العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنفال

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 11:04 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنفال [ من الآية (41) إلى الآية (44) ]

{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:53 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي، قال أبو صخرٍ: وحدّثني أبو معاوية البجليّ عن سعيد بن جبيرٍ أنّ سعد بن أبي وقّاصٍ ورجلا من الأنصار خرجا يقتتلان وينتفلان نفلا فوجدا سيفًا ملقًى فخرّا عليه جميعًا، فقال سعدٌ: هو لي، فقال [الأنصاريّ]: بل، هو لي، فتنازعا في ذلك؛ فقال الأنصاريّ إن أيسر ما يكون لأن يكون [ .. .. ] جمعياً، وخررنا عليه جميعًا، فقال: لا أسلّمه إليك حتّى نأتي رسول [اللّه .... ] القصّة على رسول اللّه؛ قال رسول اللّه: ليس لك، يا سعد، ولا لك [ ....... ]: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول [فاتّقوا اللّه] وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله}، يقول: [ .......... ] لمحمدٍ {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه [وللرّسول ولذي القربى واليتامى] والمساكين وابن السبيل}). [الجامع في علوم القرآن: 2/67-68] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عكرمة في قول الله: {يسألونك عن الأنفال}، قال: نسختها: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه}). [الجامع في علوم القرآن: 3/87] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن عثمان الجزري عن مقسم في قوله تعالى {يوم الفرقان} قال يوم بدر فرق الله بين الحق والباطل). [تفسير عبد الرزاق: 1/259]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أيوب عن عكرمة بن خالد عن مالك عن أوس ابن الحدثان أن عمر بن الخطاب قال إنما الصدقات للفقراء والمسكين حتى عليم حكيم قال هذه لهؤلاء ثم قرأ واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسة وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ثم قال هذه لهؤلاء ثم قرأ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى حتى بلغ والذين جاءوا من بعدهم ثم قال هذه استوعبت المسلمين عامة فلئن عشت ليأتين الراعي وهو بسرو حمير نصيبه منها لم يعرق فيها جبينه). [تفسير عبد الرزاق: 2/283-284] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ليثٍ عن مجاهدٍ: {واعلموا أنما غنمتم من شيء} المخيط من الشيء [الآية: 41]). [تفسير الثوري: 119]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (41) : قوله تعالى: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى... } إلى قوله تعالى: {يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كلّ شيءٍ قديرٌ} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا مغيرة، عن إبراهيم - في قوله عزّ وجلّ: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ لله خمسه وللرّسول} -، قال: يقسّم الخمس على خمسة أخماسٍ، فخمس اللّه والرّسول واحدٌ، ويقسّم ما سوى ذلك على الآخرين.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن موسى بن أبي عائشة، قال: سألت يحيى بن الجزّار عن سهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من الخمس، قال: خمس الخمس.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سويد بن عبد العزيز، عن حصين، عن إبراهيم، عن ابن مسعودٍ - في قوله: {يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} -، قال: كانت ليلة بدرٍ لسبع عشرة ليلةً مضت من شهر رمضان.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو عوانة، عن أبي إسحاق، عن الأسود بن يزيد، عن ابن مسعودٍ، قال: التمسوا ليلة القدر لسبع عشرة (خلت) من رمضان، صبيحة يوم بدر: {يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} وفي (إحدى) وعشرين وفي ثلاثٍ وعشرين فإنّها لا تكون إلّا في وتر). [سنن سعيد بن منصور: 5/214-218]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل}.
قال أبو جعفرٍ: وهذا تعليمٌ من اللّه عزّ وجلّ المؤمنين قسم غنائمهم إذا غنموها، يقول تعالى ذكره: واعلموا أيّها المؤمنون أنّما غنمتم من غنيمةٍ.
واختلف أهل العلم في معنى الغنيمة والفيء، فقال بعضهم: فيهما معنيان كلّ واحدٍ منهما غير صاحبه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حميد بن عبد الرّحمن، عن الحسن بن صالحٍ، قال: سألت عطاء بن السّائب عن هذه الآية: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه} وهذه الآية: {ما أفاء اللّه على رسوله} قال قلت: ما الفيء وما الغنيمة؟ قال: إذا ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم، وأخذوهم عنوةً فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو غنيمةٌ، وأمّا الأرض فهي في سوادنا هذا فيءٌ.
وقال آخرون: الغنيمة ما أخذ عنوةً. والفيء: ما كان عن صلحٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان الثّوريّ، قال: الغنيمة: ما أصاب المسلمون عنوةً بقتالٍ فيه الخمس، وأربعة أخماسه لمن شهدها. والفيء: ما صولحوا عليه بغير قتالٍ، وليس فيه خمسٌ، هو لمن سمّى اللّه.
وقال آخرون: الغنيمة والفيء بمعنًى واحدٍ. وقالوا: هذه الآية الّتي في الأنفال ناسخة قوله: {ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فللّه وللرّسول} الآية.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فللّه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل} قال: كان الفيء في هؤلاء، ثمّ نسخ ذلك في سورة الأنفال، فقال: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل} فنسخت هذه ما كان قبلها في سورة الحشر، وجعل الخمس لمن كان له الفيء في سورة الحشر، وسائر ذلك لمن قاتل عليه.
وقد بيّنّا فيما مضى الغنيمة، وأنّها المال يوصل إليه من مال من خوّل اللّه ماله أهل دينه بغلبةٍ عليه وقهرٍ بقتالٍ.
فأمّا الفيء، فإنّه ما أفاء اللّه على المسلمين من أموال أهل الشّرك، وهو ما ردّه عليهم منها بصلحٍ، من غير إيجاف خيلٍ ولا ركابٍ. وقد يجوز أن يسمّى ما ردّته عليهم منها سيوفهم ورماحهم وغير ذلك من سلاحهم فيئًا؛ لأنّ الفيء إنّما هو مصدرٌ من قول القائل: فاء الشّيء يفيء فيئًا: إذا رجع، وأفاءه اللّه: إذا ردّه.
غير أنّ الّذي ورد حكم اللّه فيه من الفيء يحكيه في سورة الحشر إنّما هو ما وصفت صفته من الفيء دون ما أوجف عليه منه بالخيل والرّكاب، لعللٍ قد بيّنتها في كتابنا: كتاب لطيف القول في أحكام شرائع الدّين وسنبيّنه أيضًا في تفسير سورة الحشر إذا انتهينا إليه إن شاء اللّه تعالى.
وأمّا قول من قال: الآية الّتي في سورة الأنفال ناسخةٌ الآية الّتي في سورة الحشر فلا معنى له، إذ كان لا معنى في إحدى الآيتين ينفي حكم الأخرى. وقد بيّنّا معنى النّسخ، وهو نفي حكمٍ قد ثبت بحكمٍ بخلافه، في غير موضعٍ بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وأمّا قوله: {من شيءٍ} فإنّه مرادٌ به كلّ ما وقع عليه اسم شيءٍ ممّا خوّله اللّه المؤمنين من أموال من غلبوا على ماله من المشركين ممّا وقع فيه القسم حتّى الخيط والمخيط.
- كما حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ} قال: المخيط من الشّيء.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ بمثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ الفضل، قال: حدّثنا سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ مثله.

القول في تأويل قوله تعالى: {فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: قوله: {فأنّ للّه خمسه} مفتاح كلامٍ، وللّه الدّنيا والآخرة وما فيهما، وإنّما معنى الكلام: فأنّ للرّسول خمسه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن قيس بن مسلمٍ، قال: سألت الحسن عن قول اللّه: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول} قال: هذا مفتاح كلامٍ، للّه الدّنيا والآخرة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن قيس بن مسلمٍ، قال: سألت الحسن بن محمّدٍ، عن قوله: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه} قال: هذا مفتاح كلامٍ، للّه الدّنيا والآخرة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أحمد بن يونس، قال: حدّثنا أبو شهابٍ، عن ورقاء، عن نهشلٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا بعث سريّةً فغنموا خمّس الغنيمة فضرب ذلك الخمس في خمسةٍ. ثمّ قرأ: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول} قال: وقوله: {فأنّ للّه خمسه} مفتاح كلامٍ {للّه ما في السّموات وما في الأرض} فجعل سهم اللّه وسهم الرّسول واحدًا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم: {فأنّ للّه خمسه} قال: للّه كلّ شيءٍ.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، في قوله: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه} قال: للّه كلّ شيءٍ، وخمسٌ للّه ورسوله، ويقسم ما سوى ذلك على أربعة أسهمٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كانت الغنيمة تقسم خمس أخماسٍ، فأربعة أخماسٍ لمن قاتل عليها، ويقسم الخمس الباقي على خمسة أخماسٍ، فخمسٌ للّه والرّسول.
- حدّثنا عمران بن موسى، قال: حدّثنا عبد الوارث، قال: حدّثنا أبان، عن الحسن، قال: أوصى أبو بكرٍ رضي اللّه عنه بالخمس من ماله وقال: ألا أرضى من مالي بما رضي اللّه لنفسه؟!.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا محمّد بن فضيلٍ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول} قال: خمس اللّه وخمس رسوله واحدٌ، كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يحمل منه ويصنع فيه ما شاء.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن المغيرة، عن أصحابه، عن إبراهيم: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه} قال: كلّ شيءٍ للّه، الخمس للرّسولٍ، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السّبيل.
وقال آخرون: معنى ذلك فإنّ لبيت اللّه خمسه وللرّسول.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيع بن الجرّاح، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية الرّياحيّ، قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يؤتى بالغنيمة، فيقسمها على خمسةٍ تكون أربعة أخماسٍ لمن شهدها، ثمّ يأخذ الخمس، فيضرب بيده فيه، فيأخذ منه الّذي قبض كفّه فيجعله للكعبة، وهو سهم اللّه، ثمّ يقسم ما بقي على خمسة أسهمٍ، فيكون سهمٌ للرّسول. وسهمٌ لذي القربى، وسهمٌ لليتامى، وسهمٌ للمساكين، وسهمٌ لابن السّبيل.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه} إلى آخر الآية، قال: فكان يجاء بالغنيمة فتوضع، فيقسمها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خمسة أسهمٍ، فيجعل أربعةً بين النّاس ويأخذ سهمًا، ثمّ يضرب بيده في جميع ذلك السّهم، فما قبض عليه من شيءٍ جعله للكعبة، فهو الّذي سمي للّه، ويقول: لا تجعلوا للّه نصيبًا فإنّ للّه الدّنيا والآخرة ثمّ يقسم بقيّته على خمسة أسهمٍ: سهمٍ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وسهمٍ لذوي القربى، وسهمٍ لليتامى، وسهمٍ للمساكين، وسهمٍ لابن السّبيل.
وقال آخرون: ما سمّي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من ذلك فإنّما هو مرادٌ به قرابته، وليس للّه ولا لرسوله منه شيءٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماسٍ، فأربعةٌ منها لمن قاتل عليها، وخمسٌ واحدٌ يقسم على أربعٍ، فربعٌ للّه والرّسول ولذي القربى يعني قرابة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فما كان للّه والرّسول فهو لقرابة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ولم يأخذ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، من الخمس شيئًا، والرّبع الثّاني لليتامى، والرّبع الثّالث للمساكين، والرّبع الرّابع لابن السّبيل.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال قوله: {فأنّ للّه خمسه} افتتاح كلامٍ؛ وذلك لإجماع الحجّة على أنّ الخمس غير جائزٍ قسمه على ستّة أسهمٍ، ولو كان للّه فيه سهمٌ كما قال أبو العالية، لوجب أن يكون خمس الغنيمة مقسومًا على ستّة أسهمٍ. وإنّما اختلف أهل العلم في قسمه على خمسةٍ فما دونها، فأمّا على أكثر من ذلك فما لا نعلم قائلاً قاله غير الّذي ذكرنا من الخبر عن أبي العالية، وفي إجماع من ذكرت الدّلالة الواضحة على صحّة ما اخترنا.
فأمّا من قال: سهم الرّسول لذوي القربى، فقد أوجب للرّسول سهمًا، وإن كان صلّى اللّه عليه وسلّم صرفه إلى ذوي قرابته، فلم يخرج من أن يكون القسم كان على خمسة أسهمٍ.
- وقد حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه} الآية، قال: كان نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا غنم غنيمةً جعلت أخماسًا، فكان خمسٌ للّه ولرسوله، ويقسم المسلمون ما بقي. وكان الخمس الّذي جعل للّه ولرسوله ولذوي القربى واليتامى وللمساكين وابن السّبيل، فكان هذا الخمس خمسة أخماسٍ: خمسٌ للّه ورسوله، وخمسٌ لذوي القربى، وخمسٌ لليتامى، وخمسٌ للمساكين، وخمسٌ لابن السّبيل.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن،. قال: حدّثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، قال: سألت يحيى بن الجزّار عن سهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: هو خمس الخمس.
- حدّثنا ابن وكيعٍ. قال: حدّثنا ابن عيينة، وجريرٌ عن موسى بن أبي عائشة، عن يحيى بن الجزّار مثله.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد. قال: حدّثنا سفيان، عن موسى بن أبي عائشة، عن يحيى بن الجزّار مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {فأنّ للّه خمسه} قال: أربعة أخماسٍ لمن حضر البأس، والخمس الباقي للّه، وللرّسول خمسه يضعه حيث رأى، وخمسه لذوي القربى، وخمسه لليتامى، وخمسه للمساكين، ولابن السّبيل خمسه.
وأمّا قوله: {ولذي القربى} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا فيهم، فقال بعضهم: هم قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من بني هاشمٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثني أبي، عن شريكٍ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ، قال: كان آل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم لا تحلّ لهم الصّدقة، فجعل لهم خمس الخمس.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا شريكٌ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأهل بيته لا يأكلون الصّدقة، فجعل لهم خمس الخمس.
- حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا عبد السّلام، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ، قال: قد علم اللّه أنّ في بني هاشمٍ الفقراء، فجعل لهم الخمس مكان الصّدقة.
- حدّثني محمّد بن عمارة، قال: حدّثنا إسماعيل بن أبان، قال: حدّثنا الصّبّاح بن يحيى المزنيّ، عن السّدّيّ، عن ابن الدّيلميّ، قال: قال عليّ بن الحسين رضي اللّه عنه لرجلٍ من أهل الشّأم: أما قرأت في الأنفال: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول} الآية؟ قال: نعم، قال: فإنّكم لأنتم هم؟ قال: نعم.
- حدّثنا الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا إسرائيل، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ، قال: هؤلاء قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذين لا تحلّ لهم الصّدقة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن حجّاجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ: أنّ نجدة، كتب إليه يسأله عن ذوي القربى، فكتب إليه كتابًا: تزعم أنّا نحن، هم، فأبى ذلك علينا قومنا.
- قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {فأنّ للّه خمسه} قال: أربعة أخماسٍ لمن حضر البأس، والخمس الباقي للّه، وللرّسول خمسه يضعه حيث رأى، وخمسٌ لذوي القربى، وخمسٌ لليتامى، وخمسٌ للمساكين، ولابن السّبيل خمسه.
وقال آخرون: بل هم قريشٌ كلّها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرني عبد اللّه بن نافعٍ، عن أبي معشرٍ، عن سعيدٍ المقبريّ، قال: كتب نجدة إلى ابن عبّاسٍ يسأله عن ذي القربى، قال: فكتب إليه ابن عبّاسٍ: قد كنّا نقول: إنّا هم فأبى ذلك علينا قومنا، وقالوا: قريشٌ كلّها ذوو قربى.
وقال آخرون: سهم ذي القربى كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ صار من بعده لوليّ الأمر من بعده.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، أنّه سئل عن سهم، ذي القربى، فقال: كان طعمةً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما كان حيًّا، فلمّا توفّي جعل لوليّ الأمر من بعده.
وقال آخرون: بل سهم ذي القربى كان لبني هاشمٍ وبني المطّلب خاصّةً.
وممّن قال ذلك الشّافعيّ وكانت علّته في ذلك ما:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، عن جبير بن مطعمٍ، قال: لمّا قسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشمٍ وبني المطّلب مشيت أنا وعثمان بن عفّان رضي اللّه عنه، فقلنا: يا رسول اللّه، هؤلاء إخوتك بنو هاشمٍ لا ننكر فضلهم لمكانك الّذي جعلك اللّه به منهم، أرأيت إخواننا بني المطّلب أعطيتهم وتركتنا، وإنّما نحن وهم منك بمنزلةٍ واحدةٍ؟ فقال: إنّهم لم يفارقونا في جاهليّةٍ ولا إسلامٍ، إنّما بنو هاشمٍ وبنو المطّلب شيءٌ واحدٌ ثمّ شبّك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يديه إحداهما بالأخرى.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب عندي قول من قال: سهم ذي القربى كان لقرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من بني هاشمٍ وحلفائهم من بني المطّلب؛ لأنّ حليف القوم منهم، ولصحّة الخبر الّذي ذكرناه بذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
واختلف أهل العلم في حكم هذين السّهمين، أعني سهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسهم ذي القربى بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال بعضهم: يصرفان في معونة الإسلام وأهله.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أحمد بن يونس، قال: حدّثنا أبو شهابٍ، عن ورقاء، عن نهشلٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: جعل سهم اللّه وسهم الرّسول واحدًا ولذي القربى، فجعل هذان السّهمان في الخيل والسّلاح، وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السّبيل لا يعطى غيرهم.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن قيس بن مسلمٍ، قال: سألت الحسن عن قول اللّه: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى} قال: هذا مفتاح كلامٍ، للّه الدّنيا والآخرة.
ثمّ اختلف النّاس في هذين السّهمين بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال قائلون: سهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لقرابة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. وقال قائلون: سهم القرابة لقرابة الخليفة، واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السّهمين في الخيل والعدّة في سبيل اللّه، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكرٍ وعمر رضي اللّه عنهما.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن قيس بن مسلمٍ، قال: سألت الحسن بن محمّدٍ، فذكر نحوه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمر بن عبيدٍ، عن الأعمش، عن إبراهيم، قال: كان أبو بكرٍ وعمر رضي اللّه عنهما يجعلان سهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الكراع والسّلاح، فقلت لإبراهيم: ما كان عليّ رضي اللّه عنه يقول فيه؟ قال: كان عليٌّ أشدّهم فيه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين} الآية. قال ابن عبّاسٍ: فكانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماسٍ، أربعةٍ بين من قاتل عليها، وخمسٍ واحدٍ يقسم على أربعةٍ: للّه، وللرّسول، ولذي القربى، يعني قرابة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فما كان للّه وللرّسول فهو لقرابة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ولم يأخذ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من الخمس شيئًا. فلمّا قبض اللّه رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم، ردّ أبو بكرٍ رضي اللّه عنه نصيب القرابة في المسلمين، فجعل يحمل به في سبيل اللّه؛ لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: لا نورث، ما تركنا صدقةٌ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: أنّه سئل عن سهم ذي القربى، فقال: كان طعمةً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا توفّي حمل عليه أبو بكرٍ وعمر في سبيل اللّه صدقةً على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال آخرون: سهم ذوي القربى من بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مع سهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى وليّ أمر المسلمين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا عمرو بن ثابتٍ، عن عمران بن ظبيان، عن حكيم بن سعدٍ، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: يعطى كلّ إنسانٍ نصيبه من الخمس، ويلي الإمام سهم اللّه ورسوله.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: أنّه سئل عن سهم، ذوي القربى، فقال: كان طعمةً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما كان حيًّا، فلمّا توفّي جعل لوليّ الأمر من بعده.
وقال آخرون: سهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مردودٌ في الخمس، والخمس مقسومٌ على ثلاثة أسهمٍ: على اليتامى، والمساكين، وابن السّبيل. وذلك قول جماعةٍ من أهل العراق.
وقال آخرون: الخمس كلّه لقرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا عبد الغفّار، قال: حدّثنا المنهال بن عمرٍو، قال: سألت عبد اللّه بن محمّد بن عليٍّ وعليّ بن الحسين عن الخمس، فقالا: هو لنا فقلت لعليٍّ: إنّ اللّه يقول: {واليتامى والمساكين وابن السّبيل} فقال: يتامانا ومساكيننا.
والصّواب من القول في ذلك عندنا، أنّ سهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مردودٌ في الخمس، والخمس مقسومٌ على أربعة أسهمٍ على ما روي عن ابن عبّاسٍ: للقرابة سهمٌ، ولليتامى سهمٌ، وللمساكين سهمٌ، ولابن السّبيل سهمٌ؛ لأنّ اللّه أوجب الخمس لأقوامٍ موصوفين بصفاتٍ، كما أوجب الأربعة الأخماس الآخرين. وقد أجمعوا أنّ حقّ الأربعة الأخماس لن يستحقّه غيرهم، فكذلك حقّ أهل الخمس لن يستحقّه غيرهم، فغير جائزٍ أن يخرج عنهم إلى غيرهم، كما غير جائزٍ أن تخرج بعض السّهمان الّتي جعلها اللّه لمن سمّاه في كتابه بفقد بعض من يستحقّه إلى غير أهل السّهمان الأخر.
وأمّا اليتامى: فهم أطفال المسلمين الّذين قد هلك آباؤهم. والمساكين: هم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين. وابن السّبيل: المجتاز سفرًا قد انقطع به.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: الخمس الرّابع لابن السّبيل، وهو الضّيف الفقير الّذي ينزل بالمسلمين.

القول في تأويل قوله تعالى: {إن كنتم آمنتم باللّه وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان}.
يقول تعالى ذكره: أيقنوا أيّها المؤمنون أنّما غنمتم من شيءٍ فمقسوم القسم الّذي بيّنته، وصدّقوا به إن كنتم أقررتم بوحدانيّة اللّه وبما أنزل اللّه على عبده محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم فرّق بين الحقّ والباطل ببدرٍ، فأبان فلج المؤمنين وظهورهم على عدوّهم، وذلك يوم التقى الجمعان، جمع المؤمنين، وجمع المشركين. واللّه على إهلاك أهل الكفر وإذلالهم بأيدي المؤمنين، وعلى غير ذلك ممّا يشاء قديرٌ لا يمتنع عليه شيءٌ أراده.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يوم الفرقان} يعني بالفرقان يوم بدرٍ، فرّق اللّه فيه بين الحقّ والباطل.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، قال: حدّثني عقيلٌ، عن ابن شهابٍ، عن عروة بن الزّبير وإسحاق، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن عروة بن الزّبير، يزيد أحدهما على صاحبه في قوله: {يوم الفرقان} يوم فرّق اللّه بين الحقّ والباطل، وهو يوم بدرٍ، وهو أوّل مشهدٍ شهده رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة. فالتقوا يوم الجمعة لتسع عشرة ليلةً مضت من شهر رمضان، وأصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاثمائةٍ وبضعة عشر رجلاً، والمشركون ما بين الألف والتّسعمائة، فهزم اللّه يومئذٍ المشركين، وقتل منهم زيادةٌ على سبعين، وأسر منهم مثل ذلك.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن مقسمٍ: {يوم الفرقان} قال: يوم بدرٍ، فرّق اللّه بين الحقّ والباطل.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا معمرٌ، عن عثمان الجزريّ، عن مقسمٍ، في قوله: {يوم الفرقان} قال: يوم بدرٍ، فرّق اللّه بين الحقّ والباطل.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} يوم بدرٍ، وبدرٌ بين المدينة ومكّة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثني يحيى بن يعقوب أبو طالبٍ، عن ابن عونٍ، عن محمّد بن عبد اللّه الثّقفيّ، عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ عبد اللّه بن حبيبٍ، قال: قال الحسن بن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه: كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان لسبع عشرة من شهر رمضان.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {يوم التقى الجمعان} قال ابن جريجٍ: قال ابن كثيرٍ: يوم بدرٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} أي يوم فرّق بين الحقّ والباطل ببدرٍ، أي يوم التقى الجمعان منكم ومنهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان} وذاكم يوم بدرٍ، يوم فرّق اللّه بين الحقّ والباطل). [جامع البيان: 11/184-203]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل إن كنتم آمنتم باللّه وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (41)
قوله تعالى: واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ
- حدّثنا أبي حدّثنا الحسن بن الرّبيع ثنا ابن إدريس عن ابن إسحاق ثنا يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه قال: ثمّ وضع مقاسم الفيء وأعلمه فقال واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ بعد الّذي مضى من بدرٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول إلى آخر الآية: يعني: يوم بدرٍ.
قوله تعالى: من شيءٌ
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا ابن لهيعة ثنا عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ يعني: من المشركين.
- حدّثنا أسيد بن عاصمٍ ثنا الحسين بن حفصٍ ثنا سفيان عن ليثٍ عن مجاهدٍ أنّما غنمتم من شيءٍ قال: المخيط من الشّيء.
قوله تعالى: فأنّ لله خمسه
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو أسامة وأبو نعيمٍ عن سفيان عن قيس بن مسلمٍ قال: سألت الحسن بن محمّد بن عليّ بن أبي طالبٍ عن قوله: واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه أمّا قوله: فأنّ للّه خمسه فهذا مفتاح كلام، فلله الآخرة والأولى. وروي عن أبي العالية وعطاءٍ وإبراهيم النّخعيّ والحسن البصريّ والشّعبيّ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا كثير بن شهابٍ القزوينيّ ثنا محمّد بن سعيد بن سابقٍ ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع عن أبي العالية في قوله: واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه الآية، قال: كان يجاء بالغنيمة فتوضع فيقسمها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على خمسة أسهمٍ، فيعزل سهمًا منها ويقسم أربعة أسهمٍ بين النّاس- يعني لمن شهد الوقعة- ثمّ يضرب بيده في جميعه- يعني السّهم الذي عذله- فما قبض من شيءٍ جعله للكعبة هو الّذي سمّى اللّه، ويقول: لا تجعلوا للّه نصيبًا فإنّ للّه الدّنيا والآخرة، ثمّ يعمد إلى بقيّة السّهم فيقسمه على خمسة أسهمٍ: سهمٌ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وسهمٌ لذي القربى وسهمٌ لليتامى وسهمٌ للمساكين وسهمٌ لابن السبيل.
قوله تعالى: وللرسول
[الوجه الأول]
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى أنبأ عبد اللّه بن وهبٍ أخبرني يونس عن ابن شهابٍ عن عمر بن محمّد بن جبير بن مطعمٍ عن أبيه عن جدّه رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نحو حديث فيه، ثمّ تناول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم شيئًا من الأرض أو وبرةً من بعيره فقال: والّذي نفسي بيده مالي ممّا أفاء اللّه عليكم ولا مثل هذه أو هذا إلا الخمس، والخمس مردودٌ عليكم.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا ابن فضيلٍ عن عبد الملك عن عطاءٍ واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول قال: خمسٌ اللّه والرّسول واحدٌ يحمل فيه ويصنع فيه ما شاء، يعني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وروي عن ابن عبّاسٍ مرسلٌ والشّعبيّ والنّخعيّ وابن بريدة والحسن البصريّ وقتادة أنّهم قالوا: سهمٌ اللّه وسهم الرّسول واحدٌ.
الوجه الثّاني:
أنّه لأزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا أبي ثنا أبو معمرٍ المنقريّ حدّثنا عبد الوارث بن سعيدٍ عن الحسين المعلّم قال: سألت عبد اللّه بن بريدة عن قوله: واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول فقال: الّذي للّه فلنبيّه، والذين للرّسول لأزواجه.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول قال ابن عبّاسٍ: كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماسٍ فأربعةٌ منها بين من قاتل عليها وخمسٌ واحدٌ يقسم على أربعة أخماسٍ فربعٌ للّه وللرّسول، فما كان للّه وللرّسول فلقربة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ولم يأخذ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من الخمس شيئًا.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو أسامة وأبو نعيمٍ عن قيس بن مسلمٍ قال: سألت الحسن بن محمّد بن عليٍّ عن قوله: فأنّ للّه خمسه وللرّسول فقال فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا قبض اختلف أصحابه من بعده، فقال بعضهم سهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للخليفة وأجمعوا رأيهم أن يجعلوها في الخيل والعدّة في سبيل اللّه فكان خلافة أبي بكرٍ وعمر رضي اللّه عنهما
قوله تعالى: ولذي القربى
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقري ثنا سفيان عن إسماعيل بن أميّة عن سعيدٍ المقبريّ عن يزيد بن هرمز قال: كتب نجدة إلى ابن عبّاسٍ يسأله عن ذوي القربى قال ابن عبّاسٍ: وأمّا ذوي القربى فإنّا نزعم أنّا نحن هم فيأبى ذلك علينا قومنا
- حدّثنا أبي حدّثنا إبراهيم بن مهديّ المصّيصيّ ثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن حنشٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رغبت لكم عن غسالة الأيدي، لأنّ لكم في خمس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم
- حدّثنا أبي ثنا سهل بن عثمان ثنا يحيى بن أبي زائدة عن محمّد بن إسحاق عن الزّهريّ وعبد اللّه بن أبي بكرٍ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قسم سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشمٍ وبني المطّلب، قال ابن إسحاق: قسم لهم خمس الخمس
وروي عن عبد اللّه بن بريدة والسّدّيّ، قالا: بني عبد المطّلب.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ ثنا سفيان عن قيس بن مسلمٍ قال: سألت الحسن عن قوله: واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى قال: اختلف النّاس بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في هذين السّهمين، فقال قائلون: سهم القرابة لقرابة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال قائلون: لقرابة الخليفة.
وروي عن سعيد بن جبيرٍ وعكرمة، قالا: قرابة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا أبي ثنا هدبة حدّثنا همّامٌ عن قتادة قال: قال الحسن في سهم ذي القربى: هو لقرابة الخلفاء وقال عكرمة هو لقرابة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: واليتامى
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى فكانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماسٍ، وخمسٌ واحدٌ يقسم على أربعة أخماسٍ، فربعٌ للّه وللرّسول ولذي القربى والرّبع الثّاني لليتامى.
قوله تعالى: والمساكين
- وبه عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين قال: كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماسٍ: فأربعةٌ منها بين من قاتل عليها، وخمسٌ واحدٌ يقسم على أربعةٍ: فربعٌ للّه وللرّسول ولذي القربى، والرّبع الثّاني: لليتامى، والرّبع الثّالث: للمساكين.
وبه عن ابن عبّاسٍ ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والرّبع الرّابع من الخمس لأبناء السّبيل وهو الضّيف الفقير الّذي ينزل بالمسلمين.
قوله تعالى: إنّ كنتم آمنتم باللّه
- قرأت على محمّد بن الفضل حدّثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: إن كنتم آمنتم باللّه يقول: أقرّوا بحكمي.
قوله تعالى: وما أنزلنا على عبدنا
- وبه عن مقاتل بن حيّان وما أنزلنا على عبدنا يقول: وما أنزلت على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في القسمة.
قوله تعالى: يوم الفرقان
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم بدرٍ فرّق اللّه فيه بين الحقّ والباطل. وروي عن مجاهدٍ ومقسمٍ وعبيد اللّه بن عبد اللّه والضّحّاك وقتادة ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين قال: قرأت على أبي مصعبٍ ثنا حاتم بن إسماعيل عن مصعب بن ثابتٍ، أخبرني عطاء بن دينارٍ، أو ريّان عن يزيد بن أبي حبيبٍ قال: في يوم الاثنين ولد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو يوم الفرقان.
قوله تعالى: يوم التقى الجمعان
- أخبرنا محمّد بن سعد بن عطيّة فيما كتب إليّ ثنا أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قوله: يوم التقى الجمعان يقول: يوم بدرٍ، وبدرٌ بين مكّة والمدينة.
- قرأت على محمّد بن الفضل حدّثنا محمّد بن عليٍّ حدّثنا محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: يوم التقى الجمعان جمع المؤمنين وجمع المشركين.
قوله تعالى: واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ
- حدّثنا محمّد بن العبّاس حدّثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن ابن إسحاق على كلّ شيءٍ قديرٌ أي أنّ اللّه على ما أراد بعباده من نقمةٍ أو عفوٍ لقديرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 5/1702-1707]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان هو يوم بدر فرق فيه بين الحق والباطل). [تفسير مجاهد: 263]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} [الأنفال: 41].
- عن ابن مسعودٍ في قوله: {يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} [الأنفال: 41] قال: كانت بدرٌ لسبع عشرة مضت من رمضان.
رواه الطّبرانيّ، وإبراهيم لم يدرك ابن مسعودٍ). [مجمع الزوائد: 7/27]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 41.
أخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال: ثم وضع مقاسم الفيء واعلمه، قال {واعلموا أنما غنمتم من شيء} بعد الذي مضى من بدر {فأن لله خمسه وللرسول} إلى آخر الآية
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {واعلموا أنما غنمتم من شيء} قال: المخيط من شيء.
وأخرج ابن المنذر عن ابن أبي نجيح رضي الله عنه قال: إنما المال ثلاثة: مغنم أو فيء أو صدقة، فليس فيه درهم إلا بين الله موضعه، قال في المغنم {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين، وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله} تحرجا عليهم وقال في الفيء (كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم) (الحشر الآية 7) وقال في الصدقة (فريضة من الله والله عليم حكيم) (التوبة الآية 60).
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم عن قيس بن مسلم الجدلي قال: سألت الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب بن الحنفية عن قول الله {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} قال: هذا مفتاح كلام لله الدنيا والآخرة {وللرسول ولذي القربى} فاختلفوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذين السهمين، قال قائل: سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة وقال قائل: سهم النّبيّ للخليفة من بعده، واجتمع رأي أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم على أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة في سبيل الله تعالى فكان كذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأخرج ابن جرير والطبراني وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا خمس الغنيمة فضرب ذلك الخمس في خمسة ثم قرأ {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول} قال: قوله {فأن لله خمسه} مفتاح كلام (لله ما في السموات وما في الأرض) (البقرة الآية 284) فجعل الله سهم الله والرسول واحدا {ولذي القربى} فجعل هذين السهمين قوة في ال خيل والسلاح وجعل سهم اليتامى والمساكين، وابن السبيل لا يعطيه غيره وجعل الأربعة أسهم الباقية للفرس سهمين ولراكبه سهم وللراجل سهم.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة رضي الله عنه في قوله {فأن لله خمسه} يقول: هو لله ثم قسم الخمس خمسة أخماس {وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين، وابن السبيل}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس، فأربعة منها بين من قاتل عليها وخمس واحد يقسم على أربعة أخماس فربع لله ولرسوله ولذي القربى - يعني قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم - فما كان لله وللرسول فهو لقرابة النّبيّ ولم يأخذ النّبيّ من الخمس شيئا والربع الثاني لليتامى والربع الثالث للمساكين والربع الرابع لابن السبيل وهو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي العالية رضي الله عنه في قوله {واعلموا أنما غنمتم من شيء} الآية، قال: كان يجاء بالغنيمة فتوضع فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة أسهم فيعزل سهما منه ويقسم أربعة أسهم بين الناس - يعني لمن شهد الوقعة - ثم يضرب بيده في جميع السهم الذي عزله فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة فهو الذي سمى لله تعالى: لا تجعلوا لله نصيبا فإن لله الدنيا والآخرة ثم يعمد إلى بقية السهم فيقسمه على خمسة أسهم، سهم للنبي صلى الله عليه وسلم وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {واعلموا أنما غنمتم من شيء} قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم وذو قرابته لا يأكلون من الصدقات شيئا لا يحل لهم فللنبي خمس الخمس ولذي قراباته خمس الخمس ولليتامى مثل ذلك وللمساكين مثل ذلك ولابن السبيل مثل ذلك
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة، وابن المنذر عن الشعبي رضي الله عنه قال: كان سهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم يدعى الصفى إن شاء عبدا وإن شاء فرسا يختاره قبل الخمس ويضرب له بسهمه إن شهد وإن غاب وكانت صفية بنة حيي من الصفى.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه في الآية قال: خمس الله والرسول واحد إن كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يحمل فيه ويصنع فيه ما شاء الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن رسول الله تناول شيئا من الأرض أو وبرة من بعير فقال: والذي نفسي بيده مالي مما أفاء الله عليكم ولا مثل هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم.
وأخرج ابن المنذر من طريق أبي مالك رضي الله عنه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ما افتتح على خمسة أخماس، فأربعة منها لمن شهده ويأخذ الخمس خمس الله فيقسمه على ستة أسهم، فسهم لله وسهم للرسول وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يجعل سهم الله في السلاح والكراع وفي سبيل الله وفي كسوة الكعبة وطيبها وما تحتاج إليه الكعبة ويجعل سهم الرسول في الكراع والسلاح ونفقة أهله وسهم لذي القربى لقرابته يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم مع سهمهم مع البأس ولليتامى والمساكين، وابن السبيل ثلاثة أسهم يضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن شاء وحيث شاء ليس لبني عبد المطلب في هذه الثلاثة إلا سهم ولرسول الله صلى الله عليه وسلم سهمه مع سهام الناس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن حسين المعلم قال: سألت عبد الله بن بريدة رضي الله عنه في قوله {فأن لله خمسه وللرسول} قال: الذي لله لنبيه والذي للرسول لأزواجه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن السدي رضي الله عنه {ولذي القربى} قال: هم بنو عبد المطلب.
وأخرج الشافعي وعبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة ومسلم، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن نجدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى الذين ذكر الله فكتب إليه: إنا كنا نرى أنا هم فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا: قريش كلها ذوو قربى
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن نجدة الحروري أرسل إليه يسأله عن سهم ذي القربى الذي ذكر الله فكتب إليه: إنا كنا نرى أنا هم فأبى ذلك علينا قومنا وقالوا: ويقول: لمن تراه، فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هو لقربى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان عمر رضي الله عنه عرض علينا من ذلك عرضا رأينا دون حقنا، فرددناه عليه وأبينا أن نقبله وكان عرض عليهم أن يعين ناكحهم وأن يقضي عن غارمهم وأن يعطي فقيرهم وأبى أن يزيدهم على ذلك.
وأخرج ابن المنذر عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سألت عليا رضي الله عنه فقلت: يا أمير المؤمنين أخبرني كيف كان صنع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في الخمس نصيبكم فقال: أما أبو بكر رضي الله عنه فلم تكن في ولايته أخماس وأما عمر رضي الله عنه فلم يزل يدفعه إلي في كل خمس حتى كان خمس السوس وجند نيسابور، فقال وأنا عنده: هذا نصيبكم أهل البيت من الخمس وقد أحل ببعض المسلمين واشتدت حاجتهم فقلت: نعم، فوثب العباس بن عبد المطلب فقال: لا تعرض في الذي لنا، فقلت: ألسنا أحق من المسلمين وشفع أمير المؤمنين فقبضه فوالله ما قبضناه ولا صدرت عليه في ولاية عثمان رضي الله عنه ثم أنشأ علي رضي الله عنه يحدث فقال: إن الله حرم الصدقة على رسول صلى الله عليه وسلم فعوضه سهما من الخمس عوضا عما حرم عليه وحرمها على أهل بيته خاصة دون أمته فضرب لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سهما عوضا مما حرم عليهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رغبت لكم عن غسالة الأيدي لأن لكم في خمس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم.
وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن الزهري وعبد الله بن أبي بكر أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قسم سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشم وبني عبد المطلب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال قسم رسول الله سهم ذي القربى على بني هاشم وبني عبد المطلب قال: فمشيت أنا وعثمان بن عفان حتى دخلنا عليه فقلنا: يا رسول الله هؤلاء إخوانك من بني هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله به منهم أرأيت إخواننا من بني المطلب أعطيتهم دوننا وإنما نحن وهم بمنزلة واحدة في النسب فقال: إنهم لم يفارقونا في الجاهلية والإسلام.
وأخرج ابن مردويه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: آل محمد صلى الله عليه وسلم الذين أعطوا الخمس، آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال: كان آل محمد لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله {واعلموا أنما غنمتم من شيء} يعني من المشركين {فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى} يعين قرابة النّبيّ صلى الله عليه وسلم {واليتامى والمساكين، وابن السبيل} يعني الضيف وكان المسلمون إذا غنموا في عهد النّبيّ أخرجوا خمسه فيجعلون ذلك الخمس الواحد أربعة أرباع فربعه لله وللرسول ولقرابة النّبيّ صلى الله عليه وسلم فما كان لله فهو للرسول القرابة وكان للنبي نصيب رجل من القرابة والربع الثاني للنبي صلى الله عليه وسلم والربع الثالث للمساكين والربع الرابع لابن السبيل ويعمدون إلى التي بقيت فيقسمونها على سهمانهم فلما توفي النّبيّ صلى الله عليه وسلم رد أبو بكر رضي الله تعالى عنه نصيب القرابة فجعل يحمل به في سبيل الله تعالى وبقي نصيب اليتامى والمساكين، وابن السبيل.
وأخرج ابن أبي شيبة والبغوي، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن رجل من بلقين عن ابن عم له قال: قلت: يا رسول الله ما تقول في هذا المال قال لله خمسه وأربعة أخماسه لهؤلاء - يعني المسلمين - قلت: فهل أحد أحق به من أحد قال: لا ولو انتزعت سهما من جنبك لم تكن بأحق به من أخيك المسلم.
وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ، وابن مردوبه والبيهقي في "سننه" عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان ينفل قبل أن تنزل فريضة الخمس في المغنم فلما نزلت {واعلموا أنما غنمتم من شيء} الآية، ترك التنفل وجعل ذلك في خمس الخمس وهو سهم الله وسهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مالك بن عبد الله الحنفي رضي الله عنه قال: كنا جلوسا عند عثمان رضي الله عنه قال: من ههنا من أهل الشام فقمت فقال: ابلغ معاوية إذا غنم غنيمة أن يأخذ خمسة أسهم فيكتب على كل سهم منها: لله ثم ليقرع فحيثما خرج منها فليأخذه.
وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي رضي الله عنه {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} قال: سهم الله وسهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم واحد.
وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال: في المغنم خسم لله وسهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالصفى كان يصطفى له في المغنم خير رأس من السبي إن سبي وإلا غيره ثم يخرج الخمس ثم يضرب له بسهمه شهد أو غاب مع المسلمين بعد الصفى.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء بن السائب رضي الله عنه، أنه سئل عن قوله {واعلموا أنما غنمتم من شيء} وقوله (ما أفاء الله على رسوله) (الحشر الآية 7) ما الفيء وما الغنيمة قال: إذا ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم فأخذوهم عنوة فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو غنيمة وأما الأرض: فهو فيء.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سفيان قال: الغنيمة ما أصاب المسلمون عنوة فهو لمن سمى الله وأربعة أخماس لمن شهدها.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن مردويه، عن جابر رضي الله عنه أنه سئل: كيف كان رسول الله يصنع في الخمس قال: كان يحمل الرجل سهما في سبيل الله ثم الرجل ثم الرجل.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم شيء واحد في المغنم يصطفيه لنفسه أما خادم وأما فرس ثم نصيبه بعد ذلك من الخمس.
وأخرج ابن مردويه عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سلمنا الأنفال لله ورسوله ولم يخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا ونزلت بعد {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه} فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين الخمس فيما كان من كل غنيمة بعد بدر.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن مردويه عن علي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ألا توليني ما خصنا الله به من الخمس فولانيه
وأخرج الحاكم وصححه عن علي رضي الله عنه قال: ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس فوضعته مواضعه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن مكحول رضي الله عنه رفعه إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال لا سهم من الخيل إلا لفرسين وإن كان معه ألف فرس إذا دخل بها أرض العدو قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر للفارس سهمين وللراجل سهم.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل للفارس سهمين وللراجل سهما.
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة رضي الله عنه، أوصى بالخمس وقال: أوصي بما رضي الله به لنفسه ثم قال {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه}.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مقاتل رضي الله عنه في قوله {إن كنتم آمنتم بالله} يقول: أقروا بحكمي {وما أنزلنا على عبدنا} يقول: وما أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم في القسمة {يوم الفرقان} يوم بدر {يوم التقى الجمعان} جمع المسلمين وجمع المشركين.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {يوم الفرقان} قال: هو يوم بدر وبدر: ماء بين مكة والمدينة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {يوم الفرقان} قال: هو يوم بدر فرق الله بين الحق والباطل.
وأخرج سعيد بن منصور ومحمد بن نصر والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله {يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} قال: كانت بدر لسبع عشرة مضت من شهر رمضان
وأخرج ابن مردويه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان في صبيحتها ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان.
وأخرج ابن جرير عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان لسبع عشرة مضت من رمضان.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقتل في آي من القرآن فكان أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وكان رئيس المشركين يومئذ عتبة بن ربيعة بن عبد شمس فالتقوا يوم الجمعة لسبع أو ست عشرة ليلة مضت من رمضان وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلثمائة وبضعة عشر رجلا والمشركون بين الألف والتسعمائة وكان ذلك يوم الفرقان: يوم فرق الله بين الحق والباطل فكان أول قتيل قتل يومئذ مهجع مولى عمر ورجل من الأنصار وهزم الله يومئذ المشركين فقتل منهم زيادة على سبعين رجلا وأسر منهم مثل ذلك.
وأخرج ابن أبي شيبة عن جعفر عن أبيه قال: كانت بدر لسبع عشرة من رمضان في يوم جمعة.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أنه سئل أي ليلة كانت ليلة بدر فقال: هي ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة بقيت من رمضان.
وأخرج ابن أبي شيبة عن عامر بن ربيعة البدري قال: كان يوم بدر يوم الإثنين لسبع عشرة من رمضان). [الدر المنثور: 7/122-136]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {إذ أنتم بالعدوة الدنيا} قال شقير الوادي الأدنى وهم بشفير الوادي الأقصى {والركب أسفل منكم} يقول أبو سفيان وأصحابه أسفل منهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/259]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إذ أنتم بالعدوة الدّنيا وهم بالعدوة القصوى والرّكب أسفل منكم}.
يقول تعالى ذكره: أيقنوا أيّها المؤمنون واعلموا أنّ قسم الغنيمة على ما بيّنه لكم ربّكم إن كنتم آمنتم باللّه وما أنزل على عبده يوم بدرٍ، إذ فرّق بين الحقّ والباطل من نصر رسوله {إذ أنتم} حينئذٍ {بالعدوة الدّنيا} يقول: بشفير الوادي الأدنى إلى المدينة {وهم بالعدوة القصوى} يقول: وعدوّكم من المشركين نزولٌ بشفير الوادي الأقصى إلى مكّة {والرّكب أسفل منكم} يقول: والعير فيه أبو سفيان وأصحابه في موضعٍ أسفل منكم إلى ساحل البحر.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {إذ أنتم بالعدوة الدّنيا} قال: شفير الوادي الأدنى وهي بشفير الوادي الأقصى. {والرّكب أسفل منكم} قال: أبو سفيان وأصحابه أسفل منهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إذ أنتم بالعدوة الدّنيا وهم بالعدوة القصوى} وهما شفيرا الوادي، كان نبيّ اللّه أعلى الوادي والمشركون بأسفله. {والرّكب أسفل منكم} يعني أبا سفيان، انحدر بالعير على حوزته حتّى قدم بها مكّة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {إذ أنتم بالعدوة الدّنيا وهم بالعدوة القصوى} من الوادي إلى مكّة. {والرّكب أسفل منكم} أي عير أبي سفيان الّتي خرجتم لتأخذوها وخرجوا ليمنعوها عن غير ميعادٍ منكم ولا منهم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {والرّكب أسفل منكم} قال: أبو سفيان وأصحابه مقبلون من الشّام تّجّارًا، لم يشعروا بأصحاب بدرٍ، ولم يشعر محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم بكفّار قريشٍ ولا كفّار قريشٍ بمحمّدٍ وأصحابه، حتّى التقيا على ماء بدرٍ من يسقي لهم كلّهم، فاقتتلوا، فغلبهم أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأسروهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: ذكر منازل القوم والعير، فقال: {إذ أنتم بالعدوة الدّنيا وهم بالعدوة القصوى} والرّكب: هو أبو سفيان وعيره، أسفل منكم على شاطئ البحر.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {إذ أنتم بالعدوة} فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدنيّين والكوفيّين: {بالعدوة} بضمّ العين، وقرأه بعض المكّيّين والبصريّين: (بالعدوة) بكسر العين. وهما لغتان مشهورتان بمعنًى واحدٍ، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ، ينشد بيت الرّاعي:
وعينان حمرٌ مآقيهما = كما نظر العدوة الجؤذر
بكسر العين من العدوة، وكذلك ينشد بيت أوس بن حجرٍ:
وفارسٍ لو تحلّ الخيل عدوته = ولّوا سراعًا وما همّوا بإقبال.

القول في تأويل قوله تعالى: {ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولاً}.
يعني تعالى ذكره: ولو كان اجتماعكم في الموضع الّذي اجتمعتم فيه أنتم أيّها المؤمنون وعدوّكم من المشركين عن ميعادٍ منكم ومنهم، لاختلفتم في الميعاد لكثرة عدد عدوّكم وقلّة عددكم، ولكنّ اللّه جمعكم على غير ميعادٍ بينكم وبينهم ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولاً. وذلك القضاء من اللّه كان نصره أولياءه من المؤمنين باللّه ورسوله، وهلاك أعدائه وأعدائهم ببدرٍ بالقتل والأسر.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد} ولو كان ذلك عن ميعادٍ منكم ومنهم ثمّ بلغكم كثرة عددهم وقلّة عددكم ما لقيتموهم. {ولكن ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولاً} أي ليقضي اللّه ما أراد بقدرته من إعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشّرك وأهله، عن غير بلاءٍ منكم، ففعل ما أراد من ذلك بلطفه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: أخبرني يونس بن شهابٍ، قال: أخبرني عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ، أنّ عبد اللّه بن كعبٍ قال: سمعت كعب بن مالكٍ، يقول في غزوة بدرٍ: إنّما خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريشٍ، حتّى جمع اللّه بينهم وبين عدوّهم على غير ميعادٍ.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن عونٍ، عن عمير بن إسحاق، قال: أقبل أبو سفيان في الرّكب من الشّام، وخرج أبو جهلٍ ليمنعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، فالتقوا ببدرٍ، ولا يشعر هؤلاء بهؤلاء ولا هؤلاء بهؤلاءٍ، حتّى التقت السّقاة، قال: ونهد النّاس بعضهم لبعضٍ.

القول في تأويل قوله تعالى: {ليهلك من هلك عن بيّنةٍ ويحيا من حيّ عن بيّنةٍ وإنّ اللّه لسميعٌ عليمٌ}.
يقول تعالى ذكره: ولكنّ اللّه جمعهم هنالك ليقضي أمرًا كان مفعولاً {ليهلك من هلك عن بيّنةٍ}.
وهذه اللاّم في قوله: {ليهلك} مكرّرةٌ على اللاّم في قوله: {ليقضي} كأنّه قال: ولكن ليهلك من هلك عن بيّنةٍ، جمعكم.
ويعني بقوله: {ليهلك من هلك عن بيّنةٍ} ليموت من مات من خلقه عن حجّةٍ للّه قد أثبتت له، وقطعت عذره، وعبرةٍ قد عاينها ورآها. {ويحيا من حيّ عن بيّنةٍ} يقول: وليعيش من عاش منهم عن حجّةٍ للّه قد أثبتت له وظهرت لعينه فعلمها، جمعنا بينكم وبين عدوّكم هنالك.
وقال ابن إسحاق في ذلك بما:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {ليهلك من هلك عن بيّنةٍ} لمّا رأى من الآيات والعبر، ويؤمن من آمن على مثل ذلك.
وأمّا قوله: {وإنّ اللّه لسميعٌ عليمٌ} فإنّ معناه: وإنّ اللّه أيّها المؤمنون لسميعٌ لقولكم وقول غيركم حين يري اللّه نبيّه في منامه، ويريكم عدوّكم في أعينكم قليلاً وهم كثيرٌ، ويراكم عدوّكم في أعينهم قليلاً، عليمٌ بما تضمره نفوسكم وتنطوي عليه قلوبكم، حينئذٍ وفي كلّ حالٍ.
يقول جلّ ثناؤه لهم ولعباده: واتّقوا ربّكم أيّها النّاس في منطقكم أن تنطقوا بغير حقٍّ، وفي قلوبكم أن تعتقدوا فيها غير الرّشد، فإنّ اللّه لا يخفى عليه خافيةٌ من ظاهرٍ أو باطنٍ). [جامع البيان: 11/203-208]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إذ أنتم بالعدوة الدّنيا وهم بالعدوة القصوى والرّكب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولًا ليهلك من هلك عن بيّنةٍ ويحيى من حيّ عن بيّنةٍ وإنّ اللّه لسميعٌ عليمٌ (42)
قوله تعالى: إذ أنتم بالعدوة الدّنيا
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قوله: إذ أنتم بالعدوة الدّنيا قال: شاطئ الوادي.
وروي عن قتادة نحو ذلك.
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع ثنا ابن إدريس عن محمّد بن إسحاق إذ أنتم بالعدوة الدّنيا إلى المدينة.
قوله تعالى: وهم بالعدوة القصوى
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى الصّنعانيّ أنبأ محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن قتادة وهم بالعدوة القصوى وهم بشفير الوادي الأقصى.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق ثنا يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه وهم بالعدوة القصوى الوادي إلى مكّة.
قوله تعالى: والرّكب أسفل منكم
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ والرّكب أسفل منكم قال: الرّكب: أبو سفيان
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع ثنا ابن إدريس عن محمّد بن إسحاق ثنا يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه والرّكب أسفل منكم يعني: أبا سفيان وغيره، وهي أسفل من ذلك نحو السّاحل.
- حدّثنا أبي ثنا عبد العزيز بن المغيرة ثنا حمّاد بن سلمة عن هشام بن عروة في قول اللّه: والرّكب أسفل منكم وكان أبو سفيان أسفل الوادي في سبعين راكبًا، ونفرت قريشٌ وكانوا تسعمائةٍ وخمسين، فبعث أبو سفيان إلى قريشٍ وهم بالجحفة: إنّي قد جاوزت القوم فارجعوا، قالوا: لا واللّه لا نرجع حتّى نأتي ماء بدرٍ
قوله تعالى: ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق قال: وحدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد أي ولو كان ذلك عن ميعادٍ منكم ومنهم ثمّ بلغكم كثرة عددهم وقلّة عددكم ما لقيتموهم.
قوله تعالى: ولكن ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولاً
- وبه عن أبيه ولكن ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولاً أي ليقضي ما أراد بقدرته من إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الكفر وأهله عن غير ملإٍ منكم، ففعل ما أراد من ذلك بلطفه سبحانه.
- حدّثنا أبي ثنا الحسن بن الرّبيع ثنا عبد اللّه بن إدريس عن محمّد بن إسحاق حدّثني يحيى بن عبّاد بن الزّبير عن أبيه ولكن ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولاً فأخرجه اللّه ومن معه إلى العير لا يريد غيرها، وأخرج قريشًا من مكّة لا يريدون إلا الدّفع عن عيرهم، ثمّ ألّف بين القوم على الحرب، وكان لا يريد إلا العير فقال في ذلك: ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولاً ليفصل بين الحقّ والباطل ويعزّ الإسلام وأهله، ويذلّ الشّرك وأهله.
قوله تعالى: ليهلك من هلك عن بيّنةٍ ويحيى من حيّ عن بيّنةٍ
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن ابن إسحاق وحدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه ليهلك من هلك عن بيّنةٍ ويحيى من حيّ عن بيّنةٍ وإنّ اللّه لسميعٌ عليمٌ أي ليكفر من كفر بعد الحجّة، لما رأى من الآيات والعبر، ويؤمن من آمن على مثل ذلك.
قوله تعالى: وإن الله لسميع عليم
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 5/1707-1709]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله والركب أسفل منكم يعني به أبا سفيان وأصحابه مقبلين من الشام تجارا لم يشعروا بأصحاب بدر ولم يشعر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بكفار قريش ولا كفار قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى التقى على ماء بدر من يستقي لهم كلهم فاقتتلوا فغلبهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأسروهم). [تفسير مجاهد: 263-264]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 42.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله {إذ أنتم بالعدوة الدنيا}
قال: شاطئ الوادي {والركب أسفل منكم} قال: أبو سفيان.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {إذ أنتم بالعدوة الدنيا} الآية، قال: العدوة الدنيا: شفير الوادي الأدنى والعدوة القصوى: شفير الوادي الأقصى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه في قوله {والركب أسفل منكم} قال: كان أبو سفيان أسفل الوادي في سبعين راكبا، ونفرت قريش وكانت تسعمائة وخمسين فبعث أبو سفيان إلى قريش وهم بالجحفة: إني قد جاوزت القوم فارجعوا، قالوا: والله لا نرجع حتى نأتي ماء بدر.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {والركب أسفل منكم} قال: أبو سفيان وأصحابه مقبلين من الشام تجارا لم يشعروا بأصحاب بدر ولم يشعر أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم بكفار قريش ولا كفار قريش بهم حتى التقوا على ماء بدر فاقتتلوا فغلبهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأسروهم.
وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في قوله {وهم بالعدوة القصوى} من الوادي إلى مكة {والركب أسفل منكم} يعني أبا سفيان وغيره وهي أسفل من ذلك نحو الساحل {ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد} أي ولو كان على ميعاد منكم ومنهم ثم بلغكم كثرة عددهم وقلة عددكم ما التقيتم {ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا} أي ليقضي ما أراد بقدرته من إعزاز الإسلام وأهله وإذلال الكفر وأهله من غير ملأ منكم ففعل ما أراد من ذلك بلطفه فأخرجه الله ومن معه إلى العير لا يريد غيرها.
وأخرج قريشا من مكة لا يريدون إلا الدفع عن عيرهم ثم ألف بين القوم على الحرب وكانوا لا يريدون إلا العير فقال في ذلك {ليقضي الله أمرا كان مفعولا} ليفصل بين الحق والباطل {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة} أي ليكفر من كفر بعد الحجة لما رأى من الآيات والعبر يؤمن من آمن على مثل ذلك). [الدر المنثور: 7/136-138]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى {إذ يريكهم الله في منامك قليلا} قال أراهم الله تعالى إياه في منامه قليلا فأخبر النبي بذلك أصحابه وكان تثبيتا لهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/259-260]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {ولكن الله سلم} قال سلم أمره فيهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/260]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إذ يريكهم اللّه في منامك قليلاً ولو أراكهم كثيرًا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكنّ اللّه سلّم إنّه عليمٌ بذات الصّدور}.
يقول تعالى ذكره: وإنّ اللّه يا محمّد سميعٌ لما يقول أصحابك، عليمٌ بما يضمرونه، إذ يريك اللّه عدوّك وعدوّهم {في منامك قليلاً} يقول: يريكهم في نومك قليلاً فتخبرهم بذلك، حتّى قويت قلوبهم واجترءوا على حرب عدوّهم.
ولو أراك ربّك عدوّك وعدوّهم كثيرًا لفشل أصحابك، فجبنوا وخافوا، ولم يقدروا على حرب القوم، ولتنازعوا في ذلك، ولكنّ اللّه سلّمهم من ذلك بما أراك في منامك من الرّؤيا، إنّه عليمٌ بما تخفيه الصّدور، لا يخفى عليه شيءٌ ممّا تضمره القلوب.
وقد زعم بعضهم أنّ معنى قوله: {إذ يريكهم اللّه في منامك قليلاً} أي في عينك الّتي تنام بها، فصيّر المنام هو العين، كأنّه أراد: إذ يريكهم اللّه في عينك قليلاً.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {إذ يريكهم اللّه في منامك قليلاً} قال: أراه اللّه إيّاهم في منامه قليلاً، فأخبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أصحابه بذلك، فكان تثبيتًا لهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه.
- وقال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {إذ يريكهم اللّه في منامك قليلاً} الآية، فكان أوّل ما أراه من ذلك نعمةً من نعمه عليهم، شجّعهم بها على عدوّهم، وكفاهم بها ما تخوّف عليهم من ضعفهم لعلمه بما فيهم.
واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {ولكنّ اللّه سلّم} فقال بعضهم: معناه: ولكنّ اللّه سلّم للمؤمنين أمرهم حتّى أظهرهم على عدوّهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولكنّ اللّه سلّم} يقول: سلّم اللّه لهم أمرهم حتّى أظهرهم على عدوّهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولكنّ اللّه سلّم أمره فيهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، قال: حدّثنا معمرٌ، عن قتادة: {ولكنّ اللّه سلّم} قال: سلّم أمره فيهم.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب عندي ما قاله ابن عبّاسٍ، وهو أنّ اللّه سلّم القوم بما أرى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم في منامه من الفشل والتّنازع، حتّى قويت قلوبهم واجترءوا على حرب عدوّهم، وذلك أنّ قوله: {ولكنّ اللّه سلّم} عقيب قوله: {ولو أراكهم كثيرًا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر} فالّذي هو أولى بالخبر عنه، أنّه سلّمهم منه جلّ ثناؤه ما كان مخوّفًا منه لو لم ير نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم من قلّة القوم في منامه). [جامع البيان: 11/208-211]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إذ يريكهم اللّه في منامك قليلًا ولو أراكهم كثيرًا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكنّ اللّه سلّم إنّه عليمٌ بذات الصّدور (43)
قوله تعالى: إذ يريكهم اللّه
- حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ أنبأ حفص بن عمر ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة إذ يريكهم اللّه في منامك قليلاً الآية. قال: حرّش بينهم.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عبد الأعلى أنبأ محمّد بن ثورٍ عن معمرٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ إذ يريكهم اللّه في منامك قليلاً قال: أراه إيّاهم في منامه قليلاً، فأخبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أصحابه بذلك، وكان تثبيتًا لهم.
- حدّثنا أبي ثنا يوسف بن موسى التّستريّ ثنا أبو قتيبة عن سهلٍ السّرّاج عن الحسن في قوله: إذ يريكهم اللّه في منامك قليلاً قال: بعينك.
قوله تعالى: ولو أراكهم كثيرًا لفشلتم
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن عمر العدنيّ ثنا سفيان عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: ولو أراكهم كثيرًا لفشلتم يقول: لفشلت أنت، فرأى أصحابك في وجهك الفشل ففشلوا.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ- فيما كتب إليّ- ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ ثنا شيبان بن عبد الرّحمن عن قتادة في قوله: ولو أراكهم كثيرًا لفشلتم يقول: لجبنتم.
قوله تعالى: ولتنازعتم في الأمر
- وبه عن قتادة قوله: ولتنازعتم في الأمر قال: لاختلفتم.
قوله تعالى: ولكنّ اللّه سلّم
- أخبرنا محمّد بن سعد بن عطيّة- فيما كتب إليّ- ثنا أبي ثنا عمّي عن أبيه عن جدّه عن عبد اللّه بن عبّاسٍ قوله: ولكنّ اللّه سلّم يقول: سلّم لهم أمرهم حتّى أظهرهم على عدوهم.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: ولكنّ اللّه سلّم أي أتمّ.
قوله تعالى: إنّه عليمٌ بذات الصّدور
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى ثنا محمّد بن عليٍّ أنبأ محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: عليمٌ بذات الصّدور بما في قلوبهم.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: عليمٌ بذات الصّدور أي لا يخفى عليه ما في صدورهم ممّا استخفوا به منكم). [تفسير القرآن العظيم: 5/1709-1710]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل ولو أراكهم كثيرا لفشلتم يقول لفشلت يا محمد ولفشل أصحابك إذا رأوا ذلك في وجهك). [تفسير مجاهد: 264]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 43
أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {إذ يريكهم الله في منامك قليلا} قال: أراه الله إياهم في منامه قليلا فأخبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه بذلك وكان تثبيتا لهم.
وأخرج ابن إسحاق، وابن المنذر عن حيان بن واسع بن حيان عن أشياخ من قومه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر ورجع إلى العريش فدخله ومعنا أبو بكر رضي الله عنه وقد خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة وهو في العريش ثم انتبه فقال: أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرس يقوده على ثناياه النقع.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في قوله {ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر} قال: لاختلفتم
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ولكن الله سلم} أي أتم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ولكن الله سلم} يقول: سلم بهم أمرهم حتى أظهرهم على عدوهم). [الدر المنثور: 7/138-139]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقلّلكم في أعينهم ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولاً وإلى اللّه ترجع الأمور}.
يقول تعالى ذكره: وإنّ اللّه لسميعٌ عليمٌ إذ يري اللّه نبيّه في منامه المشركين قليلاً، وإذ يريهم اللّه المؤمنين إذ لقوهم في أعينهم قليلاً، وهم كثيرٌ عددهم، ويقلّل المؤمنين في أعينهم، ليتركوا الاستعداد لهم فيهوّن على المؤمنين شوكتهم.
- كما حدّثني ابن بزيعٍ البغداديّ، قال: حدّثنا إسحاق بن منصورٍ، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه، قال: لقد قلّلوا في أعيننا يوم بدرٍ حتّى قلت لرجلٍ إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال أراهم مائةً. قال: فأسرنا رجلاً منهم، فقلنا: كم هم؟. قال: كنّا ألفًا.
- حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه بنحوه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {إذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً} قال ابن مسعودٍ: قلّلوا في أعيننا حتّى قلت لرجلٍ: أتراهم يكونون مائةً؟.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: قال ناسٌ من المشركين: إنّ العير قد انصرفت فارجعوا، فقال أبو جهلٍ: الآن إذ برز لكم محمّدٌ وأصحابه؟ فلا ترجعوا حتّى تستأصلوهم، وقال: يا قوم لا تقتلوهم بالسّلاح، ولكن خذوهم أخذًا، فاربطوهم بالحبال، يقوله من القدرة في نفسه.
وقوله: {ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولاً} يقول جلّ ثناؤه: قلّلتكم أيّها المؤمنون في أعين المشركين وأريتكموهم في أعينكم قليلاً حتّى يقضي اللّه بينكم ما قضى من قتال بعضكم بعضًا، وإظهاركم أيّها المؤمنون على أعدائكم من المشركين والظّفر بهم، لتكون كلمة اللّه هي العليا وكلمة الّذين كفروا السّفلى، وذلك أمرٌ كان اللّه فاعله وبالغًا فيه أمره.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق: {ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولاً} أي ليؤلّف بينهم على الحرب للنّقمة ممّن أراد الانتقام منه والإنعام على من أراد إتمام النّعمة عليه من أهل ولايته.
{وإلى اللّه ترجع الأمور} يقول جلّ ثناؤه: مصير الأمور كلّها إليه في الآخرة، فيجازي أهلها على قدر استحقاقهم: المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته). [جامع البيان: 11/211-212]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلًا ويقلّلكم في أعينهم ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولًا وإلى اللّه ترجع الأمور (44)
قوله تعالى: وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا أبو أحمد الزّبيريّ ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد اللّه قال: لقد قلّلوا في أعيننا يوم بدرٍ حتّى قلت لرجلٍ إلى جنبي: تراهم سبعين؟ قال: لا، بل هم مائةٌ، حتّى أخذنا رجلاً منهم فسألناه قال: كنّا ألفًا.
- حدّثنا أبي ثنا سليمان بن حربٍ ثنا حمّاد بن زيدٍ عن الزبير ابن خرّيتٍ عن عكرمة وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقلّلكم في أعينهم قال: حضّض بعضهم على بعضٍ.
قوله تعالى: ويقلّلكم في أعينهم الآية.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق قال: ثنا يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير عن أبيه، فكان ما أراه اللّه عزّ وجلّ من ذلك من نعمة اللّه عليهم شجّعهم بها على عدوّهم وكفّ بها عنهم ما تخوّف عليهم من ضعفهم لعلمه بما فيهم وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقلّلكم في أعينهم ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولاً أي ليؤلّف بينهم على الحرب للنقمة ممّن أراد الانتقام منه والإنعام على من أراد تمام النّعمة عليه من أهل ولايته). [تفسير القرآن العظيم: 5/1710]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 44.
أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لقد قللوا في أعيننا يوم بدر حتى قلت لرجل إلى جنبي: تراهم سبعين قال: لا بل مائة حتى أخذنا رجلا منهم فسألناه قال: كنا ألفا.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم} قال: حضض بعضهم على بعض). [الدر المنثور: 7/139]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 ربيع الثاني 1434هـ/9-03-2013م, 11:15 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)}


تفسير قوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) )

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {واعلموا أنّما غنمتم مّن شيءٍ فأنّ للّه خمسه...}
دخلت {أنّ} في أوّله وآخره لأنه جزاء بمنزلة قوله: {كتب عليه أنه من تولاّه فأنّه يضلّه} وبمنزلة قوله: {ألم يعلموا أنه من يحادد اللّه ورسوله فأنّ له نار جهنّم} ويجوز في {أنّ}الآخرة أن تكسر ألفها لأن سقوطها يجوز؛ ألا ترى أنك لو قلت: {اعلموا أنّ ما غنمتم من شيء فللّه خمسه} تصلح، فإذا صلح سقوطها كسرها.
وقوله: {ولذي القربى}: قرابة رسول الله صلّى الله عليه وسلم {واليتامى والمساكين}: يتامى الناس ومساكينهم، ليس فيها يتامى بني هاشم ولا مساكينهم). [معاني القرآن: 1/411]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل إن كنتم آمنتم باللّه وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان واللّه على كلّ شيء قدير}
كثر اختلاف الناس في تأويل هذه الآية والعمل بها وجملتها أنّها مال من الأموال التي فرض الله جل ثناؤه فيها الفروض، والأموال التي جرى فيها ذكر الفروض للفقراء والمساكين ومن أشبهم ثلاثة أصناف.
سمى الله كل صنف منها، فسمى ما كان من الأموال التي يأخذها المسلمون من المشركين في حال الحرب أنفالا وغنائم، وسمى ما صار إلى المسلمين مما لم يؤخذ في الحرب من الخراج والجزية فيئا، وسمى ما خرج أموال المسلمين كالزكاة، وما نذروا من نذر، وتقربوا به إلى الله جلّ وعزّ صدقة، فهذه جملة تسمية الأموال.
ونحن نبين في هذه الآية ما قاله جمهور الفقهاء وما توجبه اللغة إن شاء اللّه.
قال أبو إسحاق: أجمعت الفقهاء أن أربعة أخماس الغنيمة لأهل الحرب خاصة، والخمس الذي سمّي في قوله: {فأنّ للّه خمسه وللرّسول} إلى آخر الآية في الاختلاف.
فأما الشافعي فذكر أن هذا الخمس مقسوم على ما سمّى اللّه جلّ وعزّ من أهل قسمته وجعل قوله: {فأنّ للّه خمسه} افتتاح كلام.
قال أبو إسحاق، وأحسب معنى " افتتاح كلام " عنده " هذا أن الأشياء كلها للّه عزّ وجلّ، فابتدأ وافتتح الكلام.
فإن قال قائل: {فأنّ للّه خمسه}كما قال {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال للّه والرّسول} ، ثم قسّم هذا الخمس على خمسة أنصباء، خمس للنبي - صلى الله عليه وسلم - وخمس ليتامى المسلمين لا ليتامى آل النبي - صلى الله عليه وسلم - وخمس في المساكين - مساكين المسلمين لا مساكين النبي - صلى الله عليه وسلم - وخمس لابن السبيل.
ولا يرى الشافعي أن يترك صنفا من هذه الأصناف بغير حظ في القسمة.
قال أبو إسحاق: وبلغني أنه يرى أن يفضّل بعضهم على بعض على قدر الحاجة، ويرى في سهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يصرف إلى ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصرفه فيه.
والذي روي أنّه كان يصرف الخمس في عدد للمسلمين نحو اتخاذ السلاح الذي تقوى به شوكتهم. فهذا مذهب الشافعي وهو على لفظ ما في الكتاب.
فأما أبو حنيفة - ومن قال: بقوله - فيقسم هذا الخمس على ثلاثة أصناف، يسقط ما للرسول من القسمة، وما لذوي القربى، وحجته في هذا أن أبا بكر وعمر لم يعطيا سهم ذوي القربى، وأن سهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب بوفاته، لأن الأنبياء لا تورث. فيقسّم على اليتامى والمساكين وابن السبيل على قدر حاجة كل فريق منهم ويعطي بعضا دون بعض منهم خاصة، إلّا إنّه لا يخرج القسم عن هؤلاء الثلاثة.
وأما مذهب مالك فيروى أن قوله في هذا الخمس، وفي الفيء أنه إنما ذكر هؤلاء المسمّون لأنهم من أهم من يدفع إليهم، فهو يجيز أن يقسم بينهم، ويجيز أن يعطي بعضا دون بعض، ويجوز أن يخرجهم من القسم إن كان أمر غيرهم أهمّ من أمرهم، فيفعل هذا على قدر الحاجة.
وحجته في هذا أن أمر الصدقات لم يزل يجري في الاستعمال على ما يراه الناس.
وقال الله عزّ وجلّ: ({إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرّقاب والغارمين وفي سبيل اللّه وابن السّبيل}). فلو أن رجلا وجبت عليه خمسة دراهم لأخرجها إلى صنف من هذه أو إلى ما شاء من هذه الأصناف، ولو كان ذكر التسمية يوجب الحق للجماعة لما جاز أن يخصّ واحد دون غيره، ولا أن ينقص واحد مما يعطى غيره .
قال أبو إسحاق: من - حجج مالك في أن ذكر هؤلاء إنما وقع للخصوص.
قوله تعالى: ({من كان عدوّا للّه وملائكته ورسله وجبريل وميكال}).
فذكر جملة الملائكة، فقد دخل جبريل وميكال في الجملة وذكرا بأسمائهم لخصوصهما، وكذلك ذكر هؤلاء في القسمة والفيء والصدقة، لأنهم من أهم من يصرف إليه الأموال من البر والصدقة.
قال أبو إسحاق: ومن الحجة لمالك أيضا قول الله عزّ وجلّ:
({يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السّبيل}).
فللرجل أن ينفق في البر على هذه الأصناف وعلى صنف منها، وله أن يخرج عن هذه الأصناف، لا اختلاف بين الناس في ذلك.
قال أبو إسحاق: هذا جهلة ما علمناه من أقوال الفقهاء في هذه الآية.
وقوله عز وجلّ: {إن كنتم آمنتم باللّه وما أنزلنا على عبدنا}.
يجوز أن يكون " إن كنتم " معلقة بقوله: {فاعلموا أنّ اللّه مولاكم نعم المولى ونعم النّصير (40)... إن كنتم آمنتم باللّه وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان}
فأيقنوا أن اللّه نصركم إذ كنتم قد شاهدتم من نصره ما شاهدتم.
ويجوز أن يكون {إن كنتم آمنتم باللّه} معناها: اعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن للّه خمسه وللرسول يأمران فيه بما يريدان إن كنتم آمنتم باللّه فأقبلوا ما أمرتم به في الغنيمة.
وقوله جلّ وعزّ: {يوم الفرقان}.
هو يوم بدر، لأن الله عزّ وجلّ أظهر فيه من نصره بإرداف الملائكة والإمداد بهم للمسلمين ما كان فيه فرقانّ بين الحق والباطل، ثم أكد التبين في ذلك فقال عزّ وجلّ: ({إذ أنتم بالعدوة الدّنيا وهم بالعدوة القصوى والرّكب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة وإنّ اللّه لسميع عليم (42)} ). [معاني القرآن: 2/413-417]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل}
اختلف في معنى هذه الآية
فقال قوم يقسم الخمس على خمسة أجزاء فأربعة منها لمدة شهر الحرب وواحد منها مقسوم على خمسة فما كان منه للرسول صير فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيره فيه
ويروى أنه كان يصيره تقوية للمسلمين وأربعة لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وهذا مذهب الشافعي رحمه الله
وقال بعضهم يقسم هذا السهم على قلته أجزاء للفقراء والمساكين وابن السبيل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا نورث ما تركنا صدقة وهذا مذهب أبي حنيفة
وقال بعضهم إذا رأى الإمام أن يعطي هؤلاء المذكورين أعطاهم وإن رأى أن غيرهم أحق منهم أعطاهم قال ولو كان ذكرهم بالسهمية يوجب أن لا يخرج عن جملتهم لما جاز إذا ذكر جماعة أن يعطى بعضهم دون بعض وقد قال الله عز وجل: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين} إلى آخر الآية ولو جعلت في بعضهم دون بعض لجاز ولكنهم ذكروا لأنهم من أهم من يعطى
وقال جل وعز: {قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين}
وله أن يعطي غير من سمي وهذا مذهب مالك
وأما معنى {فأن لله} فهو افتتاح كلام قال قيس بن مسلم الجدبي سألت الحسن بن محمد واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه فقال هو افتتاح كلام ليس لله نصيب لله الدنيا والآخرة
حدثنا أبو جعفر قال نا محمد بن الحسن بن سماعة قال نا أبو نعيم قال نا أبو جعفر عن الربيع عن أبي العالية واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه
قال: يجاء بالغنيمة فتوضع فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة أسهم فيعزل سهما منها ويقسم الأربعة بين الناس ثم يضرب بيده في جميع السهم الذي عزله فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة فهو الذي سمي لله ويقول لا تجعلوا لله نصيبا فإن لله الدنيا والآخرة قال ثم يقسم السهم الذي عزله على خمسة أسهم سهم للنبي صلى الله عليه وسلم وسهم لذي القربى وسهم لليتامى وسهم للمساكين وسهم لابن السبيل
وقيل معنى فأن لله خمسه فأن لسبيل الله مثل واسأل القرية
وقوله جل وعز: {إن كنتم آمنتم بالله} أي إن كنتم آمنتم بالله فاقبلوا ما أمركم به.
وقيل المعنى: فاعلموا أن الله مولاكم وناصركم إن كنتم آمنتم به.
وقوله جل وعز: {وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان} قال مجاهد هو يوم بدر فرق الله فيه بين الحق والباطل). [معاني القرآن: 3/155-159]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إذ أنتم بالعدوة الدّنيا...}
والعدوة: شاطئ الوادي {الدنيا}مما يلي المدينة، و{القصوى} مما يلي مكّة.
وقوله: {والرّكب أسفل منكم} يعني أبا سفيان والعير، كانوا على شاطئ البحر. وقوله: {أسفل منكم} نصبت؛ يريد: مكانا أسفل منكم. ولو وصفهم بالتسفل وأراد: والركب أشد تسفّلا لجاز ورفع.
وقوله: {ويحيى من حيّ عن بيّنةٍ} كتابتها على الإدغام بياء واحدة، وهي أكثر قراءة القراء. وقد قرأ بعضهم {حيى عن بيّنة} بإظهارها. وإنما أدغموا الياء مع الياء وكان ينبغي لهم ألا يفعلوا؛ لأن الياء الآخرة لزمها النصب في فعل، فأدغموا لمّا التقى حرفان متحركان من جنس واحد. ويجوز الإدغام في الاثنين للحركة اللازمة للياء الآخرة، فتقول للرجلين: قد حيّا، وحييا. وينبغي للجمع ألا يدغم لأنّ ياءه
[معاني القرآن: 1/411]
يصيبها الرفع وما قبلها مكسور، فينبغي لها أن تسكن فتسقط بواو الجمع. وربما أظهرت العرب الإدغام في الجمع إرادة تأليف الأفعال وأن تكون كلها مشدّدة. فقالوا في حييت حيّوا، وفي عييت عيّوا؛ أنشدني بعضهم:
يحدن بنا عن كلّ حيّ كأننا =أخاريس عيّوا بالسلام وبالنّسب
يريد النّسب. وقال الآخر:
من الذين إذا قلنا: حديثكم =عيّوا، وإن نحن حدّثناهم شغبوا
وقد اجتمعت العرب على إدغام التحيّة والتحيّات بحركة الياء الأخيرة فيها؛ كما استحبّوا إدغام عيّ وحيّ بالحركة اللازمة فيها. وقد يستقيم أن تدغم الياء والياء في يحيا ويعيا؛ وهو أقل من الإدغام في حيّ؛ لأن يحيا يسكن ياؤها إذا كانت في موضع رفع، فالحركة فيها ليست لازمة. وجواز ذلك أنك إذا نصبتها كقول الله تبارك وتعالى: {أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى} استقام إدغامها ها هنا؛ ثم تؤلّف الكلام، فيكون في رفعه وجزمه بالإدغام؛ فتقول {هو يحيي ويميت} أنشدني بعضهم:
وكأنها بين النساء سبيكةٌ =تمشى بسدّة بيتها فتعي
وكذلك يحيّان ويحيّون). [معاني القرآن: 1/412]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بالعدوة الدّنيا} مكسورة، وبعضهم يضمها، ومجازه من: عدى الوادي أي ملطاط شفيره والملطاط والعدى حافتا الوادي من جانبيه، بمنزلة رجا البئر من أسفل، ويقال: ألزم هذا الملطاط). [مجاز القرآن: 1/246]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {إذ أنتم بالعدوة الدّنيا وهم بالعدوة القصوى والرّكب أسفل منكم ولو تواعدتّم لاختلفتم في الميعاد ولكن لّيقضي اللّه أمراً كان مفعولاً لّيهلك من هلك عن بيّنةٍ ويحيى من حيّ عن بيّنةٍ وإنّ اللّه لسميعٌ عليمٌ}
وقوله: {ولو تواعدتّم لاختلفتم في الميعاد ولكن لّيقضي اللّه أمراً كان مفعولاً} وأمر الله كله مفعول ولكن أراد أن يقص الاحتجاج عليهم وقطع العذر قبل إهلاكهم.
[معاني القرآن: 2/27]
وقال: {إذ أنتم بالعدوة الدّنيا} وقال بعضهم {بالعدوة} وبها نقرأ وهما لغتان. وقال بعض العرب الفصحاء: ["العدية"] فقلب الواو ياء كما تقلب الياء واوا في نحو "شروى" و"بلوى" لأن ذلك يفعل بها فيما هو نحو من ذا نحو "عصيّ" و"أرض مسنيّةٌ" وفي قولهم "قنية" لأنها من "قنوت".
وقال: {والرّكب أسفل منكم} فجعل "الأسفل" ظرفا ولو شئت قلت {أسفل منكم} إذا جعلته {الركب} ولم تجعله ظرفا.
وقال: {ويحيى من حيّ عن بيّنةٍ} فالزم الإدغام إذ صار في موضع يلزمه الفتح فصار مثل باب التضعيف. فإذا كان في موضع لا يلزمه الفتح لم يدغم نحو {بقادرٍ على أن يحيي الموتى} إلا أن تشاء أن تخفي وتكون في زنة متحرك لأنها لا تلزمه لأنك تقول {تحيي} فتسكن في الرفع وتحذف في الجزم، فكل هذا يمنعه الإدغام. وقال بعضهم {من حيي عن بيّنةٍ} ولم يدغم إذا كان لا يدغمه في سائر ذلك. وهذا أقبح الوجهين لأنّ "حيي" مثل "خشي" لما صارت مثل غير التضعيف أجرى الياء الآخرة مثل ياء "خشي". وتقول للجميع "قد حيوا" كما تقول "قد خشوا" ولا تدغم لأن ياء "خشوا" تعتل ههنا. وقال الشاعر:
وحيٍّ حسبناهم فوارس كهمسٍ = حيوا بعدما ماتوا من الدهر أعصرا
وقد ثقّل بعضهم وتركها على ما كانت عليه وذلك قبيح. قال الشاعر:
عيّوا بأمرهم كما = عيّت ببيضتها الحمامة
جعلت له عودين من = نشمٍ وآخر من ثمامه).
[معاني القرآن: 2/28]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأهل المدينة {بالعدوة} بالضم.
أبو عمرو وأهل مكة {بالعدوة}؛ والعدوة ناحية الوادي.
[معاني القرآن لقطرب: 613]
قال الراعي: وعينان حر مآقيهما = كما نظر العدوة الجؤذر
أي ناحية الوادي.
وقال الراجز:
اسقى الإله عدوات الوادي = وجوفه كل ملث غادي
وقال أوس:
وفارس لا يحل الحي عدوته = ولوا سراعًا وما هموا بإقبال
فرفع العدوة، على قراءة الحسن.
أبو جعفر ويحيى {من حيى} بيائين لا يدغم، والثانية مفتوحة.
نافع "من حيي عن بينة" لا يدغم ويسكن الياء الثانية؛ وهذه مرغوب عنها؛ لأنه يسكن "فعل" مثل: رضي وخشي، إلا أنه قد اجتمع هاهنا ياءان فكان ذلك أثقل.
وأما {من حي عن بينة} فهي القراءة الكثيرة، وهي قراءة الحسن وأبي عمرو، أدغم لما أسكن الياء الأولى، كما تسكن في علم وشهد، في لغة من أسكن فقال: علم وشهد؛ وقد ذكرنا ذلك؛ إلا أن هذا أحسن لاجتماع اليائين وثقلهما.
وقال ذو الرمة على هذه القراءة:
تراطن جون في أفاحيصها السفا = وميتة الأجلاد حي جنينها
فأدغم.
وقال الآخر:
[معاني القرآن لقطرب: 614]
عيوا بأمرهم كما = عييت ببيضتها الحمامه
فأدغم.
وقال الراعي فلم يدغم على "حيي" بالقرأة الأول.
ما يفقد الناس خيرًا ما حيوا لهم = والجود والعدل مفقودان إن فقدوا
وقال ابن حزابة:
وحتى حسبناهم فوارس كهمس = حيوا بعدما ماتوا من الدهر أعصرا
فلم يدغم أيضًا). [معاني القرآن لقطرب: 615]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {بالعدوة القصوى} فتميم تقول بالقصيا؛ وأهل الحجاز: القصوى بالواو). [معاني القرآن لقطرب: 623]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {والركب أسفل منكم} فعلى الظرف؛ كأنه قال: في موضع أسفل منكم؛ ولو جعله الأسفل لرفعه، فصار مثل: زيد أفضل من عمرو، ولكنه مثل قولك: رأيته مكان زيد، أو أقرب؛ أي في مكان أقرب.
قال ابن ضابئ:
فجال ولو كانت خراسان دونه = رآها مكان السوق أو هي أقربا). [معاني القرآن لقطرب: 625]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({العدوة والعدوة}: لغتان جميعا والعدوتان ناحيتا الوادي من جنبتيه). [غريب القرآن وتفسيره: 158]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بالعدوة}: شفير الوادي. يقال: عدوة الوادي وعدوته). [تفسير غريب القرآن: 179]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {إذ أنتم بالعدوة الدّنيا وهم بالعدوة القصوى والرّكب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي اللّه أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة وإنّ اللّه لسميع عليم}
{إذ أنتم بالعدوة الدّنيا}
أي الدنيا منكم، والعدوة شفير الوادي، يقال: عدوة، وعدوة وعدى الوادي مقصور، فالمعنى إذ أنتم بالعدوة الدّنيا، أي بشفير الوادي الذي يلي المدينة.
{وهم بالعدوة القصوى}.
بشفير الوادي الذي يلي مكة.
{والركب أسفل منكم}.
{الركب}: العير التي كان فيها أبو سفيان على شاطئ البحر.
فأعلم اللّه جلّ وعزّ أن نصر المؤمنين وهم في هذا الموضع فرقان.
قال أبو إسحاق: قد بيّنّا أنه كان رملا تسوخ فيه الأرجل، ولم يكونوا على ماء، وكان المشركون نازلين على موضع فيه الماء، وهم مع ذلك يحامون عن العير، فهو أشدّ لشوكتهم، فجعل اللّه جلّ وعزّ النصر في هذه الحال، مع قلة عدد المسلمين وكثرة عدد المشركين وشدة شوكتهم، فرقانا.
ويجوز في قوله: {والركب أسفل منكم} وجهان:
الوجه أن تنصب {أسفل} وعليه القراءة.
ويجوز أن ترفع {أسفل} على أنك تريد والركب أسفل منكم أي أشد تسفلا.
ومن نصب أراد والركب مكانا {أسفل} منكم.
[معاني القرآن: 2/417]
وقوله: {ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة}.
جعل اللّه عزّ وجل القاصد للحق بمنزلة الحيّ، وجعل الضالّ بمنزلة الهالك، ويجوز حيي بياءين، وحيّ بياء مشددة مدغمة، وقد قرئ بهما جميعا. فأمّا الخليل وسيبويه فيجيزان الإدغام والإظهار إذا كانت الحركة في الثاني لازمة، فأمّا من أدغم فلاجتماع حرفين من جنس واحد.
وأمّا من أظهر فلأن الحرف الثاني ينتقل عن لفظ الياء، تقول حيي يحيا، والمحيا والممات.
فعلى هذا يجوز الإظهار. فأمّا قوله عزّ وجلّ: {هو يحيي ويميت}.
وقوله: {أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى (40)}.
فلا يجوز فيه عند جميع البصريين إلا يحيي بياءين ظاهرتين وأجاز بعضهم. يحيّ بياء واحدة مشددة مدغمة.
وذكر أن بعضهم أنشد:
وكأنها بين النساء سبيكة..=. تمشي بسدة بيتها فتعي
ولو كان هذا المنشد المستشهد أعلمنا من هذا الشاعر، ومن أي القبائل هو وهل هو ممن يؤخذ بشعره أم لا ما كان يضره ذلك.
وليس ينبغي أن يحمل كتاب الله على " أنشدني بعضهم " ولا على بيت شاذ لو عرف قائله وكان ممن يؤخذ بقوله لم يجز.
وهذا عندنا لا يجوز في كلام ولا شعر، لأن الحرف الثاني إذا كان
[معاني القرآن: 2/418]
يسكن من غير المعتل نحو: " لم يودّ " فالاختيار إظهار التضعيف، فكيف إذا كان من المعتل). [معاني القرآن: 2/419]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى} [آية: 42]
قال قتادة العدوة شفير الوادي وكذلك هو في اللغة
ومعنى الدنيا التي تلي المدينة ومعنى القصوى التي تلي مكة ثم قال تعالى: {والركب أسفل منكم}
قال قتادة يعني العير التي كانت مع أبي سفيان
46 - وقوله جل وعز: {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة} [آية: 42]
قال أبو جعفر قال ابن أبي إسحاق جعل المعتدي بمنزلة
الحي وجعل الضال بمنزلة الهالك قال أي ليكفر من كفر بعد الحجة بما رأى من الآية والعبرة ويؤمن من آمن على مثل ذلك
وقال غيره ليهلك ليموت من مات عن حجة لله جل وعز وعليه قد قطعت عذره وليعيش من عاش منهم على مثل ذلك وإن الله لسميع لقولكم حين تركتموهم عليم بما تضمره نفوسكم). [معاني القرآن: 3/159-160]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بالعدوة الدنيا}: جانب الوادي مما يلي الناس). [ياقوتة الصراط: 237]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) :{العدوة القصوى}: البعيدة من الناس، ليس بسماع). [ياقوتة الصراط: 238]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْعُدْوَةِ}: جانب الوادي). [العمدة في غريب القرآن: 144]

تفسير قوله تعالى: (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) )
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إذ يريكهم الله في منامك}مجازه: في نومك ويدلّ على ذلك قوله في آيةٍ أخرى: {إذّ يغشيكم النّعاس}) [8: 11] وللمنام موضع آخر في عينك التي تنام بها ويدل على ذلك قوله {ونقلّلكم في أعينهم} ). [مجاز القرآن: 1/247]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {إذ يريكهم الله في منامك} أي في نومك؛ كقولك: إن في ألف درهم لضربا ومضربا، يريد المصدر؛ وقالوا في التفسير عن الثقة: {في منامك} أي في عينك التي تنام بها، فصيرت هي المنام بعينه؛ لأنها ينام بها.
وقوله {لفشلتم} المصدر فشلا). [معاني القرآن لقطرب: 622]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إذ يريكهم اللّه في منامك} أي في نومك، ويكون: في عينك، لأن العين موضع النوم). [تفسير غريب القرآن: 179]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إذ يريكهم اللّه في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكنّ اللّه سلّم إنّه عليم بذات الصّدور})
رويت عن الحسن أن معناها في عينك التي تنام بها.
وكثير من أصحاب النحو يذهبون إلى هذا المذهب.
ومعناه عندهم: إذ يريكهم الله في موضع منامك أي بعينك ثم حذف الموضع، وأقام المقام مكانه، وهذا مذهب حسن.
ولكنه قد جاء في التفسير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآهم في النوم قليلا، وقص الرؤيا على - أصحابه فقالوا: صدقت رؤياك يا رسول اللّه، وهذا المذهب أسوغ في العربية، لأنّه قد جاء:
{وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقلّلكم في أعينهم}
فدل بهذا أن هذا رؤية الالتقاء، وأن تلك رؤية النوم.
ويجوز على هذا المذهب الأول أن يكون الخطاب الأول للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأن الخطاب الثاني لجميع من شاهد الحرب وللنبي - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله: {ولو أراكهم كثيرا لفشلتم}.
أي لتأخرتم عن حربهم وكعتم وجبنتم، يقال فشل فشلا إذا جبن وهاب أن يتقدم). [معاني القرآن: 2/419]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر} [آية: 43]
قال ابن أبي نجيح عن مجاهد رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في النوم قليلا فقص الرؤيا على أصحابه فثبتهم الله بذلك
وروي عن الحسن أنه قال
المعنى إذ يريكهم الله بعينك التي تنام بها
قال أبو جعفر والمعنى على هذا في موضوع منامك
والقول الأول أحسن لجهتين
إحداهما ما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم رآهم في النوم
والأخرى في قوله: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم} فالرؤيا الأولى في النوم والثانية عند الالتقاء
ويجوز ما قال الحسن على بعد على أن يكون قوله: {إذ يريكموهم} خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه
والمعنى ويقللكم في أعينهم أي لئلا يستعدوا لكم لما أراد الله جل وعز من ظفر المسلمين بهم). [معاني القرآن: 3/160-161]

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44) )
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {وإلى الله ترجع الأمور}.
أبو عمرو {ترجع} ). [معاني القرآن لقطرب: 615]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 07:34 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) }

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: أي الصوم أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال: ((شهر الله المحرم)).
قال: حدثناه هشيم عن منصور عن الحسن يرفع الحديث.
قوله: شهر الله المحرم، أراه قد نسبه إلى الله تبارك وتعالى وقد علمنا أن الشهور كلها لله جل ثناؤه ولكنه إنما ينسب إليه تبارك وتعالى كل شيء يعظم
ويشرف.
وكان سفيان بن عيينة يقول: إن قول الله تبارك وتعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه}.
وقوله عز وجل: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول}، فنسب المغنم والفيء إلى نفسه، وذلك أنهما أشرف الكسب، إنما هما بمجاهدة العدو.
ولم يذكر ذلك عند الصدقة في قوله: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين}، ولم يقل: لله وللفقراء، لأن الصدقة أوساخ الناس، واكتسابها مكروه إلا للمضطر إليها.
فكذلك عندي قوله: ((شهر الله المحرم))، إنما هو على جهة التعظيم له، وذلك لأنه جعله حراما لا يحل فيه قتال ولا سفك دم). [غريب الحديث: 2/209-212]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب الأفعال التي تدخلها ألف الوصل

والأفعال الممتنعة من ذلك
أما ما تدخله ألف الوصل فهو كل فعلٍ كانت الياء وسائر حروف المضارعة تنفتح فيه إذا قلت يفعل، قلت حروفه أو كثرت، إلا أن يتحرك ما بعد الفاء فيستغنى عن الألف كما ذكرت لك.
فمن تلك الأفعال: ضرب وعلم وكرم، وتقول إذا أمرت: اضرب زيداً، اعلم ذاك، اكرم يا زيد؛ لأنك تقول: يضرب ويعلم ويكرم، فالياء من جميع هذا مفتوحة.
وتقول: يا زيد اضرب عمراً فتسقط الألف؛ كما قال عز وجل: {قل ادعوا الله}، وكما قال: {واعلموا أنما غنمتم من شيءٍ} لأن الواو لحقت فسقطت الألف.
وكذلك تقول: انطلق يا زيد، وقد انطلقت يا زيد؛ لأن الألف موصولة؛ لأنك تقول في المضارع: ينطلق فتنفتح الياء، وكذلك إذا قال: استخرجت مالاً، واستخرج إذا أمرت؛ لأنك تقول: يستخرج. وكل فعلٍ لم نذكره تلحقه هذه العلة فهذا مجراه.
فأما تفاعل يتفاعل، وتفعل يتفعل: نحو: تقاعس الرجل، وتقدم الرجل فإن ألف الوصل لا تلحقه وإن كانت الياء مفتوحة في يتقدم، وفي يتقاعس؛ لأن الحرف الذي بعدها متحرك وإنما تلحق الألف لسكون ما بعدها.
فإن كان يفعل مضموم الياء لك تكن الألف إلا مقطوعة، لأنها تثبت كثبات الأصل إذ كان ضم الياء من يفعل إنما يكون لما وليه حرفٌ من الأصل؛ وذلك ما كان على أفعل؛ نحو: أكرم، وأحسن، وأعطى؛ لأنك تقول: يكرم، ويحسن، ويعطي، فتنضم الياء؛ كما تنضم في يدحرج ويهملج. فإنما تثبت الألف من أكرم؛ كما تثبت الدال من دحرج.
تقول: يا زيد أكرم عمراً، كما تقول: دحرج. قال الله عز وجل: {فاستمعوا له وأنصتوا} وقال: {وأحسن كما أحسن الله إليك} بالقطع.
وكان حق هذا أن يقال في المضارع: يؤكرم مثل يدحرج ويؤحسن. ولكن اطرحت الهمزة لما أذكره لك في موضعه إن شاء الله). [المقتضب: 2/86-87] (م)

تفسير قوله تعالى: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وسألته عن قوله زيد أسفل منك فقال هذا ظرف كقوله عز وجل: {والركب أسفل منكم} كأنه قال زيدٌ في مكانٍ أسفل من مكانك). [الكتاب: 3/289]
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب التضعيف في بنات الياء وذلك نحو عييت وحييت وأحييت
واعلم أن آخر المضاعف من بنات الياء يجري مجرى ما ليس فيه تضعيف من بنات الياء ولا تجعل بمنزلة المضاعف من غير الياء لأنها إذا كانت وحدها لاماً لم تكن بمنزلة اللام من غير الياء فكذلك إذا كانت مضاعفةً وذلك نحو يعيا ويحيا ويعيى ويحيى أجري ذلك مجرى يخشى ويخشي.
ومن ذلك محياً قالوه كما قالوا مخشىً.
فإذا وقع شيءٌ من التضعيف بالياء في موضع تلزم ياء يخشى فيه الحركة وياء يرمي لا تفارقهما فإن الإدغام جائزٌ فيه لأن اللام من يرمي ويخشى قد صارتا بمنزلة غير المعتل فلما ضاعفت صرت كأنك ضاعفت في غير بنات الياء حيث صحت اللام على الأصل وحدها وذلك قولك قد حي في هذا المكان وقد عي بأمره وإن شئت قلت قد حيي في هذا المكان وقد عيي بأمره والإدغام أكثر والأخرى عربيةً كثيرةً وسنبين هذا النحو إن شاء الله.
ومثل ذلك قد أحي البلد فإنما وقع التضعيف لأنك إذا قلت خشي أو رمي كانت الفتحة لا تفارق وصارت هذه الأحرف على الأصل
بمنزلة طرد وأطرد وحمد فلما ضاعفت صارت بمنزلة مد وأمد وود قال الله عز وجل: {ويحيا من حي عن بينة} ). [الكتاب: 4/395-396]
قال أبو فَيدٍ مُؤَرِّجُ بنُ عمروٍ السَّدُوسِيُّ (ت: 195هـ) : (الرَّكْبُ: رُكبانُ الإبِلِ خَاصَّةً, واحِدُهم راكِبٌ، مثلُ: شارِبٍ وشَرْبٍ). [شرح لامية العرب: --]
قال أبو عبيدةَ مَعمرُ بنُ المثنَّى التيمي (ت:209هـ): (
يتبعنهم سلفا على حمراتهم = أعداء بطن شعيبة الأوشال
..
قوله أعداء يريد النواحي واحدها عدي كما ترى مقصور وهو من قول الله عز وجل: {إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى} وهن جانبا النهر). [نقائض جرير والفرزدق: 280-281]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب تصرف الفعل إذا اجتمعت فيه حروف العلة

إذا بنيت الماضي من حييت فقلت: حيي يا فتى فأنت فيه مخير: إن شئت أدغمت، وإن شئت بينت.
تقول: قد حيّ في هذا الموضع، وقد حيي فيه.
أما الإدغام فيجب للزوم الفتحة آخر فَعَلَ، وأنه قد صار بالحركة بمنزلة غير المعتل؛ نحو: ردّ، وكرّ.
وأما ترك الإدغام؛ فلأنها الياء التي تعتل في يحيى، ويحيى، فلا تلزمها حركة؛ ألا ترى أنك تقول: هو يحيى زيدا، ولم يحي، فتجعل محذوفة، كما تحذف الحركة. وكذلك يحيا ونحوه؛ وقد فسرت لك من اتصال الفعل الماضي بالمضارع، وإجرائه عليه في باب أغزيت ونحوه ما يغنى عن إعادته.
ومن قال: حي يا فتى قال للجميع: حيّوا مثل: ردّ، وردّوا، لأنه قد صار بمنزلة الصحيح.
ومن قال: حيى فبين قال: حيوا للجماعة. وذلك؛ لأن الياء إذا انكسر ما قبلها لم تدخلها الضمة، كما لا تقول: هو يقضي، يا فتى، ولا هو قاضيٌ.
وكان أصلها حييوا على وزن علموا، فسكّنت والواو بعدها ساكنة، فحذفت لالتقاء الساكنين.
فمثل الإدغام قراءة بعض الناس {ويحيا من حي عن بينة} وهو أكثر وترك الإدغام: ( من حيى عن بينة ) وقد قرئ - بهما جميعا.
وكذلك قيل في الإدغام:

عيوا بأمرهمو كـمـا = عيّت ببيضتها الحمامه
وقال في ترك الإدغام:
وكنا حسبناهم فـوارس كـهـمـسٍ = حيوا بعد ما ماتوا من الدهر أعصرا
فإذا قلت: هو يَفْعَل لم يجز الإدغام البتّة. وذلك قولك: لن يعيى زيد، ولن يحيى أحد؛ لأن الحركة ليست بلازمة، وإنما تدخل للنصب. وإنما يلزم الإدغام بلزوم الحركة.
وكذلك قول الله عز وجل {أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيى الموتى}؛ لا يجوز الإدغام كما ذكرت لك). [المقتضب: 1/317]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) }

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:09 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:09 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:09 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:09 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل إن كنتم آمنتم باللّه وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (41)
موضع «أن» الثانية رفع، التقدير «فحكمه أن»، فهي في موضع خبر الابتداء، والغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي من ذلك قول الشاعر [امرؤ القيس]: [الوافر]
وقد طفت في الآفاق حتى = رضيت من الغنيمة بالإياب
وقال آخر: [البسيط]
ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه = أنّى توجّه والمحروم محروم
ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الرهن: «له غنمه وعليه حرمه» وقوله: «الصيام في الشتاء هو الغنيمة الباردة» فالشيء الذي يناله المسلمون من عدوهم بالسعي وإيجاف الخيل والركاب غنيمة، ولزم هذا الاسم هذا المعنى حتى صار عرفا له، والفيء مأخوذ من فاء إذا رجع وهو كل ما دخل على المسلمين من غير حرب ولا إيجاف كخراج الأرض وجزية الجماجم وخمس الغنيمة ونحو هذا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والزكوات أيضا مال على حدته، أحكامه منفردة دون أحكام هذين، قال سفيان الثوري وعطاء بن السائب: الغنيمة ما أخذ عنوة والفيء ما أخذ صلحا، وهذا قريب مما بيناه، وقال قتادة: الفيء والغنيمة شيء واحد فيهما الخمس، وهذه الآية التي في الأنفال ناسخة لقوله في سورة الحشر وما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى [الآية: 7] وذلك أن تلك كانت الحكم أولا، ثم أعطى الله أهلها الخمس فقط وجعل الأربعة الأخماس في المقاتلين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول ضعيف نص العلماء على ضعفه وأن لا وجه له من جهات، منها أن هذه السورة نزلت قبل سورة الحشر هذه ببدر، وتلك في بني النضير وقرى عرينة، ولأن الآيتين متفقتان وحكم الخمس وحكم تلك الآية واحد لأنها نزلت في بني النضير حين جلوا وهربوا وأهل فدك حين دعوا إلى صلح ونال المسلمون ما لهم دون إيجاف، وحكى ابن المنذر عن الشافعي أن في الفيء الخمس، وأنه كان في قرى عرينة زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن أربعة أخماسها كان للرسول صلى الله عليه وسلم خاصة دون المسلمين يضعها حيث شاء.
وقال أبو عبيدة: هذه الآية ناسخة لقوله في أول السورة قل الأنفال للّه والرّسول [الأنفال: 1] ولم يخمس رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم بدر فنسخ حكمه في ترك التخميس بهذه الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويظهر في قول علي بن أبي طالب في البخاري كانت لي شارق من نصيبي من المغنم ببدر وشارق أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخمس حينئذ أن غنيمة بدر خمست فإن كان ذلك فسد قول أبي عبيدة، ويحتمل أن يكون الخمس الذي ذكره علي بن أبي طالب من إحدى الغزوات التي كانت بين بدر وأحد، فقد كانت غزوة بني سليم وغزوة السويق وغزوة ذي أمر وغزوة نجران ولم يحفظ فيها قتال ولكن يمكن أن غنمت غنائم والله أعلم.
وقوله في هذه الآية من شيءٍ ظاهره عام ومعناه الخصوص، فأما الناض والمتاع والأطفال والنساء وما لا يؤكل لحمه من الحيوان ويصح تملكه فليس للإمام في جميع ذلك ما كثر منه وما قل كالخايط والمخيط إلا أن يأخذ الخمس ويقسم الباقي في أهل الجيش، وأما الأرض فقال فيها مالك: يقسمها الإمام إن رأى ذلك صوابا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، ولا يقسمها إن أداه اجتهاده إلى ذلك كما فعل عمر بأرض مصر سواد الكوفة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: لأن فعل عمر ليس بمخالف لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، إذ ليست النازلة واحدة بحسب قرائن الوقتين وحاجة الصحابة وقلتهم، وهذا كله انعكس في زمان عمر، وأما الرجال ومن شارف البلوغ من الصبيان فالإمام عند مالك وجمهور العلماء مخير فيهم على خمسة أوجه، منها القتل وهو مستحسن في أهل الشجاعة والنكاية، ومنها الفداء وهو مستحسن في ذي المنصب الذي ليس بشجاع ولا يخاف منه رأي ولا مكيدة لانتفاع المسلمين بالمال الذي يؤخذ منه، ومنها المن وهو مستحسن فيمن يرجى أن يحنو على أسرى المسلمين ونحو ذلك من القرائن، ومنها الاسترقاق، ومنها ضرب الجزية والترك في الذمة، وأما الطعام والغنم ونحوهما مما يؤكل فهو مباح في بلد العدو يأكله الناس فما بقي كان في المغنم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأما أربعة أخماس ما غنم فيقسمه الإمام على الجيش، ولا يختص بهذه الآية ذكر القسمة فأنا أختصره هنا، وأما الخمس فاختلف العلماء فيه، فقال مالك رحمه الله: الرأي فيه للإمام يلحقه ببيت الفيء ويعطي من ذلك البيت لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما رآه، كما يعطي منه اليتامى والمساكين وغيرهم، وإنما ذكر من ذكر على وجه التنبيه عليهم لأنهم من أهم من يدفع إليه، قال الزجّاج محتجا لمالك:
قال الله تعالى: يسئلونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خيرٍ فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السّبيل [البقرة: 215].
وللإمام بإجماع أن ينفق في غير هذه الأصناف إذا رأى ذلك، وقالت فرقة: كان الخميس يقسم على ستة أقسام، قسم لله وهو مردود على فقراء المسلمين أو على بيت الله، وقسم للنبي صلى الله عليه وسلم، وقسم لقرابته، وقسم لسائر من سمي، حكى القول منذر بن سعيد ورد عليه، قال أبو العالية الرياحي: كان النبي صلى الله عليه وسلم، يقبض من خمس الغنيمة قبضة فيجعلها للكعبة فذلك لله، ثم يقسم الباقي على خمسة، قسم له وقسم لسائر من سمي، وقال الحسن بن محمد وابن عباس وإبراهيم النخعي وقتادة والشافعي: قوله فأنّ للّه خمسه استفتاح كلام كما يقول الرجل لعبده قد أعتقك الله وأعتقتك على جهة التبرك وتفخيم الأمر، والدنيا كلها لله، وقسم الله وقسم الرسول واحد، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يقسم الخمس على خمسة أقسام كما تقدم، وقال ابن عباس أيضا فيما روى عنه الطبري، الخمس مقسوم على أربعة أقسام، وسهم الرسول صلى الله عليه وسلم، لقرابته وليس لله ولا للرسول شيء، وقالت فرقة: قسم الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد موته مردود على أهل الخمس القرابة وغيرها، وقالت فرقة: هو مردود على الجيش أصحاب الأربعة الأخماس، وقال علي بن أبي طالب: يلي الإمام منهم سهم الله ورسوله، وقالت فرقة: هو موقوف لشراء العدد وللكراء في سبيل الله، وقال إبراهيم النخعي وهو الذي اختاره أبو بكر وعمر فيه، وقال أصحاب الرأي: الخمس بعد النبي صلى الله عليه وسلم، مقسوم ثلاثة أقسام، قسم لليتامى، وقسم للمساكين وقسم لابن السبيل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يورث، فسقط سهمه وسهم ذوي القربى، وحجتهم فيه منع أبي بكر وعمر وعثمان لذوي القربى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولم يثبت المنع بل عورض بنو هاشم بأن قريشا قربى، وقيل لم يكن في مدة أبي بكر مغنم، وقال الشافعي: يعطى أهل الخمس منه ولا بد ويفضل الإمام أهل الحاجة ولكن لا يحرم صنفا منهم حرمانا تاما، وقول مالك رحمه الله: إن للإمام أن يعطي الأحوج وإن حرم الغير.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوصا من الغنيمة بثلاثة أشياء كان له خمس الخمس، وكان له سهم في سائر الأربعة الأخماس، وكان له صفيّ يأخذه قبل القسمة، دابة أو سيف، أو جارية ولا صفيّ لأحد بعده بإجماع إلا ما قال أبو ثور من أن الصفيّ باق للإمام، وهو قول معدود في شواذ الأقوال، وذوو القربى قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال علي بن الحسين وعبد الله بن الحسن وعبد الله بن عباس: هم بنو هاشم فقط، فقال مجاهد: كان آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس، قال ابن عباس: ولكن أبى ذلك علينا قومنا، وقالوا قريش كلها قربى، وقال الشافعي: هم بنو هاشم وبنو المطلب فقط، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن عفان وجبير بن مطعم في وقت قسمة سهم ذوي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب «إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ما فارقونا في جاهلية ولا في الإسلام».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: كانوا مع بني هاشم في الشعب وقالت فرقة: قريش كلها قربى، وروي عن علي بن الحسين وعبد الله بن محمد بن علي أنهما قالا: الآية كلها في قريش، والمراد يتامى قريش ومساكينها، وقالت فرقة: سهم القرابة بعد النبي صلى الله عليه وسلم موقوف على قرابته، وقد بعثه إليهم عمر بن عبد العزيز إلى بني هاشم وبني المطلب فقط، وقالت فرقة: هو لقرابة الإمام القائم بالأمر، وقال قتادة: كان سهم ذوي القربى طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حيا، فلما توفي جعل لولي الأمر بعده، وقاله الحسن بن أبي الحسن البصري، وحكى الطبري أيضا عن الحسن أنه قال: اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال قوم: سهم النبي صلى الله عليه وسلم للخليفة، وقال قوم: سهم النبي صلى الله عليه وسلم لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال قوم: سهم القرابة لقرابة الخليفة، فاجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدة، فكان على ذلك مدة أبي بكر رضي الله عنه، قال غير الحسن وعمر واليتامى الذين فقدوا آباءهم من الصبيان، واليتم في بني آدم من قبل الآباء وفي البهائم من قبل الأمهات، والمساكين الذين لا شيء لهم وهو مأخوذ من السكون وقلة الحراك، وابن السّبيل الرجل المجتاز الذي قد احتاج في سفر، وسواء كان غنيّا في بلده أو فقيرا فإنه ابن السبيل يسمى بذلك إما لأن السبيل تبرزه فكأنها تلده، وإما لملازمة السبيل كما قالوا ابن ماء وأخو سفر، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة ابن زنى» وقد تقدم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد اقتضبت فقه هذه الآية حسب الاختصار والله المستعان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وما في قوله أنّما غنمتم بمعنى الذي، وفي قوله غنمتم ضمير يعود عليها، وحكي عن الفراء أنه جوز أن تكون «ما» شرطية بتقدير أنه ما، وحذف هذا الضمير لا يجوز عند سيبويه إلا في الشعر، ومنه: إن من يدخل الكنيسة يوما وقرأ الجمهور «فأن لله» بفتح الهمزة، وقرأ الجعفي عن أبي بكر عن عاصم وحسين عن أبي عمرو «فإن» بكسر الهمزة، وقرأ الحسن «خمسه» بسكون الميم، وقوله تعالى: إن كنتم آمنتم باللّه الآية، قال الزجّاج عن فرقة: المعنى فاعلموا أن الله مولاكم إن كنتم، «فإن» متعلقة بهذا الوعد، وقال أيضا عن فرقة: إنها متعلقة بقوله واعلموا أنّما غنمتم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا هو الصحيح، لأن قوله واعلموا يتضمن بانقياد وتسليم لأمر الله في الغنائم فعلق «أن» بقوله واعلموا على هذا المعنى أي إن كنتم مؤمنين بالله فانقادوا وسلموا لأمر الله فيما أعلمكم به من حال قسمة الغنيمة، وقوله وما أنزلنا عطف على قوله باللّه والمشار إليه ب ما هو النصر والظهور الذي أنزله الله يوم بدر على نبيه وأصحابه، أي إن كنتم مؤمنين بالله وبهذه الآيات والعظائم الباهرة التي أنزلت يوم بدر، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى قرآن نزل يوم بدر أو في قصة يوم بدر على تكره في هذا التأويل الأخير.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحتمل أن يكون المعنى واعلموا أنما غنمتم يوم الفرقان يوم التقى الجمعان فإن خمسه لكذا وكذا إن كنتم آمنتم، أي فانقادوا لذلك وسلموا وهذا تأويل حسن في المعنى، ويعترض فيه الفصل بين الظرف وما تعلق به بهذه الجملة الكثيرة من الكلام، ويوم الفرقان معناه يوم الفرق بين الحق والباطل بإعزاز الإسلام وإذلال الشرك، والفرقان مصدر من فرق يفرق، والجمعان يريد جمع المسلمين وجمع الكفار، وهو يوم الوقعة التي قتل فيها صناديد قريش ببدر، ولا خلاف في ذلك، وعليه نص ابن عباس ومجاهد ومقسم والحسن بن علي وقتادة وغيرهم. وكانت يوم الجمعة السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة هذا قول جمهور الناس.
وقال أبو صالح: لتسع عشرة، وشك في ذلك عروة بن الزبير، وقال لتسع عشرة أو لسبع عشرة، والصحيح ما عليه الجمهور، وقوله عز وجل: واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ، يعضد أن قوله وما أنزلنا على عبدنا يراد به النصر والظفر، أي الآيات والعظائم من غلبة القليل الكثير، وذلك بقدرة الله تعالى الذي هو على كل شيء قدير). [المحرر الوجيز: 4/ 192-199]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إذ أنتم بالعدوة الدّنيا وهم بالعدوة القصوى والرّكب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي اللّه أمراً كان مفعولاً ليهلك من هلك عن بيّنةٍ ويحيى من حيّ عن بيّنةٍ وإنّ اللّه لسميعٌ عليمٌ (42)
العامل في إذ قوله التقى وبالعدوة شفير الوادي وحرفه الذي يتعذر المشي فيه بمنزلة رحا البير لأنها عدت ما في الوادي من ماء ونحوه أن يتجاوز الوادي أي منعته، ومنه قول الشاعر:
عدتني عن زيارتك العوادي = وحالت دونها حرب زبون
ولأنها ما عدا الوادي أي جاوزه، وتسمى الضفة والفضاء المساير للوادي عدوة للمجاورة، وهذه هي العدوة التي في الآية، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي «بالعدوة» بضم العين، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «بالعدوة» بكسر العين، وهما لغتان، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وقتادة وعمرو «بالعدوة» بفتح العين، ويمكن أن تكون تسمية بالمصدر، قال أبو الفتح: الذي في هذا أنها لغة ثالثة كقولهم في اللبن رغوة ورغوة ورغوة، وروى الكسائي: كلمته بحضرة فلان وحضرته إلى سائر نظائر، ذكر أبو الفتح كثيرا منها، وقوله الدّنيا والقصوى إنما بالإضافة إلى المدينة، وفي حرف ابن مسعود «إذ أنتم بالعدوة العليا وهم بالعدوة السفلى»، ووادي بدر آخذ بين الشرق والقبلة منحرف إلى البحر الذي هو قريب من ذلك الصقع، والمدينة من الوادي من موضع الوقعة منه في الشرق وبينهما مرحلتان، حدثني أبي أنه رأى هذه المواضع على ما وصفت وقال ابن عباس: بدر بين مكة والمدينة، والدّنيا من الدنو، والقصوى من القصو، وهو البعد، وكان القياس أن تكون القصيا لكنه من الشاذ، وقال الخليل في العين: شذت لفظتان وهما القصوى والفتوى، وكان القياس فيهما بالياء كالدنيا والعليا،
والرّكب بإجماع من المفسرين غير أبي سفيان، ولا يقال ركب إلا لركاب الإبل وهو من أسماء الجمع، وقد يجمع راكب عليه كصاحب وصحب وتاجر وتجر، ولا يقال ركب لما كثر جدا من الجموع.
وقال القتبي: الركب العشرة ونحوها، وهذا غير جيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قد قال «والثلاثة ركب» الحديث وقوله أسفل في موضع خفض تقديره في مكان أسفل كذا قال سيبويه، قال أبو حاتم: نصب «أسفل» على الظرف ويجوز «الركب أسفل» على معنى وموضع الركب أسفل أو الركب مستقرا أسفل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وكان الركب ومدبر أمره أبو سفيان بن حرب قد نكب عن بدر حين نذر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأخذ سيف البحر فهو أسفل بالإضافة إلى أعلى الوادي من حيث يأتي، وقال مجاهد في كتاب الطبري: أقبل أبو سفيان وأصحابه من الشام تجارا لم يشعروا بأصحاب بدر ولم يشعر أصحاب محمد بكفار قريش ولا كفار قريش بمحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى التقوا على ماء بدر من يسقي لهم كلهم، فاقتتلوا فغلبهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فأسروهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا تعقب، وكان من هذه الفرق شعور يبين من الوقوف على القصة بكمالها، وقوله ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد قال الطبري وغيره: لو تواعدتم على الاجتماع ثم علمتم كثرتهم وقلتكم لخالفتم ولم تجتمعوا معهم، وقال المهدوي: المعنى أي لاختلفتم بالقواطع والعوارض القاطعة بين الناس.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا نيل واضح، وإيضاحه أن المقصد من الآية نعمة الله وقدرته في قصة بدر وتيسيره ما يسر من ذلك، فالمعنى إذ هيأ الله لكم هذه الجمال ولو تواعدتم لها لاختلفتم إلا مع تيسير الذي تمم ذلك، وهذا كما تقول لصاحبك في أمر سناه الله دون تعب كثير: ولو بنينا على هذا وسعينا فيه لم يتم هكذا، ثم بين تعالى أن ذلك إنما كان بلطف الله عز وجل ليقضي اللّه أمراً أي لينفذ ويظهر أمرا قد قدره في الأول مفعولًا لكم بشرط وجودكم في وقت وجودكم، وذلك كله معدوم عنده، وقوله تعالى: ليهلك من هلك عن بيّنةٍ الآية، قال الطبري: المعنى ليقتل من قتل من كفار قريش وغيرهم ببيان من الله وإعذار بالرسالة، ويحيى أيضا ويعيش من عاش عن بيان منه أيضا وإعذار لا حجة لأحد عليه، فالهلاك والحياة على هذا التأويل حقيقتان، وقال ابن إسحاق وغيره: معنى ليهلك أي ليكفر، ويحيى أي ليؤمن، فالحياة والهلاك على هذا مستعارتان، والمعنى أن الله تعالى جعل قصة بدر عبرة وآية ليؤمن من آمن عن وضوح وبيان ويكفر أيضا من كفر عن مثل ذلك، وقرأ الناس «ليهلك» بكسر اللام الثانية وقرأ الأعمش «ليهلك» بفتح اللام، ورواها عصمة عن أبي بكر عن عاصم، و «البينة» صفة أي عن قضية بينة، واللام الأولى في قوله ليهلك رد على اللام في قوله ليقضي.
وقرأ ابن كثير في رواية قنبل وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص «من حيّ» بياء واحدة مشددة، وقرأ نافع وابن كثير في رواية البزي وعاصم في رواية أبي بكر «من حيي» بإظهار الياءين وكسر الأولى وفتح الثانية، قال من قرأ «حيّ» فلأن الياء قد لزمتها الحركة فصار الفعل بلزوم الحركة لها مشبها بالصحيح مثل عض وشم ونحوه، ألا ترى أن حذف الياء من جوار في الجر والرفع لا يطرد في حال النصب إذا قلت رأيت جواري لمشابهتها بالحركة سائر الحروف الصحاح، ومنه قوله كلّا إذا بلغت التّراقي [القيامة: 26]، وعلى نحو «حيّ» جاء قول الشاعر: [مجزوء الكامل]
عيّوا بأمرهم كما = عيّت ببيضتها الحمامه
ومنه قول لبيد: [الرمل]
سألتني جارتي عن أمتي = وإذا ما عيّ ذو اللب سأل
وقول المتلمس: [الطويل]
فهذا أوان العرض حيّ ذبابه = زنابيره والأزرق المتلمس
ويروى جن ذبابه،
قال أبو علي وغيره: هذا أن كل موضع تلزم الحركة فيه ياء مستقبلية فالإدغام في ماضيه جائز، ألا ترى أن قوله تعالى: على أن يحيي الموتى [الأحقاف: 33، القيامة: 40] لا يجوز الإدغام فيه لأن حركة النصب غير لازمة، ألا ترى أنها تزول في الرفع وتذهب في الجزم، ولا يلتفت إلى ما أنشد بعضهم لأنه بيت مجهول: [الكامل]
وكأنها بين النساء سبيكة = تمشي بسدة بيتها فتعي
قال أبو علي وأما قراءة من قرأ «حيي»، فبين ولم يدغم، فإن سيبويه قال: أخبرنا بهذه اللغة يونس، قال وسمعنا بعض العرب يقول أحيياء قال أبو حاتم: القراءة إظهار الياءين والإدغام حسن فاقرأ كيف تعلمت فإن اللغتين مشهورتان في كلام العرب، والخط فيه ياء واحدة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذه اللفظة استوعب أبو علي القول فيما تصرف من «حيي» كالحي الذي هو مصدر منه وغيره). [المحرر الوجيز: 4/ 199-204]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إذ يريكهم اللّه في منامك قليلاً ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكنّ اللّه سلّم إنّه عليمٌ بذات الصّدور (43) وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقلّلكم في أعينهم ليقضي اللّه أمراً كان مفعولاً وإلى اللّه ترجع الأمور (44)
المهدوي إذ نصب بتقدير واذكر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: أو بدل من إذ المتقدمة وهو أحسن، وتظاهرت الروايات أن هذه الآية نزلت في رؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى فيها عدد الكفار قليلا فأخبر بذلك أصحابه فقويت نفوسهم وحرضوا على اللقاء، فهذا معنى قوله في منامك أي في نومك قاله مجاهد وغيره.
وروي عن الحسن أن معنى قوله في منامك أي في عينك إذ هي موضع النوم، وعلى هذا التأويل تكون الرواية في اليقظة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا القول ضعيف، وعليه فسر النقاش وذكره عن المازني، والضمير على التأويلين من قوله يريكهم عائد على الكفار من أهل مكة، ومما يضعف ما روي عن الحسن أن معنى هذه الآية يتكرر في التي بعدها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مخاطب في الثانية أيضا، وقد تظاهرت الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم، انتبه وقال لأصحابه أبشروا فلقد نظرت إلى مصارع القوم، ونحو هذا، وقد كان علم أنهم ما بين التسعمائة إلى الألف، فكيف يراهم ببصره بخلاف ما علم، والظاهر أنه رآهم في نومه قليلا قدرهم وحالهم وبأسهم مهزومين مصروعين، ويحتمل أنه رآهم قليلا عددهم، فكان تأويل رؤياه انهزامهم، فالقلة والكثرة على الظاهر مستعارة في غير العدد، كما قالوا: المرء كثير بأخيه، إلى غير ذلك من الأمثلة، والفشل الخور عن الأمر، إما بعد التلبس وإما بعد العزم على التلبس ولتنازعتم أي لتخالفتم وفي الأمر يريد في اللقاء والحرب وسلّم لفظ يعم كل متخوف اتصل بالأمر أو عرض في وجهه فسلم الله من ذلك كله، وعبر بعض الناس أن قال «سلم لكم أمركم» ونحو هذا مما يندرج فيما ذكرناه، وقوله إنّه عليمٌ بذات الصّدور أي بإيمانكم وكفركم فيجازي بحسب ذلك،
وقرأ الجمهور من الناس «ولكنّ الله سلم» بشد النون ونصب المكتوبة وقرأت فرقة «ولكن الله» برفع المكتوبة). [المحرر الوجيز: 4/ 204-206]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله وإذ يريكموهم إذ التقيتم الآية، وإذ عطف على الأولى، وهذه الرؤية هي في اليقظة بإجماع، وهي الرؤية التي كانت حين التقوا ووقعت العين على العين، والمعنى أن الله تعالى لما أراد من إنفاذ قضائه في نصرة الإسلام وإظهاره قلل كل طائفة في عيون الأخرى، فوقع الخلل في التخمين والحزر الذي يستعمله الناس في هذا التجسد كل طائفة على الأخرى وتتسبب أسباب الحرب، وروي في هذا عن عبد الله بن مسعود أنه قال: لقد قلت ذلك اليوم لرجل إلى جنبي أتظنهم سبعين؟ قال بل هم مائة، قال فلما هزمناهم أسرنا منهم رجلا فقلنا كم كنتم؟ قال ألفا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويرد على هذا المعنى في التقليل ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأل عما ينحرون كل يوم، فأخبر أنهم يوما عشرا ويوما تسعا، قال هم ما بين التسعمائة إلى الألف، فإما أن عبد الله ومن جرى مجراه لم يعلم بمقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما أن نفرض التقليل الذي في الآية تقليل القدر والمهابة والمنزلة من النجدة، وتقدم في مثل قوله ليقضي اللّه أمراً كان مفعولًا، والأمر المفعول المذكور في الآيتين هو للقصة بأجمعها، وذهب بعض الناس إلى أنهما لمعنيين من معاني القصة والعموم أولى، وقوله وإلى اللّه ترجع الأمور تنبيه على أن الحول بأجمعه لله وأن كل أمر فله وإليه، وقرأ الحسن وعيسى بن عمر والأعمش «ترجع» بفتح التاء وكسر الجيم، قال أبو حاتم: وهي قراءة عامة الناس، وقرأ الأعرج وابن كثير وأبو عمرو ونافع وغيرهم «ترجع» بضم التاء وفتح الجيم). [المحرر الوجيز: 4/ 206]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:10 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 18 شعبان 1435هـ/16-06-2014م, 02:10 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل إن كنتم آمنتم باللّه وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (41)}
يبيّن تعالى تفصيل ما شرعه مخصّصًا لهذه الأمّة الشّريفة، من بين سائر الأمم المتقدّمة، من إحلال المغانم. و"الغنيمة": هي المال المأخوذ من الكفّار بإيجاف الخيل والرّكاب. و"الفيء": ما أخذ منهم بغير ذلك، كالأموال الّتي يصالحون عليها، أو يتوفّون عنها ولا وارث لهم، والجزية والخراج ونحو ذلك. هذا مذهب الإمام الشّافعيّ في طائفةٍ من علماء السّلف والخلف.
ومن العلماء من يطلق الفيء على ما تطلق عليه الغنيمة، والغنيمة على الفيء أيضًا؛ ولهذا ذهب قتادة إلى أنّ هذه الآية ناسخةٌ لآية "الحشر": {ما أفاء اللّه على رسوله من أهل القرى فللّه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين} الآية [الحشر: 7]، قال: فنسخت آية "الأنفال" تلك، وجعلت الغنائم: أربعة أخماسها للمجاهدين، وخمسًا منها لهؤلاء المذكورين. وهذا الّذي قاله بعيدٌ؛ لأنّ هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر، وتلك نزلت في بني النّضير، ولا خلاف بين علماء السّير والمغازي قاطبةً أنّ بني النّضير بعد بدرٍ، هذا أمرٌ لا يشكّ فيه ولا يرتاب، فمن يفرّق بين معنى الفيء والغنيمة يقول: تلك نزلت في أموال الفيء وهذه في المغانم. ومن يجعل أمر المغانم والفيء راجعًا إلى رأي الإمام يقول: لا منافاة بين آية الحشر وبين التّخميس إذا رآه الإمام، واللّه أعلم.
وقوله تعالى: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه} توكيدٌ لتخميس كلّ قليلٍ وكثيرٍ حتّى الخيط والمخيط، قال اللّه تعالى: {ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ثمّ توفّى كلّ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون} [آل عمران: 161].
وقوله: {فأنّ للّه خمسه وللرّسول} اختلف المفسّرون هاهنا، فقال بعضهم: للّه نصيبٌ من الخمس يجعل في الكعبة.
قال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية الرّياحي قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يؤتى بالغنيمة فيقسّمها على خمسةٍ، تكون أربعة أخماسٍ لمن شهدها، ثمّ يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه، فيأخذ منه الّذي قبض كفّه، فيجعله للكعبة وهو سهم اللّه. ثمّ يقسّم ما بقي على خمسة أسهمٍ، فيكون سهمٌ للرّسول، وسهمٌ لذوي القربى، وسهمٌ لليتامى، وسهمٌ للمساكين، وسهمٌ لابن السّبيل
وقال آخرون: ذكر اللّه هاهنا استفتاح كلام للتبرك، وسهم لرسوله عليه السلام
قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا بعث سريّة فغنموا، خمّس الغنيمة، فضرب ذلك الخمس في خمسةٍ. ثمّ قرأ: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول} [قال: وقوله] {فأنّ للّه خمسه} مفتاح كلام، لله ما في السموات وما في الأرض، فجعل سهم اللّه وسهم الرّسول واحدًا.
وهكذا قال إبراهيم النّخعي، والحسن بن محمد ابن الحنفيّة. والحسن البصريّ، والشّعبيّ، وعطاء بن أبي رباحٍ، وعبد اللّه بن بريدة وقتادة، ومغيرة، وغير واحدٍ: أنّ سهم اللّه ورسوله واحدٌ.
ويؤيّد هذا ما رواه الإمام الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ بإسنادٍ صحيحٍ، عن عبد اللّه بن شقيقٍ، عن رجلٍ من بلقين قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وهو بوادي القرى، وهو يعرض فرسًا، فقلت: يا رسول اللّه، ما تقول في الغنيمة؟ فقال: "للّه خمسها، وأربعة أخماسٍ للجيش". قلت: فما أحدٌ أولى به من أحدٍ؟ قال: " لا ولا السّهم تستخرجه من جنبك، ليس أنت أحقّ به من أخيك المسلم"
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا عمران بن موسى، حدّثنا عبد الوارث، حدّثنا أبانٌ، عن الحسن قال: أوصى أبو بكرٍ بالخمس من ماله، وقال: ألا أرضى من مالي بما رضي اللّه لنفسه
ثمّ اختلف قائلو هذا القول، فروى عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: كانت الغنيمة تقسّم على خمسة أخماسٍ، فأربعةٌ منها بين من قاتل عليها، وخمسٌ واحدٌ يقسّم على أربعةٍ فربعٌ للّه وللرّسول ولذي القربى -يعني: قرابة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. فما كان للّه وللرّسول فهو لقرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ولم يأخذ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من الخمس شيئًا، [والرّبع الثّاني لليتامى، والرّبع الثّالث للمساكين، والرّبع الرّابع لابن السّبيل].
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو معمر المنقري، حدّثنا عبد الوارث بن سعيدٍ، عن حسينٍ المعلّم، عن عبد اللّه بن بريدة في قوله: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول} قال: الّذي للّه فلنبيّه، والّذي للرّسول لأزواجه.
وقال عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاءٍ بن أبي رباحٍ قال: خمس اللّه والرّسول واحدٌ، يحمل منه ويصنع فيه ما شاء -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا أعمّ وأشمل، وهو أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم يتصرّف في الخمس الّذي جعله اللّه له بما شاء، ويردّه في أمّته كيف شاء -ويشهد لهذا ما رواه الإمام أحمد حيث قال:
حدّثنا إسحاق بن عيسى، حدّثنا إسماعيل بن عيّاشٍ، عن أبي بكر بن عبد اللّه بن أبي مريم، عن أبي سلّامٍ الأعرج، عن المقدام بن معد يكرب الكنديّ: أنّه جلس مع عبادة بن الصّامت، وأبي الدّرداء، والحارث بن معاوية الكنديّ، رضي اللّه عنهم، فتذاكروا حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال أبو الدّرداء لعبادة: يا عبادة، كلمات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزوة كذا وكذا في شأن الأخماس؟ فقال عبادة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى بهم في غزوةٍ إلى بعيرٍ من المغنم، فلمّا سلّم قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فتناول وبرة بين أنملتيه فقال: "إنّ هذه من غنائمكم، وإنّه ليس لي فيها إلّا نصيبي معكم إلّا الخمس، والخمس مردودٌ عليكم، فأدّوا الخيط والمخيط، وأكبر من ذلك وأصغر، ولا تغلّوا، فإنّ الغلول نارٌ وعارٌ على أصحابه في الدّنيا والآخرة، وجاهدوا النّاس في اللّه القريب والبعيد، ولا تبالوا في اللّه لومة لائمٍ، وأقيموا حدود اللّه في الحضر والسّفر، وجاهدوا في [سبيل] اللّه، فإنّ الجهاد بابٌ من أبواب الجنّة [عظيمٌ] ينجّي به اللّه من الهمّ والغمّ"
هذا حديثٌ حسنٌ عظيمٌ، ولم أره في شيءٍ من الكتب السّتّة من هذا الوجه. ولكن روى الإمام أحمد أيضًا، وأبو داود، والنّسائيّ، من حديث عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جده عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه في قصّة الخمس والنّهي عن الغلول
وعن عمرو بن عبسة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى بهم إلى بعيرٍ من المغنم، فلمّا سلّم أخذ وبرةً من ذلك البعير ثمّ قال: "ولا يحلّ لي من غنائمكم مثل هذه، إلّا الخمس، والخمس مردودٌ فيكم". رواه أبو داود والنّسائيّ
وقد كان للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من المغانم شيءٌ يصطفيه لنفسه عبدًا أو أمةً أو فرسًا أو سيفًا أو نحو ذلك، كما نصّ على ذلك محمّد بن سيرين وعامرٌ الشّعبيّ، وتبعهما على ذلك أكثر العلماء.
وروى الإمام أحمد، والتّرمذيّ -وحسّنه -عن ابن عبّاسٍ: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدرٍ، وهو الّذي رأى فيه الرّؤيا يوم أحدٍ
وعن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: كانت صفيّة من الصّفيّ. رواه أبو داود في سننه
وروى أيضًا بإسناده، والنّسائيّ أيضًا عن يزيد بن عبد اللّه قال: كنّا بالمربد إذ دخل رجلٌ معه قطعة أديمٍ، فقرأناها فإذا فيها: "من محمّدٍ رسول اللّه إلى بني زهير بن أقيشٍ، إنّكم إن شهدتم أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّدًا رسول اللّه، وأقمتم الصّلاة، وآتيتم الزّكاة، وأدّيتم الخمس من المغنم، وسهم النّبيّ وسهم الصّفيّ، أنتم آمنون بأمان اللّه ورسوله". فقلنا: من كتب لك هذا؟ فقال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم
فهذه أحاديث جيّدةٌ تدلّ على تقرّر هذا وثبوته؛ ولهذا جعل ذلك كثيرون من الخصائص له صلوات اللّه وسلامه عليه.
وقال آخرون: إنّ الخمس يتصرّف فيه الإمام بالمصلحة للمسلمين، كما يتصرّف في مال الفيء.
وقال شيخنا الإمام العلّامة ابن تيميّة، رحمه اللّه: وهذا قول مالكٍ وأكثر السّلف، وهو أصحّ الأقوال.
فإذا ثبت هذا وعلم، فقد اختلف أيضًا في الّذي كان يناله عليه السّلام من الخمس، ماذا يصنع به من بعده؟ فقال قائلون: يكون لمن يلي الأمر من بعده. روي هذا عن أبي بكر وعلي وقتادة جماعة، وجاء فيه حديثٌ مرفوعٌ
وقال آخرون: يصرف في مصالح المسلمين.
وقال آخرون: بل هو مردودٌ على بقيّة الأصناف: ذوي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السّبيل، اختاره ابن جريرٍ.
وقال آخرون: بل سهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وسهم ذوي القربى مردودان على اليتامى والمساكين وابن السّبيل.
قال ابن جريرٍ: وذلك قول جماعةٍ من أهل العراق.
وقيل: إنّ الخمس جميعه لذوي القربى كما رواه ابن جرير.
حدّثنا الحارث، حدّثنا عبد العزيز، حدّثنا عبد الغفّار، حدّثنا المنهال بن عمرٍو، وسألت عبد اللّه بن محمّد بن عليٍّ، وعليّ بن الحسين، عن الخمس فقالا هو لنا. فقلت لعليٍّ: فإنّ اللّه يقول: {واليتامى والمساكين وابن السّبيل} فقالا يتامانا ومساكيننا.
وقال سفيان الثّوريّ، وأبو نعيم، وأبو أسامة، عن قيس بن مسلم: سألت الحسن بن محمد ابن الحنفيّة، رحمه اللّه تعالى، عن قول اللّه تعالى: {واعلموا أنّما غنمتم من شيءٍ فأنّ للّه خمسه وللرّسول} قال هذا مفتاح كلامٍ، للّه الدّنيا والآخرة. ثمّ اختلف النّاس في هذين السّهمين بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال قائلون: سهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تسليمًا للخليفة من بعده. وقال قائلون: لقرابة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. وقال قائلون: سهم القرابة لقرابة الخليفة. فاجتمع قولهم على أن يجعلوا هذين السّهمين في الخيل والعدة في سبيل اللّه، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكرٍ وعمر، رضي اللّه عنهما
قال الأعمش، عن إبراهيم كان أبو بكرٍ وعمر يجعلان سهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الكراع والسّلاح، فقلت لإبراهيم: ما كان عليٌّ يقول فيه؟ قال: كان [عليٌّ] أشدّهم فيه.
وهذا قول طائفةٍ كثيرةٍ من العلماء، رحمهم اللّه.
وأمّا سهم ذوي القربى فإنّه يصرف إلى بني هاشمٍ وبني المطّلب؛ لأنّ بني المطّلب وازروا بني هاشمٍ في الجاهليّة [وفي أوّل الإسلام] ودخلوا معهم في الشّعب غضبًا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وحمايةً له: مسلمهم طاعةً للّه ولرسوله، وكافرهم حميّة للعشيرة وأنفةً وطاعةً لأبي طالبٍ عمّ رسول اللّه. وأمّا بنو عبد شمسٍ وبنو نوفلٍ -وإن كانوا أبناء عمّهم -فلم يوافقوهم على ذلك، بل حاربوهم ونابذوهم، ومالئوا بطون قريشٍ على حرب الرّسول؛ ولهذا كان ذمّ أبي طالبٍ لهم في قصيدته اللّاميّة أشدّ من غيرهم، لشدّة قربهم. ولهذا يقول في أثناء قصيدته
جزى الله عنّا عبد شمس ونوفلاعقوبة شرٍّ عاجلٍ غير آجل
بميزان قسط لا يخيس شعيرةله شاهدٌ من نفسه غير عائل
لقد سفهت أحلام قوم تبدّلوابني خلف قيضا بنا والغياطل
ونحن الصّميم من ذؤابة هاشموآل قصى في الخطوب الأوائل
وقال جبير بن مطعم بن عديّ [بن نوفلٍ] مشيت أنا وعثمان بن عفّان -يعني ابن أبي العاص بن أميّة بن عبد شمسٍ -إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلنا: يا رسول اللّه، أعطيت بني المطّلب من خمس خيبر وتركتنا، ونحن وهم منك بمنزلةٍ واحدةٍ، فقال: "إنّما بنو هاشمٍ وبنو عبد المطّلب شيءٌ واحدٌ".
رواه مسلمٌ وفي بعض روايات هذا الحديث: "إنّهم لم يفارقونا في جاهليّةٍ ولا إسلامٍ"
وهذا قول جمهور العلماء أنّهم بنو هاشمٍ وبنو المطّلب.
قال ابن جريرٍ: وقال آخرون: هم بنو هاشمٍ. ثمّ روى عن خصيف، عن مجاهدٍ قال: علم اللّه أنّ في بني هاشمٍ فقراء، فجعل لهم الخمس مكان الصّدقة.
وفي روايةٍ عنه قال: هم قرابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذين لا تحلّ لهم الصّدقة.
ثمّ روي عن عليّ بن الحسين نحو ذلك.
قال ابن جريرٍ: وقال آخرون: بل هم قريشٌ كلّها.
حدّثني يونس بن عبد الأعلى، حدّثني عبد اللّه بن نافعٍ، عن أبي معشر، عن سعيدٍ المقبري قال: كتب نجدة إلى عبد اللّه بن عبّاسٍ يسأله عن "ذي القربى"، فكتب إليه ابن عبّاسٍ: كنّا نقول: إنّا هم فأبى ذلك علينا قومنا، وقالوا: قريشٌ كلّها ذوو قربى
وهذا الحديث في صحيح مسلمٍ، وأبي داود، والتّرمذيّ، والنّسائيّ من حديث سعيدٍ المقبريّ عن يزيد بن هرمز أنّ نجدة كتب إلى ابن عبّاسٍ يسأله عن ذوي القربى فذكره إلى قوله: "فأبى ذلك علينا قومنا" والزّيادة من أفراد أبي معشرٍ نجيح بن عبد الرّحمن المدنيّ، وفيه ضعفٌ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا إبراهيم بن مهديٍّ المصّيصيّ، حدّثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حنش، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "رغبت لكم عن غسالة الأيدي؛ لأنّ لكم من خمس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم".
هذا حديثٌ حسن الإسناد، وإبراهيم بن مهديٍّ هذا وثّقه أبو حاتمٍ، وقال يحيى بن معين يأتي بمناكير واللّه أعلم.
وقوله: {واليتامى} أي: يتامى المسلمين. واختلف العلماء هل يختصّ بالأيتام الفقراء، أو يعمّ الأغنياء والفقراء؟ على قولين.
و {المساكين} هم المحاويج الّذين لا يجدون ما يسدّ خلّتهم ومسكنتهم.
{وابن السّبيل} هو المسافر، أو المريد للسّفر، إلى مسافةٍ تقصر فيها الصّلاة، وليس له ما ينفقه في سفره ذلك. وسيأتي تفسير ذلك في آية الصّدقات من سورة "براءة"، إن شاء اللّه تعالى، وبه الثّقة، وعليه التّكلان.
وقوله: {إن كنتم آمنتم باللّه وما أنزلنا على عبدنا} أي: امتثلوا ما شرعنا لكم من الخمس في الغنائم، إن كنتم تؤمنون باللّه واليوم الآخر وما أنزل على رسوله؛ ولهذا جاء في الصّحيحين، من حديث عبد اللّه بن عبّاسٍ، في حديث وفد عبد القيس: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: "وآمركم بأربعٍ وأنهاكم عن أربعٍ: آمركم بالإيمان باللّه ثمّ قال: هل تدرون ما الإيمان باللّه؟ شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّدًا رسول اللّه، وإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة، وأن تؤدّوا الخمس من المغنم.." الحديث بطوله فجعل أداء الخمس من جملة الإيمان، وقد بوّب البخاريّ على ذلك في "كتاب الإيمان" من صحيحه فقال: (باب أداء الخمس من الإيمان)، ثمّ أورد حديث ابن عبّاسٍ هذا، وقد بسطنا الكلام عليه في "شرح البخاريّ" وللّه الحمد والمنّة
وقال مقاتل بن حيّان: {وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان} أي: في القسمة، وقوله: {يوم التقى الجمعان واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} ينبّه تعالى على نعمته وإحسانه إلى خلقه بما فرق به بين الحقّ والباطل ببدرٍ ويسمّى "الفرقان"؛ لأنّ اللّه تعالى أعلى فيه كلمة الإيمان على كلمة الباطل، وأظهر دينه ونصر نبيّه وحزبه.
قال عليّ بن أبي طالبٍ والعوفي، عن ابن عبّاسٍ: {يوم الفرقان} يوم بدرٍ، فرق اللّه فيه بين الحقّ والباطل. رواه الحاكم.
وكذا قال مجاهدٌ، ومقسم وعبيد اللّه بن عبد اللّه، والضّحّاك، وقتادة، ومقاتل بن حيّان، وغير واحدٍ: أنّه يوم بدرٍ.
وقال عبد الرّزّاق، عن معمر، عن الزّهريّ، عن عروة بن الزّبير في قوله: {يوم الفرقان} يوم فرق اللّه [فيه] بين الحقّ والباطل، وهو يوم بدرٍ، وهو أوّل مشهدٍ شهده رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة، فالتقوا يوم الجمعة لتسع عشرة -أو: سبع عشرة -مضت من رمضان، وأصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومئذٍ ثلثمائةٍ وبضعة عشر رجلًا والمشركون ما بين الألف والتّسعمائة.
فهزم اللّه المشركين، وقتل منهم زيادةٌ على السّبعين، وأسر منهم مثل ذلك.
وقد روى الحاكم في مستدركه، من حديث الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن ابن مسعودٍ، قال في ليلة القدر: تحرّوها لإحدى عشرة يبقين فإنّ صبيحتها يوم بدرٍ. وقال: على شرطهما
وروي مثله عن عبد اللّه بن الزّبير أيضًا، من حديث جعفر بن برقان، عن رجلٍ، عنه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا يحيى بن واضحٍ، حدّثنا يحيى بن يعقوب أبو طالبٍ، عن ابن عون محمّد بن عبيد اللّه الثّقفيّ عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ قال: قال الحسن بن عليٍّ: كانت ليلة "الفرقان يوم التقى الجمعان" لسبع عشرة من رمضان إسنادٌ جيّدٌ قويٌّ.
ورواه ابن مردويه، عن أبي عبد الرّحمن عبد اللّه بن حبيبٍ، عن عليٍّ قال: كانت ليلة الفرقان، ليلة التقى الجمعان، في صبيحتها ليلة الجمعة لسبع عشر مضت من شهر رمضان.
وهو الصّحيح عند أهل المغازي والسّير.
وقال يزيد بن أبي حبيبٍ إمام أهل الدّيار المصريّة في زمانه: كان يوم بدرٍ يوم الاثنين ولم يتابع على هذا، وقول الجمهور مقدّمٌ عليه، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 59-66]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إذ أنتم بالعدوة الدّنيا وهم بالعدوة القصوى والرّكب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بيّنةٍ ويحيا من حيّ عن بيّنةٍ وإنّ اللّه لسميعٌ عليمٌ (42)}
يقول تعالى [مخبرًا] عن يوم الفرقان: {إذ أنتم بالعدوة الدّنيا} أي: إذ أنتم نزولٌ بعدوة الوادي الدّنيا القريبة إلى المدينة، {وهم} أي: المشركون نزولٌ {بالعدوة القصوى} أي: البعيدة الّتي من ناحية مكّة، {والرّكب} أي: العير الّذي فيه أبو سفيان بما معه من التّجارة {أسفل منكم} أي: ممّا يلي سيف البحر {ولو تواعدتم} أي: أنتم والمشركون إلى مكان {لاختلفتم في الميعاد}
قال محمّد بن إسحاق: وحدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه في هذه الآية قال: ولو كان ذلك عن ميعادٍ منكم ومنهم، ثمّ بلغكم كثرة عددهم وقلّة عددكم، ما لقيتموهم، {ولكن ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولا} أي: ليقضي اللّه ما أراد بقدرته من إعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشّرك وأهله، عن غير ملأٍ منكم، ففعل ما أراد من ذلك بلطفه.
وفي حديث كعب بن مالكٍ قال: إنّما خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريشٍ، حتّى جمع اللّه بينهم وبين عدوّهم على غير ميعادٍ
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب، حدّثني ابن عليّة، عن ابن عونٍ، عن عمير بن إسحاق قال: أقبل أبو سفيان في الرّكب من الشّام، وخرج أبو جهلٍ ليمنعه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، فالتقوا ببدرٍ، لا يشعر هؤلاء بهؤلاء، ولا هؤلاء بهؤلاء، حتّى التقت السّقاة، ونهد النّاس بعضهم لبعضٍ
وقال محمّد بن إسحاق في السّيرة: ومضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على وجهه ذلك حتّى إذا كان قريبًا من "الصّفراء" بعث بسبس بن عمرٍو، وعديّ بن أبي الزّغباء الجهنيين، يلتمسان الخبر عن أبي سفيان، فانطلقا حتّى إذا وردا بدرًا فأناخا بعيريهما إلى تلٍّ من البطحاء، فاستقيا في شنٍّ لهما من الماء، فسمعا جاريتين يختصمان، تقول إحداهما لصاحبتها: اقضيني حقّي. وتقول الأخرى: إنّما تأتي العير غدًا أو بعد غدٍ، فأقضيك حقّك. فخلّص بينهما مجدي بن عمرٍو، وقال: صدقت، فسمع ذلك بسبس وعديّ، فجلسا على بعيريهما، حتّى أتيا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخبراه الخبر. وأقبل أبو سفيان حين ولّيا وقد حذر، فتقدّم أمام عيره وقال لمجديّ بن عمرٍو: هل أحسست على هذا الماء من أحدٍ تنكره؟ فقال: لا واللّه، إلّا أنّي قد رأيت راكبين أناخا إلى هذا التّلّ، فاستقيا في شنّ لهما، ثمّ انطلقا. فجاء أبو سفيان إلى مناخ بعيريهما، فأخذ من أبعارهما، ففتّه، فإذا فيه النّوى، فقال: هذه واللّه علائف يثرب. ثمّ رجع سريعًا فضرب وجه عيره، فانطلق بها فساحل حتّى إذا رأى أن قد أحرز عيره بعث إلى قريشٍ فقال: إنّ اللّه قد نجّى عيركم وأموالكم ورجالكم، فارجعوا.
فقال أبو جهلٍ: واللّه لا نرجع حتّى نأتي بدرًا -وكانت بدر سوقًا من أسواق العرب -فنقيم بها ثلاثًا، فنطعم بها الطّعام، وننحر بها الجزر ونسقى بها الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع بنا العرب وبسيرنا، فلا يزالون يهابوننا بعدها أبدًا.
فقال الأخنس بن شريق: يا معشر بني زهرة، إنّ اللّه قد نجّى أموالكم، ونجّى صاحبكم، فارجعوا. فأطاعوه، فرجعت بنو زهرة، فلم يشهدوها ولا بنو عدي
قال محمّد بن إسحاق: وحدّثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزّبير قال: وبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -حين دنا من بدرٍ -عليّ بن أبي طالبٍ، وسعد بن أبي وقّاصٍ، والزّبير بن العوّام، في نفرٍ من أصحابه، يتجسّسون له الخبر فأصابوا سقاةً لقريشٍ: غلامًا لبني سعيد بن العاص، وغلامًا لبني الحجّاج، فأتوا بهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فوجدوه يصلّي، فجعل أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يسألونهما: لمن أنتما؟ فيقولان: نحن سقاة لقريشٍ، بعثونا نسقيهم من الماء. فكره القوم خبرهما، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان، فضربوهما فلمّا ذلقوهما قالا نحن لأبي سفيان. فتركوهما، وركع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسجد سجدتين، ثمّ سلّم وقال: "إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما. صدقا، واللّه إنّهما لقريشٍ، أخبراني عن قريشٍ". قالا هم وراء هذا الكثيب الّذي ترى بالعدوة القصوى -والكثيب: العقنقل -فقال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كم القوم؟ " قالا كثيرٌ. قال: "ما عدّتهم؟ " قالا ما ندري. قال: "كم ينحرون كلّ يومٍ؟ " قالا يومًا تسعًا، ويومًا عشرًا، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "القوم ما بين التّسعمائة إلى الألف". ثمّ قال لهما: "فمن فيهم من أشراف قريشٍ؟ " قالا عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختري بن هشامٍ، وحكيم بن حزام، ونوفل بن خويلدٍ، والحارث بن عامر بن نوفلٍ، وطعيمة بن عديّ بن [نوفلٍ، والنّضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشامٍ، وأميّة] بن خلفٍ، ونبيه ومنبّه ابنا الحجّاج، وسهيل بن عمرٍو، وعمرو بن عبد ودٍّ. فأقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على النّاس فقال: "هذه مكّة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها"
قال محمّد بن إسحاق، رحمه اللّه تعالى: وحدّثني عبد اللّه بن أبي بكر بن حزمٍ: أنّ سعد بن معاذٍ قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لمّا التقى النّاس يوم بدرٍ: يا رسول اللّه، ألا نبني لك عريشًا تكون فيه، وننيخ إليك ركائبك، ونلقى عدوّنا، فإن أظفرنا اللّه عليهم وأعزّنا فذاك ما نحب، فقال: وإن تكن الأخرى فتجلس على ركائبك، وتلحق بمن وراءنا من قومنا، فقد -واللّه-تخلّف عنك أقوامٌ ما نحن بأشدّ لك حبًّا منهم، لو علموا أنّك تلقى حربًا ما تخلّفوا عنك، ويوادّونك وينصرونك. فأثنى عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خيرًا، ودعا له به. فبني له عريشٌ، فكان فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأبو بكرٍ، ما معهما غيرهما
قال ابن إسحاق: وارتحلت قريشٌ حين أصبحت، فلمّا أقبلت ورآها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تصوّب من العقنقل -وهو الكثيب -الّذي جاءوا منه إلى الوادي قال: "اللّهمّ هذه قريشٌ قد أقبلت بفخرها وخيلائها تحادّك وتكذّب رسولك، اللّهمّ أحنهم الغداة"
وقوله: {ليهلك من هلك عن بيّنةٍ ويحيى من حيّ عن بيّنةٍ} قال محمد بن إسحاق: أي ليكفر من كفر بعد الحجّة، لما رأى من الآية والعبرة، ويؤمن من آمن على مثل ذلك.
وهذا تفسيرٌ جيّدٌ. وبسط ذلك أنّه تعالى يقول: إنّما جمعكم مع عدوّكم في مكانٍ واحدٍ على غير ميعادٍ، لينصركم عليهم، ويرفع كلمة الحقّ على الباطل، ليصير الأمر ظاهرًا، والحجّة قاطعةً، والبراهين ساطعةً، ولا يبقى لأحدٍ حجّةٌ ولا شبهةٌ، فحينئذٍ {يهلك من هلك} أي: يستمرّ في الكفر من استمرّ فيه على بصيرةٍ من أمره أنّه مبطلٌ، لقيام الحجّة عليه، {ويحيى من حيّ} أي: يؤمن من آمن {عن بيّنةٍ} أي: حجّةٍ وبصيرةٍ. والإيمان هو حياة القلوب، قال اللّه تعالى: {أومن كان ميتًا فأحييناه وجعلنا له نورًا يمشي به في النّاس} [الأنعام: 122]،وقالت عائشة في قصّة الإفك: فيّ هلك من هلك أي: قال فيها ما قال من الكذب والبهتان والإفك.
وقوله: {وإنّ اللّه لسميعٌ} أي: لدعائكم وتضرّعكم واستغاثتكم به {عليمٌ} أي: بكم وأنّكم تستحقّون النّصر على أعدائكم الكفرة المعاندين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 66-69]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إذ يريكهم اللّه في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرًا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكنّ اللّه سلّم إنّه عليمٌ بذات الصّدور (43) وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقلّلكم في أعينهم ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولا وإلى اللّه ترجع الأمور (44)}
قال مجاهدٌ: أراه اللّه إيّاهم في منامه قليلًا فأخبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أصحابه بذلك، فكان تثبيتًا لهم.
وكذا قال ابن إسحاق وغير واحدٍ. وحكى ابن جريرٍ عن بعضهم أنّه رآهم بعينه الّتي ينام بها.
وقد روى ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا يوسف بن موسى المدبّر، حدّثنا أبو قتيبة، عن سهلٍ السّرّاج، عن الحسن في قوله: {إذ يريكهم اللّه في منامك قليلا} قال: بعينك.
وهذا القول غريبٌ، وقد صرّح بالمنام هاهنا، فلا حاجة إلى التّأويل الّذي لا دليل عليه
وقوله: {ولوأراكهم كثيرًا لفشلتم} أي: لجبنتم عنهم واختلفتم فيما بينكم، {ولكنّ اللّه سلّم} أي: من ذلك: بأن أراكهم قليلًا {إنّه عليمٌ بذات الصّدور} أي: بما تجنّه الضّمائر، وتنطوي عليه الأحشاء، فيعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 69]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا} وهذا أيضًا من لطفه تعالى بهم، إذ أراهم إيّاهم قليلًا في رأي العين، فيجرّؤهم عليهم، ويطمعهم فيهم.
قال أبو إسحاق السّبيعي، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، قال: لقد قلّلوا في أعيننا يوم بدرٍ، حتّى قلت لرجلٍ إلى جانبي: تراهم سبعين؟ قال: لا بل [هم] مائةٌ، حتّى أخذنا رجلًا منهم فسألناه، قال كنّا ألفًا. رواه ابن أبي حاتمٍ، وابن جريرٍ.
وقوله: {ويقلّلكم في أعينهم} قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا سليمان بن حربٍ، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن الزّبير بن الخرّيت عن عكرمة: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقلّلكم في أعينهم} قال: حضّض بعضهم على بعضٍ.
إسنادٌ صحيحٌ.
وقال محمّد بن إسحاق: حدّثني يحيى بن عبّاد بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه في قوله تعالى: {ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولا} أي: ليلقي بينهم الحرب، للنّقمة ممّن أراد الانتقام منه، والإنعام على من أراد تمام النّعمة عليه من أهل ولايته.
ومعنى هذا أنّه تعالى أغرى كلًّا من الفريقين بالآخر، وقلّله في عينه ليطمع فيه، وذلك عند المواجهة. فلمّا التحم القتال وأيّد اللّه المؤمنين بألفٍ من الملائكة مردفين، بقي حزب الكفّار يرى حزب الإيمان ضعفيه، كما قال تعالى: {قد كان لكم آيةٌ في فئتين التقتا فئةٌ تقاتل في سبيل اللّه وأخرى كافرةٌ يرونهم مثليهم رأي العين واللّه يؤيّد بنصره من يشاء إنّ في ذلك لعبرةً لأولي الأبصار} [آل عمران: 13]،وهذا هو الجمع بين هاتين الآيتين، فإنّ كلًّا منها حقٌّ وصدقٌ، وللّه الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 69-70]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 2 ( الأعضاء 0 والزوار 2)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:20 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة