العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:58 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأعراف [ من الآية (163) إلى الآية (167) ]

{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:41 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني حيوة بن شريح عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب أنه قال: {الغاسق إذا وقب} الشمس إذا غربت، والقرية التي قال الله في كتابه: {كانت حاضرة البحر}، طبرية، والقرية التي قال الله: {إذا أرسلنا إليهم اثنين} أنطاكية، والقرية التي قال الله: {كانت آمنة مطمئنة}، قال: هي يثرب). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 15] (م)

قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، عن الحسن، أنّه تلا: {واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السّبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا} الآية، قال: كان حوتٌ حرّمه اللّه عليهم في يومٍ وأحلّه لهم في سوى ذلك، فكان يأتيهم في اليوم الّذي حرّم عليهم كأنّه المخاض، ما يمتنع من أحدٍ، فجعلوا يهمّون ويمسكون حتّى أخذوه فأكلوا والله بها أوخم أكلةً أكلها قوم لوطٍ أبقى خزيًا في الدّنيا وأشدّ عقوبةً في الآخرة، وايم الله للمؤمن أعظم حرمةً عند الله من حوتٍ، ولكنّ اللّه جعل موعد قومي السّاعة، والسّاعة أدهى وأمرّ). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 398-399]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {يعدون في السّبت}: «يتعدّون له، يجاوزون تجاوزٌ بعد تجاوزٍ» ، {تعد} [الكهف: 28] : «تجاوز». {شرّعًا} [الأعراف: 163] : «شوارع» ). [صحيح البخاري: 6/ 59]

- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {يعدون في السّبت} يتعدّون ثمّ يتجاوزون تقدّم في أحاديث الأنبياء وهو قول أبي عبيدة ووقع هنا في رواية أبي ذرٍّ بدل قوله ثمّ يتجاوزون تجاوزًا بعد تجاوزٍ وهو بالمعنى). [فتح الباري: 8/ 300]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {شرّعًا} شوارع قال أبو عبيدة في قوله: {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا}؛ أي شوارع انتهى وشرّعٌ وشوارع جمع شارعٍ وهو الظّاهر على وجه الماء وروى عبد الرّزّاق عن بن جريج عن رجل عن عكرمة عن بن عبّاسٍ في قوله: {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا} أي بيضًا سمانًا فتنبطح بأفنيتهم ظهورها لبطونها). [فتح الباري: 8/ 300-301]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({يعدون في السّبت}؛ يتعدّون ثمّ يتجاوزون تعدّى تجاوز،
أشار به إلى قوله تعالى: {واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت} وفسّر:{ يعدون}، بقوله: يتعدون ثمّ يتجاوزن، وقال الزّمخشريّ: إذ يعدون إذ يتجاوزون حد الله فيه وهو اصطيادهم يوم السبت وقد نهوا عنه، وقرئ يعدون، بمعنى يعتدون وإذ يعدون من الإعداد وكانوا يعدون آلات الصّيد يوم السبت وهم مأمورون بأن لا يشتغلوا فيه بغير العبادة. قوله: (تعدى تجاوز) نبه به على أن معنى هذه الكلمة التجاوز فإذا تجاوز أحد أمرا من الأمور المحدودة يقال له: تعدى). [عمدة القاري: 18/ 236]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({شرّعاً}؛ شوارع.
أشار به إلى قوله عز وجل: {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا} وذكر أن شرّعاً جمع شوارع وشوارع جمع شارع وهو الظّاهر على وجه الماء، وروى الضّحّاك عن ابن عبّاس: شرعا، أي ظاهرة على الماء، وقال العوفيّ عنه: شرعا على كل مكان). [عمدة القاري: 18/ 236]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله تعالى: {يعدون في السبت}؛ قال أبو عبيدة: أي (يتعدون له) وسقط لأبي ذر لفظ له وفي نسخة به بالموحدة بدل اللام (يجاوزون). وفي نسخة يتجاوزون أي حدود الله بالصيد فيه وقد نهوا عنه، ولأبي ذر: تجاوز بفتح الفوقية وضم الواو بعد تجاوز بموحدة وسكون العين {تعد} بفتح الفوقية وسكون العين المهملة (تجاوز) بضم أوّله وكسر الواو وفي نسخة تعدّ تجاوز بتشديد الدال وتجاوز بفتح الواو والزاي.
وقوله: {شرعًا} أي (شوارع) ظاهرة على وجه الماء من شرع علينا إذا دنا وأشرف). [إرشاد الساري: 7/ 126]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السّبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون}.
يقول تعالى ذكره: واسأل يا محمّد هؤلاء اليهود وهم مجاوروك، عن أمر القرية الّتي كانت حاضرة البحر، يقول: كانت بحضرة البحر أي: بقرب البحر وعلى شاطئه.
واختلف أهل التّأويل فيها، فقال بعضهم: هي أيلة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن محمّد بن إسحاق، عن داود بن حصينٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {واسألهم عن القرية الّتي، كانت حاضرة البحر} قال: هي قريةٌ يقال لها أيلة، بين مدين والطّور.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، في قوله: {واسألهم عن القرية الّتي، كانت حاضرة البحر} قال: سمعنا أنّها أيلة.
- حدّثني سلاّم بن سالمٍ الخزاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن سليمٍ الطّائفيّ، قال: حدّثنا ابن جريجٍ، عن عكرمة، قال: دخلت على ابن عبّاسٍ والمصحف في حجره، وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك؟ جعلني اللّه فداك فقال: ويلك وتعرف القرية الّتي كانت حاضرة البحر؟ فقلت: تلك أيلة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبي بكرٍ الهذليّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة} قال: هي أيلة.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: هي قريةٌ على شاطئ البحر بين مصر والمدينة يقال لها أيلة.
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: هم أهل أيلة، القرية الّتي كانت حاضرة البحر.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا أبو سعدٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {واسألهم عن القرية الّتي، كانت حاضرة البحر} قال أيلة.
وقال آخرون: معناه: ساحل مدين.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر} الآية، ذكر لنا أنّها كانت قريةً على ساحل البحر يقال لها أيلة.
وقال آخرون: هي مقنا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {واسألهم عن القرية الّتي، كانت حاضرة البحر}؛ قال: هي قريةٌ يقال لها مقنا بين مدين وعينونى.
وقال آخرون: هي مدين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: هي قريةٌ بين أيلة والطّور يقال لها مدين.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: هي قريةٌ حاضرة البحر، وجائزٌ أن تكون أيلة، وجائزٌ أن تكون مدين، وجائزٌ أن تكون مقنا؛ لأنّ كلّ ذلك حاضرة البحر. ولا خبر عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقطع العذر بأنّ ذلك من أيٍّ، والاختلاف فيه على ما وصفت، ولا يوصل إلى علم ما قد كان فمضى ممّا لم نعاينه، إلاّ بخبرٍ يوجب العلم ولا خبر كذلك في ذلك.
وقوله: {إذ يعدون في السّبت} يعني به أهله: إذ يعتدون في السّبت أمر اللّه، ويتجاوزونه إلى ما حرّمه اللّه عليهم.
قال منه: عدا فلانٌ أمري واعتدى: إذا تجاوزه.
وكان اعتداؤهم في السّبت أنّ اللّه كان حرّم عليهم السّبت، فكانوا يصطادون فيه السّمك {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا}؛ يقول: إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم الّذي نهوا فيه عن العمل شرّعًا، يقول: شارعةٌ ظاهرةٌ على الماء من كلّ طريقٍ وناحيةٍ كشوارع الطّرق.
- كالّذي حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعدٍ، عن بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا}؛ يقول: ظاهرةً على الماء.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {شرّعًا}؛ يقول: من كلّ مكانٍ.
وقوله: {ويوم لا يسبتون}؛ يقول: ويوم لا يعظّمونه تعظيمهم السّبت، وذلك سائر الأيّام غير يوم السّبت، لا تأتيهم الحيتان.
{كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون}؛ يقول: كما وصفنا لكم من الاختبار والابتلاء الّذي ذكرنا بإظهار السّمك لهم على ظهر الماء في اليوم المحرّم عليهم صيده، وإخفائه عنهم في اليوم المحلّل صيده، كذلك نبلوهم ونختبرهم {بما كانوا يفسقون} يقول: بفسقهم عن طاعة اللّه وخروجهم عنها.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ويوم لا يسبتون} فقرئ بفتح الياء من {يسبتون} من قول القائل: سبت فلانٌ يسبت سبتًا وسبوتًا: إذا عظّم السّبت.
وذكر عن الحسن البصريّ أنّه كان يقرؤه: (ويوم لا يسبتون) بضمّ الياء، من أسبت القوم يسبتون: إذا دخلوا في السّبت، كما يقال: أجمعنا: مرّت بنا جمعةٌ، وأشهرنا: مرّ بنا شهرٌ، وأسبتنا: مرّ بنا سبتٌ. ونصب {يوم} من قوله: {ويوم لا يسبتون} بقوله: {لا تأتيهم}؛ لأنّ معنى الكلام: لا تأتيهم يوم لا يسبتون). [جامع البيان: 10/ 506-510]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السّبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون (163)}
قوله تعالى: {واسألهم، عن القرية التي كانت حاضرة البحر}؛
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبي عمر، ثنا سفيان، عن أبي بكرٍ الهذليّ، عن عكرمة قال: دخلت على ابن عبّاسٍ وهو يقرأ هذه الآية: {وسئلهم، عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر}؛ قال: عكرمة هل تدري أيّ قريةٍ هذه؟ قلت: لا قال: هي أيلة وروي، عن سعيد بن جبيرٍ والضّحّاك مثل ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا سهل بن عثمان، ثنا المحاربيّ، عن محمّد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: {وسئلهم، عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر}؛ قال: وهي قريةٌ يقال لها مدين بين أيلة والطور.
والوجه الثالث:
- قرى على يونس بن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني حيوة بن شريحٍ، عن عقيلٍ، عن ابن شهابٍ أنّه قال: القرية الّتي قال اللّه كانت حاضرة البحر: طبريّة.
والوجه الرّابع:
- أخبرنا أبو زيدٍ القراطيسيّ فيما كتب إليّ، أنبأ أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {وسئلهم، عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السّبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ... الآية} قال: هي قريةٌ يقال لها مقنا بين مدين وعينوني.
قوله تعالى: {إذ يعدون في السّبت}؛
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا عبد اللّه بن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق، حدّثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: {واسألهم، عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السّبت}؛ قال: قال ابن عبّاسٍ: ابتدعوا السّبت فابتلوا فيه فحرّمت عليهم الحيتان.
قوله تعالى: {إذ تأتيهم حيتانهم}؛
- وبه، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا}؛ كانوا إذا كان يوم السّبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر فإذا انقضى السّبت ذهبت فلم تر حتّى مثله من السّبت المقبل، فإذا جاء السّبت عادت شرّعًا
- أخبرنا محمّد بن سعيدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، عن أبيه، عن جدّه، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ: {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم} وذلك أنّ أهل القرية كانت حاضرة البحر كانت تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم أي كان يوم يسبتون تأتيهم شرّعًا يعني من كلّ مكانٍ ويوم لا يسبتون لا تأتيهم.
- ذكره أحمد بن محمّد بن عثمان الدّمشقيّ، ثنا محمد بن شعيب ابن شابور، أخبرني عبد اللّه بن المبارك أنّه سمع أبا بكر الهذلي وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريجٍ المكّيّ يحدّثان، عن عكرمة مولى ابن عبّاسٍ قال: دخلت على عبد اللّه بن عبّاسٍ -رضي اللّه عنهما- قبل ذهاب بصره والمصحف بين يديه فهو يقرأ ويبكي فقال لي: هل تعرف أيلة؟ قلت: نعم.
قال: فإنّها كان بها حيّ من يهود فسبقت الحيتان إليهم يوم السّبت، ثمّ غاصت فلا يقدرون عليها بعد حتّى يغوصون عليها بعد جهدٍ ومؤنةٍ شديدةٍ كانت تأتيهم يوم السبت بيضا بسمانا كأنّها المخاض، تنطح ظهورها لبطونها بأفنيتهم وأبوابهم ثمّ إنّ الشّيطان أوحى إليهم فقال: إنّما نهيتم، عن أكلها يوم السّبت فخذوها فيه وكلوها في غيره من الأيّام.

قوله تعالى: {ويوم لا يسبتون لا تأتيهم}؛
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا عبد اللّه بن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق، حدّثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه تعالى: {ويوم لا يسبتون لا تأتيهم}؛ قال: فإذا انقضى السّبت ذهبت فلم تر حتّى مثله من السّبت المقبل.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {ويوم لا يسبتون لا تأتيهم}؛ فحرّم اللّه عليهم الحيتان يوم سبتهم، فكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرّعًا في ساحل البحر، فإذا مضى يوم السّبت لم يقدروا عليها فمكثوا بذلك ما شاء اللّه.
قوله تعالى: {كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون}؛
- حدّثنا إبراهيم بن هاني النّيسابوريّ أبو إسحاق، ثنا عفّان بن مسلمٍ، ثنا مبارك بن فضالة قال: سمعت الحسن قرأ هذه الآية: {وسئلهم، عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر} إلى قوله: {كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون} قال الحسن: والعمل السّيّئ يقدّمه القوم يقيّض لهم البلاء ليهلكوا فيه، فكانت تجيء يوم السّبت حيتانهم شرّعًا على متن الماء كأنّها المخاض عظمًا وسمنًا، فإذا غربت الشّمس من يوم السّبت لم ير حوتٌ سبعة أيّامٍ، فطال عليهم ذلك، قالوا: فإنّا نأخذها يوم السّبت نستوثق منها ألا تذهب ونأكلها يوم الأحد فإنّما نهينا، عن أكلها يوم السّبت، قال الحسن: فأكلوا واللّه أوخم أكلةً أكلها قومٌ قطّ أعجلها عقوبةً في الدّنيا وأبقاها خزيًا في الآخرة.
قوله تعالى: {بما كانوا يفسقون}؛
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {بما كانوا يفسقون}؛ فأخذوا يوم السّبت استحلالا ومعصية.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا شعيد بن بشيرٍ، عن قتادة في قوله: {بما كانوا يفسقون}؛ بما كانوا يعصون.
وروي، عن الحسن بما كانوا يفسقون بما كانوا يعملون قبل ذلك من المعاصي.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق: {كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون} أي بما تعمّدوا من أمري). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1597-1600]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون}؛ قال: حرمت عليهم الحيتان يوم السبت فكانت تأتيهم يوم السبت شرعا بلاء ابتلوا به ولا تأتيهم في غيره إلا أن يطلبوها بلاء أيضا بما كانوا يفسقون فأخذوها يوم السبت استحلالا ومعصية لله عز وجل فقال الله عز وجل كونوا قردة خاسئين إلا طائفة منهم لم يعتدوا ونهوهم). [تفسير مجاهد: 248]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة قال: دخلت على ابن عباس وهو يقرأ هذه الآية: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر} قال: يا عكرمة هل تدري أي قرية هذه قلت: لا، قال: هي أيلة.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب {واسألهم عن القرية}؛ هي طبرية.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد {واسألهم عن القرية}؛ قال: هي قرية يقال لها مقنا بين مدين وعينونا.
- وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {واسألهم عن القرية}؛ قال: هي أيلة.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {إذ يعدون في السبت}؛ قال: يظلمون ..
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {إذ يعدون في السبت}؛ قال: يظلمون.
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {شرعا}؛ يقول: من كل مكان.
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {شرعا}؛ قال: ظاهرة على الماء.
- وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {شرعا}؛ قال: واردة.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر} قال: هي قرية على شاطئ البحر بين مصر والمدينة يقال لها أيلة فحرم الله عليهم الحيتان يوم سبتهم فكانت تأتيهم يوم سبتهم شرعا في ساحل البحر فإذا مضى يوم السبت لم يقدروا عليها فمكثوا كذلك ما شاء الله ثم إن طائفة منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم فنهتهم طائفة فلم يزدادوا إلا غيا، فقالت طائفة من النهاة: تعلمون أن هؤلاء قوم قد حق عليهم العذاب {لم تعظون قوما الله مهلكهم} وكانوا أشد غضبا من الطائفة الأخرى وكل قد كانوا ينهون فلما وقع عليهم غضب الله نجت الطائفتان اللتان قالتا: لم تعظون والذين {قالوا معذرة إلى ربكم} وأهلك الله أهل معصيته الذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردة.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {واسألهم عن القرية} الآية، قال: إن الله إنما افترض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم يوم الجمعة فخالفوا إلى يوم السبت فعظموه وتركوا ما أمروا به فلما ابتدعوا السبت ابتلوا فيه فحرمت عليهم الحيتان وهي قرية يقال لها مدين أيلة والطور فكانوا إذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تر حتى مثله من السبت المقبل فإذا جاء السبت عادت شرعا ثم إن رجلا منهم أخذ حوتا فحزمه بخيط ثم ضرب له وتدا في الساحل وربطه وتركه في الماء فلما كان الغد جاء فأخذه فأكله سرا ففعلوا ذلك وهم ينظرون ولا يتناهون إلا بقية منهم فنهوهم حتى إذا ظهر ذلك في الأسواق علانية قالت طائفة للذين ينهونهم {لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا}، قالوا: {معذرة إلى ربكم} في سخطنا أعمالهم. {ولعلهم يتقون} فكانوا أثلاثا، ثلثا نهى وثلثا قالوا: {لم تعظون} وثلثا أصحاب الخطيئة فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم فأصبح الذين نهوا ذات غداة في مجالسهم يتفقدون الناس لا يرونهم وقد باتوا من ليلتهم وغلقوا عليهم دورهم فجعلوا يقولون: إن للناس شأنا فانظروا ما شأنهم فاطلعوا في دورهم فإذا القوم قد مسخوا يعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد والمرأة بعينها وإنها لقردة). [الدر المنثور: 6/ 632-634]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: {واسألهم عن القرية} الآية، قال: كان حوتا حرمه الله عليهم في يوم وأحله لهم فيما سوى ذلك فكان يأتيهم في اليوم الذي حرمه الله عليهم كأنه المخاض ما يمتنع من أحد فجعلوا يهمون ويمسكون وقلما رأيت أحدا أكثر الإهتمام بالذنب إلا واقعه فجعلوا يهمون ويمسكون حتى أخذوه فأكلو بها - والله - أوخم أكلة أكلها قوم قط أبقاه خزيا في الدنيا وأشده عقوبة في الآخرة وأيم الله للمؤمن أعظم حرمة عند الله من حوت ولكن الله عز وجل جعل موعد قوم الساعة والساعة أدهى وأمر.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن ابن عباس قال: أخذ موسى عليه السلام رجلا يحمل حطبا يوم السبت وكان موسى يسبت فصلبه.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: احتطب رجل في السبت وكان داود عليه السلام يسبت فصلبه). [الدر المنثور: 6/ 638-639]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {لم تعظون قوما الله مهلكهم}؛ قال: قال ابن عباس هم ثلاث فرق الفرقة التي وعظت والموعوظة قال والله أعلم ما فعلت الفرقة الثالثة وهم الذين قال الله لم تعظون قوما الله مهلكهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 239]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر، وقال الكلبي: هما فرقتان الفرقة التي وعظت والتي قالت: {لم تعظون قوما} هي الموعوظة). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 239]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {يأخذون عرض هذا الأدنى}؛ قال: يأخذونه إن كان حلالا وإن كان حراما قال وإن فاتهم عرض مثله قال إن جاءهم حلال أو حرام أخذوه قال ابن جريج في قوله تعالى: {فلما نسوا ما ذكروا به}؛ قال: فلما نسوا موعظة المؤمنين إياهم الذين قال الله تعالى: {لم تعظون قوما الله مهلكهم}). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 240] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال ابن جريج: حدثني رجل عن عكرمة، قال: جئت ابن عباس يوما، وإذا هو يبكي والمصحف في حجره قال: فأعظمت أن أدنو منه، قال: ثم لم أزل على ذلك حتى تقدمت فجلست. فقلت: ما يبكيك يا أبا عباس؟ جعلني الله فداك. قال: هؤلاء الورقات وإذا هو في سورة الأعراف. ثم قال: هل تعرف أيلة؟ قال: قلت: نعم. قال: فإنه كان بها حي من يهود سيقت الحيتان إليهم يوم السبت ثم غاصت فلا يقدرون عليها حتى يغوصوا عليها بعد كد ومؤنة شديدة فكانت تأتيهم يوم السبت شرعا بيضا سمانا كأنها الماخض فتبطح ظهورها لبطونها بأفنيتهم وأبوابهم فكانوا كذلك برهة من الدهر ثم إن الشيطان أوحى إليهم فقال إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت فخذوها فيه وكلوها في غيره من الأيام فقالت ذلك طائفة منهم وقالت طائفة: بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها في يوم السبت فكانوا كذلك حتى جاءت الجمعة المقبلة فغدت بأنفسها وأبنائها ونسائها واعتزلت طائفة ذات اليمين ونهت واعترضت طائفة ذات الشمال وسكتت فقال الأيمنون ويلكم الله الله ننهاكم عن الله ألا تتعرضوا لعقوبة الله وقال الأيسرون: {لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا} قال الأيمنون: {معذرة إلى ربكم} ولعلهم يتقون إن ينتهوا فهو أحب إلينا ألا يصابوا ولا يهلكوا وإن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربهم فمضوا عل الخطيئة فقال الأيمنون يا أعداء الله قد فعلتم والله لا نبايتنكم الليلة في مدينتكم والله ما نرى أن تصبحوا حتى يصيبهم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا فلم يجابوا فوضعوا سلما فأعلوا بسور المدينة رجلا فالتفت إليهم فقال أي عباد الله قرود والله تعاوى لها أذناب قال ففتحوا أولئك عليهم فدخلوا عليهم فعرفت القرود أنسباءها من الإنس ولا تعرف الإنس أنسباءها من القرود فجعلت القرود تأتي نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي فيقول ألم أنهكم عن كذا وعن كذا فتقول برأسها بلى ألم ننهكم عن كذا فتقول برؤوسها بلى ثم قرأ ابن عباس: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس} أليم وجيع قال فأرى الذين نهوا نجوا ولا أرى الآخرين ذكروا ونحن نرى أشياء ننكرها فلا نقول شيئا قال قلت أي جعلني الله فداك قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم وقالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم قال فأمر لي فكسيت بردين غلظين). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 240-242]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله جلّ ثناؤه: {وإذ قالت أمّةٌ منهم لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون}.
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: واذكر أيضًا يا محمّد، إذ قالت أمّةٌ منهم، جماعةٌ منهم لجماعةٍ كانت تعظ المعتدين في السّبت وتنهاهم عن معصية اللّه فيه: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم} في الدّنيا بمعصيتهم إيّاه، وخلافهم أمره، واستحلالهم ما حرّم عليهم. {أو معذّبهم عذابًا شديدًا} في الآخرة، قال الّذين كانوا ينهونهم عن معصية اللّه مجيبيهم عن قولهم: عظتنا إيّاهم {معذرةً إلى ربّكم} نؤدّي فرضه علينا في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر. {ولعلّهم يتّقون} يقول: ولعلّهم أن يتّقوا اللّه فيخافوه، فينيبوا إلى طاعته ويتوبوا من معصيتهم إيّاه وتعدّيهم على ما حرّم عليهم من اعتدائهم في السّبت.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {قالوا معذرةً إلى ربّكم} لسخطنا أعمالهم. {ولعلّهم يتّقون}؛ أي: ينزعون عمّا هم عليه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولعلّهم يتّقون} قال: يتركون هذا العمل الّذي هم عليه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {قالوا معذرةً} فقرأ ذلك عامّة قرّاء الحجاز والكوفة والبصرة: (معذرةٌ) بالرّفع على ما وصفت من معناها.
وقرأ ذلك بعض أهل الكوفة: {معذرةً} نصبًا، بمعنى: إعذارًا وعظناهم وفعلنا ذلك.
واختلف أهل العلم في هذه الفرقة الّتي قالت: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم} هل كانت من النّاجية، أم من الهالكة؟ فقال بعضهم: كانت من النّاجية؛ لأنّها كانت من النّاهية الفرقة الهالكة عن الاعتداء في السّبت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذ قالت أمّةٌ منهم لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا} هي قريةٌ على شاطئ البحر بين مكّة والمدينة يقال لها أيلة، فحرّم اللّه عليهم الحيتان يوم سبتهم، فكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرّعًا في ساحل البحر، فإذا مضى يوم السّبت لم يقدروا عليها، فمكثوا بذلك ما شاء اللّه. ثمّ إنّ طائفةً منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم، فنهتهم طائفةٌ وقالوا: تأخذونها وقد حرّمها اللّه عليكم يوم سبتكم، فلم يزدادوا إلاّ غيًّا وعتوًّا، وجعلت طائفةٌ أخرى تنهاهم. فلمّا طال ذلك عليهم قالت طائفةٌ من النّهاة: تعلمون أنّ هؤلاء قومٌ قد حقّ عليهم العذاب {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم} وكانوا أشدّ غضبًا للّه من الطّائفة الأخرى، فقالوا: {معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون} وكلٌّ قد كانوا ينهون. فلمّا وقع عليهم غضب اللّه، نجت الطّائفتان اللّتان قالوا: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم}، والّذين قالوا: {معذرةً إلى ربّكم}، وأهلك اللّه أهل معصيته الّذين أخذوا الحيتان، فجعلهم قردةً وخنازير.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {واسألهم عن القرية الّتي، كانت حاضرة البحر} إلى قوله: {ويوم لا يسبتون لا تأتيهم} وذلك أنّ أهل قريةٍ كانت حاضرة البحر كانت تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم، يقول: إذا كانوا يوم يسبتون تأتيهم شرّعًا، يعني من كلّ مكانٍ، {ويوم لا يسبتون لا تأتيهم} وأنّهم قالوا: لو أنّا أخذنا من هذه الحيتان يوم تجيء ما يكفينا فيما سوى ذلك من الأيّام. فوعظهم قومٌ مؤمنون ونهوهم. وقالت طائفةٌ من المؤمنين: إنّ هؤلاء قومٌ قد همّوا بأمرٍ ليسوا بمنتهين دونه، واللّه مخزيهم ومعذّبهم عذابًا شديدًا. قال المؤمنون بعضهم لبعضٍ: {معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون} إن كان هلاكٌ فلعلّنا ننجو، وإمّا أن ينتهوا فيكون لنا أجرًا. وقد كان اللّه جعل على بني إسرائيل يومًا يعبدونه ويتفرّغون له فيه، وهو يوم الاثنين، فتعدّى الخبثاء من الاثنين إلى السّبت، وقالوا: هو يوم السّبت. فنهاهم موسى، فاختلفوا فيه، فجعل عليهم السّبت، ونهاهم أن يعملوا فيه وأن يعتدوا فيه. وإنّ رجلاً منهم ذهب ليحتطب، فأخذه موسى عليه السّلام، فسأله: هل أمرك بهذا أحدٌ؟ فلم يجد أحدًا أمره، فرجمه أصحابه.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قال بعض الّذين نهوهم لبعضٍ: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا} يقول: لم تعظونهم وقد وعظتموهم فلم يطيعوكم؟ فقال بعضهم: {معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون}.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا معاذ بن هانئٍ، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وإذ قالت أمّةٌ منهم لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا} قال: ما أدري أنجا الّذين قالوا: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم} أم لا؟ قال: فلم أزل به حتّى عرّفته أنّهم قد نجوا، فكساني حلّةً.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن داود، عن عكرمة، قال: قرأ ابن عبّاسٍ هذه الآية، فذكر نحوه، إلاّ أنّه قال في حديثه: فما زلت أبصره حتّى عرف أنّهم قد نجوا.
- حدّثني سلاّم بن سالمٍ الخزاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن سليمٍ الطّائفيّ، قال: حدّثنا ابن جريجٍ، عن عكرمة، قال: دخلت على ابن عبّاسٍ والمصحف في حجره وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك جعلني اللّه فداءك؟ قال: فقرأ: {واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر} إلى قوله: {بما كانوا يفسقون} قال ابن عبّاسٍ: لا أسمع الفرقة الثّالثة ذكرت نخاف أن نكون مثلهم. فقلت: أما تسمع اللّه يقول: {فلمّا عتوا عن مّا نهوا عنه} فسرّي عنه وكساني حلّةً.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: حدّثني رجلٌ، عن عكرمة، قال: جئت ابن عبّاسٍ يومًا وهو يبكي، وإذا المصحف في حجره، فأعظمت أن أدنو، ثمّ لم أزل على ذلك حتّى تقدّمت فجلست، فقلت: ما يبكيك يا ابن عبّاسٍ جعلني اللّه فداءك؟ فقال: هؤلاء الورقات. قال: وإذا هو في سورة الأعراف. قال: تعرف أيلة؟ قلت: نعم. قال: فإنّه كان حيّ من يهود سيقت الحيتان إليهم يوم السّبت ثمّ غاصت لا يقدرون عليها حتّى يغوصوا بعد كدٍّ ومؤنةٍ شديدةٍ، كانت تأتيهم يوم السّبت شرّعًا بيضًا سمانًا كأنّها الماخض، تنتطح ظهورها لبطونها بأفنيتهم وأبنيتهم. فكانوا كذلك برهةً من الدّهر، ثمّ إنّ الشّيطان أوحى إليهم، فقال: إنّما نهيتم عن أكلها يوم السّبت، فخذوها فيه وكلوها في غيره من الأيّام، فقالت ذلك طائفةٌ منهم، وقالت طائفةٌ منهم: بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها في يوم السّبت. وكانوا كذلك حتّى جاءت الجمعة المقبلة، فعدت طائفةٌ بأنفسها وأبنائها ونسائها، واعتزلت طائفةٌ ذات اليمين وتنحّت، واعتزلت طائفةٌ ذات اليسار وسكتت، وقال الأيمنون: اللّه ينهاكم عن أن تعترضوا لعقوبة اللّه، وقال الأيسرون: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا} قال الأيمنون: {معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون} أي: ينتهون، فهو أحبّ إلينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا، وإن لم ينتهوا فمعذرةً إلى ربّكم. فمضوا على الخطيئة، فقال الأيمنون: قد فعلتم يا أعداء اللّه، واللّه لا نبايتكم اللّيلة في مدينتكم، واللّه ما نراكم تصبحون حتّى يصيبكم اللّه بخسفٍ أو قذفٍ أو بعض ما عنده بالعذاب، فلمّا أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا، فلم يجابوا، فوضعوا سلّمًا وأعلوا سور المدينة رجلاً، فالتفت إليهم فقال: أي عباد اللّه، قردةٌ واللّه تعاوى لها أذنابٌ، قال: ففتحوا فدخلوا عليهم، فعرفت القردة أنسابها من الإنس، ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة، فجعلت القرود تأتي نسيبها من الإنس، فتشمّ ثيابه وتبكي، فتقول لهم: ألم ننهكم عن كذا؟ فتقول برأسها نعم. ثمّ قرأ ابن عبّاسٍ: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ بما كانوا يفسقون} قال: فأرى اليهود الّذين نهوا قد نجوا، ولا أرى الآخرين ذكروا، ونحن نرى أشياء ننكرها، فلا نقول فيها، قال: قلت: أي: جعلني اللّه فداك، ألا ترى أنّهم قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم وقالوا: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم}؛ قال: فأمر بي فكسيت بردين غليظين.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر} ذكر لنا أنّه إذا كان يوم السّبت أقبلت الحيتان حتّى تنتطح على سواحلهم وأفنيتهم لمّا بلغها من أمر اللّه في الماء، فإذا كان في غير يوم السّبت بعدت في الماء حتّى يطلبها طالبهم، فأتاهم الشّيطان، فقال: إنّما حرّم عليكم أكلها يوم السّبت، فاصطادوها يوم السّبت وكلوها فيما بعد. قوله: {وإذ قالت أمّةٌ منهم لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون} فصار القوم ثلاثة أصنافٍ: أمّا صنفٌ، فأمسكوا عن حرمة اللّه ونهوا عن معصية اللّه. وأمّا صنفٌ فأمسك عن حرمة اللّه هيبةً للّه. وأمّا صنفٌ فانتهك الحرمة ووقع في الخطيئة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه: {حاضرة البحر} قال: حرّمت عليهم الحيتان يوم السّبت، وكانت تأتيهم يوم السّبت شرّعًا، بلاءٌ ابتلوا به، ولا تأتيهم في غيره إلاّ أن يطلبوها، بلاءٌ أيضًا بما كانوا يفسقون. فأخذوها يوم السّبت استحلالاً ومعصيةً، فقال اللّه لهم: {كونوا قردةً خاسئين} إلاّ طائفةً منهم لم يعتدوا ونهوهم، فقال بعضهم لبعضٍ: {لم تعظون قومًا}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وإذ قالت أمّةٌ منهم لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم} حتّى بلغ: {ولعلّهم يتّقون} لعلّهم يتركون ما هم عليه. قال: كانوا قد بلوا بكفّ الحيتان عنهم، وكانوا يسبتون في يوم السّبت، ولا يعملون فيه شيئًا، فإذا كان يوم السّبت أتتهم الحيتان شرّعًا، وإذا كان غير يوم السّبت لم يأت حوتٌ واحدٌ. قال: وكانوا قومًا قد قرنوا بحبّ الحيتان، ولقوا منه بلاءً، فأخذ رجلٌ منهم حوتًا، فربط في ذنبه خيطًا، ثمّ ربطه إلى خشفةٍ، ثمّ تركه في الماء، حتّى إذا غربت الشّمس من يوم الأحد اجترّه بالخيط، ثمّ شواه.
فوجد جارٌ له ريح حوتٍ، فقال: يا فلان إنّي أجد في بيتك ريح نونٍ، فقال: لا. قال: فتطلّع في تنّوره فإذا هو فيه فأخبره حينئذٍ الخبر، فقال: إنّي أرى اللّه سيعذّبك. قال: فلمّا لم يره عجّل عذابًا، فلمّا أتى السّبت الآخر أخذ اثنين فربطهما، ثمّ اطّلع جارٌ له عليه. فلمّا رآه لم يعجّل عذابًا جعلوا يصيدونه، فاطّلع أهل القرية عليهم، فنهاهم الّذين ينهون عن المنكر، فكانوا فرقتين: فرقةً تنهاهم وتكفّ، وفرقةً تنهاهم ولا تكفّ، فقال الّذين نهوا وكفّوا للّذين ينهون ولا يكفّون: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا} فقال الآخرون: {معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون} فقال اللّه: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء}. إلى قوله: {بما كانوا يفسقون} قال اللّه: {فلمّا عتوا عن مّا نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين}؛ وقال لهم أهل تلك القرية: عملتم بعمل سوءٍ، من كان يريد يعتزل ويتطهّر فليعتزل هؤلاء، قال: فاعتزل هؤلاء وهؤلاء في مدينتهم، وضربوا بينهم سورًا، فجعلوا في ذلك السّور أبوابًا يخرج بعضهم إلى بعضٍ. قال: فلمّا كان اللّيل طرقهم اللّه بعذابه، فأصبح أولئك المؤمنون لا يرون منهم أحدًا، فدخلوا عليهم، فإذا هم قردةٌ، الرّجل وأزواجه وأولاده. فجعلوا يدخلون على الرّجل يعرفونه، فيقولون: يا فلان ألم نحذّرك سطوات اللّه؟ ألم نحذّرك نقمات اللّه؟ ونحذّرك ونحذّرك؟ قال: فليس إلاّ بكاءً. قال: وإنّما عذّب اللّه الّذين ظلموا الّذين أقاموا على ذلك. قال: وأمّا الّذين نهوا فكلّهم قد نهى، ولكنّ بعضهم أفضل من بعضٍ. فقرأ: {أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ بما كانوا يفسقون}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن داود، عن عكرمة، قال: قرأ ابن عبّاسٍ هذه الآية: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا} قال: لا أدري أنجا القوم أو هلكوا؟ فما زلت أبصره حتّى عرف أنّهم نجوا، وكساني حلّةً.
- حدّثني يونس، قال: أخبرني أشهب بن عبد العزيز، عن مالكٍ، قال: زعم ابن رومان أنّ قوله: {تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم} قال: كانت تأتيهم يوم السّبت، فإذا كان المساء ذهبت فلا يرى منها شيءٌ إلى السّبت، فاتّخذ لذلك رجلٌ منهم خيطًا ووتدًا، فربط حوتًا منها في الماء يوم السّبت، حتّى إذا أمسوا ليلة الأحد أخذه فاشتواه، فوجد النّاس ريحه، فأتوه فسألوه عن ذلك، فجحدهم، فلم يزالوا به حتّى قال لهم: فإنّه جلد حوتٍ وجدناه، فلمّا كان السّبت الآخر فعل مثل ذلك، ولا أدري لعلّه قال: ربط حوتين، فلمّا أمسى من ليلة الأحد أخذه فاشتواه، فوجدوا ريحه، فجاءوا فسألوه، فقال لهم: لو شئتم صنعتم كما أصنع، فقالوا له: وما صنعت؟ فأخبرهم، ففعلوا مثل ما فعل، حتّى كثر ذلك. وكانت لهم مدينةٌ لها ربضٌ، فغلّقوها عليهم، فأصابهم من المسخ ما أصابهم، فغدا إليهم جيرانهم ممّن كان يكون حولهم، يطلبون منهم ما يطلب النّاس، فوجدوا المدينة مغلقةً عليهم، فنادوا فلم يجيبوهم، فتسوّروا عليهم، فإذا هم قردةٌ، فجعل القرد يدنو يتمسّح بمن كان يعرف قبل ذلك ويدنو منه ويتمسّح به.
وقال آخرون: بل الفرقة الّتي قالت: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم} كانت من الفرقة الهالكة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، عن محمّد بن إسحاق، عن داود بن حصينٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {واسألهم عن القرية الّتي، كانت حاضرة البحر} إلى قوله: {شرّعًا} قال: قال ابن عبّاسٍ: ابتدعوا السّبت، فابتلوا فيه، فحرّمت عليهم فيه الحيتان، فكانوا إذا كان يوم السّبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر، فإذا انقضى السّبت ذهبت، فلم تر حتّى السّبت المقبل، فإذا جاء السّبت جاءت شرّعًا. فمكثوا ما شاء اللّه أن يمكثوا كذلك، ثمّ إنّ رجلاً منهم أخذ حوتًا فخزم أنفه، ثمّ ضرب له وتدًا في السّاحل وربطه وتركه في الماء، فلمّا كان الغد أخذه فشواه فأكله. ففعل ذلك وهم ينظرون ولا ينكرون، ولا ينهاه منهم أحدٌ إلاّ عصبةٌ منهم نهوه، حتّى ظهر ذلك في الأسواق وفعل علانيةً، قال: فقالت طائفةٌ للّذين ينهون: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرةً إلى ربّكم} في سخطنا أعمالهم {ولعلّهم يتّقون فلمّا نسوا ما ذكّروا به}. إلى قوله: {قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين} قال ابن عبّاسٍ: كانوا أثلاثًا: ثلثٌ نهوا، وثلثٌ قالوا: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم}، وثلثٌ أصحاب الخطيئة. فما نجا إلاّ الّذين نهوا، وهلك سائرهم، فأصبح الّذين نهوا عن السّوء ذات يومٍ في مجالسهم يتفقّدون النّاس لا يرونهم، فغلقوا عليهم دورهم، فجعلوا يقولون: إنّ للنّاس لشأنًا، فانظروا ما شأنهم، فاطّلعوا في دورهم، فإذا القوم قد مسخوا في ديارهم قردةً، يعرفون الرّجل بعينه وإنّه لقردٌ، ويعرفون المرأة بعينها وإنّها لقردةٌ، قال اللّه: {فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها وموعظةً للمتّقين}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن أبي بكرٍ الهذليّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {أنجينا الّذين ينهون عن السّوء} الآية، قال ابن عبّاسٍ: نجا النّاهون، وهلك الفاعلون، ولا أدري ما صنع بالسّاكتين.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، عن ابن عبّاسٍ: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم} قال: هم ثلاث فرقٍ: الفرقة الّتي وعظت، والموعوظة الّتي وعظت، واللّه أعلم ما فعلت الفرقة الثّالثة، وهم الّذين قالوا: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم} وقال الكلبيّ: هما فرقتان: الفرقة الّتي وعظت، والفرقة الّتي قالت: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم}؛ قال: هي الموعوظة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمران بن عيينة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لأن أكون علمت من هؤلاء الّذين قالوا: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا} أحبّ إليّ ممّا عدل به.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {وإذ قالت أمّةٌ منهم لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم} قال: أسمع اللّه يقول: {أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ} فليت شعري ما فعل بهؤلاء الّذين قالوا: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن ماهان الحنفيّ أبي صالحٍ، في قوله: {تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم}؛ قال: كانوا في المدينة الّتي على ساحل البحر، وكانت الأيّام ستّةً، الأحد إلى الجمعة، فوضعت اليهود يوم السّبت، وسبتوه على أنفسهم، فسبته اللّه عليهم، ولم يكن السّبت قبل ذلك، فوكّده اللّه عليهم، وابتلاهم فيه بالحيتان، فجعلت تشرع يوم السّبت، فيتّقون أن يصيبوا منها، حتّى قال رجلٌ منهم: واللّه ما السّبت بيومٍ وكّده اللّه علينا، ونحن وكّدناه على أنفسنا، فلو تناولت من هذا السّمك، فتناول حوتًا من الحيتان، فسمع بذلك جاره، فخاف العقوبة فهرب من منزله. فلمّا مكث ما شاء اللّه ولم تصبه عقوبةٌ تناول غيره أيضًا في يوم السّبت. فلمّا لم تصبهم العقوبة كثر من تناول في يوم السّبت، واتّخذوا يوم السّبت وليلة السّبت عيدًا يشربون فيه الخمور ويلعبون فيه بالمعازف، فقال لهم خيارهم وصلحاؤهم: ويحكم، انتهوا عمّا تفعلون، إنّ اللّه مهلككم أو معذّبكم عذابًا شديدًا، أفلا تعقلون؟ ولا تعدوا في السّبت، فأبوا، فقال خيارهم: نضرب بيننا وبينهم حائطًا، ففعلوا. وكان إذا كان ليلة السّبت تأذّوا بما يسمعون من أصواتهم وأصوات المعازف. حتّى إذا كانت اللّيلة الّتي مسخوا فيها، سكنت أصواتهم أوّل اللّيل، فقال خيارهم: ما شأن قومكم قد سكنت أصواتهم اللّيلة؟ فقال بعضهم: لعلّ الخمر غلبتهم فناموا. فلمّا أصبحوا لم يسمعوا لهم حسًّا، فقال بعضهم لبعضٍ: ما لنا لا نسمع من قومكم حسًّا؟ فقالوا لرجلٍ: اصعد الحائط وانظر ما شأنهم، فصعد الحائط فرآهم يموج بعضهم في بعضٍ، قد مسخوا قردةً، فقال لقومه: تعالوا فانظروا إلى قومكم ما لقوا، فصعدوا، فجعلوا ينظرون إلى الرّجل، فيتوسّمون فيه، فيقولون: أي فلان أنت فلانٌ؟ فيومئ بيده إلى صدره: أي: نعم بما كسبت يداي.
- حدّثني يعقوب، وابن وكيعٍ، قالا: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، قال: تلا الحسن ذات يومٍ: {واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السّبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون} فقال: كان حوتًا حرّمه اللّه عليهم في يومٍ وأحلّه لهم فيما سوى ذلك، فكان يأتيهم في اليوم الّذي حرّمه اللّه عليهم كأنّه المخاض لا يمتنع من أحدٍ، وقلّما رأيت أحدًا يكثر الاهتمام بالذّنب إلاّ واقعه. قال: فجعلوا يهمّون ويمسكون حتّى أخذوه، فأكلوا أوخم أكلةً أكلها قومٌ قطّ، أثقله خزيًا في الدّنيا وأشدّه عقوبةً في الآخرة، وايم اللّه ما حوتٌ أخذه قومٌ فأكلوه أعظم عند اللّه من قتل رجلٍ مؤمنٍ، وللمؤمن أعظم حرمةً عند اللّه من حوتٍ، ولكنّ اللّه جعل موعد قومٍ السّاعة {والسّاعة أدهى وأمرّ}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا سفيان، عن أبي موسى، عن الحسن، قال: جاءتهم الحيتان تشرع في حياضهم كأنّها المخاض، فأكلوا واللّه أوخم أكلةً أكلها قومٌ قطّ، أسوؤه عقوبةً في الدّنيا وأشدّه عذابًا في الآخرة. وقال الحسن: وقتل المؤمن واللّه أعظم من أكل الحيتان.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عطاءٍ، قال: كنت جالسًا في المسجد، فإذا شيخٌ قد جاء وجلس النّاس إليه، فقالوا: هذا من أصحاب عبد اللّه بن مسعودٍ، فقال: قال ابن مسعودٍ: {واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر} الآية، قال: لمّا حرّم عليهم السّبت كانت الحيتان تأتي يوم السّبت، وتأمن وتجيء فلا يستطيعون أن يمسّوها، وكان إذا ذهب السّبت ذهبت، فكانوا يتصيّدون كما يتصيّد النّاس. فلمّا أرادوا أن يعدوا في السّبت، اصطادوا، فنهاهم قومٌ من صالحيهم، فأبوا، وكثّرهم الفجّار، فأراد الفجّار قتالهم، فكان فيهم من لا يشتهون قتاله، أبو أحدهم وأخوه أو قريبه. فلمّا نهوهم وأبوا، قال الصّالحون: إنّا نباينهم، وإنّا نجعل بيننا وبينهم حائطًا، ففعلوا، فلمّا فقدوا أصواتهم، قالوا: لو نظرتم إلى إخوانكم ما فعلوا، فنظروا فإذا هم قد مسخوا قردةً، يعرفون الكبير بكبره والصّغير بصغره، فجعلوا يبكون إليهم. وكان هذا بعد موسى صلّى اللّه عليه وسلّم). [جامع البيان: 10/ 511-524]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وإذ قالت أمّةٌ منهم لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون (164)}
قوله تعالى: {وإذ قالت أمّةٌ منهم لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابا شديدا}
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا عبد اللّه بن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق، حدّثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: ثمّ إنّ رجلاً منهم أخذ حوتًا فخرمه بخيطٍ، ثمّ ضرب له وتدًا في السّاحل، وربطه وتركه في الماء فلمّا كان الغد جاء فأخذه فأكله سرًّا، ففعلوا ذلك وهم ينظرون لا يتناهون إلا بقيّةٌ منهم ينهونهم، حتّى إذا ظهر ذلك في الأسواق علانيةً قالت طائفةٌ للّذين ينهونهم: لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا قالوا: {معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون}.
- ذكر أحمد بن محمّد بن عثمان الدّمشقيّ، ثنا محمّد بن شعيب بن شابور، أخبرني عبد اللّه بن المبارك أنّه سمع أبا بكر الهذلي وعبد الملك بن عبد العزيز ابن جريجٍ المكّيّ يحدّثان، عن عكرمة، مولى ابن عبّاسٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: ثمّ إنّ الشّيطان أوحى إليهم فقال: إنّما نهيتم، عن أكلها يوم السّبت فخذوها فيه وكلوها في غيره من الأيّام، فقال ذلك طائفةٌ منهم، وقالت طائفةٌ بل نهيتم، عن أكلها وتنفيرها وصيدها في يوم السّبت، قعدت الطّائفة بأنفسها ونسائها وأبنائها واعتزلت طائفةٌ ذات اليمين ونهت واعتزلت طائفة ذات الشمال وسكتت وقال إلا يمنون ويلكم اللّه اللّه ويلكم، وينهاكم اللّه لا تتعرضوا العقوبة، وقال: ألا يسرون لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا
قوله تعالى: {قالوا معذرةً إلى ربكم}؛
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، أنبأ عبد اللّه بن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق، حدّثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ {قالوا معذرةً إلى ربّكم} في سخطنا أعمالهم ولعلّهم يتّقون
- ذكر أحمد بن محمّد بن عثمان الدّمشقيّ، ثنا محمّد بن شعيب بن شابور، أخبرني عبد اللّه بن المبارك أنّه سمع أبا بكر الهذلي وعبد الملك بن عبد العزيز ابن جريجٍ قالا، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: ألا يمنون ويلكم اللّه اللّه ويلكم ينهاكم اللّه لا تعرضوا لعقوبة الله وقال: ألا يسرون: لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابا شديدا قال: ألا يمنون معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون إن انتهوا فهو أحبّ إلينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا، وإن لم ينتهوا ف معذرة إلى ربكم، فمضوا على الخطيئة فقال: ألا يمنون قد فعلتموها يا أعداء اللّه، واللّه لا نبايتكم في مدينتكم، واللّه ما نرى أن تصبحوا حتّى يصيبكم اللّه بحسنٍ أو قذفٍ أو ببعض ما عنده من العذاب.
قوله تعالى: {ولعلّهم يتّقون}؛
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه تعالى: وإذ قالت أمّةٌ منهم لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون لعلّهم يتركون هذا الفعل الّذي هم عليه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1600-1601]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا الحاكم أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الحافظ إملاءً في ذي الحجّة سنة تسعٍ وتسعين وثلاث مائةٍ، ثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، أنبأ الرّبيع بن سليمان، أنبأ الشّافعيّ، أخبرني يحيى بن سليمٍ، ثنا ابن جريجٍ عن عكرمة قال: دخلت على ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، وهو يقرأ في المصحف قبل أن يذهب بصره، وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا ابن عبّاسٍ جعلني اللّه فداك؟ قال: فقال: هل تعرف أيلة؟ قلت: وما أيلة؟ قال: قريةٌ كان بها ناسٌ من اليهود فحرّم اللّه عليهم الحيتان يوم السّبت، فكانت حيتانهم تأتيهم يوم سبتهم، شرّعًا بيضاء سمان، كأمثال المخاض بأفنياتهم وأبنياتهم، فإذا كان في غير يوم السّبت، لم يجدوها، ولم يدركوها إلّا في مشقّةٍ ومئونةٍ شديدةٍ، فقال بعضهم لبعضٍ أو من قال ذلك منهم: لعلّنا لو أخذناها يوم السّبت، وأكلناها في غير يوم السّبت. ففعل ذلك أهل بيتٍ منهم، فأخذوا فشووا، فوجد جيرانهم ريح الشّواء، فقالوا: واللّه ما نرى أصحاب بني فلانٍ شيءٌ، فأخذوها آخرون حتّى فشا ذلك فيهم، وكثر فافترقوا فرقًا ثلاثًا، فرقةٌ أكلت، وفرقةٌ نهت، وفرقةٌ قالت: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم}عذابًا شديدًا. فقالت الفرقة الّتي نهت: إنّا نحذّركم غضب اللّه وعقابه، أن يصيبكم بخسفٍ أو قذفٍ أو ببعض ما عنده من العذاب، واللّه لا نبايتكم في مكانٍ وأنتم فيه، وخرجوا من السّور، فغدوا عليه من الغد، فضربوا باب السّور، فلم يجبهم أحدٌ، فأتوا بسلّمٍ فأسندوه إلى السّور، ثمّ رقي منهم راقٍ على السّور، فقال: يا عباد اللّه قردةٌ، واللّه لها أذنابٌ تعاوى ثلاث مرّاتٍ، ثمّ نزل من السّور ففتح السّور، فدخل النّاس عليهم، فعرفت القردة أنسابها من الإنس، ولم تعرف الإنس أنسابها من القردة، قال: فيأتي القرد إلى نسيبه وقريبه من الإنس، فيحتكّ به، ويلصق، ويقول الإنسان: أنت فلانٌ؟ فيشير برأسه أي نعم، ويبكي، وتأتي القردة إلى نسيبها وقريبها من الإنس، فيقول لها: أنت فلانةٌ؟ فتشير برأسها أي نعم، وتبكي، فيقول لهم الإنس: أما إنّا حذّرناكم غضب اللّه وعقابه أن يصيبكم بخسفٍ أو مسخٍ أو ببعض ما عنده من العذاب قال ابن عبّاسٍ: فاسمع اللّه يقول «فأنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ بما كانوا يفسقون» فلا أدري ما فعلت الفرقة الثّالثة، قال ابن عبّاسٍ: فكم قد رأينا من منكرٍ فلم ننه عنه قال عكرمة: فقلت: ما ترى جعلني اللّه فداك؟ إنّهم قد أنكروا، وكرهوا حين قالوا لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا؟ فأعجبه قولي ذلك، وأمر لي ببردين غليظين فكسانيهما «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/ 352]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {واسألهم عن القرية} الآية، قال: إن الله إنما افترض على بني إسرائيل اليوم الذي افترض عليكم يوم الجمعة فخالفوا إلى يوم السبت فعظموه وتركوا ما أمروا به فلما ابتدعوا السبت ابتلوا فيه فحرمت عليهم الحيتان وهي قرية يقال لها مدين أيلة والطور فكانوا إذا كان يوم السبت شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تر حتى مثله من السبت المقبل فإذا جاء السبت عادت شرعا ثم إن رجلا منهم أخذ حوتا فحزمه بخيط ثم ضرب له وتدا في الساحل وربطه وتركه في الماء فلما كان الغد جاء فأخذه فأكله سرا ففعلوا ذلك وهم ينظرون ولا يتناهون إلا بقية منهم فنهوهم حتى إذا ظهر ذلك في الأسواق علانية قالت طائفة للذين ينهونهم {لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا} قالوا: {معذرة إلى ربكم} في سخطنا أعمالهم {ولعلهم يتقون} فكانوا أثلاثا، ثلثا نهى وثلثا قالوا: {لم تعظون} وثلثا أصحاب الخطيئة فما نجا إلا الذين نهوا وهلك سائرهم فأصبح الذين نهوا ذات غداة في مجالسهم يتفقدون الناس لا يرونهم وقد باتوا من ليلتهم وغلقوا عليهم دورهم فجعلوا يقولون: إن للناس شأنا فانظروا ما شأنهم فاطلعوا في دورهم فإذا القوم قد مسخوا يعرفون الرجل بعينه وإنه لقرد والمرأة بعينها وإنها لقردة.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن عكرمة قال: جئت ابن عباس يوما وهو يبكي وإذا المصحف في حجره فقلت: ما يبكيك يا ابن عباس فقال: هؤلاء الورقات، وإذا في سورة الأعراف قال: تعرف أيلة؟ قلت: نعم، قال: فإنه كان بها حي من يهود سيقت الحيتان إليهم يوم السبت ثم غاصت لا يقدرون عليها حتى يغوصوا عليها بعد كد ومؤنة شديدة وكانت تأتيهم يوم السبت شرعا بيضا سمانا كأنها الماخض فكانوا كذلك برهة من الدهر ثم إن الشيطان أوحى إليهم فقال: إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت فخذوها فيه وكلوها في غيره من الأيام، فقالت: ذلك طائفة منهم وقالت طائفة: بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها في يوم السبت فعدت طائفة بأنفسها وأبنائها ونسائها واعتزلت طائفة ذات اليمين وتنحت واعتزلت طائفة ذات اليسار وسكتت وقال الأيمنون: ويلكم، لا تتعرضوا لعقوبة الله وقال الأيسرون {لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا} قال الأيمنون: {معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} إن ينتهوا فهو أحب إلينا أن لا يصابوا ولا يهلكوا وإن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربكم، فمضوا على الخطيئة وقال الأيمنون: قد فعلتم يا أعداء الله والله لنبايننكم الليلة في مدينتكم والله ما أراكم تصبحون حتى يصبحكم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا فلم يجابوا فوضعوا سلما وعلوا سور المدينة رجلا فالتفت إليهم فقال: أي عباد الله قردة - والله - تعاوى لها أذناب، ففتحوا فدخلوا عليهم فعرفت القردة أنسابها من الإنس ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة فجعلت القرود تأتي نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي فيقول: ألم ننهكم فتقول برأسها: أي نعم، ثم قرأ ابن عباس: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس} قال: أليم وجيع، قال: فأرى الذين نهوا قد نجوا ولا أرى الآخرين ذكروا ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها، قلت: أي جعلني الله فداك ألا ترى أنهم كرهوا ما هم عليه وخالفوهم وقالوا: {لم تعظون قوما الله مهلكهم}، قال: فأمر بي فكسيت ثوبين غليظين.
- وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: كانت قرية على ساحل البحر يقال لها أيلة وكان على ساحل البحر صنمان من حجارة مستقبلان الماء يقال لأحدهما لقيم والآخر لقمانة فأوحى الله إلى السمك: أن حج يوم السبت إلى الصنمين وأوحى إلى أهل القرية: إني قد أمرت السمك أن يحجوا إلى الصنمين يوم السبت فلا تعرضوا للسمك يوم لا يمتنع منكم فإذا ذهب السبت فشأنكم به فصيدوه فكان إذا طلع الفجر يوم السبت أقبل السمك شرعا إلى الصنمين لا يمتنع من آخذ يأخذه فظهر يوم السبت شيء من السمك في القرية فقالوا: نأخذه يوم السبت فنأكله يوم الأحد فلما كان يوم السبت الآخر ظهر أكثر من ذلك فلما كان السبت الآخر ظهر السمك في القرية فقام إليهم قوم منهم فوعظوهم فقالوا: اتقوا الله، فقام آخرون فقالوا: {لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون} فلما كان سبت من تلك الأسبات فشى السمك في القرية فقام الذين نهوا عن السوء فقالوا: لا نبيت معكم الليلة في هذه القرية، فقيل لهم: لو أصبحتم فانقلبتم بذراريكم ونسائكم، قالوا: لا نبيت معكم الليلة في هذه القرية فإن أصبحنا غدونا فأخرجنا ذرارينا وأمتعتنا من بين ظهرانيكم وكان القوم شاتين فلما أمسوا أغلقوا أبوابهم فلما أصبحوا لم يسمع القوم لهم صوتا ولم يروا سرجا خرج من القرية، قالوا: قد أصاب أهل القرية شر، فبعثوا رجلا منهم ينظر إليهم فلما أتى القرية إذا الأبواب مغلقة عليهم فاطلع في دار فإذا هم قرود كلهم المرأة أنثى والرجل ذكر ثم اطلع في دار أخرى فإذا هم كذلك الصغير صغير والكبير كبير ورجع إلى القوم فقال: يا قوم نزل بأهل القرية ما كنتم تحذرون أصبحوا قردة كلهم لا يستطيعون أن يفتحوا الأبواب فدخلوا عليهم فإذا هم قردة كلهم فجعل الرجل يومئ إلى القرد منهم أنت فلان فيومئ برأسه: نعم، وهم يبكون فقالوا: أبعدكم الله قد حذرناكم هذا ففتحوا لهم الأبواب فخرجوا فلحقوا بالبرية.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: نجا الناهون وهلك الفاعلون ولا أدري ما صنع بالساكتين.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: والله لئن أكون علمت أن القوم الذين قالوا: {لم تعظون قوما} نجوا مع الذين نهوا عن السوء أحب إلى ما عدل به، وفي لفظ: من حمر النعم، ولكني أخاف أن تكون العقوبة نزلت بهم جميعا.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة قال: قال ابن عباس: ما أدري أنجا الذين قالوا: {لم تعظون قوما} أم لا قال: فما زلت أبصره حتى عرف أنهم قد نجوا فكساني حلة.
- وأخرج عبد بن حميد عن ليث بن أبي سليم قال: مسخوا حجارة الذين قالوا: {لم تعظون قوما الله مهلكهم}). [الدر المنثور: 6/ 634-638]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن سفيان قال: قالوا لعبد الله بن عبد العزيز العمري في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: تأمر من لا يقبل منك قال: يكون معذرة وقرأ: {قالوا معذرة إلى ربكم}). [الدر المنثور: 6/ 640]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {بعذاب بئيس}؛ قال: وجيع). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 239]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {يأخذون عرض هذا الأدنى}؛ قال: يأخذونه إن كان حلالا وإن كان حراما قال وإن فاتهم عرض مثله قال إن جاءهم حلال أو حرام أخذوه قال ابن جريج في قوله تعالى: {فلما نسوا ما ذكروا به} قال: فلما نسوا موعظة المؤمنين إياهم الذين قال الله تعالى: {لم تعظون قوما الله مهلكهم}). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 240] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال ابن جريج حدثني رجل عن عكرمة قال جئت ابن عباس يوما وإذا هو يبكي والمصحف في حجره قال فأعظمت أن أدنو منه قال ثم لم أزل على ذلك حتى تقدمت فجلست فقلت ما يبكيك يا أبا عباس جعلني الله فداك قال هؤلاء الورقات وإذا هو في سورة الأعراف ثم قال هل تعرف أيلة قال قلت نعم قال فإنه كان بها حي من يهود سيقت الحيتان إليهم يوم السبت ثم غاصت فلا يقدرون عليها حتى يغوصوا عليها بعد كد ومؤنة شديدة فكانت تأتيهم يوم السبت شرعا بيضا سمانا كأنها الماخض فتبطح ظهورها لبطونها بأفنيتهم وأبوابهم فكانوا كذلك برهة من الدهر ثم إن الشيطان أوحى إليهم فقال إنما نهيتم عن أكلها يوم السبت فخذوها فيه وكلوها في غيره من الأيام فقالت ذلك طائفة منهم وقالت طائفة بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها في يوم السبت فكانوا كذلك حتى جاءت الجمعة المقبلة فغدت بأنفسها وأبنائها ونسائها واعتزلت طائفة ذات اليمين ونهت واعترضت طائفة ذات الشمال وسكتت فقال الأيمنون ويلكم الله الله ننهاكم عن الله ألا تتعرضوا لعقوبة الله وقال الأيسرون: {لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا} قال الأيمنون: {معذرة إلى ربكم} ولعلهم يتقون إن ينتهوا فهو أحب إلينا ألا يصابوا ولا يهلكوا وإن لم ينتهوا فمعذرة إلى ربهم فمضوا عل الخطيئة فقال الأيمنون يا أعداء الله قد فعلتم والله لا نبايتنكم الليلة في مدينتكم والله ما نرى أن تصبحوا حتى يصيبهم الله بخسف أو قذف أو بعض ما عنده من العذاب فلما أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا فلم يجابوا فوضعوا سلما فأعلوا بسور المدينة رجلا فالتفت إليهم فقال أي عباد الله قرود والله تعاوى لها أذناب قال ففتحوا أولئك عليهم فدخلوا عليهم فعرفت القرود أنسباءها من الإنس ولا تعرف الإنس أنسباءها من القرود فجعلت القرود تأتي نسيبها من الإنس فتشم ثيابه وتبكي فيقول ألم أنهكم عن كذا وعن كذا فتقول برأسها بلى ألم ننهكم عن كذا فتقول برؤوسها بلى ثم قرأ ابن عباس: {فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس} أليم وجيع قال فأرى الذين نهوا نجوا ولا أرى الآخرين ذكروا ونحن نرى أشياء ننكرها فلا نقول شيئا قال قلت أي جعلني الله فداك قد كرهوا ما هم عليه وخالفوهم وقالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم قال فأمر لي فكسيت بردين غلظين). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 240-242] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {بئيسٍ}: «شديدٍ» ). [صحيح البخاري: 6/ 59]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {بئيسٍ} شديدٍ، قال: أبو عبيدة في قوله: بعذاب بئيس أي شديدٍ وبئيسٍ بفتح أوّله وكسر الهمزة وهي القراءة المشهورة وفيها قراءات كثيرة في المشهور والشّاذّة لا نطيل بها). [فتح الباري: 8/ 301]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({بئيسٍ}: شديدٍ
أشار به إلى قوله تعالى: {وأخذنا الّذين ظلموا بعذاب بئيس}؛ وفسره بقوله: شديد، وعن مجاهد معناه: أليم، وعن قتادة: موجع، وفي بئيس قراءات كثيرة والقراءة المشهورة بفتح أوله وكسر الهمزة). [عمدة القاري: 18/ 236]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: {بعذاب بئيس} أي (شديد) فعيل من بؤس يبؤس بأسًا إذا اشتد). [إرشاد الساري: 7/ 126]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ بما كانوا يفسقون}.
يقول تعالى ذكره: فلمّا تركت الطّائفة الّتي اعتدت في السّبت ما أمرها اللّه به من ترك الاعتداء فيه وضيّعت ما وعظتها الطّائفة الواعظة وذكّرتها ما ذكّرتها به من تحذيرها عقوبة اللّه على معصيتها فتقدّمت على استحلال ما حرّم اللّه عليها، أنجى اللّه الّذين ينهون منهم عن السّوء، يعني عن معصية اللّه، واستحلال ما حرّمه.
{وأخذنا الّذين ظلموا} يقول: وأخذ اللّه الّذين اعتدوا في السّبت فاستحلّوا فيه ما حرّم اللّه من صيد السّمك وأكله، فأحلّ بهم بأسه وأهلكهم. {بعذابٍ} شديدٍ {بئيسٍ بما كانوا يفسقون} يخالفون أمر اللّه، فيخرجون من طاعته إلى معصيته، وذلك هو الفسق.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، في قوله: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء} قال: فلمّا نسوا موعظة المؤمنين إيّاهم، الّذين قالوا: {لم تعظون قومًا}.
- حدّثني محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا حرميّ، قال: حدّثني شعبة، قال: أخبرني عمارة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {أنجينا الّذين ينهون عن السّوء،} قال: يا ليت شعري ما السّوء الّذي نهوا عنه.
وأمّا قوله: {بعذابٍ بئيسٍ} فإنّ القرّاء اختلفت في قراءته، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة: (بعذابٍ بيسٍ) بكسر الباء وتخفيف الياء بغير همزٍ، على مثال فعلٍ.
وقرأ ذلك بعض قرّاء الكوفة والبصرة: {بعذابٍ بئيسٍ} على مثل فعيلٍ من البؤس، بنصب الباء وكسر الهمزة ومدّها.
وقرأ ذلك كذلك بعض المكّيّين، غير أنّه كسر باء: (بئيسٍ) على مثال فعيلٍ. وقرأه بعض الكوفيّين: (بيئسٍ) بفتح الباء، وتسكين الياء، وهمزةٍ بعدها مكسورةٍ، على مثال فيعلٍ.
وذلك شاذّ عند أهل العربيّة؛ لأنّ فيعلٍ إذا لم يكن من ذوات الياء والواو، فالفتح في عينه الفصيح في كلام العرب، وذلك مثل قولهم في نظيره من السّالم: صيقلٌ، ونيربٌ، وإنّما تكسر العين من ذلك في ذوات الياء والواو، كقولهم: سيّدٌ، وميّتٌ. وقد أنشد بعضهم قول امرئ القيس بن عابسٍ الكنديّ:
كلاهما كان رئيسًا بيئسا ....... يضرب في يوم الهياج القونسا
بكسر العين من فيعلٍ، وهي الهمزة من بيئسٍ. فلعلّ الّذي قرأ ذلك كذلك قرأه على هذه. وذكر عن آخر من الكوفيّين أيضًا أنّه قرأه: بيئسٍ نحو القراءة الّتي ذكرناها قبل هذه، وذلك بفتح الباء وتسكين الياء وفتح الهمزة بعد الياء على مثال فيعلٍ مثل صيقلٍ.
وروي عن بعض البصريّين أنّه قرأه: بئسٍ بفتح الباء وكسر الهمزة على مثال فعلٍ، كما قال ابن قيس الرّقيّات:
ليتني ألقى رقيّة في ....... خلوةٍ من غير ما بئس
وروي عن آخر منهم أنّه قرأ: بئس بكسر الباء وفتح السّين على معنى بئس العذاب.
وأولى هذه القراءات عندي بالصّواب قراءة من قرأه: {بئيسٍ} بفتح الباء وكسر الهمزة ومدّها على مثال فعيلٍ، كما قال ذو الأصبع العدوانيّ:
حنقًا عليّ ولن ترى ....... لي فيهم أثرًا بئيسا
لأنّ أهل التّأويل أجمعوا على أنّ معناه شديدٌ، فدلّ ذلك على صحّة ما اخترنا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا ابن جريجٍ، قال: أخبرني رجلٌ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ} أليمٍ وجيعٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {بعذابٍ بئيسٍ}؛ قال: شديدٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {بعذابٍ بئيسٍ}؛ أليمٍ شديدٍ.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {بعذابٍ بئيسٍ}؛ قال: موجعٌ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {بعذابٍ بئيسٍ}؛ قال: بعذابٍ شديدٍ). [جامع البيان: 10/ 524-528]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ بما كانوا يفسقون (165)}
قوله تعالى: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به}؛
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به}؛ يعني تركوا ما ذكّروا به.
- أخبرنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ عبد الرّزّاق قال ابن جريجٍ في قوله: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به}؛ قال: فلمّا نسوا موعظة المؤمنين إيّاهم الّذين قالوا لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا.
قوله تعالى: {أنجينا الّذين ينهون، عن السوء}؛
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا عبد اللّه بن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق، حدّثني داود بن حصينٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: {أنجينا الّذين ينهون، عن السّوء} قال: فكانوا ثلاثًا ثلثا نهى وثلثًا قال: لم تعظون قومًا، وثلثًا أصحاب الخطيئة، فما نجا إلّا الّذين نهوا وهلك سائرهم.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: فلمّا وقع عليهم غضب اللّه نجت الطّائفتان اللّتان قالوا: لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم والّذين قالوا معذرةً إلى ربّكم وأهلك اللّه أهل معصيته الّذين أخذوا الحيتان فجعلهم قردةً وخنازير.
قوله تعالى: {وأخذنا الّذين ظلموا}؛
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا عبد اللّه بن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق حدّثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه: {وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ} قال: فأصبح الّذين نهوا، عن السّوء ذات غداةٍ في مجالسهم يتفقّدون النّاس لا يرو منهم، وقد باتوا من ليلتهم وغلّقوا عليهم دورهم قال فجعلوا يقولون إنّ للنّاس لشأنًا فانظروا ما شأنهم، قال: فاطّلعوا في دورهم فإذا القوم قد مسخوا في دورهم يعرفون الرّجل بعينه وإنّه لقردٌ والمرأة بعينها وإنّها لقردةٌ قال اللّه تعالى: {فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظةً للمتّقين}
قوله تعالى: {بعذابٍ بئيسٍ}؛
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله:{بعذابٍ بئيسٍ}؛ قال: أليمٍ شديدٍ.
أخبرنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ عبد الرّزّاق قال: قال: ابن جريجٍ، وحدّثني رجلٌ، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ بعذابٍ بئيسٍ قال: أليمٍ وجيعٍ). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1601-1602]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد {بعذاب بئيس}؛ يعني أليما شديدا). [تفسير مجاهد: 248]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أبي بكر بن عياش قال: كان حفظي عن عاصم {بعذاب بئيس} على معنى فعيل ثم دخلني منها شك فتركت روايتها عن عاصم وأخذتها عن الأعمش (بعذاب بئيس) على معنى فعيل.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {بعذاب بئيس}؛ قال: لا رحمة فيه.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة: {بعذاب بئيس} قال: وجيع
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {بعذاب بئيس} قال: أليم شديد). [الدر المنثور: 6/ 639-640]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين}.
يقول تعالى ذكره: فلمّا تمرّدوا فيما نهوا عنه من اعتدائهم في السّبت، واستحلالهم ما حرّم اللّه عليهم من صيد السّمك وأكله وتمادوا فيه {قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين} أي: بعداء من الخير.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {فلمّا عتوا عن ما نهوا عنه} يقول: لمّا مرد القوم على المعصية. {قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين} فصاروا قردةً لها أذنابٌ تعاوى بعد ما كانوا رجالاً ونساءً.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فلمّا عتوا عن مّا، نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين} فجعل اللّه منهم القردة والخنازير. فزعم أنّ شباب القوم صاروا قردةً، وأنّ المشيخة صاروا خنازير.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، أو سعيد بن جبيرٍ، قال: رأى موسى عليه السّلام رجلاً يحمل قصبًا يوم السّبت، فضرب عنقه). [جامع البيان: 10/ 528-529]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فلمّا عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين (166)}
قوله تعالى: {فلمّا عتوا عن ما نهوا عنه}؛
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، أنبأ عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، أنبأ الحسين بن واقدٍ، ثنا يزيد النّحويّ، عن عكرمة قال: العتو في كتاب الله التجبر.
قوله تعالى: {قلنا لهم}؛
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا حمزة عن عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه، قال: افترقت ثلاث فرقٍ. فرقةٌ أكلت، وفرقةٌ اعتزلت ولم تنه، وفرقةٌ نهت ولم تعتزل فنودي الّذين اعتدوا في السّبت ثلاثة أصواتٍ نودوا: يا أهل القرية فانتبهت طائفةٌ ثمّ نودوا: يا أهل القرية فانتبهت طائفةٌ أكثر من الأولى، ثمّ نودوا: يا أهل القرية فانتبه الرّجال والنّساء والصّبيان فقال اللّه لهم: {كونوا قردةً خاسئين} فجعل الّذين نهوهم يدخلون عليهم فيقولون: يا فلان ألم ننهكم فيقولون برءوسهم: أي بلى.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن المتوكّل، ثنا ضمرة عن عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه قال: لمّا كان في جوف اللّيل نودي: يا أهل القرية فلمّا انتبهوا من نومهم ثمّ نودي: يا أهل القرية فلبسوا ثيابهم وبرزوا من بيوتهم ثمّ نودي: يا أهل القرية كونوا قردةً خاسئين فمسخوا قردةً). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1602-1603]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، ثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن علقمة بن مرثدٍ، عن المعرور بن سويدٍ، عن أمّ سلمة أمّ المؤمنين رضي الله عنها، قالت: سألت رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- عن المسخ أيكون له نسلٌ؟ قال صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما مسخ أحدٌ قطّ، فكان له نسلٌ ولا عقبٌ
».
قلت: هو عند مسلمٍ من طريق المعرور عن عبد اللّه بن مسعودٍ -رضي الله عنه-، قال: إنّ أمّ حبيبة -رضي الله عنها- سألت، وهذا هو الصّحيح، وليثٌ واهي الحفظ). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/ 670]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء قال: نودي الذين اعتدوا في السبت ثلاثة أصوات نودوا يا أهل القرية فانتبهت طائفة ثم نودوا يا أهل القرية فانتبهت طائفة أكثر من الأولى ثم نودوا يا أهل القرية فانتبه الرجال والنساء والصبيان فقال الله لهم: {كونوا قردة خاسئين} [البقرة: 65] فجعل الذين نهوهم يدخلون عليهم فيقولون: يا فلان ألم ننهكم فيقولون برؤوسهم: أي بلى.
- وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير وماهان الحنفي قال: لما مسخوا جعل الرجل يشبه الرجل وهو قرد فيقال: أنت فلان، فيومئ إلى يديه بما كسبت يداي.
- وأخرج ابن بطة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
«لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل»). [الدر المنثور: 6/ 640]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}؛ قال: بعث عليهم هذا الحي من العرب فهم في عذاب منهم إلى يوم القيامة.
عن معمر، قال: أخبرني عبد الكريم بن مالك الجزري عن ابن المسيب أنه كان يستحب أن يتعب الأنباط في الجزية). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 239-240]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ تأذّنّ ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وإذ تأذّن} واذكر يا محمّد إذ آذن ربّك فأعلم. وهو تفعّل من الإيذان، كما قال الأعشى ميمون بن قيسٍ:
آذن اليوم جيرتي بخفوف ....... صرموا حبل آلفٍ مألوف
يعني بقوله آذن: أعلم، وقد بيّنّا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {وإذ تأذّن ربّك} قال: أمر ربّك.
- حدّثنا الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز. قال: حدّثنا أبو سعدٍ، عن مجاهدٍ: {وإذ تأذّنّ ربّك} قال: أمر ربّك.
وقوله: {ليبعثنّ عليهم} يعني: أعلم ربّك ليبعثنّ على اليهود من يسومهم سوء العذاب، قيل: إنّ ذلك العرب بعثهم اللّه على اليهود يقاتلون من لم يسلم منهم ولم يعط الجزية، ومن أعطى منهم الجزية كان ذلك له صغارًا وذلّةً.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى بن إبراهيم، وعليّ بن داود، قالا: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذ تأذّنّ ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}؛ قال: هي الجزية، والّذين يسومونهم: محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم وأمّته إلى يوم القيامة.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذ تأذّنّ ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}؛ فهي المسكنة، وأخذ الجزية منهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ، قال ابن عبّاسٍ: {وإذ تأذّنّ ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}؛ قال: يهود، وما ضرب عليهم من الذّلّة والمسكنة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وإذ تأذّنّ ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}؛ قال: فبعث اللّه عليهم هذا الحيّ من العرب، فهم في عذابٍ منهم إلى يوم القيامة.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم}؛ قال: بعث عليهم هذا الحيّ من العرب، فهم في عذابٍ منهم إلى يوم القيامة وقال عبد الكريم الجزريّ: يستحبّ أن تبعث الأنباط في الجزية.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا إسحاق بن إسماعيل، عن يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ: {وإذ تأذّنّ ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم}؛ قال: العرب:{سوء العذاب}؛ قال: الخراج. وأوّل من وضع الخراج موسى عليه السّلام، فجبى الخراج سبع سنين.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ: {وإذ تأذّنّ ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم}؛ قال: العرب. {سوء العذاب}؛ قال: الخراج. قال: وأوّل من وضع الخراج موسى، فجبى الخراج سبع سنين.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ: {وإذ تأذّنّ ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}؛ قال: هم أهل الكتاب، بعث اللّه عليهم العرب يجبونهم الخراج إلى يوم القيامة، فهو سوء العذاب، ولم يجب نبيّ الخراج قطّ إلاّ موسى صلّى اللّه عليه وسلّم ثلاث عشرة سنةً ثمّ أمسك، وإلاّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {وإذ تأذّنّ ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}؛ قال: يبعث عليهم هذا الحيّ من العرب، فهم في عذابٍ منهم إلى يوم القيامة.
- قال: أخبرنا معمرٌ، قال: أخبرني عبد الكريم، عن ابن المسيّب، قال: يستحبّ أن تبعث الأنباط، في الجزية.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وإذ تأذّنّ ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}؛ يقول: إنّ ربّك يبعث على بني إسرائيل العرب، فيسومونهم سوء العذاب: يأخذون منهم الجزية ويقتلونهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وإذ تأذّنّ ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة}؛ ليبعثنّ على يهود.
القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ ربّك لسريع العقاب وإنّه لغفورٌ رحيمٌ}؛
يقول تعالى ذكره: إنّ ربّك يا محمّد لسريعٌ عقابه إلى من استوجب منه العقوبة على كفره به ومعصيته له. {وإنّه لغفورٌ رحيمٌ}؛ يقول: وإنّه لذو صفحٍ عن ذنوب من تاب من ذنوبه فأناب وراجع طاعته، يستر عليها بعفوه عنها، رحيمٌ له أن يعاقبه على جرمه بعد توبته منها؛ لأنّه يقبل التّوبة ويقيل العثرة). [جامع البيان: 10/ 529-534]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: {وإذ تأذّن ربّك}؛
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: وإذ تأذّن ربّك قال: قال ربّك وروي عن سفيان الثّوريّ مثل ذلك
قوله تعالى: {ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة}؛
- حدّثنا أبو أسامة عبد اللّه بن أسامة الحلبيّ بالكوفة، ثنا عليّ بن ثابتٍ، ثنا يعقوب القمّيّ، عن جعفرٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: قوله عزّ وجلّ: {وإذ تأذّن ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة}؛ قال: هم اليهود بعث اللّه عليهم العرب يجبوا منهم الخراج فهو سوء العذاب، ولم يكن نبيّ جبا الخراج إلا موسى عليه السّلام فجباه ثلاث عشرة سنةً ثمّ كفّ عنه وإلا النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة} على اليهود والنّصارى إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب فبعث اللّه أمّة محمّدٍ يأخذون منهم الجزية وهم صاغرون.
- حدثنا أبى، ثنا مالك ابن إسماعيل أبو غسّان، ثنا حسن بن صالحٍ في قوله: {وإذ تأذّن ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}؛ في الّذين سكتوا.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن يزيد بن أسلم في قول اللّه: {وإذ تأذّن ربّك ليبعثنّ عليهم} قال: ليبعثنّ على يهود.
قوله: {من يسومهم سوء العذاب}؛
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن الصالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {من يسومهم سوء العذاب}؛ قال: الّذين يسومهم محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم وأمّته إلى يوم القيامة.
قوله تعالى: {سوء العذاب}؛
الوجه الأول:
- وبه عن ابن عبّاسٍ: قوله: سوء العذاب قال: هي الجزية. وروي عن مجاهدٍ مثل ذلك.
- حدّثنا أبو أسامة، ثنا عليّ بن ثابتٍ، ثنا يعقوب القمّيّ، عن جعفرٍ، عن سعيد ابن جبيرٍ {من يسومهم سوء العذاب}؛ قال: الخراج.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن محمّد بن يوسف المقدسيّ، ويحيى بن عثمان ابن كثير بن دينارٍ قالا، ثنا ضمرة عن ابن شوذبٍ عن مطرٍ في قول اللّه: {ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}؛ قال: سلّط اللّه عليهم العرب فهم منهم في عناءٍ إلى يوم القيامة.
قوله تعالى: {إنّ ربّك لسريع العقاب وإنّه لغفورٌ رحيمٌ}؛
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، ثنا ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {لغفور} لما كان منهم في الشّرك، {رحيمٌ} بعد التوبة). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1603-1604]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد {وإذ تأذن ربك}؛ قال: يعني قال ربك).[تفسير مجاهد: 249]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وإذ تأذن ربك ...} الآية، قال: الذين يسومونهم سوء العذاب محمد وأمته إلى يوم القيامة وسوء العذاب الجزية.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {وإذ تأذن ربك... } الآية، قال: هم اليهود بعث عليهم العرب يجبونهم الخراج فهو سوء العذاب ولم يكن من نبي جبا الخراج إلا موسى جباه ثلاث عشرة سنة ثم كف عنه ولا النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وفي قوله: {وقطعناهم ...} الآية، قال: هم اليهود بسطهم الله في الأرض فليس في الأرض بقعة إلا وفيها عصابة منهم وطائفة.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وإذ تأذن ربك}؛ يقول: قال ربك: ليبعثن عليهم قال: على اليهود والنصارى إلى يوم القيامة، {من يسومهم سوء العذاب}؛ فبعث الله عليهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم يأخذون منهم الجزية وهم صاغرون، {وقطعناهم في الأرض أمما}؛ قال: يهود، {منهم الصالحون}؛ وهم مسلمة أهل الكتاب، {ومنهم دون ذلك}؛ قال: اليهود، {وبلوناهم بالحسنات}؛ قال: الرخاء والعافية، {والسيئات}؛ قال: البلاء والعقوبة). [الدر المنثور: 6/ 641-642]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 09:46 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)}

تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السّبت...}
والعرب تقول: يسبتون ويسبتون وسبت وأسبت. ومعنى اسبتوا: دخلوا في السبت، ومعنى يسبتون: يفعلون سبتهم. ومثله في الكلام: قد أجمعنا، أي مرّت بنا جمعة، وجمّعنا: شهدنا الجمعة. قال وقال لي بعض العرب: أترانا أشهرنا مذ لم نلتق؟ أراد: مرّ بنا شهر.
{ويوم لا يسبتون} منصوب بقوله: {لا تأتيهم}). [معاني القرآن: 1/ 398]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إذ يعدون في السّبت}؛ إذ يتعدّون فيه عما أمروا به ويتجاوزونه {شرّعاً} أي شوارع). [مجاز القرآن: 1/ 230]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو وأهل المدينة {ويوم لا يسبتون}.
الحسن "ويوم لا يسبتون" يكون الفعل: أسبتوا إسباتًا.
والمعنى في يسبتون بالفتح: يتخذون السبت عيدًا، أو غبر عيد؛ وقالوا: سبتت الناقة تسبت: في شدة السير.
[معاني القرآن لقطرب: 577]
يحيى بن وثاب "يفسقون" في القرآن كله، وهي لغة هذيل.
وسائر القراء {يفسقون}؛ وقد فسرنا معناها في آل عمران). [معاني القرآن لقطرب: 578]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (163- {يعدون في السبت}؛ يتعدون في السبت ويجوزون الحد). [غريب القرآن وتفسيره: 151]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (163 - {إذ يعدون في السّبت}؛ أي يتعدّون الحق. يقال: عدوت على فلان، إذا ظلمته.
{شرّعاً}؛ أي شوارع في الماء. وهو جمع شارع). [تفسير غريب القرآن: 174]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ ثناؤه: {واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السّبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون (163)}
السؤال على ضربين:
فأحد الضربين: أن قال لتستخبر عما لا تعلم لتعلم.
والضرب الثاني: أن تسأل مستخبرا على وجه التقرير، فتقول للرجل أنا فعلت كذا؛ وأنت تعلم أنك لم تفعل، فإنما تسأله لتقرره وتوبخه.
فمعنى أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسأل أهل الكتاب عن أهل هذه القرية - وقد أخبر الله جلّ ثناؤه بقصتها ليقررهم بقديم كفرهم، وأن يعلمهم ما لا يعلم إلّا بكتاب أو وحى.
{إذ يعدون في السّبت}؛
أي إذ يظلمون في السبت، يقال أعدا، فلان يعدو عدوانا، وعداء وعدوا، وعدوّا - إذا ظلم.
وقوله: {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم}؛
حيتان - جمع حوت، وأكثر ما تسمي العرب السمك الحيتان والنينان.
{إذ يعدون في السّبت}؛
موضع " إذ " نصب، المعنى سلهم عن عدوهم في السبت، أي سلهم عن وقت ذلك.
{إذ تأتيهم}؛
في موضع نصب أيضا ب (يعدون).
المعنى سلهم إذ عدوا في وقت الإتيان.
{شرّعا}؛
أي ظاهرة، وكانت الحيتان تأتي ظاهرة فكانوا يحتالون بحبسها في يوم السبت ثم يأخذونها في يوم الأحد ويقال إنهم جاهروا بأخذها في يوم السبت.
وقوله: {كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون}؛
أي مثل هذا الاختبار الشديد نختبرهم.
وموضع الكاف نصب بقوله: {نبلوهم بما كانوا يفسقون}؛
أي شددت عليهم المحنة بفسقهم. ويحتمل - على بعد - أن يكون: ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك أي لا تأتيهم شرعا، ويكون نبلوهم مستأنفة، وذلك القول الأول قول الناس وهو الجيّد). [معاني القرآن: 2/ 383-385]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (146 - وقوله جل وعز: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر}
أمره أن يسألهم سؤال توبيخ ليقررهم بما يعرفونه من عصيان آبائهم ويخبرهم بما لا يعرف إلا من كتاب أو وحي.
حدثنا أبو جعفر قال نا محمد بن إدريس قال نا يونس قال أخبرنا ابن وهب وكذا أخبرني حيوة، عن عقيل عن ابن شهاب قال القرية: التي كانت حاضرة البحر طبرية والقرية التي قال فيها واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إنطاكية.
وعن ابن عباس {التي كانت حاضرة البحر}؛ أيلة.
ومعنى يعدون يعتدون ويجاوزون الحق.
والشرع الظاهرة.
وقرأ الحسن يسبتون أي يدخلون في السبت.
مثل أهللنا ومن فتح الباء قال معناه يعظمون السبت.
كما كانوا يعظمونه هذا قول الكلبي وأبي عبيدة .
قال مجاهد: كانت الحيتان تأتيهم يوم السبت من غير أن يطلبوها ابتلاء من الله جل وعز لهم أي اختبارا). [معاني القرآن: 3/ 92-94]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (163- {يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ}؛ أي يتعدون.
{شُرَّعاً}؛ أي شوارع، ظاهرة في الماء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 87]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (163- {يَعْدُونَ}: يتعدون).[العمدة في غريب القرآن: 139]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قالوا معذرةً...}؛
إعذارا فعلنا ذلك. وأكثر كلام العرب أن ينصبوا المعذرة. وقد آثرت القراء رفعها. ونصبها جائز. فمن رفع قال: هي معذرة كما قال: {إلا ساعة من نهارٍ بلاغ}). [معاني القرآن: 1/ 398]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (طلحة بن مصرف اليامي {قالوا معذرة إلى ربكم} بالنصب؛ كأنه قال: نعتذر معذرة.
وسائر القراء {معذرة إلى ربكم} يصير مبتدءًا؛ كأنه قال: موعظتنا معذرة؛ لذكره {لم تعظون قومًا الله مهلكهم} ). [معاني القرآن لقطرب: 578]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وإذ قالت أمّة منهم لم تعظون قوما اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون (164)}
الأصل لما، ولكن الألف تحذف مع حروف الجر نحو لم وعم وبم.
قال الله تعالى: {فبم تبشّرون}، {عم يتساءلون}؛
ومعنى الآية أنهم لاموهم في عظة قوم يعلمون أنهم غير مقلعين.
هذا الأغلب عليهم في العلم بهم.
{اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابا شديدا}؛
ومعنى (أو) - واللّه أعلم - أنهم أخبروهم - على قدر ما رأوا من أعمالهم - أنهم مهلكون في الدنيا أو معذبون في الآخرة لا محالة.
وقوله: {قالوا معذرة إلى ربّكم}؛
المعنى قالوا موعظتنا إياهم معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون.
فالمعنى أنهم قالوا: الأمر بالمعروف واجب علينا، فعلينا موعظة هؤلاء لعلهم يتقون، أي وجائز عندنا أن ينتفعوا بالمعذرة ويجوز النصب في " معذرة " فيكون المعنى في قوله: {قالوا معذرة إلى ربّكم}؛ على معنى يعتذرون معذرة). [معاني القرآن: 2/ 385]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (147 - وقوله جل وعز: {وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا}
معنى أو ههنا لأحد الأمرين أي قد ظهر منهم ما سيلحقهم من أجله أحد هذين.
{قالوا معذرة إلى ربكم}؛ أي موعظتنا معذرة أي إنما يجب علينا أن نأمرهم بالمعروف ولعلهم يرجعون بموعظتنا.
فلما نسوا ما ذكروا به أي تركوا أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس.
قال ابن عباس: ما أدري ما فعل بالفرقة التي لم تأمر ولم تنه.
وقال غيره: نجيت لأنها لم تشارك كالذين عصوا.
قال مجاهد: بئيس أليم شديد وهذا معروف في اللغة يقال بؤس فهو يبأس إذا اشتد
ومن قرأ بيس ففيه قولان:
قال الكسائي الأصل فيه بئس خففت الهمزة فالتقت ياءان فحذفت إحداهما وكسر أوله كما يقال رغيف وشهيد.
وقيل أراد بئس على فعل فكسر أوله وخففت الهمزة وحذفت الكسرة كما يقال رحم ورحم.
قال أبو إسحاق: بئيس أي شديد وقد بئس إذا افتقر وبؤس إذا اشتد.
قال علي بن سليمان بيس رديء وليس بجار على الفعل أنما هو كما يقال ناقة نضو والعرب تقول جاء ببنات بيس أي ببنات شيء رديء
قال أبو جعفر وفيه قراءات سوى هاتين سنذكرها في الإعراب إن شاء الله). [معاني القرآن: 3/ 94-96]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بعذابٍ بئيسٍ}؛ أي شديد. قال ذو الإصبع العدوانيّ.
أان رأيت بني أبي ....... ك مجمّحين إليك شوسا
حنقاً علىّ وما ترى ....... لي فيهم أثراً بئيسا).
[مجاز القرآن: 1/ 231]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة مجاهد وأبي عمرو {بعذاب بئيس} ممدودة.
[معاني القرآن لقطرب: 578]
وقراءة أهل مكة "بئيس" ممدودة على فعيل، مكسورة الباء للهمزة بعدها، وهي مفسرة في سورة البقرة.
قراءة عاصم {بعذاب بئيس} على فيعل مثل: صيقل.
قراءة الأعمش "بعذاب بئيس بكسرة الهمزة على فيعل؛ وذلك شاذ قليل، أن يكون فيعل ليس من بنات الياء والواو، وكسيد وميت، فإذا لم يكن من بنات الياء والواو انفتحت مثل: صيقل ونيرب؛ وقد سمعنا قول امرئ القيس بن عباس الكندي على هذه القراءة القليلة الشاذة، قال:
كليهما كان رئيسا بيئسا = يضرب في يوم الهياج القونسا
قراءة زيد وأهل المدينة {بعذاب ئيس} على فعل.
وقراءة الحسن "بعذاب بيس بما كانوا" بكسر الباء وجزم الياء ونصب السين، على "بيس العذاب"، وإنما "بيس" من بئس وبؤس بالبأس ومن الباس، وكذلك بئس الرجل وبؤس بؤسًا، إذا أصابه البؤس.
[وزاد محمد بن صالح]:
وقرأ بعضهم: "بئس" على فعل.
[معاني القرآن لقطرب: 579]
قال ابن الرقيات:
يا ليتني ألقى رقية في = خلوة في غير ما بئس). [معاني القرآن لقطرب: 580]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (165- {بعذاب بئيس}: شديد من البأس). [غريب القرآن وتفسيره: 152]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (165 - {بعذابٍ بئيسٍ}؛ أي شديد). [تفسير غريب القرآن: 174]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون (165)}
(نسوا) يجوز أن يكون في معنى تركوا، ويجوز أن يكون تركهم بمنزلة من نسي.
وقوله: {أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذاب بئيس}؛
أي شديد، يقال بئس يبؤس بأسا إذا اشتد، وقيل إنّ القوم كانوا ثلاث فرق، فرقة عملت بالسوء، وفرقة نهت عن السوء، وفرقة أمسكت عن النهي.
وقيل كانوا فرقتين، فرقة نهت عن السوء وفرقة عملت بالسوء، وبعض الفرقة التي فيها من نهى عن السوء مؤمن غير راض بما فعل أهل السّوء فدخلوا في النجاة مع الذين ينهون عن السوء، ونزل العذاب بالذين عدوا في السبت). [معاني القرآن: 2/ 386]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {بعذاب بئيس}؛ أي: شديد). [ياقوتة الصراط: 232]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (165- {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ}؛ أي شديد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 87]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (165- {بَئِيسٍ}: شديد). [العمدة في غريب القرآن: 139]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قردة خاسئين}؛ أي قاصين مبعدين، يقال: خسأته عنى وخسأ هو عني). [مجاز القرآن: 1/ 231]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فلمّا عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين (166)}؛
العاتي: الشديد الدخول في الفساد، المتمرد الذي لا يقبل موعظة.
وقوله: {قلنا لهم كونوا قردة خاسئين}؛
جائز أن يكونوا أمروا بأن يكونوا كذلك بقول سمع، فيكون أبلغ في الآية والنازلة بهم، وجائز أن يكون " فقلنا لهم " من قوله: {إنّما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (82)}.
ومعنى " خاسئين ": أي مبعدين.
وقال قوم: جائز أن تكون هذه القردة المتولّدة أصلها منهم وقال قوم المسخ لا يبقى ولا يتولد، والجملة أنا أخبرنا بأنهم جعلوا قردة، والقردة هي التي نعرفها.
وهي أكثر شيء في الحيوان شبها بابن آدم، واللّه أعلم كيف كان أمرهم بعد كونهم قردة).[معاني القرآن: 2/ 386-387]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {من يسومهم سوء العذاب...}
الجزية إلى يوم القيامة).[معاني القرآن: 1/ 398]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وإذ تأذّن ربّك} مجازه: وتأذن ربك، مجازه: أمر وهو من الإذن وأحلّ وحرّم ونهى). [مجاز القرآن: 1/ 231]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {وإذ تأذن ربك} المعنى: بين وأعلم؛ وهي تفعل من آذن يؤذن، وقد ذكرنا ما فيها في سورة البقرة). [معاني القرآن لقطرب: 600]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (167- {وإذا تأذن ربك}: من الإذن). [غريب القرآن وتفسيره: 152]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (167 - {وإذ تأذّن ربّك} أي أعلم. وهو من آذنتك بالأمر.
{من يسومهم سوء العذاب}؛ أي يأخذهم بذلك ويوليهم إيّاه. يقال: سمت فلانا كذا. وسوء العذاب: الجزية التي ألزموها إلى يوم القيامة والذلة، والمسكنة). [تفسير غريب القرآن: 174]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذ تأذّن ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إنّ ربّك لسريع العقاب وإنّه لغفور رحيم (167)}
قال بعضهم: تأذّن: تألّى ربك ليبعثن عليهم، وقيل: إن تأذّن أعلم.
والعرب تقول: تعلم أن هذا كذا، في معنى أعلم.
قال زهير:
تعلّم أن شرّ الناس حي ....... ينادي في شعارهمو يسار
وقال زهير أيضا:
فقلت تعلّم أن للصيد غرة ....... وإلا تضيعها فإنك قاتله.
وقوله: {ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}؛ أي من يوليهم سوء العذاب.
فإن قال قائل قد جعلوا قردة فكيف يبقون إلى يوم القيامة؟
فالمعنى أن الذكر لليهود، فمنهم من مسخ، وجعل منهم القردة والخنازير ومن بقي فمعاند لأمر اللّه، فهم مذلّون بالقتل، إلا أن يعطوا الجزية، فهم مذلّون بها وهم في كل مكان أذلّ أهله.
قال الله عزّ وجلّ: {ضربت عليهم الذّلّة أين ما ثقفوا إلّا بحبل من اللّه وحبل من النّاس}؛
أي إلا أن يعطوا الذمّة والعهد). [معاني القرآن: 2/ 387-388]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (148 - وقوله جل وعز: {وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}؛
قال أهل التفسير معناه أعلم ربك.
وهذا قول حسن لأنه يقال تعلم بمعنى أعلم وأنشد أبو إسحاق لزهير في مثل هذا:
فقلت تعلم إن للصيد غرة ....... فإن لا تضيعها فإنك قاتله
وروي عن ابن عباس أنه قال في قوله جل وعز: {ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}؛ قال يعني أخذ الجزية.
فإن قيل: فهم قد مسخوا فكيف تؤخذ منهم الجزية.
فالجواب إنها تؤخذ من أبنائهم وقد مسخوا ولحق أولادهم الذل فهم أذل قوم وهم اليهود.
حدثنا أبو جعفر قال نا أحمد بن محمد بن سلامة قال نا عيسى بن إسحاق الأنصاري قال نا يحيى بن عبد الحميد الحماني عن يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد ابن جبير في قول الله تعالى: {وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة}، قال العرب من يسومهم سوء العذاب قال الخراج.
وقيل عليهم على اليهود بين أنه كان أخبر بذلك). [معاني القرآن: 3/ 96-97]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): (167- {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ}؛ أي أعلم.
{مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ}؛ أي يأخذهم بذلك، ويوليهم إياه. و(سوء العذاب) الجزية التي أُلزموها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 87]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 05:30 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) }

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) }

قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وسمعنا بعض العرب الموثوق به يقال له كيف أصبحت؟ فيقول: حمد الله وثناءٌ عليه كأنّه يحمله على مضمرٍ في نيّته هو المظهر كأنّه يقول أمري
وشأني حمد الله وثناءٌ عليه. ولو نصب لكان الذي في نفسه الفعل ولم يكن مبتدأ ليبنى عليه ولا ليكون مبنيًّا على شيء هو ما أظهر.
وهذا مثل بيتٍ سمعناه من بعض العرب الموثوق به يرويه:
فقالت حنانٌ ما أتى بك ههنا ....... أذو نسبٍ أم أنت بالحي عارف
لم ترد حنّ ولكنها قالت أمرنا حنانٌ أو ما يصيبنا حنانٌ وفى هذا المعنى كلّه معنى النصب.
ومثله في أنّه على الابتداء وليس على فعلٍ قوله عزّ وجلّ: {قالوا معذرة إلى ربكم}. لم يريدوا أن يعتذروا اعتذاراً مستأنفاً من أمرٍ ليموا عليه ولكنّهم قيل لهم لم تعظون قوماً؟ قالوا موعظتنا معذرةٌ إلى ربكم.
ولو قال رجلٌ لرجلٍ معذرةً إلى الله وإليك من كذا وكذا يريد اعتذاراً لنصب
ومثل ذلك قول الشاعر:
يشكو إليّ جملي طول السّرى ....... صبرٌ جميل فكلانا مبتلى
والنصب أكثر وأجود لأنه يأمره. ومثل الرفع: {فصبر جميل والله المستعان} كأنه يقول الأمر صبرٌ جميلٌ). [الكتاب: 1/ 319-321]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) }

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) }

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:04 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:04 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:05 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:05 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وسئلهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر ... الآية}، قال بعض المتأولين: إن اليهود المعارضين لمحمد -صلى الله عليه وسلم- قالوا: إن بني إسرائيل لم يكن فيهم عصيان ولا معاندة لما أمروا به فنزلت هذه الآية موبخة لهم ومقررة ما كان من فعل أهل هذه القرية، فسؤالهم إنما كان على جهة التوبيخ، والقرية هنا مدين قاله ابن عباس، وقيل أيلة، قاله ابن عباس وعبد الله بن كثير وعكرمة والسدي والثوري، وقال قتادة هي مقنا بالقاف ساكنة، وقال ابن زيد هي مقناة ساحل مدين، ويقال فيها مغنى بالغين مفتوحة ونون مشددة، وقيل هي طبرية قاله الزهري، وحاضرة يحتمل أن يريد معنى الحضور أي البحر فيها حاضر، ويحتمل أن يريد معنى الحضارة على جهة التعظيم لها أي هي الحاضرة في مدن البحر، وإذ يعدون معناه يخالفون الشرع من عدا يعدو، وقرأ شهر بن حوشب وأبو نهيك «يعدّون»، قال أبو الفتح أراد يعتدون فأسكن التاء ليدغمها في الدال ونقل فتحها إلى العين فصار «يعدّون» بفتح العين وشد الدال المضمومة، والاعتداء منهم في السبت هو نفس العمل والاشتغال كان صيدا أو غيره إلا أنه كان في هذه النازلة بالصيد وكان الله عز وجل ابتلاهم في أمر الحوت بأن يغيب عنهم سائر الجمعة فإذا كان يوم السبت جاءهم في الماء شارعا أي مقبلا إليهم مصطفا كما تقول أشرعت الرماح إذا مدت مصطفة، وهذا يمكن أن يقع من الحوت بإرسال من الله كإرسال السحاب أو بوحي وإلهام كالوحي إلى النحل أو بإشعار في ذلك اليوم على نحو ما يشعر الله الدواب يوم الجمعة بأمر الساعة حسبما يقتضيه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:
«ما من دابة إلا وهي مصيخة يوم الجمعة حتى تطلع الشمس فرقا من الساعة»، ويحتمل أن يكون ذلك من الحوت شعورا بالسلامة في ذلك اليوم على نحو شعور حمام الحرم بالسلامة.
قال رواة هذا القصص: فيقرب الحوت ويكثر حتى يمكن أخذه باليد فإذا كان ليلة الأحد غاب بجملته وقيل غابت كثرته ولم يبق منه إلا القليل الذي يتعب صيده، قاله قتادة ففتنهم ذلك وأضر بهم فتطرقوا إلى المعصية بأن حفروا حفرا يخرج إليها ماء البحر على أخدود فإذا جاء الحوت يوم السبت وحصل في الحفرة ألقوا في الأخدود حجرا فمنعوه الخروج إلى البحر فإذا كان الأحد أخذوه فكان هذا أول التطرق.
وروى أشهب عن مالك قال: زعم ابن رومان أنهم كانوا يأخذ الرجل خيطا ويصنع فيه وهقة وألقاها في ذنب الحوت، وفي الطرف الآخر من الخيط وتد مضروب، وتركه كذلك إلى الأحد، ثم تطرق الناس حين رأوا من صنع هذا لا يبتلى كثر صيد الحوت ومشي به في الأسواق، وأعلن الفسقة بصيده وقالوا ذهبت حرمة السبت فقامت فرقة من بني إسرائيل ونهت وجاهرت بالنهي واعتزلت، والعامل في قوله: ويوم لا يسبتون قوله: لا تأتيهم وهو ظرف مقدم، وقرأ عمر بن عبد العزيز «حيتانهم يوم أسباتهم»، وقرأ نافع وأبو عمرو والحسن وأبو جعفر والناس «يسبتون» بكسر الباء، وقرأ عيسى بن عمر وعاصم بخلاف «يسبتون» بضمها، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وعاصم بخلاف «يسبتون» من أسبت إذا دخل في السبت، ومعنى قوله: كذلك الإشارة إلى أمر الحوت وفتنتهم به، هذا على من وقف على تأتيهم ومن وقف على كذلك فالإشارة إلى كثرة الحيتان شرعا، أي فما أتى منها فهو قليل، ونبلوهم أي نمتحنهم لفسقهم وعصيانهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي قصص هذه الآية رواية وتطويل اختصرته واقتصرت منه على ما لا تفهم ألفاظ الآية إلا به). [المحرر الوجيز: 4/ 69-71]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذ قالت أمّةٌ منهم لم تعظون قوماً اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذاباً شديداً قالوا معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون (164) فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ بما كانوا يفسقون (165) فلمّا عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين (166)}
قال جمهور المفسرين: إن بني إسرائيل افترقت ثلاث فرق، فرقة عصت وصادت، وفرقة نهت وجاهرت وتكلمت واعتزلت، وفرقة اعتزلت ولم تعص ولم تنه، وإن هذه الفرقة لما رأت مجاهرة الناهية وطغيان العاصية وعتوها قالت للناهية لم تعظون قوماً يريدون العاصية اللّه مهلكهم أو معذّبهم على غلبة الظن وما عهد من فعل الله حينئذ بالأمم العاصية، فقالت الناهية موعظتنا معذرة إلى الله، ثم اختلف بعد هذا فقالت فرقة إن الطائفة التي لم تعص ولم تنه هلكت مع العاصية عقوبة على ترك النهي، قاله ابن عباس، وقال أيضا: ما أدري ما فعل بهم، وقالت فرقة بل نجت مع الناهية لأنها لم تعص ولا رضيت قاله عكرمة والحسن وغيرهما، وقال ابن الكلبي فيما أسند عنه الطبري إن بني إسرائيل لم تفترق إلا فرقتين، فرقة عصت وجاهرت وفرقة نهت وغيرت واعتزلت، وقالت للعاصية إن الله يهلكهم ويعذبهم، فقالت أمة من العاصين للناهين على جهة الاستهزاء لم تعظون قوما قد علمتم أن الله مهلكهم أو معذبهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والقول الأول أصوب، وتؤيده الضمائر في قوله: إلى ربّكم ولعلّهم فهذه المخاطبة تقتضي مخاطبا ومخاطبا ومكنيا عنه، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي «معذرة» بالرفع، أي موعظتنا، معذرة أي إقامة عذر، وقرأ عاصم في بعض ما روي عنه وعيسى بن عمر وطلحة بن مصرف «معذرة» بالنصب أي وعظنا معذرة، قال أبو علي حجتها أن سيبويه قال: لو قال رجل لرجل معذرة إلى الله وإليك من كذا لنصب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: الرجل القائل في هذا المثال معتذر عن نفسه وليس كذلك الناهون من بني إسرائيل فتأمل، ومعنى مهلكهم في الدنيا أو معذّبهم في الآخرة، وقوله: لعلّهم يتّقون يقتضي الترجي المحض، لأنه من قول آدميين). [المحرر الوجيز: 4/ 71-72]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والضمير في قوله: {نسوا} للمنهيين وهو ترك سمي نسيانا مبالغة إذ أقوى منازل الترك أن ينسى المتروك. وما في قوله: {ما ذكّروا به} معنى الذي، ويحتمل أن يراد به الذكر نفسه، ويحتمل أن يراد به ما كان فيه الذكر، والسّوء لفظ عام في جميع المعاصي إلا أن الذي يختص هنا بحسب قصص الآية صيد الحوت، والّذين ظلموا هم العاصون، وقوله: بعذابٍ بئيسٍ معناه مؤلم موجع شديد، وقرأ نافع وأهل المدينة أبو جعفر وشيبة وغيرهما «بيس» بكسر الباء وسكون الياء وكسر السين وتنوينها، وهذا على أنه فعل سمي به كقوله -صلى الله عليه وسلم-: «أنهاكم عن قيل وقال». وقرأ الحسن بن أبي الحسن «بيس» كما تقول بئس الرجل وضعّفها أبو حاتم، قال أبو عمرو: وروي عن الحسن «بئس» بهمزة بين الباء والسين، وقرأ نافع فيما يروي عنه خارجة «بيس» بفتح الباء وسكون الياء وكسر السين منونة، وروى مالك بن دينار عن نصر بن عاصم «بيس» بفتح الباء والياء منونة على مثل جمل وجيل، وقرأ أبو عبد الرحمن المقري «بئس» بفتح الباء وهمزة مكسورة وسين منونة على وزن فعل، ومنه قول عبد الله بن قيس الرقيات:
[المديد]
ليتني ألقى رقية في ....... خلوة من غير ما بئس
قال أبو عمرو الداني هي قراءة نصر بن عاصم وطلحة بن مصرف، وروي عن نصر «بيس» بباء مكسورة من غيرهم، قال الزهراوي وروي عن الأعمش «بئّس» الباء مفتوحة والهمزة مكسورة مشددة والسين مكسورة منونة، وقرأ فرقة «بئس» كالتي قبل إلا فتح السين، ذكرها أبو عمرو الداني عما حكى يعقوب، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي ونافع في رواية أبي قرة عنه وعاصم في رواية حفص عنه «بئيس» بياء بعد الهمزة المكسورة والسين المنونة على وزن فعيل، وهذا وصف بالمصدر كقولهم عذير الحي والنذير والنكير، ونحو ذلك، وهي قراءة الأعرج ومجاهد وأهل الحجاز وأبي عبد الرحمن ونصر بن عاصم والأعمش وهي التي رجح أبو حاتم، ومنه قول ذي الأصبع العدواني: [مجزوء الكامل]
حنقا عليّ ولا أرى ....... لي منهما نشرا بئيسا
وقرى أهل مكة «بئيس» كالأول إلا كسر الباء على وزن فعيل قال أبو حاتم: هما لغتان، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر عنه «بيئس» بفتح الباء وسكون الياء وفتح الهمزة على وزن فيعل ومعناه شديد، ومنه قول امرئ القيس بن عابس الكندي: [الرجز]
كلاهما كان رييسا بيئسا ....... يضرب في يوم الهياج القونسا
فهي صفة كضيغم وحيدر، وهي قراءة الأعمش، وقرأ عيسى بن عمر والأعمش بخلاف عنه «بيئس» كالتي قبل إلا كسر الهمزة على وزن فيعل، وهذا شاذ لأنه لا يوجد فيعل في الصحيح وإنما يوجد في المعتل مثل سيد وميت، وقال الزهراوي: روى نصر عن عاصم «بيس» على مثال ميت وهذا على أنه من البوس لا أصل له في الهمز، قال أبو حاتم زعم عصمة أن الحسن والأعمش قرءا «بئيس» الباء مكسورة والهمزة ساكنة والياء مفتوحة على مثال خديم، وضعفها أبو حاتم، وقرأ ابن عامر من السبعة «بئس» بكسر الباء وسكون الهمزة وتنوين السين المكسورة وقرأت فرقة «بأس» بفتح الباء وسكون الألف، وقرأ أبو رجاء «بائس» على وزن فاعل، وقرأ فرقة «بيس» بفتح الباء والياء والسين على وزن فعل، وقرأ مالك بن دينار «بأس» بفتح الباء والسين وسكون الهمزة على وزن فعل غير مصروف، وقرأ فرقة «بأس» مصروفا، وحكى أبو حاتم «بيس» قال أبو الفتح هي قراءة نصر بن عاصم، وحكى الزهراوي عن ابن كثير وأهل مكة «بيس» بكسر الباء ويهمز همزا خفيفا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولم يبين هل الهمزة مكسورة أو ساكنة،
وقوله: {بما كانوا يفسقون}؛ أي لأجل ذلك وعقوبة عليه). [المحرر الوجيز: 4/ 72-75]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و«العتو» الاستعصاء وقلة الطواعية، وقوله: قلنا لهم يحتمل أن يكون قولا بلفظ من ملك أسمعهم ذلك فكان أذهب في الإغراب والهوان والإصغار، ويحتمل أن يكون عبارة عن المقدرة المكونة لهم قردة، وخاسئين مبعدين كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن صياد «اخسأ»، وكما يقال للكلب اخسأ، ف خاسئين خبر بعد خبر، هذا اختيار أبي الفتح، وضعف الصفة، وكذلك هو، لأن القصد ليس التشبيه بقردة مبعدات.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويجوز أن يكون خاسئين حالا من الضمير في كونوا، والصفة أيضا متوجهة مع ضعفها، وروي أن الشباب منهم مسخوا قردة والرجال الكبار مسخوا خنازير، وروي أن مسخهم كان بعد المعصية في صيد الحوت بعامين وقال ابن الكلبي إن إهلاكهم كان في زمن داود، وروي أن الناهين قسموا المدينة بينهم وبين العاصين بجدار، فلما أصبحوا ليلة أهلك العاصون لم يفتح مدينة العاصين حتى ارتفع النهار فاستراب الناهون لذلك فطلع أحد الناس على السور فرآهم ممسوخين قردة تتوا؟ ب، فصاح، فدخلوا عليهم يعرف الرجل قرابته ويعرف القرد أيضا كذلك قرابته، وينضمون إلى قرابتهم فيتحسرون، قال الزجاج: وقال قوم: يجوز أن تكون هذه القردة من نسلهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وتعلق هؤلاء بقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن أمة من الأمم فقدت وما أراها إلا الفأر إذا قرب لها لبن لم تشرب، وبقوله: -صلى الله عليه وسلم- في الضب، وقصص هذا الأمر أكثر من هذا لكن اختصرته واقتصرت على عيونه). [المحرر الوجيز: 4/ 75-76]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وإذ تأذّن ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إنّ ربّك لسريع العقاب وإنّه لغفورٌ رحيمٌ (167) وقطّعناهم في الأرض أمماً منهم الصّالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسّيّئات لعلّهم يرجعون (168)}
بنية تأذن هي التي تقتضي التكسب من أذن أي علم ومكن وآذن أي أعلم مثل كرم وأكرم وتكرم إلا أن تعلم وما جرى مجرى هذا الفعل إذا كان مسندا إلى اسم الله عز وجل لم يلحقه معنى التكسب الذي يلحق المحدثين، فإنما يترتب بمعنى علم صفة لا بتكسب بل هي قائمة بالذات وإلى هذا المعنى ينحو الشاعر بقوله:
تعلم أبيت اللعن
لأنه لم يأمره بالتعلم الذي يقتضي جهالة وإنما أراد أن يوقفه على قوة علمه، ومنه قول زهير:
تعلم إن شر الناس حي ....... ينادي في شعارهم يسار
فمعنى هذه الآية وإذ علم الله ليبعثن عليهم، ويقتضي قوة الكلام أن ذلك العلم منه مقترن بإنفاذ وإمضاء، كما تقول في أمر قد عزمت عليه غاية العزم علم الله لأفعلن كذا، نحا إليه أبو علي الفارسي، وقال الطبري وغيره تأذّن معناه أعلم وهو قلق من جهة التصريف إذ نسبة تأذّن إلى الفاعل غير نسبة أعلم، وتبين ذلك من التعدي وغيره، وقال مجاهد: تأذّن معناه قال، وروي عنه أن معناه أمر، وقالت فرقة: معنى تأذّن تألى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقادهم إلى هذا القول دخول اللام في الجواب، وأما اللفظة فبعيدة عن هذا، والضمير في عليهم لمن بقي من بني إسرائيل لا للضمير في «لهم». وقوله: من يسومهم قال سعيد بن جبير هي إشارة إلى العذاب، وقال ابن عباس هي إلى محمد صلى الله عليه وسلم وأمته.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والصحيح أنها عامة في كل من حال اليهود معه هذه الحال، ويسومهم معناه يكلفهم ويحملهم، وسوء العذاب الظاهر منه الجزية والإذلال، وقد حتم الله عليهم هذا وحط ملكهم فليس في الأرض راية ليهودي، وقال ابن المسيب فيستحب أن تتعب اليهود في الجزية، ولقد حدثت أن طائفة من الروم أملقت في صقعها فباعت اليهود المجاورة لهم الساكنة معهم وتملكوهم، ثم حسن في آخر هذه الآية لتضمنها الإيقاع بهم والوعيد أن ينبه على سرعة عقاب الله ويخوف بذلك تخويفا عاما لجميع الناس ثم رجى ذلك لطفا منه تبارك وتعالى). [المحرر الوجيز: 4/ 76-77]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:06 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 16 شعبان 1435هـ/14-06-2014م, 09:06 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السّبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون (163)}
هذا السّياق هو بسطٌ لقوله تعالى: {ولقد علمتم الّذين اعتدوا منكم في السّبت فقلنا لهم كونوا قردةً خاسئين} [البقرة: 65] يقول [اللّه] تعالى، لنبيّه صلوات اللّه وسلامه عليه: {واسألهم} أي: واسأل هؤلاء اليهود الّذين بحضرتك عن قصّة أصحابهم الّذين خالفوا أمر اللّه، ففاجأتهم نقمته على صنيعهم واعتدائهم واحتيالهم في المخالفة، وحذّر هؤلاء من كتمان صفتك الّتي يجدونها في كتبهم؛ لئلّا يحلّ بهم ما حلّ بإخوانهم وسلفهم. وهذه القرية هي "أيلة" وهي على شاطئ بحر القلزم.
قال محمّد بن إسحاق: عن داود بن الحصين، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ في قوله: {واسألهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر}؛ قال: هي قريةٌ يقال لها "أيلة" بين مدين والطّور. وكذا قال عكرمة، ومجاهدٌ، وقتادة، والسّدّي.
وقال عبد اللّه بن كثيرٍ القارئ، سمعنا أنّها أيلة. وقيل: هي مدين، وهو روايةٌ عن ابن عبّاسٍ وقال ابن زيدٍ: هي قريةٌ يقال لها. "مقنا" بين مدين وعيدوني.
وقوله: {إذ يعدون في السّبت}؛ أي: يعتدون فيه ويخالفون أمر اللّه فيه لهم بالوصاة به إذ ذاك. {إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا}؛ قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: أي ظاهرةً على الماء.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {شرّعًا}؛ من كلّ مكانٍ.
قال ابن جريرٍ: وقوله: {ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم}؛ أي: نختبرهم بإظهار السّمك لهم على ظهر الماء في اليوم المحرّم عليهم صيده، وإخفائه عنهم في اليوم المحلّل لهم صيده {كذلك نبلوهم} نختبرهم {بما كانوا يفسقون}؛ يقول: بفسقهم عن طاعة اللّه وخروجهم عنها.
وهؤلاء قومٌ احتالوا على انتهاك محارم اللّه، بما تعاطوا من الأسباب الظّاهرة الّتي معناها في الباطن تعاطي الحرام.
وقد قال الفقيه الإمام أبو عبد اللّه بن بطّة، رحمه اللّه: حدّثنا أحمد بن محمّد بن مسلمٍ، حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح الزّعفرانيّ، حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة؛ أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال:
«لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود، فتستحلّوا محارم اللّه بأدنى الحيل»
وهذا إسنادٌ جيّدٌ، فإنّ أحمد بن محمّد بن مسلمٍ هذا ذكره الخطيب في تاريخه ووثّقه، وباقي رجاله مشهورون ثقاتٌ، ويصحّح التّرمذيّ بمثل هذا الإسناد كثيرًا). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 493]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ قالت أمّةٌ منهم لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون (164) فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ بما كانوا يفسقون (165) فلمّا عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردةً خاسئين (166)}
يخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنّهم صاروا إلى ثلاث فرقٍ: فرقةٌ ارتكبت المحذور، واحتالوا على اصطياد السّمك يوم السّبت، كما تقدّم بيانه في سورة البقرة. وفرقةٌ نهت عن ذلك، [وأنكرت] واعتزلتهم. وفرقةٌ سكتت فلم تفعل ولم تنه، ولكنّها قالت للمنكرة: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا}؟ أي: لم تنهون هؤلاء، وقد علمتم أنّهم هلكوا واستحقّوا العقوبة من اللّه؟ فلا فائدة في نهيكم إيّاهم. قالت لهم المنكرة: {معذرةً إلى ربّكم} قرأ بعضهم بالرّفع، كأنّه على تقديره: هذا معذرةٌ وقرأ آخرون بالنّصب، أي: نفعل ذلك {معذرةً إلى ربّكم} أي: فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر {ولعلّهم يتّقون} يقولون: ولعلّ بهذا الإنكار يتّقون ما هم فيه ويتركونه، ويرجعون إلى اللّه تائبين، فإذا تابوا تاب اللّه عليهم ورحمهم.
قال تعالى: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به} أي: فلمّا أبى الفاعلون المنكر قبول النّصيحة، {أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا} أي: ارتكبوا المعصية {بعذابٍ بئيسٍ}؛ فنصّ على نجاة النّاهين وهلاك الظّالمين، وسكت عن السّاكتين؛ لأنّ الجزاء من جنس العمل، فهم لا يستحقّون مدحًا فيمدحوا، ولا ارتكبوا عظيمًا فيذمّوا، ومع هذا فقد اختلف الأئمّة فيهم: هل كانوا من الهالكين أو من النّاجين؟ على قولين:
قال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وإذ قالت أمّةٌ منهم لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا} قال: هي قريةٌ على شاطئ البحر بين مصر والمدينة، يقال لها: "أيلة"، فحرّم اللّه عليهم الحيتان يوم سبتهم، وكانت الحيتان تأتيهم يوم سبتهم شرّعًا في ساحل البحر، فإذا مضى يوم السّبت لم يقدروا عليها. فمضى على ذلك ما شاء اللّه، ثمّ إن طائفةً منهم أخذوا الحيتان يوم سبتهم، فنهتهم طائفةٌ وقالوا: تأخذونها وقد حرّمها اللّه عليكم يوم سبتكم؟ فلم يزدادوا إلّا غيًّا وعتوًّا، وجعلت طائفةٌ أخرى تنهاهم، فلمّا طال ذلك عليهم قالت طائفةٌ من النّهاة: تعلمون أنّ هؤلاء قومٌ قد حقّ عليهم العذاب، {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا} وكانوا أشدّ غضبًا للّه من الطّائفة الأخرى؟ فقالوا: {معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون} وكلٌّ قد كانوا ينهون، فلمّا وقع عليهم غضب اللّه نجت الطّائفتان اللّتان قالوا: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم} والّذين قالوا: {معذرةً إلى ربّكم} وأهلك اللّه أهل معصيته الّذين أخذوا الحيتان، فجعلهم قردةً.
وروى العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ قريبًا من هذا.
وقال حمّاد بن زيدٍ، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا} قال: ما أدري أنجا الّذين قالوا: "أتعظون قومًا اللّه مهلكهم"، أم لا؟ قال: فلم أزل به حتّى عرّفته أنّهم نجوا، فكساني حلّةً.
قال عبد الرّزّاق: أخبرنا ابن جريج، حدّثني رجلٌ، عن عكرمة قال: جئت ابن عبّاسٍ يومًا وهو يبكي، وإذا المصحف في حجره، فأعظمت أن أدنو، ثمّ لم أزل على ذلك حتّى تقدّمت فجلست، فقلت: ما يبكيك يا أبا عبّاسٍ، جعلني اللّه فداك؟ قال: فقال: هؤلاء الورقات. قال: وإذا هو في "سورة الأعراف"، قال: تعرف أيلة قلت: نعم. قال: فإنّه كان بها حيٌّ من يهود سيقت الحيتان إليهم يوم السّبت، ثمّ غاصت لا يقدرون عليها حتّى يغوصوا بعد كدٍّ ومؤنةٍ شديدةٍ، كانت تأتيهم يوم السّبت شرّعًا بيضًا سمانًا كأنّها الماخض، تتبطّح ظهورها لبطونها بأفنيتهم. فكانوا كذلك برهةً من الدّهر، ثمّ إن الشّيطان أوحى إليهم فقال: إنّما نهيتم عن أكلها يوم السّبت، فخذوها فيه، وكلوها في غيره من الأيّام. فقالت ذلك طائفةٌ منهم، وقالت طائفةٌ: بل نهيتم عن أكلها وأخذها وصيدها يوم السّبت. فكانوا كذلك، حتّى جاءت الجمعة المقبلة، فغدت طائفةٌ بأنفسها وأبنائها ونسائها، واعتزلت طائفةٌ ذات اليمين، وتنحّت واعتزلت طائفةٌ ذات اليسار وسكتت. وقال الأيمنون: ويلكم، اللّه، اللّه ننهاكم أن تتعرّضوا لعقوبة اللّه. وقال الأيسرون: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا}؟ قال الأيمنون: {معذرةً إلى ربّكم ولعلّهم يتّقون} إن ينتهوا فهو أحبّ إلينا ألّا يصابوا ولا يهلكوا، وإن لم ينتهوا فمعذرةً إلى ربّكم. فمضوا على الخطيئة، وقال الأيمنون: فقد فعلتم، يا أعداء اللّه. واللّه لا نبايتكم اللّيلة في مدينتكم، واللّه ما نراكم تصبحون حتّى يصبّحكم اللّه بخسفٍ أو قذفٍ أو بعض ما عنده من العذاب. فلمّا أصبحوا ضربوا عليهم الباب ونادوا، فلم يجابوا، فوضعوا سلّمًا، وأعلوا سور المدينة رجلًا فالتفت إليهم فقال: أي عباد اللّه، قردةٌ واللّه تعاوي لها أذنابٌ. قال: ففتحوا فدخلوا عليهم، فعرفت القرود أنسابها من الإنس، ولا تعرف الإنس أنسابها من القردة، فجعلت القرود يأتيها نسيبها من الإنس فتشمّ ثيابه وتبكي، فتقول: ألم ننهكم عن كذا؟ فتقول برأسها، أي نعم. ثمّ قرأ ابن عبّاسٍ: {فلمّا نسوا ما ذكّروا به أنجينا الّذين ينهون عن السّوء وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ} قال: فأرى الّذين نهوا قد نجوا، ولا أرى الآخرين ذكروا، ونحن نرى أشياء ننكرها ولا نقول فيها؟. قال: قلت: جعلني اللّه فداك، ألا ترى أنّهم قد كرهوا ما هم عليه، وخالفوهم وقالوا: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم}؟ قال: فأمر لي فكسيت ثوبين غليظين
وكذا روى مجاهدٌ، عنه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا يونس، أخبرنا أشهب بن عبد العزيز، عن مالك، قال: زعم ابن رومان أنّ قوله تعالى: {تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرّعًا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم}؛ قال: كانت تأتيهم يوم السّبت، فإذا كان المساء ذهبت، فلا يرى منها شيءٌ إلى يوم السّبت الآخر، فاتّخذ -لذلك -رجلٌ خيطًا ووتدًا، فربط حوتًا منها في الماء يوم السّبت، حتّى إذا أمسوا ليلة الأحد، أخذه فاشتواه، فوجد النّاس ريحه، فأتوه فسألوه عن ذلك، فجحدهم، فلم يزالوا به حتّى قال لهم: "فإنّه جلد حوتٍ وجدناه". فلمّا كان السّبت الآخر فعل مثل ذلك -ولا أدري لعلّه قال: ربط حوتين -فلمّا أمسى من ليلة الأحد أخذه فاشتواه، فوجدوا رائحةً، فجاءوا فسألوه فقال لهم: لو شئتم صنعتم كما أصنع. فقالوا له: وما صنعت؟ فأخبرهم، ففعلوا مثل ما فعل، حتّى كثر ذلك. وكانت لهم مدينةٌ لها ربضٌ يغلقونها عليهم، فأصابهم من المسخ ما أصابهم. فغدوا عليهم جيرانهم ممّا كانوا حولهم، يطلبون منهم ما يطلب النّاس، فوجدوا المدينة مغلقةً عليهم، فنادوا فلم يجيبوهم، فتسوّروا عليهم، فإذا هم قردةٌ، فجعل القرد يدنو يتمسّح بمن كان يعرف قبل ذلك، ويدنو منه ويتمسّح به
وقد قدّمنا في سورة "البقرة" من الآثار في خبر هذه القرية ما فيه مقنعٌ وكفايةٌ، وللّه الحمد والمنّة.
القول الثّاني: أنّ السّاكتين كانوا من الهالكين.
قال محمّد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّه قال: ابتدعوا السّبت فابتلوا فيه، فحرمت عليهم فيه الحيتان، فكانوا إذا كان يوم السّبت، شرعت لهم الحيتان ينظرون إليها في البحر. فإذا انقضى السّبت، ذهبت فلم تر حتّى السّبت المقبل، فإذا جاء السّبت جاءت شرّعًا، فمكثوا ما شاء اللّه أن يمكثوا كذلك، ثمّ إنّ رجلًا منهم أخذ حوتًا فخزم أنفه ثمّ، ضرب له وتدًا في السّاحل، وربطه وتركه في الماء. فلمّا كان الغد، أخذه فشواه فأكله، ففعل ذلك وهم ينظرون ولا ينكرون، ولا ينهاه منهم أحدٌ، إلّا عصبةٌ منهم نهوه، حتّى ظهر ذلك في الأسواق، ففعل علانيةً. قال: فقالت طائفةٌ للّذين ينهونهم: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرةً إلى ربّكم} فقالوا: سخط أعمالهم {ولعلّهم يتّقون * فلمّا نسوا ما ذكّروا به} إلى قوله: {قردةً خاسئين} قال ابن عبّاسٍ: كانوا أثلاثًا: ثلثٌ نهوا، وثلثٌ قالوا: {لم تعظون قومًا اللّه مهلكهم} وثلثٌ أصحاب الخطيئة، فما نجا إلّا الّذين نهوا وهلك سائرهم.
وهذا إسنادٌ جيّدٌ عن ابن عبّاسٍ، ولكن رجوعه إلى قول عكرمة في نجاة السّاكتين، أولى من القول بهذا؛ لأنّه تبيّن حالهم بعد ذلك، واللّه أعلم.
وقوله تعالى: {وأخذنا الّذين ظلموا بعذابٍ بئيسٍ}؛ فيه دلالةٌ بالمفهوم على أنّ الّذين بقوا نجوا.
و {بئيسٍ}؛ فيه قراءاتٌ كثيرةٌ، ومعناه في قول مجاهدٍ: "الشّديد"، وفي روايةٍ: "أليمٍ". وقال قتادة: موجعٌ. والكلّ متقاربٌ، واللّه أعلم.
وقوله: {خاسئين}؛ أي: ذليلين حقيرين مهانين). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 494-497]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (167) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ تأذّن ربّك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إنّ ربّك لسريع العقاب وإنّه لغفورٌ رحيمٌ (167)}
{تأذّن}؛ تفعّل من الإذن أي: أعلم، قاله مجاهدٌ. وقال غيره: أمر.
وفي قوّة الكلام ما يفيد معنى القسم من هذه اللّفظة، ولهذا تلقّيت باللّام في قوله: {ليبعثنّ عليهم} أي: على اليهود {إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب}؛ أي: بسبب عصيانهم ومخالفتهم أوامر اللّه وشرعه واحتيالهم على المحارم.
ويقال: إنّ موسى، عليه السّلام، ضرب عليهم الخراج سبع سنين -وقيل: ثلاث عشرة سنةً، وكان أوّل من ضرب الخراج. ثمّ كانوا في قهر الملوك من اليونانيّين والكشدانيّين والكلدانيّين، ثمّ صاروا في قهر النّصارى وإذلالهم وإيّاهم، أخذهم منهم الجزية والخراج، ثمّ جاء الإسلام، ومحمّدٌ، عليه أفضل الصّلاة والسّلام، فكانوا تحت صفاره وذمّته يؤدّون الخراج والجزى
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في تفسير هذه الآية قال: هي المسكنة، وأخذ الجزية منهم.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عنه: هي الجزية، والّذين يسومهم سوء العذاب: محمّدٍ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- وأمّته، إلى يوم القيامة.
وكذا قال سعيد بن جبيرٍ، وابن جريج، والسّدّي، وقتادة.
وقال عبد الرّزّاق: عن معمر، عن عبد الكريم الجزريّ، عن سعيد بن المسيّب قال: يستحبّ أن تبعث الأنباط في الجزية.
قلت: ثمّ آخر أمرهم أنّهم يخرجون أنصار الدّجّال، فيقتلهم المسلمون مع عيسى ابن مريم، عليه السّلام، وذلك آخر الزّمان.
وقوله: {إنّ ربّك لسريع العقاب}؛ أي: لمن عصاه وخالف أمره وشرعه، {وإنّه لغفورٌ رحيمٌ} أي: لمن تاب إليه وأناب.
وهذا من باب قرن الرّحمة مع العقوبة، لئلّا يحصل اليأس، فيقرن اللّه تعالى بين التّرغيب والتّرهيب كثيرًا؛ لتبقى النّفوس بين الرجاء والخوف). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 497]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:59 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة