍ أطعم حلفاءه وترك حلفاء محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: ثمنًا قليلا
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة، أنبأ عليّ بن الحسين أنبأ عبد اللّه بن المبارك أنبأ عبد الرّحمن بن يزيد بن جابرٍ عن هارون بن يزيد قال: سئل الحسن عن قوله: ثمنًا قليلا، قال: الثّمن القليل: الدّنيا بحذافيرها.
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ ثنا سرور بن المغيرة عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن قوله: ثمنًا قليلا كذبًا وفجورًا.
قوله تعالى: فصدّوا عن سبيله
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: عن سبيله قال: عن الإسلام.
قوله تعالى: إنّهم ساء ما كانوا يعملون
بياض). [تفسير القرآن العظيم: 6/1759-1760]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم ثنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا قال هو أبو سفيان بن حرب أطعم حلفاءه وترك حلفاء محمد صلى الله عليه وسلم). [تفسير مجاهد: 274]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 9 - 10.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا} قال: أبو سفيان بن حرب أطعم حلفاءه وترك حلفاء محمد صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 7/251]

تفسير قوله تعالى: (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّةً وأولئك هم المعتدون}.
يقول تعالى ذكره: لا يتّقي هؤلاء المشركون الّذين أمرتكم أيّها المؤمنون بقتلهم حيث وجدتموهم في قتل مؤمنٍ لو قدروا عليه {إلًّا ولا ذمّةً} يقول: فلا تبقوا عليهم أيّها المؤمنون، كما لا يبقون عليكم لو ظهروا عليكم. {وأولئك هم المعتدون} يقول: المتجاوزون فيكم إلى ما ليس لهم بالظّلم والاعتداء). [جامع البيان: 11/360]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّةً وأولئك هم المعتدون (10)
قوله تعالى: لا يرقبون
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 6/1760]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم ثنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة قال الإل العهد). [تفسير مجاهد: 273]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 02:49 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): ( {وإن أحدٌ مّن المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه}.
يقول: ردّه إلى موضعه ومأمنه.
وقوله: {وإن أحدٌ مّن المشركين استجارك} في موضع جزم وإن فرق بين الجازم والمجزوم بـ {أحد}. وذلك سهل في {إن} خاصّة دون حروف الجزاء؛ لأنها شرط وليست باسم، ولها عودة إلى الفتح فتلقى الاسم والفعل وتدور في الكلام فلا تعمل، فلم يحفلوا أن يفرقوا بينها وبين المجزوم بالمرفوع والمنصوب. فأما المنصوب فمثل قولك: إنّ أخاك ضربت ظلمت. والمرفوع مثل قوله: {إن امرؤٌ هلك ليس له ولدٌ} ولو حوّلت {هلك} إلى {إن يهلك} لجزمته، وقال الشاعر:
فان أنت تفعل فللفاعليـ =ن أنت المجيزين تلك الغمارا
ومن فرق بين الجزاء وما جزم بمرفوع أو منصوب لم يفرق بين جواب الجزاء وبين ما ينصب بتقدمة المنصوب أو المرفوع؛ تقول: إن عبد الله يقم يقم أبوه، ولا يجوز أبوه يقم، ولا أن تجعل مكان الأب منصوبا بجواب الجزاء. فخطأ أن تقول: إن تأتني زيدا تضرب. وكان الكسائيّ يجيز تقدمة النصب في جواب الجزاء، ولا يجوّز تقدمة المرفوع، ويحتجّ بأن الفعل إذا كان للأول عاد في الفعل راجع ذكر الأول، فلم يستقم إلغاء الأوّل. وأجازه في النصب؛ لأن المنصوب لم يعد ذكره فيما نصبه، فقال: كأن المنصوب لم يكن في الكلام. وليس ذلك كما قال؛ لأن الجزاء له جواب بالفاء. فإن لم يستقبل بالفاء استقبل بجزم مثله ولم يلق باسم،
إلا أن يضمر في ذلك الاسم الفاء. فإذا أضمرت الفاء ارتفع الجواب في منصوب الأسماء ومرفوعها لا غير. واحتجّ بقول الشاعر:
وللخيل أيّامٌ فمن يصطبر لها =ويعرف لها أيامها الخير تعقب
فجعل (الخير) منصوبا بـ (تعقب). (والخير) في هذا الموضع نعت للأيام؛ كأنه قال: ويعرف لها أيامها الصالحة تعقب. ولو أراد أن يجعل (الخير) منصوبا بـ (تعقب) لرفع (تعقب) لأنه يريد: فالخير تعقبه). [معاني القرآن: 1/421-423]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإن أحدٌ مّن المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه ذلك بأنّهم قومٌ لاّ يعلمون}
وقال: {وأن أحدٌ مّن المشركين استجارك} فابتدأ بعد {أن}، وأن يكون رفع أحداً على فعل مضمر أقيس الوجهين لأن حروف المجازاة لا يبتدأ بعدها. إلا أنهم قد قالوا ذلك في "أن" لتمكنها وحسنها إذا وليتها الأسماء وليس بعدها فعل مجزوم في اللفظ كما قال الشاعر
* عاود هراة وأن معمورها خربا *
وقال الآخر:
لا تجزعي أن منفساً أهلكته = وأذا هلكت فعند ذلك فاجزعي
وقد زعموا أن قول الشاعر:

أتجزع أن نفسٌ أتاها حمامها = فهلاّ الّتي عن بين جنبيك تدفع
لا ينشد إلاّ رفعاً وقد سقط الفعل على شيء من سببه. وهذا قد ابتدئ بعد "أن" وإن شئت جعلته رفعا بفعل مضمر). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ({وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه ذلك بأنّهم قوم لا يعلمون}
المعنى إن طلب منك أحد منهم أن تجيره من القتل إلى أن يسمع كلام اللّه {فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه}.
{ذلك بأنّهم قوم لا يعلمون}.
أي الأمر ذلك، أي وجب أن يعرفوا وأن يجازوا بجهلهم وبما يتبينون الإسلام.
وأما الإعراب في أحد مع " إن " فالرفع بفعل مضمر الذي ظهر يفسره.
المعنى وإن استجارك أحد.
ومن زعم أنه يرفع أحدا بالابتداء فخطأ.
لأن الجزاء لا يتخطى ما يرفع بالابتداء ويعمل فيما بعده.
فلو أظهرت المستقبل لقلت: إن أحد يقم أكرمه ولا يجوز إن يقم أحد زيد يقم. لا يجوز أن ترفع زيدا بفعل مضمر الذي ظهر يفسّره ويجزم.
وإنما جاز في " إن، لأن " إن، يلزمها الفعل.
وجواب الجزاء يكون بالفعل وغيره.
ولا يجوز أن تضمر وتجزم بعد المبتدأ.
لأنك تقول ههنا إن تأتني فزيد يقوم، فالموضع موضع ابتداء.
وإنما يجوز الفصل في باب " إن " لأن " إن " أمّ الجزاء، ولا تزول عنه إلى غيره، فأما أخواتها فلا يجوز ذلك فيها إلا في الشعر.
قال عدي بن زيد:
فمتى واغل يزرهم يحيوه... وتعطف عليه كأس السّاقي). [معاني القرآن: 2/431-432]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}
أي استجارك من القتل حتى يسمع كلام الله فأجره). [معاني القرآن: 3/185]

تفسير قوله تعالى: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إلاّ الّذين عاهدتّم...}
استثناء في موضع نصب. وهم قوم من بني كنانة كان قد بقي من أجلهم تسعة أشهر.
قال الله تبارك وتعالى: {فأتمّوا إليهم عهدهم إلى مدّتهم}؛ يقول: لا تحطّوهم إلى الأربعة). [معاني القرآن: 1/421]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه...}
على التعجب؛ كما تقول: كيف يستبقى مثلك؛ أي لا ينبغي أن يستبقى. وهو في قراءة عبد الله (كيف يكون للمشركين عهد عند الله ولا ذمة) فجاز دخول (لا) مع الواو لأن معنى أوّل الكلمة جحد، وإذا استفهمت بشيء من حروف الاستفهام فلك أن تدعه استفهاما، ولك أن تنوي به الجحد. من ذلك قولك: هل أنت إلاّ كواحد منّا؟! ومعناه: ما أنت إلا واحد منا، وكذلك تقول: هل أنت بذاهب؟ فتدخل الباء كما تقول: ما أنت بذاهب. وقال الشاعر:
يقول إذا اقلولي عليها وأقردت =ألا هل أخو عيشٍ لذيذٍ بدائم
وقال الشاعر:
فاذهب فأيّ فتى في الناس أحرزه =من يومه ظلمٌ دعجٌ ولا جبل
[معاني القرآن: 1/423]
فقال: ولا جبل، للجحد وأوّله استفهام ونيّته الجحد؛ معناه ليس يحرزه من يومه شيء. وزعم الكسائي أنه سمع العرب تقول: أين كنت لتنجو مني، فهذه اللام إنما تدخل لـ {ما} التي يراد بها الجحد؛ كقوله: {ما كانوا ليؤمنوا}، {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}). [معاني القرآن: 1/424]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين}
وقال: {كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلاّ الّذين} فهذا استثناء خارج من أول الكلام. و{الذين} في موضع نصب). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ( {كيف يكون للمشركين عهد عند اللّه وعند رسوله إلّا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين}
{إلّا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام}.
أي ليس العهد إلا لهؤلاء الذين لم ينكثوا.
فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم).
أي ما أقاموا على الوفاء بعهدهم، وموضع " الذين " نصب بالاستثناء). [معاني القرآن: 2/432]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم}
أي فما أقاموا على العهد ولم ينقضوه فأوفوا لهم). [معاني القرآن: 3/185]

تفسير قوله تعالى: (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {كيف وإن يظهروا عليكم...}
اكتفى بـ {كيف} ولا فعل معها؛ لأن المعنى فيها قد تقدّم في قوله: {كيف يكون للمشركين عهدٌ} وإذا أعيد الحرف وقد مضى معناه استجازوا حذف الفعل؛ كما قال الشاعر:
وخبرتماني أنما الموت في القرى =فكيف وهذي هضبةٌ وكثيب
وقال الحطيئة:
فكيف ولم أعلمهم خذلوكم =في معظمٍ ولا أديمكم قدّوا
وقال آخر:
* فهل إلى عيش يا نصاب وهل *
فأفرد الثانية لأنه يريد بها مثل معنى الأوّل). [معاني القرآن: 1/424-425]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمّةً يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون}
وقال: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم} فأضمر كأنه [قال] "كيف لا تقتلونهم" والله أعلم). [معاني القرآن: 2/30]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {إلا ولا ذمة} (الإل): العهد وقال بعضهم القرابة {والذمة} الأمان ومنه سمي المعاهد ذميا لأنه أعطي الأمان. ومنه في الحديث " ويسعى بذمتهم أدناهم"). [غريب القرآن وتفسيره: 161]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( و {الإلّ}: العهد، ويقال: القرابة، ويقال: اللّه جل ثناؤه.
و{الذمة}: العهد). [تفسير غريب القرآن: 183]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلّا ولا ذمّة يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون}
وحذف مع كيف جملة " يكون لهم عهد " لأنه قد ذكر قبل ذلك.
قال الشاعر يرثي أخا له مات:
وخبرتماني أنما الموت بالقرى.=.. فكيف وهاتا هضبة وقليب
أي فكيف مات وليس بقرية. ومثله قول الحطيئة:
وكيف ولم أعلمهمو خذلوكمو.=.. على معظم ولا أديمكمو قدّوا
أي فكيف تلومونني على مدح قوم، وتذمونهم، واستغنى عن ذكر " ذلك " مع ذكر كيف، لأنه قد جرى في القصيدة ما يدل على ما أضمر.
قال أبو عبيدة الإل: العهد، والذّمّة ما يتذمم منه، وقال غيره: الذمة: العهد، وقيل في الإل غير قول.
قيل: الإل: القرابة، وقيل: الإل: الحلف، وقيل: الإل: العهد، وقيل الإل اسم من أسماء اللّه، وهذا عندنا ليس بالوجه لأن أسماء اللّه جلّ وعز معروفة معلومة كما سمعت في القرآن وتليت في الأخبار قال الله جلّ وعزّ:
{وللّه الأسماء الحسنى فادعوه بها}.
فالداعي يقول: يا اللّه، يا رحمن، يا ربّ، يا مؤمن، يا مهيمن.
[معاني القرآن: 2/433]
ولم يسمع " يا إلّ في الدعاء.
وحقيقة " الإلّ " عندي على ما توحيه اللغة تحديد الشيء فمن ذلك: الإلّة: الحربة، لأنّها محدّدة، ومن ذلك: إذن مؤلّلة، إذا كانت محدّدة.
والأل يخرج في جميع ما فسر من العهد والجوار على هذا، وكذلك القرابة، فإذا قلت في العهد بينهما إلّ فمعناه جواز يحاد الإنسان، وإذا قلته في القرابة فتأويله القرابة الدانية التي تحادّ الإنسان). [معاني القرآن: 2/434]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {كيف وإن يظهروا عليكم}
معناه كيف يكون لهم عهد {وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة}
روى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ألإل الله جل وعز
وروى ابن جريج عن مجاهد قال الإل العهد
وقال أبو عبيدة الإل العهد والذمة التذمم
وقال قتادة الحلف والذمة العهد
وقال الضحاك الإل القرابة والذمة العهد
قال أبو جعفر وهذا أحسنها والأصل في هذا أنه يقال أذن موللة أي محددة والألة الحربة فإذا قيل للعهد إل فمعناه أنه قد حدد وإذا قيل للقرابة فمعناه إن أحدهما يحاد صاحبه ويقاربه وأنشد أهل اللغة:
لعمرك إن إلك من قريش = كإل السقب من رأل النعام
فأما ما روي عن أبي مجلز ومجاهد أن الإل الله جل وعز فغير معروف لأن أسماء الله جل وعز معروفة والذمة العهد
قول معروف ومنه أهل الذمة إنما هم أهل العهد وتذممت أن أفعل استحييت فصرت بمنزلة من عليه عهد). [معاني القرآن: 3/186-188]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {إلا ولا ذمة} فالإل: الله - عز وجل، والذمة: العهد). [ياقوتة الصراط: 241]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والإلَ} العهد، ويقال: القرابة. {والذمة} العهد. وقيل: الإلَ هو الله جل ذكره). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 96]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الإِل}: العهد {الذِمَّةً}: الأمان). [العمدة في غريب القرآن: 146]

تفسير قوله تعالى: (اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) )

تفسير قوله تعالى: (لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمّة} مجاز الإلّ: العهد والعقد واليمين، ومجاز الذمة التذمم ممن لا عهد له، والجميع ذمم؛ {يرقبوا} أي يراقبوا.
{وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة} أي أداموها في مواقيتها، وأعطوا زكاة أموالهم). [مجاز القرآن: 1/253]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {لا يرقبون} المصدر: رقبة ورقبانًا ورقوبًا.
وقوله {إلا ولا ذمة} فالإل: الحلف، وقالوا: العهد وقالوا أيضًا، وكان ابن عباس يقول: الإل القرابة؛ وكان يقول: الذمة العهد؛ وقالوا أيضًا: الإلة إلة الرجل: عشيرته.
وقال المسيب بن علس:
وجدناهم كاذبًا إلهم = وذو الإل والعهد لا يكذب
وقال الكميت:
من يمت منهم حمد ومن = يحيى فلا ذو إل ولا ذو ذمام
[معاني القرآن لقطرب: 638]
قال قطرب وسمعنا من ينشد هذا البيت عن ابن عباس:
فأقسم أن إلك من قريش = كإل السقب من ولد النعام
وقال ابن مقبل أيضًا:
أفسد الناس خلوف خلفوا = قطعوا الإل وأعراق الرحم). [معاني القرآن لقطرب: 639]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الإلّ هو: الله تعالى. قال مجاهد في قوله سبحانه: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً} ويعني الله عز وجل. ومنه (جبر إلّ) في قراءة من قرأه بالتشديد.
ويقال للرحم: إلّ كما اشتق لها الرّحم من الرّحمن.
وقال حسّان:
لعمركَ إِنَّ إِلَّكَ فِي قُرَيْشٍ = كإِلِّ السَّقْبِ مِن رَأْلِ النَّعَامِ
أي: رَحِمُكَ فِيهم، وقُرْبَاكَ مِنْهُمْ.
ومن ذهب بالإلِّ في قوله تعالى: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا} إلى الرَّحِم، فهو وجهٌ حَسَن.
كما قال الشاعر:
دَعَوْا رَحِمًا فِينَا وَلا يَرْقُبونَهَا = وَصَدَّتْ بأَيدِيهَا النِّسَاءُ عَنِ الدَّمِ
يريد: أن المشركين لم يكونوا يرقبون في قراباتهم من المسلمين رحما، وقد قال الله تعالى لنبيه عليه السلام: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23].
قال ابن عباس: يريد لا أسألكم على ما أتيتكم به من الهدى أجرا إلا أن تودّوني في القرابة منكم. وكانت لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم، ولادات كثيرة في بطون قريش. وقال الله عز وجل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128].
قال ابن عباس: قالت قريش: يسألنا أن نودّه في القرابة وهو يشتم آلهتنا ويعيبها؟! فأنزل الله تعالى: {قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ} [سبأ: 47].
ويقال للعهد: {إلّ}، لأنّه بالله يكون). [تأويل مشكل القرآن: 449-450]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 02:51 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) }

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (المدائني قال: أقبل واصل بن عطاء في رفقة فلقيهم ناس من الخوارج، فقالوا لهم: من أنتم؟ قال لهم واصل: مستجيرون حتّى نسمع كلام اللّه، فاعرضوا عليّنا. فعرضوا عليهم فقال واصل: قد قبلنا. قالوا: فامضوا راشدين. قال واصل: ما ذلك لكم حتى تبلغونا مأمننا. قال اللّه تعالى: {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام اللّه ثم أبلغه مأمنه} فأبلغونا مأمننا. فجاءوا معهم حتى بلغوا مأمنهم). [عيون الأخبار: 2/196]

تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) }

تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (والإل العهد والذمة). [إصلاح المنطق: 20]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وقال غير قطرب: من حروف الأضداد الجبر،
يقال: جبر للملك، وجبر للعبد؛ قال ابن أحمر:
فاسلم براووق حبيت به = وانعم صباحا أيها الجبر
أراد: أيها الملك.
وقولهم: جبرئيل، معناه عبد الله، فالجبر العبد، والإيل والإل الربوبية.
وكان ابن يعمر يقرأ: (جبرئل)، بتشديد اللام.
وقال بعض المفسرين: الإل هو الله جل اسمه، واحتج بقول الله جل وعز: {لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة}، قال: معناه لا يرقبون الله ولا ذمته.
ويحكى عن أبي بكر الصديق رحمه الله أن المسلمين لما قدموا عليه من قتال مسيلمة استقرأهم بعض قرآنه، فلما قرءوا عليه عجب، وقال: إن هذا كلام لم يخرج من إل، أي من ربوبية.
ويقال: الإل: القرابة، والذمة: العهد، ويقال: الإل: الحلف، والذمة: العهد.
وقال أبو عبيدة: الإل: العهد، والذمة: التذمم ممن لا عهد له، قال الشاعر:

لعمرك إن إلك من قريش = كإل السقب من رأل النعام
أراد بـ (الإل) القرابة. وقال الآخر:

إن الوشاة كثير إن أطعتهم = لا يرقبون بنا إلا ولا ذمما
وقال الآخر:
إن يمت لا يمت فقيدا وإن يحـ = ـي فلا ذو إل ولا ذو ذمام
وقال الآخر:
قد كان عهدي ببني قيس وهم = لا يضعون قدما على قدم
ولا يحلون بإل في حرم
أراد: ولا يحلون بحلف وعهد لعزهم. ومعنى قوله:
لا يضعون قدما على قدم
لا يكونون أتباعا فيضعون أقدامهم على أقدام الناس.
وقال بعض المفسرين: جبرائيل معناه عبد الله، وإسرافيل معناه عبد الرحمن، وكل اسم فيه (إيل)، فهو معبد لله عز وجل). [كتاب الأضداد: 394-396]

تفسير قوله تعالى: {اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) }

تفسير قوله تعالى: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) }

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: إنما هو جبرئيل وميكائيل كقولك: عبد الله وعبد الرحمن.
قال: حدثناه أبو معاوية عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء عن عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس قال: إنما هو جبرئيل وميكائيل، كقولك عبد الله وعبد الرحمن.
وغير أبي معاوية يرفعه، ولم يرفعه أبو معاوية.
قال الأصمعي: معنى إيل معني الربوية فأضيف جبر وميكا إليه، فقال: جبرئيل وميكائيل.
وقال أبو عمرو: جبر هو الرجل.
فكأن معناه عبد إيل رجل إيل مضاف إليه. فهذا تأويل قوله: عبد الرحمن وعبد الله.
قال: حدثني عفان بن عبد الوارث عن إسحاق بن سويد عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرؤها: جبرإل، ويقول: جبر هو عبد وإل هو الله.
قال: وحدثني عبد الرحمن بن مهدي والأشجعي عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة}. إلا قال الله.
قال: وحدثنا إسماعيل بن مجالد عن بيان عن الشعبي في قوله: {لا يرقبون في مؤمن إلا}.
قال: الإل: إما الله وإما كذا وكذا، أظنه قال: العهد.
ويروى عن ابن إسحاق أن وفد بني حنيفة لما قدموا على أبي بكر رضي الله عنه بعد مقتل مسيلمة ذكر لهم أبو بكر قراءة مسيلمة فقال: إن هذا الكلام لم يخرج من إل.
كأنه يعني الربوبية.
قال: والإل في غير هذين الموضعين القرابة، وأنشد لحسان بن ثابت الأنصاري:
لعمرك إن إلك من قريش = كإل السقب من رأل النعام
فالإل ثلاثة أشياء: الله جل ثناؤه، والعهد، والقرابة). [غريب الحديث: 3/81-85]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه لما قدم وفد اليمامة بعد مقتل مسيلمة قال لهم: ما كان صاحبكم يقول؟ فاستعفوه من ذلك، فقال: لتقولن، فقالوا: كان يقول: يا ضفدع نقي كم تنقين، لا الشراب تمنعين، ولا الماء تكدرين ... في كلام من هذا كثير، فقال أبو بكر: ويحكم إن هذا الكلام لم يخرج من إل ولا بر فأين ذهب بكم.
قوله من إل: يعني من رب.
ويروى عن الشعبي أنه قال في قوله سبحانه وتعالى: {لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة} قال: الله، أو قال: ربا.
ومما يبين هذا قوله: جبرئل وميكائيل، إنما أضيف جبر وميكا إلى إل وهو شبيه بقول ابن عباس: إنما هو كقولك: عبد الله وعبد الرحمن في جبرئل وميكائل). [غريب الحديث: 4/127-128]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 02:52 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 02:53 AM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:21 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:21 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه ذلك بأنّهم قومٌ لا يعلمون (6) كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلاّ الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين (7)
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية بعد الأمر بقتال المشركين بأن يكون متى طلب مشرك عهدا يأمن به يسمع القرآن ويرى حال الإسلام أن يعطيه ذلك، وهي الإجارة وهو من الجوار، ثم أمر بتبليغه المأمن إذا لم يرض الإسلام ولم يهد إليه، قال الحسن: هي محكمة سنة إلى يوم القيامة، وقال مجاهد وقال الضحاك والسدي: هذا منسوخ بقوله فاقتلوا المشركين [التوبة: 5]، وقال غيرهما: هذه الآية إنما كان حكمها مدة الأربعة الأشهر التي ضربت لهم أجلا، وقوله سبحانه: حتّى يسمع كلام اللّه يعني القرآن وهي إضافة صفة إلى موصوف لا إضافة خلق إلى خالق، والمعنى ويفهم أحكامه وأوامره ونواهيه، فذكر السماع بالأذان إذ هو الطريق إلى الفهم وقد يجيء السماع في كلام العرب مستعملا بمعنى الفهم كما تقول لمن خاطبته فلم يقبل منك أنت لم تسمع قولي تريد لم تفهمه، وذلك في كتاب الله تعالى في عدة مواضع، وأحدٌ في هذه الآية مرتفع بفعل يفسره قوله استجارك ويضعف فيه الابتداء لولاية الفعل، لأن قوله تعالى: ذلك إشارة إلى هذا اللطف في الإجارة والإسماع وتبليغ المأمن ولا يعلمون نفي علمهم بمراشدهم في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم). [المحرر الوجيز: 4/ 263]

تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه.
الآية لفظ استفهام وهو على جهة التعجب والاستبعاد، أي على أي وجه يكون للمشركين عهد وهم قد نقضوا وجاهروا بالتعدي ثم استثنى من عموم المشركين القوم الذين عوهدوا عند المسجد الحرام أي في ناحيته وجهته، وقال ابن عباس فيما روي عنه: المعني بهذا قريش، وقال السدي: المعني بنو خزيمة بن الديل، وقال ابن إسحاق: هي قبائل بني بكر كانوا دخلوا وقت الحديبية في المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش فلم يكن نقض إلا قريش وبنو الديل من بني بكر فأمر المسلمون بإتمام العهد لمن لم يكن نقض، وقال قوم: المعني خزاعة قاله مجاهد وهو مردود بإسلام خزاعة عام الفتح، وقال بعض من قال إنهم قريش إن هذه الآية نزلت فلم يستقيموا بل نقضوا فنزل تأجيلهم أربعة أشهر بعد ذلك، وحكى الطبري هذا القول عن ابن زيد وهو ضعيف متناقض، لأن قريشا وقت الأذان بالأربعة الأشهر لم يكن منهم إلا مسلم، وذلك بعد فتح مكة بسنة وكذلك خزاعة، قاله الطبري وغيره، وقوله إنّ اللّه يحبّ المتّقين يريد به الموفين بالعهد من المؤمنين، فلذلك جاء بلفظ مغترق الوفاء بالعهد متضمن الإيمان). [المحرر الوجيز: 4/ 264]

تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلاًّ ولا ذمّةً يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون (8) اشتروا بآيات اللّه ثمناً قليلاً فصدّوا عن سبيله إنّهم ساء ما كانوا يعملون (9) لا يرقبون في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذمّةً وأولئك هم المعتدون (10)
بعد كيف في هذه الآية فعل مقدر ولا بد، يدل عليه ما تقدم، فيحسن أن يقدر كيف يكون لهم عهد ونحوه قول الشاعر: [الطويل]
وخير تماني إنما الموت في القرى = فكيف وهاتا هضبة وكثيب
وفي كيف هنا تأكيد للاستبعاد الذي في الأولى، ولا يرقبوا معناه لا يراعوا ولا يحافظوا وأصل الارتقاب بالبصر، ومنه الرقيب في الميسر وغيره، ثم قيل لكل من حافظ على شيء وراعاه راقبه وارتقبه، وقرأ جمهور الناس «إلّا» وقرأ عكرمة مولى ابن عباس بياء بعد الهمزة خفيفة اللام «إيلا»، وقرأت فرقة «ألا» بفتح الهمزة، فأما من قرأ «إلا» فيجوز أن يراد به الله عز وجل قاله مجاهد وأبو مجلز، وهو اسمه بالسريانية، ومن ذلك قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه حين سمع كلام مسيلمة فقال هذا كلام لم يخرج من إل، ويجوز أن يراد به العهد والعرب تقول للعهد والخلق والجوار ونحو هذه المعاني إلا، ومنه قول أبي جهل: [الطويل]
لإل علينا واجب لا نضيعه = متين فواه غير منتكث الحبل
ويجوز أن يراد به القرابة، فإن القرابة في لغة العرب يقال له إل، ومنه قول ابن مقبل: [الرمل]
أفسد الناس خلوف خلّفوا = قطعوا الإل وأعراق الرحم
أنشده أبو عبيدة على القرابة، وظاهره أنه في العهود، ومنه قول حسان: [الوافر]
لعمرك أن إلّك في قريش = كإل السقب من رال النعام
وأما من قرأ «ألا» بفتح الهمزة فهو مصدر من فعل للإل الذي هو العهد، ومن قرأ «إيلا» فيجوز أن يراد به الله عز وجل، فإنه يقال أل وأيل، وفي البخاري قال جبر، وميك، وسراف: عبد بالسريانية، وأيل الله عز وجل، ويجوز أن يريد إلًّا المتقدم فأبدل من أحد المثلين ياء كما فعلوا ذلك في قولهم أما وأيما، ومنه قول سعد بن قرط يهجو أمه: [البسيط]
يا ليت أمنا شالت نعامتها = أيما إلى جنة أيما إلى نار
ومنه قول عمر بن أبي ربيعة: [الطويل]
رأت رجلا أيما إذا الشمس عارضت = فيضحي وأما بالعشي فيخصر
وقال آخر: [الرجز]
لا تفسدوا آبا لكم = أيما لنا أيما لكم
قال أبو الفتح ويجوز أن يكون مأخوذا من آل يؤول إذا ساس.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: كما قال عمر بن الخطاب: قد ألنا وإيل علينا فكان المعنى على هذا لا يرقبون فيكم سياسة ولا مداراة ولا ذمة، وقلبت الواو ياء لسكونها والكسرة قبلها، و «الذمة» أيضا بمعنى المتات والحلف والجوار، ونحوه قول الأصمعي الذمة كل ما يجب أن يحفظ ويحمى، ومن رأى الإل أنه العهد جعلها لفظتين مختلفتين لمعنى واحد أو متقارب، ومن رأى الإل لغير ذلك فهما لفظان لمعنيين، وتأبى قلوبهم معناه تأبى أن تذعن لما يقولونه بالألسنة، وأبى يأبى شاذ لا يحفظ فعل يفعل بفتح العين في الماضي والمستقبل، وقد حكي ركن يركن، وقوله وأكثرهم يريد به الكل أو يريد استثناء من قضى له بالإيمان كل ذلك محتمل).[المحرر الوجيز: 4/ 264-267]

تفسير قوله تعالى: {اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: اشتروا بآيات اللّه الآية، اللازم من ألفاظ هذه الآية أن هذه الطائفة الكافرة الموصوفة بما تقدم لما تركت آيات الله ودينه وآثرت الكفر وحالها في بلادها كل ذلك كالشراء والبيع، لما كان ترك قد مكنوا منه وأخذ لما يمكن نبذه، وهذه نزعة مالك رحمه الله في منع اختيار المشتري فيما تختلف آحاد جنسه ولا يجوز التفاضل فيه، وقد تقدم ذكر ذلك في سورة البقرة وقوله فصدّوا عن سبيله يريد صدوا أنفسهم وغيرهم، ثم حكم عليهم بأن عملهم سيء، وساء في هذه الآية إذ لم يذكر مفعولها يحتمل أن تكون مضمنة كبئس، فأما إذا قلت ساءني فعل زيد فليس تضمين بوجه، وإن قدرت في هذه الآية مفعولا زال التضمين، وروي أن أبا سفيان بن حرب جمع بعض العرب على طعام وندبهم إلى وجه من وجوه النقض فأجابوا إلى ذلك فنزلت الآية، وقال بعض الناس: هذه في اليهود.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا القول وإن كانت ألفاظ هذه الآية تقتضيه فما قبلها وما بعدها يرده ويتبرأ منه، ويختل أسلوب القول به). [المحرر الوجيز: 4/ 267-268]

تفسير قوله تعالى: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: لا يرقبون الآية، وصف لهذه الطائفة المشترية يضعف ما ذهب إليه من قال إن قوله اشتروا بآيات اللّه هو في اليهود، وقوله تعالى: في مؤمنٍ إعلام بأن عداوتهم إنما هي بحسب الإيمان فقط، وقوله أولا فيكم كان يحتمل أن يظن ظان أن ذلك للإحن التي وقعت فزال هذا الاحتمال بقوله في مؤمنٍ، ثم وصفهم تعالى بالاعتداء والبداءة بالنقض للعهود والتعمق في الباطل). [المحرر الوجيز: 4/ 268]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:21 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 21 شعبان 1435هـ/19-06-2014م, 08:22 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وإن أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتّى يسمع كلام اللّه ثمّ أبلغه مأمنه ذلك بأنّهم قومٌ لا يعلمون (6) }
يقول تعالى لنبيّه، صلوات اللّه وسلامه عليه: {وإن أحدٌ من المشركين} الّذين أمرتك بقتالهم، وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم، {استجارك} أي: استأمنك، فأجبه إلى طلبته {حتّى يسمع كلام اللّه} أي: [القرآن] تقرؤه عليه وتذكر له شيئًا من [أمر] الدّين تقيم عليه به حجّة اللّه، {ثمّ أبلغه مأمنه} أي: وهو آمنٌ مستمرّ الأمان حتّى يرجع إلى بلاده وداره ومأمنه، {ذلك بأنّهم قومٌ لا يعلمون} أي: إنّما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين اللّه، وتنتشر دعوة اللّه في عباده.
وقال ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في تفسير هذه الآية، قال: إنسانٌ يأتيك يسمع ما تقول وما أنزل عليك، فهو آمنٌ حتّى يأتيك فيسمع كلام اللّه، وحتّى يبلغ مأمنه، حيث جاء.
ومن هذا كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعطي الأمان لمن جاءه، مسترشدًا أو في رسالةٍ، كما جاءه يوم الحديبية جماعةٌ من الرّسل من قريشٍ، منهم: عروة بن مسعودٍ، ومكرز بن حفصٍ، وسهيل بن عمرٍو، وغيرهم واحدًا بعد واحدٍ، يتردّدون في القضيّة بينه وبين المشركين، فرأوا من إعظام المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بهرهم وما لم يشاهدوه عند ملكٍ ولا قيصر، فرجعوا إلى قومهم فأخبروهم بذلك، وكان ذلك وأمثاله من أكبر أسباب هداية أكثرهم.
ولهذا أيضًا لمّا قدم رسول مسيلمة الكذّاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "أتشهد أنّ مسيلمة رسول اللّه؟ " قال: نعم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لولا أنّ الرّسل لا تقتل لضربت عنقك" وقد قيّض اللّه له ضرب العنق في إمارة ابن مسعودٍ على الكوفة، وكان يقال له: ابن النّوّاحة، ظهر عنه في زمان ابن مسعودٍ أنّه يشهد لمسيلمة بالرّسالة، فأرسل إليه ابن مسعودٍ فقال له: إنّك الآن لست في رسالةٍ، وأمر به فضربت عنقه، لا رحمه اللّه ولعنه.
والغرض أنّ من قدم من دار الحرب إلى دار الإسلام في أداء رسالةٍ أو تجارةٍ، أو طلب صلحٍ أو مهادنةٍ أو حمل جزيةٍ، أو نحو ذلك من الأسباب، فطلب من الإمام أو نائبه أمانًا، أعطي أمانًا ما دام متردّدًا في دار الإسلام، وحتّى يرجع إلى مأمنه ووطنه. لكن قال العلماء: لا يجوز أن يمكّن من الإقامة في دار الإسلام سنةً، ويجوز أن يمكّن من إقامة أربعة أشهرٍ، وفيما بين ذلك فيما زاد على أربعة أشهرٍ ونقص عن سنةٍ قولان، عن الإمام الشّافعيّ وغيره من العلماء، رحمهم الله). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 113-114]

تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({كيف يكون للمشركين عهدٌ عند اللّه وعند رسوله إلّا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين (7) }
يبيّن تعالى حكمته في البراءة من المشركين ونظرته إيّاهم أربعة أشهرٍ، ثمّ بعد ذلك السّيف المرهف أين ثقفوا، فقال تعالى: {كيف يكون للمشركين عهدٌ} وأمانٌ ويتركون فيما هم فيه وهم مشركون باللّه كافرون به وبرسوله، {إلا الّذين عاهدتم عند المسجد الحرام} يعني يوم الحديبية، كما قال تعالى: {هم الّذين كفروا وصدّوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفًا أن يبلغ محلّه} الآية [الفتح: 25]، {فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم} أي: مهما تمسّكوا بما عاقدتموهم عليه وعاهدتموهم من ترك الحرب بينكم وبينهم عشر سنين {فاستقيموا لهم إنّ اللّه يحبّ المتّقين} وقد فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك والمسلمون، استمرّ العقد والهدنة مع أهل مكّة من ذي القعدة في سنة ستٍّ، إلى أن نقضت قريشٌ العهد ومالئوا حلفاءهم بني بكرٍ على خزاعة أحلاف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقتلوهم معهم في الحرم أيضًا، فعند ذلك غزاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في رمضان سنة ثمانٍ، ففتح اللّه عليه البلد الحرام، ومكّنه من نواصيهم، وللّه الحمد والمنّة، فأطلق من أسلم منهم بعد القهر والغلبة عليهم، فسمّوا الطّلقاء، وكانوا قريبًا من ألفين، ومن استمرّ على كفره وفرّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث إليه بالأمان والتّسيير في الأرض أربعة أشهرٍ، يذهب حيث شاء: منهم صفوان بن أميّة، وعكرمة بن أبي جهلٍ وغيرهما، ثمّ هداهم اللّه بعد ذلك إلى الإسلام التّامّ، واللّه المحمود على جميع ما يقدّره ويفعله). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 114]

تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({كيف وإن يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم إلًّا ولا ذمّةً يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون (8) }
يقول تعالى محرّضًا للمؤمنين على معاداة المشركين والتّبرّي منهم، ومبيّنًا أنّهم لا يستحقّون أن يكون لهم عهدٌ لشركهم باللّه وكفرهم برسول اللّه ولو أنّهم إذ ظهروا على المسلمين وأديلوا عليهم، لم يبقوا ولم يذروا، ولا راقبوا فيهم إلًّا ولا ذمّةً.
قال عليّ بن أبي طلحة، وعكرمة، والعوفيّ عن ابن عبّاسٍ: "الإلّ": القرابة، "والذّمّة": العهد. وكذا قال الضّحّاك والسّدّيّ، كما قال تميم بن مقبل:
أفسد النّاس خلوفٌ خلفوا = قطعوا الإلّ وأعراق الرّحم
وقال حسّان بن ثابتٍ، رضي اللّه عنه:
وجدناهم كاذبًا إلّهم = وذو الإلّ والعهد لا يكذب
وقال ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلا} قال: اللّه. وفي روايةٍ: لا يرقبون اللّه ولا غيره.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب، حدّثنا ابن عليّة، عن سليمان، عن أبي مجلزٍ في قوله تعالى: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلا ولا ذمّةً} مثل قوله: "جبرائيل"، "ميكائيل"، "إسرافيل"، [كأنّه يقول: يضيف "جبر"، و"ميكا"، و"إسراف"، إلى "إيل"، يقول عبد اللّه: {لا يرقبون في مؤمنٍ إلا}] كأنّه يقول: لا يرقبون اللّه.
والقول الأوّل أشهر وأظهر، وعليه الأكثر.
وعن مجاهدٍ أيضًا: "الإلّ": العهد. وقال قتادة: "الإلّ": الحلف). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 115]

تفسير قوله تعالى: {اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({اشتروا بآيات اللّه ثمنًا قليلًا فصدّوا عن سبيله إنّهم ساء ما كانوا يعملون (9) لا يرقبون في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمّةً وأولئك هم المعتدون (10) فإن تابوا وأقاموا الصّلاة وآتوا الزّكاة فإخوانكم في الدّين ونفصّل الآيات لقومٍ يعلمون (11) }
يقول تعالى ذمًّا للمشركين وحثًّا للمؤمنين على قتالهم: {اشتروا بآيات اللّه ثمنًا قليلا} يعني: أنّهم اعتاضوا عن اتّباع آيات اللّه بما التهوا به من أمور الدّنيا الخسيسة، {فصدّوا عن سبيله} أي: منعوا المؤمنين من اتّباع الحقّ، {إنّهم ساء ما كانوا يعملون لا يرقبون في مؤمنٍ إلا ولا ذمّةً} تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 115-116]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:31 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة