العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنفال

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 11:05 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنفال [ من الآية (45) إلى الآية (49) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:54 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني عبد الله بن عياش عن يزيد بن قوذر عن كعب الأحبار قال: من ختم القرآن زوجها الله مائة ألف زوجة من الحور العين، لكل زوجة مائة ألف ألف وصيفة، ومائة ألف ألف وصيف؛ ومن قرأ شيئا منه فحساب ذلك؛ فإن ختمه مرابطا زاده الله على ذلك مائة ألف ألف ضعف، وبني له عدد ذلك مدائن، وقصورا، وغرفا من در وياقوت في الجنة، وكان ذلك على الله يسيرا؛

قال كعب: وما من شيءٍ أحب إلى الله من قراءة القرآن، والذكر، ولولا ذلك ما أمر الناس بالصلاة والقتال، ألا ترون أنه أمر الناس بالذكر عند القتال أيضا، فقال: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}؛
قال: وسمع كعب رجلا يقرأ القرآن، فقال: خيار عباد الله من أطاب الكلام، وشرار عباد الله من أخبث الكلام؛ وقال كعب: من قرأها: {هو الله أحدٌ}، حرم الله لحمه على النار). [الجامع في علوم القرآن: 3/31-32]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن عبد الرّحمن بن زيادٍ عن عبد اللّه بن يزيد عن عبد الله بن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((لا تتمنّوا لقاء العدوّ وسلوا اللّه العافية وإن أنتم لقيتموهم فاثبتوا وأكثروا ذكر اللّه واصبروا وإن جلبوا وصيحوا فعليكم بالصمت)) [الآية: 45]). [تفسير الثوري: 119]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا اللّه كثيرًا لعلّكم تفلحون}.
وهذا تعريفٌ من اللّه جلّ ثناؤه أهل الإيمان به السّيرة في حرب أعدائه من أهل الكفر به والأفعال الّتي ترجى لهم باستعمالها عند لقائهم النّصرة عليهم والظّفر بهم، ثمّ يقول جلّ ثناؤه لهم: يا أيّها الّذين آمنوا صدّقوا اللّه ورسوله إذا لقيتم جماعةً من أهل الكفر باللّه للحرب والقتال، فاثبتوا لقتالهم ولا تنهزموا عنهم ولا تولّوهم الأدبار هاربين، إلاّ متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ منكم. {واذكروا اللّه كثيرًا} يقول: وادعوا اللّه بالنّصر عليهم والظّفر بهم، وأشعروا قلوبكم وألسنتكم ذكره. {لعلّكم تفلحون} يقول: كيما تنجحوا فتظفروا بعدوّكم، ويرزقكم اللّه النّصر والظّفر عليهم.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا اللّه كثيرًا لعلّكم تفلحون} افترض اللّه ذكره عند أشغل ما تكونون عند الضّراب بالسّيوف.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةً} يقاتلونكم في سبيل اللّه {فاثبتوا واذكروا اللّه كثيرًا} اذكروا اللّه الّذي بذلتم له أنفسكم والوفاء بما أعطيتموه من بيعتكم {لعلّكم تفلحون}). [جامع البيان: 11/213-214]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا اللّه كثيرًا لعلّكم تفلحون (45)
قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةٍ فاثبتوا
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق ثنا يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه قال: ثمّ وعظهم وفهمهم وأعلمهم الذي ينبغي لهم أن يسيروا بهم في حربهم فقال: يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةً يقاتلونك في اللّه فاثبتوا
قوله تعالى: واذكروا الله كثيرا
[الوجه الأول]
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى أنبأ ابن وهبٍ أخبرني عبد الرّحمن بن زياد بن أنعم عن أبي عبد الرّحمن الحبليّ عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تتمنوا لقاء العدو، وسلموا العافية فإن لقيتموهم فاثبتوا واذكروا اللّه كثيرًا فإذا جلبوا وصيّحوا فعليكم بالصّمت.
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى أنبأ ابن وهبٍ أخبرني عبد الله ابن عيّاشٍ عن يزيد بن قوذر عن كعب الأحبار قال: ما من شيءٍ أحبّ إلى اللّه من قراءة القرآن والذّكر ولولا ذلك ما أمر النّاس بالصّلاة والقتال، ألا ترون أنّه قد أمر النّاس بالذّكر عند القتال؟ فقال: يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةٍ فاثبتوا واذكروا اللّه كثيرًا لعلّكم تفلحون
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي ثنا عبدة بن سليمان ثنا ابن المبارك، أنبأ ابن جريجٍ عن عطاءٍ قال: وجب الإنصات والذّكر عند الزّحف ثمّ تلا: إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا اللّه كثيرًا قلت: يجهرون بالذّكر؟ قال: نعم.
قوله تعالى: لعلّكم
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد اللّه بن أبي حمّادٍ عن أسباط بن نصرٍ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قوله: لعلّكم يعني: كي.
قوله تعالى: تفلحون
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى أنبأ ابن وهبٍ أنبأ أبو صخرٍ المدينيّ عن محمّد بن كعبٍ أنّه كان يقول في هذه الآية: لعلّكم تفلحون يقول: لعلّكم تفلحون غدًا إذا لقيتموني). [تفسير القرآن العظيم: 5/1710-1711]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 45
أخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تتمنوا لقاء العدو وأسالوا الله العافية فإن لقيتموهم فاثبتوا واذكروا الله كثيرا فإذا جلبوا وصيحوا فعليكم بالصمت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال: ما من شيء أحب إلى الله من قراءة القرآن والذكر ولولا ذلك ما أمر الله الناس بالصلاة والقتال: ألا ترون أنه قد أمر الناس بالذكر عند القتال فقال {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: افترض الله ذكره عند أشغل ما تكونون عند الضراب بالسيوف.
وأخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي حعفر رضي الله عنه قال: أشد الأعمال ثلاثة، ذكر الله على كل حال وإنصافك من نفسك ومواساة الأخ في المال.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة عن عبدالله بن أبي أوفى ....
وأخرج عبد الرزاق عن يحيى بن أبي كثير رضي الله عنه أن النّبيّ قال: لا تتمنوا لقاء العدو فإنكم لا تدرون لعلكم ستبلون بهم وسلوا الله العافية فإذا جاءكم يبرقون ويرجفون ويصيحون بالأرض الأرض جلوسا ثم قولوا: اللهم ربنا وربهم نواصينا ونواصيهم بيدك وإنما تقتلهم أنت فإذا دنو منكم فثوروا إليهم واعلموا أن الجنة تحت البارقة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء رضي الله عنه قال: وجب الإنصات والذكر عند الرجف ثم تلا {واذكروا الله كثيرا}.
وأخرج ابن عساكر عن عطاء بن أبي مسلم رضي الله عنه قال: لما ودع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة رضي الله عنه قال ابن رواحة: يا رسول الله مرني بشيء أحفظه عنك قال إنك قادم غدا بلدا السجود به قليل فأكثر السجود، قال: زدني، قال: اذكر الله فإنه عون لك على ما تطلب، قال: زدني، قال: يا ابن رواحة فلا تعجزن إن أسأت عشرا أن تحسن واحدة، فقال ابن رواحة رضي الله عنه: لا أسالك عن شيء بعدها.
وأخرج الحاكم وصححه عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنيتان لا تردان الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره الصوت عند القتال.
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم عن قيس بن عباد رضي الله عنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند القتال.
وأخرج ابن أبي شيبة عن قيس بن عباد رضي الله عنه قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يستحبون خفض الصوت عند ثلاث، عند القتال وعند القرآن وعند الجنائز.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يكره رفع الصوت عند ثلاث، عند الجنازة وإذا التقى الزحفان وعند قراءة القرآن). [الدر المنثور: 7/139-142]

تفسير قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {وتذهب ريحكم} قال ريح الحرب). [تفسير عبد الرزاق: 1/260]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال قتادة: {ريحكم} [الأنفال: 46] : «الحرب). [صحيح البخاري: 6/61]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال قتادة ريحكم الحرب تقدّم في الجهاد). [فتح الباري: 8/307]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وأما تفسير قتادة فتقدم في الجهاد). [تغليق التعليق: 4/216]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قال قتادة ريحكم الحرب
أشار إلى قوله تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} (الأنفال: 8) وفسّر قتادة الرّيح بالحرب، وروى هذا التّعليق عبد الرّزّاق في (تفسيره) عن معمر عنه، وفي التّفسير: وتذهب ريحكم أي قوتكم وحدتكم وما كنتم من الاقبال). [عمدة القاري: 18/244]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قال قتادة) فيما رواه عبد الرزاق في قوله تعالى: وتذهب ({ريحكم}) [الأنفال: 46] أي (الحرب) وقيل: المراد الحقيقة فإن النصر لا يكون إلا بريح يبعثها الله تعالى وفي الحديث نصرت بالصبا). [إرشاد الساري: 7/132]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأطيعوا اللّه ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنّ اللّه مع الصّابرين}.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: أطيعوا أيّها المؤمنون ربّكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه، ولا تخالفوهما في شيءٍ. {ولا تنازعوا فتفشلوا} يقول: ولا تختلفوا فتفرّقوا وتختلف قلوبكم فتفشلوا، يقول: فتضعفوا وتجبنوا {وتذهب ريحكم} وهذا مثلٌ يقال للرّجل إذا كان مقبلاً عليه ما يحبّه ويسرّ به: الرّيح مقبلةٌ عليه، يعني بذلك ما يحبّه، ومن ذلك قول عبيد بن الأبرص:
كما حميناك يوم النّعف من شطبٍ = والفضل للقوم من ريحٍ ومن عدد
يعني من البأس والكثرة.
وإنّما يراد به في هذا الموضع: وتذهب قوّتكم وبأسكم فتضعفوا، ويدخلكم الوهن والخلل.
{واصبروا} يقول: اصبروا مع نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند لقاء عدوّكم، ولا تنهزموا عنه وتتركوه. {إنّ اللّه مع الصّابرين} يقول: اصبروا فإنّي معكم.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وتذهب ريحكم} قال: نصركم. قال: وذهبت ريح أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين نازعوه يوم أحدٍ.
- حدّثنا ابن نميرٍ، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وتذهب ريحكم} فذكر نحوه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ نحوه، إلاّ أنّه قال: ريح أصحاب محمّدٍ حين تركوه يوم أحدٍ.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} قال: حربكم وجدّكم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وتذهب ريحكم} قال: ريح الحرب.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وتذهب ريحكم} قال: الرّيح: النّصر. لم يكن نصرٌ قطّ إلاّ بريحٍ يبعثها اللّه تضرب وجوه العدوّ، فإذا كان ذلك لم يكن لهم قوامٌ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {ولا تنازعوا فتفشلوا} أي لا تختلفوا فيتفرّق أمركم. {وتذهب ريحكم} فيذهب جدّكم. {واصبروا إنّ اللّه مع الصّابرين} أي إنّي معكم إذا فعلتم ذلك.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا تنازعوا فتفشلوا} قال: الفشل: الضّعف عن جهاد عدوّه والانكسار لهم، فذلك الفشل). [جامع البيان: 11/214-216]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وأطيعوا اللّه ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنّ اللّه مع الصّابرين (46)
قوله تعالى وأطيعوا الله ورسوله
قد تقدّم تفسيره.
قوله تعالى: ولا تنازعوا فتفشلوا
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ حدّثنا سعيدٌ عن قتادة ولا تنازعوا الآية. يقول: لا تختلفوا فتجنبوا ويذهب نصركم.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ- فيما كتب إليّ- حدّثنا أصبغ بن الفرج أنبأ عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم قال: الفشل: الضّعف عن جهاد عدوّه، والانكسار لهم ذلك الفشل.
قوله تعالى: وتذهب ريحكم
- حدّثنا أبي ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ وتذهب ريحكم ريح أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم حين نازعوه يوم بدرٍ.
- أخبرنا عمرو بن ثورٍ القيساريّ- فيما كتب إليّ- ثنا الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: وتذهب ريحكم نصركم فذهبت ريح أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم حين نازعوه يوم أحدٍ.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن قتادة وتذهب ريحكم قال: ريح الحرب.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق حدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه وتذهب ريحكم أي ويذهب جدّكم.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ- فيما كتب إليّ- ثنا أصبغ ثنا ابن زيدٍ في قول اللّه: وتذهب ريحكم قال: الرّيح النّصر، لم يكن نصرٌ قطّ إلا بريحٍ، ريحًا يبعثها اللّه تضرب وجوه العدوّ، وإذا كان ذلك لم يكن لهم قوامٌ.
قوله تعالى: واصبروا
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ أنبأ أبو صخرٍ المدينيّ عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ أنّه كان يقول: واصبروا يقول: واصبروا على دينكم.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا محمّد بن عبد اللّه بن نميرٍ ثنا بدل بن المحبّر عن عبّاد بن راشدٍ عن الحسن واصبروا قال: على الصّلوات.
- حدّثنا يحيى بن حبيب بن إسماعيل بن حبيب بن أبي ثابتٍ ثنا جعفر بن عونٍ، حدّثنا هشام بن سعدٍ عن زيد بن أسلم في قوله: واصبروا قال: على الجهاد.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا محمّد بن عمرو بن حبلة بن أبي روّادٍ ثنا محمّد بن مروان عن سعيدٍ عن قتادة قوله: واصبروا قال: على حقّ اللّه.
- حدّثنا أبي حدّثني إبراهيم بن المنذر ثنا زكريا ابن منظورٍ عن زيد بن أسلم في قول اللّه: واصبروا أخبرنا ابن المبارك، أنبأ ابن لهيعة عن عطاء بن دينارٍ أنّ سعيد بن جبيرٍ قال: الصّبر اعتراف العبد للّه بما أصاب منه واحتسابه عند اللّه رجاء ثوابه، وقد يجزع الرّجل وهو متجلّدٌ لا يرى منه إلا الصّبر
قوله تعالى: إنّ اللّه مع الصّابرين
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا هارون بن سعيدٍ الأيليّ ثنا ابن وهبٍ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: الصّبر في بابين: الصّبر للّه فيما أحبّ وإن ثقل على الأنفس والأبدان، والصّبر للّه عمّا كره وإن نازعت إليه الأهواء فمن كان هكذا فهو من الصّابرين الّذين يسلّم عليهم إن شاء اللّه تعالى.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق حدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه واصبروا إنّ اللّه مع الصّابرين أي إنّي معكم إذا فعلتم ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 5/1711-1713]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم يعني يذهب نصركم قال فذهبت ريح أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين نازعوا يوم أحد). [تفسير مجاهد: 264]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 46.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} قال: يقول: لا تختلفوا فتجبنوا ويذهب نصركم.
وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وتذهب ريحكم} قال: نصركم وقد ذهب ريح أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين نازعوه يوم أحد.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله {وتذهب ريحكم} قال: الريح النصر لم يكن نصر قط إلا بريح يبعثها الله تضرب وجوه العدو وإذا كان كذلك لم يكن لهم قوام.
وأخرج ابن أبي شيبة عن النعمان بن مقرن رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عند القتال لم يقاتل أول النهار وآخره إلى أن تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر). [الدر المنثور: 7/142-143]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديرهم بطرا} قال هم قريش أبو جهل وأصحابه الذين خرجوا يوم بدر). [تفسير عبد الرزاق: 1/260]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء النّاس ويصدّون عن سبيل الله والله بما يعملون محيطٌ}.
وهذا تقدّمٌ من اللّه جلّ ثناؤه إلى المؤمنين به وبرسوله لا يعملوا عملاً إلاّ للّه خاصّةً وطلب ما عنده لا رئاء النّاس كما فعل القوم من المشركين في مسيرهم إلى بدرٍ طلب رئاء النّاس، وذلك أنّهم أخبروا بفوت العير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، وقيل لهم: انصرفوا فقد سلمت العير الّتي جئتم لنصرتها، فأبوا وقالوا: نأتي بدرًا فنشرب بها الخمر وتعزف علينا القيان وتتحدّث بنا العرب لمكانتنا فيها. فسقوا مكان الخمر كئوس المنايا.
- كما حدّثنا عبد الوارث بن عبد الصّمد، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا أبان، قال: حدّثنا هشام بن عروة، عن عروة، قال: كانت قريشٌ قبل أن يلقاهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ قد جاءهم راكبٌ من أبي سفيان والرّكب الّذين معه: إنّا قد أجزنا القوم فارجعوا، فجاء الرّكب الّذين بعثهم أبو سفيان الّذين يأمرون قريشًا بالرّجعة بالجحفة، فقالوا: واللّه لا نرجع حتّى ننزل بدرًا فنقيم فيه ثلاث ليالٍ ويرانا من غشينا من أهل الحجاز، فإنّه لن يرانا أحدٌ من العرب وما جمّعنا فيقاتلنا، وهم الّذين قال اللّه: {الّذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء النّاس} والتقوا هم والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ففتح اللّه على رسوله وأخزى أئمّة الكفر، وشفي صدور المؤمنين منهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق في حديثٍ ذكره، قال: حدّثني محمّد بن مسلمٍ وعاصم بن عمرٍو، وعبد اللّه بن أبي بكرٍ، ويزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير وغيره من علمائنا، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا رأى أبو سفيان أنّه أحرز عيره، أرسل إلى قريشٍ أنّكم إنّما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم وأموالكم، فقد نجّاها اللّه فارجعوا، فقال أبو جهل بن هشامٍ: واللّه لا نرجع حتّى نرد بدرًا وكان بدرٌ موسمًا من مواسم العرب، يجتمع لهم بها سوق كلّ عامٍ فنقيم عليه ثلاثًا، وننحر الجزر، ونطعم الطّعام، ونسقي الخمور، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب، فلا يزالون يهابوننا أبدًا، فامضوا.
- قال ابن حميدٍ: حدّثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: {ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء النّاس} أي لا تكونوا كأبي جهلٍ وأصحابه الّذين قالوا: لا نرجع حتّى نأتي بدرًا وننحر بها الجزر ونسقي بها الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا، أي لا يكوننّ أمركم رياءً ولا سمعةً ولا التماس ما عند النّاس، وأخلصوا للّه النّيّة والحسبة في نصر دينكم، ومؤازرة نبيّكم، أي لا تعملوا إلاّ للّه ولا تطلبوا غيره.
- حدّثني محمّد بن عمارة الأسديّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، وحدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {الّذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء النّاس} قال: أصحاب بدرٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {بطرًا ورئاء النّاس} قال: أبو جهلٍ وأصحابه يوم بدرٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
قال ابن جريجٍ: وقال عبد اللّه بن كثيرٍ: هم مشركو قريشٍ، وذلك خروجهم إلى بدرٍ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء النّاس} يعني المشركين الّذي قاتلوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء النّاس} قال: هم قريشٌ وأبو جهلٍ وأصحابه الّذين خرجوا يوم بدرٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء النّاس ويصدّون عن سبيل اللّه واللّه بما يعملون محيطٌ} قال: كان مشركو قريشٍ الّذين قاتلوا نبيّ اللّه يوم بدرٍ خرجوا ولهم بغي وفخرٌ، وقد قيل لهم يومئذٍ: ارجعوا فقد انطلقت عيركم وقد ظفرتم قالوا: لا واللّه حتّى يتحدّث أهل الحجاز بمسيرنا وعددنا. قال: وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال يومئذٍ: اللّهمّ إنّ قريشًا أقبلت بفخرها وخيلائها لتحادّك ورسولك.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: ذكر المشركين وما يطعمون على المياه، فقال: {ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء النّاس ويصدّون عن سبيل اللّه}.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ الفضل بن خالدٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {الّذين خرجوا من ديارهم بطرًا} قال: هم المشركون خرجوا إلى بدرٍ أشرًا وبطرًا.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: لمّا خرجت قريشٌ من مكّة إلى بدرٍ، خرجوا بالقيان والدّفوف، فأنزل اللّه: {ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء النّاس ويصدّون عن سبيل اللّه واللّه بما يعملون محيطٌ}.
فتأويل الكلام إذن: ولا تكونوا أيّها المؤمنون باللّه ورسوله في العمل بالرّياء والسّمعة وترك إخلاص العمل للّه واحتساب الأجر فيه، كالجيش من أهل الكفر باللّه ورسوله الّذين خرجوا من منازلهم بطرًا ومراءاة النّاس بزيّهم وأموالهم وكثرة عددهم وشدّة بطانتهم. {ويصدّون عن سبيل اللّه} يقول: ويمنعون النّاس من دين اللّه والدّخول في الإسلام بقتالهم إيّاهم وتعذيبهم من قدروا عليه من أهل الإيمان باللّه، واللّه بما يعملون من الرّياء والصّدّ عن سبيل اللّه وغير ذلك من أفعالهم محيطٌ، يقول: عالمٌ بجميع ذلك، لا يخفى عليه منه شيءٌ، وذلك أنّ الأشياء كلّها له متجلّيةٌ، لا يعزب عنه منها شيءٌ، فهو لهم بها معاقبٌ وعليها معذّبٌ). [جامع البيان: 11/216-220]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء النّاس ويصدّون عن سبيل اللّه واللّه بما يعملون محيطٌ (47)
قوله ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم
- أخبرنا محمّد بن سعد بن عطيّة- فيما كتب إليّ- ثنا أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ قوله: ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء النّاس يعني: المشركين الّذين قاتلوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم- يوم بدرٍ.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق حدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه عبّادٍ ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم بطرًا أي لا تكونوا كأبي جهلٍ وأصحابه الّذين قالوا: لا نرجع حتى نأتي بدرا فنحر بها الجذور ونسقي فيه الخمر وتعزف علينا فيه القيان ويسمع بنا العرب.
قوله تعالى: بطرًا
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عبيد اللّه عن إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهدٍ كالّذين خرجوا من ديارهم بطرًا قال: كانوا أصحاب بدرٍ يعني: المشركين.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ عن سعيدٍ عن قتادة قوله: ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم بطرًا قال: كانوا مشركي قريشٍ الّذين قاتلوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ، فخرجوا ولهم بغيٌ وفخرٌ وقد قيل لهم يومئذٍ: ارجعوا فقد انطلقت غيركم، وقد ظفرتم فقالوا: لا واللّه، حتّى يتحدّث أهل الحجاز بمسيرنا وعددنا.
قوله تعالى: ورئاء الناس
- حدّثنا محمّد بن العبّاس حدّثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق حدّثني يحيى بن العبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه عبّادٍ بطرًا ورئاء النّاس أي لا يكون أمركم رياءٌ ولا سمعةٌ ولا التماس ما عند النّاس، وأخلصوا للّه النّيّة والحسبة في نصر دينكم ومؤازرة نبيّكم لا تعملوا إلا لذلك ولا تطلبوا غيره.
قوله تعالى: ويصدّون عن سبيل اللّه واللّه بما يعملون محيطٌ
- قرأت على محمّد بن الفضل حدّثنا محمّد بن عليٍّ أنبأ ابن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: واللّه بما يعملون محيطٌ يقول: أحاط علمه بأعمالهم). [تفسير القرآن العظيم: 5/1713-1714]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس قال كان أبو جهل ومشركو قريش الذين قاتلوا نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر خرجوا ولهم بغي وفخر وقد قيل لهم يومئذ ارجعوا فقد انطلقت عيركم وسلمت فقالوا والله لا نرجع حتى يتحدث أهل الحجاز بمسيرنا وعددنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إن قريشا قد أقبلت بفخرها وخيلائها ليحادوك ويحادوا رسولك وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يومئذ قاءت مكة مقاليدها). [تفسير مجاهد: 264-265]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 47
أخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس} يعني المشركين الذين قاتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه قال: لما خرجت قريش من مكة إلى بدر خرجوا بالقيان والدفوف فأنزل الله تعالى {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا} الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا} قال: أبو جهل وأصحابه يوم بدر.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال كان مشركو قريش الذين قاتلوا نبي الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر خرجوا ولهم بغي وفخر وقد قيل لهم يومئذ: ارجعوا فقد انطلقت عيركم وقد ظفرتم فقالوا: لا والله حتى يتحدث أهل الحجاز بمسيرنا وعددنا وذكر لنا أن نبي اللهقال يومئذ: اللهم إن قريشا قد أقبلت بفخرها وخيلائها لتجادل رسولك وذكر لنا أنه قال يومئذ: اللهم إن قريشا جاءت من مكة أفلاذها). [الدر المنثور: 7/143-144]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وعن قول الله: {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جارٌ لكم فلما ترآءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريءٌ منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب}، قال ابن شهاب: بلغنا، والله أعلم، أن ابن عباس كان يقول: تمثل لهم الشيطان رجلا فقال لهم ذلك حتى ورطهم، ثم نكص على عقبيه). [الجامع في علوم القرآن: 1/144-145]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {وإذ زين لهم الشيطان أعملهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس} قال الكلبي إن سراقة بن مالك تمثل به الشيطان وقال {لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم} فاثبتوا فلما رأى الملائكة نكص على عقبيه {وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله} فذلك منه كذب فذكروا أنهم أقبلوا على سراقة بعد ذلك فأنكر أن يقول شيئا من ذلك). [تفسير عبد الرزاق: 1/260]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من النّاس وإنّي جارٌ لكم فلمّا تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إنّي بريءٌ منكم إنّي أرى ما لا ترون إنّي أخاف اللّه واللّه شديد العقاب}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم} وحين زيّن لهم الشّيطان أعمالهم.
وكان تزيينه ذلك لهم كما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: جاء إبليس يوم بدرٍ في جندٍ من الشّياطين معه رأيته في صورة رجلٍ من بني مدلجٍ في صورة سراقة بن مالك بن جعشمٍ، فقال الشّيطان للمشركين: لا غالب لكم اليوم من النّاس وإنّي جارٌ لكم، فلمّا اصطفّ النّاس، أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبضةً من التّراب، فرمى بها في وجوه المشركين، فولّوا مدبرين. وأقبل جبريل إلى إبليس، فلمّا رآه، وكانت يده في يد رجلٍ من المشركين، انتزع إبليس يده، فولّى مدبرًا هو وشيعته، فقال الرّجل: يا سراقة تزعم أنّك لنا جارٌ؟ قال: {إنّي أرى ما لا ترون إنّي أخاف اللّه واللّه شديد العقاب} وذلك حين رأى الملائكة.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: أتى المشركين إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشمٍ الكنانيّ الشّاعر ثمّ المدلجيّ، فجاء على فرسٍ فقال للمشركين: {لا غالب لكم اليوم من النّاس} فقالوا: ومن أنت؟ قال: أنا جاركم سراقة، وهؤلاء كنانة قد أتوكم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق، حدّثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزّبير، قال: لمّا أجمعت قريشٌ المسير ذكرت الّذي بينها وبين بني بكرٍ يعني من الحرب فكاد ذلك أن يثبّطهم، فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن جعشمٍ المدلجيّ، وكان من أشراف بني كنانة، فقال: أنا جارٌ لكم من أن تأتيكم كنانة بشيءٍ تكرهونه، فخرجوا سراعًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق، في قوله: {وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من النّاس وإنّي جارٌ لكم} فذكر استدراج إبليس إيّاهم وتشبّهه بسراقة بن مالك بن جعشمٍ حين ذكروا ما بينهم وبين بني بكر بن عبد مناة بن كنانة من الحرب الّتي كانت بينهم. يقول اللّه: {فلمّا تراءت الفئتان} ونظر عدوّ اللّه إلى جنود اللّه من الملائكة قد أيّد اللّه بهم رسوله والمؤمنين على عدوّهم {نكص على عقبيه وقال إنّي بريءٌ منكم إنّي أرى ما لا ترون} وصدق عدوّ اللّه أنّه رأى ما لا يرون. وقال: {إنّي أخاف اللّه واللّه شديد العقاب}، فأوردهم ثمّ أسلمهم. قال: فذكر لي أنّهم كانوا يرونه في كلّ منزلٍ في صورة سراقة بن مالك بن جعشمٍ لا ينكرونه، حتّى إذا كان يوم بدرٍ والتقى الجمعان، كان الّذي رآه حين نكص الحارث بن هشامٍ أو عمير بن وهبٍ الجمحيّ، فذكر أحدهما فقال: أين سراقة؟ أسلمنا عدوّ اللّه وذهب.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم} إلى قوله: {شديد العقاب} قال: ذكر لنا أنّه رأى جبريل تنزل معه الملائكة، فزعم عدوّ اللّه أنّه لا يد له بالملائكة، وقال: إنّي أرى ما لا ترون، إنّي أخاف اللّه. وكذب واللّه عدوّ اللّه، ما به مخافة اللّه، ولكن علم أن لا قوّة له ولا منعة له، وتلك عادة عدوّ اللّه لمن أطاعه واستعاذ به، حتّى إذا التقى الحقّ والباطل أسلمهم شرّ مسلمٍ وتبرّأ منهم عند ذلك.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم} الآية، قال: لمّا كان يوم بدرٍ، سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين، وألقى في قلوب المشركين أنّ أحدًا لن يغلبكم وإنّي جارٌ لكم. فلمّا التقوا ونظر الشّيطان إلى أمداد الملائكة نكص على عقبيه، قال: رجع مدبرًا وقال: {إنّي أرى ما لا ترون} الآية.
- حدّثنا أحمد بن الفرج، قال: حدّثنا عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون، قال: حدّثنا مالكٌ، عن إبراهيم بن أبي عبلة، عن طلحة بن عبيد اللّه بن كريزٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ما رئي إبليس يومًا هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ من يوم عرفة، وذلك ممّا يرى من تنزيل الرّحمة والعفو عن الذّنوب، إلاّ ما رأى يوم بدرٍ. قالوا: يا رسول اللّه: وما رأى يوم بدرٍ؟ قال: أما إنّه رأى جبريل يزع الملائكة.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلالٍ، عن الحسن، في قوله: {إنّي أرى ما لا ترون} قال: رأى جبريل معتجرًا ببردٍ يمشي بين يدي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وفي يده اللّجام، ما ركب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا هاشم بن القاسم، قال: حدّثنا سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلالٍ، قال: قال الحسن: وتلا هذه الآية: {وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم} الآية، قال: سار إبليس مع المشركين ببدرٍ برايته وجنوده، وألقى في قلوب المشركين أنّ أحدًا لن يغلبكم وأنتم تقاتلون على دين آبائكم، ولن تغلبوا كثرةً. فلمّا التقوا نكص على عقبيه، يقول: رجع مدبرًا، وقال: إنّي بريءٌ منكم، إنّي أرى ما لا ترون. يعني الملائكة.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ، قال: لمّا أجمعت قريشٌ على السّير، قالوا: إنّما نتخوّف من بني بكرٍ. فقال لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشمٍ: أنا جارٌ لكم من بني بكرٍ، ولا غالب لكم اليوم من النّاس فتأويل الكلام: وإنّ اللّه لسميعٌ عليمٌ في هذه الأحوال وحين زيّن لهم الشّيطان خروجهم إليكم أيّها المؤمنون لحربكم وقتالكم، وحسّن ذلك لهم، وحثّهم عليكم وقال لهم: لا غالب لكم اليوم من بني آدم، فاطمئنّوا وأبشروا، وإنّي جارٌ لكم من كنانة أن تأتيكم من ورائكم فتغيركم أجيركم وأمنعكم منهم، ولا تخافوهم، واجعلوا جدّكم وبأسكم على محمّدٍ وأصحابه. {فلمّا تراءت الفئتان} يقول: فلمّا تزاحفت جنود اللّه من المؤمنين وجنود الشّيطان من المشركين، ونظر بعضهم إلى بعضٍ {نكص على عقبيه} يقول: رجع القهقرى على قفاه هاربًا، يقال منه: نكص ينكص وينكص نكوصًا، ومنه قول زهيرٍ:
هم يضربون حبيك البيض إذ لحقوا = لا ينكصون إذا ما استلحموا وحموا
وقال للمشركين {إنّي بريءٌ منكم إنّي أرى ما لا ترون} يعني: أنّه يرى الملائكة الّذين بعثهم اللّه مددًا للمؤمنين، والمشركون لا يرونهم إنّي أخاف عقاب اللّه، وكذب عدوّ اللّه {واللّه شديد العقاب}). [جامع البيان: 11/220-225]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من النّاس وإنّي جارٌ لكم فلمّا تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إنّي بريءٌ منكم إنّي أرى ما لا ترون إنّي أخاف اللّه واللّه شديد العقاب (48)
قوله تعالى: وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم
- أخبرنا محمّد بن سعد بن عطيّة فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي الحسين عن أبيه عن جدّه عن عبد اللّه بن عبّاسٍ وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم وقد زيّن لهم الشّيطان أعمالهم.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق حدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه عبّادٍ ثمّ قال: وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من النّاس وإنّي جارٌ لكم يذكر استدراج إبليس إيّاهم، وتشبهه بسراقة بن جعشمٍ حين ذكروا ما بينهم وبين بن عبد مناة بن كنانة من الحرب الّتي كانت بينهم.
قوله تعالى: وقال لا غالب لكم اليوم من النّاس وإنّي جارٌ لكم
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قال: جاء إبليس في جندٍ من الشّياطين ومعه رايةٌ في صور رجالٍ من بني مدلجٍ، والشّيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشمٍ فقال الشّيطان:
لا غالب لكم اليوم من النّاس وإنّي جارٌ لكم وأقبل جبريل عليه الصّلاة والسّلام على إبليس، فلمّا رآه وكانت يده في يد رجلٍ من المشركين انتزع إبليس يده وولّى مدبرًا وشيعته، فقال الرّجل: يا سراقة، أتزعم أنّك لنا جارٌ؟ فقال: إنّي أرى ما لا ترون إنّي أخاف اللّه واللّه شديد العقاب
- أخبرنا أبو الأزهر فيما كتب إليّ- ثنا وهب ابن جريرٍ- ثنا أبي عن عليّ بن الحكم عن الضّحّاك قوله: وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من النّاس وإنّي جارٌ لكم وإنّ الشّيطان سار معهم برايته وجنوده وألقى في قلوب المشركين أنّ أحدًا لن يغلبكم وأنتم تقاتلون على دينكم ودين آبائكم.
قوله تعالى: فلمّا تراءت الفئتان
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ حدّثنا سلمة عن ابن إسحاق حدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه عبّادٍ فلمّا تراءت الفئتان نظر عدوّ اللّه إلى جنود اللّه من الملائكة قد أيّد اللّه بهم رسوله والمؤمنين على عدوّهم نكص على عقبيه.
قوله تعالى: نكص على عقبيه
- حدّثنا أبي ثنا عبد العزيز بن منيبٍ ثنا أبو معاذٍ النّحويّ عن عبيد بن سليمان عن الضّحّاك: فلمّا التقوا نكص على عقبيه، يقول: رجع مدبرًا.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق حدّثنا يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه نكص على عقبيه قال: التقى الجمعان وكان الّذي رآه نكص حين نكص الحارث بن هشامٍ أو عمير بن وهبٍ الجمحيّ فذكر أحدهما.
قوله تعالى: إنّي أرى ما لا ترون
- حدّثنا أبي حدّثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ إنّي أرى ما لا ترون وذلك حين رأى الملائكة.
- حدّثنا يحيى بن عبدك القزوينيّ ثنا المقرئ ثنا سليمان بن المغيرة عن حميد بن هلالٍ عن الحسن في قوله: وقال إنّي بريءٌ منكم إنّي أرى ما لا ترون قال: رأى جبريل معتجرًا بردائه يقود الفرس بين يدي أصحابه ما ركبه.
قوله تعالى: إنّي أخاف اللّه واللّه شديد العقاب
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد بن زريعٍ ثنا سعيدٌ عن قتادة وقال إنّي بريءٌ منكم إنّي أرى ما لا ترون إنّي أخاف اللّه واللّه شديد العقاب فقال: ذكر لنا أنّه رأى جبريل صلّى اللّه عليه وسلّم ينزل معه الملائكة، فعلم عدوّ اللّه أنّه لا يدان له بالملائكة، وقال: إنّي أرى ما لا ترون إنّي أخاف اللّه وكذب عدوّ اللّه، ما به مخافة اللّه ولكن علم أن لا قوّة له به، ولا منعة له وتلك عادة عدوّ اللّه لمن أطاعه وانقاد له حتّى إذا التقى الحقّ والباطل أسلمهم شرّ مسلّمٍ وتبرّأ منهم عند ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 5/1714-1716]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 48 - 49.
أخرج ابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم} قال: قريش يوم بدر.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء إبليس في جند من الشياطين ومعه راية في صورة رجال من بني مدلج في صورة سراقة بن مالك بن جعشم فقال الشيطان
{لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم} وأقبل جبريل عليه السلام على إبليس وكانت يده في يد رجل من المشركين فلما رأى جبريل انتزع يد وولى مدبرا هو وشيعته فقال الرجل: يا سراقة إنك جار لنا فقال {إني أرى ما لا ترون} وذلك حين رأى الملائكة {إني أخاف الله والله شديد العقاب} قال: ولما دنا القوم بعضهم من بعض قلل الله المسلمين في أعين المشركين فقال المشركون: وما هؤلاء {غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم}.
وأخرج الواقدي، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما تواقف الناس أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم سري عنه فبشر الناس بجبريل عليه السلام في جند من الملائكة ميمنة الناس وميكائيل في جند آخر ميسرة وإسرافيل في جند آخر ألف وإبليس قد تصور في صورة سراقة بن جعشم المدلجي يجير المشركين ويخبرهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس فلما أبصر عدو الله الملائكة {نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون} فتثبت به الحارث وانطلق إبليس لا يرى حتى سقط في البحر ورفع يديه وقال: يا رب موعدك الذي وعدتني
وأخرج الطبراني وأبو نعيم في الدلائل عن رفاعة بن رافع الأنصار رضي الله عنه قال: لما رأى إبليس ما يفعل الملائكة بالمشركين يوم بدر أشفق أن يخلص القتل إليه فتشبث به الحارث بن هشام وهو يظن أنه سراقة بن مالك فوكز في صدر الحارث فألقاه ثم خرج هاربا حتى ألقى نفسه في البحر فرفع يديه فقال: اللهم إني أسألك نظرتك إياي.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بمكة (سيهزم الجمع ويولون الدبر) (القمر الآية 45) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أي جمع يهزم - وذلك قبل بدر - فلما كان يوم بدر وانهزمت قريش نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم مصلتا بالسيف ويقول: (سيهزم الجمع ويولون الدبر) فكانت بيوم بدر فأنزل الله فيهم (حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب) (المؤمنون الآية 24)
الآية، وأنزل الله (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا) (إبراهيم الآية 28) الآية، ورماهم رسول الله فوسعهم الرمية وملأت أعينهم وأفواههم حتى أن الرجل ليقتل وهو يقذي عينيه وفاه فأنزل الله (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) (الأنفال الآية 17) وأنزل الله في إبليس {فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون} وقال عتبة بن ربيعة وناس معه من المشركين يوم بدر {غر هؤلاء دينهم} فأنزل الله {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم}.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله {إني أرى ما لا ترون} قال: أرى جبريل عليه السلام معتجرا بردائه يقود الفرس بين يدي أصحابه ما ركبه.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {إني أرى ما لا ترون} قال: ذكر لنا أنه رأى جبريل تنزل معه الملائكة فعلم عدو الله أنه لا يدان له بالملائكة وقال {إني أخاف الله} وكذب عدو الله ما به مخافة الله ولكن علم أنه لا قوة له به ولا منعة له.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن معمر قال: ذكروا أنهم أقبلوا على سراقة بن مالك بعد ذلك فأنكر أن يكون شيء من ذلك.
وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: كان الذي رآه نكص حين نكص الحارث بن هشام أو عمرو بن وهب الجمحي). [الدر المنثور: 7/144-147]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الحسن في قوله تعالى {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم} قال هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر فسموا منافقين.
عن معمر وقال الكلبي هم قوم كانوا أقروا بالإسلام بمكة ثم خرجوا مع المشركين يوم بدر فلما رأوا المسلمين قالوا غر هؤلاء دينهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/261]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن أبي سنان عن سعيد بن جبير في قوله تعالى ومن يتوكل على الله قال التوكل جماع الإيمان). [تفسير عبد الرزاق: 2/122]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ غرّ هؤلاء دينهم ومن يتوكّل على اللّه فإنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ}.
يقول تعالى ذكره: وإنّ اللّه لسميعٌ عليمٌ في هذه الأحوال، وإذ يقول المنافقون. وكرّ بقوله: {إذ يقول المنافقون} على قوله: {إذ يريكهم اللّه في منامك قليلاً}.
{والّذين في قلوبهم مرضٌ} يعني: شكٌّ في الإسلام لم يصحّ يقينهم، ولم تشرح بالإيمان صدورهم. {غرّ هؤلاء دينهم} يقول: غرّ هؤلاء الّذين يقاتلون المشركين من أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من أنفسهم دينهم، وذلك الإسلام.
وذكر أنّ الّذين قالوا هذا القول كانوا نفرًا ممّن كان قد تكلّم بالإسلام من مشركي قريشٍ ولم يستحكم الإسلام في قلوبهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ، في هذه الآية: {إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ غرّ هؤلاء دينهم} قال: كان ناسٌ من أهل مكّة تكلّموا بالإسلام، فخرجوا مع المشركين يوم بدرٍ، فلمّا رأوا قلّة المسلمين قالوا: {غرّ هؤلاء دينهم}.
- حدّثني إسحاق بن شاهين، قال: حدّثنا خالدٌ، عن داود، عن عامرٍ مثله.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا يحيى بن زكريّا، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ غرّ هؤلاء دينهم} قال: فئةٌ من قريشٍ: قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة بن الأسود بن المطّلب، وعليّ بن أميّة بن خلفٍ، والعاصي بن منبّه بن الحجّاج، خرجوا مع قريشٍ من مكّة وهم على الارتياب فحبسهم ارتيابهم، فلمّا رأوا قلّة أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا: غرّ هؤلاء دينهم حتّى قدموا على ما قدموا عليه مع قلّة عددهم وكثرة عدوّهم.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن: {إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ غرّ هؤلاء دينهم} قال: هم قومٌ لم يشهدوا القتال يوم بدرٍ، فسمّوا منافقين. قال معمرٌ: وقال بعضهم: قومٌ كانوا أقرّوا بالإسلام وهم بمكّة، فخرجوا مع المشركين يوم بدرٍ، فلمّا رأوا قلّة المسلمين قالوا: غرّ هؤلاء دينهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ} إلى قوله: {فإنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ} قال: رأوا عصابةً من المؤمنين تشدّدت لأمر اللّه. وذكر لنا أنّ أبا جهلٍ عدوّ اللّه لمّا أشرف على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، قال: واللّه لا يعبد اللّه بعد اليوم، قسوةً وعتوًّا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ في قوله: {إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ} قال: ناسٌ كانوا من المنافقين بمكّة، قالوه يوم بدرٍ، وهم يومئذٍ ثلاثمائةٍ وبضعة عشر رجلاً.
- قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ} قال: لمّا دنا القوم بعضهم من بعضٍ، فقلّل اللّه المسلمين في أعين المشركين، وقلّل المشركين في أعين المسلمين، فقال المشركون: غرّ هؤلاء دينهم، وإنّما قالوا ذلك من قلّتهم في أعينهم، وظنّوا أنّهم سيهزمونهم لا يشكّون في ذلك، فقال اللّه: {ومن يتوكّل على اللّه فإنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ}.
وأمّا قوله: {ومن يتوكّل على اللّه} فإنّ معناه: ومن يسلم أمره إلى اللّه ويثق به ويرض بقضائه، فإنّ اللّه حافظه وناصره؛ لأنّه عزيزٌ لا يغلبه شيءٌ ولا يقهره أحدٌ، فجاره منيعٌ ومن يتوكّل عليه يكفه.
وهذا أمرٌ من اللّه جلّ ثناؤه المؤمنين به من أصحاب رسول اللّه وغيرهم أن يفوّضوا أمرهم إليه ويسلموا لقضائه، كيما يكفيهم أعداءهم، ولا يستذلّهم من ناوأهم؛ لأنّه عزيزٌ غير مغلوبٍ، فجاره غير مقهورٍ. {حكيمٌ} يقول: هو فيما يدبّر من أمر خلقه، حكيمٌ لا يدخل تدبيره خللٌ). [جامع البيان: 11/226-229]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ غرّ هؤلاء دينهم ومن يتوكّل على اللّه فإنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (49)
قوله تعالى: إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ
- أخبرنا محمّد بن سعد بن عطيّة فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن ابن عبّاسٍ إذ يقول المنافقون وهم يومئذٍ في المسلمين.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى أنبأ محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن الحسن إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ قال: هم قومٌ لم يشهدوا القتال فسمّوا منافقين.
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع ثنا ابن إدريس عن ابن إسحاق إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ وهم الفتية الّذين خرجوا مع قريشٍ من مكّة احتبسهم آباؤهم فخرجوا وهم على الارتياب، فلمّا رأوا قلّة أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قالوا: غرّ هؤلاء دينهم حين قدموا على ما قدموا عليه من قلّة عددهم وكثرة عدوّهم وهم فتيةٌ من قريشٍ مسمّون خمسةٌ أبو قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة المخزوميان والحارث بن زمعة وعليّ بن أميّة بن خلفٍ والعاص بن منبّهٍ.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ قال: لمّا دنا القوم بعضهم من بعضٍ قلّل اللّه المسلمين، في أعين المشركين وقلّل المشركين في أعين المسلمين فقال المشركون: وما هؤلاء؟ غرّ هؤلاء دينهم، وإنّما قالوا ذلك من قلّتهم في أعينهم وظنّوا أنّهم سيهزمونهم لا يشكّون في أنفسهم ذلك فقال اللّه تعالى: ومن يتوكّل على اللّه فإنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس بن الوليد ثنا يزيد عن قتادة قوله: غرّ هؤلاء دينهم قال: رأت عصابةٌ من المؤمنين تشدّدت لأمر اللّه قال: وذكر لنا أنّ عدوّ اللّه أبا جهل بن هشامٍ لمّا أشرف على محمّدٍ وأصحابه قال: واللّه لا يعبد اللّه بعد اليوم قسوةً وعتوًّا.
قوله تعالى: ومن يتوكّل على اللّه
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: وعلى اللّه لا على النّاس فليتوكّل). [تفسير القرآن العظيم: 5/1716-1717]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {إذ يقول المنافقون} قال: وهم يومئذ في المسلمين.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه في قوله {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض} قال: هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر فسموا منافقين.
وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن الكلبي رضي الله عنه قال: هم قوم كانوا أقروا بالإسلام وهم بمكة ثم خرجوا مع المشركين يوم بدر فلما رأوا المسلمين قالوا {غر هؤلاء دينهم}.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن الشعبي رضي الله عنه في الآية قال: كان أناس من أهل مكة تكلموا بالإسلام فخرجوا مع المشركين يوم بدر فلما رأوا وفد المسلمين قالوا {غر هؤلاء دينهم}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن إسحاق رضي الله عنه في قوله {إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض} قال: هم الفئة الذين خرجوا مع قريش احتبسهم آباؤهم فخرجوا وهم على الارتياب فلما رأوا قلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا {غر هؤلاء دينهم} حين قدموا على ما قدموا عليه من قلة عددهم وكثرة عدوهم وهم فئة من قريش مسمون خمسة قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة المخزوميان والحارث بن زمعة وعلي بن أمية بن خلف والعاص بن منبه). [الدر المنثور: 7/148-149]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 ربيع الثاني 1434هـ/9-03-2013م, 11:17 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49)}


تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) )

تفسير قوله تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وتذهب ريحكم} مجازه: وتنقطع دولتكم). [مجاز القرآن: 1/247]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {وتذهب ريحكم} أي دولتكم؛ وقال ابن عباس: {ريحكم}؛ أي شدتكم؛ وقال: ريح النصر، وقال: إذا كانت الريح مع قوم ظهروا؛ وهي الريح الساكنة.
قال عبيد:
كما حميناك يوم النعف من شطب = والفضل للقوم من ريح ومن عدد). [معاني القرآن لقطرب: 623]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وتذهب ريحكم}: دولتكم). [غريب القرآن وتفسيره: 158]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وتذهب ريحكم} أي دولتكم. يقال: هبت له ريح النصر.
إذا كانت له الدّولة. ويقال: الريح له اليوم. يراد له الدّولة). [تفسير غريب القرآن: 179]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولا تنازعوا فتفشلوا}
قال أبو إسحاق يقال يفشل فشلا إذا هاب أن يتقدم جبنا
[معاني القرآن: 3/161]
ثم قال جل وعز: {وتذهب ريحكم} قال مجاهد: أي نصركم.
وقال معمر عن قتادة أي ريح الحرب
والمعروف في اللغة انه يقال ذهبت ريحهم أي دولتهم). [معاني القرآن: 3/162]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({وتذهب ريحكم} الريح: الغلبة.
والفشل: الكسل، يقال منه: فعل يفعل فعلا). [ياقوتة الصراط: 239]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} أي دولتكم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 92]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {رِيحُكُمْ}: دولتكم). [العمدة في غريب القرآن: 144]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس}[آية: 47]
يعني أبا جهل وأصحابه يوم بدر
وقوله جل وعز: {وزين لهم الشيطان أعمالهم}
قال المعنى واذكر إذ زين لهم الشيطان أعمالهم
قال الضحاك جاءهم يوم بدر برايته وجنوده فألقى في قلوبهم أنهم لن ينهزمزا وهم يقاتلون على دين آبائهم). [معاني القرآن: 3/162]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من النّاس وإنّي جارٌ لّكم...}
هذا إبليس تمثل في صورة رجل من بني كنانة يقال له سراقة بن جعشم...
وقوله: {وإنّي جارٌ لّكم} من قومي بني كنانة ألاّ يعرضوا لكم، وأن يكونوا معكم على محمد (صلّى الله عليه وسلّم) فلمّا عاين الملائكة عرفهم فـ "نكص على عقبيه"، فقال له الحرث بن هشام: يا سراقة أفرارا من غير قتال! فقال: ((إني أرى ما لا ترون)) ). [معاني القرآن: 1/413]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {نكص على عقبيه} مجازه: رجع من حيث جاء). [مجاز القرآن: 1/247]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {نكص على عقبيه} ينكصح وينكص لغتان، نكصا ونكوصا ونكصانًا.
قال زهير:
هم يضربون حبيك البيض إذ لحقوا = لا ينكصون إذا ما استلحموا وحموا). [معاني القرآن لقطرب: 623]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {نكص على عقبيه}: رجع من حيث جاء). [غريب القرآن وتفسيره: 159]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {نكص على عقبيه} أي رجع القهقري). [تفسير غريب القرآن: 179]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من النّاس وإنّي جار لكم فلمّا تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إنّي بريء منكم إنّي أرى ما لا ترون إنّي أخاف اللّه واللّه شديد العقاب}
موضع إذ " نصب، المعنى: اذكر إذ زين لهم الشيطان أعمالهم.
{وقال لا غالب لكم اليوم من النّاس وإنّي جار لكم}.
تمثل لهم إبليس في صورة رجل يقال له سراقة بن مالك بن جُعْثُم من كنانة، وقال لهم: لن يغلبكم أحد، وأنا جار لكم من بني كنانة.
{فلمّا تراءت الفئتان} توافقتا حتى رأت كل واحدة الأخرى، فبصر إبليس بالملائكة تنزل من السّماء فنكص على عقبيه.
{وقال إنّي بريء منكم}.
وذلك أنه عنّف لهربه، فقال:
{إنّي بريء منكم إنّي أرى ما لا ترون إنّي أخاف اللّه واللّه شديد العقاب}.
ومعنى نكص رجع بخزي.
فإن قال قائل: كيف يقول إبليس: {إنّي أخاف اللّه} وهو كافر؟
فالجواب في ذلك أنّه ظن الوقت الذي أنظر إليه قد حضر). [معاني القرآن: 2/420-421]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فلما تراءت الفئتان} أي التقتا حتى رأت كل واحدة منهما صاحبتها
ثم قال جل وعز: {نكص على عقبيه} أي رجع القهقري ويقال نكص على عقبيه إذا رجع من حيث جاء
وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون
قال الضحاك: رأى الملائكة إني أخاف الله والله شديد العقاب.
قيل إنما خاف أن يكون الوقت الذي أجل إليه قد حضر
وقيل بل كذب). [معاني القرآن: 3/163]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ) : ( {نكص على عقبيه} أي: مشى إلى خلفه منهزما). [ياقوتة الصراط: 239]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ} أي رجع). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 92]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {نكص}: رجع من حيث جاء). [العمدة في غريب القرآن: 144]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) )


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 07:38 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) }

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال بعض الحكماء: قد جمع اللّه لنا أدب الحرب في قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا اللّه كثيرًا لعلّكم تفلحون * وأطيعوا اللّه ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنّ اللّه مع الصّابرين} ). [عيون الأخبار: 2/108]

تفسير قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) }

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) }

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:10 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:11 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:11 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:11 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا اللّه كثيراً لعلّكم تفلحون (45) وأطيعوا اللّه ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنّ اللّه مع الصّابرين (46) ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم بطراً ورئاء النّاس ويصدّون عن سبيل اللّه واللّه بما يعملون محيطٌ (47)
هذا أمر بما فيه داعية النصر وسبب العز، وهي وصية من الله متوجهة بحسب التقييد التي في آية الضعف، ويجري مع معنى الآية قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهكذا ينبغي أن يكون المسلم في ولاية الإمارة والقضاء لا يطلب ولا يتمنى، فإن ابتلي صبر على إقامة الحق، و «الفئة» الجماعة أصلها فئوة وهي من فأوت أي جمعت، ثم أمر الله تعالى بإكثار ذكره هنالك إذ هو عصمة المستنجد ووزر المستعين، قال قتادة: افترض الله ذكره عند أشغل ما يكونون عند الضراب بالسيوف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ذكر خفي لأن رفع الأصوات في موطن القتال رديء مكروه إذا كان ألفاظا،
فأما إن كان من الجمع عند الحملة فحسن فاتّ في عضد العدو، وقال قيس بن عباد: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند ثلاث: عند قراءة القرآن وعند الجنازة والقتال، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: اطلبوا إجابة الدعاء عند القتال وإقامة الصلاة ونزول الغيث، وقال ابن عباس يكره التلثم عند القتال.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولهذا والله أعلم يتسنن المرابطون بطرحه عند القتال على ضنانتهم به وتفلحون تنالون بغيتكم وتبلغون آمالكم، وهذا مثل قول لبيد: [الرجز]
أفلح بما شئت فقد يبلغ بالض = ضعف وقد يخدع الأريب
). [المحرر الوجيز: 4/ 207-208]

تفسير قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله وأطيعوا اللّه ورسوله الآية استمرار على الوصية لهم والأخذ على أيديهم في اختلافهم في أمر بدر وتنازعهم، وفتفشلوا نصب بالفاء في جواب النهي، قال أبو حاتم في كتاب عن إبراهيم «فتفشلوا» بكسر الشين وهذا غير معروف وقرأ جمهور الناس «وتذهب» بالتاء من فوق ونصب الباء، وقرأ هبيرة عن حفص عن عاصم «وتذهب ريحكم» بالتاء وجزم الباء، وقرأ عيسى بن عمر «ويذهب» بالياء من تحت وبجزم يذهب، وقرأ أبو حيوة «ويذهب» بالياء من تحت ونصب الباء، ورواها أبان وعصمة عن عاصم، والجمهور على أن الريح هنا مستعارة
والمراد بها النصر والقوة كما تقول: الريح لفلان إذا كان غالبا في أمر، ومن هذا المعنى قول الشاعر وهو عبيد بن الأبرص: [البسيط]
كما حميناك يوم العنف من شطب = والفضل للقوم من ريح ومن عدد
وقال مجاهد: «الريح» النصر والقوة، وذهبت ريح أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين نازعوه يوم أحد، وقال زيد بن علي وتذهب ريحكم معناه الرعب من قلوب عدوكم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا حسن بشرط أن يعلم العدو بالتنازع، وإذا لم يعلم فالذاهب قوة المتنازعين فينهزمون، وقال شاعر الأنصار: [البسيط]
قد عوّدتهم ظباهم أن تكون لهم = ريح القتال وأسلاب الذين لقوا
ومن استعارة الريح قول الآخر: [الوافر]
إذا هبت رياحك فاغتنمها = فإن لكل عاصفة سكون
وهذا كثير مستعمل، وقال ابن زيد وغيره: الريح على بابها، وروي أن النصر لم يكن قط إلا بريح تهب فتضرب في وجوه الكفار، واستند بعضهم في هذه المقالة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالصبا». وقال الحكم وتذهب ريحكم يعني الصبا إذ بها نصر محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا إنما كان في غزوة الخندق خاصة، وقوله واصبروا إلى آخر الآية، تتميم في الوصية وعدة مؤنسة). [المحرر الوجيز: 4/ 208-210]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم الآية، آية تتضمن الطعن على المشار إليهم وهم كفار قريش، وخرج ذلك على طريق النهي عن سلوك سبيلهم، والإشارة هي إلى كفار قريش بإجماع، و «البطر» الأشر وغمط النعمة والشغل بالمرح فيها عن شكرها، و «الرياء» المباهاة والتصنع بما يراه غيرك، وهو فعال من راءى يرائي سهلت همزته، وروي أن أبا سفيان لما أحس أنه قد تجاوز بعيره الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه بعث إلى قريش فقال: «إن الله قد سلم عيركم التي خرجتم إلى نصرتها فارجعوا سالمين قد بلغتم مرادكم»، فأتى رأي الجماعة على ذلك، فقال أبو جهل: والله لا نفعل حتى نأتي بدرا، وكانت بدر سوقا من أسواق العرب لها يوم موسم، فننحر عليها الإبل ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان ويسمع بنا العرب ويهابنا الناس.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فهذا معنى قوله تعالى: ورئاء النّاس، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إن قريشا أقبلت بفخرها وخيلائها تحادّك وتكذب رسولك، اللهم فاحنها الغداة»، وقال محمد بن كعب القرظي: خرجت قريش بالقيان والدفوف، وقوله ويصدّون عن سبيل اللّه، أي غيرهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: لأنهم أحرى بذلك من أن يقتصر صدهم على أنفسهم، وقوله واللّه بما يعملون محيطٌ آية تتضمن الوعيد والتهديد لمن بقي من الكفار ونفوذ القدر فيمن مضى بالقتل).[المحرر الوجيز: 4/ 210-211]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من النّاس وإنّي جارٌ لكم فلمّا تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إنّي بريءٌ منكم إنّي أرى ما لا ترون إنّي أخاف اللّه واللّه شديد العقاب (48) إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ غرّ هؤلاء دينهم ومن يتوكّل على اللّه فإنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (49)
التقدير واذكروا إذ، والضمير في لهم عائد على الكفار، والشّيطان إبليس نفسه، وحكى
المهدوي وغيره أن التزيين في هذه الآية وما بعده من الأقوال هو بالوسوسة والمحادثة في النفوس.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويضعف هذا القول أن قوله وإنّي جارٌ لكم ليس مما يلقى بالوسوسة، وقال الجمهور في ذلك بما روي وتظاهر أن إبليس جاء كفار قريش ففي السير لابن هشام أنه جاءهم بمكة، وفي غيرها أنه جاءهم وهم في طريقهم إلى بدر، وقد لحقهم خوف من بني بكر وكنانة لحروب كانت بينهم، فجاءهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشم وهو سيد من ساداتهم، فقال لهم «إني جار لكم» ولن تخافوا من قومي وهم لكم أعوان على مقصدكم ولن يغلبكم أحد، فسروا عند ذلك ومضوا لطيتهم وقال لهم أنتم تقاتلون عن دين الآباء ولن تعدموا نصرا.
فروي أنه لما التقى الجمعان كانت يده في يد الحارث بن هشام، فلما رأى الملائكة نكص فقال له الحارث أتفر يا سراقة فلم يلو عليه، ويروى أنه قال له ما تضمنت الآية.
وروي أن عمرو بن وهب أو الحارث بن هشام قال له أين يا سراقة؟ فلم يلو ومثل عدو الله فذهب ووقعت الهزيمة، فتحدث أن سراقة فر بالناس، فبلغ ذلك سراقة بن مالك، فأتى مكة فقال لهم: والله ما علمت بشيء من أمركم حتى بلغتني هزيمتكم ولا رأيتكم ولا كنت معكم، وحكى الطبري عن ابن عباس أنه قال: جاء إبليس يوم بدر في جند من الشياطين معه رأيته في صورة رجل من بني مدلج، فقال لا غالب لكم اليوم الآية، واليوم ظرف، والعامل فيه معنى نفي الغلبة، ويحتمل أن يكون العامل متعلق لكم وممتنع أن يعمل غالب لأنه كان يلزم أن يكون لا غالبا، وقوله إنّي جارٌ لكم معناه فأنتم في ذمتي وحماي، وتراءت تفاعلت من الرؤية أي رأى هؤلاء هؤلاء، وقرأ الأعمش وعيسى بن عمر «ترأت» مقصورة، وحكى أبو حاتم عن الأعمش أنه أمال والراء مرققة ثم رجع عن ذلك، وقوله نكص على عقبيه معناه رجع من حيث جاء، وأصل النكوص في اللغة الرجوع القهقرى، وقال زهير:
هم يضربون حبيك البيض إذ لحقوا = لا ينكصون إذا ما استلحموا وحموا
كذا أنشد الطبري، وفي رواية الأصمعي إذا ما استلأموا وبذلك فسر الطبري هذه الآية، وفي ذلك بعد، وإنما رجوعه في هذه الآية مشبه بالنكوص الحقيقي، وقال اللغويون: النكوص، الإحجام عن الشيء، يقال أراد أمرا ثم نكص عنه، وقال تأبّط شرّا: [البسيط]
ليس النكوص على الأدبار مكرمة = إن المكارم إقدام على الأسل
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فليس هنا قهقرى بل هو فرار، وقال مؤرج: نكص هي رجع بلغة سليم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقوله على عقبيه يبين أنه إنما أراد الانهزام والرجوع في ضد إقباله، وقوله إنّي بريءٌ منكم هو خذلانه لهم وانفصاله عنهم، وقوله إنّي أرى ما لا ترون يريد الملائكة وهو الخبيث إنما شرط أن لا غالب من الناس فلما رأى الملائكة وخرق العادة خاف وفرّ، وفي الموطإ وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما ريء الشيطان في يوم أقل ولا أحقر ولا أصغر منه في يوم عرفة، لما يرى من نزول الرحمة إلا ما رأى يوم بدر»، قيل وما رأى يا رسول الله؟ قال: «رأى الملائكة يزعمها جبريل».
وقال الحسن: رأى إبليس جبريل يقود فرسه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وهو معتجر ببردة وفي يده اللجام، وقوله إنّي أخاف اللّه قيل إن هذه معذرة منه كاذبة ولم تلحقه قط مخافة، قاله قتادة وابن الكلبي، وقال الزجّاج وغيره: بل خاف مما رأى من الأمر وهوله وأنه يومه الذي أنظر إليه، ويقوي هذا أنه رأى خرق العادة ونزول الملائكة للحرب، وحكى الطبري بسنده أنه لما انهزم المشركون يوم بدر حين رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبضة من التراب وجوه الكفار أقبل جبريل صلى الله عليه وسلم إلى إبليس، فلما رآه إبليس وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع يده ثم ولى مدبرا، فقال له الرجل أي سراقة تزعم أنك لنا جار؟ فقال إنّي أرى ما لا ترون الآية، ثم ذهب). [المحرر الوجيز: 4/ 211-213]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ الآية، العامل في إذ زيّن أو نكص لأن ذلك الموقف كان ظرفا لهذه الأمور كلها، وقال المفسرون إن هؤلاء الموصوفين بالنفاق ومرض القلوب إنما هم من أهل عسكر الكفار لما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلتهم وقلة عددهم، قالوا مشيرين إلى المسلمين غرّ هؤلاء دينهم أي اغتروا فأدخلوا نفوسهم فيما لا طاقة لهم به.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والنفاق أخص من مرض القلب لأن مرض القلب مطلق على الكافر وعلى من اعترضته شبهة وعلى من بينهما، وكني بالقلوب عن الاعتقادات إذ القلوب محلها، وروي في نحو هذا التأويل عن الشعبي أن قوما ممن كان الإسلام داخل قلوبهم خرجوا مع المشركين إلى بدر، منهم من أكره ومنهم من داجى وداهن، فلما أشرفوا على المسلمين ورأوا قلتهم ارتابوا واعتقدوا أنهم مغلوبون، فقالوا غرّ هؤلاء دينهم، قال مجاهد: منهم قيس بن الوليد بن المغيرة وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة بن الأسود، وعلي بن أمية بن خلف، والعاصي بن أمية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولم يذكر أحد ممن شهد بدرا بنفاق إلا ما ظهر بعد ذلك من معتب بن قشير أخي بني عمرو بن عوف، فإنه القائل يوم أحد لو كان لنا من الأمر شيءٌ ما قتلنا هاهنا [آل عمران: 154] وقد يحتمل أن يكون منافقو المدينة لما وصلهم خروج قريش في قوة عظيمة قالوا عن المسلمين هذه المقالة، فأخبر الله بها نبيه في هذه الآية، ثم أخبر الله عز وجل بأن من توكل على الله واستند إليه، فإن عزة الله تعالى وحكمته كفيلة بنصره وشد أعضاده، وخرجت العبارة عن هذا المعنى بأوجز لفظ وأبلغه). [المحرر الوجيز: 4/ 213-214]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:11 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:12 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا اللّه كثيرًا لعلّكم تفلحون (45) وأطيعوا اللّه ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إنّ اللّه مع الصّابرين (46)}
هذا تعليم اللّه عباده المؤمنين آداب اللّقاء، وطريق الشّجاعة عند مواجهة الأعداء، [فقال] {يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا}
ثبت في الصّحيحين، عن عبد اللّه بن أبي أوفى، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه انتظر في بعض أيّامه الّتي لقي فيها العدوّ حتّى إذا مالت الشّمس قام فيهم فقال: " يا أيّها النّاس، لا تتمنّوا لقاء العدوّ، واسألوا اللّه العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السّيوف". ثمّ قام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقال: " اللّهمّ، منزل الكتاب، ومجري السّحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم"
وقال عبد الرّزّاق، عن سفيان الثّوريّ، عن عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن عبد اللّه بن يزيد، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا تتمنّوا لقاء العدوّ، واسألوا اللّه العافية فإذا لقيتموهم فاثبتوا واذكروا اللّه فإن أجلبوا وضجّوا فعليكم بالصّمت
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا إبراهيم بن هاشمٍ البغويّ، حدّثنا أميّة بن بسطام، حدّثنا معتمر بن سليمان، حدّثنا ثابت بن زيدٍ، عن رجلٍ، عن زيد بن أرقم، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ اللّه يحبّ الصّمت عند ثلاثٍ: عند تلاوة القرآن، وعند الزّحف، وعند الجنازة"
وفي الحديث الآخر المرفوع يقول اللّه تعالى: "إنّ عبدي كلّ عبدي الّذي يذكرني وهو مناجزٌ قرنه أي: لا يشغله ذلك الحال عن ذكري ودعائي واستعانتي.
وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في هذه الآية، قال: افترض اللّه ذكره عند أشغل ما تكونون عند الضّراب بالسّيوف.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عبدة بن سليمان، حدّثنا ابن المبارك، عن ابن جريج، عن عطاءٍ قال: وجب الإنصات والذّكر عند الزّحف، ثمّ تلا هذه الآية، قلت: يجهرون بالذّكر؟ قال: نعم.
وقال أيضًا: قرئ على يونس بن عبد الأعلى، أنبأنا ابن وهبٍ، أخبرني عبد اللّه بن عيّاشٍ عن يزيد بن قوذرٍ، عن كعب الأحبار قال: ما من شيءٍ أحبّ إلى اللّه تعالى من قراءة القرآن والذّكر، ولولا ذلك ما أمر النّاس بالصّلاة والقتال، ألا ترون أنّه أمر النّاس بالذّكر عند القتال، فقال: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا اللّه كثيرًا لعلّكم تفلحون}
قال الشاعر:
ذكرتك والخطى يخطر بينناوقد نهلت فينا المثقّفة السّمر
وقال عنترة:
ولقد ذكرتك والرّماح شواجرٌفينا وبيض الهند تقطر من دمي
[فوددت تقبيل السيوف لأنهالمعت كبارق ثغرك المتبسّم]
فأمر تعالى بالثّبات عند قتال الأعداء والصّبر على مبارزتهم، فلا يفرّوا ولا ينكلوا ولا يجبنوا، وأن يذكروا اللّه في تلك الحال ولا ينسوه بل يستعينوا به ويتّكلوا عليه، ويسألوه النّصر على أعدائهم، وأن يطيعوا اللّه ورسوله في حالهم ذلك. فما أمرهم اللّه تعالى به ائتمروا، وما نهاهم عنه انزجروا، ولا يتنازعوا فيما بينهم أيضًا فيختلفوا فيكون سببًا لتخاذلهم وفشلهم.
{وتذهب ريحكم} أي: قوّتكم وحدّتكم وما كنتم فيه من الإقبال، {واصبروا إنّ اللّه مع الصّابرين}
وقد كان للصّحابة -رضي اللّه عنهم -في باب الشّجاعة والائتمار بأمر اللّه، وامتثال ما أرشدهم إليه -ما لم يكن لأحدٍ من الأمم والقرون قبلهم، ولا يكون لأحدٍ ممّن بعدهم؛ فإنّهم ببركة الرّسول، صلوات اللّه وسلامه عليه، وطاعته فيما أمرهم، فتحوا القلوب والأقاليم شرقًا وغربًا في المدّة اليسيرة، مع قلّة عددهم بالنّسبة إلى جيوش سائر الأقاليم، من الرّوم والفرس والتّرك والصّقالبة والبربر والحبوش وأصناف السّودان والقبط، وطوائف بني آدم، قهروا الجميع حتّى علت كلمة اللّه، وظهر دينه على سائر الأديان، وامتدّت الممالك الإسلاميّة في مشارق الأرض ومغاربها، في أقلّ من ثلاثين سنةً، فرضي اللّه عنهم وأرضاهم أجمعين، وحشرنا في زمرتهم، إنّه كريمٌ وهّابٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 70-72]


تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء النّاس ويصدّون عن سبيل اللّه واللّه بما يعملون محيطٌ (47) وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من النّاس وإنّي جارٌ لكم فلمّا تراءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إنّي بريءٌ منكم إنّي أرى ما لا ترون إنّي أخاف اللّه واللّه شديد العقاب (48) إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ غرّ هؤلاء دينهم ومن يتوكّل على اللّه فإنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ (49)}
يقول تعالى بعد أمره المؤمنين بالإخلاص في القتال في سبيله وكثرة ذكره، ناهيًا لهم عن التّشبّه بالمشركين في خروجهم من ديارهم {بطرًا} أي: دفعًا للحقّ، {ورئاء النّاس} وهو: المفاخرة والتّكبّر عليهم، كما قال أبو جهلٍ -لمّا قيل له: إنّ العير قد نجا فارجعوا -فقال: لا واللّه لا نرجع حتّى نرد ماء بدرٍ، وننحر الجزر، ونشرب الخمر، وتعزف علينا القيان، وتتحدّث العرب بمكاننا فيها يومنا أبدًا، فانعكس ذلك عليه أجمع؛ لأنّهم لمّا وردوا ماء بدرٍ وردوا به الحمام، ورموا في أطواء بدرٍ مهانين أذلّاء، صغرةً أشقياء في عذابٍ سرمديٍّ أبديٍّ؛ ولهذا قال: {واللّه بما يعملون محيطٌ} أي: عالمٌ بما جاءوا به وله، ولهذا جازاهم على ذلك شرّ الجزاء لهم.
قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة، والضّحّاك، والسّدّيّ في قوله تعالى: {ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء النّاس} قالوا: هم المشركون، الّذين قاتلوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ.
وقال محمّد بن كعبٍ: لمّا خرجت قريشٌ من مكّة إلى بدرٍ، خرجوا بالقيان والدّفوف، فأنزل اللّه {ولا تكونوا كالّذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء النّاس ويصدّون عن سبيل اللّه واللّه بما يعملون محيطٌ}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 72-73]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإذ زيّن لهم الشّيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من النّاس وإنّي جارٌ لكم} الآية: حسّن لهم -لعنه الله -ما جاؤوا له وما همّوا به، وأطمعهم أنّه لا غالب لهم اليوم من النّاس، ونفى عنهم الخشية من أن يؤتوا في ديارهم من عدوّهم بني بكرٍ فقال: أنا جارٌ لكم، وذلك أنّه تبدّى لهم في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، سيّد بني مدلج، كبير تلك النّاحية، وكلّ ذلك منه، كما قال [اللّه] تعالى عنه: {يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم الشّيطان إلا غرورًا} [النّساء:120].
قال ابن جريجٍ قال ابن عبّاسٍ في هذه الآية: لمّا كان يوم بدرٍ سار إبليس برايته وجنوده مع المشركين، وألقى في قلوب المشركين: أنّ أحدًا لن يغلبكم، وإنّي جارٌ لكم. فلمّا التقوا، ونظر الشّيطان إلى إمداد الملائكة، {نكص على عقبيه} قال: رجع مدبرًا، وقال: {إنّي أرى ما لا ترون} الآية.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: جاء إبليس يوم بدرٍ في جندٍ من الشّياطين، معه رايته، في صورة رجلٍ من بني مدلجٍ، والشّيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشمٍ، فقال الشّيطان للمشركين: {لا غالب لكم اليوم من النّاس وإنّي جارٌ لكم} فلمّا اصطفّ النّاس أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبضة من التّراب فرمى بها في وجوه المشركين، فولّوا مدبرين وأقبل جبريل، عليه السّلام، إلى إبليس، فلمّا رآه -وكانت يده في يد رجلٍ من المشركين -انتزع يده ثمّ ولّى مدبرًا هو وشيعته، فقال الرّجل: يا سراقة، أتزعم أنّك لنا جارٌ؟ فقال: {إنّي أرى ما لا ترون إنّي أخاف اللّه واللّه شديد العقاب} وذلك حين رأى الملائكة.
وقال محمّد بن إسحاق: حدّثني الكلبيّ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ إبليس خرج مع قريشٍ في صورة سراقة بن مالك بن جعشمٍ، فلمّا حضر القتال ورأى الملائكة، نكص على عقبيه، وقال: {إنّي بريءٌ منكم} فتشبّث الحارث بن هشامٍ فنخر في وجهه، فخرّ صعقًا، فقيل له: ويلك يا سراقة، على هذه الحال تخذلنا وتبرأ منّا. فقال: {إنّي بريءٌ منكم إنّي أرى ما لا ترون إنّي أخاف اللّه واللّه شديد العقاب}
وقال محمّد بن عمر الواقديّ: أخبرني عمر بن عقبة، عن شعبة -مولى ابن عبّاسٍ -عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا تواقف النّاس أغمي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ساعةً ثمّ كشف عنه، فبشّر النّاس بجبريل في جندٍ من الملائكة ميمنة النّاس، وميكائيل في جندٍ آخر ميسرة النّاس، وإسرافيل في جندٍ آخر ألفٍ. وإبليس قد تصوّر في صورة سراقة بن مالك بن جعشمٍ المدلجيّ، يدبّر المشركين ويخبرهم أنّه لا غالب لهم اليوم من النّاس. فلمّا أبصر عدوّ اللّه الملائكة، نكص على عقبيه، وقال: {إنّي بريءٌ منكم إنّي أرى ما لا ترون} فتشبّث به الحارث بن هشامٍ، وهو يرى أنّه سراقة لما سمع من كلامه، فضرب في صدر الحارث، فسقط الحارث، وانطلق إبليس لا يرى حتّى سقط في البحر، ورفع ثوبه وقال: يا ربّ، موعدك الّذي وعدتني
وفي الطّبرانيّ عن رفاعة بن رافعٍ قريبٌ من هذا السّياق وأبسط منه ذكرناه في السّيرة.
وقال محمّد بن إسحاق: حدّثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير قال: لمّا أجمعت قريشٌ المسير ذكرت الّذي بينها وبين بني بكرٍ من الحرب، فكاد ذلك أن يثنيهم، فتبدّى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك بن جعشمٍ المدلجيّ -وكان من أشراف بني كنانة -فقال: أنا جارٌ لكم أن تأتيكم كنانة بشيءٍ تكرهونه، فخرجوا سراعًا.
قال محمّد بن إسحاق: فذكر لي أنّهم كانوا يرونه في كلّ منزلٍ في صورة سراقة بن مالكٍ لا ينكرونه، حتّى إذا كان يوم بدرٍ والتقى الجمعان، كان الّذي رآه حين نكص الحارث بن هشامٍ -أو: عمير بن وهبٍ -فقال: أين، أي سراق؟ ومثل عدوّ اللّه فذهب -قال: فأوردهم ثمّ أسلمهم -قال: ونظر عدوّ اللّه إلى جنود اللّه، قد أيّد اللّه بهم رسوله والمؤمنين فانتكص على عقبيه، وقال: {إنّي بريءٌ منكم إنّي أرى ما لا ترون} وصدق عدوّ اللّه، وقال: {إنّي أخاف اللّه واللّه شديد العقاب} وهكذا روي عن السّدّيّ، والضّحّاك، والحسن البصريّ، ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ، وغيرهم، رحمهم اللّه.
وقال قتادة: وذكر لنا أنّه رأى جبريل، عليه السّلام، تنزّل معه الملائكة، فعلم عدوّ اللّه أنّه لا يدان له بالملائكة فقال: {إنّي أرى ما لا ترون إنّي أخاف اللّه} وكذب عدوّ اللّه، واللّه ما به مخافة اللّه، ولكن علم أنّه لا قوّة له ولا منعة، وتلك عادة عدوّ اللّه لمن أطاعه واستقاد له، حتّى إذا التقى الحقّ والباطل أسلمهم شرّ مسلّمٍ، وتبرّأ منهم عند ذلك.
قلت: يعني بعادته لمن أطاعه قوله تعالى: {كمثل الشّيطان إذ قال للإنسان اكفر فلمّا كفر قال إنّي بريءٌ منك إنّي أخاف اللّه} [الحشر:16]،وقوله تعالى: {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل إنّ الظّالمين لهم عذابٌ أليمٌ} [إبراهيم:22].
وقال يونس بن بكير، عن محمّد بن إسحاق: حدّثني عبد اللّه بن أبي بكر بن عمرو بن حزمٍ، عن بعض بني ساعدة قال: سمعت أبا أسيدٍ مالك بن ربيعة بعدما أصيب بصره يقول: لو كنت معكم الآن ببدرٍ ومعي بصري، لأخبرتكم بالشّعب الّذي خرجت منه الملائكة لا أشكّ ولا أتمارى
فلمّا نزلت الملائكة ورآها إبليس، وأوحى اللّه إليهم: أنّي معكم فثبّتوا الّذين آمنوا، وتثبيتهم أنّ الملائكة كانت تأتي الرّجل في صورة الرّجل يعرفه، فيقول له: أبشر فإنّهم ليسوا بشيءٍ، واللّه معكم، كرّوا عليهم. فلمّا رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه، وقال: {إنّي بريءٌ منكم إنّي أرى ما لا ترون} وهو في صورة سراقة، وأقبل أبو جهلٍ يحضّض أصحابه ويقول: لا يهولنّكم خذلان سراقة إيّاكم، فإنّه كان على موعدٍ من محمّدٍ وأصحابه. ثمّ قال: واللّات والعزّى لا نرجع حتّى نقرن محمّدًا وأصحابه في الحبال، فلا تقتلوهم وخذوهم أخذًا. وهذا من أبي جهلٍ لعنه اللّه كقول فرعون للسّحرة لمّا أسلموا: {إنّ هذا لمكرٌ مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها} [الأعراف:123]، وكقوله {إنّه لكبيركم الّذي علّمكم السّحر} [طه:71]، وهو من باب البهت والافتراء، ولهذا كان أبو جهلٍ فرعون هذه الأمّة.
وقال مالك بن أنسٍ، عن إبراهيم بن أبي عبلة عن طلحة بن عبيد اللّه بن كريز؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ما رئي إبليس في يومٍ هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة وذلك ممّا يرى من تنزّل الرّحمة والعفو عن الذّنوب إلّا ما رأى يوم بدرٍ". قالوا: يا رسول اللّه، وما رأى يوم بدرٍ؟ قال: "أما إنّه رأى جبريل، عليه السلام، يزغ الملائكة"
هذا مرسلٌ من هذا الوجه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 73-75]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ غرّ هؤلاء دينهم} قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية قال: لمّا دنا القوم بعضهم من بعضٍ قلّل اللّه المسلمين في أعين المشركين، وقلّل المشركين في أعين المسلمين فقال المشركون: {غرّ هؤلاء دينهم} وإنّما قالوا ذلك من قلّتهم في أعينهم، فظنّوا أنّهم سيهزمونهم، لا يشكّون في ذلك، فقال اللّه: {ومن يتوكّل على اللّه فإنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ}
وقال قتادة: رأوا عصابةً من المؤمنين تشدّدت لأمر اللّه، وذكر لنا أنّ أبا جهلٍ عدوّ اللّه لمّا أشرف على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه قال: واللّه لا يعبدوا اللّه بعد اليوم، قسوة وعتوا.
وقال ابن جريج في قوله: {إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ} هم قومٌ كانوا من المنافقين بمكّة، قالوه يوم بدرٍ.
وقال عامرٌ الشّعبيّ: كان ناسٌ من أهل مكّة قد تكلّموا بالإسلام، فخرجوا مع المشركين يوم بدرٍ، فلمّا رأوا قلّة المسلمين قالوا: {غرّ هؤلاء دينهم}
وقال مجاهدٌ في قوله، عزّ وجلّ: {إذ يقول المنافقون والّذين في قلوبهم مرضٌ غرّ هؤلاء دينهم} قال: فئةٌ من قريشٍ: [أبو] قيس بن الوليد بن المغيرة، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة، والحارث بن زمعة بن الأسود بن المطّلب، وعليّ بن أميّة بن خلفٍ، والعاص بن منبّه بن الحجّاج، خرجوا مع قريشٍ من مكّة وهم على الارتياب فحبسهم ارتيابهم، فلمّا رأوا قلّة أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا: {غرّ هؤلاء دينهم} حتّى قدموا على ما قدموا عليه، مع قلّة عددهم وكثرة عدوّهم.
وهكذا قال محمّد بن إسحاق بن يسارٍ، سواءً.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمر، عن الحسن في هذه الآية، قال: هم قومٌ لم يشهدوا القتال يوم بدرٍ، فسمّوا منافقين -قال معمرٌ: وقال بعضهم: هم قومٌ كانوا أقرّوا بالإسلام، وهم بمكّة فخرجوا مع المشركين يوم بدرٍ، فلمّا رأوا قلّة المسلمين قالوا: {غرّ هؤلاء دينهم}
وقوله: {ومن يتوكّل على اللّه} أي: يعتمد على جنابه، {فإنّ اللّه عزيزٌ} أي: لا يضام من التجأ إليه، فإنّ اللّه عزيزٌ منيع الجناب، عظيم السّلطان، حكيمٌ في أفعاله، لا يضعها إلّا في مواضعها، فينصر من يستحقّ النّصر، ويخذل من هو أهلٌ لذلك). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 75-76]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:04 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة