العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:48 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأعراف [ من الآية (94) إلى الآية (99) ]

{ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ 94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:32 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما أرسلنا في قريةٍ من نبيٍّ إلاّ أخذنا أهلها بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يضّرّعون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ -صلّى اللّه عليه وسلّم- معرّفه سنّته في الأمم الّتي قد خلت من قبل أمّته، ومذكّرٌ من كفر به من قريشٍ لينزجروا عمّا كانوا عليه مقيمين من الشّرك باللّه والتّكذيب لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
{وما أرسلنا في قريةٍ من نبيٍّ} قبلك {إلاّ أخذنا أهلها بالبأساء والضّرّاء} وهو البؤس وشظف المعيشة وضيقها والضّرّاء: وهي الضّرّ وسوء الحال في أسباب دنياهم. {لعلّهم يضّرّعون} يقول: فعلنا ذلك ليتضرّعوا إلى ربّهم، ويستكينوا إليه، وينيبوا بالإقلاع عن كفرهم، والتّوبة من تكذيب أنبيائهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أخذنا أهلها بالبأساء والضّرّاء} يقول: بالفقر والجوع.
وقد ذكرنا فيما مضى الشّواهد على صحّة القول بما قلنا في معنى البأساء والضّرّاء بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقيل: {يضّرّعون}. والمعنى: يتضرّعون، ولكن أدغمت التّاء في الضّاد، لتقارب مخرجهما). [جامع البيان: 10/ 327-328]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وما أرسلنا في قريةٍ من نبيٍّ إلّا أخذنا أهلها بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يضّرّعون (94)}
قوله تعالى: {وما أرسلنا في قريةٍ من نبيٍّ إلّا أخذنا أهلها بالبأساء}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن مرّة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه قوله: {بالبأساء} قال: البأساء الفقر. وروي عن ابن عبّاسٍ، وأبي العالية، والحسن في أحد قوليه ومرّة الهمدانيّ، وسعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٍ والضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن {البأساء} قال: البلاء.
الوجه الثّالث:
- ذكر، عن المطّلب بن زيادٍ، عن سالمٍ الأفطس، عن سعيد بن جبيرٍ فأخذناهم بالبأساء قال: خوفًا من السّلطان.
قوله تعالى: {والضّرّاء}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيدٍ يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عمرو بن محمّدٍ العنقزيّ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن مرة عبد اللّه بن مسعودٍ في قوله:
{والضّرّاء} قال: الضّرّاء السّقم- وروي، عن ابن عبّاسٍ. وأبي العالية، ومرّة الهمدانيّ، وأبي مالكٍ والضّحّاك، والحسن، ومجاهدٍ، والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه: {والضّرّاء} يعني حين البلاء والشّدّة.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا إبراهيم بن بشّارٍ، حدّثني سرور بن المغيرة، عن عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن والضّرّاء قال: هذه الأمراض والجوع ونحو ذلك.
قوله تعالى: {لعلّهم يضّرّعون}
- حدّثنا موسى بن أبي موسى الخطميّ، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: {لعلّهم} يعني: كي). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1524-1526]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {مكان السيئة الحسنة} قال مكان الشدة الرخاء حتى عفوا يقول حتى سروا بذلك). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 233]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {عفوا} [النساء: 43] : «كثروا وكثرت أموالهم» ). [صحيح البخاري: 6/ 58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {عفوا} كثروا زاد غير أبي ذرٍّ وكثرت أموالهم قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {حتّى عفوا} أي كثروا وكذلك كلّ نباتٍ وقومٍ وغيره إذا كثروا فقد عفوا قال الشّاعر:
ولكنّا نعضّ السّيف منها ....... بأسوقٍ عافيات الشّحم كوم
وقال عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة: {حتّى عفوا} أي حتّى سرّوا بذلك). [فتح الباري: 8/ 300]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال أبو جعفر بن جرير ثنا القاسم ثنا الحسين حدثني حجاج عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس: {إنّه لا يحب المعتدين} [الأعراف: 55] في الدّعاء ولا في غيره
وقال أيضا ثنا المثنى ثنا عبد الله بن صالح ثنا معاوية عن علّي عن ابن عبّاس في قوله: {حتّى عفوا} يقول حتّى كثروا وكثرت أموالهم). [تغليق التعليق: 4/ 213-214] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({عفوا}: كثروا وكثرت أموالهم
أشار به إلى قوله تعالى: {ثمّ بدلنا مكان السّيئة الحسنة حتّى عفوا} الآية. وفسّر لفظ عفوا. الّذي هو صيغة جمع بقوله: كثروا من عفا الشّيء إذا كثر، وقوله كثرت أموالهم إنّما وقع في رواية غير أبي ذر، وفي التّفسير قوله: حتّى عفوا أي كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم). [عمدة القاري: 18/ 232]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله تعالى: {ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى} {عفوا} أي (كثروا وكثرت أموالهم) يقال: عفا الشعر إذا كثر). [إرشاد الساري: 7/ 124]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ بدّلنا مكان السّيّئة الحسنة حتّى عفوا وقالوا قد مس ءابآءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون}.
يقول جلّ ثناؤه: {ثمّ بدّلنا} أهل القرية الّتي أخذنا أهلها بالبأساء والضّرّاء، مكان السّيّئة، وهي البأساء والضّرّاء؛ وإنّما جعل ذلك سيّئةً؛ لأنّه ممّا يسوء النّاس، ولا تسوءهم الحسنة، وهي الرّخاء والنّعمة والسّعة في المعيشة. {حتّى عفوا} يقول: حتّى كثروا، وكذلك كلّ شيءٍ كثر، فإنّه يقال فيه: قد عفا، كما قال الشّاعر:
ولكنّا نعضّ السّيف منها ....... بأسوق عافيات الشّحم كوم
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {مكان السّيّئة الحسنة} قال: مكان الشّدّة رخاءً {حتّى عفوا}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {مكان السّيّئة الحسنة} قال: السّيّئة: الشّرّ، والحسنة: الرّخاء والمال والولد.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {مكان السّيّئة الحسنة} قال: السّيّئة: الشّرّ، والحسنة: الخير.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ثمّ بدّلنا مكان السّيّئة الحسنة} يقول: مكان الشّدّة الرّخاء.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ثمّ بدّلنا مكان السّيّئة الحسنة حتّى عفوا} قال: بدّلنا مكان ما كرهوا ما أحبّوا في الدّنيا، حتّى عفوا من ذلك العذاب {وقالوا قد مسّ آباءنا الضّرّاء والسّرّاء}.
واختلفوا في تأويل قوله: {حتّى عفوا}، فقال بعضهم نحو الّذي قلنا فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {حتّى عفوا} يقول: حتّى كثروا وكثرت أموالهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {حتّى عفوا} قال: جمّوا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {حتّى عفوا} قال: كثرت أموالهم وأولادهم
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {حتّى عفوا} حتّى كثروا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم: {حتّى عفوا} قال: حتّى جمّوا وكثروا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: {حتّى عفوا} قال: حتّى جمّوا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك: {حتّى عفوا} يعني جمّوا وكثروا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، عن ابن جريجٍ عن مجاهدٍ: {حتّى عفوا} قال: حتّى كثرت أموالهم وأولادهم.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {حتّى عفوا} كثروا كما يكثر النّبات والرّيش، ثمّ أخذهم عند ذلك بغتةً وهم لا يشعرون.
وقال آخرون: معنى ذلك: حتّى سرّوا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {حتّى عفوا} يقول: حتّى سرّوا بذلك.
وهذا الّذي قاله قتادة في معنى عفوا تأويلٌ لا وجه له في كلام العرب؛ لأنّه لا يعرف العفو بمعنى السّرور في شيءٍ من كلامها إلاّ أن يكون أراد حتّى سرّوا بكثرتهم وكثرة أموالهم، فيكون ذلك وجهًا وإن بعد.
وأمّا قوله: {وقالوا قد مسّ آباءنا الضّرّاء والسّرّاء} فإنّه خبرٌ من اللّه عن هؤلاء القوم الّذين أبدلهم الحسنة السّيّئة الّتي كانوا فيها استدراجًا وابتلاءً أنّهم قالوا إذ فعل ذلك بهم: هذه أحوالٌ قد أصابت من قبلنا من آبائنا ونالت أسلافنا، ونحن لا نعدو أن نكون أمثالهم يصيبنا ما أصابهم من الشّدّة في المعايش والرّخاء فيها، وهي السّرّاء؛ لأنّها تسرّ أهلها. وجهل المساكين شكر نعمة اللّه، وأغفلوا من جهلهم استدامة فضله بالإنابة إلى طاعته، والمسارعة إلى الإقلاع عمّا يكرهه بالتّوبة، حتّى أتاهم أمره وهم لا يشعرون.
وقوله: {فأخذناهم بغتةً وهم لا يشعرون} يقول: فأخذناهم بالهلاك والعذاب فجأةً. أتاهم على غرّةٍ منهم بمجيئه، وهم لا يدرون، ولا يعلمون أنّه يجيئهم، بل هم بأنّه آتيهم مكذّبون حتّى يعاينوه ويروه). [جامع البيان: 10/ 328-332]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ثمّ بدّلنا مكان السّيّئة الحسنة حتّى عفوا وقالوا قد مسّ آباءنا الضّرّاء والسّرّاء فأخذناهم بغتةً وهم لا يشعرون (95)}
قوله تعالى: {ثمّ بدّلنا مكان السيئة الحسنة}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {ثمّ بدّلنا مكان السيئة الحسنة} يقول: مكان الشدة والرخاء.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {مكان السّيّئة الحسنة}، قال: السّيّئة الشّرّ.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج، قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: {ثمّ بدّلنا مكان السّيّئة الحسنة} يقول: بدّلنا ما كان كرهوا ما أحبّوا في الدنيا.
قوله تعالى: {الحسنة}
الوجه الأول:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ثمّ بدّلنا مكان السّيّئة الحسنة} قال: والحسنة: الرّخاء، والعدل والولد.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة قال: بدّلوا مكان السّيّئة الجهد والبلا، وبالحسنة العافية
قوله: {حتّى عفوا}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ
قوله:
{حتّى عفوا} حتى جمعوا: يعني كثروا.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله:
{حتّى عفوا} يقول: حتى كثروا وكثرت أموالهم.
الوجه الثّاني:
- ذكره أبو زرعة، ثنا عبيد بن جنّادٍ، ثنا بن المبارك، عن محمّد بن يسارٍ، عن يزيد بن أبي سعيدٍ، عن عكرمة،
{حتّى عفوا} قال: أشروا وبطروا.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى، ثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة:
{حتّى عفوا} يقول: حتّى سرّوا بذلك.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا الحسن بن عمر بن شقيقٍ، ثنا الحسن بن سهيلٍ الثّقفيّ، عن أبي حمزة العطّار، عن الحسن في قوله:
{حتّى عفوا} قال: حتّى سمنوا.
والوجه الخامس:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول:
{حتّى عفوا} من ذلك العذاب.
قوله تعالى: {وقالوا قد مسّ آباءنا الضّرّاء والسّرّاء}
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب أبي، ثنا الحسين بن محمّدٍ المروزيّ، ثنا شيبان، عن قتادة قوله:
{وقالوا قد مسّ آباءنا الضّرّاء والسّرّاء} قال قالوا: قد أتى على آبائنا مثل هذا فلم يكن شيئا.
قوله: {فأخذناهم}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباط، عن السّدّيّ قوله: {فأخذناهم بغتةً} يقول: أخذهم العذاب بغتةً.
قوله تعالى: {وهم لا يشعرون}
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المروزيّ، ثنا شيبان، عن قتادة قوله: {فأخذناهم بغتةً وهم لا يشعرون} قال: بغت القوم أمر اللّه وما أخذ اللّه قومًا قطّ إلا عند سلوتهم وغرّتهم ونعمتهم فلا تغترّوا باللّه إنّه لا يغترّ باللّه إلا القوم الفاسقون.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا مهران، عن سفيان قوله: {فأخذناهم بغتةً}: قال: بعد ستّين سنةً.
- حدّثنا أبي، حدّثني أحمد بن إبراهيم بن كثيرٍ الدّروقيّ، ثنا محمّد بن شيبة ابن أخت ابن المبارك، ثنا ابن المبارك، عن محمّد بن النّضر. الحارثيّ في قوله: {فأخذناهم بغتةً} قال: أمهلوا عشرين سنةً). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1526-1528]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة يقول مكان الشر الرخاء والعدل والعافية والولد). [تفسير مجاهد: 240-241]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: {حتى عفوا} يقول كثرت أموالهم وأولادهم).[تفسير مجاهد: 241]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة} قال: مكان الشدة الرخاء {حتى عفوا}، قال: كثروا وكثرت أموالهم.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {ثم بدلنا مكان السيئة} قال: الشر {الحسنة} قال: الرخاء والعدل والولد {حتى عفوا} يقول: حتى كثرت أموالهم وأولادهم.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {حتى عفوا} قال: جموا.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء}، قال: قالوا قد أتى على آبائنا مثل هذا فلم يكن شيئا {فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون} قال: بغت القوم أمر الله وما أخذ الله قوما قط إلا عند سكوتهم وغرتهم ونعمتهم فلا تغتروا بالله إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون). [الدر المنثور: 6/ 485-486]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السّماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}.
يقول تعالى ذكره: {ولو أنّ أهل القرى} الذين أرسلنا إليهم رسلنا الذين ذكرت لك يا محمد نبأهم في هذه السورة وغيرها {آمنوا} يقول: صدقو الله ورسوله {واتّقوا} يقول: واتقوا الله فخافوا عذابه بتجنبهم ما يكرهه من أعمالهم، والإنابة إلى ما يحبه منهم من العمل بطاعته {لفتحنا عليهم بركاتٍ من السّماء والأرض} يقول: لأرسلنا عليهم من السماء الأمطار، وأنبتنا لهم من الأرض النبات، ورفعنا عنهم القحوط والدوب، وذلك من بركات السماء والأرض. وأصل البركة المواظبة على الشيء، يقال: قد بارك فلان على فلان إذا واظب عليه، والمباركة نحو المواظبة، فكأن قوله: {بركاتٍ من السّماء والأرض} ما يتتابع عليهم من خير السماء والأرض {ولكن كذّبوا} يقول: ولكن كذبوا بالله ورسوله، {فأخذناهم بما كانوا يكسبون} يقول فجعلنا لهم العقوبات بكسبهم الخبيث وعملهم الردئ، وذلك كفرهم بالله وآياته). [جامع البيان: 10/ 332-333]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السّماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون (96)}
قوله تعالى: {ولو أنّ أهل القرى آمنوا}
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: ولو أنّ أهل الكتاب آمنوا قال: آمنوا بما أنزل.
قوله تعالى: {واتّقوا}
- وبه، عن قتادة قوله: {آمنوا واتّقوا}؛ قال: اتّقوا ما حرّم اللّه.
قوله تعالى: { لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض }
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدّميّ، ثنا مسلمٌ، حدّثني المنهال بن عيسى حدّثني معاذ بن رفاعة، عن موسى الطائفي قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
«أكرموا الخبز فإنّ اللّه أنزله من بركات السّماء، وأخرجه من بركات الأرض»). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1528]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ولو أن أهل القرى آمنوا} قال: بما أنزل {واتقوا} قال: ما حرم الله {لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} يقول: لأعطتهم السماء بركتها والأرض نباتها.
- وأخرج ابن أبي حاتم من طريق معاذ بن رفاعة عن موسى الطائفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أكرموا الخبز فإن الله أنزله من بركات السماء وأخرجه من بركات الأرض».
- وأخرج البزار والطبراني بسند ضعيف عن عبد الله بن أم حرام قال: صليت القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«أكرموا الخبز فإن الله أنزله من بركات السماء وسخر له بركات الأرض ومن يتبع ما يسقط من السفرة غفر له».
- وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن قال: كان أهل قرية أوسع الله عليهم حتى كانوا يستنجون بالخبز فبعث عليهم الجوع حتى أنهم كانوا يأكلون ما يتغدون به). [الدر المنثور: 6/ 485-486]

تفسير قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله عزّ وجلّ: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتًا وهم نآئمون (97) أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحًى وهم يلعبون}.
يقول تعالى ذكره: {أفأمن} يا محمّد {أهل القرى} المكذبة بالله ورسوله أن يسلك بهم مسلك سلافهم من الأمم المكذبة الله ورسوله، في تعجيل العقوبة لمهم كما عجلت لهم، وقد سلكوا سبيلهم في تكذيب الله ورسوله وجحود آياته فـ {يأتيهم بأسنا} يقول: عقوبتنا {بياتًا} يعني: ليلا، {وهم نآئمون}). [جامع البيان: 10/ 333]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتًا وهم نائمون (97)}
قوله تعالى: {أفأمن أهل القرى}
- حدّثنا أبي، ثنا سعيد بن داود، ثنا يوسف بن عطيّة، عن المعلّى بن زيادٍ القردوسيّ قال: كان هرم بن حيّان يخرج في وسط اللّيل ثمّ يقرأ:
{أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتًا وهم نائمون }
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي زيادٍ القطوانيّ، ثنا سيّارٌ، ثنا جعفرٌ، قال: سمعت مالك بن دينارٍ يقول: قالت ابنة الرّبيع لأبيها: يا أبتاه ما لي أرى النّاس ينامون ولا أراك تنام قال: يا ابنتاه إنّي أخاف البيات.
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي زيادٍ، ثنا سيّارٌ، ثنا جعفرٌ، قال: سمعت مالك بن دينارٍ: لو استطعت أن لا أنام لم أنم مخافة أن ينزل العذاب وأنا نائمٌ، ولو وجدت أعوانًا لفرّقتهم في منازل الأرض كلّها ينادون أيها الناس: النار النار). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1528]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج أبو الشيخ عن أبي نضرة قال: يستحب إذا قرأ الرجل هذه الآية: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون} يرفع بها صوته.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: لا تتخذوا الدجاج والكلاب فتكونوا من أهل القرى وتلا {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا}). [الدر المنثور: 6/ 486]

تفسير قوله تعالى: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله عزّ وجلّ: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتًا وهم نآئمون (97) أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحًى وهم يلعبون}.
...
{أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحًى وهم يلعبون} يقول: أو أمنوا أن تأتيهم عقوبتنا نهارًا عند الضحى وهم ساهمون غافلون عن مجيئه، لا يشعرون به). [جامع البيان: 10/ 333]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحًى وهم يلعبون (98)}
قوله تعالى: {أوأمن أهل القرى}
- ذكر، عن المقدّميّ، ثنا هارون الخزّاز، عن عليّ بن المبارك، ثنا أبو عمران الشّقريّ قال: كان ابن عبّاسٍ يقول: لا تتّخذوا الدّجاج والكلاب فتكونوا من أهل القرى وتلا: أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحًى وهم يلعبون). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1529]

تفسير قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أفأمنوا مكر اللّه فلا يأمن مكر اللّه إلاّ القوم الخاسرون}.
يقول تعالى ذكره: أفأمن يا محمّد هؤلاء الّذين يكذّبون اللّه ورسوله ويجحدون آياته، استدراج اللّه إيّاهم بما أنعم به عليهم في دنياهم من صحّة الأبدان ورخاء العيش، كما استدرج الّذين قصّ عليهم قصصهم من الأمم قبلهم. فإنّ مكر اللّه لا يأمنه، يقول: لا يأمن ذلك أن يكون استدراجًا مع مقامهم على كفرهم وإصرارهم على معصيتهم {إلاّ القوم الخاسرون} وهم الهالكون)[جامع البيان: 10/ 334]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({أفأمنوا مكر اللّه فلا يأمن مكر اللّه إلّا القوم الخاسرون (99)}
قوله تعالى: {أفأمنوا مكر اللّه فلا يأمن مكر اللّه}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو بكر بن مروان بن الحكم الأسيّديّ، ثنا أبو عروة الزّبير بن عيسى بن عروة بن يحيى بن عروة بن الزّبير، عن هشام بن عروة قال: كتب رجلٌ إلى صاحبٍ له: وإذا رضيت من اللّه شيئًا يسرّك فلا تأمن أن يكون فيه من الله مكر فإنه لا يأمن مكر اللّه إلا القوم الخاسرون.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا هارون بن سعيدٍ، أنبأ ابن وهبٍ أنبأ ابن زيدٍ، عن أبيه أنّ اللّه -تبارك وتعالى- قال للملائكة: ما هذا الخوف الّذي قد بلغكم وقد أنزلتكم المنزلة الذي لم أنزله غيركم؟ قالوا: ربّنا لا نأمن مكرك، لا يأمن مكرك إلا القوم الخاسرون.
- حدّثنا أبي، ثنا حمّاد بن حميدٍ العسقلانيّ، ثنا أيّوب بن سويدٍ، عن إسماعيل بن رافعٍ قال: من الأمن لمكر اللّه إقامة العبد على الذّنب يتمنّى على اللّه المغفرة). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1529]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن هشام بن عروة قال: كتب رجل إلى صاحب له: إذا أصبت من الله شيئا يسرك فلا تأمن أن يكون فيه من الله مكر {أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون}.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم أن الله -تبارك وتعالى- قال للملائكة: ما هذا الخوف الذي قد بلغكم وقد أنزلتكم المنزلة التي لم أنزلها غيركم؟ قالوا: ربنا لا نأمن مكرك لا يأمن مكرك إلا القوم الخاسرون.
- وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن علي بن أبي حليمة قال: كان ذر
بن عبد الله الخولاني إذا صلى العشاء يختلف في المسجد فإذا أراد أن ينصرف رفع صوته بهذه الآية {فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون}.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن إسماعيل بن رافع قال: من الأمن لمكر الله إقامة العبد على الذنب يتمنى على الله المغفرة). [الدر المنثور: 6/ 486-487]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 12:30 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ 94) ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)}

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وما أرسلنا في قرية من نبيّ إلّا أخذنا أهلها بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يضّرّعون (94)}
يقال لكل مدينة قرية، وإنما سمّيت بأنه يجتمع فيها الناس، يقال قريت الماء في الحوض إذا جمعته فيه، فسمّيت قرية لاجتماع الناس فيها.
ومكة أم القرى، لأن أهل القرى يؤمونها أي يقصدونها.
وقوله: {إلّا أخذنا أهلها بالبأساء والضّرّاء}؛
قيل: البأساء كل ما نالهم من شدّة في أموالهم، والضراء ما نالهم من الأمراض، وقيل: الضراء ما نالهم في الأموال، والبأساء ما نالهم في أنفسهم.
وقوله: {لعلّهم يضّرّعون}؛
أي يخضعون، والأصل يتضرعون، فأدغمت التاء في الضاد). [معاني القرآن: 2/ 359]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء}
قال مرة عن ابن مسعود البأساء الفقر والضراء المرض.
وقيل البأساء المصائب في المال يقال بئس الرجل يبأس بأسا وبأساء إذا افتقر.
والضراء ما لحق من الأمراض والمصائب في البدن.
لعلهم يضرعون أي يخضعون ويستكينون). [معاني القرآن: 3/ 56]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {حتّى عفوا} مجازه: حتى كثروا، وكذلك كل نبات وقوم وغيره إذا كثروا: فقد عفوا، قال لبيد:
فلا تتجاوز العطلات منها ....... إلى البكر المقارب والكروم
ولكنّا نعضّ السّيف منها
....... بأسوق عافيات اللّحم كوم
أي كثيرات اللحم {الضّرّاء والسّرّاء}؛ أي الضّرّ، والسّرّ وهو السرور). [مجاز القرآن: 1/ 222]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({حتى عفوا}: كثروا. يقال قد عفا بنو فلان إذا كثروا. وعفا النبت إذا كثر). [غريب القرآن وتفسيره: 148]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {حتّى عفوا} أي كثروا. ومنه الحديث «أن رسول اللّه أمر أن تحفى الشّوارب وتعفى اللحى» أي توفّر). [تفسير غريب القرآن: 170]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ بدّلنا مكان السّيّئة الحسنة حتّى عفوا وقالوا قد مسّ آباءنا الضّرّاء والسّرّاء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون (95)}
أي كثروا وكثرت أموالهم.
وقوله: {قد مسّ آباءنا الضّرّاء والسّرّاء}
فأخذهم الله ليعتبروا ويقلعوا عن الكفر وتكذيب الأنبياء، فقالوا مسّ آباءنا مثل هذا، أي قد جرت عادة الزمان بهذا، وليست هذه عقوبة، فبين اللّه تأولهم بخطئهم، وقد علموا أن الأمم قد أهلكت بكفرهم قبلهم.
وقوله: {فأخذناهم بغتة} أي فجأة {وهم لا يشعرون}.
فهذا ما أخبر اللّه تعالى به عن الأمم السالفة لتعتبر أمّة محمد - صلى الله عليه وسلم - فقال:
{ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السّماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون (96)} ). [معاني القرآن: 2/ 359-360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله تعالى: {ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة}
قال مجاهد: السيئة الشر والحسنة الرخاء والولد ثم قال جل وعز: {حتى عفوا}
قال مجاهد: أي كثرت أموالهم وأولادهم.
وذلك معروف في اللغة ومنه الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: أعفوا اللحى أي كثروها ثم خبر جل وعز عنهم أنهم لم يعتبروا بما أصابهم وقالوا إن العادة في الزمان الخير والشر فقال تعالى: {وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة} أي فجأة). [معاني القرآن: 3/ 56-57]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {عَفَوا} كثروا، وهو من الأضداد). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 86]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الضَّرَّاء}: من الضر.
{السَّرَّاء}: من السرور). [العمدة في غريب القرآن: 136]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96)}

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لفتحنا عليهم} أي لأنزلنا عليهم.
يقال: قد فتح الله على فلان ولفلان، وذلك إذا رزق وأصاب الخير وأقبلت عليه الدنيا؛ وإذا ارتج على القارئ فتحت عليه فلقنته). [مجاز القرآن: 1/ 222-223]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {لفتحنا عليهم بركات} فإنهم يقولون: قد فتح على فلان؛ أي أقبلت الدنيا عليه، و{افتح بيننا}، أي احكم). [معاني القرآن لقطرب: 595]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركات من السّماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون (96)}
أي أتاهم الغيث من السماء والنبات من الأرض. وجعل ذلك زاكيا كثيرا). [معاني القرآن: 2/ 360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا}
يقال للمدينة قرية لاجتماع الناس فيها من قريت الماء إذا جمعته.
والبركات التي تأتي من السماء المطر والتي تأتي من الأرض النبات). [معاني القرآن: 3/ 57]

تفسير قوله تعالى: {فَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون (97)}
أي ليلا، أي أفأمنت الأمة التي كذبت النبي محمدا - صلى الله عليه وسلم - أن يأتيهم بأسنا بياتا. أي ليلا.
(وهم نائمون).
يقال نام الرجل ينام نوما فهو نائم. وهو حسن النيمة، ورجل نومة إذا كان خسيسا لا يؤبه له، ورجل نومة إذا كان كثير النوم، وفلان حسن النّيمة أي حسن هيئة النوم، والنّيم - الفرو.
والفاء في قوله: {أفأمن} والواو في قوله (أو أمن) أمن، فتحت لأنها واو عطف وفاء عطف دخلت عليها ألف الاستفهام.
وقوله: (وهم يلعبون).
يقال لكل من كان في شيء لا يجدي أو في ضلال: إنما أنت لاعب.
وإنّما قيل لهم: (ضحى وهم يلعبون). أي وهم في غير ما يجدي عليهم). [معاني القرآن: 2/ 360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون}؛
أي أفأمن من كذب محمدا أن يأتيهم بأسنا بياتا أي ليلا). [معاني القرآن: 3/ 58]

تفسير قوله تعالى: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحًى وهم يلعبون}
وقال: {أو أمن أهل القرى} فهذه الواو للعطف دخلت عليها ألف الاستفهام). [معاني القرآن: 2/ 14]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون}
ومعنى وهم يلعبون أي وهم فيما لا يجدي عليهم.
يقال لكل من كان فيما يضره ولا يجدي عليه لاعب). [معاني القرآن: 3/ 58]


تفسير قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أفأمنوا مكر اللّه فلا يأمن مكر اللّه إلّا القوم الخاسرون (99)}
أي وأمنوا عذاب الله أن يأتيهم بغتة وهم لا يشعرون). [معاني القرآن: 2/ 360]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {أفأمنوا مكر الله}،
أي عذابه إذا وقع بهم ولم يعلموا أنه واقع بهم). [معاني القرآن: 3/ 58]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 12:10 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) }

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا في الأضداد: عفوت مرق الشاة: أخذته. قال أبو محمد: عفا إذا كثر. وعفا إذا قل. وعفت وفرة الرجل: كثرت، وعفوا يعفون عفوا: كثروا، وعفا الشيء يعفو عفوا درس. ويجوز أن يكون بيت امرئ القيس على التام الذي لم يذهبه:
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ....... لما نسجتها من جنوب وشمأل
وشأمل أيضا لغة. قال أبو محمد: قال أبو عبيدة: «لم يبق رسمها». وقال الأصمعي: «لم يعف رسمها»، لم يدرس كله من قوله عفا شعره. ويجوز أن يكون أراد قد درس وذهب على الضد. قال لبيد: عفت الديار محلها فمقامها). [الأضداد: 114]
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : ( *عفا* ويقال عفا الشيء إذا درس يعفو عفاء وعفا يعفو عفوا إذا كثر، ومنه قول الله جل ثناؤه {حتى عفوا} معناه: حتى كثروا، ويقال قد عفا شعره إذا كثر، وعفا ظهر البعير إذا سمن وكثر لحمه، قال الشاعر (الكامل):

هلا سألت إذا الكواكب أخلقت ....... وعفت مطية طالب الأنساب
معنى عفت لم يجد أحد كريما يرحل إليه فعطل مطيته فسمنت وكثر وبرها). [كتاب الأضداد: 8-9]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (ويقال العفاء الدروس من عفا يعفو عفوًا أو عفاء). [الغريب المصنف: 1/ 391]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (الأصمعي ... غيره: العافي الطالب وقد عفا يعفو. ويقال عفا المنزل يعفو درس. وعفته الريح وعفا النبت يعفو كثر وأعفاه الله ومنه حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر بإعفاء اللحية). [الغريب المصنف: 3/ 967]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر أن تحفى الشوارب وتعفى اللحى.
قال: حدثناه هشيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الكسائي: قوله: تعفى يعني توفر وتكثر.
يقال منه: قد عفا الشعر وغيره: إذا كثر يعفو فهو عاف.
وقد عفوته وأعفيته لغتان: إذا فعلت ذاك به، قال الله تبارك وتعالى: {حتى عفوا} وقالوا يعني كثروا.
ويقال في غير هذا: قد عفا الشيء: إذا درس وانمحا قال لبيد بن ربيعة:

عفت الديار محلها فمقامها ....... بمنى تأبد غولها فرجامها
وعفا أيضا إذا أتى الرجل الرجل يطلبه حاجة فقد عفاه فهو يعفوه وهو عاف.
ومنه الحديث المرفوع: «من أحيا أرضا ميتة فهي له وما أصابت العافية منها فهو له صدقة
».
فالعافية ههنا كل طالب رزقا من إنسان أو دابة أو طائر أو غير ذلك وجمع العافي عفاة. قال الأعشى يمدح رجلا:

تطوف العفاة بأبوابه ....... كطوف النصارى ببيت الوثن
ويروى: تطيف أيضا، والمعتفي مثل العافي إنما هو مفتعل منه). [غريب الحديث: 3/ 179-182]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقال إسحاق بن خلف يصف رجلاً بالقصر وطول اللّحية:

ما سرّني أنّني في طول داود ....... وأنّني علمٌ في البأس والجود
ماشيت داود فاستضحكت من عجب ....... كأنني والدٌ يمشي بمولود
ما طول داود إلاّ طول لحيته ....... يظل داود فيها غير موجود
تكنّة خصلةٌ منها إذا نفخت ....... ريح الشّتاء وجفّ الماء في العود
كالأنبجاني مصقولاً عوارضها ....... سوداء في لين الغادة الرّود
أجرى وأغنى من الخزّ الصّفيق ومن ....... بيض القطائف يوم القرّ والسّود
إن هبّت الرّيح أدّته إلى عدنٍ ....... إن كان مالفّ منها غير معقود
وفي الحديث: "من سعادة المرء خفّة عارضيه" وليس هذا بناقض لما جاء في إعفاء اللّحى وإحفاء الشّوارب، فقد روى أنهم قالوا: لا بأس بأخذ العارضين والتّبطين، وأما الإعفاء فهو التّكثير، وهو من الأضداد، قال الله عز وجل: {حَتَّى عَفَوْا}، أي حتى كثروا، ويقال: عفا وبر الناقة إذا كثر، قال الشاعر:
ولكنّا نعضّ السّيف منها ....... بأسؤق عافيات اللّحم كوم
والكوم: العظام الأسنمة، واحتها كوماء، ويقال: عفا الرّيع، إذا درس، ومن ذلك:
على آثار من ذهب العفاء
أي الدّروس). [الكامل: 2/ 653-654]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {عَفَوْا} : كثروا). [مجالس ثعلب: 582-583]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( وعفا حرف من الأضداد. يقال: عفا الشيء إذا نقص ودرس، وعفا إذا زاد؛ فمن الدروس قولهم: (عليه العفاء) قال زهير:
تحمل أهلها منها فبانوا ....... على آثار ما ذهب العفاء
وقال امرؤ القيس:
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ....... لما نسجتها من جنوب وشمأل
فمعناه: لم يدرس رسمها لنسج هاتين الريحين فقط، بل درس لتتابع الرياح وكثرة الأمطار، والدليل على هذا قوله في البيت الآخر:
فهل عند رسم دارس من معول.
ويقول: (لم يعف رسمها) أي لم يزد رسمها لما نسجتها من هاتين الريحين، فالرسم على هذا القول غير دارس)؟ فهل عند رسم سيدرس فيما يستقبل، وهو الساعة موجود باق! ويقال: معنى قوله: (دارس) قد درس بعضه وبقي بعضه. وقال أبو بكر العبدي: معناه لم يعف رسمها
من قلبي، وهو دارس من الموضع. وقال بعضهم: أراد بقولخ: (لم يعف رسمها) لم يدرس، ثم أكذب نفسه بقوله. (فهل عند رسم دارس)، كما قال زهير:
قف بالديار التي لم يعفها القدم ....... بلى وغيرها الأرواح والديم
وقال الآخر:
فلا تبعدن يا خير عمرو بن مالك ....... بلى إن من زار القبور ليبعد
ويقال: قد عفا الشعر إذا كثر، قال الله عز وجل: {حتى عفوا}، فمعناه حتى كثروا، قال الشاعر:
ولكنا نعض السيف منها ....... بأسوق عافيات اللحم كوم
أراد كثيرات اللحم، يقال: قد عفا وبر البعير إذا زاد.
وقال محمد بن كعب القرظي لعمر بن عبد العزيز: لما عفا من شعرك. ويقال: أعفيت الشعر وعفوته إذا كثرته وزدت فيه. أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تحفى الشوارب وتعفى اللحى، أي توفر. ويقال: قد عفا فلان فلانا إذا سأله والتمس نائله، وجمع العافي عافون وعفاة، قال الأعشى:
تطوف العفاة بأبوابه ....... كطوف النصارى ببيت الوثن
وقال الآخر:
تطوف العفاة بأبوابه ....... كما طاف بالبيعة الراهب
أراد كالراهب الذي طاف بالبيعة). [كتاب الأضداد: 86-88]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (
عفت من سليمى رامة فكثيبها ....... وشطت بها عنك النوى وشعوبها
قال الطوسي: عفت: درست تعفو عفاء: وعفا الرجل عن أخيه يعفو عفوا: وعفا شعره كثر: وعفاه الناس أتوه طالبين لنواله واعتفوه أيضا). [شرح المفضليات: 640]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) }

تفسير قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) }

قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وإذا أرادوا معنى أنك لست واحداً منهما قالوا لست عمرا ولا بشرا أو قالوا أو بشرا كما قال عز وجل: {ولا تطع منهم آثما أو كفورا} لو قلت أو لا تطع كفورا انقلب المعنى فينبغي لهذا أن يجئ في الاستفهام بأم منقطعا من الأول لأن أو هذه نظيرتها في الاستفهام أم وذلك قولك أما أنت بعمرو أم ما أنت ببشر كأنه قال لا بل ما أنت ببشر وذلك أنه أدركه الظن في أنه بشر بعد ما مضى كلامه الأول فاستفهم عنه.
وهذه الواو التي دخلت عليها ألف الاستفهام كثيرةٌ في القرآن قال الله تعالى جده: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون} فهذه الواو بمنزلة الفاء في قوله تعالى: {أفأمنوا مكر الله} وقال عز وجل: {أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون} وقال: {أو كلما عاهدوا عهدا} ). [الكتاب: 3/ 188-189] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب الواو التي تدخل عليها ألف الاستفهام وذلك قولك إذا قال القائل: رأيت زيد عند عمرو: أو هو ممن يجالسه؟ استفهمت على حد ما كنت تعطف. كأن قائلا قال: وهو ممن يجالسه، فقال: أو هذا كذا؟
وهذه الألف لتمكنها تدخل على الواو، وليس كذا سائر حروف الاستفهام، إنما الواو تدخل عليهن في قولك: وهل هو عندك؟ فتكون الواو قبل (هل).
وتقول: وكيف صنعت؟ ومتى تخرج؟ وأين عبد الله؟ وكذلك جميعها إلا الألف.
ولا تدخل الواو على (أم)، ولا (أم) عليها؛ لأن (أم) للعطف والواو للعطف.
ونظير هذه الواو، والفاء، وسائر حروف العطف قول الله عز وجل: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون} {أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون}.
فالواو هنا بمنزلة الفاء في قولك: {أفأمنوا مكر الله}.
وإنما مجاز هذه الآيات والله أعلم إيجاب الشيء. والتقدير كما شرحت لك أولا.
وهذه الواو، وواو العطف مجازهما واحد في الإعراب.
وتكون في الاستفهام والتقرير كما ذكرنا في الألف، وللتعجب، وللإنكار.
فأما الاستفهام المحض فنحو قولك إذا قال الرجل: رأيت زيدا فتقول: أو يوصل إليه، فأنت مسترشد أو منكر ما قال؟ فيقول: أو أدركته؟ تستبعد ذلك.
فأما التعجب والإنكار فقول المشركين {أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون}.
والتقرير ما ذكرت لك في الآيات في الفاء والواو في قوله عز وجل: {أو أمن أهل القرى} ). [المقتضب: 3/ 307-308]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 02:33 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 02:33 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 02:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 02:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري


تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وما أرسلنا في قريةٍ من نبيٍّ إلاّ أخذنا أهلها بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يضّرّعون (94) ثمّ بدّلنا مكان السّيّئة الحسنة حتّى عفوا وقالوا قد مسّ آباءنا الضّرّاء والسّرّاء فأخذناهم بغتةً وهم لا يشعرون (95) ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السّماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون (96)}
هذه الآية خبر من الله عز وجل أنه ما بعث نبيا في مدينة وهي «القرية» إلا أخذ أهلها المكذبين له بالبأساء وهي المصائب في الأموال والهموم وعوارض الزمن، والضّرّاء وهي المصائب في البدن كالأمراض ونحوها، هذا قول ابن مسعود وكثير من أهل اللغة، وحكي عن السدي ما يقتضي أن اللفظتين تتداخل فتقال كل واحدة على المعنيين، ولعلّهم ترج بحسب اعتقاد البشر وظنونهم، يضّرّعون أي ينقادون إلى الإيمان، وهكذا قولهم الحمى أضرعتني لك). [المحرر الوجيز: 4/ 5]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم قال تعالى أنه بعد إنفاذ الحكم في الأولين بدل للخلق مكان السيئة وهي «البأساء» و «الضراء» الحسنة وهي «السراء» والنعمة، وهذا بحسب ما عند الناس، وإلا فقد يجيء الأمر كما قال الشاعر:
[البسيط]
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ....... ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا إنما يصح مع النظر إلى الدار الآخرة والجزاء فيها، والنعمة المطلقة هي التي لا عقوبة فيها: والبلوى المطلقة هي التي لا ثواب عليها، وحتّى عفوا معناه: حتى كثروا يقال عفا النبات والريش «يعفو» إذا كثر نباته، ومن هذا المعنى قول الشاعر: [الوافر]
ولكنها يعضّ السيف منها ....... بأسوق عافيات الشحم كوم
وعليه قوله صلى الله عليه وسلم «أحفوا الشوارب واعفوا اللحى» وعفا أيضا في اللغة بمعنى درس وبلى فقال بعض الناس هي من الألفاظ التي تستعمل للضدين، وأما قول زهير:
... ... ... ... ....... على آثار من ذهب العفاء
فيحتمل ثلاثة معان الدعاء بالدرس، والإخبار به، والدعاء بالنمو والنبات، كما يقال جادته الديم وسقته العهاد ولما بدل الله حالهم بالخير لطفا بهم فنموا رأى الخلق بعد ذلك للكفر الذي هم فيه أن إصابة الضّرّاء والسّرّاء إنما هي بالاتفاق، وليست بقصد كما يخبر النبي، واعتقدوا أن ما أصابهم من ذلك إنما هو كالاتفاق الذي كان لآبائهم فجعلوه مثالا، أي قد أصاب هذا آباءنا فلا ينبغي لنا أن ننكره، فأخبر الله تعالى أنه أخذ هذه الطوائف التي هذا معتقدها، وقوله بغتةً أي فجأة وأخذة أسف وبطشا للشقاء السابق لهم في قديم علمه، والسّرّاء السرور والحبرة، وهم لا يشعرون معناه وهم مكذبون بالعذاب لا يتحسسون لشيء منه ولا يستشعرونه باستذلال وغيره). [المحرر الوجيز: 4/ 5-7]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا ... الآية} المعنى في هذه الآية أنهم لو كانوا ممن سبق في علم الله أن يكتسبوا الإيمان والطاعات ويتصفوا بالتقى لتبع ذلك من فضل الله ورحمته وإنعامه ما ذكر من بركات المطر والنبات ولكنهم لما كانوا ممن سبق كفرهم وتكذيبهم تبع ذلك أخذ الله لهم بسوء ما اجترموه، وكل مقدور، والثواب والعقاب متعلق بكسب البشر، وبسببه استندت الأفعال إليهم في قوله: آمنوا واتّقوا وفي كذّبوا وقرأ الستة من القراء السبعة «لفتحنا» بخفيف التاء وهي قراءة الناس، وقرأ ابن عامر وحده وعيسى الثقفي وأبو عبد الرحمن: «لفتّحنا» بتشديد التاء، وفتح البركات إنزالها على الناس ومنه قوله تعالى: {ما يفتح اللّه للنّاس من رحمةٍ} [فاطر: 2] ومنه قالت الصوفية: الفتوح والبركات النمو والزيادات، ومن السماء لجهة المطر والريح والشمس، ومن الأرض لجهة الإنبات والحفظ لما ينبت، هذا هو الذي يدركه نظر البشر ولله خدام غير ذلك لا يحصى عددهم، وما في علم الله أكثر). [المحرر الوجيز: 4/ 7]

تفسير قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون (97) أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحًى وهم يلعبون (98) أفأمنوا مكر اللّه فلا يأمن مكر اللّه إلاّ القوم الخاسرون (99) أولم يهد للّذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون (100)}
هذه الآية تتضمن وعيدا للكفار المعاصرين لمحمد -صلى الله عليه وسلم- لأنه لما أخبر عما فعل في الأمم الخالية قال: ومن يؤمن هؤلاء أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك، وهذا استفهام على جهة التوقيف، والبأس: العذاب، وبياتاً نصب على الظرف أي وقت مبيتهم بالليل، ويحتمل أن يكون هذا في موضع الحال). [المحرر الوجيز: 4/ 7-8]

تفسير قوله تعالى: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر أوأمن بسكون الواو وإظهار الهمزتين، وقرأ ورش عن نافع «أوامن» بفتح الواو وإلقاء حركة الهمزة الثانية عليها، وهذه القراءة في معنى الأولى ولكن سهلت، وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي، «أو أمن» بفتح الواو وإظهار الهمزتين ومعنى هذه القراءة: أنه دخل ألف الاستفهام على حرف العطف، ومعنى القراءة الأولى: أنه عطف با والتي هي لأحد الشيئين، المعنى: أفأمنوا هذا أو هذا كما تقول: أجاء زيد أو عمرو وليست هذه أو التي هي للإضراب عن الأول كما تقول: أنا أقوم أو أجلس وأنت تقصد الإضراب عن القيام والإثبات للجلوس وتقريره، وقولنا التي هي لأحد الشيئين يعم الإباحة والتخيير كقولك: جالس الحسن أو ابن سيرين أو قولك: جالس الحسن أو جالس ابن سيرين، وقوله يلعبون يريد في غاية الغفلة والإعراض). [المحرر الوجيز: 4/ 8]

تفسير قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ومكر اللّه هي إضافة مخلوق إلى الخالق كما تقول: ناقة الله وبيت الله، والمراد فعل يعاقب به مكرة الكفار، وأضيف إلى الله لما كان عقوبة الذنب فإن العرب تسمي العقوبة على أي وجه كانت باسم الذنب الذي وقعت عليه العقوبة، وهذا نص في قوله ومكروا ومكر اللّه، وهذا الموضع أيضا كان كفرهم بعد الرسالة وظهور دعوة الله مكر وخديعة واستخفاف، وقيل عومل في مثل هذا وغيره اللفظ دون المعنى في مثل قوله اللّه: {يستهزئ بهم} [البقرة: 15] و «أن الله لا يمل حتى تملوا» وغير ذلك). [المحرر الوجيز: 4/ 8]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 02:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 1 رجب 1435هـ/30-04-2014م, 02:34 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (94) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وما أرسلنا في قريةٍ من نبيٍّ إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضّرّاء لعلّهم يضّرّعون (94) ثمّ بدّلنا مكان السّيّئة الحسنة حتّى عفوا وقالوا قد مسّ آباءنا الضّرّاء والسّرّاء فأخذناهم بغتةً وهم لا يشعرون (95)}
يقول تعالى مخبرًا عمّا اختبر به الأمم الماضية، الّذين أرسل إليهم الأنبياء بالبأساء والضّرّاء، يعني {بالبأساء} ما يصيبهم في أبدانهم من أمراضٍ وأسقامٍ. {والضّرّاء} ما يصيبهم من فقرٍ وحاجةٍ ونحو ذلك، {لعلّهم يضّرّعون} أي: يدعون ويخشعون ويبتهلون إلى اللّه تعالى في كشف ما نزل بهم.
وتقدير الكلام: أنّه ابتلاهم بالشّدّة ليتضرّعوا، فما فعلوا شيئًا من الّذي أراد اللّه منهم، فقلب الحال إلى الرّخاء ليختبرهم فيه؛ ولهذا قال: {ثمّ بدّلنا مكان السّيّئة الحسنة} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 449]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آَبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (95) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ثمّ بدّلنا مكان السّيّئة الحسنة} أي: حولّنا الحال من شدة إلى رخاءٍ، ومن مرضٍ وسقمٍ إلى صحّةٍ وعافيةٍ، ومن فقرٍ إلى غنًى، ليشكروا على ذلك، فما فعلوا.
وقوله: {حتّى عفوا} أي: كثروا وكثرت أموالهم وأولادهم، يقال: عفا الشّيء إذا كثر.
{وقالوا قد مسّ آباءنا الضّرّاء والسّرّاء فأخذناهم بغتةً وهم لا يشعرون} يقول تعالى: ابتلاهم بهذا وهذا ليتضرّعوا وينيبوا إلى اللّه، فما نجع فيهم لا هذا ولا هذا، ولا انتهوا بهذا ولا بهذا بل قالوا: قد مسّنا من البأساء والضّرّاء، ثمّ بعده من الرّخاء مثل ما أصاب آباءنا في قديم الدّهر، وإنّما هو الدّهر تاراتٌ وتاراتٌ، ولم يتفطّنوا لأمر اللّه فيهم، ولا استشعروا ابتلاء اللّه لهم في الحالين. وهذا بخلاف حال المؤمنين الّذين يشكرون اللّه على السّرّاء، ويصبرون على الضّرّاء، كما ثبت في الصّحيحين: "عجبًا للمؤمن، لا يقضي اللّه له قضاءً إلّا كان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له" فالمؤمن من يتفطّن لما ابتلاه اللّه به من السّرّاء والضّرّاء ؛ ولهذا جاء في الحديث: «لا يزال البلاء بالمؤمن حتّى يخرج نقيّا من ذنوبه، والمنافق مثله كمثل الحمار، لا يدري فيم ربطه أهله، ولا فيم أرسلوه
»، أو كما قال. ولهذا عقّب هذه الصّفة بقوله: {فأخذناهم بغتةً وهم لا يشعرون} أي: أخذناهم بالعقوبة بغتةً، أي: على بغتةٍ منهم، وعدم شعورٍ منهم، أي: أخذناهم فجأةً كما جاء في الحديث: "موت الفجأة رحمةٌ للمؤمن وأخذة أسفٍ للكافر"). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 449-450]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (96) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا لفتحنا عليهم بركاتٍ من السّماء والأرض ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون (96) أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتًا وهم نائمون (97) أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحًى وهم يلعبون (98) أفأمنوا مكر اللّه فلا يأمن مكر اللّه إلا القوم الخاسرون (99)}
يقول تعالى: مخبرًا عن قلّة إيمان أهل القرى الّذين أرسل فيهم الرّسل، كقوله تعالى: {فلولا كانت قريةٌ آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لمّا آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا ومتّعناهم إلى حينٍ} [يونس: 98]
أي: ما آمنت قريةٌ بتمامها إلّا قوم يونس، فإنّهم آمنوا، وذلك بعد ما عاينوا العذاب، كما قال تعالى: {وأرسلناه إلى مائة ألفٍ أو يزيدون * فآمنوا فمتّعناهم إلى حينٍ} [الصّافّات: 147، 148] وقال تعالى: {وما أرسلنا في قريةٍ من نذيرٍ إلا قال مترفوها إنّا بما أرسلتم به كافرون} [سبأٍ: 34]
وقوله تعالى: {ولو أنّ أهل القرى آمنوا واتّقوا} أي: آمنت قلوبهم بما جاءتهم به الرّسل، وصدّقت به واتّبعته، واتّقوا بفعل الطّاعات وترك المحرّمات، {لفتحنا عليهم بركاتٍ من السّماء والأرض} أي: قطر السّماء ونبات الأرض. قال تعالى: {ولكن كذّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} أي: ولكن كذّبوا رسلهم، فعاقبناهم بالهلاك على ما كسبوا من المآثم والمحارم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 450-451]

تفسير قوله تعالى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (97) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى مخوّفًا ومحذّرًا من مخالفة أوامره، والتّجرّؤ على زواجره: {أفأمن أهل القرى} أي: الكافرة {أن يأتيهم بأسنا} أي: عذابنا ونكالنا، {بياتًا} أي: ليلًا {وهم نائمون} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 451]

تفسير قوله تعالى: {أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أوأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحًى وهم يلعبون} أي: في حال شغلهم وغفلتهم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 451]

تفسير قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ (99) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {أفأمنوا مكر اللّه} أي: بأسه ونقمته وقدرته عليهم وأخذه إيّاهم في حال سهوهم وغفلتهم {فلا يأمن مكر اللّه إلا القوم الخاسرون}؛ ولهذا قال الحسن البصريّ، رحمه اللّه: المؤمن يعمل بالطّاعات وهو مشفق وجل خائفٌ، والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمنٌ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 451]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:04 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة