تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (70) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم اللّه في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا ممّا أخذ منكم ويغفر لكم واللّه غفورٌ رّحيمٌ}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا أيّها النّبيّ قل لمن في يديك وفي يدي أصحابك من أسرى المشركين الّذين أخذ منهم من الفداء ما أخذ {إن يعلم اللّه في قلوبكم خيرًا} يقول: إن يعلم اللّه في قلوبكم إسلامًا يؤتكم خيرًا ممّا أخذ منكم من الفداء. {ويغفر لكم} يقول: ويصفح لكم عن عقوبة جرمكم الّذي اجترمتموه بقتالكم نبيّ اللّه وأصحابه وكفركم باللّه. {واللّه غفورٌ} لذنوب عباده إذا تابوا، {رحيمٌ} بهم أن يعاقبهم عليها بعد التّوبة.
وذكر أنّ العبّاس بن عبد المطّلب كان يقول: فيّ نزلت هذه الآية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن ابن إسحاق، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال العبّاس: فيّ نزلت: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض}، فأخبرت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بإسلامي، وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقيّة الّتي أخذ منّي فأبى، فأبدلني اللّه بها عشرين عبدًا كلّهم تاجرٌ، مالي في يديه.
- وقد حدّثنا بهذا الحديث ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: قال محمّدٌ، حدّثني الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن جابر بن عبد اللّه بن رئابٍ، قال: كان العبّاس بن عبد المطّلب يقول: فيّ واللّه نزلت حين ذكرت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إسلامي. ثمّ ذكر نحو حديث ابن وكيعٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {قل لمن في أيديكم من الأسرى} الآية، قال: ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا قدم عليه مال البحرين ثمانون ألفًا، وقد توضّأ لصلاة الظّهر، فما أعطى يومئذٍ شاكيًا ولا حرم سائلاً وما صلّى يومئذٍ حتّى فرّقه، وأمر العبّاس أن يأخذ منه ويحتثي، فأخذ. قال: وكان العبّاس يقول: هذا خيرٌ ممّا أخذ منّا وأرجو المغفرة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى} الآية، وكان العبّاس أسر يوم بدرٍ، فافتدى نفسه بأربعين أوقيّةً من ذهبٍ، فقال العبّاس حين نزلت هذه الآية: لقد أعطاني اللّه خصلتين ما أحبّ أنّ لي بهما الدّنيا: إنّي أسرت يوم بدرٍ ففديت نفسي بأربعين أوقيّةً، فآتاني أربعين عبدًا وأنا أرجو المغفرة الّتي وعدنا اللّه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى} إلى قوله: {واللّه غفورٌ رحيمٌ} يعني بذلك من أسر يوم بدرٍ، يقول: إن عملتم بطاعتي ونصحتم لرسولي، أتيتكم خيرًا ممّا أخذ منكم وغفرت لكم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ: {يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى} عبّاسٌ وأصحابه، قال: قالوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: آمنّا بما جئت به، ونشهد أنّك لرسول اللّه، لننصحنّ لك على قومنا، فنزل: {إن يعلم اللّه في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا ممّا أخذ منكم} إيمانًا وتصديقًا، يخلف لكم خيرًا ممّا أصيب منكم {ويغفر لكم} الشّرك الّذي كنتم عليه. قال: فكان العبّاس يقول: ما أحبّ أنّ هذه الآية لم تنزل فينا وأنّ لي الدّنيا، لقد قال: {يؤتكم خيرًا ممّا أخذ منكم} فقد أعطاني خيرًا ممّا أخذ منّي مائة ضعفٍ، وقال: {ويغفر لكم} وأرجو أن يكون قد غفر لي.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى} الآية، يعني العبّاس وأصحابه أسروا يوم بدرٍ، يقول اللّه: إن عملتم بطاعتي ونصحتم لي ولرسولي أعطيتكم خيرًا ممّا أخذ منكم وغفرت لكم. وكان العبّاس بن عبد المطّلب يقول: لقد أعطانا اللّه خصلتين ما شيءٌ هو أفضل منهما: عشرين عبدًا. وأمّا الثّانية: فنحن في موعود الصّادق، ننتظر المغفرة من اللّه سبحانه). [جامع البيان: 11/284-286]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم اللّه في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا ممّا أخذ منكم ويغفر لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ (70)
قوله تعالى: يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى
- حدّثنا عمّار بن خالد ثنا أبو صيفي قال: سمعت سعيد بن أبي سعيدٍ المقبريّ عن أبي هريرة قال: كان العبّاس بن عبد المطّلب يقول: أعطاني اللّه هذه الآية يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى وأعطاني مكان ما أخذ منّي أربعون أوقيّةً أربعين عبدًا. وروي عن سعيد بن جبيرٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبي ثنا أبو سلمة ثنا وهيبٌ عن داود عن عامرٍ يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى فقال عامرٌ: أسر يوم بدرٍ العبّاس وعقيل ونوفل بن الحارث بن عبد المطّلب.
قوله تعالى: إن يعلم اللّه في قلوبكم خيرًا
- حدّثنا أبي ثنا عبد العزيز بن منيبٍ ثنا أبو معاذٍ النّحويّ ثنا عبيد بن سليمان عن الضّحّاك قوله يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى يعني العبّاس وأصحابه، أسروا يوم بدرٍ، يقول اللّه تعالى: إن عملتم بطاعتي ونصحتم لي ولرسولي أعطيتكم خيرًا ممّا أخذ منكم وغفرت لكم.
قوله تعالى: يؤتكم خيرًا ممّا أخذ منكم
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم اللّه في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا ممّا أخذ منكم كان العبّاس بن عبد المطّلب أسر يوم بدرٍ افتدى نفسه بأربعين أوقيّةً من ذهبٍ، فقال العبّاس حين نزلت هذه الآية لقد أعطاني اللّه خصلتين ما أحبّ أنّ لي بهما الدّنيا: إنّي أسرت يوم بدرٍ ففديت نفسي بأربعين أوقيّةً فأعطاني اللّه أربعين عبدًا وأنا أرجو المغفرة الّتي وعدنا اللّه.
- حدّثنا أبي ثنا الحسين بن الرّبيع ثنا ابن إدريس قال: قال ابن إسحاق:
حدّثنا عبد اللّه بن أبي نجيحٍ عن عطاءٍ عن عبد اللّه بن عبّاسٍ إن يعلم اللّه في قلوبكم خيرًا يؤتكم خيرًا ممّا أخذ منكم فكان العبّاس يقول: فيّ- واللّه- نزلت حين أخبرت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن إسلامي وسألته أن يحاسبني بالعشرين أوقيّةً الّتي أخذ منّي، فأبى أن يحاسبني بها فأعطاني اللّه بالعشرين أوقيّةً عشرين عبدًا كلّهم تاجر بمالٍ في يده مع ما أرجو من مغفرة اللّه عزّ وجلّ.
و (قوله تعالى) أخبرنا محمّد بن سعد بن عطيّة فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن عبد اللّه بن عبّاسٍ ويغفر لكم واللّه غفورٌ رحيمٌ يعني: غفرت لكم). [تفسير القرآن العظيم: 5/1736-1737]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} [الأنفال: 65] إلى آخر الآيات.
- عن ابن عبّاسٍ قال: «افترض عليهم أن يقاتل كلّ رجلٍ منهم عشرةً، فثقل ذلك عليهم وشقّ عليهم، فوضع عنهم إلى أن يقاتل الرّجل الرّجلين، فأنزل اللّه في ذلك: {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين} [الأنفال: 65] إلى آخر الآيات. ثمّ قال: {لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ} [الأنفال: 68] يقول: لولا أنّي لا أعذّب من عصاني حتّى أتقدّم إليه. ثمّ قال: {يا أيّها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى} [الأنفال: 70] فقال العبّاس: فيّ واللّه نزلت حين أخبرت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - بإسلامي، وسألته أن يحاسبني بالعشرين الأوقيّة الّتي وجدت معي، فأعطاني بها عشرين عبدًا كلّهم تاجرٌ بمالٍ في يده، مع ما أرجو من مغفرة اللّه - جلّ ذكره». قلت: في الصّحيح بعضه.
رواه الطّبرانيّ في الأوسط والكبير باختصارٍ، ورجال الأوسط رجال الصّحيح غير ابن إسحاق، وقد صرّح بالسّماع). [مجمع الزوائد: 7/28] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 70.
وأخرج الحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن عائشة رضي الله عنها قالت لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم، بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلادة لها في فداء زوجها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق رقة شديدة وقال: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وقال العباس رضي الله عنه: إني كنت مسلما يا رسول الله، قال: الله أعلم بإسلامك فإن تكن كما تقول فالله يجزيك فافد نفسك وابني أخويك نوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب وحليفك عتبة بن عمر وقال: ما ذاك عندي يا رسول الله، قال: فأين الذي دفعت أنت وأم الفضل فقلت لها: إن أصبت فإن هذا المال لبني، فقال: والله يا رسول الله إن هذا لشيء ما علمه غيري وغيرها فاحسب لي ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي فقال: أفعل، ففدي نفسه
وابني أخويه وحليفه ونزلت {قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم} فأعطاني مكان العشرين أوقية في الإسلام عشرين عبدا كلهم في يده مال نصرت به مع ما أرجو من مغفرة الله.
وأخرج ابن سعد والحاكم وصححه عن أبي موسى أن العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا أكثر منه فنثر على حصير جاء الناس فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم وما كان يومئذ عدد ولا وزن فجاء العباس فقال: يا رسول الله إني أعطيت فدائي وفداء عقيل يوم بدر أعطني من هذا المال فقال: خذ فحثى في قميصه ثم ذهب ينصرف فلم يستطع فرفع رأسه وقال: يا رسول الله أرفع علي، فتبسم رسول الله وهو يقول: أما أخذ ما وعد الله فقد نجز ولا أدري الأخرى {قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم} هذا خير مما أخذ مني ولا أدري ما يصنع في المغفرة.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر سبعين من قريش منهم العباس وعقيل فجعل عليهم الفداء أربعين أوقية من ذهب وجعل على العباس مائة أوقية وعلى عقيل ثمانين أوقية فقال العباس رضي الله عنه: لقد تركتني فقير قريش ما بقيت فأنزل الله {يا أيها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى} قال العباس حين نزلت: لو ددت أنك كنت أخذت مني أضعافها فأتاني الله خيرا منها.
وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده "، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط " وأبو الشيخ وأبو نعيم في " الدلائل "، وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت: (يأيها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسارى) . وكان العباس يقول: في نزلت هذه الآية حين أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامي فسألته أن يحاسبني بالعشرين أوقية التي أخذت مني يوم بدر فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني الله بالعشرين أوقية عشرين عبدا كلهم يضرب بمالي مع ما أرجو من مغفرة الله ورحمته.
وأخرج ابن إسحاق وأبو نعيم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، عن جابر بن عبد الله بن رئاب قال: قال العباس في نزلت هذه الآية: (يأيها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى) . حين ذكرت لرسول الله إسلامي وسألته أن يقاسمني بالعشرين أوقية التي أخذت مني فعوضني الله منها عشرين عبدا كلهم تاجر يضرب بمالي مع ما أرجو من رحمة الله ومغفرته.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل، وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان العباس رضي الله عنه قد أسر يوم بدر فافتدى نفسه بأربعين أوقية من ذهب فقال حين نزلت {يا أيها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى} لقد أعطاني خصلتين ما أحب إن لي بهما الدنيا إني أسرت يوم بدر ففديت نفسي بأربعين أوقية فأعطاني الله أربعين عبدا وإني أرجو المغفرة التي وعدنا الله.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما {قل لمن في أيديكم من الأسرى} قال: عباس وأصحابه قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: آمنا بما جئت به ونشهد أنك رسول الله فنزل {إن يعلم الله في قلوبكم خيرا} أي إيمانا وتصديقا يخلف لكم
خيرا مما أصبت منكم ويغفر لكم الشرك الذي كنتم عليه فكان عباس يقول: ما أحب أن هذه الآية لم تنزل فينا وأن لي ما في الدنيا من شيء فلقد أعطاني الله خيرا مما أخذ مني مائة ضعف وأرجو أن يكون غفر لي.
وأخرج ابن سعد، وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {يا أيها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى} الآية، قال: نزلت في الأسارى يوم بدر منهم العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحرث وعقيل بن أبي طالب رضي الله عنهم). [الدر المنثور: 7/208-212]
تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (71) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا اللّه من قبل فأمكن منهم واللّه عليمٌ حكيم}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه: وإن يرد هؤلاء الأسارى الّذين في أيديكم خيانتك: أي الغدر بك والمكر والخداع، بإظهارهم لك بالقول خلاف ما في نفوسهم {فقد خانوا اللّه من قبل} يقول: فقد خالفوا أمر اللّه ممّن قبل وقعة بدرٍ، وأمكن منهم ببدرٍ المؤمنين. {واللّه عليمٌ} بما يقولون بألسنتهم ويضمرونه في نفوسهم، {حكيمٌ} في تدبيرهم وتدبير أمور خلقه سواهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ: {وإن يريدوا خيانتك} يعني: العبّاس وأصحابه في قولهم: آمنّا بما جئت به، ونشهد أنّك رسول اللّه، لننصحنّ لك على قومنا، يقول: إن كان قولهم خيانةً فقد خانوا اللّه من قبل {فأمكن منهم} يقول: قد كفروا وقاتلوك، فأمكنك اللّه منهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإن يريدوا خيانتك} الآية. قال: ذكر لنا أنّ رجلاً كتب لنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ عمد فنافق، فلحق بالمشركين بمكّة، ثمّ قال: ما كان محمّدٌ يكتب إلاّ ما شئت، فلمّا سمع ذلك رجلٌ من الأنصار، نذر لئن أمكنه اللّه منه ليضربنّه بالسّيف. فلمّا كان يوم الفتح أمّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم النّاس إلاّ عبد اللّه بن سعد بن أبي سرحٍ، ومقيس بن صبابة، وابن خطلٍ، وامرأةً كانت تدعو على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كلّ صباحٍ. فجاء عثمان بابن أبي سرحٍ، وكان رضيعه أو أخاه من الرّضاعة، فقال: يا رسول اللّه هذا فلانٌ أقبل تائبًا نادمًا، فأعرض نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فلمّا سمع به الأنصاريّ أقبل متقلّدًا سيفه، فأطاف به، وجعل ينظر إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رجاء أن يومئ إليه. ثمّ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قدّم يده فبايعه، فقال: أما واللّه لقد تلوّمتك فيه لتوفّي نذرك، فقال: يا نبيّ اللّه إنّي هبتك، فلولا أومضت إليّ، فقال: إنّه لا ينبغي لنبيٍّ أن يومض.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا اللّه من قبل فأمكن منهم} يقول: قد كفروا باللّه ونقضوا عهده، فأمكن منهم ببدرٍ). [جامع البيان: 11/287-288]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا اللّه من قبل فأمكن منهم واللّه عليمٌ حكيمٌ (71)
قوله تعالى: وإن يريدوا خيانتك
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن ميمونٍ الإسكندرانيّ ثنا الوليد بن مسلمٍ حدّثنا محمّدٌ سعيد بن بشيرٍ عن قتادة قال: قال اللّه تبارك وتعالى: وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا اللّه من قبل فأمكن منهم قال: إنّ عبد اللّه بن سعد بن أبي سرحٍ كان يكتب للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الوحي فنافق فلحق بالمشركين بمكّة وقال: واله أن كأن محمدا لا يكتب إلا ما شئت فسمع بذلك رحل من الأنصار حلف لإن أمكنه اللّه منه ليضربه ضربةً بالسّيف فلمّا كان يوم فتح مكّة جاء به عثمان بن عفّان فكانت بينهما رضاعةٍ فقال: يا رسول اللّه هذا عبد اللّه قد أقبل نادمًا فأعرض عنه وأقبل الأنصاريّ معه سيفٌ فأطاف به ثمّ مدّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يده ليبايعه، وقال للأنصاريّ: لقد تلوّمت به اليوم فقال الأنصاريّ: فهلا أومضت؟
قال: لا ينبغي لنبيٍّ أن يومض.
- حدّثنا أحمد بن هارون بن الأشعث ثنا إسحاق بن الحجّاج قال يعقوب الزّهريّ قوله: وإن يريدوا خيانتك يعني: الأسرى.
قوله تعالى: فقد خانوا اللّه من قبل
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ عن أسباطٍ عن السّدّيّ فقد خانوا اللّه من قبل فأمكن منهم يقول: قد كفروا باللّه ونقضوا عهده من قبل.
- حدّثنا أحمد بن هارون بن الأشعث ثنا إسحاق بن الحجّاج ثنا يعقوب الزّهريّ فقد خانوا اللّه من قبل أي حين غزوك فأمكن منهم
قوله تعالى: فأمكن منهم
- أخبرنا أحمد الأوديّ- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ فأمكن منهم يقول: ببدرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 5/1737-1738]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 71.
أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {وإن يريدوا خيانتك} إن كان قولهم كذبا {فقد خانوا الله من قبل} فقد كفروا وقاتلوك فأمنك منهم). [الدر المنثور: 7/212]