تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا الّذي له ملك السّموات والأرض، لا إله إلّا هو يحيي ويميت فآمنوا باللّه ورسوله، النّبيّ الأمّيّ الّذي يؤمن باللّه وكلماته، واتّبعوه لعلّكم تهتدون}
- حدّثنا عبد اللّه، حدّثنا سليمان بن عبد الرّحمن، وموسى بن هارون، قالا: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثنا عبد اللّه بن العلاء بن زبرٍ، قال: حدّثني بسر بن عبيد اللّه، قال: حدّثني أبو إدريس الخولانيّ، قال: سمعت أبا الدّرداء، يقول: كانت بين أبي بكرٍ وعمر محاورةٌ، فأغضب أبو بكرٍ عمر فانصرف عنه عمر مغضبًا، فاتّبعه أبو بكرٍ يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل حتّى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكرٍ إلى رسول اللّه -صلّى الله عليه وسلّم-، فقال أبو الدّرداء ونحن عنده: فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «أمّا صاحبكم هذا فقد غامر» قال: وندم عمر على ما كان منه، فأقبل حتّى سلّم وجلس إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقصّ على رسول اللّه -صلّى الله عليه وسلّم- الخبر، قال أبو الدّرداء: وغضب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، وجعل أبو بكرٍ يقول: واللّه يا رسول اللّه لأنا كنت أظلم، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «هل أنتم تاركون لي صاحبي، هل أنتم تاركون لي صاحبي، إنّي قلت: يا أيّها النّاس، إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكرٍ: صدقت» " قال أبو عبد اللّه: " غامر: سبق بالخير "). [صحيح البخاري: 6/ 59-60]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب: {قل يا أيها الناس إنّي رسول الله إليكم جميعًا}
ذكر فيه حديث أبي الدّرداء فيما كان بين أبي بكرٍ وعمر وقد تقدّم شرحه مستوفًى في مناقب أبي بكرٍ وقوله في أوّل الإسناد حدّثني عبد اللّه كذا وقع غير منسوب عند الأكثر ووقع عند بن السّكن عن الفربريّ عن البخاريّ حدّثني عبد اللّه بن حمّادٍ وبذلك جزم الكلاباذيّ وطائفةٌ وعبد اللّه بن حمّادٍ هذا هو الآمليّ بالمدّ وضمّ الميم الخفيفة يكنّى أبا عبد الرّحمن قال الأصيليّ هو من تلامذة البخاريّ وكان يورّق بين يديه قلت وقد شاركه في كثير من شيوخه وكان من الحفّاظ مات قبل السّبعين أو بعدها فقال غنجار في تاريخ بخارى مات سنة تسعٍ وستّين وقيل سنة ثلاثٍ وسبعين وسليمان بن عبد الرّحمن هو الدّمشقيّ من شيوخ البخاريّ وأمّا موسى بن هارون فهو النّبّيّ بضمّ الموحّدة وتشديد النّون والبرديّ وهو بضمّ الموحّدة وسكون الرّاء كوفيٌّ قدم مصر ثمّ سكن الفيّوم ومات بها سنة أربعٍ وعشرين ومائتين وما له في البخاريّ سوى هذا الموضع قوله قال أبو عبد اللّه غامرٌ سبق بالخير تقدّم شرحه أيضا في مناقب أبي بكر). [فتح الباري: 8/ 303-304]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (3 - (بابٌ: {قل يا أيّها النّاس إنّي رسول الله إليكم جميعاً الّذي له له ملك السّماوات والأرض لا إله إلاّ هو يحيي ويميت فآمنوا باللّه ورسوله النبيّ الأمّيّ الّذي يؤمن باللّه وكلماته واتّبعوه لعلّكم تهتدون}
أي: هذا باب في قول الله عز وجل: {قل يا أيها النّاس} قوله: (الآية)؛ أي الآية بتمامها، وهو قوله: {لا إله إلاّ هو يحيي ويميت فآمنوا باللّه ورسوله النّبي الأمّي الّذي يؤمن باللّه وكلماته واتبعوه لعلّكم تهتدون} وفي بعض النّسخ جميع هذه مذكور. قوله: {قل يا أيها النّاس} ، يقول الله لنبيه ورسوله محمّد -صلى الله عليه وسلم-: قل يا محمّد: يا أيها النّاس وهذا خطاب للأحمر والأسود والعربي والعجمي: (إنّي رسول الله إليكم جميعًا) أي: جميعكم. قوله: {الّذي له ملك السّموات والأرض} ، صفة الله في قوله: {إنّي رسول الله} أي الّذي أرسلني هو خالق كل شيء وربه ومليكه الّذي بيده الملك والإحياء والإماتة. قوله: (فآمنوا باللّه) لما أخبرهم بأنّه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرهم بالإيمان به وباتباع رسوله النّبي الأمّي الّذي وعدتم به وبشرتم به في الكتب القديمة فإنّه منعوت بذلك في كتبهم. قوله: {واتبعوه} أي: اسلكوا طريقه واقتفوا أثره {لعلّكم تهتدون} إلى الصّراط المستقيم.
- حدّثنا عبد الله حدثنا سليمان بن عبد الرحمان وموساى بن هارون قالا حدثنا الوليد بن مسلمٍ حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبرٍ قال حدّثني بسر بن عبيد الله قال حدّثني أبو إدريس الخولانيّ قال سمعت أبا الدّرداء يقول كانت بين أبي بكرٍ وعمر محاورةٌ فأغضب أبو بكرٍ عمر فانصرف عنه عمر مغضباً فاتّبعه أبو بكرٍ يسأله أن يستغفر له فلم يفعل حتّى أغلق بابه في وجهه فأقبل أبو بكرٍ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال أبو الدّرداء: ونحن عنده فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أمّا صاحبكم هاذا فقد غامر»،قال: وندم عمر على ما كان منه فأقبل حتّى سلّم وجلس إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وقصّ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخبر قال أبو الدّرداء وغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجعل أبو بكرٍ يقول والله يا رسول الله لانا كنت أظلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل أنتم تاركو لي صاحبي هل أنتم تاركو لي صاحبي إنّي قلت يا أيّها النّاس إنّي رسول الله إليكم جميعاً فقلتم كذبت وقال أبو بكرٍ صدقت».
مطابقته للتّرجمة في قوله: {يا أيها النّاس إنّي رسول الله إليكم جميعًا} وعبد الله وقع كذا غير منسوب في رواية الأكثرين، ووقع عند ابن السكن عن الفربري عن البخاريّ: حدثني عبد الله بن حمّاد، وبذلك جزم الكلاباذي وطائفة وهو عبد الله بن حمّاد بن الطّفيل أبو عبد الرّحمن الآملي، بالمدّ وضم الميم الخفيفة، آمل جيحون.
قال الأصيليّ: هو من تلامذة البخاريّ، وكان يورق بين يديه، وقيل: شارك البخاريّ في كثير من شيوخه وكان من الحفاظ، قال المنذريّ: ذكر ابن يونس أنه مات يوم الأربعاء لتسع خلون من المحرم سنة ثلاث وعشرين ومائتين، وقيل: مات بآمل حين خرج من سمرقند، وسليمان بن عبد الرّحمن ابن إبنة شرحبيل بن أيّوب الدّمشقي، روى عنه البخاريّ في مواضع، مات سنة ثلاثين ومائتين، وموسى بن هارون البني، بضم الباء الموحدة وتشديد النّون، من أفراد البخاريّ، والوليد بن مسلم الدّمشقي أبو العبّاس، مات سنة خمس وتسعين ومائة، وعبد الله بن العلاء بن زبر، بفتح الزّاي وسكون الباء الموحدة وبالراء الربعي بفتح الباء الموحدة وبالعين المهملة وبسر، بضم الباء الموحدة وسكون السّين المهملة وبالراء: ابن عبيد الله الحضرميّ الشّامي، وأبو إدريس عائذ الله إسم فاعل من العوذ، بالعين المهملة والذال المعجمة: الخولانيّ، بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو وبالنون. وأبو الدّرداء عويمر الأنصاريّ، وهؤلاء الخمسة كلهم شاميّون.
والحديث مضى في: باب مناقب أبي بكر -رضي الله عنه-، فإنّه أخرجه هناك عن هشام بن عمار عن صدقة بن خالد عن زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله إلى آخره، ومضى الكلام فيه هناك.
قوله: {غامر} بالغين المعجمة من باب المفاعلة، أي: سبق بالخير أو وقع في أمر أو زاحم وخاصم والمغامر الّذي يرمي نفسه في الأمور المهلكة، وقيل: هو من الغمر بالكسر، وهو الحقد الّذي حاقد غيره. قوله: {تاركو لي صاحبي} بحذف النّون من: تاركون لأنّه مضاف إلى قوله: صاحبي، لكن وقع الجار والمجرور أعني قوله: (لي) فاصلاً بين المضاف. والمضاف إليه وذلك جائز وقد وقع في كلام العرب كثيرا ويروى تاركون بالنّون على الأصل.
قال أبو عبد الله: {غامر}؛ سبق بالخير
هذا ليس بموجود في بعض النّسخ. وأبو عبد الله هو البخاريّ نفسه، فسر قوله: {غامر} بقوله: سبق بالخير، وقد ذكرناه الآن). [عمدة القاري: 18/ 240-241]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (3 - باب {قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا الّذي له ملك السّموات والأرض لا إله إلاّ هو يحيى ويميت فآمنوا باللّه ورسوله النّبيّ الأمّيّ الّذي يؤمن باللّه وكلماته واتّبعوه لعلّكم تهتدون}
(باب) بالتنوين وهو ثابت لأبي ذر {قل يا أيها الناس} شامل للعرب وغيرهم كأهل الكتاب {إني رسول الله إليكم جميعًا} حال من المجرور بلى وفيه ردّ على العيسوية من اليهود أتباع عيسى الأصبهاني الزاعمين تخصيص إرساله عليه السلام بالعرب، وقيل المراد بالناس العقلاء ومن تبلغه الدعوة {الذي له ملك السماوات والأرض} نصب بأعني أو جر نعت للجلالة وإن حيل بين النعت والمنعوت بما هو متعلق المضاف إليه ومناسبة ذكر السماوات والأرض هنا الإشعار بأن له تخصيص من شاء بما شاء من تخصيص الرسالة وتعميمها {لا إله إلا هو} جملة لا محل لها من الإعراب أو بدل من الصلة التي هي له ملك السماوات والأرض ولقائل أن يقول الأولى الاستئناف ويكون كالجواب لمن سأل لماذا اختص بذلك فأجيب بأنه المتوحد بالألوهية وقوله: {يحيي ويميت} يجري مجرى الدليل على ذلك {فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي} الذي لا يخط كتابًا بيده ولا يقرؤه وقد ولد في قوم أميين ونشأ بين أظهرهم في بلد ليس به عالم يعرف أخبار الماضين ولم يخرج في سفر ضاربًا إلى عالم فيعكف عليه فجاءهم بأخبار التوراة والإنجيل والأمم الماضية إلى غير ذلك من العلوم التي تعجز عن بلوغها القوى البشرية مما لا يرتاب أنه أمر إلهي ووحي سماوي {الذي يؤمن بالله وكلماته} المنزلة عليه وعلى سائر الرسل من كتب ووحي وقراءة وكلمته بالإفراد يراد بها الجن أو القرآن أو عيسى.
وفي حديث عبادة بن الصامت عند البخاري مرفوعًا "من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته" الحديث. قال في الأنوار: أريد بالكلمة في الآية عيسى تعريضًا باليهود وتنبيهًا على أن من لم يؤمن به لم يعتبر إيمانه وقال غيره لعله أراد كلمة كن، وخصّ بها عيسى لأنه لم يوجد بغيرها لأن كان غيره كذلك لكنه ينسب إلى نطفة الأب في الجملة {واتبعوه} اسلكوا طريقه واقتفوا أثره {لعلكم تهتدون} إلى الصراط المستقيم وسقط لغير أبي ذر لفظ باب وله من قوله: {لا إله الا هو} إلى آخرها. وقال بعد قوله: {والأرض} الآية. وثبت ذلك للباقين.
- حدّثنا عبد اللّه، حدّثنا سليمان بن عبد الرّحمن، وموسى بن هارون، قالا: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثنا عبد اللّه بن العلاء بن زبرٍ قال: حدّثني بسر بن عبيد اللّه، قال: حدّثني أبو إدريس الخولانيّ قال: سمعت أبا الدّرداء يقول: كانت بين أبي بكرٍ، وعمر محاورةٌ فأغضب أبو بكرٍ عمر فانصرف عنه عمر مغضبًا فاتّبعه أبو بكرٍ يسأله أن يستغفر له فلم يفعل حتّى أغلق بابه في وجهه فأقبل أبو بكرٍ إلى رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: أبو الدّرداء ونحن عنده فقال
رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «أمّا صاحبكم هذا فقد غامر» قال وندم عمر على ما كان منه فأقبل حتّى سلّم وجلس إلى النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- وقصّ على رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- الخبر قال أبو الدّرداء: وغضب رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- وجعل أبو بكرٍ يقول: واللّه يا رسول اللّه لأنا كنت أظلم فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «هل أنتم تاركو لي صاحبي هل أنتم تاركو لي صاحبي إنّي قلت يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا فقلتم: كذبت وقال أبو بكرٍ: صدقت» قال أبو عبد الله: غامر سبق بالخير.
وبه قال: حدّثنا ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد عبد الله غير منسوب عند الأكثرين وعند ابن السكن عن الفربري عن البخاري عبد الله بن حماد وبذلك جزم أبو نصر الكلاباذي وغيره وعبد الله هذا هو الآملي بمد الهمزة وضم الميم المخففة وهو من تلامذة البخاري وكان يورق بين يديه وكان حافظًا وشارك البخاري في كثير من شيوخه وروايته عنه هنا من رواية الأكابر عن الأصاغر قال: حدّثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي من شيوخ المؤلّف (وموسى بن هارون) البني بضم الموحدة وتشديد النون المكسورة والبردي بضم الموحدة وسكون الراء الكوفي قدم مصر وسكن الفيوم وليس له في البخاري غير هذا الحديث (قالا: حدّثنا الوليد بن مسلم) أبو العباس الدمشقي قال: (حدّثنا عبد الله بن العلاء) بفتح العين والمد (ابن زبر) بفتح الزاي وسكون الموحدة الربعي بفتح الراء والموحدة وبالعين المهملة (قال: حدّثني) بالإفراد (بسر بن عبيد الله) بضم الموحدة وسكون المهملة وعبيد الله بضم العين مصغرًا الحضرمي الشامي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو إدريس) عائذ الله (الخولاني) بالخاء المعجمة المفتوحة والنون (قال: سمعت أبا الدرداء) عويمرًا الأنصاري -رضي الله عنه- (يقول: كانت بين أبي بكر وعمر) -رضي الله عنهما- (محاورة) بالحاء والراء المهملتين (فأغضب أبو بكر عمر) -رضي الله عنهما- (فانصرف عنه عمر) حال كونه (مغضبًا فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه) غاية لسؤال أبي بكر عمر فأقبل أبو بكر إلى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال أبو الدرداء ونحن عنده عليه الصلاة والسلام فقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «أما صاحبكم هذا» يعني أبا بكر (فقد غامر) بالغين المعجمة وبعدها ألف فميم ثم راء أي خاصم وغاضب وحاقد. وفي مناقب أبي بكر أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته فقال النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-:«أما صاحبكم هذا فقد غامر فسلم». وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى عليّ فأقبلت إليك فقال: "يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثًا".
قال أبو الدرداء: وندم عمر على ما كان منه من عدم استغفاره لأن بكر -رضي الله عنهما- فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- وقص على رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- الخبر الذي وإن بينه وبين الصديق قال أبو الدرداء: وغضب رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-. وفي المناقب فجعل وجه رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- يتمعر أي يتغير من شدة الغضب وجعل أبو بكر يقول: وهو جاث على ركبتيه مشفقًا أن ينال عمر من النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- ما يكره (والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم) من عمر في ذلك، فقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «هل أنتم تاركو لي صاحبي هل أنتم تاركو لي صاحبي» مرتين وتاركو بغير نون مضافًا لصاحبي مع الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار والمجرور كقراءة ابن عامر: {زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم} ببناء زين للمفعول ورفع قتل ونصب أولادهم وجر شركائهم وهي قراءة متواترة وتضعيف أهل العربية لها للفصل إنما هو لاعتقادهم أن القراءات بحسب وجوه العربية وهو خطأ فالعربية تصحح بالقراءة لا القراءة بالعربية وقد أشبعت الكلام في مبحث ذلك في كتابي في القراءات الأربعة عشر، وتقديم الجار يفيد الاختصاص، وفي رواية أبي ذر تاركون لي بالنون على الأصل:«إني قلت: {يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعًا} فقلتم: كذبت. وقال أبو بكر: صدقت». وهذا كما مرّ قريبًا خطاب عام يردّ على العيسوية من اليهود المصدقين ببعثته إلى العرب لا إلى بني إسرائيل لأنا نقول إنهم أقرّوا بأنه رسول وإذا كان كذلك كان صادقًا في كل ما يدعيه وقد ثبت بالتواتر وبظاهر هذه الآية أنه كان يدعي عموم رسالته فوجب تصديقه وبطل قولهم إنه كان مبعوثًا للعرب لا لبني إسرائيل.
وهذا الحديث من أفراد المؤلّف.
قال أبو عبد الله: هو البخاري في تفسير (فأمر) أي (سبق بالخير) بالتحتية الساكنة كذا فسره والذي في الصحاح والنهاية أي خاصم أي دخل في غمرة الخصومة وهي معظمها، والمغامر الذي يرمي بنفسه في الأمور المهلكة، وقيل هو من الغمر بالكسر وهي الحقد أي حاقد غيره وقد مر نحوه، وهذا ثابت في رواية أبوي الوقت وذر ساقط لغيرهما. قال في المشارق: كذا فسره المستملي عن البخاري وهو يدل على أنه ساقط للحموي والكشميهني على ما لا يخفى). [إرشاد الساري: 7/ 129-131]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (4 ـ باب {قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون}
قوله: (ابن زبر): بفتح الزاي الموحدة). [حاشية السندي على البخاري: 3/ 52]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا الّذي له ملك السّموات والأرض لا إله إلاّ هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد للنّاس كلّهم: {إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا} لا إلى بعضكم دون بعضٍ، كما كان من قبلي من الرّسل، مرسلاً إلى بعض النّاس دون بعضٍ، فمن كان منهم أرسل كذلك، فإنّ رسالتي ليست إلى بعضكم دون بعضٍ ولكنّها إلى جميعكم.
وقوله: {الّذي} من نعت اسم {اللّه}.
وإنّما معنى الكلام: قل يا أيّها النّاس، إنّي رسول اللّه الّذي له ملك السّموات والأرض إليكم.
ويعني جلّ ثناؤه بقوله: {الّذي له ملك السّموات والأرض} الّذي له سلطان السّموات والأرض وما فيهما، وتدبير ذلك وتصريفه. {لا إله إلاّ هو} يقول: لا ينبغي أن تكون الألوهة والعبادة إلاّ له جلّ ثناؤه دون سائر الأشياء غيره من الأنداد والأوثان، إلاّ لمن له سلطان كلّ شيءٍ والقادر على إنشاء خلق كلّ ما شاء وإحيائه وإفنائه إذا شاء إماتته.
{فآمنوا باللّه ورسوله} يقول جلّ ثناؤه: قل لهم: فصدّقوا بآيات اللّه الّذي هذه صفته، وأقرّوا بوحدانيّته، وأنّه الّذي له الألوهة والعبادة، وصدّقوا برسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه مبعوثٌ إلى خلقه داعٍ إلى توحيده وطاعته.
القول في تأويل قوله تعالى: {النّبيّ الأمّيّ الّذي يؤمن باللّه وكلماته}.
وأمّا قوله: {النّبيّ الأمّيّ} فإنّه من نعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد بيّنت معنى النّبيّ فيما مضى بما أغنى عن إعادته.
ومعنى قوله: {الأمّيّ الّذي يؤمن باللّه} يقول: الّذي يصدّق باللّه وكلماته.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {وكلماته} فقال بعضهم: معناه: وآياته.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {الّذي يؤمن باللّه وكلماته}؛ يقول: آياته.
وقال آخرون: بل عنى بذلك عيسى ابن مريم عليه السّلام.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ، قوله: {الّذي يؤمن باللّه وكلماته} قال: عيسى ابن مريم.
- وحدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {الّذي يؤمن باللّه وكلماته} فهو عيسى ابن مريم.
والصّواب من القول في ذلك عندنا أنّ اللّه تعالى ذكره أمر عباده أن يصّدّقوا بنبوّة النّبيّ الأمّيّ الّذي يؤمن باللّه وكلماته. ولم يخصّص الخبر جلّ ثناؤه عن إيمانه من كلمات اللّه ببعض دون بعضٍ، بل أخبرهم عن جميع الكلمات، فالحقّ في ذلك أن يعمّ القول، فإنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- كان يؤمن بكلمات اللّه كلّها على ما جاء به ظاهر كتاب اللّه.
وأمّا قوله: {واتّبعوه لعلّكم تهتدون} فاهتدوا به أيّها النّاس، واعملوا بما أمركم أن تعملوا به من طاعة اللّه {لعلّكم تهتدون} يقول: لكي تهتدوا فترشدوا، وتصيبوا الحقّ في اتّباعكم إيّاه). [جامع البيان: 10/ 498-500]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعًا الّذي له ملك السّماوات والأرض لا إله إلّا هو يحيي ويميت فآمنوا باللّه ورسوله النّبيّ الأمّيّ الّذي يؤمن باللّه وكلماته واتّبعوه لعلّكم تهتدون (158)}
قوله تعالى: {قل يا أيّها النّاس إنّي رسول اللّه إليكم جميعاً}
- حدّثنا أبي، ثنا إسحاق بن موسى الخطميّ، ثنا يونس بن بكيرٍ، عن أبي إسحاق، عن حسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كتب رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- إلى يهودٍ من محمّدٍ رسول اللّه أخي موسى وصاحبه بعثه اللّه بما بعثه أنشدكم باللّه وبما أنزل موسى يوم طور سيناء، وفلق لكم البحر، وأنجاكم، وأهلك عدوّكم، وأطعمكم المنّ والسّلوى، وظلّل عليكم الغمام.
هل تجدون في كتابكم أنّي رسول اللّه إليكم كافّةً؟ فإن كان ذلك كذلك فاتّقوا اللّه وأسلموا، وإن لم يكن عندكم فلا تباعةً عليكم.
قوله تعالى: {الذي له ملك السماوات والأرض}
- حدّثنا عليّ بن أبي دلامة البغداديّ، ثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، ثنا سعيدٍ، عن قتادة، عن صفوان بن محرزٍ، عن حكيم بن حزامٍ قال: بينا رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- بين أصحابه إذ قال لهم: تسمعون ما أسمع؟ قالوا: ما نسمع من شيءٍ فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «إنّي لأسمع أطيط السّماء وما تلام أن تئطّ، وما فيها موضع شبرٍ إلا وعليه ملكٌ ساجدٌ أو قائمٌ».
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ الأنصاريّ، ثنا مؤمّلٌ، ثنا سفيان، ثنا يزيد بن أبي زيادٍ، عن عبد اللّه بن الحارث قال: قال كعبٌ، ما من موضع خرمة إبرةٍ من الأرض إلا وملكٌ موكّلٌ بها يرفع علم ذلك إلى اللّه، وإنّ ملائكة السّماء لأكثر من عدد التّراب وإنّ حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى مسيرة مائة عامٍ.
قوله تعالى: {لا إله إلا هو}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث أبنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ {لا إله إلا اللّه}: توحيدٌ.
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ قال: وحدّثني أيضًا عمر بن محمّدٍ، عن سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه قال: أخبرني السّلوليّ، عن كعبٍ قال: {لا إله إلا اللّه}: كلمة الإخلاص.
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق لا إله إلا اللّه. أي ليس معه غيره شريكًا في أمره.
قوله تعالى: {يحيي ويميت}
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: يحيي ويميت أي يعجّل ما يشاء، ويؤخّر ما يشاء من ذلك من آجالهم بقدرته.
قوله تعالى: {الذي يؤمن بالله وكلماته}
الوجه الأول:
- حدّثنا الحسين بن الحسن، ثنا إبراهيم الهرويّ، أنبأ حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {يؤمن باللّه وكلماته} عيسى عليه الصّلاة والسّلام.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: {الّذي يؤمن باللّه وكلماته} يقول: آياته). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1585-1587]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج أبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عباس قال: بعث الله محمدا -صلى الله عليه وسلم- إلى الأحمر والأسود فقال: {يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا}.
- وأخرج البخاري، وابن مردويه عن أبي الدرداء قال: كانت بين أبي بكر وعمر محاورة فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عمر عنه مغضبا فأتبعه أبو بكر فسأله أن يستغفر له فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهه فأقبل أبو بكر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وندم عمر على ما كان منه فأقبل حتى سلم وجلس إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقص الخبر فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل أنتم تاركو لي صاحبي إني قلت: {يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا} فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت».
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {يؤمن بالله وكلمته} قال: آياته.
- وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {يؤمن بالله وكلماته} قال: عيسى.
- وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ (يؤمن بالله وكلماته) على الجماع). [الدر المنثور: 6/ 627-628]
تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (159)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال قتادة وكان من قبل يقربون صدقاتهم فإن تقبلت منهم جاءت النار فأكلتها وإن لم تقبل منهم تركت حتى جاءت السباع فأكلتها فقال أي رب إني أجد في الألواح أمة هم الشافعون المشفوع لهم فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال رب إني أجد في الألواح أمة هم المستجيبون المستجاب لهم فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال أي رب إني أجد في الألواح أمة يقاتلون أهل الضلال حتى يقاتلوا المسيح الدجال فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد قال فألقى موسى الألواح قال أي رب اجعلني منهم قال إنك لن تدركهم قال الله تعالى: {يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين} قال فرضي نبي الله قال وزيد: {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون}). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 237] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر في قوله تعالى: {فسأكتبها للذين يتقون} قال أخبرني يحيى بن أبي كثير عن نوف البكالي قال لما انطلق موسى بوفد بني إسرائيل فناجاه ربه قال إني أجعل السكينة في قلوبهم وأجعلهم يقرؤون التوراة عن ظهر ألسنتهم وأجعل لهم الأرض مساجد يصلون حيث أدركتهم الصلاة إلا عند مرحاض أو حمام قال فقالوا لا نصلي إلا في الكنيسة ولا نستطيع أن نحمل السكينة في قلوبنا فاجعلها لنا في تابوت ولا نستطيع أن نقرأ التوراة عن ظهر ألسنتنا قال: {فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة} حتى بلغ المفلحون قال فقال موسى رب جئتك بوفد بني إسرائيل فجعلت وفادتهم لغيرهم قال فقال موسى اجعلني نبيهم قال نبيهم منهم قال يا رب فاجعلني منهم قال يا رب فاجعلني منهم قال إنك لن تدركهم قال فقيل له: {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} قال: فكان نوف يقول: الحمد لله الذي حفظ غيبكم وأخذ بسهمكم وجعل وفادة بني إسرائيل لكم). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 237-238] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}.
يقول تعالى ذكره: {ومن قوم موسى} يعني بني إسرائيل {أمّةٌ} يقول: جماعةٌ، {يهدون بالحقّ} يقول: يهتدون بالحقّ: أي: يستقيمون عليه ويعملون، {وبه يعدلون} أي: وبالحق يعطون ويأخذون، وينصفون من أنفسهم فلا يجورون.
وقد قال في صفة هذه الأمّة الّتي ذكرها اللّه في الآية جماعةٌ أقوالاً نحن ذاكرو ما حضرنا منها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، عن ابن عيينة، عن صدقة أبي الهذيل، عن السّدّيّ: {ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون} قال: قومٌ بينكم وبينهم نهرٌ من شهدٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون} قال: بلغني أنّ بني إسرائيل لمّا قتلوا أنبياءهم كفروا، وكانوا اثني عشر سبطًا، تبرّأ سبطٌ منهم ممّا صنعوا، واعتذروا، وسألوا اللّه أن يفرّق بينهم وبينهم، ففتح اللّه لهم نفقًا في الأرض، فساروا فيه حتّى خرجوا من وراء الصّين، فهم هنالك حنفاء مسلمون، يستقبلون قبلتنا.
قال ابن جريجٍ: قال ابن عبّاسٍ: فذلك قوله: {وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفًا} ووعد الآخرة عيسى ابن مريم يخرجون معه.
قال ابن جريجٍ: قال ابن عبّاسٍ: ساروا في السّرب سنةً ونصفًا). [جامع البيان: 10/ 501]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون (159)}
قوله تعالى: {ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ}
- حدّثنا الحسين بن السّكن البصريّ ببغداد، ثنا أبو زيدٍ سعيد بن أويسٍ النّحويّ، ثنا قيس بن الرّبيع، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال موسى: يا ربّ أجد أمّةً يعطون صدقة أموالهم ثمّ ترجع فيهم فيأكلونها بعد، قال: تلك أمّةٌ تكون بعدك أمّة أحمد، قال: يا ربّ أجد أمّةً يصلّون الخمس تكون كفّاراتٍ لما بينهنّ. قال: تلك أمّةٌ تكون بعدك أمّة أحمد، قال: يا ربّ اجعلني من أمّة أحمد، قال: فأنزل اللّه تعالى كهيئة المراضاة لموسى: {ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}
- حدّثنا أبي، ثنا حرملة، ثنا ابن وهبٍ، حدّثني أبو صخرٍ حميد بن زيادٍ، عن أبي معاوية البجليّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن أبي الصّهباء البكريّ، قال: سمعت عليًّا وقد دعا رامي الجالوت، وأسقف النّصارى قال: إنّي سائلكما، عن أمرٍ وأنا أعلم به منكما، فقال له عليٌّ رضي اللّه عنه: «أخبرني على كم افترقت بنو إسرائيل من فرقةٍ بعد موسى عليه السّلام؟»قال: لا واللّه، فقال له عليٌّ: «كذبت افترقت إحدى وسبعين فرقةً كلّها في النّار»، ثمّ دعا بالأسقف فقال على: «كم افترقت النّصرانيّة بعد عيسى عليه السّلام من فرقةٍ؟»قال: لا واللّه ولا فرقةً فقال: «عليٌّ ثلاث مرّاتٍ كذبت، واللّه الّذي لا إله إلا هو لقد افترقت على اثنين وسبعين فرقةً كلّها في النّار إلا فرقةً»،
«فأمّا أنت يا يهوديّ فإنّ اللّه تبارك وتعالى يقول: {ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون} فهذه الّتي تنجو، وأمّا أنت يا نصرانيّ فإنّ اللّه يقول: {مّنهم أمّةٌ مّقتصدةٌ وكثيرٌ مّنهم ساء ما يعملون} فهذه الّتي تنجو، وأمّا نحن فيقول: {وممّن خلقنا أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون} فهذه الّذين تنجو من هذه الأمّة».
- حدّثنا حمّاد بن الحسن بن عنبسة، ثنا أبي، عن عبد الرّحيم الرّازيّ، عن زكريّا، عن أبي إسحاق، عن أبي ليلى الوادعيّ قال: قرأ عبد اللّه بن مسعودٍ: ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون فقال: رجلٌ: ما أحبّ أنّي منهم. فقال عبد اللّه: لم ما يزيد صالحوكم على أن يكونوا مثلهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا منذر بن شاذان، ثنا حامد ابن يحيى، ثنا سفيان، عن صدقة، عن السّدّيّ {ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}؛ قال: بينكم وبينهم نهرٌ من سهلٍ، قال حامدٌ: سهلٌ. نهرٌ من رملٍ يجري.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد قال: سمعت صفوان بن عمرٍو قال: هم الّذين قال اللّه تعالى: {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق}؛ يعني: سلطان من أسباط بني إسرائيل يوم الملحمة العظمى ينصرون الإسلام وأهله.
قوله تعالى: {وبه يعدلون}
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن حاتمٍ الزّمّيّ أنبأ عليّ بن ثابتٍ، عن الفرات بن سلمان، عن الشّعبيّ قال: إنّ للّه عبادًا من وراء الأندلس كما بيننا وبين الأندلس، لا يرون أنّ اللّه عصاه مخلوقٌ رضراضهم الدّرّ والياقوت، وجبالهم الذّهب والفضّة لا يزرعون ولا يحصدون، ولا يعملون عملاً، لهم شجرٌ على أبوابهم لها أوراقٌ عراضٌ هي لبوسهم، ولهم شجرٌ على أبوابهم لها ثمرٌ فمنها يأكلون.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن موسى أنبأ إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ليلى الكنديّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قرأ أو قرئ عنده {ومن قوم موسى أمّةٌ يهدون بالحقّ وبه يعدلون}، فقال رجلٌ: ما يسرّني أنّي منهم فقال عبد اللّه يزيد صاحبكم عليهم شيئًا من يهدي بالحقّ وبه يعدل، قال الشّيخ، ليسوا من هذا الباب). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1587-1588]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال موسى: يا رب أجد أمة إنجيلهم في قلوبهم قال: تلك أمة تكون بعدك أمة أحمد، قال: يا رب أجد أمة يصلون الخمس تكون كفارة لما بينهن قال: تلك أمة تكون بعدك أمة أحمد، قال: يا رب أجد أمة يعطون صدقات أموالهم ثم ترجع فيهم فيأكلون قال: تلك أمة تكون بعدك أمة أحمد، قال: يا رب اجعلني من أمة أحمد، فأنزل الله كهيئة المرضية لموسى {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون}.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي ليلى الكندي قال: قرأ عبد الله بن مسعود {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} فقال رجل: ما أحب أني منهم، فقال عبد الله: لم ما يزيد صالحوكم على أن يكونوا مثلهم.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج في قوله: {ومن قوم موسى أمة} الآية، قال: بلغني أن بني إسرائيل لما قتلوا أنبياءهم وكفروا وكانوا إثني عشر سبطا تبرأ سبط منهم مما صنعوا واعتذروا وسألوا الله أن يفرق بينهم وبينهم ففتح الله لهم نفقا في الأرض فساروا فيه حتى خرجوا من وراء الصين فهم هنالك حنفاء مستقلين يستقبلون قبلتنا، قال ابن جريج: قال ابن عباس: فذلك قوله: {وقلنا من بعده لبني إسرائيل اسكنوا الأرض فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا} [الإسراء: 104] ووعد الآخرة عيسى بن مريم، قال ابن عباس: ساروا في السرب سنة ونصفا.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طالب قال: «افترقت بنو إسرائيل بعد موسى إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة وافترقت النصارى بعد عيسى على إثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة فأما اليهود فإن الله يقول: {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون}، وأما النصارى فإن الله يقول: {منهم أمة مقتصدة} [المائدة: 66] فهذه التي تنجو وأما نحن فيقول: {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} [الأعراف: 181]فهذه التي تنجو من هذه الأمة».
- وأخرج أبو الشيخ عن مقاتل قال: إن مما فضل الله به محمدا -صلى الله عليه وسلم- أنه عاين ليلة المعراج قوم موسى الذين من وراء الصين وذلك أن بني إسرائيل حين عملوا بالمعاصي وقتلوا الذين يأمرون بالقسط من الناس دعوا ربهم وهم بالأرض المقدسة فقالوا: اللهم أخرجنا من بين أظهرهم فاستجاب لهم فجعل لهم سربا في الأرض فدخلوا فيه وجعل معهم نهرا يجري وجعل لهم مصباحا من نور بين أيديهم فساروا فيه سنة ونصفا وذلك من بيت المقدس إلى مجلسهم الذي هم فيه فأخرجهم الله إلى أرض تجتمع فيها الهوام والبهائم والسباع مختلطين بها ليس فيها ذنوب ولا معاص فأتاهم النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- تلك الليلة ومعه جبريل فآمنوا به وصدقوه وعلمهم الصلاة وقالوا: إن موسى قد بشرهم به.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون}؛ قال: بينكم وبينهم نهر من سهل يعني من رمل يجري.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن صفوان بن عمرو قال: هم الذين قال الله: {ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق}؛ يعني سبطان من أسباط بني إسرائيل يوم الملحمة العظمى ينصرون الإسلام وأهله). [الدر المنثور: 6/ 628-631]
تفسير قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (160)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {انبجست} : «انفجرت» ). [صحيح البخاري: 6/ 58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: نتقنا الجبل: رفعنا، {انبجست}: انفجرت تقدّم شرحهما في أحاديث الأنبياء). [فتح الباري: 8/ 298]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وتفسير قوله: {انبجست} ونتقنا ومتبر تقدم في أحاديث الأنبياء). [تغليق التعليق: 4/ 214]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({انبجست}: انفجرت،
أشار به إلى قوله تعالى: {أن أضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتي عشرة عينا} ثمّ فسر: انبجست، بقوله: انفجرت، وكذا جاء في سورة البقرة حيث قال: {فقلنا اضرب بعضاك الحجر فانفجرت منه اثنتي عشرة عينا} أي: انشقت، وكان ذلك الحجر من الطّور يحمل مع موسى عليه السّلام، فإذا نزلوا في موضع ضربه موسى بعصاه فيخرج منه الماء في اثنتي عشرة عينا لكل سبط عين). [عمدة القاري: 18/ 232]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: {انبجست} أي (انفجرت) ). [إرشاد الساري: 7/ 124]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {الأسباط}: قبائل بني إسرائيل»). [صحيح البخاري: 6/ 59]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {الأسباط} قبائل بني إسرائيل هو قول أبي عبيدة وزاد واحدها سبطٌ تقول من أيّ سبطٍ أنت أي من أيّ قبيلةٍ وجنسٍ انتهى والأسباط في ولد يعقوب كالقبائل في ولد إسماعيل واشتقاقه من السّبط وهو التّتابع وقيل من السّبط بالتّحريك وهو الشّجر الملتفّ وقيل للحسن والحسين سبطا رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- لانتشار ذريتهما ثمّ قيل لكل بن بنتٍ سبطٍ). [فتح الباري: 8/ 300]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({الأسباط}: قبائل بني إسرائيل.
أشار به إلى قوله تعالى: {وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطاً أمماً} وفسّر الأسباط بأنّهم قبائل بني إسرائيل، وكذا فسره أبو عبيدة، وزاد: واحدهم سبط، تقول: من أي سبط أنت، أي: من أي قبيلة وجنس؟ ويقال: الأسباط في ولد يعقوب كالقبائل في ولد إسماعيل عليه السّلام، واشتقاقه من السبط وهو التّتابع، من السبط بالتّحريك وهو الشّجر الملتف، وقيل للحسن والحسين رضي الله تعالى عنهما: سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لانتشار ذريتهما، ثمّ قيل لكل ابن بنت: سبط). [عمدة القاري: 18/ 236]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (الأسباط) يريد قوله تعالى: {وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطًا}، قال أبو عبيدة: هم (قبائل بني إسرائيل) والسبط من السبط بالتحريك وهو شجر تعتلفه الإبل وكذلك القبيلة جعل الأب كالشجرة والأولاد كالأغصان). [إرشاد الساري: 7/ 126]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({المنّ والسّلوى}؛
- حدّثنا مسلمٌ، حدّثنا شعبة، عن عبد الملك، عن عمرو بن حريثٍ، عن سعيد بن زيدٍ، عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: «الكمأة من المنّ، وماؤها شفاء العين»). [صحيح البخاري: 6/ 59]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله: {المنّ والسّلوى}؛
ذكر فيه حديث سعيد بن زيدٍ في الكمأة وسيأتي شرحه في الطّبّ وقوله: {شفاءٌ من العين} أي وجع العين وفي رواية الكشميهني شفاء للعين وتقدم شرح {المنّ والسّلوى} في تفسير البقرة وهو المشهور في غير هذه وقوله في أوّل الإسناد: حدثنا مسلم ووقع لأبي ذرٍّ غير منسوبٍ وعند غيره مسلم بن إبراهيم). [فتح الباري: 8/ 303]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({المنّ والسّلوى}؛
أي: هذا في ذكر {المنّ والسلوى} وليس في الحديث ذكر السلوى، وإنّما ذكره رعاية للفظ القرآن، وفي بعض النّسخ: {وأنزلنا عليهم المنّ والسلوى} [البقرة: 57] قال الله تعالى: {وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المنّ والسلوى}وقد مر تفسير ذلك في سورة البقرة). [عمدة القاري: 18/ 240]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( {المن والسلوى}؛
وفي نسخة باب: المن والسلوى.
- حدّثنا مسلمٌ، حدّثنا شعبة، عن عبد الملك، عن عمرو بن حريثٍ، عن سعيد بن زيدٍ، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «الكمأة من المنّ وماؤها شفاء العين».
وبه قال: حدّثنا مسلم بن إبراهيم الفراهيدي قال: حدّثنا شعبة بن الحجاج عن عبد الملك بن عمير بضم العين وفتح الميم القرشي الكوفي، عن عمرو بن حريث بضم الحاء آخره مثلثة مصغرًا عن سعيد بن زيد أحد العشرة -رضي الله عنهم- عن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنه قال: «الكمأة -بفتح الكاف وسكون الميم- نوع من المن لأنه ينبت بنفسه من غير علاج ولا مؤونة كما كان ينزل على بني إسرائيل وماؤها شفاء العين إما بخلطه بدواء آخر وإما بمجرده» وصوّبه النووي، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: من العين، وله، عن الكشميهني: شفاء للعين.
وهذا الحديث أخرجه في الأدب ومسلم في الأطعمة والترمذي والنسائي وابن ماجة في الطب). [إرشاد الساري: 7/ 129]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (3 ـ باب {المن والسلوى}؛
قوله: (الكمأة): بفتح الكاف، وسكون الميم، وقوله: من المنّ، أي: نوع من المنّ لأنه ينبت بنفسه من غير علاج، ولا مؤنة، كما كان المنّ ينزل على بني إسرائيل). [حاشية السندي على البخاري: 3/ 52]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {المنّ والسّلوى}؛
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا النّضر، أخبرنا شعبة، أخبرنا عبد الملك بن عميرٍ، قال: سمعت عمرو بن حريثٍ، يقول: سمعت سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيلٍ، يقول: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: «الكمأة من المنّ، وماؤها شفاءٌ للعين».
- أخبرنا محمّد بن المثنّى، وعمرو بن يزيد، عن محمّدٍ، حدّثنا شعبة، أخبرني الحكم، عن الحسن العرنيّ، عن عمرو بن حريثٍ، عن سعيد بن زيدٍ عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-.... قال شعبة لمّا حدّثني به الحكم، لم أنكره من حديث عبد الملك). [السنن الكبرى للنسائي: 10/ 101]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقطّعناهم اثنتي عشرة أسباطًا أممًا}.
يقول تعالى ذكره: فرّقناهم، يعني قوم موسى من بني إسرائيل، فرّقهم اللّه فجعلهم قبائل شتّى، اثنتي عشرة قبيلةً.
وقد بيّنّا معنى الأسباط فيما مضى ومن هم.
واختلف أهل العربيّة في وجه تأنيث الاثنتي عشرة والأسباط جمع مذكّرٍ، فقال بعض نحويّي البصرة: أراد اثنتي عشرة فرقةً، ثمّ أخبر أنّ الفرق أسباطٌ، ولم يجعل العدد على أسباطٍ.
وكان بعضهم يستخلّ هذا التّأويل ويقول: لا يخرج العدد على عين الثّاني، ولكنّ الفرق قبل الاثنتي عشرة حتّى تكون الاثنتا عشرة مؤنّثةً على ما قبلها، ويكون الكلام: وقطّعناهم فرقًا اثنتي عشرة أسباطًا، فيصحّ التّأنيث لمّا تقدّم.
وقال بعض نحويّي الكوفة، إنّما قال اثنتي عشرة بالتّأنيث والسّبط مذكّرٌ؛ لأنّ الكلام ذهب إلى الأمم فغلب التّأنيث وإن كان السّبط ذكرًا، وهو مثل قول الشّاعر:
وإنّ كلابًا هذه عشر أبطنٍ ....... وأنت بريءٌ من قبائلها العشر
ذهب بالبطن إلى القبيلة والفضيلة، فلذلك جمع البطن بالتّأنيث. وكان آخرون من نحويّي الكوفة يقولون: إنّما أنّثت الاثنتا عشرة والسّبط ذكرٌ، لذكر الأمم.
والصّواب من القول في ذلك عندي أنّ الاثنتى عشرة أنّثت لتأنيث القطعة. ومعنى الكلام: وقطّعناهم قطعًا اثنتى عشرة، ثمّ ترجم عن القطع بالأسباط. وغير جائزٍ أن تكون الأسباط مفسّرةً عن الاثنتى عشرة وهي جمعٌ؛ لأنّ التّفسير فيما فوق العشر إلى العشرين بالتّوحيد لا بالجمع، والأسباط جمعٌ لا واحدٌ، وذلك كقولهم: عندي اثنتا عشرة امرأةً، ولا يقال: عندي اثنتا عشرة نسوةً، ففي ذلك أنّ الأسباط ليست بتفسيرٍ للاثنتي عشرة، وإنّ القول في ذلك على ما قلنا.
وأمّا الأمم فالجماعات، والسّبط في بني إسرائيل نحو القرن.
وقيل: إنّما فرّقوا أسباطًا لاختلافهم في دينهم.
القول في تأويل قوله تعالى: {وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينًا قد علم كلّ أناسٍ مشربهم وظلّلنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المنّ والسّلوى كلوا من طيّبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.
يقول تعالى ذكره: وأوحينا إلى موسى إذ فرّقنا بني إسرائيل قومه اثنتي عشرة فرقةً، وتيّهناهم في التّيه فاستسقوا موسى من العطش وغئور الماء. {أن اضرب بعصاك الحجر}.
وقد بيّنّا السّبب الّذي كان قومه استسقوه وبيّنا معنى الوحي بشواهده. {فانبجست}؛ فانصبّت وانفجرت من الحجر، {اثنتا عشرة عينًا}؛ من الماء، {قد علم كلّ أناسٍ}؛ يعني: كلّ أناسٍ من الأسباط الاثنتي عشرة {مشربهم}؛ لا يدخل سبطٌ على غيره في شربه. {وظلّلنا عليهم الغمام}؛ يكنّهم من حرّ الشّمس وأذاها. وقد بيّنّا معنى الغمام فيما مضى قبل، وكذلك المنّ والسّلوى.
{وأنزلنا عليهم المنّ والسّلوى}؛ طعامًا لهم. {كلوا من طيّبات ما رزقناكم}؛ يقول: وقلنا لهم: كلوا من حلال ما رزقناكم أيّها النّاس وطيّبناه لكم. {وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}، وفي الكلام محذوفٌ ترك ذكره استغناءً بما ظهر عمّا ترك، وهو: فأجمعوا ذلك وقالوا: لن نصبر على طعامٍ واحدٍ، فاستبدلوا الّذي هو أدنى بالّذي هو خيرٌ. {وما ظلمونا} يقول: وما أدخلوا علينا نقصًا في ملكنا وسلطاننا بمسألتهم ما سألوا، وفعلهم ما فعلوا. {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} أي: ينقصونها حظوظها باستبدالهم الأدنى بالخير والأرذل بالأفضل). [جامع البيان: 10/ 502-504]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وقطّعناهم اثنتي عشرة أسباطًا أممًا وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينًا قد علم كلّ أناسٍ مشربهم وظلّلنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المنّ والسّلوى كلوا من طيّبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (160)}
قوله تعالى: {وقطّعناهم اثنتي عشرة أسباطا}؛
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباط، عن السدي قال: فدخلت بنو إسرائيل البحر، وكان في البحر، اثنا عشر طريقًا في كلّ طريقٍ سبطٌ، وكانت الطّرق، إذا انفلقت بجدران، فقال: كلّ سبطٍ قد قتل أصحابنا فلمّا رأى ذلك موسى عليه الصّلاة والسّلام دعا اللّه تبارك وتعالى فجعلها لهم قناطر كهيئة الطّبقات ينظر آخرهم إلى أوّلهم، حتّى خرجوا جميعًا.
قوله تعالى: {وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه ... الآية}
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ، ثنا محمّد بن الحسن الواسطيّ ويزيد بن هارون، عن أصبغ بن زيدٍ، عن القاسم بن أبي أيّوب، ثنا سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: وجعل بين ظهرانيهم حجرًا مربّعًا، قال: وأمر موسى فضربه بعصاه.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن أبي الثّلج، ثنا يزيد بن هارون، ثنا فضيلٌ، عن عطيّة العوفيّ وجعل لهم حجرًا مثل رأس الثّور يحمل على ثورٍ فإذا نزلوا منزلا وضعوه، فضربه موسى بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، فإذا ساروا حمله على ثورٍ فاستمسك الماء.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا صخرة، عن عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه قال: كان لبني إسرائيل حجرٌ، وكان يضعه هارون، ويضربه موسى بالعصا.
- أخبرنا محمّد بن عبيد اللّه بن المنادي فيما كتب إليّ، ثنا يونس بن محمّدٍ المؤدّب، ثنا شيبان النّحويّ، عن قتادة قوله: {اضرب بعصاك الحجر} فأمر بحجرٍ أن يضربه بعصاه، وكان حجرًا طوريًّا من الطّور يحملونه معهم حتّى إذا نزلوا ضربه موسى بعصاه.
قوله تعالى: {فانبجست منه}؛
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {فانبجست منه}؛ يقول: انفجرت.
قوله تعالى: {اثنتا عشرة عينًا}؛
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ، ثنا محمّد بن الحسن ويزيد بن هارون واللّفظ لمحمّدٍ، عن أصبغ بن زيدٍ، عن القاسم بن أبي أيّوب، ثنا سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ اثنتا عشرة عينًا في كلّ ناحيةٍ منها ثلاث عيونٍ.
- أخبرنا أبو الأزهر النّيسابوريّ فيما كتب إليّ، ثنا وهب بن جريرٍ، ثنا أبي، عن عليّ بن الحكم، عن الضّحّاك قال: قال ابن عباس: لما كان بنوا إسرائيل في التّيه شقّ لهم من الحجر أنهارًا.
قوله تعالى: {قد علم كلّ أناسٍ مشربهم}؛
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ، ثنا محمّد بن الحسن، ويزيد بن هارون واللّفظ لمحمّدٍ، عن أصبغ بن زيدٍ، عن القاسم بن أبي أيّوب، حدّثني سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ يعني قوله: {قد علم كلّ أناسٍ مشربهم} وأعلم كلّ سبطٍ عينهم الّتي يشربون منها لا يرتحلون من منقلةٍ إلا وجدوا ذلك الحجر منهم بالمكان الّذي كان منهم بالمنزل الأوّل.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو صفوان القاسم بن يزيد، عن يحيى أبي النّضر قال: قلت لجويبرٍ كيف علم كلّ أناسٍ مشربهم؟ قال: كان موسى يضع الحجر ويقوم من كلّ سبطٍ رجلٌ، ويضرب موسى الحجر فينفجر منه اثنتا عشرة عينًا، فينتضح من كلّ عينٍ على رجلٍ فيدعوا فيه ذلك الرّجل بسبطه إلى تلك العين.
قوله تعالى: {وظلّلنا عليهم الغمام}
- وحدّثنا عمّار بن خالدٍ الواسطيّ، ثنا محمّد بن الحسن، ويزيد بن هارون واللّفظ لمحمّدٍ، عن أصبغ بن زيدٍ، عن القاسم بن أبي أيّوب، حدّثني سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: ثمّ ظلّل عليهم في التّيه بالغمام، وروي، عن ابن عمر وأبي مجلزٍ والرّبيع، والضّحّاك، والسّدّيّ نحو ذلك.
- أخبرنا محمّد بن عبيد اللّه المنادي فيما كتب إليّ، ثنا يونس بن محمّدٍ، ثنا شيبان، عن قتادة قوله: {وظلّلنا عليهم الغمام} قال: كان هذا في البريّة ظلل عليهم الغمام من الشّمس. وروي عن الحسن نحو ذلك.
قوله تعالى: {الغمام}؛
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ {وظلّلنا عليهم الغمام} قال: ليس السّحاب هو الغمام الّذي يأتي اللّه فيه يوم القيامة، ولم يكن إلا لهم.
قوله تعالى: {وأنزلنا عليهم}؛
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: كان المنّ ينزل عليهم باللّيل على الأشجار فيغدون إليه فيأكلون منه ما شاءوا.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد، أخبرنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة في قول اللّه: {وأنزلنا عليهم المنّ}؛ قال: كان المنّ يسقط عليهم في محلّتهم سقوط الثّلج، أشدّ بياضًا من اللّبن، وأحلى من العسل، يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس، يأخذ الرّجل قدر ما يكفيه يومه ذلك، فإن تعدّى ذلك فسد ما يبقى حتّى إذا كان يوم سادسه يوم جمعته أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه لأنّه كان يوم عيدٍ لا يشخص فيه لأمر معيشته ولا يطلبه شيءٌ وهذا كلّه في البريّة.
قوله تعالى: {المنّ}
الوجه الأول:
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقري، ثنا سفيان، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن عمرو بن حريثٍ، عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيلٍ أنّ النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «الكماءة من المنّ الّذي أنزله اللّه على بني إسرائيل وماؤها شفاءٌ للعين».
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {المنّ}؛ قال: حمقه.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو عبد اللّه بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر العدنيّ، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة قال: {المنّ}؛ شيءٌ أنزله اللّه عليهم مثل الطّلّ شبه الرب الغليط.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قالوا يا موسى: فكيف لنا بماءها هنا، أين الطّعام؟ فأنزل اللّه -تعالى- عليهم المنّ، فكان يسقط على الشّجرة الزّنجبيل.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، أخبرني سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة في قول الله: {وأنزلنا عليهم المن}؛ قال: كان يسقط عليهم في محلّتهم سقوط الثّلج أشدّ بياضًا من اللّبن وأحلى من العسل، يسقط عليهم من طلوع الفجر إلى طلوع الشّمس.
- أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ وسئل ما المنّ قال: خبز الرّقاق مثل الذّرة أو مثل النقى.
والوجه السادس:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ قال: كان المنّ شرابًا كان ينزل عليهم مثل العسل فيمزجونه بالماء ثمّ يشربونه.
قوله تعالى: {والسلوى}؛
الوجه الأول:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا عبد الصّمد بن عبد الوارث، ثنا قرّة بن خالدٍ، عن جهضمٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: {السلوى}؛ هو السّمّانيّ.
- حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن يزيد المقري، ثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن ابن منبه قال: سألت بنوا إسرائيل موسى اللّحم فقال اللّه عزّ وجلّ: لأطعمنّهم من أقلّ لحمٍ يعلم في الأرض، فأرسل عليهم ريحًا، فأدرت عند مساكنهم السّلوى وهو السّمّانيّ ميلٍ في ميلٍ قيد رمحٍ في السّماء، فخبّئوا للغد فنتن اللّحم.
وروي عن مجاهدٍ والشّعبيّ، والضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ نحو ممّا روى جهضمٌ، عن ابن عبّاسٍ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: {السّلوى} طائرٌ شبيهٌ بالسّمّانيّ كانوا يأكلون منه.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد، أخبرني سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة قوله: {والسّلوى} قال: كان السّلوى من طيرٍ إلى الحمرة تحشرها عليهم الرّيح الجنوب، فكان الرّجل منهم يذبح منها قدر ما يكفيه يومه ذلك فإذا تعدّى فسد ولم يبق عنده، حتّى إذا كان يوم سادسه يوم جمعة أخذ ما يكفيه ليوم سادسه ويوم سابعه، لأنّه كان يوم عبادةٍ لا يشخص فيه لشيءٍ ولا يطلبه.
الوجه الرّابع:
- أخبرنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصّنعانيّ، حدّثني عبد الصّمد بن معقلٍ أنّه سمع وهب بن منبّهٍ يقول وسئل ما السّلوى قال: طيرٌ سمينٌ مثل الحمام فكان يأتيهم فيأخذون منه من سبتٍ إلى سبتٍ.
قوله تعالى: {كلوا من طيّبات ما رزقناكم}؛
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا أبو عامرٍ الخزّاز، عن الحسن في قول اللّه: {كلوا من طيّبات ما رزقناكم} أما أنه لم يذكر أصغركم وأحمركم ولكنّه قال ينتهون إلى حلاله. وروي، عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك.
قوله تعالى: {وما ظلمونا}؛
- حدّثنا محمّد بن يحيى الواسطيّ، ثنا محمّد بن بشيرٍ الواعظ، ثنا عمرو بن عطيّة، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وما ظلمونا} قال: نحن أعزّ من أن نظلم
قوله تعالى: {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}؛
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا مباركٌ، عن الحسن قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-:«ما أحدٌ أحبّ إليه المدح من اللّه، ولا أكثر معاذير من اللّه عذّب قومًا بذنوبهم اعتذر إلى المؤمنين قال: {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}»
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: {أنفسهم يظلمون}؛ قال: يضرون). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1588-1594]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال: إن لله عبادا من وراء الأندلس كما بيننا وبين الأندلس لا يرون أن الله عصاه مخلوق رضراضهم الدر والياقوت وجبالهم الذهب والفضة لا يزرعون ولا يحصدون ولا يعملون عملا لهم شجر على أبوابهم لها أوراق عراض هي لبوسهم ولهم شجر على أبوابهم لها ثمر فمنها يأكلون، قوله تعالى: {فانبجست منه اثنتا عشرة عينا}.
- أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {فانبجست}؛ قال: فانفجرت.
- وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {فانبجست منه اثنتا عشرة عينا} قال: أجرى الله من الصخرة اثنتي عشرة عينا لكل عين يشربون منها، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت بشر بن أبي حازم يقول:
فأسلبت العينان مني بواكف ....... كما انهل من واهي الكلى المتبجس).
[الدر المنثور: 6/ 631]