العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17 ربيع الثاني 1434هـ/27-02-2013م, 10:47 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأعراف [ من الآية (172) إلى الآية (174) ]

{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:42 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، في قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} قال: مسح الله على صلب آدم فأخرج من صلبه ما يكون من ذريته إلى يوم القيامة وأخذ ميثاقهم أنه ربهم فأعطوه ذلك فلا تسأل أحدا كافرا ولا غيره من ربك إلا قال الله .
وقال معمر وكان الحسن يقول مثل ذلك). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 242]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): (قوله تعالى: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عتّاب بن بشير، قال: نا خصيف، عن مجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم} ، قال: أخذ من النّبيّين كلّهم قبل أن يخلقوا، قال: أخذ النّطف من صلب آدم، فرأى منها نطفةً تتلألأ، قال: أي ربّ، أيّ بنيّ هذا؟ قال: هذا ابنك داود، قال: أي ربّ، كم جعلت له؟ قال: ستّين سنةً، قال: أقللت له، قال: فأعطه من سنينك، فإنّي جعلت لك ألف سنةً، فأعطأه أربعين سنةً، فلمّا حضر أجل آدم، قال: ربّ أليس جعلت لي ألف سنةً، قال اللّه عزّ وجلّ: أليس قد جعلت من سنينك أربعين سنةً لداود؟ فعند ذلك أمر اللّه عزّ وجل بالكتاب والشهود والبينة.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد العزيز بن محمّدٍ، قال: أخبرني هشام بن سعد، عن شيبة بن نصاح، قال: سألت سعيد بن المسيّب، عن العزل، فقال: إنّ اللّه -عزّ وجلّ- لمّا خلق آدم أكرمه كرامةً لم يكرمها أحدًا من خلقه: أراه من هو كائنٌ من صلبه إلى يوم القيامة، وإن يكن ممّا أراه اللّه إيّاه يكن، فلا عليك أن لا تفعله.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عبد العزيز بن محمّدٍ، قال: نا ربيعة، عن محمّد بن يحيى بن حبّان، عن ابن محيريز، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: سمعت، رسول اللّه -صلّى الله عليه وسلّم- يسأل عن العزل فقال: «لا عليكم أن لا تفعلوا؛ إن تكن ممّا أخذ اللّه منها الميثاق، فكانت على صخرة لنفخ فيها الروح
» ). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 161-167]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا الأنصاريّ، قال: حدّثنا معنٌ، قال: حدّثنا مالك بن أنسٍ، عن ابن أبي أنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرّحمن بن زيد بن الخطّاب، عن مسلم بن يسارٍ الجهنيّ، أنّ عمر بن الخطّاب، سئل عن هذه الآية: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين، قال عمر بن الخطّاب: سمعت رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- يسأل عنها، فقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«إنّ اللّه خلق آدم، ثمّ مسح ظهره بيمينه، فأخرج منه ذرّيّةً، فقال: خلقت هؤلاء للجنّة وبعمل أهل الجنّة يعملون، ثمّ مسح ظهره فاستخرج منه ذرّيّةً فقال: خلقت هؤلاء للنّار وبعمل أهل النّار يعملون»، فقال رجلٌ: يا رسول الله، ففيم العمل؟ قال: فقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «إنّ اللّه إذا خلق العبد للجنّة استعمله بعمل أهل الجنّة حتّى يموت على عملٍ من أعمال أهل الجنّة فيدخله اللّه الجنّة، وإذا خلق العبد للنّار استعمله بعمل أهل النّار حتّى يموت على عملٍ من أعمال أهل النّار، فيدخله اللّه النّار».
هذا حديثٌ حسنٌ ومسلم بن يسارٍ لم يسمع من عمر، وقد ذكر بعضهم في هذا الإسناد بين مسلم بن يسارٍ وبين عمر رجلاً.
- حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«لمّا خلق اللّه آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كلّ نسمةٍ هو خالقها من ذرّيّته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كلّ إنسانٍ منهم وبيصًا من نورٍ، ثمّ عرضهم على آدم فقال: أي ربّ، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذرّيّتك، فرأى رجلاً منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي ربّ من هذا؟ فقال: هذا رجلٌ من آخر الأمم من ذرّيّتك يقال له داود فقال: ربّ كم جعلت عمره؟ قال: ستّين سنةً، قال: أي ربّ، زده من عمري أربعين سنةً، فلمّا قضي عمر آدم جاءه ملك الموت، فقال: أولم يبق من عمري أربعون سنةً؟ قال: أولم تعطها ابنك داود قال: فجحد آدم فجحدت ذرّيّته، ونسّي آدم فنسّيت ذرّيّته، وخطئ آدم فخطئت ذرّيّته».
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وقد روي من غير وجهٍ عن أبي هريرة عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-). [سنن الترمذي: 5/ 116-117]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم}
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، عن مالكٍ، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرّحمن بن زيدٍ، عن مسلم بن يسارٍ الجهنيّ: أنّ عمر بن الخطّاب، سئل عن هذه الآية: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين} فقال عمر: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يسأل عنها فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:
«إنّ الله عزّ وجلّ خلق آدم فمسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرّيّةً، فقال: خلقت هؤلاء للجنّة، وبعمل أهل الجنّة يعملون، ثمّ مسح ظهره فاستخرج منه ذرّيّةً، فقال: خلقت هؤلاء للنّار، وبعمل أهل النّار يعملون " فقال رجلٌ: يا رسول الله، ففيم العمل؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله عزّ وجلّ إذا خلق العبد للجنّة استعمله بعمل أهل الجنّة حتّى يموت على عمل أهل الجنّة فيدخله به الجنّة، وإذا خلق العبد للنّار استعمله بعمل أهل النّار حتّى يموت على عمل أهل النّار فيدخله به النّار».
- أخبرنا محمّد بن عبد الرّحيم، أخبرنا الحسين بن محمّدٍ، أخبرنا جرير بن حازمٍ، عن كلثوم بن جبرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
«أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم بنعمان، يعني عرفة، فأخرج من صلبه كلّ ذرّيّةٍ ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّرّ، ثمّ كلّمهم فتلا قال: {ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين} إلى آخر الآية،» قال أبو عبد الرّحمن: وكلثومٌ هذا ليس بالقويّ، وحديثه ليس بالمحفوظ). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 102]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: واذكر يا محمّد ربّك إذ استخرج ولد آدم من أصلاب آبائهم، فقرّرهم بتوحيده، وأشهد بعضهم على بعضٍ شهادتهم بذلك، وإقرارهم به.
- كما حدّثني أحمد بن محمّدٍ الطّوسيّ، قال: حدّثنا الحسين بن محمّدٍ، قال: حدّثنا جرير بن حازمٍ، عن كلثوم بن جبرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال:
«أخذ اللّه الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعني عرفة فأخرج من صلبه كلّ ذرّيّةٍ ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّرّ، ثمّ كلّمهم فتلا فقال: {ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا} الآية إلى {ما فعل المبطلون}».
- حدّثنا عمران بن موسى، قال: حدّثنا عبد الوارث، قال: حدّثنا كلثوم بن جبرٍ، قال: سألت سعيد بن جبيرٍ عن قوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم}؛ قال: سألت عنها ابن عبّاسٍ، فقال: مسح ربّك ظهر آدم، فخرجت كلّ نسمةٍ هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان هذا، وأشار بيده، فأخذ مواثيقهم، وأشهدهم على أنفسهم {ألست بربّكم قالوا بلى}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ ويعقوب قالا: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا كلثوم بن جبرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم}؛ وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا قال: مسح ربّك ظهر آدم، فخرجت كلّ نسمةٍ هو خالقها إلى يوم القيامة بنعمان هذا الّذي وراء عرفة، وأخذ ميثاقهم {ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا}.
اللّفظ لحديث يعقوب.
- وحدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال ربيعة بن كلثومٍ، عن أبيه، في هذا الحديث: {قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين}.
- حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا عمران بن عيينة، قال: أخبرنا عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: أوّل ما أهبط اللّه آدم، أهبطه بدجني، أرضٌ بالهند، فمسح اللّه ظهره، فأخرج منه كلّ نسمةٍ هو بارئها إلى أن تقوم السّاعة، ثمّ أخذ عليهم الميثاق: {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمران بن عيينة، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: أهبط آدم حين أهبط، فمسح اللّه ظهره، فأخرج منه كلّ نسمةٍ هو خالقها إلى يوم القيامة، ثمّ قال: {ألست بربّكم قالوا بلى}، ثمّ تلا: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} فجفّ القلم من يومئذٍ بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} قال: لمّا خلق اللّه آدم، أخذ ذرّيّته من ظهره مثل الذّرّ، فقبض قبضتين، فقال لأصحاب اليمين ادخلوا الجنّة بسلامٍ، وقال للآخرين: ادخلوا النّار ولا أبالي.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن الأعمش، عن حبيبٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: مسح اللّه ظهر آدم، فأخرج كلّ طيّبٍ في يمينه، وأخرج كلّ خبيثٍ في الأخرى.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن شريكٍ، عن عطاءٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: مسح اللّه ظهر آدم، فاستخرج منه كلّ نسمةٍ هو خالقها إلى يوم القيامة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، قال: حدّثنا عمرو بن أبي قيسٍ، عن عطاءٍ، عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} قال: لمّا خلق اللّه آدم مسح ظهره بدجني، وأخرج من ظهره كلّ نسمةٍ هو خالقها إلى يوم القيامة، فقال: {ألست بربّكم قالوا بلى} قال: فيرون يومئذٍ جفّ القلم بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن المسعوديّ، عن عليّ بن بذيمة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا خلق اللّه آدم عليه السّلام أخذ ميثاقه، فمسح ظهره، فأخذ ذرّيّته كهيئة الذّرّ، فكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم، وأشهدهم على أنفسهم {ألست بربّكم قالوا بلى}.
- قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن المسعوديّ، عن عليّ بن بذيمة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} قال: لمّا خلق اللّه آدم، أخذ ميثاقه أنّه ربّه، وكتب أجله ومصائبه، واستخرج ذرّيّته كالذّرّ، وأخذ ميثاقهم، وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن ربيعة بن كلثوم بن جبرٍ، عن أبيه عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم} قال: مسح اللّه ظهر آدم عليه السّلام وهو ببطن نعمان، وادٍ إلى جنب عرفة، وأخرج ذرّيّته من ظهره كهيئة الذّرّ، ثمّ أشهدهم على أنفسهم {ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن أبي هلالٍ، عن أبي جمرة الضّبعيّ، عن ابن عبّاسٍ، قال: أخرج اللّه ذرّيّة آدم عليه السّلام من ظهره كهيئة الذّرّ، وهو في آذيٍّ من الماء.
- حدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا ضمرة بن ربيعة، قال: حدّثنا أبو مسعودٍ، عن جويبرٍ، قال: مات ابنٌ للضّحّاك بن مزاحمٍ، ابن ستّة أيّامٍ، قال: فقال: يا جابر إذا أنت وضعت ابني في لحده، فأبرز وجهه، وحلّ عنه عقده، فإنّ ابني مجلسٌ ومسئولٌ، ففعلت به الّذي أمرني، فلمّا فرغت، قلت: يرحمك اللّه ‍ عمّ يسأل ابنك؟ قال: يسأل عن الميثاق الّذي أقرّ به في صلب آدم عليه السّلام. قلت: يا أبا القاسم، وما هذا الميثاق الّذي أقرّ به في صلب آدم؟ قال: حدّثني ابن عبّاسٍ أنّ اللّه مسح صلب آدم، فاستخرج منه كلّ نسمةٍ هو خالقها إلى يوم القيامة، وأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا، فلن تقوم السّاعة حتّى يولد من أعطى الميثاق يومئذٍ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفّى به نفعه الميثاق الأوّل، ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يف به لم ينفعه الميثاق الأوّل، ومن مات صغيرًا قبل أن يدرك الميثاق الآخر مات على الميثاق الأوّل على الفطرة.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني السّريّ بن يحيى، أنّ الحسن بن أبي الحسن، حدّثهم عن الأسود بن سريعٍ، من بني سعدٍ، قال: غزوت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أربع غزواتٍ، قال: فتناول القوم الذّرّيّة بعد ما قتلوا المقاتلة، فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فاشتدّ عليه، ثمّ قال: ما بال أقوامٍ يتناولون الذّرّيّة؟ فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، أليسوا أبناء المشركين؟ فقال: إنّ خياركم أولاد المشركين، ألا إنّها ليست نسمةً تولد إلاّ ولدت على الفطرة، فما تزال عليها حتّى يبين عنها لسانها، فأبواها يهوّدانها أو ينصّرانها. قال الحسن: واللّه لقد قال اللّه ذلك في كتابه، قال: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم}.
- حدّثنا عبد الرّحمن بن الوليد، قال: حدّثنا أحمد بن أبي طيبة، عن سفيان، عن سعيدٍ، عن الأجلح، عن الضّحّاك، وعن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} قال:
«أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرّأس، فقال لهم ألست بربّكم؟ قالوا بلى، قالت الملائكة: شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين».
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، في قوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} قال: أخذهم كما يأخذ المشط من الرّأس.
- حدّثنا ابن وكيعٍ وابن حميدٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} قال: أخذهم كما يأخذ المشط عن الرّأس قال ابن حميدٍ: كما يؤخذ بالمشط.
- حدّثنا إبراهيم بن سعيدٍ الجوهريّ، قال: حدّثنا روح بن عبادة، وسعد بن عبد الحميد بن جعفرٍ، عن مالك بن أنسٍ، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرّحمن بن زيد بن الخطّاب، عن مسلم بن يسارٍ الجهنيّ: أنّ عمر بن الخطّاب سئل عن هذه الآية: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم} فقال عمر: سمعت رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول:
«إنّ اللّه خلق آدم ثمّ مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرّيّةً، فقال: خلقت هؤلاء للجنّة، وبعمل أهل الجنّة يعملون. ثمّ مسح ظهره فاستخرج منه ذرّيّةً، فقال: خلقت هؤلاء للنّار، وبعمل أهل النّار يعملون». فقال رجلٌ: يا رسول اللّه ففيم العمل؟ قال:«إنّ اللّه إذا خلق العبد للجنّة استعمله بعمل أهل الجنّة حتّى يموت على عملٍ من عمل أهل الجنّة فيدخله الجنّة، وإذا خلق العبد للنّار استعمله بعمل أهل النّار حتّى يموت على عملٍ من عمل أهل النّار فيدخله النّار».
- حدّثنا إبراهيم، قال: حدّثنا محمّد بن المصفّى، عن بقيّة، عن عمرو بن جعثمٍ القرشيّ، قال: حدّثني زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرّحمن، عن مسلم بن يسارٍ، عن نعيم بن ربيعة، عن عمر، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، بنحوه.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن عمارة، عن أبي محمّدٍ، رجلٌ من المدينة، قال: سألت عمر بن الخطّاب عن قوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} قال: سألت النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- عنه كما سألتني، فقال: خلق اللّه آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، ثمّ أجلسه فمسح ظهره بيده اليمنى، فأخرج ذرأً، فقال: ذرءٌ ذرأتهم للجنّة، ثمّ مسح ظهره بيده الأخرى، وكلتا يديه يمينٌ، فقال: ذرءٌ ذرأتهم للنّار، يعملون فيما شئت من عملٍ، ثمّ أختم لهم بأسوإ أعمالهم فأدخلهم النّار.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} قال: إنّ اللّه خلق آدم، ثمّ أخرج ذرّيّته من صلبه مثل الذّرّ، فقال لهم: من ربّكم؟ قالوا: اللّه ربّنا، ثمّ أعادهم في صلبه، حتّى يولد كلّ من أخذ ميثاقه لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم إلى أن تقوم السّاعة.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} إلى قوله: {قالوا بلى شهدنا} قال ابن عبّاسٍ: إنّ اللّه لمّا خلق آدم مسح ظهره، وأخرج ذرّيّته كلّهم كهيئة الذّرّ، فأنطقهم فتكلّموا، وأشهدهم على أنفسهم، وجعل مع بعضهم النّور، وإنّه قال لآدم: هؤلاء ذرّيّتك آخذٌ عليهم الميثاق، أنا ربّهم، لئلاّ يشركوا بي شيئًا، وعليّ رزقهم. قال آدم: فمن هذا الّذي معه النّور؟ قال: هو داود. قال: يا ربّ كم كتبت له من الأجل؟ قال: ستّين سنةً. قال: كم كتبت لي؟ قال: ألف سنةٍ، وقد كتبت لكلّ إنسانٍ منهم كم يعمر وكم يلبث. قال: يا ربّ زده، قال: هذا الكتاب موضوعٌ فأعطه إن شئت من عمرك. قال: نعم. وقد جفّ القلم عن أجل سائر بني آدم، فكتب له من أجل آدم أربعين سنةً، فصار أجله مائة سنةٍ. فلمّا عمّر تسع مائة سنةٍ وستّين جاءه ملك الموت فلمّا رآه آدم، قال: ما لك؟ قال له: قد استوفيت أجلك. قال له آدم: إنّما عمّرت تسع مائةٍ وستّين سنةً، وبقي أربعون سنةً. قال: فلمّا قال ذلك للملك، قال الملك: قد أخبرني بها ربّي. قال: فارجع إلى ربّك فاسأله، فرجع الملك إلى ربّه، فقال: ما لك؟ قال: يا ربّ رجعت إليك لما كنت أعلم من تكرمتك إيّاه. قال اللّه: ارجع فأخبره أنّه قد أعطى ابنه داود أربعين سنةً.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن الزّبير بن موسى، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: إنّ اللّه تبارك وتعالى ضرب منكبه الأيمن، فخرجت كلّ نفسٍ مخلوقةٍ للجنّة بيضاء نقيّةً، فقال: هؤلاء أهل الجنّة. ثمّ ضرب منكبه الأيسر، فخرجت كلّ نفسٍ مخلوقةٍ للنّار سوداء، فقال: هؤلاء أهل النّار. ثمّ أخذ عهودهم على الإيمان والمعرفة له ولأمره، والتّصديق به وبأمره بني آدم كلّهم، فأشهدهم على أنفسهم، فآمنوا وصدّقوا وعرفوا وأقرّوا. وبلغني أنّه أخرجهم على كفّه أمثال الخردل. قال ابن جريجٍ عن مجاهدٍ، قال: إنّ اللّه لمّا أخرجهم قال: يا عباد اللّه أجيبوا اللّه والإجابة: الطّاعة فقالوا: أطعنا، اللّهمّ أطعنا، اللّهمّ أطعنا، اللّهمّ لبّيك، قال: فأعطاها إبراهيم عليه السّلام في المناسك: لبّيك اللّهمّ لبّيك. قال: ضرب متن آدم حين خلقه. قال: وقال ابن عبّاسٍ: خلق آدم، ثمّ أخرج ذرّيّته من ظهره مثل الذّرّ، فكلّمهم، ثمّ أعادهم في صلبه، فليس أحدٌ إلاّ وقد تكلّم فقال: ربّي اللّه. فقال: وكلّ خلقٍ خلق فهو كائنٌ إلى يوم القيامة وهي الفطرة الّتي فطر النّاس عليها.
قال ابن جريجٍ، قال سعيد بن حبيرٍ: أخذ الميثاق عليهم بنعمان ونعمان من وراء عرفة أن يقولوا يوم القيامة {إنّا كنّا عن هذا غافلين} عن الميثاق الّذي أخذ عليهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ، قال: جمعهم يومئذٍ جميعًا ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، ثمّ استنطقهم، وأخذ عليهم الميثاق {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّةً من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون} قال: فإنّي أشهد عليكم السّموات السّبع والأرضين السّبع، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا، اعلموا أنّه لا إله غيري، ولا ربّ غيري، ولا تشركوا بي شيئًا، وسأرسل إليكم رسلاً يذكّرونكم عهدي وميثاقي، وسأنزل عليكم كتبي، قالوا: شهدنا أنّك ربّنا وإلهنا، لا ربّ لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك. فأقرّوا له يومئذٍ بالطّاعة، ورفع عليهم أباهم آدم، فنظر إليهم، فرأى منهم الغنيّ والفقير، وحسن الصّورة، ودون ذلك، فقال: ربّ لولا ساويت بينهم، قال: فإنّي أحبّ أن أشكر. قال: وفيهم الأنبياء عليهم السّلام يومئذٍ مثل السّرج. وخصّ الأنبياء بميثاقٍ آخر، قال اللّه: {وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقًا غليظًا} وهو الّذي يقول تعالى ذكره: {فأقم وجهك للدّين حنيفًا فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه} وفي ذلك قال: {هذا نذيرٌ من النّذر الأولى} يقول: أخذنا ميثاقه مع النّذر الأولى، ومن ذلك قوله: {وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين}، {ثمّ بعثنا من بعده رسلاً إلى قومهم فجاءوهم بالبيّنات فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا به من قبل} قال: كان في علمه يوم أقرّوا به من يصدّق ومن يكذّب.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في هذه الآية: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم} قال: أخرجهم من ظهر آدم، وجعل لآدم عمر ألف سنةٍ، قال: فعرضوا على آدم، فرأى رجلاً من ذرّيّته له نورٌ فأعجبه، فسأل عنه، فقال: هو داود، قد جعل عمره ستّين سنةً، فجعل له من عمره أربعين سنةً، فلمّا احتضر آدم، جعل يخاصمهم في الأربعين سنةً، فقيل له: إنّك أعطيتها داود، قال: فجعل يخاصمهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، في قوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} قال: أخرج ذرّيّته من ظهره كهيئة الذّرّ، فعرضهم على آدم بأسمائهم وأسماء آبائهم وآجالهم، قال: فعرض عليه روح داود في نورٍ ساطعٍ، فقال: من هذا؟ قال: هذا من ذرّيّتك نبيّ خليفةٌ، قال: كم عمره؟ قال: ستّون سنةً، قال: زيدوه من عمري أربعين سنةً، قال: والأقلام رطبةٌ تجري. فأثبت لداود الأربعون، وكان عمر آدم عليه السّلام ألف سنةٍ، فلمّا استكملها إلاّ الأربعين سنةً، بعث إليه ملك الموت، فقال: يا آدم أمرت أن أقبضك، قال: ألم يبق من عمري أربعون سنةً؟ قال: فرجع ملك الموت إلى ربّه، فقال: إنّ آدم يدّعي من عمره أربعين سنةً، قال: أخبر آدم أنّه جعلها لابنه داود والأقلام رطبةٌ، فأثبتت لداود.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو داود، عن يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ بنحوه.
- قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، وابن نميرٍ، عن عبد الملك، عن عطاءٍ: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} قال: أخرجهم من ظهر آدم حتّى أخذ عليهم الميثاق، ثمّ ردّهم في صلبه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، عن نضر بن عربيٍّ: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} قال: أخرجهم من ظهر آدم حتّى أخذ عليهم الميثاق، ثمّ ردّهم في صلبه.
- قال: حدّثنا محمّد بن عبيدٍ، عن أبي بسطامٍ، عن الضّحّاك، قال: حيث ذرأ اللّه خلقه لآدم، قال: خلقهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم؟ قالوا: بلى.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} قال: قال ابن عبّاسٍ: خلق اللّه آدم، ثمّ أخرج ذرّيّته من ظهره، فكلّمهم اللّه وأنطقهم، فقال: ألست بربّكم؟ قالوا: بلى، ثمّ أعادهم في صلبه، فليس أحدٌ من الخلق إلاّ قد تكلّم فقال ربّي اللّه، وإنّ القيامة لن تقوم حتّى يولد من كان يومئذٍ أشهد على نفسه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمر بن طلحة، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى} وذلك حين يقول تعالى ذكره: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} وذلك حين يقول: {فللّه الحجّة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين} يعني: يوم أخذ منهم الميثاق، ثمّ عرضهم على آدم عليه السّلام.
- قال: حدّثنا عمر، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، قال: أخرج اللّه آدم من الجنّة، ولم يهبط من السّماء، ثمّ مسح صفحة ظهره اليمنى، فأخرج منه ذرّيّةً بيضاء مثل اللّؤلؤ كهيئة الذّرّ، فقال لهم: ادخلوا الجنّة برحمتي، ومسح صفحة ظهره اليسرى، فأخرج منه ذرّيّةً سوداء كهيئة الذّرّ، فقال: ادخلوا النّار ولا أبالي، فذلك حين يقول: وأصحاب اليمين وأصحاب الشّمال ثمّ أخذ منهم الميثاق، فقال: {ألست بربّكم قالوا بلى}، فأطاعه طائفةٌ طائعين، وطائفةٌ كارهين على وجه التّقيّة.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمر، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، بنحوه، وزاد فيه بعد قوله: وطائفةٌ على وجه التّقيّة، فقال هو والملائكة: شهدنا أن يقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين أو يقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّةً من بعدهم. فلذلك ليس في الأرض أحدٌ من ولد آدم إلاّ وهو يعرف أنّ ربّه اللّه، ولا مشركٌ إلاّ وهو يقول لابنه: {إنّا وجدنا آباءنا على أمّةٍ} والأمّة: الدّين {وإنّا على آثارهم مقتدون} وذلك حين يقول اللّه: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى} وذلك حين يقول: {وله أسلم من في السّموات والأرض طوعًا وكرهًا} وذلك حين يقول: {فللّه الحجّة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين} يعني يوم أخذ منهم الميثاق.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الكلبيّ: {من ظهورهم ذرّيّاتهم} قال: مسح اللّه على صلب آدم، فأخرج من صلبه من ذرّيّته ما يكون إلى يوم القيامة، وأخذ ميثاقهم أنّه ربّهم، فأعطوه ذلك، ولا يسأل أحدٌ كافرٌ ولا غيره: من ربّك؟ إلاّ قال: اللّه وقال الحسن مثل ذلك أيضًا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حفص بن غياثٍ، عن جعفرٍ، عن أبيه، عن عليّ بن حسينٍ أنّه كان يعزل، ويتأوّل هذه الآية: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، في قوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} قال: أقرّت الأرواح قبل أن تخلق أجسادها.
- حدّثنا أحمد بن الفرج الحمصيّ، قال: حدّثنا بقيّة بن الوليد، قال: حدّثني الزّبيديّ، عن راشد بن سعدٍ، عن عبد الرّحمن بن قتادة النّضريّ، عن أبيه، عن هشام بن حكيمٍ: أنّ رجلاً، أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللّه، أتبدأ الأعمال أم قد قضي القضاء؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ اللّه أخذ ذرّيّة آدم من ظهورهم، ثمّ أشهدهم على أنفسهم، ثمّ أفاض بهم في كفّيه ثمّ قال: هؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النّار، فأهل الجنّة ميسّرون لعمل أهل الجنّة، وأهل النّار ميسّرون لعمل أهل النّار.
- حدّثني محمّد بن عوفٍ الطّائيّ، قال: حدّثنا حيوة ويزيد، قالا: حدّثنا بقيّة، عن الزّبيديّ، عن راشد بن سعدٍ، عن عبد الرّحمن بن قتادة النّضريّ، عن أبيه، عن هشام بن حكيمٍ، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- مثله.
- حدّثني أحمد بن شبّويه، قال: حدّثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: حدّثنا عمرو بن الحارث، قال: حدّثنا عبد اللّه بن مسلمٍ، عن الزّبيديّ، قال: حدّثنا راشد بن سعدٍ أنّ عبد الرّحمن بن قتادة، حدّثه أنّ أباه حدّثه أنّ هشام بن حكيمٍ حدّثه أنّه قال: أتى رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- رجلٌ. فذكر مثله.
- حدّثنا محمّد بن عوفٍ، قال: حدّثني أبو صالحٍ، قال: حدّثنا معاوية، عن راشد بن سعدٍ، عن عبد الرّحمن بن قتادة، عن هشام بن حكيمٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحوه.
واختلف في قوله: {شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين} فقال السّدّيّ: هو خبرٌ من اللّه عن نفسه وملائكته أنّه جلّ ثناؤه قال هو وملائكته إذ أقرّ بنو آدم بربوبيّته حين قال لهم: ألست بربّكم؟ قالوا: بلى.
فتأويل الكلام على هذا التّأويل: وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم؟ قالوا: بلى. فقال اللّه وملائكته: شهدنا عليكم بإقراركم بأنّ اللّه ربّكم كيلا تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين.
وقد ذكرت الرّواية عنه بذلك فيما مضى والخبر الآخر الّذي روي عن عبد اللّه بن عمرٍو عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- بمثل ذلك.
وقال آخرون: ذلك خبرٌ من اللّه عن قيل بعض بني آدم لبعضٍ، حين أشهد اللّه بعضهم على بعضٍ. وقالوا: معنى قوله: {وأشهدهم على أنفسهم} وأشهدهم بعضهم على بعضٍ بإقرارهم بذلك، وقد ذكرت الرّواية بذلك أيضًا عمّن قاله قبل.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين في ذلك بالصّواب، ما روي عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- إن كان صحيحًا، ولا أعلمه صحيحًا؛ لأنّ الثّقات الّذين يعتمد على حفظهم وإتقانهم حدّثوا بهذا الحديث عن الثّوريّ، فوقفوه على عبد اللّه بن عمرٍو ولم يرفعوه، ولم يذكروا في الحديث هذا الحرف الّذي ذكره أحمد بن أبي طيبة عنه. وإن لم يكن ذلك عنه صحيحًا، فالظّاهر يدلّ على أنّه خبرٌ من اللّه عن قيل بني آدم بعضهم لبعضٍ؛ لأنّه جلّ ثناؤه قال: {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا} فكأنّه قيل: فقال الّذين شهدوا على المقرّين حين أقرّوا، فقالوا: بلى شهدنا عليكم بما أقررتم به على أنفسكم كيلا تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين). [جامع البيان: 10/ 546-564]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين (172) أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّةً من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون (173)}
قوله تعالى: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم}
أخبرنا يونس بن عبد الله الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ أنّ مالكًا أخبره، عن زيد بن أبي أنيسة، أنّ عبد الحميد بن عبد الرّحمن بن زيد بن الخطّاب أخبره عن مسلم بن يسارٍ الجهنيّ، أنّ عمر بن الخطّاب سئل عن هذه الآية وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم إلى قوله: إنّا كنّا عن هذا غافلين فقال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: سمعت رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يسأل عنها فقال رسول اللّه -صلّى الله عليه وسلّم-:
«إنّ اللّه خلق آدم ثمّ مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرّيّةً فقال: خلقت هؤلاء للجنّة وبعمل أهل الجنّة يعملون، ثمّ مسح ظهره فاستخرج منه ذرّيّةً فقال: خلقت هؤلاء للنّار وبعمل أهل النّار يعملون»، فقال رجلٌ: يا رسول اللّه ففيم العمل؟ فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «إنّ اللّه إذا خلق العبد للجنّة استعمله بعمل أهل الجنّة حتّى يموت على عملٍ من أعمال أهل الجنّة فيدخل به الجنّة، وإذا خلق العبد للنّار استعمله بعمل أهل النّار حتّى يموت على عملٍ من أعمال أهل النّار فيدخل به النار».
- حدّثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم البغويّ، ثنا حسين بن محمّدٍ ثنا جرير بن حازمٍ، عن كلثوم بن جبرٍ عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: أخذ اللّه الميثاق من ظهر آدم بنعمان يعني عرفة، فأخرج من صلبه كلّ ذرّيّةٍ ذراها فنثرهم بين يديه كالذّرّ ثمّ كلّمهم: ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين وروي عن سعيد بن جبيرٍ نحو ذلك.
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ، ثنا يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن المسعوديّ أخبرني عليّ بن بذيمة عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم} قال: خلق اللّه آدم وأخذ ميثاقه أنّه ربّه وكتب أجله ورزقه ومصيبته، ثمّ أخرج ولده من ظهره كهيئة الذّرّ، فأخذ مواثيقهم أنّه ربّهم، وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصيباتهم.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا عليّ بن مسعرٍ، عن الأعمش وحبيبٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم} قال: لمّا خلق اللّه آدم أخذ ذرّيّته من ظهره كهيئة الذّرّ ثمّ سمّاهم بأسمائهم، فقال: هذا فلان ابن فلانٍ يعمل كذا وكذا، وهذا فلان ابن فلانٍ يعمل كذا وكذا، ثمّ أخذ بيده قبضتين فقال: هؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النّار فمضت.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا يحيى بن يمانٍ، عن سفيان، وشريكٍ جميعًا عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم} قال: استخرجهم من صلبه كما يستخرج المشط من الرّامي.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو يحيى بن يمانٍ، عن جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم قال: استخرجهم من صلبه نطفًا نطفًا، ووجوه الأنبياء كالسّرج.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا أبو هلالٍ، عن أبي جمرة عن ابن عبّاسٍ قال: مسح اللّه ظهر آدم، فأخرج ذرّيّته من ظهره مثل الذّر في أذًى من الماء.
قوله تعالى: {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى}
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ البيرونيّ قراءةً، ثنا محمّد بن شعيبٍ أخبرني عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه زيد بن أسلم أنّه حدّثه، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«إنّ اللّه -تبارك وتعالى- لمّا أن خلق آدم مسح ظهره، فخرجت منه كلّ نسمةٍ هو خالقها إلى يوم القيامة، ونزع ضلعًا من أضلاعه فخلق منه حوّاءً ثمّ أخذ عليهم العهد: ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين ثمّ اختلس كلّ نسمةٍ من بني آدم بنوره في وجهه، وجعل فيه البلوى الّذي كتب أنّه يبتلى بها في الدّنيا من الأسقام، ثمّ عرضهم على آدم فقال: يا آدم هؤلاء ذرّيّتك وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى وأنواع الأسقام، فقال آدم: يا ربّ لم فعلت هذا بذرّيتي؟ قال: كي تشكر نعمتي يا آدم، وقال آدم: يا ربّ من هؤلاء الّذين أراهم أظهر النّاس نورًا؟ قال: هؤلاء الأنبياء، يا آدم من ذرّيّتك قال: فمن هذا الّذي أراه أظهرهم نورًا؟ قال: هذا داود يكون في آخر الأمم، قال: يا ربّ كم جعلت عمره؟ قال: ستّين سنةً، قال: يا ربّ كم جعلت عمري؟ قال: كذا وكذا قال: ربّ فزده من عمري أربعين سنةً حتّى يكون عمره مائة سنةٍ قال: أتفعل يا آدم؟ قال: نعم يا ربّ، قال: فنكتب ونختم؟ إنّا إن كتبنا وختمنا لم نغيّر، قال: فأفعل أي ربّ، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فلمّا جاء ملك الموت إلى آدم ليقبض روحه قال: ماذا تريد يا ملك الموت؟ قال: أريد قبض روحك، قال ألم يبق من أجلي أربعون سنةً؟ قال: أولم تعطها ابنك داود؟
قال: لا
»، قال: فكان أبو هريرة يقول: «فنسي آدم ونسيت ذرّيّته، وجحد آدم فجحدت ذرّيّته»، قال ابن شعيبٍ: أخبرني أبو حفص بن أبي العاتكة قال: وعمره كان ألف سنةٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم} قال: إنّ اللّه خلق آدم ثمّ أخرج ذرّيّته من صلبه مثل الذّرّ فقال لهم: من ربّكم؟ قالوا اللّه ربّنا، ثمّ أعادهم في صلبه حتّى يولد كلّ من أخذ ميثاقه، لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم إلى أن تقوم الساعة.
قوله تعالى: {شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين}؛
- حدّثنا كثير بن شهابٍ، ثنا محمّد بن سعيد بن سابقٍ، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية رفيعٍ، عن أبيّ بن كعبٍ رضي اللّه عنه في قول اللّه تعالى: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين. أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّةً من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون} قال: جمعه له يومئذٍ جميعًا ما هو كائنٌ منه إلى يوم القيامة، فجعلهم أزواجًا ثمّ صوّرهم، ثمّ استنطقهم وتكلّموا، وأخذ عليهم العهد والميثاق وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّةً من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون قال: فإنّي أشهد عليكم السّموات السّبع، والأرضين السّبع، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بهذا، اعلموا أن لا إله غيري ولا ربّ غيري، ولا تشركوا بي شيئًا، وأنّي سأرسل لكم رسلاً ينذرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي قالوا: نشهد أنّك ربّنا وإلهنا لا ربّ لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك فأقرّوا له يومئذٍ بالطّاعة، ورفع أباهم آدم إليهم فرأى فيهم الغنيّ والفقير وحسن الصّورة ودون ذلك فقال: يا ربّ لو سوّيت بين عبادك، قال: إنّي أحببت أن أشكر، وأرى فيهم الأنبياء مثل السّرج عليه النّور وخصّوا بميثاقٍ آخرٍ من الرّسالة والنّبوّة فهو الّذي يقول تعالى: وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقًا غليظًا وهو الّذي يقول: فأقم وجهك للدّين حنيفًا فطرت اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه وفي ذلك قال: هذا نذيرٌ من النّذر الأولى وفي ذلك قال: وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ وإنّ وجدنا أكثرهم لفاسقين.
- حدثنا أبو سعيد الأشج يعلى بن عبيدٍ، ثنا الأجلح، عن الضّحّاك قال: إنّ اللّه أخرج من ظهر آدم يوم خلقه ما يكون إلى يوم القيامة، فأخرجهم مثل الذّرّ ثمّ قال: ألست بربّكم قالوا: بلى، قالت الملائكة: {شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين}... إلى قوله: {المبطلون}.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو يوسف محمّد بن أحمد بن الحجّاج الصّيدلانيّ، ثنا مطرّف بن مازنٍ، حدّثني مرداس بن يافنة، عن عبد الملك بن أبي يزيد ووهب بن منبّهٍ في قول اللّه: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم} إلى قوله:{ ألست بربّكم؟} قالا: الرّسل). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1613-1616]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن يعقوب الشّيبانيّ، ثنا حامد بن أبي حامدٍ المقرئ، ثنا إسحاق بن سليمان، قال: سمعت مالك بن أنسٍ، يذكر وأخبرني أبو بكر بن أبي نصرٍ، ثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، ثنا عبد اللّه بن مسلمة، فيما قرئ على مالكٍ عن زيد بن أبي أنيسة، أنّ عبد الحميد بن عبد الرّحمن بن زيد بن الخطّاب، أخبره عن مسلم بن يسارٍ الجهنيّ، أنّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، سئل عن هذه الآية {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين} فقال عمر بن الخطّاب: سمعت رسول اللّه -صلّى الله عليه وسلّم- وسئل عنها، فقال رسول اللّه -صلّى الله عليه وسلّم-:
«خلق اللّه آدم ثمّ مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرّيّةً، فقال: خلقت هؤلاء للجنّة، وبعمل أهل الجنّة يعملون، ثمّ مسح على ظهره، فاستخرج منه ذرّيّةً، فقال: خلقت هؤلاء للنّار، وبعمل أهل النّار يعملون»، فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، ففيم العمل؟ فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ اللّه إذا خلق الرّجل للجنّة استعمله بعمل أهل الجنّة» الحديث صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه ".
- حدّثنا عليّ بن حمشاذ العدل، ثنا بشر بن موسى الأسديّ، وعليّ بن عبد العزيز، قالا: ثنا أبو نعيمٍ، ثنا هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه -صلّى الله عليه وسلّم-:
«لمّا خلق اللّه آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كلّ نسمةٍ هو خالقها إلى يوم القيامة، أمثال الذّرّ، ثمّ جعل بين عيني كلّ إنسانٍ منهم وبيصًا من نورٍ، ثمّ عرضهم على آدم، فقال آدم: من هؤلاء يا ربّ؟ قال: هؤلاء ذرّيّتك، فرأى آدم رجلًا منهم أعجبه وبيص ما بين عينيه فقال: يا ربّ من هذا؟ قال: هذا ابنك داود يكون في آخر الأمم قال آدم: كم جعلت له من العمر؟ قال: ستّين سنةً. قال: يا ربّ زده من عمري أربعين سنةً، حتّى يكون عمره مائة سنةٍ. فقال اللّه عزّ وجلّ: «إذن يكتب ويختم فلا يبدّل». فلمّا انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت لقبض روحه، قال آدم أو لم يبق من عمري أربعون سنةً؟ قال له ملك الموت أو لم تجعلها لابنك داود؟ قال: فجحد فجحدت ذرّيّته ونسي ونسيت ذرّيّته وخطئ فخطئت ذرّيّته» «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/ 354]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت ط د) مسلم بن يسار الجهني -رحمه الله -: أنّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه سئل عن قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرّياتهم... } الآية قال: سئل عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: «إن الله تبارك وتعالى خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره، فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون، فقال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله إذا خلق العبد للجنّة، استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عملٍ من أعمال أهل الجنة، فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنّار، استعمله بعمل أهل النّار، حتّى يموت على عملٍ من أعمال أهل النّار، فيدخله به النّار». أخرجه الموطأ والترمذي وأبو داود.
[شرح الغريب]
(ذرياتهم) الذريات: جمع الذرية. وهم نسل الإنسان وولده). [جامع الأصول: 2/ 140-141]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبو هريرة - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمةٍ هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسانٍ منهم وبيصاً من نورٍ، ثم عرضهم على آدم، فقال: أي ربّ، من هؤلاء؟ قال: ذريتك، فرأي رجلاً منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه، قال: أي ربّ، من هذا؟ قال: داود. فقال: يا رب، كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة، قال: ربّ، زده من عمري أربعين سنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما انقضى عمر آدم إلا أربعين، جاءه ملك الموت، فقال آدم: أو لم يبق من عمري أربعين سنة؟ قال: أولم تعطها ابنك داود؟ فجحد آدم، فجحدت ذريته، ونسي آدم، فأكل من الشّجرة فنسيت ذريته، وخطئ فخطئت ذريته». أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
(نسمة) النسمة: النفس، وكل دابة فيها روح فهي نسمة.
(وبيصاً) الوبيص: البريق والبصيص). [جامع الأصول: 2/ 141-142]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّاتهم}
- عن أبيّ بن كعبٍ في قوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّاتهم} قال: جمعهم، فجعلهم أزواجًا، ثمّ صوّرهم فاستنطقهم فتكلّموا، ثمّ أخذ عليهم العهد والميثاق وأشهدهم على أنفسهم " ألست بربّكم قالوا بلى " قال: إنّي أشهد عليكم السّماوات السّبع [والأرضين السّبع]، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا، اعلموا أنّه لا إله غيري ولا ربّ غيري ولا تشركوا بي شيئًا، إنّي سأرسل إليكم رسلي يذكّرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، قالوا: شهدنا بأنّك ربّنا وإلهنا، لا ربّ لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك، فأقرّوا، ورفع عليهم آدم - عليه السّلام - ينظر إليهم، فرأى الغنيّ والفقير وحسن الصّورة ودون ذلك، فقال: يا ربّ لولا سوّيت بين عبادك؟ قال: إنّي أحببت أن أشكر، ورأى الأنبياء فيهم مثل السّرج عليهم، خصّوا بميثاقٍ آخر في الرّسالة والنّبوّة، وهو قوله تعالى: {وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم} [الأحزاب: 7] إلى قوله: عيسى ابن مريم - عليهما السّلام - كان في تلك الأرواح، فأرسله إلى مريم - عليها السّلام - فحدّث عن أبيٍّ أنّه دخل من فيها.
رواه عبد اللّه بن أحمد عن شيخه محمّد بن يعقوب الرّباليّ وهو مستورٌ، وبقيّة رجاله رجال الصّحيح.
- وعن ابن عبّاسٍ عن النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: «إنّ اللّه - عزّ وجلّ - أخذ الميثاق من ظهر آدم - عليه السّلام - بنعمان - يعني: عرفة -، فأخرج من صلبه كلّ ذرّيّةٍ ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّرّ، ثمّ كلّمهم قبلًا، فقال: {ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين - أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّةً من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون}».
رواه أحمد، ورجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 7/ 24-25]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم} الآية، قال: خلق الله آدم وأخذ ميثاقه أنه ربه وكتب أجله ورزقه ومصيبته ثم أخرج ولده من ظهره كهيئة الذر فأخذ مواثيقهم أنه ربهم وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم.
- وأخرج ابن أبي حاتم، وابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم} الآية، قال: لما خلق الله آدم أخذ ذريته من ظهره كهيئة الذر ثم سماهم بأسمائهم فقال: هذا فلان بن فلان يعمل كذا وكذا وهذا فلان بن فلان يعمل كذا وكذا ثم أخذ بيده قبضتين فقال: هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم واللالكائي في السنة عن ابن عباس في قوله: {وإذ أخذ ربك} الآية، قال: إن الله خلق آدم ثم أخرج ذريته من صلبه مثل الذر فقال لهم: من ربكم فقالوا: الله ربنا، ثم أعادهم في صلبه حتى يولد كل من أخذ ميثاقه لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم إلى أن تقوم الساعة
- وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس قال: لما أهبط آدم عليه السلام حين أهبط بدحناء فمسح الله ظهره فأخرج كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ثم قال: ألست بربكم قالوا: بلى، فيومئذ جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: مسح الله على صلب آدم فأخرج من صلبه ما يكون من ذريته إلى يوم القيامة وأخذ ميثاقهم أنه ربهم وأعطوه ذلك فلا يسأل أحد كافر ولا غيره من ربك إلا قال: الله.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ واللالكائي في السنة عن عبد الله بن عمرو في قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم}؛ قال: أخذهم من ظهرهم كما يؤخذ بالمشط من الرأس
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن منده في كتاب الرد على الجهمية وأبو الشيخ عن ابن عباس في الآية قال: أخرج ذريته من صلبه كأنهم الذر في آذئ من الماء.
- وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في الآية قال: إن الله ضرب بيمينه على منكب آدم فخرج منه مثل اللؤلؤ في كفه فقال: هذا للجنة، وضرب بيده الأخرى على منكبه الشمال فخرج منه سواد مثل الحمم فقال: هذا ذرء النار، قال: وهي هذه الآية: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس}.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في الآية قال: مسح الله ظهر آدم وهو ببطن نعمان - واد إلى جنب عرفة - فأخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ثم أخذ عليهم الميثاق وتلا (أن يقولوا يوم القيامة) هكذا قرأها يقولوا بالياء
- وأخرج أبو الشيخ عن عبد الكريم بن أبي أمية قال: أخرجوا من ظهره مثل طريق النمل.
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن محمد بن كعب قال: أقروا له بالإيمان والمعرفة الأرواح قبل أن يخلق أجسادها.
- وأخرج ابن أبي شيبة عن محمد بن كعب قال: خلق الله الأرواح قبل أن يخلق الأجساد فأخذ ميثاقهم.
- وأخرج ابن عبد البر في التمهيد من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود وناس من الصحابة في قوله تعالى: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} قالوا: لما أخرج الله آدم من الجنة قبل تهبيطه من السماء مسح صفحة ظهره اليمنى فأخرج منه ذريته بيضاء مثل اللؤلؤ كهيئة الذر فقال لهم: ادخلوا الجنة برحمتي، ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر فقال: ادخلوا النار ولا أبالي، فذلك قوله: أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ثم أخذ منهم الميثاق فقال: {ألست بربكم قالوا بلى} فأعطاه طائفة طائعين وطائفة كارهين على وجه التقية فقال: هو والملائكة {شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل} قالوا: فليس أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف الله أنه ربه وذلك قوله عز وجل: {وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها} [آل عمران: 83] وذلك قوله: {فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين} يعني يوم أخذ الميثاق.
- وأخرج ابن جرير عن أبي محمد رجل من أهل المدينة قال: سألت عمر بن الخطاب عن قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما سألتني فقال:
«خلق الله آدم بيده ونفخ فيه من روحه ثم أجلسه فمسح ظهره بيده اليمنى فأخرج ذرا فقال: ذرء ذرأتهم للجنة ثم مسح ظهره بيده الأخرى - وكلتا يديه يمين - فقال: ذرء ذرأتهم للنار يعملون فيما شئت من عمل ثم أختم بأسوأ أعمالهم فأدخلهم النار»
- وأخرج عبد بن حميد وعبد الله بن أحمد بن حنبل في زوائد المسند، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن منده في كتاب الرد على الجهمية والالكائي، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات، وابن عساكر في تاريخه عن أبي بن كعب في قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} قال: إلى قوله: {بما فعل المبطلون} جميعا فجعلهم أرواحا في صورهم ثم استنطقهم فتكلموا ثم أخذ عليهم العهد والميثاق {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى} قال: فإني أشهد عليكم السموات السبع وأشهد عليكم أباكم آدم {أن تقولوا يوم القيامة} إنا لم نعلم بهذا اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري ولا تشركوا بي شيئا إني سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتبي قالوا: شهدنا بأنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك ولا إله لنا غيرك فأقروا ورفع عليهم آدم ينظر إليهم فرأى الغني والفقير وحسن الصورة ودون ذلك فقال: يا رب لولا سويت بين عبادك قال: إني أحببت أن أشكر، ورأى الأنبياء فيهم مثل السرج عليهم النور وخصوا بميثاق آخر في الرسالة والنبوة أن يبلغوا وهو قوله: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم} [الأحزاب: 7] الآية وهو قوله: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} [الروم: 30] وفي ذلك قال: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} وفي ذلك قال: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل} قال: فكان في علم الله يومئذ من يكذب به ومن يصدق به فكان روح عيسى من تلك الأرواح التي أخذ عهدها وميثاقها في زمن آدم فأرسله الله إلى مريم في صورة بشر فتمثل لها بشرا سويا، قال: أبي فدخل من فيها.
- وأخرج مالك في الموطأ وأحمد، وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه وأبو داود والترمذي وحسنه والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان والآجري في الشريعة وأبو الشيخ والحاكم، وابن مردويه واللالكائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن مسلم بن يسار الجهني أن عمر بن الخطاب سئل عن هذه الآية: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} الآية، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سئل عنها فقال:
«إن الله خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون، فقال الرجل: يا رسول الله ففيم العمل فقال: إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله الله الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله الله النار».
- وأخرج أحمد والنسائي، وابن جرير، وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:
«إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان يوم عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرها بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال: {ألست بربكم قالوا بلى شهدنا} إلى قوله: {المبطلون}».
- وأخرج ابن جرير، وابن منده في كتاب الرد على الجهمية عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«{وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} قال أخذ من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس، فقال لهم: {ألست بربكم قالوا بلى} قالت الملائكة {شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين}».
- وأخرج ابن أبي حاتم، وابن منده وأبو الشيخ في العظمة، وابن عساكر عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
«إن الله لما خلق آدم مسح ظهره فخرت منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة ونزع ضلعا من أضلاعه فخلق منه حواء ثم أخذ عليهم العهد {ألست بربكم قالوا بلى} ثم اختلس كل نسمة من بني آدم بنوره في وجهه وجعل فيه البلوى الذي كتب أنه يبتليه بها في الدنيا من الأسقام ثم عرضهم على آدم فقال: يا آدم هؤلاء ذريتك، واذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى وأنواع الأسقام فقال آدم: يا رب لم فعلت هذا بذريتي قال: كي تشكر نعمتي، وقال آدم: يا رب من هؤلاء الذين أراهم أظهر الناس نورا قال: هؤلاء الأنبياء من ذريتك، قال: من هذا الذي أراه أظهرهم نورا قال: هذا داود يكون في آخر الأمم، قال: يا رب كم جعلت عمره قال: ستين سنة، قال: يا رب كم جعلت عمري قال: كذا وكذا، قال: يا رب فزده من عمري أربعين سنة حتى يكون عمره مائة سنة، قال: أتفعل يا آدم قال: نعم يا رب، قال: فيكتب ويختم أنا كتبنا وختمنا ولم نغير، قال: فافعل أي رب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما جاء ملك الموت إلى آدم ليقبض روحه قال: ماذا تريد يا ملك الموت قال: أريد قبض روحك، قال: ألم يبق من أجلي أربعون سنة قال: أو لم تعطها ابنك داود قال: لا»، قال: فكان أبو هريرة يقول: نسي آدم ونسيت ذريته وجحد آدم فجحدت ذريته
- وأخرج ابن جرير عن جويبر قال: مات ابن الضحاك بن مزاحم ابن ستة أيام فقال: إذا وضعت ابني في لحده فأبرز وجهه وحل عقده فإن ابني مجلس ومسؤول، فقلت: عم يسأل قال: عن ميثاق الذي أقر به في صلب آدم حدثني ابن عباس: أن الله مسح صلب آدم فاستخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وتكفل لهم بالأرزاق ثم أعادهم في صلبه فلن تقوم الساعة حتى يولد من أعطى الميثاق يومئذ فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفى به نفعه الميثاق الأول ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يقر به لم ينفعه الميثاق الأول ومن مات صغيرا قبل أن يدرك الميثاق الآخر مات على الميثاق الأول على الفطرة.
- وأخرج عبد بن حميد عن سلمان قال: إن الله لما خلق آدم مسح ظهره فأخرج منه ما هو ذارئ إلى يوم القيامة فكتب الآجال والأرزاق والأعمال والشقوة والسعادة فمن علم السعادة فعل الخير ومجالس الخير ومن علم الشقاوة فعل الشر ومجالس الشر.
- وأخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه عن أبي أمامة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
«خلق الله الخلق وقضى القضية وأخذ ميثاق النبيين وعرشه على الماء فأخذ أهل اليمين بيمينه وأخذ أهل الشمال بيده الأخرى - وكلتا يدي الرحمن يمين - فقال: يا أصحاب اليمين.
فاستجابوا له فقالوا: لبيك ربنا وسعديك، قال: {ألست بربكم قالوا بلى} قال: يا أصحاب الشمال، فاستجابوا له فقالوا: لبيك ربنا وسعديك، قال: {ألست بربكم قالوا بلى} فخلط بعضهم ببعض فقال قائل منهم: رب لم خلطت بيننا قال: {ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون} [المؤمنون: 63]، {أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} ثم ردهم في صلب آدم فأهل الجنة أهلها وأهل النار أهلها
» فقال قائل: يا رسول الله فما الأعمال قال: يعمل كل قوم لمنازلهم، فقال عمر بن الخطاب: إذا نجتهد.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ، وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور ثم عرضهم على آدم فقال: أي رب من هؤلاء قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه فقال: أي رب من هذا فقال: رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود، قال: أي رب وكم جعلت عمره قال: ستين سنة قال: أي رب زده من عمري أربعين سنة، فلما انقضى عمر آدم جاء ملك الموت فقال: أولم يبق من عمري أربعون سنة قال: أولم تعطها ابنك داود قال: فجحد فجحدت ذريته ونسي فنسيت ذريته».
- وأخرج ابن أبي الدنيا في الشكر وأبو الشيخ والبيهقي في الشعب عن الحسن قال: لما خلق الله آدم عليه السلام.
- وأخرج أهل الجنة من صفحته اليمنى.
- وأخرج أهل النار من صفحته اليسرى فدبوا على وجه الأرض منهم الأعمى والأصم والأبرص والمقعد والمبتلى بأنواع البلاء فقال آدم: يا رب ألا سويت بين ولدي قال: يا آدم إني أردت أن أشكر ثم ردهم في صلبه.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة والبيهقي في الشعب عن قتادة والحسن قالا: لما عرضت على آدم ذريته فرأى فضل بعضهم على بعض قال: أي رب أفهلا سويت بينهم قال: إني أحب أن أشكر يرى ذو الفضل فضله فيحمدني ويشكرني.
- وأخرج أحمد في الزهد عن بكر، مثله.
- وأخرج ابن جرير والبزار والطبراني والآجري في الشريعة، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن هشام بن حكيم أن رجلا أتى النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- فقال:
أتبتدأ الأعمال أم قد قضي القضاء فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله أخذ ذرية آدم من ظهورهم ثم أشهدهم على أنفسهم ثم أفاض بهم في كفيه فقال: هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار فأهل الجنة ميسرون لعمل أهل الجنة وأهل النار ميسرون لعمل أهل النار».
- وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن معاوية قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«إن الله أخرج ذرية آدم من صلبه حتى ملؤوا الأرض وكانوا هكذا فضم إحدى يديه على الأخرى».
- وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن مردويه عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«سألت ربي فأعطاني أولاد المشركين خدما لأهل الجنة وذلك أنهم لم يدركوا ما أدرك آباؤهم من الشرك وهم في الميثاق الأول».
- وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال يقال للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا به فيقول: نعم، فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك قد أخذت عليك في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي فأبيت إلا أن تشرك بي.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن علي بن حسين، أنه كان يعزل ويتأول هذه الآية: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم}.
- وأخرج سعيد بن منصور، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن العزل فقال:
«لا عليكم أن لا تفعلوا إن تكن مما أخذ الله منها الميثاق فكانت على صخرة نفخ فيها الروح».
- وأخرج أحمد، وابن أبي حاتم عن أنس قال: سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«عن العزل فقال لو أن الماء الذي يكون منه الولد صب على صخرة لأخرج الله منها ما قدر ليخلق الله نفسا هو خالقها».
- وأخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود، أنه سئل عن العزل فقال: لو أخذ الله ميثاق نسمة من صلب رجل ثم أفرغه على صفا لأخرجه من ذلك الصفا فإن شئت فأعزل وإن شئت فلا تعزل.
- وأخرج عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي قال: كانوا يقولون: إن النطفة التي قضى الله فيها الولد لو وقعت على صخرة لأخرج الله منها الولد.
- وأخرج عبد الرزاق في المصنف وأبو الشيخ عن فاطمة بنت حسين قالت: لما أخذ الله الميثاق من بني آدم جعله في الركن فمن الوفاء بعهد الله استلام الحجر.
- وأخرج أبو الشيخ عن جعفر بن محمد قال: كنت مع أبي محمد بن علي فقال له رجل: يا أبا جعفر ما بدء خلق هذا الركن فقال: إن الله لما خلق الخلق قال لبني آدم: {ألست بربكم قالوا بلى} فأقروا وأجرى نهرا أحلى من العسل وألين من الزبد ثم أمر القلم فاستمد من ذلك النهر فكتب إقرارهم وما هو كائن إلى اليوم القيامة ثم ألقم ذلك الكتاب هذا الحجر فهذا الاستلام الذي ترى إنما هو بيعه على إقرارهم الذي كانوا أقروا به.
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: ضرب الله متن آدم فخرجت كل نفس مخلوقة للجنة بيضاء نقية فقال: هؤلاء أهل الجنة وخرجت كل نفس مخلوقة للنار سوداء فقال: هؤلاء أهل النار أمثال الخردل في صور الذر فقال: يا عباد الله أجيبوا الله: يا عباد الله أطيعوا الله، قالوا: لبيك اللهم أطعناك اللهم أطعناك اللهم أطعناك، وهي التي أعطى الله إبراهيم في المناسك: لبيك اللهم لبيك، فأخذ عليهم العهد بالإيمان به والإقرار والمعرفة بالله وأمره.
- وأخرج الجندي في فضائل مكة وأبو الحسن القطان في الطوالات والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه عن أبي سعيد الخدري قال: حججنا مع عمر بن الخطاب فلما دخل الطواف استقبل الحجر فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبلك ما قبلتك ثم قبله فقال له علي بن أبي طالب:
«يا أمير المؤمنين إنه يضر وينفع» قال: «بم؟»، قال: بكتاب الله عز وجل قال: «وأين ذلك من كتاب الله قال الله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم} إلى قوله: {بلى}» خلق الله آدم ومسح على ظهره فقررهم بأنه الرب وأنهم العبيد وأخذ عهودهم ومواثيقهم وكتب ذلك في رق وكان لهذا الحجر عينان ولسان فقال له افتح فاك، ففتح فاه فألقمه ذلك الرق فقال: اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة وإني أشهد لسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:«يؤتى يوم القيامة بالحجر الأسود وله لسان ذلق يشهد لمن يستلمه بالتوحيد فهو يا أمير المؤمنين يضر وينفع»، فقال عمر: أعوذ بالله أن أعيش في قوم لست فيهم يا أبا حسن.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {وإذ أخذ ربك} الآية، قال: أخذهم في كفه كأنهم الخردل الأولين والآخرين فقلبهم في يده مرتين أو ثلاثا يرفع ويطأطئها ما شاء الله من ذلك ثم ردههم في أصلاب آبائهم حتى أخرجهم قرنا بعد قرن ثم قال بعد ذلك: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} الآية، ثم نزل بعد ذلك: {واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به} [المائدة: 7].
- وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الله بن عمر قال: لما خلق الله آدم نفضه نفض المزود فخر منه مثل النغف فقبض منه قبضتين فقال لما في اليمين: في الجنة وقال لما في الأخرى: في النار.
- وأخرج ابن سعد وأحمد عن عبد الرحمن بن قتادة السلمي وكان من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
«إن الله تبارك وتعالى خلق آدم ثم أخذ الخلق من ظهره فقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي»، فقال رجل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال: «على مواقع القدر».
- وأخرج أحمد والبزار والطبراني عن أبي الدرداء عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:
«خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحممة فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي وقال للذي في كتفه اليسرى: إلى النار ولا أبالي».
- وأخرج البزار والطبراني والآجري، وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«إن الله جل ذكره يوم خلق آدم قبض من صلبه قبضتين فوقع كل طيب في يمينه وكل خبيث بيده الأخرى فقال: هؤلاء أصحاب الجنة ولا أبالي وهؤلاء أصحاب النار ولا أبالي ثم أعادهم في صلب آدم فهم ينسلون على ذلك إلى الآن».
- وأخرج البزار والطبراني، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
«في القبضتين هذه في الجنة ولا أبالي».
- وأخرج البزار والطبراني عن ابن عمر عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
«في القبضتين هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه، قال: فتفرق الناس وهم لا يختلفون في القدر».
- وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والآجري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
«لما خلق الله آدم ضرب بيده على شق آدم الأيمن فأخرج ذرأ كالذر فقال: يا آدم هؤلاء ذريتك من أهل الجنة ثم ضرب بيده على شق آدم الأيسر فأخرج ذرأ كالحمم ثم قال: هؤلاء ذريتك من أهل النار».
- وأخرج أحمد عن أبي نضر، فإن رجلا من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقال له أبو عبد الله دخل عليه أصحابه يعودونه وهو يبكي فقالوا له: ما يبكيك قال: سمعت رسول الله يقول:
«إن الله قبض بيمينه قبضة وأخرى باليد الأخرى فقال: هذه لهذه وهذه لهذه ولا أبالي فلا أدري في أي القبضتين أنا».
- وأخرج ابن مردويه عن أنس عن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:
«إن الله قبض قبضة فقال: للجنة برحمتي وقبض قبضة فقال: إلى النار ولا أبالي»
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن الضحاك قال: إن الله أخرج من ظهر آدم يوم خلقه ما يكون إلى يوم القيامة فأخرجهم مثل الذر ثم قال: {ألست بربكم قالوا بلى} قالت الملائكة: شهدنا، ثم قبض قبضة بيمينه فقال: هؤلاء في الجنة، ثم قبض قبضة أخرى فقال: هؤلاء في النار ولا أبالي). [الدر المنثور: 6/ 649-672]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّةً من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون}.
يقول تعالى ذكره: شهدنا عليكم أيّها المقرّون بأنّ اللّه ربّكم، كيلا تقولوا يوم القيامة: إنّا كنّا عن هذا غافلين، إنّا كنّا لا نعلم ذلك وكنّا في غفلةٍ منه، أو تقولوا: {إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّةً من بعدهم} اتّبعنا منهاجهم {أفتهلكنا} بإشراك من أشرك من آبائنا، واتّباعنا منهاجهم على جهلٍ منّا بالحقّ؟.
ويعني بقوله: {بما فعل المبطلون} بما فعل الّذين أبطلوا في دعواهم إلهًا غير اللّه.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعض المكّيّين والبصريّين: (أن يقولوا) بالياء، بمعنى: شهدنا لئلاّ يقولوا على وجه الخبر عن الغيب.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة والكوفة: {أن تقولوا} بالتّاء على وجه الخطّاب من الشّهود للمشهود عليهم.
والصّواب من القول في ذلك أنّهما قراءتان صحيحتا المعنى متّفقتا التّأويل وإن اختلفت ألفاظهما؛ لأنّ العرب تفعل ذلك في الحكاية، كما قال اللّه: {لتبيّننّه للنّاس} وليبيّننّه، وقد بيّنّا نظائر ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته). [جامع البيان: 10/ 565]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو جعفرٍ محمّد بن عليٍّ الشّيبانيّ بالكوفة، ثنا أحمد بن حازمٍ الغفاريّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، ثنا أبو جعفرٍ عيسى بن عبد اللّه بن ماهان، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ رضي اللّه عنه، في قوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّاتهم وأشهدهم على أنفسهم} إلى قوله تعالى: {أفتهلكنا بما فعل المبطلون}، قال: " جمعهم له يومئذٍ جميعًا ما هو كائنٌ إلى يوم القيامة، فجعلهم أرواحًا، ثمّ صوّرهم، واستنطقهم، فتكلّموا، وأخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم، ألست بربّكم؟ قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة، إنّا كنّا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل، وكنّا ذرّيّةً من بعدهم، أفتهلكنا بما فعل المبطلون، قال: فإنّي أشهد عليكم السّماوات السّبع والأرضين السّبع، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم، أو تقولوا إنّا كنّا عن هذا غافلين، فلا تشركوا بي شيئًا، فإنّي أرسل إليكم رسلي، يذكّرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، فقالوا: نشهد أنّك ربّنا، وإلهنا لا ربّ لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك، ورفع لهم أبوهم آدم فنظر إليهم، فرأى فيهم الغنيّ والفقير وحسن الصّورة، وغير ذلك، فقال: ربّ لو سوّيت بين عبادك فقال: إنّي أحبّ أن أشكر، ورأى فيهم الأنبياء مثل السّرج، وخصّوا بميثاقٍ آخر بالرّسالة والنّبوّة فذلك قوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوحٍ} [الأحزاب: 7] الآية. وهو قوله تعالى: {فأقم وجهك للدّين حنيفًا فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه} [الروم: 30] وذلك قوله: {هذا نذيرٌ من النّذر الأولى} [النجم: 56] وقوله: {وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين}، وهو قوله: {ثمّ بعثنا من بعده رسلًا إلى قومهم فجاءوهم بالبيّنات، فما كانوا ليؤمنوا بما كذّبوا به من قبل} كان في علمه بما أقرّوا به، من يكذّب به ومن يصدّق به، فكان روح عيسى من تلك الأرواح الّتي أخذ عليها الميثاق في زمن آدم فأرسل ذلك الرّوح إلى مريم حين {انتبذت من أهلها مكانًا شرقيًّا، فاتّخذت من دونهم حجابًا فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها بشرًا سويًّا} [مريم: 17] إلى قوله: {مقضيًّا} [مريم: 21] فحملته قال: حملت الّذي خاطبها وهو روح عيسى عليه السّلام " قال أبو جعفرٍ: فحدّثني الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية عن أبيّ بن كعبٍ قال: دخل من فيها «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/ 353]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين} قال: عن الميثاق الذي أخذ عليهم، {أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل} فلا يستطيع أحد من خلق الله من الذرية {أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا} ونقضوا الميثاق {وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا} بذنوب آباؤنا وبما فعل المبطلون، والله تعالى أعلم). [الدر المنثور: 6/ 672]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)}
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا أبو أسامة، عن زائدة، عن منصورٍ، عن إبراهيم {لعلّهم يرجعون} قال: يتوبون). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 420-421]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون}.
يقول تعالى ذكره: وكما فصّلنا يا محمّد لقومك آيات هذه السّورة، وبيّنا فيها ما فعلنا بالأمم السّالفة قبل قومك، وأحللنا بهم من المثلات بكفرهم وإشراكهم في عبادتي غيري، كذلك نفصّل الآيات غيرها ونبيّنها لقومك، لينزجروا ويرتدعوا، فينيبوا إلى طاعتي ويتوبوا من شركهم وكفرهم، فيرجعوا إلى الإيمان والإقرار بتوحيدي وإفراد الطّاعة لي وترك عبادة ما سواي). [جامع البيان: 10/ 566]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون (174)}
قوله تعالى: {وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {وكذلك نفصّل الآيات ما نفصّل فنبيّن}). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1616]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 09:52 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)}

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)}
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {من ظهورهم ذرياتهم}.
عمر بن عبد العزيز {ذريتهم} يجعله واحدًا). [معاني القرآن لقطرب: 580]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {بلى شهدنا أن تقولوا ... أو تقولوا} .
ابن عباس رحمه الله {أن يقولوا ... أو يقولوا} بالياء، وهي قراءة أبي عمرو). [معاني القرآن لقطرب: 580] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين (172)}
موضع (إذ) نصب. المعنى واذكر {إذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم}.
{من ظهورهم} بدل من قوله: (من بني آدم) المعنى وإذ أخذ ربك ذريتهم وذرياتهم جميعا.
وقوله: {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى}؛
قال بعضهم: خلق اللّه الناس كالذّر من صلب آدم، وأشهدهم على توحيده، وهذا جائز أن يكون جعل لأمثال الذّر فهما تعقل به أمره.
كما قال:
{قالت نملة يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم}؛
وكما قال: {وسخّرنا مع داوود الجبال يسبّحن}؛
وكل مولود يولد على الفطرة معناه أنه يولد وفي قلبه توحيد اللّه، حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه.
وقال قوم: معناه أنّ الله جل ثناؤه، أخرج بني آدم بعضهم من ظهور بعض.
ومعنى: {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم}؛
أن كلّ بالغ يعلم أنّ اللّه واحد، لأن كل ما خلق الله تعالى دليل على توحيده، وقالوا لولا ذلك لم تكن على الكافر حجة.
وقالوا فمعنى {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم} دلّهم بخلقه على توحيده). [معاني القرآن: 2/ 389-390]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (155 - وقوله جل وعز: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم}
أحسن ما قيل في هذا ما تواترت به الأخبار عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«إن الله جل وعز مسح ظهر آدم فأخرج منه ذريته أمثال الذر فأخذ عليهم الميثاق»
فكأن يفهمهم ما أراد جل وعز كما قال تعالى: {قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم}
وفي الحديث كل مولود يولد على الفطرة.
أي على ابتداء أمره حين أخذ عليهم العهد.
حدثنا أبو جعفر قال نا عبد الله بن إبراهيم المقرئ البغدادي بالرملة قال نا عباس الدوري قال نا عبد الله بن موسى قال نا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبي بن كعب في هذه الآية: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم} إلى قوله: {المبطلون} قال جمعهم فجعلهم أزواجا ثم صورهم ثم استنطقهم فقال ألست بربكم قالوا بلى شهدنا إنك ربنا وإلهنا لا رب لنا غيرك ولا إله لنا غيرك قال فأرسل إليكم رسلي وأنزل عليكم كتبي فلا تكذبوا رسلي وصدقوا وعيدي وإني سأنتقم ممن أشرك بي ولم يؤمن بي فأخذ عهدهم وميثاقهم وذكر الحديث
قال أبو جعفر ونذكر حديث عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في معنى هذه الآية في الإعراب وغيره إن شاء الله.
156 - ثم قال جل وعز: {قالوا بلى}
وهذا التمام على قراءة من قرأ أن تقولوا بالتاء.
قال أبو حاتم وهي مذهبنا لقوله: {ألست بربكم} يخاطبهم فقال على المخاطبة {أن تقولوا} أي لأن لا تقولوا.
وقرأ ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما (أن يقولوا) بالياء والمعنى على هذه القراءة وأشهدهم على أنفسهم كراهة أن يقولوا). [معاني القرآن: 3/ 101-103]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173)}
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {بلى شهدنا أن تقولوا ... أو تقولوا} . ابن عباس رحمه الله {أن يقولوا ... أو يقولوا} بالياء، وهي قراءة أبي عمرو). [معاني القرآن لقطرب: 580] (م)


تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174)}


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 05:43 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172)}
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (معنى (أَنْ يَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ): لئلا يقولوا). [مجالس ثعلب: 113]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} قال: يشهدون أنفسهم أنه ربهم لا يدري كيف تكلم، كمخاطبة أيضًا للسموات والأرض وغيرهما.
قال: والذر: وزن مائة نملةٍ منها وزن حبةٍ، الذرة واحدة منها. وقال: كل استفهام يكون معه الجحد يجاب المتكلم به ببلى ولا. وكل استفهام لا جحد معه فالجواب فيه نعم. وإنما كره أن يجاب ما فيه جحد بنعم، لئلا يكون إقرارًا بالجحد من المتكلم). [مجالس ثعلب: 475]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) }

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:09 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:10 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:10 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:11 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذ أخذ ربّك ... الآية}؛ التقدير (واذكر إذ أخذ)، وقوله: {من ظهورهم}؛ قال النحاة: هو بدل اشتمال من قوله: {من بني آدم}، وألفاظ هذه الآية تقتضي أن الأخذ إنما كان من بني آدم من ظهورهم وليس لآدم في الآية ذكر بحسب اللفظة وتواترت الأحاديث في تفسير هذه الآية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبد الله بن عباس وغيرهما أن الله عز وجل لما خلق آدم وفي بعض الروايات لما أهبط آدم إلى الأرض في دهناء من أرض السند قاله ابن عباس، وفي بعضها أن ذلك بنعمان وهي عرفة وما يليها قاله أيضا ابن عباس وغيره، مسح على ظهره وفي بعض الروايات بيمينه وفي بعض الروايات ضرب منكبه فاستخرج منها أي من المسحة أو الضربة نسم بنيه ففي بعض الروايات كالذر وفي بعضها كالخردل وقال محمد بن كعب: إنها الأرواح جعلت لها مثالات، وروى عبد الله بن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «أخذوا من ظهره كما يؤخذ بالمشط من الرأس وجعل الله لهم عقولا كنملة سليمان وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم وأن لا إله غيره فأقروا بذلك والتزموه وأعلمهم أنه سيبعث الرسل إليهم مذكرة وداعية، فشهد بعضهم على بعض، قال أبيّ بن كعب وأشهد عليهم السماوات السبع فليس من أحد يولد إلى يوم القيامة إلا وقد أخذ عليه العهد في ذلك اليوم والمقام، وقال السدي أعطى الكفار العهد يومئذ كارهين على وجه التقية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: هذه نخيلة مجموع الروايات المطولة، وكأن ألفاظ هذه الأحاديث لا تلتئم.
مع ألفاظ الآية، وقد أكثر الناس في روم الجمع بينهما فقال قوم: إن الآية مشيرة إلى هذا التناسل الذي في الدنيا، وأخذ بمعنى أوجد على المعهود وأن الإشهاد هو عند بلوغ المكلف وهو قد أعطي الفهم ونصبت له هذه الصنعة الدالة على الصانع، ونحا إلى هذا المعنى الزجّاج، وهو معنى تحتمله الألفاظ لكن يرد عليه تفسير عمر بن الخطاب وابن عباس رضي الله عنهما الآية بالحديث المذكور، وروايتهما ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وطوّل الجرجاني في هذه المسألة ومدار كلامه على أن المسح وإخراج الذرية من أظهر آدم حسب الحديث، وقيل في الآية أخذ من ظهورهم إذ الإخراج من ظهر آدم الذي هو الأصل إخراج من ظهور بنيه الذين هم الفرع إذ الفرع والأصل شيء واحد، إلى كلام كثير لا يثبت للنقد،
وقال غيره: إن جميع ما في الحديث من مسح بيمينه وضرب منكبه ونحو هذا إنما هي عبارة عن إيجاد ذلك النسم منه، و «اليمين» عبارة عن القدرة أو يكون الماسح ملكا بأمر الله عز وجل فتضمن الحديث صدر القصة وإيجاد النسم من آدم، وهذه زيادة على ما في الآية، ثم تضمنت الآية ما جرى بعد هذا من أخذ العهد، والنسم حضور موجودون هي تحتمل معنيين أحدهما أن يكون أخذ عاملا في عهد أو ميثاق تقدره بعد قوله: {ذرّيّتهم} ويكون قوله: {من ظهورهم} لبيان جنس النبوة إذ المراد من الجميع التناسل ويشركه في لفظة بني آدم بنوه لصلبه وبنوه بالحنان والشفقة ويكون قوله: من ذرّيّتهم بدلا من بني آدم، والمعنى الآخر أنه لما كانت كل نسمة هنالك لها نسبة إلى التي هي من ظهرها كأن تعيين تلك النسبة أخذ من الظهر إذ ستخرج منه فهي المستأنف فالمعنى وإذ عينوا بهذه النسبة وعرفوا بها فذلك أخذ ما وأخذ على هذا عامل في ذرّيّتهم وليس بمعنى مسح وأوجد بل قد تقدم إيجادهم كما تقدم الحديث المذكور، فالحديث يزيد معنى على الآية وهو ذكر آدم وأول إيجاد النسم كيف كان.
وقال الطرطوشي إن هذا العهد يلزم البشر وإن كانوا لا يذكرونه في هذه الحياة كما يلزم الطلاق من شهد عليه به وهو قد نسيه إلى غير هذا مما ليس بتفسير ولا من طريقه.
وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر: «ذرياتهم» جمع جمع وقرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي:
«ذريتهم» والإفراد هنا جمع وقد تقدم القول على لفظ الذرية في سورة آل عمران.
وروي في قصص هذه الآية: أن الأنبياء عليهم السلام كانوا بين تلك النسم أمثال السرج وأن آدم عليه السلام رأى داود فأعجبه فقال: من هذا؟ فقيل: نبي من ذريتك فقال: كم عمره؟ فقيل ستون سنة، فقال زيدوه من عمري أربعين سنة فزيدت قال: وكان عمر آدم ألفا فلما أكمل تسعمائة وستين جاء ملك الموت فقال له آدم بقي لي أربعون سنة فرجع ملك الموت إلى ربه فأخبره فقال له قل له إنك أعطيتها لابنك داود فتوفي عليه السلام بعد أن خاصم في الأربعين، قال الضحاك بن مزاحم: من مات صغيرا فهو على العهد الأول ومن بلغ فقد أخذه العهد الثاني يعني الذي في هذه الحياة المعقولة الآن، وحكى الزجاج عن قوم أنهم قالوا إن هذه الآية عبارة عن أن كل نسمة إذا ولدت وبلغت فنظرها في الأدلة المنصوبة عهد عليها في أن تؤمن وتعرف الله، وقد تقدم ذكر هذا القول وهو قول ضعيف منكب عن الأحاديث المأثورة مطرح لها.
وقوله: {شهدنا}؛ يحتمل أن يكون من قول بعض النسم لبعض أي شهدنا عليكم لئلا تقولوا يوم القيامة غفلنا عن معرفة الله والإيمان به فتكون مقالة من هؤلاء لهؤلاء، ذكره الطبري، وعلى هذا لا يحسن الوقف على قوله: بلى ويحتمل أن يكون قوله شهدنا من قول الملائكة فيحسن الوقف على قوله بلى، قال السدي: المعنى قال الله وملائكته شهدنا، ورواه عبد الله بن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقرأ السبعة غير أبي عمرو: «أن تقولوا» على مخاطبة حاضرين، وقرأ أبو عمرو وحده، «أن يقولوا» على الحكاية عن غائبين وهي قراءة ابن عباس وابن جبير وابن محيصن والقراءتان تتفسر بحسب المعنيين المذكورين، وأن في موضع نصب على تقدير مخافة أن). [المحرر الوجيز: 4/ 83-86]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّةً من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون (173) وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون (174) واتل عليهم نبأ الّذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشّيطان فكان من الغاوين (175)}
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: المعنى في هذه الآيات أن الكفرة لو لم يؤخذ عليهم عهد ولا جاءهم رسول مذكر بما تضمنه العهد من توحيد الله وعبادته لكانت لهم حجتان، إحداهما كنا غافلين، والأخرى كنا تباعا لأسلافنا فكيف نهلك، والذنب إنما هو لمن طرق لنا وأضلنا فوقعت شهادة بعضهم على بعض أو شهادة الملائكة عليهم لتنقطع لهم هذه الحجج، والاختلاف في «يقولوا» أو «تقولوا» بحسب الأول). [المحرر الوجيز: 4 /87]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وكذلك نفصّل الآيات} تقديره وكما فعلنا هذه الأمور وأنفذنا هذه المقادير فكذلك نفصل الآيات ونبينها لمن عاصرك وبعثت إليه، لعلّهم على ترجيهم وترجيكم وبحسب نظر البشر، يرجعون إلى طاعة الله ويدخلون في توحيده وعبادته، وقرأت فرقة «يفصل» بالياء). [المحرر الوجيز: 4/ 87]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:11 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:11 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (173) وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (174) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين (172) أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا من قبل وكنّا ذرّيّةً من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون (173) وكذلك نفصّل الآيات ولعلّهم يرجعون (174)}
يخبر تعالى أنّه استخرج ذرّيّة بني آدم من أصلابهم، شاهدين على أنفسهم أنّ اللّه ربّهم ومليكهم، وأنّه لا إله إلّا هو. كما أنّه تعالى فطرهم على ذلك وجبلهم عليه، قال تعالى: {فأقم وجهك للدّين حنيفًا فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه} [الرّوم: 30] وفي الصّحيحين عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كلّ مولودٍ يولد على الفطرة
» -وفي روايةٍ: على هذه الملّة -فأبواه يهوّدانه، وينصّرانه، ويمجّسانه، كما تولد البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تحسّون فيها من جدعاء" وفي صحيح مسلمٍ، عن عياض بن حمارٍ قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:«يقول اللّه [تعالى]: إنّي خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشّياطين فاجتالتهم، عن دينهم وحرّمت عليهم ما أحللت لهم».
وقال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ، رحمه اللّه: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، حدّثنا ابن وهبٍ، أخبرني السّريّ بن يحيى: أنّ الحسن بن أبي الحسن حدّثهم، عن الأسود بن سريعٍ من بني سعدٍ، قال: غزوت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أربع غزواتٍ، قال: فتناول القوم الذّرّيّة بعد ما قتلوا المقاتلة، فبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فاشتدّ عليه، ثمّ قال:
«ما بال أقوامٍ يتناولون الذّرّيّة؟ » قال رجلٌ: يا رسول اللّه، أليسوا أبناء المشركين؟ فقال:«إنّ خياركم أبناء المشركين! ألا إنّها ليست نسمةٌ تولد إلّا ولدت على الفطرة، فما تزال عليها حتّى يبيّن عنها لسانها، فأبواها يهوّدانها أو ينصّرانها». قال الحسن: واللّه لقد قال اللّه في كتابه: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم} الآية
وقد رواه الإمام أحمد، عن اسماعيل بن عليّة، عن يونس بن عبيدٍ، عن الحسن البصريّ به. وأخرجه النّسائيّ في سننه من حديث هشيم، عن يونس بن عبيدٍ، عن الحسن قال: حدثنا الأسود ابن سريع، فذكره، ولم يذكر قول الحسن البصريّ واستحضاره الآية عند ذلك
وقد وردت أحاديث في أخذ الذّرّيّة من صلب آدم، عليه السّلام، وتمييزهم إلى أصحاب اليمين و [إلى] أصحاب الشّمال، وفي بعضها الاستشهاد عليهم بأنّ اللّه ربّهم.
قال الإمام أحمد: حدّثنا حجّاج، حدّثنا شعبة، عن أبي عمران الجوني، عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال:
«يقال للرّجل من أهل النّار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيءٍ أكنت مفتديًا به؟» قال: «فيقول: نعم. فيقول: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم ألّا تشرك بي شيئًا، فأبيت إلّا أن تشرك بي».
أخرجاه في الصّحيحين، من حديث شعبة، به
حديثٌ آخر: وقال الإمام أحمد: حدّثنا حسين بن محمّدٍ، حدّثنا جريرٌ -يعني ابن حازمٍ -عن كلثوم بن جابرٍ عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ [رضي اللّه عنهما] عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «إنّ اللّه أخذ الميثاق من ظهر آدم، عليه السّلام، بنعمان. يعني عرفة فأخرج من صلبه كلّ ذرّيّةٍ ذرأها فنثرها بين يديه، ثمّ كلّمهم قبلًا قال: {ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين} إلى قوله: {المبطلون}
»
وقد روى هذا الحديث النّسائيّ في كتاب التّفسير من سننه، عن محمّد بن عبد الرّحيم -صاعقةٍ -عن حسين بن محمّدٍ المروزيّ، به. ورواه ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ من حديث حسين بن محمّدٍ به. إلّا أنّ ابن أبي حاتمٍ جعله موقوفًا. وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث حسين بن محمّدٍ وغيره، عن جرير بن حازمٍ، عن كلثوم بن جبر، به. وقال: صحيح الإسناد ولم يخرّجاه، وقد احتجّ مسلمٌ بكلثوم بن جبيرٍ هكذا قال، وقد رواه عبد الوارث، عن كلثوم بن جبرٍ عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، فوقفه وكذا رواه إسماعيل بن عليّة ووكيع، عن ربيعة بن كلثومٍ، عن جبيرٍ، عن أبيه، به. وكذا رواه عطاء بن السّائب، وحبيب بن أبي ثابتٍ، وعليّ بن بذيمة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله، وكذا رواه العوفي وعليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ فهذا أكثر وأثبت، واللّه أعلم.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيع، حدّثنا أبي، عن أبي هلالٍ، عن أبي جمرة الضّبعيّ، عن ابن عبّاسٍ [رضي اللّه عنهما] قال: أخرج اللّه ذرّيّة آدم [عليه السّلام] من ظهره كهيئة الذّرّ، وهو في آذي من الماء.
وقال أيضًا: حدّثنا عليّ بن سهلٍ، حدّثنا ضمرة بن ربيعة، حدّثنا أبو مسعودٍ عن جوبير قال: مات ابنٌ للضّحّاك بن مزاحم، وهو ابن ستّة أيّامٍ. قال: فقال: يا جابر، إذا أنت وضعت ابني في لحده، فأبرز وجهه، وحلّ عنه عقده، فإنّ ابني مجلس، ومسئولٌ. ففعلت به الّذي أمر، فلمّا فرغت قلت: يرحمك اللّه، عمّ يسأل ابنك؟ من يسأله إيّاه؟ قال: يسأل عن الميثاق الذي أقر به في صلب آدم. قلت: يا أبا القاسم، وما هذا الميثاق الّذي أقرّ به في صلب آدم؟ قال: حدّثني ابن عبّاسٍ [رضي اللّه عنه] ؛ أنّ اللّه مسح صلب آدم فاستخرج منه كلّ نسمةٍ هو خلقها إلى يوم القيامة، فأخذ منهم الميثاق: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وتكفّل لهم بالأرزاق، ثمّ أعادهم في صلبه. فلن تقوم السّاعة حتّى يولد من أعطى الميثاق يومئذٍ، فمن أدرك منهم الميثاق الآخر فوفّى به، نفعه الميثاق الأوّل. ومن أدرك الميثاق الآخر فلم يف به، لم ينفعه الميثاق الأوّل. ومن مات صغيرًا قبل أن يدرك الميثاق الآخر، مات على الميثاق الأوّل على الفطرة
فهذه الطّرق كلّها ممّا تقوّي وقف هذا على ابن عبّاسٍ، واللّه أعلم.
حديثٌ آخر: وقال ابن جريرٍ: حدّثنا عبد الرّحمن بن الوليد، حدّثنا أحمد بن أبي طيبة، عن سفيان بن سعيدٍ، عن الأجلح، عن الضّحّاك وعن -منصورٍ، عن مجاهدٍ -عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
{وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} قال: «أخذ من ظهره، كما يؤخذ بالمشط من الرّأس، فقال لهم: {ألست بربّكم قالوا بلى} قالت الملائكة: {شهدنا أن يقولوا} يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين»
أحمد بن أبي طيبة هذا هو: أبو محمّدٍ الجرجانيّ قاضي قومس، كان أحد الزّهّاد، أخرج له النّسائيّ في سننه، وقال أبو حاتمٍ الرّازيّ: يكتب حديثه. وقال ابن عديّ: حدّث بأحاديث أكثرها غرائب.
وقد روى هذا الحديث عبد الرّحمن بن مهديّ، عن سفيان الثّوريّ، عن منصور، عن مجاهد، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قوله، وكذا رواه جريرٌ، عن منصورٍ، به. وهذا أصحّ واللّه أعلم.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا روحٌ -هو ابن عبادة -حدّثنا مالكٌ، وحدّثنا إسحاق، أخبرنا مالكٌ، عن زيد بن أبي أنيسة: أنّ عبد الحميد بن عبد الرّحمن بن زيد بن الخطّاب، أخبره، عن مسلم بن يسار الجهني: أنّ عمر بن الخطّاب سئل عن هذه الآية: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى} الآية، فقال عمر بن الخطّاب: سمعت رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، سئل عنها، فقال:
«إن اللّه خلق آدم، عليه السّلام، ثمّ مسح ظهره بيمينه، فاستخرج منه ذرّيّةً، قال: خلقت هؤلاء للجنّة، وبعمل أهل الجنّة يعملون. ثمّ مسح ظهره فاستخرج منه ذرّيّةً، قال: خلقت هؤلاء للنّار وبعمل أهل النّار يعملون». فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، ففيم العمل؟ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:«إذا خلق اللّه العبد للجنّة، استعمله بأعمال أهل الجنّة، حتّى يموت على عملٍ من أعمال أهل الجنّة، فيدخله به الجنّة. وإذا خلق العبد للنّار، استعمله بعمل أهل النّار حتّى يموت على عملٍ من أعمال أهل النّار، فيدخله به النّار».
وهكذا رواه أبو داود عن القعنبي -والنّسائيّ عن قتيبة -والتّرمذيّ عن إسحاق بن موسى، عن معن. وابن أبي حاتمٍ، عن يونس بن عبد الأعلى، عن ابن وهبٍ. وابن جريرٍ من حديث روح ابن عبادة وسعيد بن عبد الحميد بن جعفرٍ. وأخرجه ابن حبّانٍ في صحيحه، من رواية أبي مصعبٍ الزّبيريّ، كلّهم عن الإمام مالك بن أنسٍ، به
قال التّرمذيّ: وهذا حديثٌ حسنٌ، ومسلم بن يسار لم يسمع عمر. وكذا قاله أبو حاتمٍ وأبو زرعة. زاد أبو حاتمٍ: وبينهما نعيم بن ربيعة.
وهذا الّذي قاله أبو حاتمٍ، رواه أبو داود في سننه، عن محمّد بن مصفّى، عن بقيّة، عن عمر ابن جعثم القرشيّ، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عبد الحميد بن عبد الرّحمن بن زيد بن الخطّاب، عن مسلم بن يسار الجهنيّ، عن نعيم بن ربيعة قال: كنت عند عمر بن الخطّاب [رضي اللّه عنه] وقد سئل عن هذه الآية: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} فذكره.
وقال الحافظ الدّارقطنيّ: وقد تابع عمر بن جعثم بن زيد بن سنان أبو فروة الرّهاوي، وقولهما أولى بالصّواب من قول مالكٍ، واللّه أعلم
قلت: الظّاهر أنّ الإمام مالكًا إنّما أسقط ذكر "نعيم بن ربيعة" عمدًا؛ لما جهل حاله ولم يعرفه، فإنّه غير معروفٍ إلّا في هذا الحديث، وكذلك يسقط ذكر جماعةٍ ممّن لا يرتضيهم؛ ولهذا يرسل كثيرًا من المرفوعات، ويقطع كثيرًا من الموصولات، واللّه أعلم.
حديثٌ آخر: قال التّرمذيّ عند تفسيره هذه الآية: حدّثنا عبد بن حميدٍ، حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة [رضي اللّه عنه] قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«لمّا خلق اللّه [عزّ وجلّ] آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كلّ نسمة هو خالقها من ذرّيّته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كلّ إنسانٍ منهم وبيصًا من نورٍ، ثمّ عرضهم على آدم، فقال: أي ربّ، من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذرّيّتك. فرأى رجلًا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي ربّ، من هذا؟ قال: هذا رجلٌ من آخر الأمم من ذرّيتك، يقال له: داود. قال: ربّ، وكم جعلت عمره؟ قال: ستّين سنةً. قال: أي ربّ، زده من عمري أربعين سنةً. فلمّا انقضى عمر آدم، جاءه ملك الموت قال: أو لم يبق من عمري أربعون سنةً؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود؟ قال: فجحد آدم فجحدت ذرّيّته، ونسي آدم فنسيت ذرّيّته، وخطئ آدم فخطئت ذرّيّته».
ثمّ قال التّرمذيّ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وقد روي من غير وجهٍ عن أبي هريرة، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-.
ورواه الحاكم في مستدركه، من حديث أبي نعيم الفضل بن دكين، به. وقال: صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرّجاه.
ورواه ابن أبي حاتمٍ في تفسيره، من حديث عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، أنّه حدّثه عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-، فذكر نحو ما تقدّم، إلى أن قال:
«ثمّ عرضهم على آدم فقال: يا آدم، هؤلاء ذرّيّتك. وإذا فيهم الأجذم والأبرص والأعمى، وأنواع الأسقام، فقال آدم: يا ربّ، لم فعلت هذا بذرّيّتي؟ قال: كي تشكر نعمتي. وقال آدم: يا ربّ، من هؤلاء الّذين أراهم أظهر النّاس نورًا؟ قال: هؤلاء الأنبياء يا آدم من ذرّيّتك». ثمّ ذكر قصّة داود، كنحو ما تقدّم
حديثٌ آخر: قال عبد الرّحمن بن قتادة النّصري عن أبيه، عن هشام بن حكيمٍ، رضي اللّه عنه، أنّ رجلًا سأل النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: يا رسول اللّه، أتبدأ الأعمال، أم قد قضي القضاء؟ قال: فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«إنّ اللّه قد أخذ ذرّيّة آدم من ظهورهم، ثمّ أشهدهم على أنفسهم، ثمّ أفاض بهم في كفّيه" ثمّ قال: "هؤلاء في الجنّة وهؤلاء في النّار، فأهل الجنّة ميسّرون لعمل أهل الجنّة، وأهل النّار ميسّرون لعمل أهل النّار».
رواه ابن جريرٍ، وابن مردويه من طرق عنه.
حديثٌ آخر: روى جعفر بن الزّبير -وهو ضعيفٌ -عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:
«لمّا خلق اللّه الخلق، وقضى القضيّة، أخذ أهل اليمين بيمينه وأهل الشّمال بشماله، فقال: يا أصحاب اليمين. فقالوا: لبّيك وسعديك. قال: ألست بربّكم؟ قالوا: بلى. قال: يا أصحاب الشّمال. قالوا: لبّيك وسعديك. قال: ألست بربّكم؟ قالوا: بلى ثمّ خلط بينهم، فقال قائلٌ: يا ربّ، لم خلطت بينهم؟ قال: لهم أعمالٌ من دون ذلك هم لها عاملون، أن يقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين، ثمّ ردّهم في صلب آدم [عليه السّلام]». رواه ابن مردويه
أثرٌ آخر: قال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، عن أبي بن كعبٍ [رضي اللّه عنه] في قول اللّه تعالى: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} الآية والّتي بعدها، قال: فجمعهم له يومئذٍ جميعًا، ما هو كائنٌ منه إلى يوم القيامة، فجعلهم أرواحًا ثمّ صوّرهم ثمّ استنطقهم فتكلّموا، وأخذ عليهم العهد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم؟ قالوا: بلى، الآية. قال: فإنّي أشهد عليكم السّماوات السّبع، والأرضين السّبع، وأشهد عليكم أباكم آدم أن تقولوا يوم القيامة: لم نعلم بهذا اعلموا أنّه لا إله غيري، ولا ربّ غيري، فلا تشركوا بي شيئًا، وإنّي سأرسل إليكم رسلًا يذكّرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي. قالوا: نشهد أنّك ربّنا وإلهنا، لا ربّ لنا غيرك، ولا إله لنا غيرك. فأقرّوا له يومئذٍ بالطّاعة، ورفع أباهم آدم فنظر إليهم، فرأى فيهم الغنيّ والفقير، وحسن الصّورة ودون ذلك. فقال: يا ربّ، لو سويت بين عبادك؟ قال: إنّي أحببت أن أشكر. ورأى فيهم الأنبياء مثل السرج عليهم النّور، وخصّوا بميثاقٍ آخر من الرّسالة والنّبوّة، فهو الّذي يقول تعالى: {وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقًا غليظًا} [الأحزاب: 7] وهو الّذي يقول: {فأقم وجهك للدّين حنيفًا فطرة اللّه الّتي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه} الآية [الرّوم: 30]، ومن ذلك قال: {هذا نذيرٌ من النّذر الأولى}[النّجم: 56] ومن ذلك قال: {وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين}.
رواه عبد اللّه بن الإمام أحمد في مسند أبيه، ورواه ابن أبي حاتمٍ وابن جريرٍ وابن مردويه في تفاسيرهم، من رواية ابن جعفرٍ الرّازيّ، به. وروي عن مجاهدٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، وقتادة، والسّدّيّ، وغير واحدٍ من علماء السّلف، سياقاتٍ توافق هذه الأحاديث، اكتفينا بإيرادها عن التّطويل في تلك الآثار كلها، وبالله المستعان.
فهذه الأحاديث دالّةٌ على أنّ اللّه، عزّ وجلّ، استخرج ذرّيّة آدم من صلبه، وميّز بين أهل الجنّة وأهل النّار، وأمّا الإشهاد عليهم هناك بأنّه ربّهم، فما هو إلّا في حديث كلثوم بن جبرٍ عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ [رضي اللّه عنهما] وفي حديث عبد اللّه بن عمرٍو [رضي اللّه عنهما] وقد بيّنّا أنّهما موقوفان لا مرفوعان، كما تقدّم. ومن ثمّ قال قائلون من السّلف والخلف: إنّ المراد بهذا الإشهاد إنّما هو فطرهم على التّوحيد، كما تقدّم في حديث أبي هريرة وعياض بن حمار المجاشعي، ومن رواية الحسن البصريّ عن الأسود بن سريع. وقد فسّر الحسن البصريّ الآية بذلك، قالوا: ولهذا قال: {وإذ أخذ ربّك من بني آدم} ولم يقل: "من آدم"، {من ظهورهم} ولم يقل: "من ظهره" {ذرّيّاتهم} أي: جعل نسلهم جيلًا بعد جيلٍ، وقرنًا بعد قرنٍ، كما قال تعالى: {وهو الّذي جعلكم خلائف الأرض}[الأنعام: 165] وقال: {ويجعلكم خلفاء الأرض} [النّمل: 62] وقال: {كما أنشأكم من ذرّيّة قومٍ آخرين}[الأنعام: 133]
ثمّ قال: {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربّكم قالوا بلى} أي: أوجدهم شاهدين بذلك، قائلين له حالًا وقالا. والشّهادة تارةً تكون بالقول، كما قال [تعالى]: {قالوا شهدنا على أنفسنا} [الأنعام: 130] الآية، وتارةً تكون حالًا كما قال تعالى: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه شاهدين على أنفسهم بالكفر} [التّوبة: 17] أي: حالهم شاهدٌ عليهم بذلك لا أنّهم قائلون ذلك، وكذلك قوله تعالى: {وإنّه على ذلك لشهيدٌ} [العاديات: 7] كما أنّ السّؤال تارةً يكون بالقال، وتارةً يكون بالحال، كما في قوله: {وآتاكم من كلّ ما سألتموه} [إبراهيم: 34] قالوا: وممّا يدلّ على أنّ المراد بهذا هذا، أن جعل هذا الإشهاد حجّةً عليهم في الإشراك، فلو كان قد وقع هذا كما قاله من قال لكان كلّ أحدٍ يذكره، ليكون حجّةً عليه. فإن قيل: إخبار الرّسول به كافٍ في وجوده، فالجواب: أنّ المكذّبين من المشركين يكذّبون بجميع ما جاءتهم به الرّسل من هذا وغيره. وهذا جعل حجّةً مستقلّةً عليهم، فدلّ على أنّه الفطرة الّتي فطروا عليها من الإقرار بالتّوحيد؛ ولهذا قال: {أن يقولوا} أي: لئلّا يقولوا يوم القيامة: {إنّا كنّا عن هذا} أي: [عن] التّوحيد {غافلين أو تقولوا إنّما أشرك آباؤنا} الآية). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 500-506]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة