العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنفال

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 11:01 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنفال [ من الآية (15) إلى الآية (19) ]

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:50 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (15 و 16) : قوله تعالى: { [يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفًا فلا تولّوهم الأدبار (15) ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلّا متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ فقد باء بغضبٍ من الله ومأواه جهنّم وبئس المصير} ]

- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، قال: نا يزيد بن أبي زيادٍ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن ابن عمر، قال: لقينا العدوّ فحاص المسلمون حيصة، فكنت فيمن حاص، فقدمنا المدينة، فتعرّضنا لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حين خرج إلى الصّلاة، فقلنا: يا رسول اللّه، نحن الفرّارون، فقال: ((بل أنتم العكّارون، إنّي فئتكم)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: قال عمر أنا فئة كلّ مسلمٍ). [سنن سعيد بن منصور: 5/201-203]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]

قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفًا}
- أخبرنا أبو بكر بن إسحاق، حدّثنا حسّان بن عبد الله، حدّثنا خلّاد بن سليمان، حدّثني نافعٌ، أنّه سأل عبد الله بن عمر، قال: قلت: إنّا قومٌ لا نثبت عند قتال عدوّنا ولا ندري من الفئة؟ قال لي: الفئة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقلت: " إنّ الله يقول في كتابه: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفًا فلا تولّوهم الأدبار} [الأنفال: 15] قال: إنّما أنزلت هذه لأهل بدرٍ لا لقبلها ولا لبعدها "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/105]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفًا فلا تولّوهم الأدبار (15) ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلاّ متحرّفًا لّقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ فقد باء بغضبٍ مّن الله ومأواه جهنّم وبئس المصير}.
يعني تعالى ذكره: يا أيّها الّذين صدّقوا اللّه ورسوله {إذا لقيتم الّذين كفروا} في القتال {زحفًا} يقول: متزاحفًا بعضكم إلى بعضٍ، والتّزاحف التّداني والتّقارب. {فلا تولّوهم الأدبار} يقول: فلا تولّوهم ظهوركم فتنهزموا عنهم، ولكن اثبتوا لهم فإنّ اللّه معكم عليهم). [جامع البيان: 11/74-75]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفًا فلا تولّوهم الأدبار (15)
قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا
- حدّثنا زيد بن إسماعيل الصّائغ حدّثني معاوية بن هشامٍ عن عيسى بن راشدٍ عن عليّ بن بذيعة عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: ما أنزل اللّه آيةً في القرآن يا أيّها الّذين آمنوا إلا أنّ عليّاً شريفها وأميرها وسيّدها، وما من أصحاب محمّدٍ أحدٌ إلا وقد عوتب في القرآن إلا عليّ بن أبي طالبٍ فإنّه لم يعاتب في شيءٍ منه.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا سليمان عن الأعمش عن خيثمة قال:
ما تقرؤون في القرآن يا أيّها الّذين آمنوا فإنّه في التّوراة يا أيّها المساكين.
- حدّثنا أبي ثنا نعيم بن حمّادٍ ثنا عبد اللّه بن المبارك أخبرنا مسعرٌ ثنا معنٌ وعونٌ، أو أحدهما أنّ رجلاً أتى عبد اللّه بن مسعودٍ فقال: أعهد إليّ، فقال: إذا سمعت اللّه يقول: يا أيّها الّذين آمنوا فارعها سمعك فإنّه خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عبد الرّحمن بن إبراهيم دحيمٌ ثنا الوليد عن الأوزاعيّ عن الزّهريّ قال: إذا قال اللّه: يا أيّها الّذين آمنوا إفعلوا، فالنّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- منهم.
قوله تعالى: إذا لقيتم الّذين كفروا زحفًا
- حدّثنا الأحمسيّ ثنا وكيعٌ عن عليّ بن صالحٍ عن عثمان بن المغيرة الثّقفيّ عن مالك بن جوين الحضرميّ عن عليٍّ- رضي اللّه عنه- قال: الفرار من الزّحف من الكبائر.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ حدّثنا أبو أسامة عن محمّد بن عمرٍو عن ابن سلمة قال: الموجبات الفرار من الزّحف ثمّ قرأ إذا لقيتم الّذين كفروا زحفًا
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفًا يعني: يوم بدرٍ.
قوله تعالى: فلا تولّوهم الأدبار
- ذكر عن عفّان ثنا عبد الواحد بن زيادٍ ثنا الحارث بن حصيرة عن القاسم بن عبد الرّحمن عن أبيه قال: قال عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه، عنه كنت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم حنينٍ فولّى النّاس عنه، وبقيت معه في ثمانين رجلاً من المهاجرين، نكصنا على أقدامنا نحوًا من ثمانين قدمًا ولم نولّهم الدّبر وهم الّذين أنزل اللّه عليهم السّكينة). [تفسير القرآن العظيم: 5/1669-1670]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 15 - 16.
أخرج البخاري في تاريخه والنسائي، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن نافع رضي الله عنه أنه سأل ابن عمر رضي الله عنهما قال: إنا قوم لا نثبت عند قتال عدونا ولا ندري من الفئة أمامنا أو عسكرنا فقال لي: الفئة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن الله تعالى يقول {إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار} قال: إنما أنزلت هذه الآية في أهل بدر لا قبلها ولا بعدها). [الدر المنثور: 7/65]

تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن جويبرٍ عن الضّحّاك في قول اللّه: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} قال: إنّما كانت لأهل بدرٍ خاصّةً لم تكن له فئة ينحازوا إليها [الآية: 16].
سفيان [الثوري] عن جويبرٍ عن الضّحّاك قال: لم يكن القرار إلّا يوم بدرٍ لأنّه لم تكن فئة.
سفيان [الثوري] عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قال: قال عمر: أنا فئة كل مسلم [الآية: 16]). [تفسير الثوري: 116-117]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [الآية (15 و 16) : قوله تعالى: { [يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفًا فلا تولّوهم الأدبار (15) ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلّا متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ فقد باء بغضبٍ من الله ومأواه جهنّم وبئس المصير} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا خالد بن عبد اللّه، قال: نا يزيد بن أبي زيادٍ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن ابن عمر، قال: لقينا العدوّ فحاص المسلمون حيصة، فكنت فيمن حاص، فقدمنا المدينة، فتعرّضنا لرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حين خرج إلى الصّلاة، فقلنا: يا رسول اللّه، نحن الفرّارون، فقال: ((بل أنتم العكّارون، إنّي فئتكم)).
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن إبراهيم، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: قال عمر أنا فئة كلّ مسلمٍ). [سنن سعيد بن منصور: 5/201-203] (م)
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره}
- أخبرنا أبو داود، قال: أخبرنا أبو زيدٍ الهرويّ، حدّثنا شعبة، عن داود بن أبي هندٍ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} [الأنفال: 16] قال: نزلت في أهل بدرٍ "
- أخبرنا حميد بن مسعدة، عن بشرٍ، حدّثنا داود بن أبي هندٍ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ: " أنزلت في يوم بدرٍ {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} [الأنفال: 16]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/107]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({ومن يولّهم يومئذٍ دبره} يقول: ومن يولّهم منكم ظهره {إلاّ متحرّفًا لقتالٍ} يقول: إلاّ مستطردًا لقتال عدوّه بطلب عورةٍ له يمكنه إصابتها فيكرّ عليه {أو متحيّزًا إلى فئةٍ} أو إلاّ أن يولّيهم ظهره متحيّزًا إلى فئةٍ يقول: صائرًا إلى حيّز المؤمنين الّذين يفيئون به معهم إليهم لقتالهم ويرجعون به معهم إليهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو خالدٍ الأحمر، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {إلاّ متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ} قال: المتحرّف: المتقدّم من أصحابه ليرى غرّةً من العدوّ فيصيبها. قال: والمتحيّز: الفارّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، وكذلك من فرّ اليوم إلى أميره أو أصحابه. قال الضّحّاك: وإنّما هذا وعيدٌ من اللّه لأصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أن لا يفرّوا، وإنّما كان النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام فئتهم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلاّ متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ} أمّا المتحرّف يقول: إلاّ مستطردًا، يريد العودة. {أو متحيّزًا إلى فئةٍ} قال: المتحيّز إلى الإمام وجنده إن هو كرّ فلم يكن له بهم طاقةٌ، ولا يعذر النّاس وإن كثروا أن يولّوا عن الإمام.
واختلف أهل العلم في حكم قول اللّه عزّ وجلّ: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلاّ متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ فقد باء بغضبٍ من اللّه ومأواه جهنّم} هل هو خاصٌّ في أهل بدرٍ، أم هو في المؤمنين جميعًا؟ فقال قومٌ: هو لأهل بدرٍ خاصّةً؛ لأنّه لم يكن لهم أن يتركوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مع عدوّه وينهزموا عنه فأمّا اليوم فلهم الانهزام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن أبي نضرة، في قول اللّه عزّ وجلّ: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} قال: ذاك يوم بدرٍ، ولم يكن لهم أن ينحازوا، ولو انحاز أحدٌ لم ينحز إلاّ إليّ.
قال أبو موسى: يعني إلى المشركين.
- حدّثنا إسحاق بن شاهين، قال: حدّثنا خالدٌ، عن داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ، قوله عزّ وجلّ: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} ثمّ ذكر نحوه، إلاّ أنّه قال: ولو انحازوا انحازوا إلى المشركين، ولم يكن يومئذٍ مسلمٌ في الأرض غيرهم.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا بشر بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا داود، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ، قال: نزلت في يوم بدرٍ: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره}.
- حدّثني ابن المثنّى، وعليّ بن مسلمٍ الطّوسيّ قال ابن المثنّى: حدّثني عبد الصّمد، وقال عليٌّ: حدّثنا عبد الصّمد قال: حدّثنا شعبة، عن داود، يعني ابن أبي هندٍ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} قال: يوم بدرٍ.
قال أبو موسى: حدّثت أنّ في كتاب غندرٍ هذا الحديث، عن داود، عن الشّعبيّ، عن أبي سعيدٍ.
- حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الطّوسيّ قال: حدّثنا عليّ بن عاصمٍ، عن داود بن أبي هندٍ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ قال: إنّما كان ذلك يوم بدرٍ لم يكن للمسلمين فئةٌ إلاّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأمّا بعد ذلك، فإنّ المسلمين بعضهم فئةٌ لبعضٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا عبد الأعلى قال: حدّثنا داود، عن أبي نضرة: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} قال: هذه نزلت في أهل بدرٍ.
- حدّثنا يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن عونٍ، قال: كتبت إلى نافعٍ أسأله، عن قوله: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} أكان ذلك اليوم أم هو بعد؟ قال: وكتب إليّ: إنّما كان ذلك يوم بدرٍ.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا زيدٌ، عن سفيان، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: إنّما كان الفرار يوم بدرٍ، ولم يكن لهم ملجأٌ يلجئون إليه، فأمّا اليوم فليس فرارٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن الرّبيع، عن الحسن: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} قال: كانت هذه يوم بدرٍ خاصّةً، ليس الفرار من الزّحف من الكبائر.
- قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن رجلٍ، عن الضّحّاك، {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} قال: كانت هذه يوم بدرٍ خاصّةً.
- قال: حدّثنا روح بن عبادة، عن حبيب بن الشّهيد، عن الحسن {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} قال: نزلت في أهل بدرٍ.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} قال: ذلكم يوم بدرٍ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا سويدٌ قال: أخبرنا ابن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} قال: ذلك يوم بدرٍ، فأمّا اليوم فإن انحاز إلى فئةٍ أو مصرٍ أحسبه قال فلا بأس به.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا قبيصة بن عقبة قال: حدّثنا سفيان، عن ابن عونٍ قال: كتبت إلى نافعٍ {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} قال: إنّما هذا يوم بدرٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن ابن لهيعة، قال: حدّثني يزيد بن أبي حبيبٍ قال: أوجب اللّه لمن فرّ يوم بدرٍ النّار قال: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلاّ متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ فقد باء بغضبٍ من اللّه} فلمّا كان يوم أحدٍ بعد ذلك قال: {إنّما استزلّهم الشّيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا اللّه عنهم} ثمّ كان حنينٌ بعد ذلك بسبع سنين، فقال {ثمّ وليتمّ مدبرين} {ثمّ يتوب اللّه من بعد ذلك على من يشاء}.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا ابن عونٍ، عن محمّدٍ، أنّ عمر، رضي اللّه عنه بلغه قتل أبي عبيدٍ، فقال: لو تحيّز إليّ لكنت له فئةً.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: حدّثنا ابن المبارك، عن جرير بن حازمٍ، قال: حدّثني قيس بن سعيدٍ قال: سألت عطاء بن أبي رباحٍ، عن قوله: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} قال: هذه منسوخةٌ بالآية الّتي في الأنفال: {الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين} قال: وليس لقومٍ أن يفرّوا من مثليهم. قال: ونسخت تلك إلاّ هذه العدّة.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا سويدٌ قال: أخبرنا ابن المبارك، عن سليمان التّيميّ، عن أبي عثمان قال: لمّا قتل أبو عبيدٍ جاء الخبر إلى عمر، فقال: يا أيّها النّاس أنا فئتكم.
- قال ابن المبارك، عن معمرٍ، وسفيان الثّوريّ، وابن عيينة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: قال عمر رضي اللّه عنه: أنا فئة كلّ مسلمٍ.
وقال آخرون: بل هذه الآية حكمها عامٌّ في كلّ من ولّى الدّبر عن العدوّ منهزمًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: أكبر الكبائر: الشّرك باللّه، والفرار من الزّحف؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره}، {فقد باء} بغضبٍ من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير.
وأولى التّأويلين في هذه الآية بالصّواب عندي قول من قال: حكمها محكمٌ، وأنّها نزلت في أهل بدرٍ، وحكمها ثابتٌ في جميع المؤمنين، وأنّ اللّه حرّم على المؤمنين إذا لقوا العدوّ أن يولّوهم الدّبر منهزمين، إلاّ لتحرّف القتال، أو لتحيّزٍ إلى فئةٍ من المؤمنين حيث كانت من أرض الإسلام، وأنّ من ولاّهم الدّبر بعد الزّحف لقتالٍ منهزمًا بغير نيّةٍ إحدى الخلّتين اللّتين أباح اللّه التّولية بهما، فقد استوجب من اللّه وعيده إلاّ أن يتفضّل عليه بعفوه.
وإنّما قلنا هي محكمةٌ غير منسوخةٍ، لمّا قد بيّنّا في غير موضعٍ من كتابنا هذا وغيره أنّه لا يجوز أن يحكم لحكم آيةٍ بنسخٍ وله في غير النّسخ وجهٌ إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها من خبرٍ يقطع العذر أو حجّة عقلٍ، ولا حجّة من هذين المعنيين تدلّ على نسخ حكم قول اللّه عزّ وجلّ: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلاّ متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ}.
وأمّا قوله: {فقد باء بغضبٍ من اللّه} يقول: فقد رجع بغضبٍ من اللّه، {ومأواه جهنّم} يقول: ومصيره الّذي يصير إليه في معاده يوم القيامة جهنّم وبئس المصير يقول: وبئس الموضع الّذي يصير إليه ذلك المصير). [جامع البيان: 11/75-82]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلّا متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ فقد باء بغضبٍ من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير (16)
قوله تعالى: ومن يولّهم يومئذٍ دبره
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ ثنا زكريّا بن يحيى بن صبيحٍ ثنا عبد اللّه بن العوّام أنبأ داود عن أبي نضرة عن أبي سعيدٍ في قوله: ومن يولّهم يومئذٍ دبره قال:
إنّها لأهل بدرٍ خاصّةً وروي عن عمر بن الخطّاب وابن عمر ونافعٍ وعكرمة والحسن والضّحّاك وقتادة والرّبيع بن أنسٍ وأبي نضرة ويزيد بن أبي حبيبٍ مثل ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ ثنا عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ ومن يولّهم يومئذٍ دبره يعني: يوم بدرٍ خاصّةً منهزمًا.
قوله تعالى: إلا متحرّفًا لقتالٍ
[الوجه الأول]
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ إلا متحرّفًا لقتالٍ يعني مستطردًا يريد الكرّة على المشركين.
وروي عن السّدّيّ أنّه قال: الاستطراد يريد العودة.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمّد بن العلاء قالا:
ثنا أبو خالدٍ الأحمر عن جويبرٍ عن الضّحّاك إلا متحرّفًا لقتالٍ وأنّ المتحرّف: المتقدّم من أصحابه، أن يرى عورةً من العدوّ فيصيبها.
قوله تعالى: أو متحيّزًا
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ حدّثني عبد اللّه بن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ يعني: أو ينحاز إلى أصحابه من غير هزيمةٍ.
قوله تعالى: إلى فئةٍ
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا ابن فضيلٍ عن يزيد بن أبي زيادٍ عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى عن ابن عمر قال: كنت في غزوة في بعض مسائح النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلقينا العدوّ فحاص النّاس حيصةً فكنت فيمن حاص، فلمّا أتينا المدينة فأتينا رسول اللّه قد هممنا بكذا وكذا قال: لا، أنا فئة المسلمين ثمّ قرأ إلا متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ
- حدّثنا أبي ثنا حسّان بن عبد اللّه المصريّ ثنا خلاد بن سليمان الحضرميّ حدّثنا نافعٌ أنّه سأل ابن عمر قلت: إنّا قومٌ لا نثبت عند قتال عدوّنا ولا ندري من الفئة إمامنا أو عسكرنا؟ فقال لي: الفئة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت إنّ اللّه يقول: إذا لقيتم الّذين كفروا زحفًا فلا تولّوهم الأدبار قال: إنّما أنزلت هذه الآية لأهل بدرٍ، لا قبلها ولا بعدها.
- حدّثنا أبي ثنا سهل بن عثمان ثنا يحيى بن أبي زائدة عن إسماعيل بن إبراهيم عن عبد الملك بن عميرٍ قال: قال عمر بن الخطّاب: لا تغرّنّكم هذه الآية، فإنّما كانت يوم بدرٍ، وأنا فئةٌ لكلّ مسلمٍ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمّد بن العلاء قالا ثنا أبو خالدٍ الأحمر عن جويبرٍ عن الضّحّاك أو متحيّزًا إلى فئةٍ والمتحيّز الفارّ إلى النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- وأصحابه، كذلك من فرّ اليوم إلى أميره وأصحابه.
- حدّثنا أبي ثنا سهل بن عثمان ثنا يحيى بن أبي زائدة عن المبارك عن الحسن أو متحيّزًا إلى فئةٍ قال: ذلك يوم بدرٍ، إذا ترك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأين يذهب؟ فمن فاء اليوم إلى مصرٍ من الأمصار فقد فاء.
قوله تعالى فقد باء بغضبٍ
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ فقد باء بغضبٍ من اللّه يعني: فقد أوجب بغضبٍ من اللّه.
قوله تعالى: بغضبٍ من اللّه
- وبه عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: بغضبٍ يقول: استوجبوا سخطًا.
قوله تعالى: ومأواه جهنّم وبئس المصير
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق حدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير عن عروة بن الزّبير فقد باء بغضبٍ من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير تحريضًا لهم على عدوّهم لئلا ينكلوا عنهم إذا لقوهم، وقد وعدهم اللّه ما وعدهم.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا يحيى بن عبد اللّه حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ فقد باء بغضبٍ من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير فهذا يوم بدرٍ خاصّةً، كان اللّه عزّ وجلّ شدّه على المسلمين يومئذٍ ليقطع دابر الكافرين وهو أوّل قتالٍ قاتل فيه المشركين من أهل مكّة). [تفسير القرآن العظيم: 5/1670-1672]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا محمّد بن عليّ بن مخلدٍ القاضي، ببغداد، ثنا عبد اللّه بن أحمد بن إبراهيم الدّورقيّ، ثنا يعقوب بن يوسف السّدوسيّ، ثنا شعبة، عن داود بن أبي هندٍ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي اللّه عنه، في هذه الآية " {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} [الأنفال: 16] قال: نزلت فينا يوم بدرٍ «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/357]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه -: قال: نزلت: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} [الأنفال: 16] في يوم بدرٍ. أخرجه أبو داود). [جامع الأصول: 2/146]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ، وابن مردويه والحاكم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قوله {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: إنها كانت لأهل بدر خاصة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن أبي نضرة رضي الله عنه في قوله {ومن يولهم يومئذ دبره} الآية، قال: نزلت يوم بدر ولم يكن لهم أن ينحازوا ولو انحازوا لم ينحازوا إلا للمشركين.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لا تغرنكم هذه الآية فإنها كانت يوم بدر وأنا فئة لكل مسلم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في الآية قال: ذاكم يوم بدر لأنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: نزلت في أهل بدر خاصة ما كان لهم أن يهزموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتركوه.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه في قوله {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: إنما كانت يوم بدر خاصة ليس الفرار من الزحف من الكبائر.
وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: ذاك في يوم بدر.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن أبي شيبة، وابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه قال: إنما كان يوم بدر ولم يكن للمسلمين فئة ينحازون إليها
وأخرج عبد الرزاق عن قتادة رضي الله عنه {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: يرون أن ذلك في بدر ألا ترى أنه يقول {ومن يولهم يومئذ دبره}.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن يزيد بن أبي حبيب رضي الله عنه قال: أوجب الله تعالى لمن فر يوم بدر النار، قال: ومن يولهم يومئذ دبره إلى قوله {فقد باء بغضب من الله} فلما كان يوم أحد بعد ذلك قال (إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم) (آل عمران الآية 155) ثم كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين فقال (ثم وليتم مدبرين) (التوبة الآية 25)، (ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء) (التوبة الآية 27).
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: يعني يوم بدر خاصة منهزما {إلا متحرفا لقتال} يعني مستطردا يريد الكرة على المشركين {أو متحيزا إلى فئة} يعني أو ينحاز إلى أصحابه من غير هزيمة {فقد باء بغضب من الله} يقول: استوجب سخطا من الله {ومأواه جهنم وبئس المصير} فهذا يوم بدر خاصة كأن الله شدد على المسلمين يومئذ ليقطع دابر الكافرين وهو أول قتال قاتل فيه المشركين من أهل مكة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه قال: المتحرف: المتقدم في أصحابه إنه يرى غرة من العدو فيصيبها والمتحيز: الفار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكذلك من فر اليوم إلى أميره وأصحابه قال: وإنما هذه وعيد من الله تعالى لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن لا يفروا وإنما كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثبتهم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه في قوله {ومن يولهم يومئذ دبره} قال: هذه منسوخة بالآية التي في الأنفال (الآن خفف الله عنكم) (الأنفال الآية 66).
وأخرج ابن جرير والنحاس في ناسخه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الفرار من الزحف من الكبائر لأن الله تعالى قال {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال} الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: الفرار من الزحف من الكبائر
وأخرج سعيد بن منصور، وابن سعد، وابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد والبخاري في الأدب المفرد واللفظ له وأو داود والترمذي وحسنه، وابن ماجة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا في غزاة فحاص الناس حيصه قلنا: كيف نلقى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب فأتينا النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبل صلاة الفجر فخرج فقال من القوم، فقلنا: نحن الفرارون، فقال: لا بل أنتم العكارون، فقبلنا يده فقال: أنا فئتكم وأنا فئة المسلمين ثم قرأ {إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة}.
وأخرج ابن مردويه عن أمامة رضي الله عنها مولاة النّبيّ صلى الله عليه وسلم قالت: كنت أوضئ النّبيّ صلى الله عليه وسلم أفرغ على يديه إذ دخل عليه رجل فقال: يا رسول الله أريد اللحوق بأهلي فأوصني بوصية أحفظها عنك، قال لا تفر يوم الزحف فإنه من فر يوم الزحف فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير.
وأخرج الشافعي، وابن أبي شيبة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من فر من اثنين فقد فر.
وأخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما نزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار} الآية، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا كما قال الله.
وأخرج أحمد عن عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه استعاذ من سبع موتات، موت الفجأة ومن لدغ الحية ومن السبع ومن الغرق ومن الحرق ومن أن يخر عليه شيء ومن القتل عند فرار الزحف.
وأخرج أحمد عن أبي اليسر رضي الله عنه أن رسول الله كان يدعو بهؤلاء الكلمات السبع يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهرم وأعوذ بك من الغم والغرق والحرق وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت وأعوذ بك أن أموت في سبيلك مدبرا وأعوذ بك أن أموت لديغا.
وأخرج ابن سعد وأبو داود والترمذي والبيهقي في الأسماء والصفات عن بلال بن يسار عن زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله يقول: من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر له وإن كان فر من الزحف.
وأخرج ابن أبي شيبة والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ثلاثا غفرت ذنوبه وإن كان فر من الزحف
وأخرج ابن أبي شيبة عن معاذ بن جبل رضي الله عنه مثله موقوفا وله حكم الرفع، والله تعالى أعلم). [الدر المنثور: 7/65-72]

تفسير قوله تعالى: (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {وما رميت إذ رميت} قال رماهم يوم البدر بالحصباء.
قال معمر وأخبرني أيوب عن عكرمة قال ما وقع من الحصباء منها شيء إلا في عين رجل). [تفسير عبد الرزاق: 1/255-256]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري في قوله تعالى {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} قال جاء أبي بن خلف الجمحي بعظم حائل فقال الله يحيي هذا يا محمد وهو رميم وهو يفت العظم فقال النبي يحييك ثم يبعثك ثم يدخلك النار فلما كان يوم أحد قال لئن رأيت محمدا لأقتلنه فبلغ ذلك النبي فقال بل أنا أقتله إن شاء الله). [تفسير عبد الرزاق: 1/256-257]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] {وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى} قال: رما الرّمي بالتّراب حين قال: ((شاهت الوجوه)) [الآية: 17]). [تفسير الثوري: 117]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلم تقتلوهم ولكنّ اللّه قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى وليبلي المؤمنين منه بلاًءً حسنًا إنّ اللّه سميعٌ عليمٌ}.
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله ممّن شهد بدرًا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقاتل أعداء دينه معه من كفّار قريشٍ: فلم تقتلوا المشركين أيّها المؤمنون أنتم، ولكنّ اللّه قتلهم. وأضاف جلّ ثناؤه قتلهم إلى نفسه، ونفاه عن المؤمنين به الّذين قاتلوا المشركين؛ إذ كان جلّ ثناؤه هو مسبّبٌ قتلهم، وعن أمره كان قتال المؤمنين إيّاهم، ففي ذلك أدلّ الدّليل على فساد قول المنكرين أن يكون للّه في أفعال خلقه صنعٌ به وصلوا إليها.
وكذلك قوله لنبيّه عليه الصّلاة والسّلام: {وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى} فأضاف الرّمي إلى نبيّ اللّه، ثمّ نفاه عنه، وأخبر عن نفسه أنّه هو الرّامي؛ إذ كان جلّ ثناؤه هو الموصل المرميّ به إلى الّذين رموا به من المشركين، والمسبّب الرّميّة لرسوله. فيقال للمسلمين ما ذكرنا: قد علمتم إضافة اللّه رمي نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم المشركين إلى نفسه بعد وصفه نبيّه به وإضافته إليه، ذلك فعلٌ واحدٌ كان من اللّه بتسبيبه وتسديده، ومن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحذف والإرسال، فما تنكرون أن يكون كذلك سائر أفعال الخلق المكتسبة: من اللّه الإنشاء والإنجاز بالتّسبيب، ومن الخلق الاكتساب بالقوى؟ فلن يقولوا في أحدهما قولاً إلاّ ألزموا في الآخر مثله.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {فلم تقتلوهم} لأصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم حين قال هذا: قتلت، وهذا: قتلت. {وما رميت إذ رميت} قال لمحمّدٍ حين حصب الكفّار.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى} قال: رماهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالحصباء يوم بدرٍ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن أيّوب، عن عكرمة، قال: ما وقع منها شيءٌ إلاّ في عين رجلٍ.
- حدّثنا عبد الوارث بن عبد الصّمد بن عبد الوارث، قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا أبان العطّار، قال: حدّثنا هشام بن عروة، قال: لمّا ورد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بدرًا قال: هذه مصارعهم. ووجد المشركون النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد سبقهم إليه ونزل إليه، فلمّا طلعوا عليه زعموا أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: هذه قريشٌ قد جاءت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذّب رسولك، اللّهمّ إنّي أسألك ما وعدتني فلمّا أقبلوا استقبلهم، فحثا في وجوههم، فهزمهم اللّه عزّ وجلّ.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ، قال: حدّثنا يعقوب بن محمّدٍ، قال: حدّثنا عبد العزيز بن عمران، قال: حدّثنا موسى بن يعقوب بن عبد اللّه بن زمعة، عن يزيد بن عبد اللّه، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، عن حكيم بن حزامٍ، قال: لمّا كان يوم بدرٍ، سمعنا صوتًا، وقع من السّماء كأنّه صوت حصاةٍ وقعت في طستٍ، ورمى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تلك الرّميّة، فانهزمنا.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن قيسٍ، ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ، قالا: لمّا دنا القوم بعضهم من بعضٍ، أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبضةً من ترابٍ فرمى بها في وجوه القوم، وقال: شاهت الوجوه فدخلت في أعينهم كلّهم، وأقبل أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقتلونهم ويأسرونهم، وكانت هزيمتهم في رمية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وأنزل اللّه: {وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى} الآية، إلى: {إنّ اللّه سميعٌ عليمٌ}.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وما رميت إذ رميت} الآية، ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخذ يوم بدرٍ ثلاثة أحجارٍ ورمى بها في وجوه الكفّار، فهزموا عند الحجر الثّالث.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين التقى الجمعان يوم بدرٍ لعليٍّ رضي اللّه عنه: أعطني حصًا من الأرض فناوله حصًى عليه ترابٌ فرمى به وجوه القوم، فلم يبق مشركٌ إلاّ دخل في عينيه من ذلك التّراب شيءٌ. ثمّ ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم. فذكر رمية النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: {فلم تقتلوهم ولكنّ اللّه قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى} قال: هذا يوم بدرٍ، أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاث حصياتٍ، فرمى بحصاةٍ في ميمنة القوم وحصاةٍ في ميسرة القوم وحصاةٍ بين أظهرهم وقال: شاهت الوجوه فانهزموا، فذلك قول اللّه عزّ وجلّ: {وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: رفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يده يوم بدرٍ، فقال: يا ربّ إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدًا، فقال له جبريل: خذ قبضةً من التّراب، فأخذ قبضةً من التّراب، فرمى بها في وجوههم فما من المشركين من أحدٍ إلاّ أصاب عينيه ومنخريه وفمه ترابٌ من تلك القبضة، فولّوا مدبرين.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: قال اللّه عزّ وجلّ في رمي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المشركين بالحصباء من يده حين رماهم: {ولكنّ اللّه رمى} أي: لم يكن ذلك برميتك لولا الّذي جعل اللّه فيها من نصرك، وما ألقى في صدور عدوّك منها حين هزمتهم.
وروي عن الزّهريّ في ذلك قولٌ خلاف هذه الأقوال وهو ما:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ: {وما رميت إذ رميت} قال: جاء أبيّ بن خلفٍ الجمحيّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعظم حائلٍ، فقال: اللّه محيي هذا يا محمّد وهو رميمٌ؟ وهو يفتّ العظم. فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: يحييه اللّه، ثمّ يميتك، ثمّ يدخلك النّار قال: فلمّا كان يوم أحدٍ قال: واللّه لأقتلنّ محمّدًا إذا رأيته، فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: بل أنا أقتله إن شاء اللّه.
وأمّا قوله: {وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسنًا} فإنّ معناه: ولينعم على المؤمنين باللّه ورسوله بالظّفر بأعدائهم، ويغنمهم ما معهم، ويثبت لهم أجور أعمالهم وجهادهم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وذلك البلاء الحسن رمي اللّه هؤلاء المشركين. ويعني بالبلاء الحسن النّعمة الحسنة الجميلة، وهي ما وصفت، وما في معناه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال في قوله: {وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسنًا} أي: ليعرّف المؤمنين من نعمه عليهم في إظهارهم على عدوّهم مع كثرة عدده وقلّة عددهم، ليعرفوا بذلك حقّه وليشكروا بذلك نعمته.
وقوله: {إنّ اللّه سميعٌ عليمٌ} يعني: إنّ اللّه سميعٌ أيّها المؤمنون لدعاء النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ومناشدته ربّه ومسألته إيّاه إهلاك عدوّه وعدوّكم ولقيلكم وقيل جميع خلقه، عليمٌ بذلك كلّه وبما فيه صلاحكم وصلاح عباده، وغير ذلك من الأشياء محيطٌ به، فاتّقوه وأطيعوا أمره وأمر رسوله). [جامع البيان: 11/82-88]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فلم تقتلوهم ولكنّ اللّه قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسنًا إنّ اللّه سميعٌ عليمٌ (17)
قوله تعالى: فلم تقتلوهم ولكنّ اللّه قتلهم
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ فلم تقتلوهم لأصحاب محمّدٍ- صلّى اللّه عليه وسلّم- حين قال هذا قتلت يعني فلانًا، وقال هذا: قتلت: يعني فلانًا.
قوله عزّ وجلّ وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عبد الجبّار بن سعيد بن نوفل بن مساحقٍ العامريّ ثنا يحيى بن محمّد بن هاني عن موسى بن يعقوب الزّمعيّ عن يزيد بن عبد اللّه عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن حكيم بن حزامٍ قال: لمّا كان يوم بدرٍ سمعنا صوتًا وقع من السّماء إلى الأرض كأنّه صوت حصاةٍ وقعت في طستٍ، ورمى رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- بتلك الحصيات فانهزموا فذلك فقول اللّه: وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قال: رفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يده، فقال: يا ربّ إنّك إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدًا، فقال له جبريل- عليه السّلام: خذ قبضةً من التّراب فأخذ قبضةً من التّراب فرمى بها في وجههم، فما بقي من المشركين أحدٌ إلا أصاب عينه ومنخريه وفمه ترابٌ من تلك القبضة فولّوا مدبرين.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ- فيما كتب إليّ- ثنا أصبغ أنبأ ابن زيدٍ في قول اللّه: وما رميت إذ رميت قال: هذا يوم بدرٍ، أخذ رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- ثلاث حصياتٍ، فرمى بحصاةٍ في ميمنة القوم وحصاةٍ في ميسرة القوم، وحصاةٍ بين أظهرهم فقال: شاهت الوجوه فانهزموا فذلك قول اللّه وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى
الوجه الثّاني:
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى أنبأ عبد اللّه بن وهبٍ أنبأ يونس عن ابن شهابٍ أخبرني ابن المسيّب قال: لمّا كان يوم أحدٍ أخذ أبيّ بن خلفٍ يركض فرسه حتّى دنا من رسول اللّه- صلّى اللّه عليه وسلّم- واعترض رجالٌ من المسلمين لأبيّ بن خلفٍ ليقتلوه فقال لهم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استأخروا، فاستأخروا، فأخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حربته في يده فرمى أبيّ بن خلفٍ وكسر ضلعًا من أضلاعه، فرجع أبيّ بن خلفٍ إلى أصحابه ثقيلاً فاحتملوه حتّى ولّوا قافلين فطفقوا يقولون: لا بأس، فقال أبيّ حين قالوا ذلك له: واللّه لو كانت بالنّاس لقتلتهم ألم يقل: إنّي أقتلك- إن شاء اللّه تعالى؟ فانطلق به أصحابه يتغشّونه حتّى مات ببعض الطّريق، فدفنوه. قال ابن المسيّب: وفي ذلك أنزل عزّ وجلّ وما رميت إذ رميت الآية
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو نشيطٍ محمّد بن هارون ثنا أبو المغيرة- يعني عبد القدّوس بن الحجّاج- ثنا صفوان عن عبد الرّحمن بن جبيرٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه وسلّم يوم ابن أبي الحقيق دعا بقوسٍ فأتى بقوسٍ طويلةٍ فقال: جيؤوني بقوسٍ غيرها فجاؤه بقوسٍ كبداءٍ، فرمى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحصن فأقبل أسهم يهوي حتّى قتل ابن أبي الحقيق في فراشه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى قال أبو المغيرة: الكبداء: المعتدلة الجيّدة.
قوله تعالى: ولكنّ اللّه رمى
- حدّثنا أبي ثنا نعيم بن حمّادٍ ومحمّد بن عبد الأعلى قالا: ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن أيّوب عن عكرمة ولكنّ اللّه رمى قال: ما وقع منها شيءٌ إلا في عين رجلٍ.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا أبو غسّان محمّد بن عمر زنيجٌ ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق قال: وحدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير عن عروة بن الزبير ولكنّ اللّه رمى أي لم يكن ذلك برميتك، لولا الّذي جعل اللّه من نصرك وما ألقى في صدور عدوّك منها حتّى هزمتهم.
قوله تعالى وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسنًا
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق قال: وحدّثني محمّد بن الزّبير عن عروة بن الزّبير:
وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسنًا أي ليعرف المؤمنين من نعمته عليهم في إظهارهم على عدوّهم مع كثرة عدوّهم وقلّة عددهم ليعرفوا بذلك حقّه ويشكروا بذلك نعمته
قوله تعالى: إنّ اللّه سميعٌ عليمٌ
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا زنيجٌ ثنا سلمة ثنا ابن إسحاق عليمٌ أي: عليمٌ بما يخفون). [تفسير القرآن العظيم: 5/1672-1674]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فلم تقتلوهم يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين قال بعضهم قتلت وقال بعضهم قتلت فقال الله عز وجل فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت يعني به محمدا صلى الله عليه وسلم حين حصب الكفار). [تفسير مجاهد: 259]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني إسماعيل بن محمّد بن الفضل الشّعرانيّ، ثنا جدّي، ثنا إبراهيم بن المنذر الحزاميّ، ثنا محمّد بن فليحٍ، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهابٍ، عن سعيد بن المسيّب، عن أبيه، قال: أقبل أبيّ بن خلفٍ يوم أحدٍ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يريده، فاعترض رجالٌ من المؤمنين، " فأمرهم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فخلّوا سبيله، فاستقبله مصعب بن عميرٍ أخو بني عبد الدّار ورأى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ترقوة أبيٍّ منٍ فرجةٍ بين سابغة الدّرع والبيضة، فطعنه بحربته فسقط أبيٌّ عن فرسه، ولم يخرج من طعنته دمٌ، فكسر ضلعًا من أضلاعه، فأتاه أصحابه وهو يخور خوار الثّور، فقالوا له: ما أعجزك إنّما هو خدشٌ فذكر لهم قول رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «بل أنا أقتل أبيًّا» ثمّ قال: والّذي نفسي بيده لو كان هذا الّذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين. فمات أبيٌّ إلى النّار، فسحقًا لأصحاب السّعير قبل أن يقدم مكّة فأنزل اللّه {وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى} [الأنفال: 17] الآية " هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه). [المستدرك: 2/357]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 17 - 18.
أخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {فلم تقتلوهم} قال: لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حين قال هذا قتلت وهذا قتلت {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} قال: محمد صلى الله عليه وسلم حين حصب الكفار.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {وما رميت إذ رميت} قال: رماهم يوم بدر بالحصباء.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه قال: ما وقع شيء من الحصباء إلا في عين رجل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} قال: هذا يوم بدر أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث حصيات فرمى بحصاة بين أظهرهم فقال: شاهت الوجوه فانهزموا.
وأخرج ابن عساكر عن محكول رضي الله عنه قال: لما كر علي وحمزة على شيبة بن ربيعة غضب المشركون وقالوا: اثنان بواحد فاشتعل القتال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إنك أمرتني بالقتال ووعدتني النصر ولا خلف لوعدك وأخذ قبضة من حصى فرمى بها في وجوههم فانهزموا بإذن الله تعالى فذلك قوله {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال لما كان يوم بدر سمعنا صوتا وقع من السماء إلى الأرض كأنه صوت حصاة وقعت في طست ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك الحصباء وقال: شاهت الوجوه، فانهزمنا فذلك قول الله تعالى {وما رميت إذ رميت} الآية.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت صوت حصيات وقعن من السماء يوم بدر كأنهن وقعن في طست فلما اصطف الناس أخذهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرمى بهن في وجوه المشركين فانهزموا فذلك قوله {وما رميت إذ رميت} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه ناولني قبضة من حصباء، فناوله فرمى بها في وجوه القوم فما بقي أحد من القوم إلا امتلأت عيناه من الحصباء فنزلت هذه الآية {وما رميت إذ رميت} الآية.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن قيس ومحمد بن كعب القرظي رضي الله عنهما قالا: لما دنا القوم بعضهم من بعض أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم وقال: شاهت الوجوه، فدخلت في أعينهم كلهم وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتلونهم وكانت هزيمتهم في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} إلى قوله {سميع عليم}
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: لما كان يوم أحد أخذ أبي بن خلف يركض فرسه حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم واعترض رجال من المسلمين لأبي بن خلف ليقتلوه فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم استأخروا فاستأخروا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حربته في يده فرمى بها أبي بن خلف وكسر ضلعا من أضلاعه فرجع أبي بن خلف إلى أصحابه ثقيلا فاحتملوه حين ولوا قافلين فطفقوا يقولون: لا بأس فقال أبي حين قالوا له ذلك: والله لو كانت بالناس لقتلتهم ألم يقل إني أقتلك إن شاء الله فانطلق به أصحابه ينعشونه حتى مات ببعض الطريق فدفونه قال ابن المسيب رضي الله عنه: وفي ذلك أنزل الله تعالى {وما رميت إذ رميت} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن المسيب والزهري رضي الله عنهما قالا: أنزلت في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبي بن خلف بالحربة وهو في لامته فخدشه في ترقوته فجعل يتدأدأ عن فرسه مرارا حتى كانت وفاته بها بعد أيام قاسى فيها العذاب الأليم موصولا بعذاب البرزخ المتصل بعذاب الآخرة
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الزهري رضي الله عنه في قوله {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} قال: حيث رمى أبي بن خلف يوم أحد بحربته فقيل له: إن يك الأجحش، قال: أليس قال: أنا أقتلك والله لو قالها لجميع الخلق لماتوا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه أن رسول الله - يوم ابن أبي الحقيق - دعا بقوس: فأتى بقوس طويلة فقال: جيئوني بقوس غيرها، فجاءوه بقوس كيداء فرمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحصن فأقبل السهم يهوي حتى قتل ابن أبي الحقيق في فراشه فأنزل الله {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}.
وأخرج ابن إسحاق، وابن أبي حاتم عن عروة بن الزبير رضي الله عنه في قوله {ولكن الله رمى} أي لم يكن ذلك برميتك لولا الذي جعل الله تعالى من نصرك وما ألقى في صدور عدوك منها حتى هزمتهم {وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا} أي يعرف المؤمنين من نعمته عليهم في إظهارهم على عدوهم مع كثرة عدوهم وقلة عددهم ليعرفوا بذلك حقه ويشكروا بذلك نعمته). [الدر المنثور: 7/72-77]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قول الله: {موهن كيد الكافرين} وموهن كيد الكافرين [الآية: 18]). [تفسير الثوري: 117]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلكم وأنّ اللّه موهن كيد الكافرين}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ذلكم} هذا الفعل من قتل المشركين ورميهم حتّى انهزموا، وابتلاء المؤمنين البلاء الحسن بالظّفر بهم وإمكانهم من قتلهم وأسرهم، فعلنا الّذي فعلنا. {وأنّ اللّه موهن كيد الكافرين} يقول: واعلموا أنّ اللّه مع ذلك مضعف كيد الكافرين، يعني مكرهم، حتّى يذلّوا، وينقادوا للحقّ ويهلكوا.
وفي فتح أنّ من الوجوه ما في قوله: {ذلكم فذوقوه وأنّ للكافرين} وقد بيّنته هنالك.
وقد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {موهن} فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة وبعض المكّيّين والبصريّين: (موهّن) بالتّشديد، من وهّنت الشّيء: ضعّفته. وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين: {موهن} من أوهنته فأنا موهنه، بمعنى أضعفته.
والتّشديد في ذلك أعجب إليّ؛ لأنّ اللّه تعالى كان ينقض ما يبرمه المشركون لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، عقدًا بعد عقدٍ، وشيئًا بعد شيءٍ، وإن كان الآخر وجهًا صحيحًا). [جامع البيان: 11/88-89]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ذلكم وأنّ اللّه موهن كيد الكافرين (18)
قوله تعالى: ذلكم وأنّ اللّه موهن كيد الكافرين
- حدّثنا موسى بن أبي موسى الخطميّ ثنا هارون بن حاتمٍ حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ عن أسباطٌ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قوله: موهن يعني: ضعيف). [تفسير القرآن العظيم: 5/1674]

تفسير قوله تعالى: (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الزهري في قوله تعالى {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} قال استفتح أبو جهل بن هشام فقال اللهم أينا كان أفجر بك وأقطع للرحم فأحنه اليوم يعني محمد ونفسه فقال الله تعالى {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} فضربه ابنا عفراء عوذ ومعوذ وأجهز عليه عبد الله بن مسعود). [تفسير عبد الرزاق: 1/256]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} قال: أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 102]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}
- أخبرنا عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعدٍ، حدّثنا عمّي، حدّثنا أبي، عن صالحٍ، عن ابن شهابٍ، قال: حدّثني عبد الله بن ثعلبة بن صعيرٍ، قال: " كان المستفتح يوم بدرٍ أبو جهلٍ، وإنّه قال حين التقى القوم: اللهمّ أيّنا كان أقطع للرّحم، وآتى لما لا نعرف فافتح الغد، وكان ذلك استفتاحه، فأنزل الله {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} [الأنفال: 19]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/106]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وإن تعودوا نعد}
- أخبرنا بشر بن خالدٍ، أخبرنا غندرٌ، عن شعبة، عن سليمان، ومنصورٍ، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، قال: قال عبد الله: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا رأى قريشًا قد استعصوا قال: «اللهمّ أعنّي بسبعٍ كسبع يوسف» فأخذتهم السّنة حتّى حصّت كلّ شيءٍ حتّى أكلوا الجلود وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدّخان، فأتاه أبو سفيان فقال: أي محمّد، إنّ قومك قد هلكوا، فادع الله أن يكشف عنهم، فدعا وقال: إن يعودوا نعد - هذا في حديث منصورٍ - ثمّ قرأ هذه الآية {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} [الدخان: 10] قال: عذاب الآخرة فقد مضى الدّخان والبطشة واللّزام، وقال أحدهما: القمر، وقال الآخر: والرّوم). [السنن الكبرى للنسائي: 10/106]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خيرٌ لّكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وأنّ اللّه مع المؤمنين}.
يقول تعالى ذكره للمشركين الّذين حاربوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ببدرٍ: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} يعني: إن تستحكموا اللّه على أقطع الحزبين للرّحم وأظلم الفئتين، وتستنصروه عليه، فقد جاءكم حكم اللّه ونصره المظلوم على الظّالم، والمحقّ على المبطل.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} قال: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
- قال: حدّثنا سويد بن عمرٍو الكلبيّ، عن حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن عكرمة: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} قال: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} يعني بذلك المشركين، إن تستنصروا فقد جاءكم المدد.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إن تستفتحوا} قال: إن تستقضوا القضاء، وإنّه كان يقول: {وإن تنتهوا فهو خيرٌ لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا} قلت: للمشركين؟ قال: لا نعلمه إلاّ ذلك.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} قال: كفّار قريشٍ في قولهم: ربّنا افتح بيننا وبين محمّدٍ وأصحابه، ففتح بينهم يوم بدرٍ.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الزّهريّ: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} قال: استفتح أبو جهلٍ، فقال: اللّهمّ يعني محمّدًا ونفسه أيّنا كان أفجر لك اللّهمّ وأقطع للرّحم فأحنه اليوم قال اللّه: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، في قوله: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} قال: استفتح أبو جهل بن هشامٍ، فقال: اللّهمّ أيّنا كان أفجر لك وأقطع للرّحم فأحنه اليوم، يعني محمّدًا عليه الصّلاة والسّلام ونفسه. قال اللّه عزّ وجلّ: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} فضربه ابنا عفراء: عوف ومعوّذٌ، وأجهز عليه ابن مسعودٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث قال: ثنّى عقيلٌ، عن ابن شهابٍ قال: أخبرني عبد اللّه بن ثعلبة بن صعيرٍ العذريّ حليف بني زهرة أنّ المستفتح يومئذٍ أبو جهلٍ، وأنّه قال حين التقى القوم: أيّنا أقطع للرّحم وآتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة، فكان ذلك استفتاحه، فأنزل اللّه في ذلك: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} الآية.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} الآية يقول: قد كانت بدرٌ قضاءً وعبرةً لمن اعتبر.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: كان المشركون حين خرجوا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من مكّة، أخذوا بأستار الكعبة، واستنصروا اللّه، وقالوا: اللّهمّ انصر أعزّ الجندين، وأكرم الفئتين، وخير القبيلتين، فقال اللّه: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} يقول: نصرت ما قلتم، وهو محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} إلى قوله: {وأنّ اللّه مع المؤمنين} وذلك حين خرج المشركون ينظرون عيرهم، وإنّ أهل العير أبا سفيان وأصحابه أرسلوا إلى المشركين بمكّة يستنصرونهم، فقال أبو جهلٍ: أيّنا كان خيرًا عندك فانصره، وهو قوله: {إن تستفتحوا} يقول: تستنصروا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} قال: إن تستفتحوا العذاب، فعذّبوا يوم بدرٍ قال: وكان استفتاحهم بمكّة، قالوا: {اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السّماء أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ} قال: فجاءهم العذاب يوم بدرٍ. وأخبر عن يوم أحدٍ: {وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وأنّ اللّه مع المؤمنين}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن مطرّفٍ، عن عطيّة، قال: قال أبو جهلٍ يوم بدرٍ: اللّهمّ انصر أهدى الفئتين، وخير الفئتين وأفضل فنزلت: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}.
- قال: حدّثنا عبد الأعلى، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، أنّ أبا جهلٍ هو الّذي استفتح يوم بدرٍ وقال: اللّهمّ أيّنا كان أفجر وأقطع لرحمه، فأحنه اليوم، فأنزل اللّه: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}.
- قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن ابن إسحاق، عن الزّهريّ، عن عبد اللّه بن ثعلبة بن صعيرٍ: أنّ أبا جهلٍ قال يوم بدرٍ: اللّهمّ أقطعنا لرحمه، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة، وكان ذلك استفتاحًا منه، فنزلت: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} الآية.
- قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن إبراهيم بن سعدٍ، عن صالح بن كيسان، عن الزّهريّ، عن عبد اللّه بن ثعلبة بن صعيرٍ قال: كان المستفتح يوم بدرٍ أبا جهلٍ قال: اللّهمّ أقطعنا للرّحم، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة، فأنزل اللّه: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: حدّثني محمّد بن مسلمٍ الزّهريّ، عن عبد اللّه بن ثعلبة بن صعيرٍ، حليف بني زهرة قال: لمّا التقى النّاس، ودنا بعضهم من بعضٍ قال أبو جهلٍ: اللّهمّ أقطعنا للرّحم، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة، فكان هو المستفتح على نفسه.
قال ابن إسحاق: فقال اللّه: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} لقول أبي جهلٍ: اللّهمّ أقطعنا للرّحم، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه للغداة قال: الاستفتاح: الإنصاف في الدّعاء.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن يزيد بن رومان، وغيره، قال أبو جهلٍ يوم بدرٍ: اللّهمّ انصر أحبّ الدّينين إليك، ديننا العتيق، أم دينهم الحديث، فأنزل اللّه: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} إلى قوله: {وأنّ اللّه مع المؤمنين}.
وأمّا قوله: {وإن تنتهوا فهو خيرٌ لكم} فإنّه يقول: وإن تنتهوا يا معشر قريشٍ وجماعة الكفّار عن الكفر باللّه ورسوله، وقتال نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم والمؤمنين به، فهو خيرٌ لكم في دنياكم وآخرتكم. {وإن تعودوا نعد} يقول: وإن تعودوا لحربه وقتاله وقتال أتباعه المؤمنين، نعد: أي: بمثل الواقعة الّتي أوقعت بكم يوم بدرٍ.
وقوله: {ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت} يقول: وإن تعودوا نعد لهلاككم بأيدي أوليائي وهزيمتكم، ولن تغني عنكم عند عودي لقتلكم بأيديهم وسبيكم وهزمكم فئتكم شيئًا ولو كثرت، يعني جندهم وجماعتهم من المشركين، كما لم يغنوا عنهم يوم بدرٍ مع كثرة عددهم وقلّة عدد المؤمنين شيئًا {وأنّ اللّه مع المؤمنين} يقول جلّ ذكره: وأنّ اللّه مع من آمن به من عباده على من كفر به منهم، ينصرهم عليهم، كما أظهرهم يوم بدرٍ على المشركين.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، في قوله: {وإن تنتهوا فهو خيرٌ لكم} قال: يقول لقريشٍ: وإن تعودوا نعد لمثل الواقعة الّتي أصابتكم يوم بدرٍ. {ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وأنّ اللّه مع المؤمنين} أي: وإن كثر عددكم في أنفسكم لن يغني عنكم شيئًا، وأنّ اللّه مع المؤمنين ينصرهم على من خالفهم.
وقد قيل: إنّ معنى قوله: {وإن تعودوا نعد} وإن تعودوا للاستفتاح نعد لفتح محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. وهذا القول لا معنًى له؛ لأنّ اللّه تعالى قد كان ضمن لنبيّه عليه الصّلاة والسّلام حين أذن له في حرب أعدائه إظهار دينه وإعلاء كلمته من قبل أن يستفتح أبو جهلٍ وحزبه، فلا وجه لأن يقال والأمر كذلك إن تنتهوا عن الاستفتاح فهو خيرٌ لكم وإن تعودوا نعد؛ لأنّ اللّه قد كان وعد نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم الفتح بقوله: {أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا وإنّ اللّه على نصرهم لقديرٌ} استفتح المشركون أو لم يستفتحوا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإن تعودوا نعد} إن تستفتحوا الثّانية نفتح لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. {ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وأنّ اللّه مع المؤمنين} محمّدٍ وأصحابه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {وأنّ اللّه مع المؤمنين} ففتحها عامّة قرّاء أهل المدينة، بمعنى: ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت، وأنّ اللّه مع المؤمنين. فعطف بـ أنّ. على موضع ولو كثرت كأنّه قال: لكثرتها، ولأنّ اللّه مع المؤمنين، ويكون موضع أنّ حينئذٍ نصبًا على هذا القول.
وقد وكان بعض أهل العربيّة يزعم أنّ فتحها إذا فتحت على: {وأنّ اللّه موهن كيد الكافرين}، {وأنّ اللّه مع المؤمنين} عطفًا بالأخرى على الأولى.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين والبصريّين: (وإنّ اللّه) بكسر الألف على الابتداء، واعتلّوا بأنّها في قراءة عبد اللّه: وإنّ اللّه لمع المؤمنين.
وأولى القراءتين بالصّواب، قراءة من كسر إنّ للابتداء، لتقضّي الخبر قبل ذلك عمّا يقتضي قوله: {وإنّ اللّه مع المؤمنين}). [جامع البيان: 11/89-97]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خيرٌ لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وأنّ اللّه مع المؤمنين (19)
قوله تعالى: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح
- حدّثنا أبو عبيدٍ اللّه بن أخي ابن وهبٍ حدّثني شعيب بن اللّيث ثنا أبي أخبرني عقيل عن ابن شهابٍ أنّ عبد اللّه بن ثعلبة بن صعيرٍ العذريّ حليف بني زهرة حدّثه: أنّ المستفتح يوم بدرٍ أبو جهلٍ، وأنّه قال: اللّهمّ أيّنا أقطع للرّحم، وأتى بما لا يعرف فاخزه الغداة، فكان ذلك استفتاحه فقال اللّه تعالى: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح الآية.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح يعني بذلك: المشركين وإن تستنصروا فقد جاءكم المدد.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق ثنا محمّد بن جعفر بن الزّبير عن عروة بن الزّبير إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح أي: لقول أبي جهلٍ: اللّهمّ أقطعنا للرّحم وأتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة، والاستفتاح: الإنصاف في الدّعاء.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أسباطٌ عن مطرّفٍ عن عطيّة في قول اللّه:
إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح قال أبو جهلٍ: اللّهمّ انصر أعزّ الفئتين وأكرم الفرقتين فنزلت إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح
قوله تعالى: فقد جاءكم الفتح
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي حدّثنا أبو صالحٍ ثنا معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ فقد جاءكم الفتح فقد جاءكم المدد.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً أخبرني ابن شعيبٍ أخبرني عثمان بن عطاءٍ عن أبيه فقد جاءكم الفتح يعني: أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان ثنا أبو داود ثنا سهل بن السّرّاج قال: سمعت الحسن في قول اللّه: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح قال: القضاء. وروي عن عكرمة مثل ذلك.
قوله تعالى: وإن تنتهوا فهو خيرٌ لكم
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق ثنا محمّد بن جعفر بن الزّبير عن عروة بن الزّبير وإن تنتهوا أي لقريشٍ فهو خيرٌ لكم.
- ذكر عن عمرٍو العنقزيّ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ وإن تنتهوا فهو خيرٌ لكم قال: إن تنتهوا عن قتال محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: وإن تعودوا نعد
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن ابن إسحاق حدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير عن عروة بن الزّبير وإن تعودوا نعد أي بمثل الواقعة الّتي أصابكم بها يوم بدرٍ.
- أخبرنا أحمد بن عثمان الأوديّ- فيما كتب إليّ- ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ وإن تعودوا نعد يقول: إن تستفتحوا الثّانية أفتح لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قوله تعالى: ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا محمّد بن عمرٍو ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق حدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير عن عروة بن الزّبير ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا أي وإن كثر عددكم في أنفسكم لم يغن عنكم شيئًا
قوله تعالى: وأنّ اللّه مع المؤمنين
- وبه عن عروة بن الزّبير وأنّ اللّه مع المؤمنين وأنا مع المؤمنين، أنصرهم على من خالفهم.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ- فيما كتب- إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباط عن السّدّيّ وأنّ اللّه مع المؤمنين مع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه رضي اللّه عنهم). [تفسير القرآن العظيم: 5/1675-1676]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح يعني كفار قريش وذلك أنهم قالوا ربنا افتح بيننا وبين محمد وأصحابه أي احكم بيننا وبين محمد وأصحابه ففتح الله بينهم يوم بدر بالحق). [تفسير مجاهد: 259-260]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا عبد اللّه بن الحسين القاضي، ثنا الحارث بن أبي أسامة، ثنا يزيد بن هارون، أنبأ محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ، وأخبرنا أحمد بن جعفرٍ القطيعيّ، واللّفظ له، ثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، حدّثني أبي، حدّثني يعقوب بن إبراهيم بن سعدٍ، حدّثني أبي، حدّثني صالحٌ، عن ابن شهابٍ، حدّثني عبد اللّه بن ثعلبة بن أبي صعيرٍ العذريّ، قال: كان المستفتح أبو جهلٍ فإنّه قال حين التقى القوم: " اللّهمّ أيّنا كان أقطع للرّحم، وآتانا بما لا نعرف، فاحنه الغداة، فكان ذلك استفتاحه فأنزل اللّه {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} [الأنفال: 19] إلى قوله {وأنّ اللّه مع المؤمنين} [الأنفال: 19] «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/357]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 19 - 20.
أخرج ابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه، وابن منده والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن شهاب عن عبد الله ابن ثعلبة بن صغير، أن أبا جهل قال حيت التقى القوم: اللهم اقطعنا للرحم وأتانا بمالا نعرف فاحنه الغداة، فكان ذلك استفتاحا منه فنزلت {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {إن تستفتحوا} يعني المشركين إن تستنصروا فقد جاءكم المدد.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عطية رضي الله عنه قال: قال أبو جهل يوم بدر: اللهم انصر إحدى الفئتين وأفضل الفئتين وخير الفئتين، فنزلت {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}.
وأخرج أبو عبيد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنهم فئتهم من الله شيئا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} قال: كفار قريش في قولهم: ربنا افتح بيننا وبين محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ففتح بينهم يوم بدر
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} قال: إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء في يوم بدر.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وإن تنتهوا} قال: عن قتال محمد صلى الله عليه وسلم {وإن تعودوا نعد} قال: إن تستفتحوا الثانية أفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم {وأن الله مع المؤمنين} قال: مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {وإن تعودوا نعد} يقول: نعد لكم بالأسر والقتل). [الدر المنثور: 7/77-79]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:38 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)}


*تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15)}:

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفا فلا تولّوهم الأدبار}
يقال: أزحفت للقوم إذا ثبت لهم، فالمعنى: إذا وافقتموهم للقتال.
{فلا تولّوهم الأدبار}.
أي لا تنهزموا حتى تدبروا). [معاني القرآن:2/405]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): ( وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار} [آية:15]
أي إذا واقفتموهم يقال زحفت له إذا ثبت
وقيل التزاحف التداني والتقارب أي متزاحف بعضهم إلى بعض). [معاني القرآن:3/138]

*تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ(ت:207هـ): (وقوله: {إلاّ متحرّفاً لّقتالٍ أو متحيّزاً إلى فئةٍ...}
هو استثناء والمتحيّز غير من. وإن شئت جعلته من صفة من، وهو على مذهب قولك: إلا أن يوليهم؛ يريد الكرّة، كما تقول في الكلام: عبد الله يأتيك إلاّ ماشيا، ويأتيك إلا أن تمنعه الرحلة. ولا يكون {إلا} ها هنا على معنى قوله: {إلى طعام غير ناظرين إناه} لأن {غير} في مذهب {لا} ليست في مذهب {إلا} ). [معاني القرآن:1/410]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {متحيزا} والمصدر تحيزًا؛ إذا انحاز إلى جماعة من أصحابه). [معاني القرآن لقطرب: 620]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( {أو متحيّزاً} يقال: تحوّزت وتحيّزت. بالياء والواو. وهما من انحزت.
و {الفئة} الجماعة.
{فقد باء بغضبٍ} أي رجع بغضب). [تفسير غريب القرآن:178]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ومن يولّهم يومئذ دبره إلّا متحرّفا لقتال أو متحيّزا إلى فئة فقد باء بغضب من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير}
يعني يوم حربهم.
{إلّا متحرّفا} منصوب على الحال ويجوز أن يكون النصب في متحرف، ومتحيز على الاستثناء، أي إلا رجلا متحيزا، أي
يكون منفردا فينحاز ليكون مع المقاتلة..
وأصل {متحيّز}متحيوز فأدغمت الياء في الواو). [معاني القرآن:2/406]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): ( ثم قال جل وعز: {ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله} [آية:16]
قال الحسن كان هذا يوم بدر خاصة وليس الفرار من الزحف من الكبائر
وروى شعبة عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال نزلت في يوم بدر حدثنا أبو جعفر قال نا ابن سماعه قال نا أبو نعيم قال نا موسى بن محمد عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد {ومن يولهم يومئذ دبره} إلى قوله: {وبئس المصير} قال ذلك يوم بدر
وقال عطاء هي منسوخة إلى قوله: {فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} أهل بدر لم يكن لهم إمام ينحازون إليه إذ كان النبي صلى الله عليه وسلم معهم فلم يكن لهم أن يرغبوا بأنفسهم عن نفسه
وفي حديث ابن عمر حصنا حيصة في جيش فخفنا فقلنا يا رسول الله نحن الفرارون فقال أنا فئتكم
وكذا قال عمر يوم القادسية أنا فئة كل مسلم
وقيل ذا عام لأن ذلك حكم من، إلا أن يقع دليل فإن خاف رجل على نفسه وتيقن أنه لا طاقة له بالمشركين فله الرجوع لئلا يلقي بيده إلى التهلكة). [معاني القرآن: 3/138-140]

*تفسير قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى...}
دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر بكفّ من تراب فحثاه في وجوه القوم، وقال: "شاهت الوجوه"، أي قبحت، فكان ذلك أيضا سبب هزمهم). [معاني القرآن:1/406]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى} مجازه: ما ظفرت ولا أصبت ولكن الله أيّدك وأظفرك وأصاب بك ونصرك ويقال: رمى الله لك، أي نصرك الله وصنع لك). [مجاز القرآن:1/244]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ( {فلم تقتلوهم ولكنّ اللّه قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسناً إنّ اللّه سميعٌ عليمٌ}
وقال: {وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى} تقول العرب: "و الله ما ضربت غيره" وإنما ضربت أخاه كما تقول "ضربه الأمير" والأمير لم يل ضربه. ومثل هذا في كلام العرب كثير). [معاني القرآن:2/25]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو جعفر وشيبة ونافع {ولكن الله رمى} {ولكن الله سلم} {ولكن الله قتلهم}.
وقراءة أبي عمرو {ولكن الله رمى}.
[وزاد محمد بن صالح]:
أبو عمرو {ولكن الله رمى} ). [معاني القرآن لقطرب: 612]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {فلم تقتلوهم ولكنّ اللّه قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إنّ اللّه سميع عليم}
ويقرأ، ولكن اللّه قتلهم، فمن شدّد نصب لنصب {لكنّ} ومن خفف أبطل عملها ورفع قوله: {اللّه} بالابتداء.
أضاف اللّه قتلهم إليه، لأنه هو الذي تولى نصرهم، وأظهر في ذلك الآيات المعجزات.
وقوله عزّ وجلّ: {وما رميت إذ رميت}.
ليس هذا نفي رمي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن العرب خوطبت بما تعقل.
ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر الصديق: ناولني كفا من بطحاء، فناوله كفّا فرمى بها فلم يبق منهم أحد - أعني من العدو إلا شغل بعينه فأعلم اللّه - جلّ وعزّ - أن كفّا من تراب أو حصى لا يملأ عيون ذلك الجيش الكثير برمية بشر، وأنه عزّ وجلّ تولى إيصال ذلك إلى أبصارهم، فقال عزّ وجلّ: {وما رميت إذ رميت}. أي لم يصب رميك ذاك ويبلغ ذلك المبلغ بك، إنما اللّه عز وجل تولى ذلك، فهذا مجاز {وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى}.
وقوله جلّ وعزّ: {وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا}.
أي لينصرهم نصرا جميلا، ويختبرهم بالتي هي أحسن.
ومعنى يبليهم ههنا يسدي إليهم). [معاني القرآن:407-2/406]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): ( ثم قال جل وعز: {فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم}
وقال ابن أبي نجيح: لما قال هذا قتلت وهذا قتلت.
ثم قال جل وعز: {وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى} قال ابن أبي نجيح: هذا لما حصبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو جعفر: وحقيقة هذا في اللغة إنهم خوطبوا على ما يعرفون لن لأن عددهم كان قليلا وأبلغوا من المشركين ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حصبهم بكفه فلم يبق أحد من المشركين إلا وقع في عينه أي فلو كان إلى ما في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل إلى ذلك الجيش العظيم ولكن الله فعل بهم ذلك
والتقدير والله أعلم وما رميت بالرعب في قلوبهم إذ رميت بالحصباء في وجوههم وقلت شاهت الوجوه ولكن الله رمى بالرعب في قلوبهم
وقيل المعنى وما رميت الرمي الذي كانت به الإماتة ولكن الله رمى.
ثم قال جل وعز: {وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا}والبلاء ههنا النعمة). [معاني القرآن: 3/140-141]

*تفسير قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ذالكم وأنّ اللّه موهن كيد الكافرين...}
و(موهّن). فإن شئت أضفت، وإن شئت نوّنت ونصبت، ومثله: {إنّ اللّه بالغ أمره، وبالغٌ أمره} و{كاشفات ضرّه، وكاشفاتٌ ضرّه} ). [معاني القرآن:1/406]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {ذلكم وأن الله موهن كيد} من أوهن أي ضعف.
[معاني القرآن لقطرب: 612]
[عن محمد].
أبو عمرو {موهن} من وهن.
وقراءة عاصم والأعمش {موهن} بالتخفيف منون، ونصب {كيد}.
أبو عمرو "وإن الله موهن" يصير على الابتداء.
وإذا قال {وأن الله} فكأنه قال: ذلكم وذاك، فصيرها اسمًا، وقد فسرنا ذلك كله في سورة البقرة). [معاني القرآن لقطرب: 613]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {ذلكم وأنّ اللّه موهن كيد الكافرين}
بتشديد الهاء والنصب في {كيد} ويجوز الجر في {كيد} وإضافة {موهن}
إليه. ففيه أربعة أوجه. في النصب وجهان، وفي الجر وجهان.
وموضع {ذلكم}رفع، المعنى الأمر ذلكم وأن اللّه، والأمر أن اللّه موهن.
وقوله: {ذلكم فذوقوه}.
موضع {ذلكم} رفع على إضمار الأمر، المعنى: الأمر ذلكم فذقوه، فمن قال: إنه يرفع ذلكم بما عاد عليه من الهاء أو بالابتداء وجعل الخبر فذوقوه.
فقد أخطأ من قبل أن ما بعد الفاء لا يكون خبرا لمبتدأ.
لا يجوز زيد فمنطلق، ولا زيد فاضربه، إلا أن تضمر " هذا " تريد هذا زيد فاضربه.
قال الشاعر:
وقائلة خولان فانكح فتاتهم..=. وأكرومة الحيّين خلو كما هيا
وذكر بعضهم: أن تكون في موضع نصب على إضمار واعلموا أن للكافرين عذاب النار. ويلزم على هذا أن يقال: زيد منطلق وعمرا قائما.
على معنى واعلم عمرا قائما، بل يلزمه أن يقول عمرا منطلقا، لأن المخبر معلم، ولكنه لم يجز إضمار أعلم ههنا، لأن كل كلام يخبر به أو يستخبر فيه فأنت معلم به. فاستغنى عن إظهار العلم أو إضماره.
وهذا القول لم يقله أحد من النحويين). [معاني القرآن:408-2/407]

*تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح...}
قال أبو جهل يومئذ: اللهم انصر أفضل الدينين وأحقّه بالنصر، فقال الله تبارك وتعالى: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} يعني النصر.
وقوله: {وأنّ اللّه مع المؤمنين} قال: كسر ألفها أحب إليّ من فتحها؛ لأن في قراءة عبد الله: {وإن الله لمع المؤمنين} فحسّن هذا كسرها بالابتداء. ومن فتحها أراد {ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت} يريد: لكثرتها ولأن الله مع المؤمنين، فيكون موضعها نصبا لأن الخفض يصلح فيها). [معاني القرآن:407-1/406]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} مجازه: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر.
{فئتكم شيئاً} مجازها: جماعتكم، قال العجّاج:
كما يحوز الفئة الكمىّ). [مجاز القرآن:1/245]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}: تستنصروا). [غريب القرآن وتفسيره:158]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ( {إن تستفتحوا} أي تسألوا الفتح، وهو النصر.
{فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خيرٌ لكم} وذلك أن أبا جهل قال: اللهم انصر أحبّ الدينين إليك. فنصر اللّه رسوله). [تفسير غريب القرآن:178]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأنّ اللّه مع المؤمنين}
معناه: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر، ويجوز أن يكون معناه إن تستحكموا فقد جاءكم الحكم.؛ وقد أتى التفسير بالمعنيين جميعا.
رووا أن أبا جهل قال يوم بدر: " اللهم أقطعنا للرحم، وأفسدنا للجماعة فأحنه اليوم " فسأل الله أن يحكم بحين من كان كذلك، فنصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ونال الحين أبا جهل وأصحابه، فقال اللّه جلّ وعزّ: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}أي إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء.
وقيل إنه قال: اللهم انصر أحبّ الفئتين إليك، فهذا يدلّ على أن معناه: إن تستنصروا. وكلا الوجهين جيد). [معاني القرآن:2/408]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} [آية:19]
قال مجاهد أي إن تستنصروا
وقال الضحاك قال أبو جهل اللهم انصر أحب الفئتين إليك فقال الله عز وجل: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}
والمعنى عند أهل اللغة إن تستدعوا الفتح وهو النصر). [معاني القرآن:3/142]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا} أي تسألوا الفتح وهو النصر). [تفسير المشكل من غريب القرآن:92]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( {تَسْتَفْتِحُواْ}: تستنصروا). [العمدة في غريب القرآن:143]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 6 جمادى الأولى 1434هـ/17-03-2013م, 07:10 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) }


تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) }
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين أتى عبد الله ابن رواحة أو غيره من أصحابه.
يعوده.
فما تحوز له عن فراشه.
قال: قوله: تحوز، هو التنحي، وفيه لغتان: التحوز والتحيز.
قال الله تبارك وتعالى: {أو متحيزا إلى فئة}.
فالتحوز: التفعل.
والتحيز: التفيعل.
قال القطامي يصف عجوزا استضافها فجعلت تروغ عنه فقال:
تحوز عني خشية أن أضيفها = كما انحازت الأفعى مخافة ضارب
وإنما أراد من هذا الحديث أنه لم يقم له ولم يتنح عن صدر فراشه، لأن السنة أن الرجل أحق بصدر دابته وصدر فراشه). [غريب الحديث: 2/505-507]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) }
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : ( *بلو* البلاء يكون نعمة ومنحة ويكون نقمة ومحنة قال الله تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} وقال أيضا: {وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا} وقوله: {وفي ذالكم بلاء من ربكم عظيم} راجع إلى الأمرين إلى المحنة التي في قوله: {يذبحون أبناءكم} وإلى المنحة التي في قوله: {أنجاكم} ). [كتاب الأضداد: 59] (م)

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب آخر من أبواب أن
تقول ذلك وأن لك عندي ما أحببت وقال الله عز وجل: {ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين} وقال: {ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار} وذلك لأنها شركت ذلك فيما حمل عليه كأنه قال الأمر ذلك وأن الله ولو جاءت مبتدأةً لجازت يدلك على ذلك قوله عز وجل: {ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله} فمن ليس محمولاً على ما حمل عليه ذلك فكذلك يجوز أن يكون إن منقطعةً من ذلك قال الأحوص:

عوّدت قومي إذا ما الضّيف نبّهني = عقر العشار على عسري وإيساري
إنّي إذا خفيت نارٌ لمرملةٍ = ألفي بأرفع تلٍّ رافعاً ناري
ذاك وإنّي على جاري لذو حدبٍ = أحنو عليه بما يحنى على الجار
فهذا لا يكون إلا مستأنفاً غير محمول على ما حمل عليه ذاك فهذا أيضاً يقوي ابتداء إن في الأول). [الكتاب: 3/125-126]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) }

قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين.
قال حدثنيه عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أمية بن خالد بن عبد الله بن أسيد.
هكذا قال عبد الرحمن وهو عندي: أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد.
قال عبد الرحمن يعني بقوله: يستفتح بصعاليك المهاجرين، أنه كان يستفتح القتال بهم.
كأنه يتيمن بهم والصعاليك هم الفقراء. والاستفتاح هو الاستنصار، ويروى في تفسير قوله عز وجل: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} يقول: إن تستنصروا فقد جاءكم النصر.
ويروى أن امرأة من العرب كان بينها وبين زوجها خصومة فقالت: بيني وبينك الفتاح تعني الحاكم لأنه ينصر المظلوم على الظالم). [غريب الحديث: 1/309-310]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (فأما التأويل بالقرآن:

فكالبيض، يعبر بالنساء، لقول الله عز وجل: {كأنهن بيض مكنون}.
وكالخشب، يعبر بالنفاق؛ بقول الله عز وجل: {كأنهم خشب مسندة}.
وكالحجارة، تعبر بالقسوة، بقول الله عز وجل: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة}.
وكالسفينة، تعبر بالنجاة؛ لأن الله تعالى نجى بها نوحا عليه السلام ومن كان معه.
وكالماء، يعبر في بعض الأحوال بالفتنة؛ لقول الله تعالى: {لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه}.
وكاللحم الذي يؤكل، يعبر بالغيبة؛ لقول الله عز وجل: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا}.
وكالمستفتح بابا بمفتاح، يعبر بالدعاء؛ لقول الله عز وجل: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} يريد: أن تدعوا.
وكالمصيب مفتاحا في المنام –أو مفاتيح- يعبر بأنه يكسب مالا، لقوله عز وجل في قارون: {ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة} يريد: أمواله؛ سميت أموال الخزائن مفاتيح، لأن بالمفاتيح يوصل إليها.
وكالملك يرى في المحلة أو البلدة أو الدار، وقدرها يصغر عن قدره، وتنكر دخول مثلها مثله؛ يعبر ذلك بالمصيبة والذل ينال أهل ذلك الموضع، لقوله عز وجل: {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون}.
وكالحبل، يعبر بالعهد، لقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا}.
ولقوله تعالى: {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس} أي: بأمان وعهد.
والعرب تسمي العهد حبلا؛ قال الشاعر:
وإذا تجوزها حبال قبيلة = أخذت من الأخرى إليك حبالها
وكاللباس، يعبر بالنساء؛ لقوله جل وعز: {هم لباس لكم وأنتم لباس لهن} ). [تعبير الرؤيا: 35-37] (م)
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (تفسير قوله تعالى: {ويقولون متى هذا الفتح} [السجدة: 28] الآية
وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري، في قوله جل وعز، {ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين} [السجدة: 28] معناه متى هذا القضاء والحكم، وأنشد:
ألا أبلغ بني عصم رسولًا = فإنّي عن فتاحتكم غنيّ
معناه عن محاكمتكم، ومن ذلك قول الله جل وعز: {ربّنا افتح بيننا وبين قومنا بالحقّ}[الأعراف: 89] أي اقض بيننا وقال الفراء وأهل عمان: يسمّون القاضي الفتّاح، فأما قوله جل عز: {إن تستفتحوا
فقد جاءكم الفتح} [الأنفال: 19] ، ففيه قولان قال قوم: معناه إن تستقضوا فقد جاءكم القضاء، وقال آخرون إن تستنصروا فقد جاءكم النصر، وذلك أن أبا جهل قال يوم بدر: اللهم انصر أفضل الدّينين عندك، وأرضاه لديك، فقال الله عز وجل: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} [الأنفال: 19] ، ويروى عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يستفتح بصعاليك المهاجرين، قال أبو عبيدة: معناه يستنصر، والصّعلوك: الفقير في كلام العرب، قال حاتم بن عبد الله:

غنينا زمانا التصعلك والغنى = فكلًا سقاناه بكأسيهما الدّهر
يعني بالفقر والغنى). [الأمالي: 2/281-282] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفاً الآية، زحفاً يراد به متقابلي الصفوف والأشخاص، أي يزحف بعضهم إلى بعض، وأصل الزحف الاندفاع على الألية ثم سمي كل ماش إلى آخر في الحرب رويدا زاحفا، إذ في مشيته من التماهل والتباطؤ ما في مشي الزاحف، ومن الزحف الذي هو الاندفاع قولهم لنار العرفج وما جرى مجراه في سرعة الاتقاد نار الزحفتين ومن التباطؤ في المشي قول الشاعر: [البسيط]
كأنهنّ بأيدي القوم في كبد = طير تكشف عن جون مزاحيف
ومنه قول الفرزدق: [البسيط]
على عمائمنا تلقى وأرجلنا = على مزاحيف تزجى مخها رير
ومنه قول الآخر [الأعشى]: [الطويل]
لمن الظعائن سيرهنّ تزحّف = ... ... ... ...
ومن التزحف بمعنى التدافع قول الهذلي: [الوافر]
كان مزاحف الحيّات فيه = قبيل الصبح آثار السياط
وأمر الله عز وجل في هذه الآية أن لا يولي المؤمنون أمام الكفار، وهذا الأمر مقيد بالشريطة المنصوصة في مثلي المؤمنين، فإذا لقيت فئة من المؤمنين فئة هي ضعف المؤمنة من المشركين فالفرض أن لا يفروا أمامهم، فالفرار هناك كبيرة موبقة بظاهر القرآن والحديث وإجماع الأكثر من الأمة، والذي يراعى العدد حسب ما في كتاب الله عز وجل: وهذا قول جمهور الأمة، وقالت فرقة منهم ابن الماجشون في الواضحة: يراعى أيضا الضعف والقوة والعدة فيجوز على قولهم أن تفر مائة فارس إذا علموا أن عند المشركين من العدة والنجدة والبسالة ضعف ما عندهم، وأمام أقل أو أكثر بحسب ذلك وأما على قول الجمهور فلا يحل فرار مائة إلا أمام ما زاد على مائتين والعبارة بالدبر في هذه الآية متمكنة الفصاحة، لأنها بشعة على الفار ذامة له، وقرأ الجمهور «دبره» بضم الباء، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «دبره» بسكون الباء، واختلف المتأولون في المشار إليه بقوله يومئذٍ فقالت فرقة الإشارة إلى يوم بدر وما وليه، وفي ذلك اليوم وقع الوعيد بالغضب على من فر، ونسخ بعد ذلك حكم الآية بآية الضعف، وبقي الفرار من الزحف ليس بكبيرة وقد فر الناس يوم أحد فعفا الله عنهم، وقال فيهم يوم حنين: ثمّ ولّيتم مدبرين [التوبة: 25] ولم يقع على ذلك تعنيف.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقال الجمهور من الأمة: الإشارة ب يومئذٍ إلى يوم اللقاء الذي يتضمنه قوله إذا لقيتم وحكم الآية باق إلى يوم القيامة بشرط الضعف الذي بينه الله تعالى في آية أخرى، وليس في الآية نسخ، وأما يوم أحد فإنما فر الناس من أكثر من ضعفهم ومع ذلك عنفوا لكون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم وفرارهم عنه، وأما يوم حنين فكذلك من فر إنما انكشف أمام الكثرة، ويحتمل أن عفو الله عمن فر يوم أحد كان عفوا عن كبيرة، ومتحرّفاً لقتالٍ يراد به الذي يرى أن فعله ذلك أنكى للعدو وأعود عليه بالشر ونصبه على الحال، وكذلك نصب متحيز، وأما الاستثناء فهو من المولين الذين يتضمنهم من، وقال قوم: الاستثناء هو من أنواع التولي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولو كان ذلك لوجب أن يكون إلا تحرفا وتحيزا، والفئة هاهنا الجماعة من الناس الحاضرة للحرب، هذا على قول الجمهور في أن الفرار من الزحف كبيرة، وأما على القول الآخر فتكون الفئة المدينة والإمام وجماعة المسلمين حيث كانوا، روي هذا القول عن عمر رضي الله عنه وأنه قال: أنا فئتكم أيها المسلمون.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا منه على جهة الحيطة على المؤمنين إذ كانوا في ذلك الزمن يثبتون لأضعافهم مرارا، وفي مسند ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لجماعة فرت في سرية من سراياه: «أنا فئة المسلمين» حين قدموا عليه، وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اتقوا السبع الموبقات» وعدد فيها الفرار من الزحف، وباء بمعنى نهض متحملا للثقل المذكور في الكلام غضبا كان أو نحوه، والغضب من صفات الله عز وجل إذا أخذ بمعنى الإرادة فهي صفة ذات، وإذا أخذ بمعنى إظهار أفعال الغاضب على العبد فهي صفة فعل، وهذا المعنى أشبه بهذه الآية، والمأوى الموضع الذي يأوي إليه الإنسان). [المحرر الوجيز: 4/ 152-156]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: فلم تقتلوهم ولكنّ اللّه قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسناً إنّ اللّه سميعٌ عليمٌ (17) ذلكم وأنّ اللّه موهن كيد الكافرين (18)
هذه مخاطبة للمؤمنين أعلم الله بها أن القتلة من المؤمنين ليس هم مستبدين بالقتل، لأن القتل بالإقدار عليه، والخلق والاختراع في جميع حالات القاتل إنما هي لله تعالى ليس للقاتل فيها شيء، وإنما يشاركه بتكسبه وقصده، وهذه الألفاظ ترد على من يقول بأن أفعال العباد خلق لهم، وسبب هذه الآية فيما روي عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صدروا عن بدر ذكر كل واحد منهم ما فعل، فقال قتلت كذا وفعلت كذا فجاء من ذلك تفاخر ونحو ذلك فنزلت الآية، وقوله وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى يراد به ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله يومئذ، وذلك أنه أخذ قبضات من حصى وتراب، فرمى بها في وجوه القوم وتلقاهم ثلاث مرات فانهزموا عند آخر رمية، ويروى أنه قال يوم بدر: شاهت الوجوه، وهذه الفعلة أيضا كانت يوم حنين بلا خلاف، وروي أن التراب الذي رمى به لم يبق كافر إلا دخل في عينيه منه شيء، وروي أنه رمى بثلاثة أحجار فكانت الهزيمة مع الحجر الثالث.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فيحتمل قوله تعالى: وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى ما قلناه في قوله فلم تقتلوهم ولكنّ اللّه قتلهم وذلك منصوص في الطبري وغيره، وهو خارج في كلام العرب على معنى وما رميت الرمي الكافي إذ رميت، ونحوه قول العباس بن مرداس: [المتقارب] فلم أعط شيئا ولم أمنع أي لن أعط شيئا مرضيا ويحتمل أن يريد، وما رميت الرعب في قلوبهم إذ رميت حصياتك، ولكن الله رماه وهذا أيضا منصوص في المهدوي وغيره، ويحتمل أن يريد وما أغنيت إذ رميت حصياتك ولكن الله رمى أي أعانك وأظفرك، والعرب تقول في الدعاء: رمى الله لك، أي أعانك وصنع لك.
وحكى هذا أبو عبيدة في كتاب المجاز وقرأت فرقة «ولكنّ الله رمى» بتشديد النون، وفرقة «ولكن الله» بتخفيفها ورفع الهاء من «الله»، وليبلي أي ليصيبهم ببلاء حسن، فظاهر وصفه بالحسن يقتضي أنه أراد الغنيمة والظفر والعزة، وقيل أراد الشهادة لمن استشهد يوم بدر وهم أربعة عشر رجلا، منهم عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ومهجع مولى عمر، ومعاذ وعمرو ابنا عفراء، وغيرهم، إنّ اللّه سميعٌ لاستغاثتكم، عليمٌ بوجه الحكمة في جميع أفعاله لا إله إلا هو، وحكى الطبري: أن المراد بقوله وما رميت إذ رميت رمي رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة على أبي بن خلف يوم أحد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف لأن الآية نزلت عقب بدر، وعلى هذا القول تكون أجنبية مما قبلها وما بعدها وذلك بعيد، وحكي أيضا أن المراد السهم الذي رمى به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حصن خيبر فصار في الهويّ حتى أصاب ابن أبي الحقيق فقتله وهو على فراشه، وهذا فاسد، وخيبر فتحها أبعد من أحد بكثير، والصحيح في قتل ابن أبي الحقيق غير هذا، فهذان القولان ضعيفان لما ذكرناه). [المحرر الوجيز: 4/ 156-158]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله ذلكم إشارة إلى ما تقدم من قتل الله ورميه إياهم، وموضع ذلكم من الإعراب رفع، قال سيبويه: التقدير الأمر ذلكم، وقال بعض النحويين: يجوز أن يكون في موضع نصب بتقدير فعل ذلكم وأنّ معطوف على ذلكم، ويحتمل أن يكون خبر ابتداء مقدر تقديره وحتم وسابق وثابت ونحو هذا، وقرأت فرقة «وإن» بكسر الهمزة على القطع والاستئناف. وموهن معناه مضعف مبطل، يقال وهن الشيء مثل وعد يعد، ويقال وهن مثل ولي يلي، وقرئ فما وهنوا لما أصابهم [آل عمران: 146] بكسر الهاء، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر وأبو بكر عن عاصم «موهن كيد» من أوهن، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «موهن كيد» من وهن، وقرأ حفص عن عاصم «موهن كيد» بكسر الدال والإضافة، وذكر الزجّاج أن فيها أربعة أوجه فذكر هذه القراءات الثلاث، وزاد «موهّن كيد» بتشديد الهاء والإضافة إلا أنه لم ينص أنها قراءة). [المحرر الوجيز: 4/ 158-159]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خيرٌ لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئاً ولو كثرت وأنّ اللّه مع المؤمنين (19) يا أيّها الّذين آمنوا أطيعوا اللّه ورسوله ولا تولّوا عنه وأنتم تسمعون (20) ولا تكونوا كالّذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون (21)
قال بعض المتأولين: هذه الآية مخاطبة للمؤمنين الحاضرين يوم بدر، قال الله لهم: إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وهو الحكم بينكم وبين الكافرين فقد جاءكم، وقد حكم الله لكم، وإن تنتهوا عما فعلتم من الكلام في أمر الغنائم وما شجر بينكم فيها وعن تفاخركم بأفعالكم من قتل وغيره فهو خير لكم وإن تعودوا لهذه الأفعال نعد لتوبيخكم، ثم أعلمهم أن الفئة وهي الجماعة لا تغني وإن كثرت إلا بنصر الله تعالى ومعونته، ثم أنسهم بقوله وإيجابه، أنه مع المؤمنين، وقال أكثر المتأولين: هذه الآية مخاطبة للكفار أهل مكة، وذلك أنه روي أن أبا جهل كان يدعو أبدا في محافل قريش، ويقول اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فأهلكه واجعله المغلوب، يريد محمدا صلى الله عليه وسلم وإياهم، وروي أن قريشا لما عزموا على الخروج إلى حماية العير تعلقوا بأستار الكعبة واستفتحوا، وروي أن أبا جهل قال صبيحة يوم بدر: اللهم انصر أحب الفئتين إليك وأظهر خير الدينين عندك، اللهم أقطعنا للرحم فاحنه الغداة، ونحو هذا فقال لهم الله: إن تطلبوا الفتح فقد جاءكم أي كما ترونه عليكم لا لكم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا توبيخ، ثم قال لهم وإن تنتهوا عن كفركم وغيكم فهو خيرٌ لكم ثم أخبرهم أنهم إن عادوا للاستفتاح عاد بمثل الوقعة يوم بدر عليهم، ثم أعلمهم أن فئتهم لا تغني شيئا وإن كانت كثيرة، ثم أعلمهم أنه مع المؤمنين.
وقالت فرقة من المتأولين: قوله وإن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح، هي مخاطبة للمؤمنين، وسائر الآية مخاطبة للمشركين، كأنه قال وأنتم الكفار إن تنتهوا فهو خير لكم، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي بكر وأبي عمرو وحمزة والكسائي «وإن الله» بكسر الهمزة على القطع، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص «وأن» بفتح الألف، فإما أن يكون في موضع رفع على خبر ابتداء محذوف، وإما في موضع نصب بإضمار فعل وما ذكره الطبري من أن التقدير لكثرتها ولأن الله مع المؤمنين محتمل المعنى، وفي قراءة ابن مسعود: «ولو كثرت والله مع المؤمنين». وهذا يقوي قراءة من كسر الألف، من «إن»). [المحرر الوجيز: 4/ 159-160]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 شعبان 1435هـ/15-06-2014م, 03:27 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفًا فلا تولّوهم الأدبار (15) ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلّا متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ فقد باء بغضبٍ من اللّه ومأواه جهنّم وبئس المصير (16) }
يقول تعالى متوعّدًا على الفرار من الزّحف بالنّار لمن فعل ذلك: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفًا} أي: تقاربتم منهم ودنوتم إليهم، {فلا تولّوهم الأدبار} أي: تفرّوا وتتركوا أصحابكم،
{ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلا متحرّفًا لقتالٍ} أي: يفرّ بين يدي قرنه مكيدةً؛ ليريه أنّه [قد] خاف منه فيتبعه، ثمّ يكرّ عليه فيقتله، فلا بأس عليه في ذلك. نصّ عليه سعيد بن جبيرٍ، والسّدّيّ.
وقال الضّحّاك: أن يتقدّم عن أصحابه ليرى غرّةً من العدوّ فيصيبها.
{أو متحيّزًا إلى فئةٍ} أي: فرّ من هاهنا إلى فئةٍ أخرى من المسلمين، يعاونهم ويعاونوه فيجوز له ذلك، حتّى [و] لو كان في سريّةٍ ففرّ إلى أميره أو إلى الإمام الأعظم، دخل في هذه الرّخصة.
قال الإمام أحمد: حدّثنا حسنٌ، حدّثنا زهير، حدّثنا يزيد بن أبي زيادٍ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن عبد اللّه بن عمر، رضي اللّه عنهما، قال: كنت في سريّةٍ من سرايا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فحاص النّاس حيصةً -وكنت فيمن حاص -فقلنا: كيف نصنع وقد فررنا من الزّحف وبؤنا بالغضب؟ ثمّ قلنا: لو دخلنا المدينة فبتنا؟ ثمّ قلنا: لو عرضنا أنفسنا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإن كانت لنا توبةٌ وإلّا ذهبنا؟ فأتيناه قبل صلاة الغداة، فخرج فقال: "من القوم؟ " فقلنا: نحن الفرّارون. فقال: "لا بل أنتم العكّارون، أنا فئتكم، وأنا فئة المسلمين" قال: فأتيناه حتّى قبّلنا يده.
وهكذا رواه أبو داود، والتّرمذيّ، وابن ماجه، من طرقٍ عن يزيد بن أبي زيادٍ وقال التّرمذيّ: حسنٌ لا نعرفه إلّا من حديثه.
ورواه ابن أبي حاتمٍ، من حديث يزيد بن أبي زيادٍ به. وزاد في آخره: وقرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {أو متحيّزًا إلى فئةٍ}
قال أهل العلم: معنى قوله: "العكّارون" أي: العطّافون. وكذلك قال عمر بن الخطّاب. رضي اللّه عنه، في أبي عبيدٍ لمّا قتل على الجسر بأرض فارس، لكثرة الجيش من ناحية المجوس، فقال عمر: لو انحاز إليّ كنت له فئةً. هكذا رواه محمّد بن سيرين، عن عمر
وفي رواية أبي عثمان النّهديّ، عن عمر قال: لمّا قتل أبو عبيدٍ قال عمر: يا أيّها الناس، أنا فئتكم.
وقال مجاهدٌ: قال عمر: أنا فئة كلّ مسلمٍ.
وقال عبد الملك بن عمير، عن عمر: أيّها النّاس، لا تغرّنّكم هذه الآية، فإنّما كانت يوم بدرٍ، وأنا فئةٌ لكلّ مسلمٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا حسّان بن عبد اللّه المصريّ، حدّثنا خلّاد بن سليمان الحضرميّ، حدّثنا نافعٌ: أنّه سأل ابن عمر قلت: إنّا قومٌ لا نثبت عند قتال عدوّنا، ولا ندري من الفئة: إمامنا أو عسكرنا؟ فقال: إنّ الفئة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت إنّ اللّه يقول: {إذا لقيتم الّذين كفروا زحفًا فلا تولّوهم الأدبار} فقال: إنّما نزلت هذه الآية في يوم بدرٍ، لا قبلها ولا بعدها.
وقال الضّحّاك في قوله: {أو متحيّزًا إلى فئةٍ} المتحيّز: الفارّ إلى النّبيّ وأصحابه، وكذلك من فرّ اليوم إلى أميره أو أصحابه.
فأمّا إن كان الفرار لا عن سببٍ من هذه الأسباب، فإنّه حرامٌ وكبيرةٌ من الكبائر، لما رواه البخاريّ ومسلمٌ في صحيحهما عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اجتنبوا السّبع الموبقات". قيل: يا رسول اللّه، وما هنّ؟ قال: "الشّرك باللّه، والسّحر، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات"
ولهذا الحديث شواهد من وجوهٍ أخر؛ ولهذا قال تعالى: {فقد باء} أي: رجع {بغضبٍ من اللّه ومأواه} أي: مصيره ومنقلبه يوم ميعاده: {جهنّم وبئس المصير}
وقال الإمام أحمد: حدّثنا زكريّا بن عديّ، حدّثنا عبيد اللّه بن عمرٍو الرّقّي، عن زيد بن أبي أنيسة، حدّثنا جبلة بن سحيم، عن أبي المثنّى العبديّ، سمعت السّدوسيّ -يعني ابن الخصاصية، وهو بشير بن معبدٍ -قال: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لأبايعه، فاشترط عليّ: "شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّدًا عبده ورسوله، وأن أقيم الصّلاة، وأن أؤدّي الزّكاة، وأن أحجّ حجّة الإسلام، وأن أصوم شهر رمضان، وأن أجاهد في سبيل اللّه". فقلت: يا رسول اللّه، أمّا اثنتان فواللّه لا أطيقهما: الجهاد، فإنّهم زعموا أنّه من ولّى الدّبر فقد باء بغضبٍ من اللّه، فأخاف إن حضرت ذلك خشعت نفسي وكرهت الموت. والصّدقة، فواللّه ما لي إلّا غنيمةٌ وعشر ذودٍ هنّ رسل أهلي وحمولتهم. فقبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يده، ثمّ حرّك يده، ثمّ قال: "فلا جهاد ولا صدقة، فيم تدخل الجنّة إذًا؟ " فقلت: يا رسول اللّه، أنا أبايعك. فبايعته عليهنّ كلهنّ.
هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه ولم يخرجوه في الكتب الستة.
وقال الحافظ أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى بن حمزة، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم أبو النّضر، حدّثنا يزيد بن ربيعة، حدّثنا أبو الأشعث، عن ثوبان، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ثلاثةٌ لا ينفع معهنّ عملٌ: الشّرك باللّه، وعقوق الوالدين، والفرار من الزّحف".
وهذا أيضًا حديثٌ غريبٌ جدًّا.
وقال الطّبرانيّ أيضًا: حدّثنا العبّاس بن الفضل الأسفاطيّ، حدّثنا موسى بن إسماعيل، حدّثنا حفص بن عمر الشّنّي، حدّثني عمرو بن مرّة قال: سمعت بلال بن يسار بن زيدٍ -مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -قال: سمعت أبي حدّث عن جدّي قال: قال رسول اللّه: "من قال أستغفر اللّه الّذي لا إله إلّا هو وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فرّ من الزّحف".
وهكذا رواه أبو داود عن موسى بن إسماعيل، به. وأخرجه التّرمذيّ، عن البخاريّ، عن موسى بن إسماعيل به. وقال: غريبٌ لا نعرفه إلّا من هذا الوجه
قلت: ولا يعرف لزيدٍ مولى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، عنه سواه.
وقد ذهب ذاهبون إلى أنّ الفرار إنّما كان حرامًا على الصّحابة؛ لأنّه -يعني الجهاد -كان فرض عينٍ عليهم. وقيل: على الأنصار خاصّةً؛ لأنّهم بايعوا على السّمع والطّاعة في المنشط والمكره. وقيل: [إنّما] المراد بهذه الآية أهل بدرٍ خاصّةً، يروى هذا عن عمر، وابن عمر، وابن عبّاسٍ، وأبي هريرة، وأبي سعيدٍ، وأبي نضرة، ونافعٍ مولى ابن عمر، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن البصريّ، وعكرمة، وقتادة، والضّحّاك، وغيرهم.
وحجّتهم في هذا: أنّه لم تكن عصابةٌ لها شوكةٌ يفيئون إليها سوى عصابتهم تلك، كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "اللّهمّ إنّ تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض"؛ ولهذا قال عبد اللّه بن المبارك، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن في قوله: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} قال: ذلك يوم بدرٍ، فأمّا اليوم: فإن انحاز إلى فئةٍ أو مصرٍ -أحسبه قال: فلا بأس عليه.
وقال ابن المبارك أيضًا، عن ابن لهيعة: حدّثني يزيد بن أبي حبيبٍ قال: أوجب اللّه تعالى لمن فرّ يوم بدرٍ النّار، قال: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره إلا متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ فقد باء بغضبٍ من اللّه} فلمّا كان يوم أحدٍ بعد ذلك قال: {إنّ الّذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان [إنّما استزلّهم الشّيطان ببعض ما كسبوا]} {ولقد عفا اللّه عنهم} [آل عمران: 155]، ثمّ كان يوم حنين بعد ذلك بسبع سنين، قال: {ثمّ ولّيتم مدبرين} [التّوبة: 25] {ثمّ يتوب اللّه من بعد ذلك على من يشاء} [التّوبة: 27].
وفي سنن أبي داود، والنّسائيّ، ومستدرك الحاكم، وتفسير ابن جريرٍ، وابن مردويه، من حديث داود بن أبي هندٍ، عن أبي نضرة، عن أبي سعيدٍ أنّه قال في هذه الآية: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} إنّما أنزلت في أهل بدرٍ وهذا كلّه لا ينفي أن يكون الفرار من الزّحف حرامًا على غير أهل بدرٍ، وإن كان سبب النّزول فيهم، كما دلّ عليه حديث أبي هريرة المتقدّم، من أنّ الفرار من الزّحف من الموبقات، كما هو مذهب الجماهير، واللّه [تعالى] أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 27-30]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (17) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فلم تقتلوهم ولكنّ اللّه قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسنًا إنّ اللّه سميعٌ عليمٌ (17) ذلكم وأنّ اللّه موهن كيد الكافرين (18) }
يبيّن تعالى أنّه خالق أفعال العباد، وأنّه المحمود على جميع ما صدر عنهم من خيرٍ؛ لأنّه هو الّذي وفّقهم لذلك وأعانهم؛ ولهذا قال: {فلم تقتلوهم ولكنّ اللّه قتلهم} أي: ليس بحولكم وقوّتكم قتلتم أعداءكم مع كثرة عددهم وقلّة عددكم، أي: بل هو الّذي أظفركم [بهم ونصركم] عليهم كما قال تعالى: {ولقد نصركم اللّه ببدرٍ وأنتم أذلّةٌ [فاتّقوا اللّه لعلّكم تشكرون]} [آل عمران: 123]. وقال تعالى: {لقد نصركم اللّه في مواطن كثيرةٍ ويوم حنينٍ إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئًا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثمّ ولّيتم مدبرين} [التّوبة: 25] يعلم -تبارك وتعالى-أنّ النّصر ليس عن كثرة العدد، ولا بلبس اللّأمة والعدد، وإنّما النّصر من عند اللّه تعالى كما قال: {كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن اللّه واللّه مع الصّابرين} [البقرة: 249].
ثمّ قال لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أيضًا في شأن القبضة من التّراب، الّتي حصب بها وجوه المشركين يوم بدرٍ، حين خرج من العريش بعد دعائه وتضرّعه واستكانته، فرماهم بها وقال: " شاهت الوجوه ". ثمّ أمر الصّحابة أن يصدقوا الحملة إثرها، ففعلوا، فأوصل اللّه تلك الحصباء إلى أعين المشركين، فلم يبق أحدٌ منهم إلّا ناله منها ما شغله عن حاله؛ ولهذا قال [تعالى] {ومارميت إذ رميت} أي: هو الّذي بلّغ ذلك إليهم، وكبتهم بها لا أنت.
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: رفع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يديه -يعني يوم بدرٍ -فقال: " يا ربّ إن تهلك هذه العصابة، فلن تعبد في الأرض أبدًا". فقال له جبريل: "خذ قبضةً من التّراب، فارم بها في وجوههم" فأخذ قبضةً من التّراب، فرمى بها في وجوههم، فما من المشركين أحدٌ إلّا أصاب عينيه ومنخريه وفمه ترابٌ من تلك القبضة، فولّوا مدبرين.
وقال السّدّيّ: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لعليٍّ، رضي اللّه عنه، يوم بدر: "أعطني حصبا من الأرض". فناوله حصبًا عليه ترابٌ، فرمى به في وجوه القوم، فلم يبق مشركٌ إلّا دخل في عينيه من ذلك التّراب شيءٌ، ثمّ ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم، وأنزل اللّه: {فلم تقتلوهم ولكنّ اللّه قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى}
وقال أبو معشرٍ المدنيّ، عن محمّد بن قيس ومحمّد بن كعبٍ القرظي قالا لمّا دنا القوم بعضهم من بعضٍ، أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قبضةً من ترابٍ، فرمى بها في وجوه القوم، وقال: "شاهت الوجوه". فدخلت في أعينهم كلّهم، وأقبل أصحاب رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم] يقتلونهم ويأسرونهم، وكانت هزيمتهم في رمية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه: {وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى}
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: في قوله [تعالى] {وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى} قال: هذا يوم بدرٍ، أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاث حصياتٍ فرمى بحصاةٍ [في] ميمنة القوم، وحصاةٍ في ميسرة القوم، وحصاةٍ بين أظهرهم، وقال: "شاهت الوجوه"، فانهزموا.
وقد روي في هذه القصّة عن عروة بن الزّبير، ومجاهدٍ وعكرمة، وقتادة وغير واحدٍ من الأئمّة: أنّها نزلت في رمية النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بدرٍ، وإن كان قد فعل ذلك يوم حنينٍ أيضًا.
وقال أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثنا أحمد بن منصورٍ، حدّثنا يعقوب بن محمّدٍ، حدّثنا عبد العزيز بن عمران، حدّثنا موسى بن يعقوب بن عبد اللّه بن زمعة، عن يزيد بن عبد اللّه، عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، عن حكيم بن حزامٍ قال: لمّا كان يوم بدرٍ، سمعنا صوتًا وقع من السّماء، كأنّه صوت حصاةٍ وقعت في طستٍ، ورمى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تلك الرّمية، فانهزمنا
غريبٌ من هذا الوجه. وهاهنا قولان آخران غريبان جدًّا.
أحدهما: قال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن عوفٍ الطّائيّ، حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا صفوان بن عمرٍو، حدّثنا عبد الرّحمن بن جبيرٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم ابن أبي الحقيق بخيبر، دعا بقوسٍ، فأتى بقوسٍ طويلةٍ، وقال: "جيئوني غيرها". فجاؤوا بقوسٍ كبداء، فرمى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الحصن، فأقبل السّهم يهوي حتّى قتل ابن أبي الحقيق، وهو في فراشه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى}
وهذا غريبٌ، وإسناده جيّدٌ إلى عبد الرّحمن بن جبير بن نفيرٍ، ولعلّه اشتبه عليه، أو أنّه أراد أنّ الآية تعمّ هذا كلّه، وإلّا فسياق الآية في سورة الأنفال في قصّة بدرٍ لا محالة، وهذا ممّا لا يخفى على أئمّة العلم، والله أعلم.
والثّاني: روى ابن جريرٍ أيضًا، والحاكم في مستدركه، بإسنادٍ صحيحٍ إلى سعيد بن المسيّب والزّهريّ أنّهما قالا أنزلت في رمية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم أحدٍ أبي بن خلفٍ بالحربة وهو في لأمته، فخدشه في ترقوته، فجعل يتدأدأ عن فرسه مرارًا، حتّى كانت وفاته [بها] بعد أيّامٍ، قاسى فيها العذاب الأليم، موصولًا بعذاب البرزخ، المتّصل بعذاب الآخرة
وهذا القول عن هذين الإمامين غريبٌ أيضًا جدًّا، ولعلّهما أرادا أنّ الآية تتناوله بعمومها، لا أنّها نزلت فيه خاصّةً كما تقدّم، واللّه أعلم.
وقال محمّد بن إسحاق: حدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير، عن عروة بن الزّبير في قوله: {وليبلي المؤمنين منه بلاءً حسنًا} أي: ليعرّف المؤمنين من نعمته عليهم، من إظهارهم على عدوّهم مع كثرة عدوّهم، وقلّة عددهم، ليعرفوا بذلك حقّه، ويشكروا بذلك نعمته.
وهكذا فسّر ذلك ابن جريرٍ أيضًا. وفي الحديث: "وكلّ بلاءٍ حسنٌ أبلانا".
وقوله: {إنّ اللّه سميعٌ عليمٌ} أي: سميع الدّعاء، عليمٌ بمن يستحقّ النّصر والغلب). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 30-32]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ (18) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله {ذلكم وأنّ اللّه موهن كيد الكافرين} هذه بشارةٌ أخرى مع ما حصل من النّصر: أنّه أعلمهم تعالى بأنّه مضعف كيد الكافرين فيما يستقبل، مصغّرًا أمرهم، وأنّهم كلّ ما لهم في تبارٍ ودمارٍ، وللّه الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 32]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (19) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خيرٌ لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت وأنّ اللّه مع المؤمنين (19) }
يقول تعالى للكفّار {إن تستفتحوا} أي: تستنصروا وتستقضوا اللّه وتستحكموه أن يفصل بينكم وبين أعدائكم المؤمنين، فقد جاءكم ما سألتم، كما قال محمّد بن إسحاق وغيره، عن الزّهريّ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صغير؛ أنّ أبا جهلٍ قال يوم بدرٍ: اللّهمّ أقطعنا للرّحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة -وكان ذلك استفتاحًا منه -فنزلت: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} إلى آخر الآية.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد -يعني ابن هارون -أخبرنا محمّد بن إسحاق، حدّثني الزّهريّ، عن عبد اللّه بن ثعلبة: أنّ أبا جهلٍ قال حين التقى القوم: اللّهمّ، أقطعنا للرّحم، وآتانا بما لا نعرف، فأحنه الغداة، فكان المستفتح.
وأخرجه النّسائيّ في التّفسير من حديث، صالح بن كيسان، عن الزّهريّ، به وكذا رواه الحاكم في مستدركه من طريق الزّهريّ، به وقال: صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرجاه. وروي [نحو] هذا عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، والضّحّاك، وقتادة، ويزيد بن رومان، وغير واحدٍ.
وقال السّدّي: كان المشركون حين خرجوا من مكّة إلى بدر، أخذوا بأستار الكعبة فاستنصروا اللّه وقالوا: اللّهمّ انصر أعلى الجندين، وأكرم الفئتين، وخير القبيلتين. فقال اللّه: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح} يقول: قد نصرت ما قلتم، وهو محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: هو قوله تعالى إخبارًا عنهم: {وإذ قالوا اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك [فأمطر علينا حجارةً من السّماء أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ]} [الأنفال: 32].
وقوله: {وإن تنتهوا} أي: عمّا أنتم فيه من الكفر باللّه والتّكذيب لرسوله، {فهو خيرٌ لكم} أي: في الدّنيا والآخرة. [وقوله] {وإن تعودوا نعد} كقوله {وإن عدتم عدنا} [الإسراء: 8] معناه: وإن عدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والضّلالة، نعد لكم بمثل هذه الواقعة.
وقال السّدّيّ: {وإن تعودوا} أي: إلى الاستفتاح {نعد} إلى الفتح لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، والنّصر له، وتظفيره على أعدائه، والأوّل أقوى.
{ولن تغني عنكم فئتكم شيئًا ولو كثرت} أي: ولو جمعتم من الجموع ما عسى أن تجمعوا، فإنّ من كان اللّه معه فلا غالب له، فإنّ اللّه مع المؤمنين، وهم الحزب النّبويّ، والجناب المصطفويّ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 32-33]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:12 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة