العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنفال

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 11:07 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنفال [ من الآية (67) إلى الآية (69) ]

{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:57 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثني محمّد بن عبد الرّحيم، حدّثنا سعيد بن سليمان، أخبرنا هشيمٌ، أخبرنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: ... {يثخن} [الأنفال: 67] : «يغلب»). [صحيح البخاري: 6/61]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله يثخن أي يغلب قال أبو عبيدة في قوله ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض يثخن أي يبالغ ويغلب). [فتح الباري: 8/306]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (يثخن يغلب
أشار به إلى قوله تعالى: {وما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض} (الأنفال: 67) وفسّر قوله: يثخن، بقوله: يغلب، وكذا فسره أبو عبيدة، وروى ابن أبي حاتم عن منجاب بن الحارث عن بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضّحّاك عن ابن عبّاس بلفظ: يظهر على الأرض). [عمدة القاري: 18/246]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({يثخن}) في الأرض قال أبو عبيدة: أي (يغلب) بكثرة القتل في العدوّ والمبالغة فيه حتى يذل الكفر ويعز الإسلام). [إرشاد الساري: 7/133]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن عبد الله بن مسعودٍ، قال: لمّا كان يوم بدرٍ وجيء بالأسارى، قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: ما تقولون في هؤلاء الأسارى، فذكر في الحديث قصّةً، فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: لا ينفلتنّ منهم أحدٌ إلاّ بفداءٍ أو ضرب عنقٍ، فقال عبد الله بن مسعودٍ: فقلت: يا رسول الله، إلاّ سهيل ابن بيضاء فإنّي قد سمعته يذكر الإسلام قال: فسكت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: فما رأيتني في يومٍ أخوف أن تقع عليّ حجارةٌ من السّماء منّي في ذلك اليوم، حتّى قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إلاّ سهيل ابن البيضاء، قال: ونزل القرآن بقول عمر: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض} إلى آخر الآيات.
هذا حديثٌ حسنٌ، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه). [سنن الترمذي: 5/122]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض تريدون عرض الدّنيا واللّه يريد الآخرة واللّه عزيزٌ حكيمٌ}.
يقول تعالى ذكره: ما كان لنبيٍّ أن يحتبس كافرًا قدر عليه وصار في يده من عبدة الأوثان للفداء أو للمنّ.
والأسر في كلام العرب: الحبس، يقال منه: مأسورٌ، يراد به: محبوسٌ، ومسموعٌ منهم: أناله اللّه أسرًا.
وإنّما قال اللّه جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم يعرّفه أنّ قتل المشركين الّذين أسرهم صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ ثمّ فادى بهم كان أولى بالصّواب من أخذ الفدية منهم وإطلاقهم.
وقوله: {حتّى يثخن في الأرض} يقول: حتّى يبالغ في قتل المشركين فيها، ويقهرهم غلبةً وقسرًا، يقال منه: أثخن فلانٌ في هذا الأمر إذا بالغ فيه، وحكي أثخنته معرفةً، بمعنى: قتلته معرفةً.
{تريدون عرض الدّنيا} يقول للمؤمنين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: تريدون أيّها المؤمنون عرض الدّنيا بأسركم المشركين، وهو ما عرض للمرء منها من مالٍ ومتاعٍ، يقول: تريدون بأخذكم الفداء من المشركين متاع الدّنيا وطعمها. {واللّه يريد الآخرة} يقول: واللّه يريد لكم زينة الآخرة، وما أعدّ للمؤمنين وأهل ولايته في جنّاته بقتلكم إيّاهم وإثخانكم في الأرض، يقول لهم: واطلبوا ما يريد اللّه لكم وله اعملوا لا ما تدعوكم إليه أهواء أنفسكم من الرّغبة في الدّنيا وأسبابها. {واللّه عزيزٌ} يقول: إن أنتم أردتم الآخرة لم يغلبكم عدوٌّ لكم؛ لأنّ اللّه عزيزٌ لا يقهر ولا يغلب، وإنّه {حكيمٌ} في تدبيره أمر خلقه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض} وذلك يوم بدرٍ والمسلمون يومئذٍ قليلٌ، فلمّا كثروا واشتدّ سلطانهم، أنزل اللّه تبارك وتعالى بعد هذا في الأسارى: {فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً} فجعل اللّه النّبيّ والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار، إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم وإن شاءوا فادوهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض تريدون عرض الدّنيا} الآية، قال: أراد أصحاب نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ الفداء، ففادوهم بأربعة آلافٍ، ولعمري ما كان أثخن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومئذٍ، وكان أوّل قتالٍ قاتله المشركين.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن حبيب بن أبي عمرة، عن مجاهدٍ، قال: الإثخان: القتل.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا شريكٌ، عن الأعمش، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض} قال: إذا أسرتموهم فلا تفادوهم حتّى تثخنوا فيهم القتل.
- قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا إسرائيل، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى} الآية، نزلت الرّخصة بعد، إن شئت فمنّ وإن شئت ففاد.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض} يعني: الّذين أسروا ببدرٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى} من عدوّه. {حتّى يثخن في الأرض} أي يثخن عدوّه، حتّى ينفيهم من الأرض. {تريدون عرض الدّنيا} أي المتاع والفداء بأخذ الرّجال. {واللّه يريد الآخرة} بقتلهم لظهور الدّين الّذي يريدون إطفاءه، الّذي به تدرك الآخرة.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، قال: حدّثنا الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه، قال: لمّا كان يوم بدرٍ وجيء بالأسرى، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه قومك وأهلك، استبقهم واستأن بهم، لعلّ اللّه أن يتوب عليهم، وقال عمر: يا رسول اللّه كذّبوك وأخرجوك، قدّمهم فاضرب أعناقهم، وقال عبد اللّه بن رواحة: يا رسول اللّه، انظر واديًا كثير الحطب فأدخلهم فيه، ثمّ أضرمه عليهم نارًا، قال: فقال له العبّاس: قطعت رحمك. قال: فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلم يجبهم، ثمّ دخل فقال ناسٌ: يأخذ بقول أبي بكرٍ، وقال ناسٌ: يأخذ بقول عمر، وقال ناسٌ: يأخذ بقول عبد اللّه بن رواحة. ثمّ خرج عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: إنّ اللّه ليلين قلوب رجالٍ حتّى تكون ألين من اللّبن، وإنّ اللّه ليشدّد قلوب رجالٍ حتّى تكون أشدّ من الحجارة، وإنّ مثلك يا أبا بكرٍ مثل إبراهيم، قال: {فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفورٌ رحيمٌ} ومثلك يا أبا بكرٍ مثل عيسى، قال: {إن تعذّبهم فإنّهم عبادك} الآية، ومثلك يا عمر مثل نوحٍ قال: {ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارًا}، ومثلك يا ابن رواحة كمثل موسى، قال: {ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم}. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنتم اليوم عالةٌ، فلا ينفلتنّ أحدٌ منهم إلاّ بفداءٍ أو ضرب عنقٍ قال عبد اللّه بن مسعودٍ: إلاّ سهيل ابن بيضاء، فإنّي سمعته يذكر الإسلام، فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فما رأيتني في يومٍ أخوف أن تقع عليّ الحجارة من السّماء منّي في ذلك اليوم، حتّى قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إلاّ سهيل ابن بيضاء قال: فأنزل اللّه: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض} إلى آخر الثّلاث الآيات.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا عمر بن يونس اليماميّ، قال: حدّثنا عكرمة بن عمّارٍ، قال: حدّثنا أبو زميلٍ، قال: حدّثني عبد اللّه بن عبّاسٍ، قال: لمّا أسروا الأسارى يعني يوم بدرٍ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أين أبو بكرٍ وعمر وعليٌّ؟ قال: ما ترون في الأسارى؟ فقال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه هم بنو العمّ والعشيرة، وأرى أن تأخذ منهم فديةً تكون لنا قوّةً على الكفّار، وعسى اللّه أن يهديهم للإسلام. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما ترى يا ابن الخطّاب؟ فقال: لا والّذي لا إله إلاّ هو ما أرى الّذي رأى أبو بكرٍ يا نبيّ اللّه، ولكن أرى أنّ تمكّننا منهم، فتمكّن عليًّا من عقيلٍ فيضرب عنقه، وتمكّن حمزة من العبّاس فيضرب عنقه، وتمكّنني من فلانٍ نسيبٍ لعمر فأضرب عنقه، فإنّ هؤلاء أئمّة الكفر وصناديدها. فهوي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما قال أبو بكرٍ، ولم يهو ما قلت. قال عمر: فلمّا كان من الغد جئت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا هو وأبو بكرٍ قاعدان يبكيان، فقلت: يا رسول اللّه أخبرني من أيّ شيءٍ تبكي أنت وصاحبك، فإن وجدت بكاءً بكيت وإن لم أجد بكاءً تباكيت، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أبكي للّذي عرض لأصحابي من أخذهم الفداء، ولقد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشّجرة لشجرةٍ قريبةٍ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه عزّ وجلّ {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض} إلى قوله: {حلالاً طيّبًا} وأحلّ اللّه الغنيمة لهم). [جامع البيان: 11/270-275]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض تريدون عرض الدّنيا واللّه يريد الآخرة واللّه عزيزٌ حكيمٌ (67)
قوله تعالى: ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى
- حدّثنا يزيد بن سنانٍ البصريّ ثنا عمر بن يونس ثنا عكرمة بن عمّارٍ ثنا أبو زميلٍ حدّثنا عبد اللّه بن عبّاسٍ ثنا عمر بن الخطّاب فذكر طائفةً من الحديث قال أبو زميلٍ: قال ابن عبّاسٍ: فلمّا أسروا الأسارى قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يا أبا بكرٍ وعليٍّ وعمر، ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال له أبو بكرٍ: يا نبيّ اللّه بنو العمّ والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فديةً فتكون لنا قوّةٌ على الكفّار فعسى اللّه أن يهديهم إلى الإسلام، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما ترى يا ابن الخطّاب؟ قال: قلت لا واللّه ما أرى الّذي رأى أبو بكرٍ، ولكنّي أرى أن تمكّنّا منهم فنضرب أعناقهم، تمكّن عليًّا من عقيلٍ فيضرب عنقه وتمكّنّي من فلانٍ نسيبٍ لعمر فأضرب عنقه فإنّ هؤلاء أئمّة الكفر وصناديدها وقادتها فهوى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما قال أبو بكرٍ ولم يهو ما قلت. فلمّا كان من الغد جئت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأبي بكرٍ قاعدين يبكيان، فقلت: يا رسول اللّه أخبرني من أيّ شيءٍ تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاءً بكيت وإن لم أجد بكاءً تباكيت لبكائكما فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
أبكي للّذي عرض عليّ أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشّجرة، شجرةٍ قريبةٍ من نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنزل اللّه عزّ وجلّ ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض الآية.
- حدّثنا أبي ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جريرٌ عن الأعمش عن عمرو بن مرّة عن أبي عبيدة عن عبد اللّه قال: لما كان يوم بدر وجئ بالأسارى، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما تقولون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وصلك استبقهم واستأنّهم لعلّ اللّه أن يتوب عليهم، فقال عمر:
يا رسول اللّه أخرجوك وكذّبوك فاضرب أعناقهم فقال عبد اللّه بن رواحة يا رسول اللّه أنضر واديًا كثير الحطب فأدخلهم، فيه ثمّ أضرمه عليهم نارًا فقال العبّاس وهو في الأسرى تسمع ما يقولون قطعتك رحمك، فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يجبهم شيئًا فقال ناسٌ: يأخذ بقول أبي بكرٍ وقال ناسٌ: يأخذ بقول عمر وقال ناسٌ: يأخذ بقول ابن رواحة، فخرج عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال:
إنّ اللّه ليّن قلوب رجالٍ فيه حتّى تكون ألين من اللّين، وإنّ اللّه ليشدّد قلوب رجالٍ فيه حتّى تكون أشدّ من الحجارة وإنّ مثلك يا أبا بكرٍ كمثل إبراهيم قال: فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفورٌ رحيمٌ ومثلك يا أبا بكرٍ كمثل عيسى قال إنّ تعذّبهم فإنّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم ومثلك يا عمر كمثل نوحٍ قال: ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارًا إنّك إن تذرهم يضلّوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرًا كفّارًا ومثلك يا عمر كمثل موسى قال ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم أنتم عالةٌ فلا ينفلتنّ منهم أحدٌ إلا بفداءٍ أو ضربة عنقٍ، قال عبد اللّه بن مسعودٍ: فقلت يا رسول اللّه إلا سهيل بن بيضاء فإنّي سمعته يذكر الإسلام، فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فما رأيتني في يومٍ أخوف أن يقع عليّ حجارةً من السّماء منّي حتّى قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلا سهيل بن بيضاء فنزل القرآن بقول عمر ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض إلى آخر الآيات.
قوله تعالى: أسرى
- حدّثنا أبي ثنا عبد العزيز بن منيبٍ ثنا أبو معاذٍ ثنا عبيد بن سليمان عن الضّحّاك ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى يعني: الّذين أسروا ببدرٍ.
قوله تعالى: حتّى يثخن في الأرض
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ أنبأ بشرٌ بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قوله: حتّى يثخن في الأرض يقول: حتّى يظهر على الأرض
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا سهل بن عثمان ثنا ابن أبي غنيّة عن حبيب بن أبي العالية عن مجاهدٍ ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض والإثخان: هو القتل. وروي عن سعيد بن جبيرٍ مثل ذلك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض وذلك يوم بدرٍ والمسلمون يومئذٍ قليلٌ فلمّا كثروا واشتدّ سلطانهم أنزل اللّه بعد هذا في الأسارى فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً حتّى تضع الحرب أوزارها فجعل اللّه النّبيّ والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم وإن شاءوا فادوهم.
قوله تعالى: تريدون عرض الدّنيا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر العدنيّ ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله: تريدون عرض الدّنيا يعني: الخراج.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا شيبان ثنا عقبة الرّفاعيّ ثنا حيّان الأعرج عن جابر بن زيدٍ كان يقول: ليس أحدٌ يعمل عملاً يريد به وجه اللّه يأخذ عليه شيئًا من عرض الدّنيا إلا كان حظّه منه، يعني قوله: تريدون عرض الدّنيا
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق تريدون عرض الدّنيا أي المتاع، الفدا يأخذه الرّجل.
قوله تعالى: واللّه يريد الآخرة
- حدّثنا أبي حدّثنا أحمد بن إبراهيم الدّورقيّ حدّثنا أبو النّضر هاشم بن القاسم حدّثنا أبو سعيدٍ المؤدّب محمّد بن مسلم بن أبي الوضاح حدثنا القاسم بن فائد عن الحسن في قوله: تريدون عرض الدّنيا واللّه يريد الآخرة قال: لو لم يكن لنا ذنوبٌ نخاف على أنفسنا منها إلا حبّنا الدّنيا لخشينا على أنفسنا، أريدوا ما أراد اللّه.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق واللّه يريد الآخرة أي بقتلهم لظهور الّذي يريدون إطفاءه، الّذي به تدرك الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 5/1730-1733]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو العبّاس محمّد بن أحمد المحبوبيّ، ثنا سعيد بن مسعودٍ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، ثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر رضي اللّه عنهما، قال: استشار رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم في الأسارى أبا بكرٍ فقال: قومك وعشيرتك فخلّ سبيلهم. فاستشار عمر فقال: اقتلهم. قال: ففداهم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم " فأنزل اللّه عزّ وجلّ {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض} [الأنفال: 67] إلى قوله {فكلوا ممّا غنمتم حلالًا طيّبًا} [الأنفال: 69] قال: فلقي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عمر قال: كاد أن يصيبنا في خلافك بلاءٌ «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/359]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: قال: لما كان يوم بدرٍ، وأخذ- يعني النبي صلى الله عليه وسلم - الفداء، أنزل الله عز وجل {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا واللّه يريد الآخرة واللّه عزيز حكيم (67) لولا كتاب من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم} من الفداء {عذابٌ عظيمٌ} [الأنفال: 67، 68] ثم أحلّ لهم الغنائم.
أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
(يثخن) الإثخان في الشيء: المبالغة فيه والإكثار، يقال: أثخنه المرض: إذا أثقله وأوهنه، والمراد به هاهنا: المبالغة في قتل الكفار، والإكثار من ذلك). [جامع الأصول: 2/149-150]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 67 - 69.
وأخرج الحاكم وصححه عن أنس رضي اله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ {أن يكون له أسرى}.
وأخرج أحمد عن أنس رضي الله عنه قال: استشار النّبيّ صلى الله عليه وسلم الناس في الأسارى يوم بدر فقال: إن الله أمكنكم منهم فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إن الله قد أمكنكم منهم وإنما هم إخوانكم بالأمس، فقام عمر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله اضرب أعناقهم فأعرض عنه النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثم عاد فقال مثل ذلك فقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال: يا رسول الله نرى أن تعفو عنهم وأن تقبل منهم الفداء، فعفا عنهم وقبل منهم الفداء فنزل (لولا كتاب من الله سبق) (الأنفال الآية 68) الآية.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه في الآية قال استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله قد أعطاك الظفر ونصرك عليهم ففادهم فيكون عونا لأصحابك واستشار عمر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله أضرب أعناقهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رحمكما الله، ما أشبهكما باثنين مضيا قبلكما: نوح وإبراهيم أما نوح فقال (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) (نوح الآية 26) وأما إبراهيم فإنه يقول (رب من تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) (إبراهيم الآية 36).
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وحسنه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر جيء بالأسارى فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله قومك وأهلك استبقهم لعل الله أن يتوب عليهم، وقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله كذبوك وأخرجوك وقاتلوك قدمهم فأضرب أعناقهم، وقال عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: أنظروا واديا كثير الحطب فأضرمه عليهم نارا، فقال العباس رضي الله عنه وهو يسمع ما يقول: قطعت رحمك، فدخل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئا فقال أناس: يأخذ بقول أبي بكر رضي الله عنه وقال أناس: يأخذ بقول عمر رضي الله عنه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن وإن الله ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم عليه السلام قال (رب من تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) (إبراهيم الآية 36) ومثلك يا أبا بكر مثل عيسى عليه السلام قال (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) ومثلك يا عمر كمثل نوح عليه السلام إذ قال (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) (نوح الآية 26) ومثلك يا عمر كمثل موسى عليه السلام إذ قال (ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) (يونس الآية 88) أنتم عالة فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق، فقال عبد الله رضي الله عنه: يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع علي الحجارة مني في ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا سهيل بن بيضاء فأنزل الله تعالى {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} إلى آخر الآيتين.
وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: فضل عمر رضي الله عنه عن الناس بأربع: بذكره الأسارى يوم بدر فأمر بقتلهم فأنزل الله {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}
وبذكره الحجاب أمر نساء النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت زينب رضي الله عنها: وإنك لتغار علينا والوحي ينزل في بيوتنا فأنزل الله (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب) (الأحزاب الآية 53) ودعوة نبي الله اللهم أيد الإسلام بعمر ورأيه في أبي بكر رضي عنه كان أول الناس بايعه
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال استشار النّبيّ صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في أسارى بدر فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله استبق قومك وخذ الفداء، وقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله اقتلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو اجتمعتما ما عصيتكما فأنزل الله {ما كان لنبي أن يكون له أسرى} الآية.
وأخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأسارى يوم بدر إن شئتم فاقتلوهم وإن شئتم فأديتم واستمتعتم بالفداء واستشهد منكم بعدتهم فكان آخر السبعين ثابت بن قيس رضي الله عنه استشهد يوم اليمامة.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة عن أبي عبيدة رضي الله عنه قال نزل جبريل عليه السلام على النّبيّ يوم بدر فقال: إن ربك يخبرك إن شئت أن تقتل هؤلاء الأسارى وإن شئت أن تفادي بهم ويقتل من أصحابك مثلهم فاستشار أصحابه فقالوا: نفاديهم فنقوى بهم ويكرم الله بالشهادة من يشاء.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما استشار النّبيّ صلى الله عليه وسلم الناس من أسارى بدر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ملكان من الملائكة أحدهما أحلى من الشهد والآخر أمر من الصبر ونبيان من الأنبياء أحدهما أحلى على قومه من الشهد والآخر أمر على قومه من الصبر فأما النبيان فنوح قال (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) (نوح الآية 26) وأما الآخر فإبراهيم إذ قال (فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) (إبراهيم الآية 36) وأما الملكان فجبريل وميكائيل هذا صاحب الشدة وهذا صاحب اللين، ومثلهما في أمتي أبو بكر وعمر.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما: ألا أخبركما بمثيلكما في الملائكة ومثليكما في الأنبياء مثلك يا أبا بكر في الملائكة كمثل ميكائيل ينزل بالرحمة ومثلك في الأنبياء مثل إبراهيم قال (فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) (إبراهيم الآية 36) ومثلك يا عمر في الملائكة مثل جبريل ينزل بالشدة والبأس والنقمة على أعداء الله ومثلك في الأنبياء مثل نوح قال (رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) (نوح الآية 26).
وأخرج أبو نعيم في الحلية من طريق مجاهد رضي الله عنه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لما أشار أبو بكر رضي الله عنه فقال: قومك وعشيرتك فخل سبيلهم فاستشار عمر رضي الله عنه فقال: اقتلهم، ففاداهم رسول الله فأنزل الله {ما كان لنبي أن يكون له أسرى} الآية، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر رضي الله عنه فقال: كاد أن يصيبنا في خلافك شرا
وأخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال لما أسر الأسارى يوم بدر أسر العباس فيمن أسر أسره رجل من الأنصار وقد وعدته الأنصار أن يقتلوه فبلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: لم أنم الليلة من أجل عمي العباس وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه فقال له عمر: فآتيهم قال: نعم، فأتى عمر رضي الله عنه الأنصار فقال لهم: أرسلوا العباس، فقالوا: لا والله لا نرسله، فقال لهم عمر رضي الله عنه: فإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم رضا قالوا: فإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم رضا فخذه، فأخذه عمر رضي الله عنه فلما صار في يده قال له: يا عباس أسلم فوالله لأن تسلم أحب إلي من أن يسلم الخطاب وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه إسلامك، قال: فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه فقال أبو بكر رضي الله عنه: عشيرتك فأرسلهم فاستشار عمر رضي الله عنه فقال: أقتلهم، ففاداهم رسول الله فأنزل الله {ما كان لنبي أن يكون له أسرى} الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يقتل يوم بدر صبرا إلا ثلاثة، عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحرث وطعمة بن عدي وكان النضر أسره المقداد.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ، وابن مردويه من طريق نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال اختلف الناس في أسارى بدر فاستشار النّبيّ صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فقال أبو بكر رضي الله عنه: فادهم، وقال عمر رضي الله عنه: اقتلهم، قال قائل: أرادوا قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهدم الإسلام ويأمره أبو بكر بالفداء، وقال قائل: لو كان فيهم أبو عمر أو أخوه ما أمره بقتلهم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أبي بكر ففاداهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كاد ليمسنا في خلاف ابن الخطاب عذاب عظيم ولو نزل العذاب ما أفلت إلا عمر). [الدر المنثور: 7/197-203]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه، وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ما كان لنبي أن يكون له أسرى} قال: ذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله تعالى بعد هذا في الأسارى (فإما منا وإما فداء) (محمد الآية 4) فجعل الله النّبيّ والمؤمنين في أمر الأسارى بالخيار إن شاءوا قتلوهم وإن شاءوا استعبدوهم وإن شاءوا فادوهم وفي قوله {لولا كتاب من الله سبق} يعني في الكتاب الأول أن المغانم والأسارى حلال لكم {لمسكم فيما أخذتم} من الأسارى {عذاب عظيم فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا} قال: وكان الله تعالى قد كتب في أم الكتاب المغانم والأسارى حلالا لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته ولم يكن أحله لأمة قبلهم وأخذوا المغانم وأسروا الأسارى قبل أن ينزل إليهم في ذلك
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {حتى يثخن في الأرض} يقول: حتى يظهروا على الأرض.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال: الإثخان هو القتل.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} قال: نزلت الرخصة بعد إن شئت فمن وإن شئت ففاد.
وأخرج ابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {تريدون عرض الدنيا} قال: أراد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر الفداء ففادوهم بأربعة آلاف أربعة آلاف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {تريدون عرض الدنيا} يعني الخراج.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن جابر بن زيد رضي الله عنه قال: ليس أحد يعمل عملا يريد به وجه الله يأخذ عليه شيئا من عرض الدنيا إلا كان حظه منه.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه قال: لو لم يكن لنا ذنوب نخاف على أنفسنا منها إلا حبنا للدنيا لخشينا على أنفسنا إن الله يقول {تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة} أريدوا ما أراد الله). [الدر المنثور: 7/204-205]

تفسير قوله تعالى: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الحسن في قوله تعالى {لولا كتاب من الله سبق} قال سبق من الله خير لأهل بدر.
قال معمر وقال الأعمش سبق من الله أن أحل لهم الغنيمة). [تفسير عبد الرزاق: 1/262]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن الأعمش عن ذكوان عن أبي هريرة قال: لم تحلّ الغنيمة لأحدٍ أسود الرّأس قبلكم كانت الغنيمة تنزل النّار فتأكلها فنزلت {لولا كتابٌ من الله سبق} قال: سبق في الكتاب السّابق [الآية: 68]). [تفسير الثوري: 121-122]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (68) : قوله تعالى: {لولا كتابٌ من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو معشرٍ، عن سعيد بن أبي سعيدٍ، قال: {لولا كتابٌ من الله سبق} أنّي أحللت لكم الغنائم في علمي، {لمسّكم فيما أخذتم} من الأسارى {عذابٌ عظيمٌ} يعني: يوم بدر). [سنن سعيد بن منصور: 5/227]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ قال: أخبرني معاوية بن عمرٍو، عن زائدة، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لم تحلّ الغنائم لأحد سود الرّءوس من قبلكم، كانت تنزل نارٌ من السّماء فتأكلها قال سليمان الأعمش: فمن يقول هذا إلاّ أبو هريرة، الآن، فلمّا كان يوم بدرٍ وقعوا في الغنائم قبل أن تحلّ لهم، فأنزل اللّه تعالى: {لولا كتابٌ من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ}.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ من حديث الأعمش). [سنن الترمذي: 5/122]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ} لولا كتابٌ من اللّه سبق أنّي لا أعذّب قومًا حتّى أبيّن لهم ما يتّقون، فلم أكن نهيتكم عنها ولا تقدّمت إليكم فيها). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 48]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {لولا كتابٌ من الله سبق}
- أخبرنا الرّبيع بن سليمان، حدّثنا عبد الله بن يوسف، حدّثنا عبد الله بن سالمٍ، حدّثنا عليّ بن أبي طلحة، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله تعالى: {لولا كتابٌ من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ} [الأنفال: 68] قال: «سبقت لهم من الله الرّحمة قبل أن يعملوا بالمعصية»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/110]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ}.
يقول تعالى ذكره لأهل بدرٍ الّذين غنموا وأخذوا من الأسرى الفداء: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} يقول: لولا قضاءٌ من اللّه سبق لكم أهل بدرٍ في اللّوح المحفوظ بأنّ اللّه محلٌّ لكم الغنيمة، وأنّ اللّه قضى فيما قضى أنّه لا يضلّ قومًا بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون، وأنّه لا يعذّب أحدًا شهد المشهد الّذي شهدتموه ببدرٍ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ناصرًا دين اللّه، لنالكم من اللّه بأخذكم الغنيمة والفداء عذابٌ عظيمٌ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، في قوله: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} الآية، قال: إنّ اللّه كان مطعم هذه الأمّة الغنيمة، وإنّهم أخذوا الفداء من أسارى بدرٍ قبل أن يؤمروا به. قال: فعاب اللّه ذلك عليهم، ثمّ أحلّه اللّه.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، عن عوفٍ، عن الحسن، في قول اللّه: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} الآية، وذلك يوم بدرٍ، أخذ أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المغانم والأسارى قبل أن يؤمروا به، وكان اللّه تبارك وتعالى قد كتب في أمّ الكتاب: المغانم والأسارى حلالٌ لمحمّدٍ وأمّته، ولم يكن أحلّه لأمّةٍ قبلهم. وأخذوا المغانم، وأسروا الأسارى قبل أن ينزل إليهم في ذلك، قال اللّه: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} يعني في الكتاب الأوّل أنّ المغانم والأسارى حلالٌ لكم {لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} الآية، وكانت الغنائم قبل أن يبعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الأمم إذا أصابوا مغنمًا جعلوه للقربان، وحرّم اللّه عليهم أن يأكلوا منه قليلاً أو كثيرًا، حرّم ذلك على كلّ نبيٍّ وعلى أمّته، فكانوا لا يأكلون منه ولا يغلّون منه ولا يأخذون منه قليلاً ولا كثيرًا إلاّ عذّبهم اللّه عليه. وكان اللّه حرّمه عليهم تحريمًا شديدًا، فلم يحلّه لنبيٍّ إلاّ لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. وكان قد سبق من اللّه في قضائه أنّ المغنم له ولأمّته حلالٌ، فذلك قوله يوم بدرٍ في أخذ الفداء من الأسارى: {لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن عروة، عن الحسن: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} قال: إنّ اللّه كان معطي هذه الأمّة الغنيمة، وفعلوا الّذي فعلوا قبل أن تحلّ الغنيمة.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: قال الأعمش، في قوله: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} قال: سبق من اللّه أن أحلّ لهم الغنيمة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن بشير بن ميمونٍ، قال: سمعت سعيدًا، يحدّث عن أبي هريرة، قال: قرأ هذه الآية: {لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ} قال: يعني: لولا أنّه سبق في علمي أنّي سأحلّ الغنائم، لمسّكم فيما أخذتم من الأسارى عذابٌ عظيمٌ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، وأبو معاوية، بنحوه، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما أحلّت الغنائم لأحدٍ سود الرّءوس من قبلكم، كانت تنزل نارٌ من السّماء وتأكلها، حتّى كان يوم بدرٍ، فوقع النّاس في الغنائم فأنزل اللّه {لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم} حتّى بلغ {حلالاً طيّبًا}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحوه، قال: فلمّا كان يوم بدرٍ أسرع النّاس في الغنائم.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن أشعث بن سوّارٍ، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قال: أسر المسلمون من المشركين سبعين وقتلوا سبعين، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اختاروا أن تأخذوا منهم الفداء فتقووا به على عدوّكم، وإن قبلتموه قتل منكم سبعون، أو تقتلوهم فقالوا: بل نأخذ الفدية منهم، وقتل منهم سبعون. قال عبيدة: وطلبوا الخيرتين كلتيهما.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن أشعث، عن ابن سيرين، عن عبيدة، قال: كان فداء أسارى بدرٍ: مائة أوقيّةٍ، والأوقيّة أربعون درهمًا، ومن الدّنانير: ستّة دنانير.
- حدّثنا أبو كريبٍ، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا ابن عونٍ، عن ابن سيرين، عن عبيدة، أنّه قال في أسارى بدرٍ: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم فاديتموهم واستشهد منكم بعدّتهم فقالوا: بلى، نأخذ الفداء فنستمتع به ويستشهد منّا بعدّتهم.
- حدّثني أحمد بن محمّدٍ الطّوسيّ، قال: حدّثنا عبد الصّمد بن عبد الوارث، قال: حدّثنا همّام بن يحيى، قال: حدّثنا عطاء بن السّائب، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: أمر عمر رضي اللّه عنه بقتل الأسارى، فأنزل اللّه: {لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ}.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} قال: كان المغنم محرّمًا على كلّ نبيٍّ وأمّته، وكانوا إذا غنموا يجعلون المغنم للّه قربانًا تأكله النّار، وكان سبق في قضاء اللّه وعلمه أن يحلّ المغنم لهذه الأمّة يأكلون في بطونهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، في قول اللّه: {لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم} قال: كان في علم اللّه أن تحلّ لهم الغنائم، فقال: لولا كتابٌ من اللّه سبق بأنّه أحلّ لكم الغنائم، لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ.
وقال آخرون: معنى ذلك: لولا كتابٌ من اللّه سبق لأهل بدرٍ أن لا يعذّبهم لمسّهم عذابٌ عظيمٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، عن شريكٍ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} قال: لأهل بدرٍ من السّعادة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} لأهل بدرٍ مشهدهم.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} قال: سبق من اللّه خيرٌ لأهل بدرٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ} كان سبق لهم من اللّه خيرٌ، وأحلّ لهم الغنائم.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا عبد الوارث بن سعيدٍ، عن عمرو بن عبيدٍ، عن الحسن: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} قال: سبق أن لا يعذّب أحدًا من أهل بدرٍ.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} لأهل بدرٍ ومشهدهم إيّاه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرني ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ} لمسّكم فيما أخذتم من الغنائم يوم بدرٍ قبل أن أحلّها لكم فقال: سبق من اللّه العفو عنهم، والرّحمة لهم، سبق أن لا يعذّب المؤمنين؛ لأنّه لا يعذّب رسوله ومن آمن به وهاجر معه ونصره.
وقال آخرون: معنى ذلك: لولا كتابٌ من اللّه سبق أن لا يؤاخذ أحدًا بفعلٍ أتاه على جهالةٍ، لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} لأهل بدرٍ ومشهدهم إيّاه، قال: كتابٌ سبق لقوله: {وما كان اللّه ليضلّ قومًا بعد إذ هداهم حتّى يبيّن لهم ما يتّقون} سبق ذلك وسبق أن لا يؤاخذ قومًا فعلوا شيئًا بجهالةٍ. {لمسّكم فيما أخذتم}.
قال ابن جريجٍ: قال ابن عبّاسٍ: فيما أخذتم ممّا أسرتم. ثمّ قال بعد: {فكلوا ممّا غنمتم}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: عاتبه في الأسارى وأخذ الغنائم، ولم يكن أحدٌ قبله من الأنبياء يأكل مغنمًا من عدوٍّ له.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّدٍ، قال: حدّثني أبو جعفرٍ محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: نصرت بالرّعب وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأعطيت جوامع الكلم، وأحلّت لي المغانم ولم تحلّ لنبيٍّ كان قبلي، وأعطيت الشّفاعة، خمسٌ لم يؤتهنّ نبيّ كان قبلي قال محمّدٌ: فقال: {ما كان لنبيٍّ} أي قبلك {أن يكون له أسرى.} إلى قوله: {لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم} أي من الأسارى والمغانم. {عذابٌ عظيمٌ} أي لولا أنّه سبق منّي أن لا أعذّب إلاّ بعد النّهي ولم أكن نهيتكم لعذّبتكم فيما صنعتم، ثمّ أحلّها له ولهم رحمةً ونعمةً وعائدةً من الرّحمن الرّحيم.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب ما قد بيّنّاه قبل، وذلك أنّ قوله: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} خبرٌ عامٌّ غير محصورٍ على معنًى دون معنًى. وكلّ هذه المعاني الّتي ذكرتها عمّن ذكرت ممّا قد سبق في كتاب اللّه أنّه لا يؤاخذ بشيءٍ منها هذه الأمّة، وذلك ما عملوا من عملٍ بجهالةٍ، وإحلال الغنيمة والمغفرة لأهل بدرٍ، وكلّ ذلك ممّا كتب لهم. وإذ كان ذلك كذلك فلا وجه لأن يخصّ من ذلك معنًى دون معنًى، وقد عمّ اللّه الخبر بكلّ ذلك بغير دلالةٍ توجب صحّة القول بخصوصه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: لم يكن من المؤمنين أحدٌ ممّن نصر إلاّ أحبّ الغنائم إلاّ عمر بن الخطّاب، جعل لا يلقى أسيرًا إلاّ ضرب عنقه، وقال: يا رسول اللّه ما لنا وللغنائم، نحن قومٌ نجاهد في دين اللّه حتّى يعبد اللّه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لو عذّبنا في هذا الأمر يا عمر ما نجا غيرك. قال اللّه: لا تعودوا تستحلّون قبل أن أحلّ لكم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: لمّا نزلت: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} الآية، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لو نزل عذابٌ من السّماء لم ينج منه إلاّ سعد بن معاذٍ لقوله: يا نبيّ اللّه كان الإثخان في القتل أحبّ إليّ من استبقاء الرّجال). [جامع البيان: 11/276-283]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ (68)
قوله تعالى: لولا كتابٌ من اللّه سبق
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ ثنا أبو داود ثنا سلامٌ يعني أبا الأحوص عن الأعمش عن أبي صالحٍ عن أبي هريرة قال: لمّا كان يوم بدرٍ تعجّل النّاس إلى الغنائم فأصابوها، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، إنّ الغنيمة لا تحلّ لأحدٍ سود الرؤوس غيركم كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه إذا غنموا الغنيمة جمعوها ونزلت نارٌ من السّماء فأكلتها، فأنزل اللّه هذه الآية لولا كتابٌ من اللّه سبق إلى آخر الآيتين.
- حدّثنا أبي ثنا المسيّب بن واضحٍ ثنا أبو إسحاق عن زائدة عن الأعمش عن أبي صالحٍ عن أبي هريرة قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فذكر نحوه وزاد فيه، فوقع النّاس في الغنائم قبل أن تحلّ لهم.
- حدّثنا أبي ثنا عبد اللّه بن جعفرٍ الرّقّيّ ثنا عبيد اللّه بن عمرٍو عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرّة عن خيثمة قال: كان سعد جالسًا ذات يومٍ وعنده نفرٌ من أصحابه، إذ ذكر رجلاً فنالوا منه، فقال: مهلاً عن أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فإنّا أذنبنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذنبًا فأنزل اللّه عزّ وجلّ لولا كتابٌ من اللّه سبق الآية، فكنّا نرى أنّها رحمةٌ من اللّه سبقت.
وفي إحدى الرّوايات عن ابن عبّاسٍ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض وذلك يوم بدرٍ أخذ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المغانم قبل أن يؤمروا به وكان اللّه تبارك وتعالى قد كتب في أمّ الكتاب: المغنم والأسرى حلالٌ لمحمّدٍ وأمّته ولم يكن أحلّه لأمّةٍ قبلهم، وأخذوا المغانم وأسروا الأسارى قبل أن ينزل إليهم في ذلك قال اللّه لولا كتابٌ من اللّه سبق يعني في الكتاب الأوّل أنّ المغانم والأسارى حلالٌ لكم، لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ
وروي عن قتادة أنّه قال: بإحلال المغانم لهذه الأمّة.
وروي عن سعيد بن جبيرٍ قال: سبق علمي أنّي أحللت لكم المغانم، وكذا روي عن عطاء بن أبي رباحٍ.
- حدثنا عمار بن خالد ثنا أبو صيفي قال: سمعت سعيد بن أبي سعيدٍ المقبريّ عن أبي هريرة في قوله: لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم من الأسارى عذابٌ عظيمٌ قال: يقول اللّه عزّ وجلّ: لولا أنّه سبق في علمي أنّي سأحلّ المغانم لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا مالك بن إسماعيل ثنا شريكٌ عن سالمٍ عن سعيد بن جبيرٍ لولا كتابٌ من اللّه سبق قال: ما سبق لأهل بدرٍ من السّعادة.
وروي عن الحسن: سبق لأهل بدرٍ أن لا يعذّبهم. وروي عن عطاءٍ نحو ذلك.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ المروزيّ ثنا النّضر بن إسماعيل أنبأ شعبة قال سمعت أبا هاشمٍ قال: سمعت مجاهدًا يقول لولا كتابٌ من اللّه سبق قال: سبق لهم المغفرة.
- حدّثنا أبي ثنا قبيصة ثنا سفيان لولا كتابٌ من اللّه سبق قال: كتابٌ أحلّ لكم الغنيمة سبق المغفرة.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسي فيما كتاب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج أنبأ عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ قال: سبق من اللّه العفو عنهم والرّحمة، لهم سبق أنّه لا يعذّب المؤمنين لا يعذّب رسوله ومن آمن معه وهاجر معه ثمّ نصر ولم يكن من المؤمنين أحدٌ ممّن حضر إلا أحبّ الغنائم إلا عمر بن الخطّاب، جعل لا يلقى أسيرًا إلا ضرب عنقه قال: يا رسول اللّه، ما لنا وللغنائم إنّما نحن قومٌ نجاهد في دين اللّه حتّى يعبد اللّه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لو عذّبنا في هذا الأمر يا عمر ما نجا منه غيرك، قال اللّه: لا تعودوا لا تستحلّوا قبل أن أحلّ لكم.
الوجه الخامس:
- حدّثنا أبي ثنا هارون بن محمّد بن بكّارٍ ثنا محمّد بن عيسى بن سميعٍ حدّثنا روح بن القاسم ثنا ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ أنّه كان يقول: لولا كتابٌ من اللّه سبق أن لا يعذّب أحدًا حتّى يبيّن له ويتقدّم إليه.
قوله تعالى: لمسّكم
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن ابن إسحاق لمسّكم فيما أخذتم لعذّبتكم فيما صنعتم.
قوله تعالى: لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ
- حدّثنا أبي ثنا الحسين بن الرّبيع ثنا ابن إدريس قال ابن إسحاق، ثنا ابن أبي نجيحٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ قوله: لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ يقول: غنائم بدرٍ قبل أن يحلّها لهم يقول: لولا أنّي لا أعذّب من عصاني حتى أتقدم إليهم لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ
- حدّثنا أبي ثنا عمرو بن عونٍ وأحمد بن عبد اللّه بن يونس قالا: ثنا شريكٌ عن سالمٍ عن سعيد بن جبيرٍ لمسّكم فيما أخذتم قال: من الفداء عذابٌ عظيمٌ). [تفسير القرآن العظيم: 5/1733-1736]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال حدثنا آدم قال ثنا شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير لولا كتاب من الله سبق لأهل بدر لمسكم فيما أخذتم من الغنائم والفدى عذاب عظيم). [تفسير مجاهد: 268]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال حدثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لولا كتاب من الله سبق لأهل بدر). [تفسير مجاهد: 268]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا الشّيخ أبو بكر بن إسحاق، أنبأ محمّد بن شاذان الجوهريّ، ثنا زكريّا بن عديٍّ، ثنا عبيد اللّه بن عمرٍو الرّقّيّ، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرّة، عن خيثمة، قال: كان سعد بن أبي وقّاصٍ رضي اللّه عنه، في نفرٍ فذكروا عليًّا فشتموه، فقال سعدٌ: مهلًا عن أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فإنّا أصبنا دنيا مع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم " فأنزل اللّه عزّ وجلّ {لولا كتابٌ من اللّه سبق، لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ} [الأنفال: 68] فأرجو أن تكون رحمةً من عند اللّه سبقت لنا. فقال بعضهم: فواللّه إنّه كان يبغضك ويسمّيك الأخنس. فضحك سعدٌ حتّى استعلاه الضّحك، ثمّ قال: أليس قد يجد المرء على أخيه في الأمر يكون بينه وبينه، ثمّ لا يبلغ ذلك أمانته وذكر كلمةً أخرى «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/359]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبو هريرة - رضي الله عنه -: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم تحلّ الغنائم لأحدٍ سود الرّءوس من قبلكم،إنما كانت تنزل نارٌ من السماء فتأكلها». قال سليمان الأعمش: فمن يقول هذا إلا أبو هريرة الآن؟ فلما كان يوم بدرٍ، وقعوا في الغنائم قبل أن تحلّ لهم، فأنزل الله {لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ} [الأنعام: 68]. أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/149]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: قال: لما كان يوم بدرٍ، وأخذ- يعني النبي صلى الله عليه وسلم - الفداء، أنزل الله عز وجل {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا واللّه يريد الآخرة واللّه عزيز حكيم (67) لولا كتاب من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم} من الفداء {عذابٌ عظيمٌ} [الأنفال: 67، 68] ثم أحلّ لهم الغنائم.
أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
(يثخن) الإثخان في الشيء: المبالغة فيه والإكثار، يقال: أثخنه المرض: إذا أثقله وأوهنه، والمراد به هاهنا: المبالغة في قتل الكفار، والإكثار من ذلك). [جامع الأصول: 2/149-150] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف والترمذي وصححه والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" من طريق أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما كان يوم بدر تعجل الناس إلى الغنائم فأصابوها قبل أن تحل لهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الغنيمة لا تحل لأحد سود الرؤوس قبلكم كان النّبيّ وأصحابه إذا غنموا جمعوها ونزلت نار من السماء فأهلكتها فأنزل الله هذه الآية {لولا كتاب من الله سبق} إلى آخر الآيتين.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه في قوله {لولا كتاب من الله سبق} قال: يقول لولا أنه سبق في علمي أني سأحل المغانم {لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} قال: وكان العباس بن عبد المطلب يقول: أعطاني الله هذه الآية (يا أيها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسارى) (الأنفال الآية 70) وأعطاني بما أخذ مني أربعين أوقية أربعين عبدا.
وأخرج إسحاق بن راهويه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} يعني غنائم بدر قبل أن يحلها لهم يقول: لولا أني أعذب من عصاني حتى أتقدم إليه لمسكم عذاب عظيم). [الدر المنثور: 7/203-204]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {لولا كتاب من الله سبق} قال: سبق لهم المغفرة.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله {لولا كتاب من الله سبق} قال: سبق لأهل بدر من السعادة {لمسكم فيما أخذتم} قال: من الفداء {عذاب عظيم}.
وأخرج النسائي، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما {لولا كتاب من الله سبق} قال: سبقت لهم من الله الرحمة قبل أن يعملوا بالمعصية.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر عن خيثمة رضي الله عنه قال: كان سعد رضي الله عنه جالسا ذات يوم وعنده نفر من أصحابه إذ ذكر رجلا فنالوا منه فقال: مهلا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنا أذنبنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذنبا فأنزل الله {لولا كتاب من الله سبق} قال: فكنا نرى أنها رحمة من الله سبقت لنا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {لولا كتاب من الله سبق} قال: في أنه لا يعذب أحدا حتى يبين له ويتقدم إليه.
وأخرج مسلم والترمذي، وابن المنذر والبيهقي في الدلائل، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب وأحلت لي الغنائم وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا وأرسلت إلى الخلق كافة وختم بي النبيون.
وأخرج أحمد، وابن المنذر عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطيت خمسا لم يعطهم أحد قبلي: بعثت إلى الأحمر والأسود وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد كان قبلي ونصرت بالرعب فيرعب العدو وهو مني مسيرة شهر وقال لي: سل تعطه، فاختبأت دعوتي شفاعة لأمتي وهي نائلة منكم إن شاء الله من لقي الله لا يشرك به شيئا وأحلت لأمتي الغنائم.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لم تكن الغنائم تحل لأحد كان قبلنا فطيبها الله لنا لما علم الله من ضعفنا فأنزل الله فيما سبق من كتابه احلال الغنائم {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} فقالوا: والله يا رسول الله لا نأخذ لهم قليلا ولا كثيرا حتى نعلم أحلال هو أم حرام فطيبه الله لهم فأنزل الله تعالى {فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم}
فلما أحل الله لهم فداهم وأموالهم، قال الأسارى: ما لنا عند الله من خير قد قتلنا وأسرنا فأنزل الله يبشرهم (يا أيها النّبيّ قل لمن في أيديكم من الأسارى) (الأنفال الآية 70) إلى قوله (والله عليم حكيم).
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: كانت الغنائم قبل أن يبعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الأمم إذا أصابوا منه جعلوه في القربان وحرم الله عليهم أن يأكلوا منها قليلا أو كثيرا حرم على كل نبي وعلى أمته فكانوا لا يأكلون منه ولا يغلون منه ولا يأخذون منه قليلا ولا كثيرا إلا عذبهم الله عليه وكان الله حرمه عليهم تحريما شديدا فلم يحله لنبي إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم قد كان سبق من الله في قضائه أن المغنم له ولأمته حلال فذلك قوله يوم بدر في أخذه الفداء من الأسارى {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}.
وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عباس رضي الله عنهما لما رغبوا في الفداء أنزلت {ما كان لنبي} إلى قوله {لولا كتاب من الله سبق} الآية، قال: سبق من الله رحمته لمن شهد بدرا فتجاوز الله عنهم وأحلها لهم). [الدر المنثور: 7/206-208]

تفسير قوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) )
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {حلالًا طيّبًا}
- أخبرنا عبيد الله بن سعيدٍ، حدّثنا معاذ بن هشامٍ، حدّثني أبي، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله أطعمنا الغنائم رحمةً رحمنا بها، وتخفيفًا، وخفّف عنّا لما علم من ضعفنا»
- أخبرنا محمّد بن عبد الله بن المبارك، حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " لم تحلّ الغنائم لقومٍ سود الرّءوس قبلكم، كانت تنزل نارٌ من السّماء فتأكلها، فلمّا كان يوم بدرٍ أسرع النّاس في الغنائم، فأنزل الله عزّ وجلّ {لولا كتابٌ من الله سبق} [الأنفال: 68]- إلى آخر الآية - {فكلوا ممّا غنمتم حلالًا طيّبًا} [الأنفال: 69]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/109-110]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فكلوا ممّا غنمتم حلالاً طيّبًا واتّقوا الله إنّ الله غفورٌ رّحيمٌ}.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين من أهل بدرٍ: فكلوا أيّها المؤمنون ممّا غنمتم من أموال المشركين حلالاً بإحلاله لكم طيّبًا. {واتّقوا اللّه} يقول: وخافوا اللّه أن تعودوا أن تفعلوا في دينكم شيئًا بعد هذه من قبل أن يعهد فيه إليكم، كما فعلتم في أخذ الفداء وأكل الغنيمة وأخذتموهما من قبل أن يحلاّ لكم. {إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}.
وهذا من المؤخّر الّذي معناه التّقديم.
وتأويل الكلام: فكلوا ممّا غنمتم حلالاً طيّبًا، إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ، واتّقوا اللّه.
ويعني بقوله: {إنّ اللّه غفورٌ} لذنوب أهل الإيمان من عباده {رحيمٌ} بهم أن يعاقبهم بعد توبتهم منها). [جامع البيان: 11/283-284]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فكلوا ممّا غنمتم حلالًا طيّبًا واتّقوا اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (69)
قوله تعالى: فكلوا ممّا غنمتم حلالاً طيّبًا
- حدّثنا يزيد بن سنانٍ نزيل مصر ثنا عمر بن يونس اليماميّ ثنا عكرمة بن عمّارٍ حدّثنا أبو زميلٍ حدّثنا عبد اللّه بن عبّاسٍ حدّثنا عمر بن الخطّاب قال: فأنزل اللّه فكلوا ممّا غنمتم حلالاً طيّبًا فأحلّ اللّه الغنيمة لهم). [تفسير القرآن العظيم: 5/1736]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 ربيع الثاني 1434هـ/9-03-2013م, 11:26 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69)}


تفسير قوله تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) )

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى...}
معناه: ما كان ينبغي له يوم بدر أن يقبل فداء الأسرى {حتّى يثخن في الأرض}: حتى يغلب على كثير من في الأرض. ثم نزل: قوله: {لّولا كتابٌ مّن اللّه سبق} ). [معاني القرآن: 1/418]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {حتّى يثخن في الأرض} مجازه: حتى يغلب ويغالب ويبالغ.
{عرض الدّنيا} طمعها ومتاعها والعرض في موضع آخر من أعراض البلايا). [مجاز القرآن: 1/250]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {أن يكون له أسرى} بالياء.
أبو عمرو والأعرج {تكون له} بالتاء.
[معاني القرآن لقطرب: 618]
أبو عمرو وكل ما في القرآن {أسارى} بالألف، إلا قوله {ما كان لنبي أن تكون له أسرى} ). [معاني القرآن لقطرب: 619]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {حتى يثخن في الأرض} يقولون: أثخنت في الأمر إثخانًا: بالغت فيه، و{حتى يثخن في الأرض} أي حتى يبلغ فيها من القتل، وقالوا أيضًا: أثخنت فلانًا معرفة: أي قتلته معرفة، وهو ذلك المعنى.
وكان ابن عباس يقول {حتى يثخن}؛ أي حتى يغلب ويظفر). [معاني القرآن لقطرب: 624]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض تريدون عرض الدّنيا واللّه يريد الآخرة واللّه عزيز حكيم}
ويقرأ أسارى، فمن قرأ أسرى فهو جمع أسير وأسرى.
وفعلى جمع لكل ما أصيبوا به في أبدانهم وعقولهم، يقال: هالك وهلكى، ومريض ومرضى، وأحمق وحمقى، وسكران وسكرى.
ومن قرأ أسارى فهو جمع الجمع، تقول أسير وأسارى.
قال أبو إسحاق: ولا أعلم أحدا قرأها أسارى.
وهي جائزة ولا تقرأن بها إلا أن تثبت رواية صحيحة.
{حتى يثخن في الأرض}.
معناه حتى يبالغ في قتل أعدائه، ويجوز أن يكون حتى يتمكن في الأرض.
والإثخان في كل شيء قوة الشيء وشدته يقال قد أثخنته). [معاني القرآن: 2/424-425]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} [آية: 67]
قال مجاهد الإثخان القتل
وقيل حتى يثخن في الأرض حتى يبالغ في قتل أعدائه
وقيل حتى يتمكن في الأرض
والإثخان في اللغة القوة والشدة). [معاني القرآن: 3/170]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {حتى يثخن في الأرض} حتى يغلب ويقتل). [ياقوتة الصراط: 240]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {تريدون عرض الدنيا} أي: تريدون متاع الدنيا). [ياقوتة الصراط: 240]

تفسير قوله تعالى: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قوله: {لّولا كتابٌ مّن اللّه سبق}.
في فداء الأسرى والغنائم. وقد قرئت (أسارى)، وكلٌّ صواب. وقوله: {أن يّكون}بالتذكير والتأنيث؛ كقوله {يشهد عليهم ألسنتهم} و{تشهد} ). [معاني القرآن: 1/418]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {لولا كتابٌ من اللّه سبق} أي قضاء سبق بأنه سيحل لكم المغانم). [تفسير غريب القرآن: 180]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم} [آية: 68]
فيه أقوال
قال مجاهد سبق من الله أن أحل لهم الغنائم
وقال أبو جعفر ويقوي هذا أنه روى أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((ما أحلت الغنائم لقوم سود الرؤوس قبلنا كانت تنزل نار من السماء فتأكلها)) فلما كان يوم بدر وقع الناس فيما وقعوا فيه فأنزل الله جل وعز: {لولا كتاب من الله سبق} إلى قوله: {إن الله غفور رحيم}
وقيل سبق من الله جل وعز أنه يغفر لأهل بدر ما تقدم من ذنبهم وما تأخر قال ذلك الحسن رواه عنه أشعث
وروى عنه سفيان بن حسين أنه قال سبق من الله جل وعز أن لا يعذب قوما إلا بعد تقدمة ولم يكن تقدم إليهم فيها
وروى سالم عن سعيد بن جبير لولا كتاب من الله سبق قال لأهل بدر من السعادة لمسكم فيما أخذتم من الله عذاب عظيم
وقيل سبق من الله أنه يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر). [معاني القرآن: 3/170 -171]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ} أي قضاء أنه ستحل لكم الغنائم.
{لَمَسَّكُمْ} لعاقبكم على أخذها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 93]

تفسير قوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) )


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 07:55 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) }


تفسير قوله تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) }

تفسير قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:12 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:13 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:13 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:13 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض تريدون عرض الدّنيا واللّه يريد الآخرة واللّه عزيزٌ حكيمٌ (67) لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ (68) فكلوا ممّا غنمتم حلالاً طيّباً واتّقوا اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (69)
هذه الآية تتضمن عندي معاتبة من الله عز وجل لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، والمعنى ما كان ينبغي لكم أن تفعلوا هذا الفعل الذي أوجب أن يكون للنبي أسرى قبل الإثخان، ولهم هو الإخبار ولذلك استمر الخطاب ب تريدون، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر باستبقاء الرجال وقت الحرب ولا أراد قط عرض الدنيا، وإنما فعله جمهور مباشري الحرب، وجاء ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الآية مشيرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في العتب حين لم ينه عن ذلك حين رآه من العريش، وأنكره سعد بن معاذ ولكنه صلى الله عليه وسلم شغله بغت الأمر وظهور النصر فترك النهي عن الاستبقاء ولذلك بكى هو وأبو بكر حين نزلت هذه الآية، ومر كثير من المفسرين على أن هذا التوبيخ إنما كان بسبب إشارة من أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ الفدية، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جمع أسرى بدر استشار فيهم أصحابه، فقال أبو بكر الصديق يا رسول الله هم قرابتك ولعل الله أن يهديهم بعد إلى الإسلام ففادهم واستبقهم ويتقوى المسلمون بأموالهم، وقال عمر بن الخطاب لا يا رسول الله بل نضرب أعناقهم فإنهم أئمة الكفر، وقال عبد الله بن رواحة بل نجعلهم في واد كثير الحطب ثم نضرمه عليهم نارا، وقد كان سعد بن معاذ قال وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش وقد رأى الأسر لقد كان الإثخان في القتل أحب إليّ من استبقاء الرجال، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أبي بكر ومال إليه، فنزلت هذه الآية مخبرة أن الأولى والأهيب على سائر الكفار كان قتل أسرى بدر، قال ابن عباس نزلت هذه الآية والمسلمون قليل، فلما كثروا واشتد سلطانهم نزل في الأسر فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً [محمد: 47] وذكر الطبري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تكلم أصحابه في الأسرى بما ذكر دخل ولم يجبهم ثم خرج، فقال: إن الله تعالى يلين قلوب رجال ويشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفورٌ رحيمٌ [إبراهيم: 36] ومثل عيسى قال: إن تعذّبهم فإنّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم [المائدة: 118] ومثلك يا عمر مثل نوح قال: ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً [نوح: 26] ومثل موسى قال: ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم [يونس: 88] ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنتم اليوم فلا يفلتن منهم رجل إلا بفدية أو ضرب عنق، وفي هذا الحديث قال عمر: فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه حجة على ذكر الهوى في الصلاح، وقرأت فرقة «ما كان للنبيّ» معرفا، وقرأ جمهور الناس «لنبي»، وقرأ أبو عمرو بن العلاء وحده «أن تكون» على التأنيث العلامة مراعاة للفظ الأسرى، وقرأ باقي السبعة وجمهور الناس «أن يكون» بتذكير العلامة مراعاة لمعنى الأسرى، وقرأ جمهور الناس والسبعة «أسرى»، وقرأ بعض الناس «أسارى» ورواها المفضل عن عاصم، وهي قراءة أبي جعفر، والقياس والباب أن يجمع أسير على أسرى، وكذلك كل فعيل بمعنى مفعول وشبه به فعيل وإن لم يكن بمعنى مفعول كمريض ومرضى، إذا كانت أيضا أشياء سبيل الإنسان أن يجبر عليها وتأتيه غلبة، فهو فيها بمنزلة المفعول، وأما جمعه على أسارى فشبيه بكسالى في جمع كسلان وجمع أيضا كسلان على كسلى تشبيها بأسرى في جمع أسير، قاله سيبويه: وهما شاذان، وقال الزجّاج: أسارى جمع أسرى فهو جمع الجمع، وقرأ جمهور الناس «يثخن» بسكون الثاء، وقرأ أبو جعفر ويحيى بن يعمر ويحيى بن وثاب «يثخّن» بفتح الثاء وشد الخاء، ومعناه في الوجهين يبالغ في القتل، والإثخان إنما يكون في القتل والجارحة وما كان منها، ثم أمر مخاطبة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال تريدون عرض الدّنيا أي مالها الذي يعن ويعرض، والمراد ما أخذ من الأسرى من الأموال، واللّه يريد الآخرة أي عمل الآخرة فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، وقرأ ابن جماز «الآخرة» بالخفض على تقدير المضاف، وينظر ذلك لقول الشاعر: [المتقارب]
أكل امرئ تحسبين امرأ = ونار توقّد بالليل نارا
على تقدير وكل نار، وذكر الطبري وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس: إن شئتم أخذتم فداء الأسرى ويقتل منكم في الحرب سبعون على عددهم، وإن شئتم قتلوا وسلمتم، فقالوا نأخذ المال ويستشهد منا سبعون، وذكر عبد بن حميد بسنده أن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بتخيير الناس هكذا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى الروايتين فالأمر في هذا التخيير من عند الله فإنه إعلام بغيب، وإذا خيروا فكيف يقع التوبيخ بعد بقوله تعالى: لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ والذي أقول في هذا إن العتب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ما كان لنبيٍّ إلى قوله عظيمٌ إنما هو على استبقاء الرجال وقت الهزيمة رغبة في أخذ المال منهم وجميع العتب إذا نظر فإنما هو للناس، وهناك كان عمر يقتل ويحض على القتل ولا يرى الاستبقاء، وحينئذ قال سعد بن معاذ: الإثخان أحب إليّ من استبقاء الرجال، وبذلك جعلهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجيين من عذاب أن لو نزل، ومما يدل على حرص بعضهم على المال قول المقداد حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل عقبة بن أبي معيط: أسيري يا رسول الله، وقول مصعب أين عمير للذي يأسر أخاه شد يدك عليه فإن له أما موسرة إلى غير ذلك من قصصهم، فلما تحصل الأسرى وسيقوا إلى المدينة وأنفذ رسول الله صلى الله عليه وسلم القتل في النضر وعقبة والمنّ في أبي عزة وغيره، وجعل يرتئي في سائرهم نزل التخيير من الله تعالى فاستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ، فمر عمر رضي الله عنه على أول رأيه في القتل، ورأى أبو بكر رضي الله عنه المصلحة في قوة المسلمين بمال الفداء، ومال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رأي أبي بكر، وكلا الرأيين اجتهاد بعد تخيير، فلم ينزل على شيء من هذا عتب، وذكر المفسرون أن الآية نزلت بسبب هذه المشورة والآراء، وذلك معترض بما ذكرته، وكذلك ذكروا في هذه الآيات تحليل المغانم لهذه الأمة ولا أقول ذلك، لأن حكم الله تعالى بتحليل المغنم لهذه الأمة قد كان تقدم قبل بدر وذلك في السرية التي قتل فيها عمرو بن الحضرمي وإنما المبتدع في بدر استبقاء الرجال لأجل المال، والذي منّ الله به فيها إلحاق فدية الكافر بالمغانم التي قد تقدم تحليلها، ووجه ما قال المفسرون أن الناس خيروا في أمرين، أحدهما غير جيد على جهة الاختبار لهم، فاختاروا المفضول فوقع العتب، ولم يكن تخييرا في مستويين، وهذا كما أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء بإناءين فاختار الفاضل، وعزيزٌ حكيمٌ صفتان من قبل الآية لأن بالعزة والحكمة يتم مراده على الكمال والتوفية، وقال أبو عمرو بن العلاء: الأسرى هم غير الموثقين عند ما يؤخذون، والأسارى هم الموثقون ربطا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وحكى أبو حاتم أنه سمع هذا من العرب، وقد ذكره أيضا أبو الحسن الأخفش، وقال: العرب لا تعرف هذا وكلاهما عندهم سواء). [المحرر الوجيز: 4/ 238-242]

تفسير قوله تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: لولا كتابٌ من اللّه سبق الآية، قالت فرقة: الكتاب السابق هو القرآن، والمعنى لولا الكتاب الذي سبق فآمنتم به وصدقتم لمسكم العذاب لأخذكم هذه المفاداة، وقال سعيد بن جبير ومجاهد والحسن أيضا وابن زيد: الكتاب السابق هو مغفرة الله لأهل بدر ما تقدم من ذنوبهم أو تأخر، وقال الحسن وابن عباس وأبو هريرة وغيرهم: الكتاب هو ما كان الله قضاه في الأزل من إحلال الغنائم والفداء لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته وكانت في سائر الأمم محرمة، وقالت فرقة: الكتاب السابق هو عفو الله عنهم في هذا الذنب معينا، وقالت فرقة: الكتاب هو أن الله عز وجل قضى أن لا يعاقب أحدا بذنب أتاه بجهالة، وهذا قول ضعيف تعارضه مواضع من الشريعة، وذكر الطبري عن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أن الكتاب السابق هو أن لا يعذب أحدا بذنب إلا بعد النهي عنه ولم يكونوا نهوا بعد، وقالت فرقة: الكتاب السابق هو ما قضاه الله من محو الصغائر باجتناب الكبائر، وذهب الطبري إلى دخول هذه المعاني كلها تحت اللفظ وأنه يعمها، ونكب عن تخصيص معنى دون معنى،
واللام في لمسّكم جواب لولا، وكتابٌ رفع بالابتداء والخبر محذوف، وهكذا حال الاسم الذي بعد لولا، وتقديره عند سيبويه لولا كتاب سابق من الله تدارككم، وما من قوله فيما يراد بها إما الأسرى وإما الفداء، وهي موصولة، وفي أخذتم ضمير عائد عليها، ويحتمل أن تكون مصدرية فلا تحتاج إلى العائد، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو نزل في هذا الأمر عذاب لنجا منه عمر بن الخطاب، وفي حديث آخر وسعد بن معاذ، وذلك أن رأيهما كان أن يقتل الأسرى). [المحرر الوجيز: 4/ 242-243]

تفسير قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: فكلوا ممّا غنمتم الآية، نص على إباحة المال الذي أخذ من الأسرى وإلحاق له بالغنيمة التي كان تقدم تحليلها، قوله حلالًا طيّباً حال في قوله، ويصح أن يكونا من الضمير الذي في غنمتم ويحتمل أن يكون حلالًا مفعولا ب «كلوا»، واتّقوا اللّه معناه في التشرع حسب إرادة البشر وشهوته في نازلة، أخرى، وجاء قوله واتّقوا اللّه اعتراضا فصيحا في أثناء الكلام، لأن قوله إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ هو متصل بالمعنى بقوله فكلوا ممّا غنمتم حلالًا طيّباً). [المحرر الوجيز: 4/ 243]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:13 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 03:14 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (69) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض تريدون عرض الدّنيا واللّه يريد الآخرة واللّه عزيزٌ حكيمٌ (67) لولا كتابٌ من اللّه سبق لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ (68) فكلوا ممّا غنمتم حلالا طيّبًا واتّقوا اللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (69)}
قال الإمام أحمد: حدّثنا عليّ بن عاصمٍ، عن حميدٍ، عن أنسٍ، رضي اللّه عنه، قال: استشار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم النّاس في الأسارى يوم بدرٍ، فقال: "إنّ اللّه قد أمكنكم منهم" فقام عمر بن الخطّاب فقال: يا رسول اللّه، اضرب أعناقهم. فأعرض عنه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ عاد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "يا أيّها النّاس، إنّ اللّه قد أمكنكم منهم، وإنّما هم إخوانكم بالأمس". فقام عمر فقال: يا رسول اللّه، اضرب أعناقهم. فأعرض عنه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ عاد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال للنّاس مثل ذلك، فقام أبو بكرٍ الصّدّيق، رضي اللّه عنه، فقال: يا رسول اللّه، نرى أن تعفو عنهم، وأن تقبل منهم الفداء. قال: فذهب عن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما كان فيه من الغمّ، فعفا عنهم، وقبل منهم الفداء. قال: وأنزل اللّه، عزّ وجلّ: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} الآية
وقد سبق في أوّل السّورة حديث ابن عبّاسٍ في صحيح مسلمٍ بنحو ذلك.
وقال الأعمش، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه قال: لمّا كان يوم بدرٍ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما تقولون في هؤلاء الأسارى؟ " قال: فقال أبو بكرٍ: يا رسول اللّه، قومك وأهلك، استبقهم واستتبهم، لعلّ اللّه أن يتوب عليهم. قال: وقال عمر: يا رسول اللّه، أخرجوك، وكذّبوك، فقدّمهم فاضرب أعناقهم. قال: وقال عبد اللّه بن رواحة: يا رسول اللّه، أنت في وادٍ كثير الحطب، فأضرم الوادي عليهم نارًا، ثمّ ألقهم فيه. [قال: فقال العبّاس: قطعت رحمك] قال: فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلم يردّ عليهم شيئًا، ثمّ قام فدخل فقال ناسٌ: يأخذ بقول أبي بكرٍ. وقال ناسٌ: يأخذ بقول عمر. وقال ناسٌ: يأخذ بقول عبد اللّه بن رواحة. ثمّ خرج عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "إنّ اللّه ليلين قلوب رجالٍ حتّى تكون ألين من اللّبن، وإنّ اللّه ليشدّد قلوب رجالٍ فيه حتّى تكون أشدّ من الحجارة، وإنّ مثلك يا أبا بكرٍ كمثل إبراهيم، عليه السّلام، قال: {فمن تبعني فإنّه منّي ومن عصاني فإنّك غفورٌرحيمٌ} [إبراهيم: 36]،وإنّ مثلك يا أبا بكرٍ كمثل عيسى، عليه السّلام، قال: {إن تعذّبهم فإنّهم عبادك وإن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم} [المائدة: 118]، وإنّ مثلك يا عمر مثل موسى عليه السّلام، قال: {ربّنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتّى يروا العذاب الأليم} [يونس: 88]،وإنّ مثلك يا عمر كمثل نوحٍ عليه السّلام، قال: {ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارًا} [نوحٍ: 26]،أنتم عالةٌ فلا ينفلتنّ أحدٌ منهم إلّا بفداءٍ أو ضربة عنقٍ". قال ابن مسعودٍ: قلت: يا رسول اللّه، إلّا سهيل بن بيضاء، فإنّه يذكر الإسلام، فسكت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فما رأيتني في يومٍ أخوف أن تقع عليّ حجارةٌ من السّماء منّي في ذلك اليوم، حتّى قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إلا سهيل بن بيضاء" فأنزل اللّه تعالى: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى} إلى آخر الآية.
رواه الإمام أحمد والتّرمذيّ، من حديث أبي معاوية، عن الأعمش، والحاكم في مستدركه، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرّجاه وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه، عن عبد اللّه بن عمر، وأبي هريرة، رضي اللّه عنهما، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه وفي الباب عن أبي أيّوب الأنصاريّ.
وروى ابن مردويه أيضًا -واللّفظ له -والحاكم في مستدركه، من حديث عبيد اللّه بن موسى: حدّثنا إسرائيل، عن إبراهيم بن مهاجرٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر قال: لمّا أسر الأسارى يوم بدرٍ، أسر العبّاس فيمن أسر، أسره رجلٌ من الأنصار، قال: وقد أوعدته الأنصار أن يقتلوه. فبلغ ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّي لم أنم اللّيلة من أجل عمّي العبّاس، وقد زعمت الأنصار أنّهم قاتلوه" فقال له عمر: فآتهم؟ قال: "نعم" فأتى عمر الأنصار فقال لهم: أرسلوا العبّاس فقالوا: لا واللّه لا نرسله. فقال لهم عمر: فإن كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رضًى؟ قالوا: فإن كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رضًى فخذه. فأخذه عمر فلمّا صار في يده قال له: يا عبّاس، أسلم، فواللّه لأن تسلم أحبّ إليّ من أن يسلم الخطّاب، وما ذاك إلّا لمّا رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعجبه إسلامك، قال: فاستشار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أبا بكرٍ، فقال أبو بكرٍ: عشيرتك. فأرسلهم، فاستشار عمر، فقال: اقتلهم، ففاداهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض} الآية.
قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه
وقال سفيان الثّوريّ، عن هشامٍ -هو ابن حسّان -عن محمّد بن سيرين، عن عبيدة، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: جاء جبريل إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ فقال: خيّر أصحابك في الأسارى: إن شاءوا الفداء، وإن شاؤوا القتل على أن يقتل منهم مقبلًا مثلهم. قالوا: الفداء ويقتل منّا.
رواه التّرمذيّ، والنّسائيّ، وابن حبّان في صحيحه من حديث الثّوريّ، به وهذا حديث غريب جدًّا.
وقال ابن عونٍ [عن محمّد بن سيرين] عن عبيدة، عن عليٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في أسارى يوم بدرٍ: "إن شئتم قتلتموهم، وإن شئتم فاديتموهم واستمتعتم بالفداء، واستشهد منكم بعدّتهم". قال: فكان آخر السّبعين ثابت بن قيسٍ، قتل يوم اليمامة، رضي اللّه عنه
ومنهم من روى هذا الحديث عن عبيدة مرسلًا فاللّه أعلم.
وقال محمّد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ما كان لنبيٍّ أن يكون له أسرى} فقرأ حتّى بلغ: {عذابٌ عظيمٌ} قال: غنائم بدرٍ، قبل أن يحلّها لهم، يقول: لولا أنّي لا أعذّب من عصاني حتّى أتقدّم إليه، لمسّكم فيما أخذتم عذابٌ عظيمٌ.
وكذا روى ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ.
وقال الأعمش: سبق منه ألّا يعذّب أحدًا شهد بدرًا. وروي نحوه عن سعد بن أبي وقّاصٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وعطاءٍ.
وقال شعبة، عن أبي هاشمٍ عن مجاهدٍ: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} أي: لهم بالمغفرة ونحوه عن سفيان الثّوريّ، رحمه اللّه.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {لولا كتابٌ من اللّه سبق} يعني: في أمّ الكتاب الأوّل أنّ المغانم والأسارى حلالٌ لكم، {لمسّكم فيما أخذتم} من الأسارى {عذابٌ عظيمٌ} قال اللّه تعالى: {فكلوا ممّا غنمتم} الآية. وكذا روى العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ. وروي مثله عن أبي هريرة، وابن مسعودٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وعطاءٌ، والحسن البصريّ، وقتادة والأعمش أيضًا: أنّ المراد {لولا كتابٌ من اللّه سبق} لهذه الأمّة بإحلال الغنائم وهو اختيار ابن جريرٍ، رحمه اللّه.
ويستشهد لهذا القول بما أخرجاه في الصّحيحين، عن جابر بن عبد اللّه، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أعطيت خمسًا، لم يعطهنّ أحدٌ من الأنبياء قبلي: نصرت بالرّعب مسيرة شهرٍ، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحدٍ قبلي، وأعطيت الشّفاعة، وكان النّبيّ يبعث إلى قومه وبعثت إلى النّاس عامّةً"
وقال الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لم تحل الغنائم لسود الرؤوس غيرنا"
ولهذا قال اللّه تعالى: {فكلوا ممّا غنمتم حلالا طيّبًا واتّقوااللّه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} فعند ذلك أخذوا من الأسارى الفداء.
وقد روى الإمام أبو داود في سننه: حدّثنا عبد الرّحمن بن المبارك العيشيّ، حدّثنا سفيان بن حبيبٍ، حدّثنا شعبة، عن أبي العنبس، عن أبي الشّعثاء، عن ابن عبّاسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جعل فداء أهل الجاهليّة يوم بدرٍ أربعمائةٍ
وقد استقرّ الحكم في الأسرى عند جمهور العلماء: أنّ الإمام مخيّرٌ فيهم: إن شاء قتل -كما فعل ببني قريظة -وإن شاء فادى بمالٍ -كما فعل بأسرى بدرٍ -أو بمن أسر من المسلمين -كما فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في تلك الجارية وابنتها اللّتين كانتا في سبي سلمة بن الأكوع، حيث ردّهما وأخذ في مقابلتهما من المسلمين الّذين كانوا عند المشركين، وإن شاء استرقّ من أسر. هذا مذهب الإمام الشّافعيّ وطائفةٍ من العلماء، وفي المسألة خلافٌ آخر بين الأئمّة مقرّرٌ في موضعه من كتب الفقه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 88-91]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:01 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة