العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأعراف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:34 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأعراف [ من الآية (19) إلى الآية (25) ]

{وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:18 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة فكلا من حيث شئتما}.
يقول اللّه تعالى ذكره: وقال اللّه لآدم: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة فكلا من حيث شئتما}: فأسكن جلّ ثناؤه آدم وزوجته الجنّة بعد أن أهبط منها إبليس وأخرجه منها، وأباح لهما أن يأكلا من ثمارها من أيّ مكانٍ شاءا منها، ونهاهما أن يقربا ثمر شجرةٍ بعينها.
وقد ذكرنا اختلاف أهل التّأويل في ذلك، وما نرى من القول فيه صوابًا في غير هذا الموضع، فكرهنا إعادته.
{فتكونا من الظّالمين} يقول: فتكونا ممّن خالف أمر ربّه، وفعل ما ليس له فعله). [جامع البيان: 10/ 105]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين (19)}
قوله عزّ وجلّ: {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة}
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ، ثنا آدم بن أبي إياسٍ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية قال: قال اللّه تبارك وتعالى: {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة}؛ قال: خلق اللّه آدم يوم الجمعة، وأدخله الجنّة يوم الجمعة فجعله في جنان الفردوس.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال: أخرج إبليس من الجنّة وأسكن آدم الجنّة فكان يمشي فيها وحشًا ليس له زوجٌ يسكن إليها، فنام نومةً فاستيقظ وإذا عند رأسه امرأةٌ قاعدةٌ خلقها اللّه عزّ وجلّ من ضلعه، فسألها: ما أنت؟ فقالت: امرأةٌ، قال: ولم خلقت؟ قالت: تسكن إليّ: قالت له الملائكة- ينظرون ما بلغ من علمه ما اسمها يا آدم؟ قال: حوّاء، قالوا: ولم حوّاء؟
قال: إنّها خلقت من شيءٍ حيٍّ قال اللّه عزّ وجلّ: {يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة}.
- ذكره أبي، ثنا عبد الرّحمن بن عمر بن رستة الأصبهانيّ، ثنا أبو قتيبة، ثنا سعيدٌ الهنانيّ قال: سمعت أشعث الحدّانيّ يقول: كانت حوّاءٌ من نساء الجنّة، وكان الولد يرى في بطنها إذا حملت أذكرٌ أم أنثى من صفائها.
قوله تعالى: {من حيث شئتما}
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ- يعني قوله: {فكلا من حيث شئتما}- قال: لا حساب عليكم.
قوله تعالى: {ولا تقربا هذه الشّجرة}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل عن السّدّيّ، عمّن حدّثه، عن ابن عبّاسٍ: قال: الشّجرة الّتي نهي عنها آدم الكرم. وروي عن سعيد بن جبيرٍ والشّعبيّ وجعد بن هبيرة والسّدّيّ ومحمّد بن قيسٍ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن سمرة، ثنا أبو يحيى الحمّانيّ، ثنا النّضر أبو عمر الخزّاز عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: قال: الشّجرة الّتي نهى اللّه تعالى عنها آدم السّنبلة- وروي عن الحسن: البصريّ ووهب بن منبّهٍ وعطيّة العوفيّ وعبد الرّحمن بن أبي ليلى وأبي مالكٍ ومحارب بن دثارٍ مثل ذلك.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا محمّد بن عيسى ثنا سلمة بن الفضل، حدّثني محمّد بن إسحاق عن بعض أهل اليمن عن وهب بن منبّهٍ أنّه كان يقول: هي البرّ ولكنّ الحبّة منها في الجنّة ككلى البقر، ألين من الزّبد، وأحلى من العسل.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا أبو أحمد عن سفيان، عن حصينٍ عن أبي مالكٍ: ولا تقربا هذه الشّجرة قال: النّخلة.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا عمر بن شبّة بن عبيدة النّميريّ، ثنا أبو خلفٍ- يعني عبد اللّه بن عيسى الحريريّ- عن سعيدٍ عن قتادة: ولا تقربا هذه الشّجرة قال: هي التّين.
وروي عن مجاهدٍ: وابن جريجٍ نحو ذلك.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ، ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع عن أبي العالية قال: كانت الشّجرة من أكل منها أحدث، ولا ينبغي أن يكون في الجنّة حدثٌ.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ عمر بن عبد الرّحمن بن مهربٍ قال: سمعت وهب بن منبّهٍ يقول: لمّا أسكن اللّه تعالى آدم وزوجه الجنّة، نهاه عن الشّجرة وكانت شجرةً، غصونها متشعّبٌ بعضها في بعضٍ، وكان لها ثمرٌ تأكله الملائكة لخلدهم، وهي الثّمرة الّتي نهى اللّه عنها آدم وزوجه.
قوله تعالى: {فتكونا من الظّالمين}
- أخبرنا محمّد بن عبيد اللّه بن المنادي فيما كتب إليّ، ثنا يونس بن محمّدٍ المؤدّب ثنا شيبان عن قتادة قوله: {ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين}، قال: ابتلى اللّه آدم كما ابتلى الملائكة قبله، وكلّ شيءٍ خلق مبتلًى، ولم يدع اللّه شيئًا من خلقه إلا ابتلاه بالطّاعة فما زال البلاء بآدم حتّى وقع فيما نهي عنه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1448-1450]

تفسير قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فوسوس لهما الشّيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فوسوس لهما}: فوسوس إليهما، وتلك الوسوسة كانت قوله لهما: {ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين}، وإقسامه لهما على ذلك.
وقيل: وسوس لهما، والمعنى ما ذكرت، كما قيل: غرضت له، بمعنى: اشتقت إليه، وإنّما يعني: غرضت من هؤلاء إليه، فكذلك معنى ذلك: فوسوس من نفسه إليهما الشّيطان بالكذب من القيل {ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما}، كما قال رؤبة:
وسوس يدعو مخلصًا ربّ الفلق
ومعنى الكلام: فجذب إبليس إلى آدم حوّاء، وألقى إليهما: ما نهاكما ربّكما عن أكل ثمر هذه الشّجرة إلاّ أن تكونا ملكين، أو تكونا من الخالدين ليبدي لهما ما واراه اللّه عنهما من عوراتهما. فغطّاه بستره الّذي ستره عليهما.
- وكان وهب بن منبّهٍ يقول في السّتر الّذي كان اللّه سترهما به ما حدّثني به، حوثرة بن محمّدٍ المنقريّ قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن عمرٍو، عن ابن منبّهٍ، في قوله: {فبدت لهما سوآتهما}؛ قال: كان عليهما نورٌ لا ترى سوآتهما.
القول في تأويل قوله تعالى: {وقال ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين}.
يقول جلّ ثناؤه: وقال الشّيطان لآدم وزوجته حوّاء: ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة أن تأكلا ثمرها إلاّ لئلاّ تكونا ملكين.
وأسقطت (لا) من الكلام لدلالة ما ظهر عليها، كما أسقطت من قوله: {يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا}، والمعنى: يبيّن اللّه لكم أن لا تضلّوا.
وكان بعض أهل العربيّة من أهل البصرة يزعم أنّ معنى الكلام: ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلاّ كراهة أن تكونا ملكين، كما يقال: إيّاك أن تفعل كراهية أن تفعل، أو تكونا من الخالدين في الجنّة الماكثين فيها أبدًا فلا تموتا.
والقراءة على فتح اللاّم بمعنى ملكين من الملائكة.
- وروي عن ابن عبّاسٍ ما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي حمّادٍ، قال: حدّثنا عيسى الأعمى، عن السّدّيّ، قال: كان ابن عبّاسٍ يقرأ: (إلاّ أن تكونا، ملكين) بكسر اللاّم.
- وعن يحيى بن أبي كثيرٍ ما حدّثني أحمد بن يوسف، قال: حدّثني القاسم بن سلاّمٍ قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن هارون، قال: حدّثنا يعلى بن حكيمٍ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، أنّه قرأها: (ملكين) بكسر اللاّم.
وكأنّ ابن عبّاسٍ ويحيى وجّها تأويل الكلام إلى أنّ الشّيطان قال لهما: (ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلاّ أن تكونا ملكين) من الملوك، وأنّهما تأوّلا في ذلك قول اللّه في موضعٍ آخر: {قال يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملكٍ لا يبلى}.
والقراءة الّتي لا أستجيز القراءة في ذلك بغيرها، القراءة الّتي عليها قرّاء الأمصار، وهي فتح اللاّم من (ملكين)، بمعنى: ملكين من الملائكة، لما قد تقدّم من بياننا في أنّ كلّ ما كان مستفيضًا في قراءة الإسلام من القراءة، فهو الصّواب الّذي لا يجوز خلافه). [جامع البيان: 10/ 106-108]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فوسوس لهما الشّيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلّا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (20)}
قوله تعالى: {فوسوس لهما الشّيطان}
- حدّثنا أبي ثنا خالد بن خداشٍ ثنا حمّاد بن زيدٍ، عن الزّبير بن خرّيتٍ عن عكرمة قال: إنّما سمّي الشّيطان لأنّه تشيطن.
قوله تعالى: {ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما} بهتك لباسهما، وكان قد علم أنّ لهما سوأةٌ لمّا كان يقرأ من كتب الملائكة ولم يكن آدم يعلم ذلك، وكان لباسهما الظّفر.
قوله تعالى: {وقال ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى عن إسرائيل عن السّدّيّ، عمّن حدّثه عن ابن عبّاسٍ: قال: فآتاهما إبليس فقال: ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة، فلم يصدّقاه حتّى دخل في جوف الحيّة فكلّمهما.
قوله تعالى: {إلا أن تكونا ملكين}
- وبه عن ابن عبّاسٍ: {إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} قال: يعني ملكين، تكونا مثله. يعني: مثل اللّه عزّ وجلّ.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا المقدّميّ، ثنا أبو معشرٍ البراء ثنا أبو رجاءٍ عن الحسن: {ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين} قال: ذكر تفضيل الملائكة، فضّلوا بالصّور وفضّلوا بالأجنحة، وفضّلوا بالكرامة.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو معمرٍ المنقريّ، ثنا عبد الوارث، عن حميدٍ قال: كان مجاهدٌ يقرأ: {إلاّ أن تكونا ملكين} بنصب اللام، من الملائكة. وروي عن قتادة والأعمش وطلحة بن مصرّفٍ والأعرج نحو ذلك.
- حدّثنا أبي ثنا ابن نفيلٍ، ثنا عتّاب، عن خصيفٍ عن ابن منبّهٍ قال: إنّ في الجنّة شجرةٌ لها غصنان، أحدهما تطوف به الملائكة، والآخر قوله: {ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلا أن تكونا ملكين}؛ يعني من الملائكة الّذين يطوفون بذلك الغصن.
قوله تعالى: {أو تكونا من الخالدين}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أو تكونا من الخالدين}، يقول: لا تموتون أبدًا. وروي عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ ووهب بن منبّهٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1450-1451]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير عن محمد بن قيس قال: نهى الله آدم وحواء أن يأكلا من شجرة واحدة في الجنة فجاء الشيطان فدخل في جوف الحية فكلم حواء ووسوس إلى آدم فقال: {ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين } وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فقطعت حواء الشجرة فدميت الشجرة وسقط عنهما رياشهما الذي كان عليهما: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} لم أكلتها وقد نهيتك عنها قال: يا رب أطعمتني حواء، قال لحواء: لم أطعمتيه قالت: أمرتني الحية، قال للحية: لم أمرتها قالت: أمرني إبليس، قال: ملعون مدحور أما أنت يا حواء كما أدميت الشجرة تدمين في كل هلال وأما أنت يا حية فأقطع قوائمك فتمشين جرا على وجهك وسيشدخ رأسك من لقيك بالحجر اهبطوا بعضكم لبعض عدو.
- وأخرج ابن المنذر عن أبي غنيم سعيد بن حدين الحضرمي قال: لما أسكن الله آدم وحواء الجنة خرج آدم يطوف في الجنة فاغتنم إبليس غيبته فأقبل حتى بلغ المكان الذي فيه حواء فصفر بقصبة معه صفيرا سمعته حواء وبينها وبينه سبعون قبة بعضها في جوف بعض فأشرفت حواء عليه فجعل يصفر صفيرا لم يسمع السامعون بمثله من اللذة والشهوة والسماع حتى ما بقي من حواء عضو مع آخر إلا تخلج فقالت: أنشدك بالله العظيم لما أقصرت عني فإنك قد أهلكتني فنزع القصبة ثم قلبها فصفر صفيرا آخر فجاش البكاء والنوح والحزن بشيء لم يسمع السامعون بمثله حتى قطع فؤادها بالحزن والبكاء فقالت: أنشدك بالله العظيم لما أقصرت عني ففعل فقالت له: ما هذا الذي جئت به أخذتني بأمر الفرح وأخذتني بأمر الحزن، قال: ذكرت منزلتكما من الجنة وكرامة الله إياكما ففرحت لكما بمكانكما وذكرت أنكما تخرجان منها فبكيت لكما وحزنت عليكما ألم يقل لكما ربكما متى تأكلان من هذه الشجرة تموتان وتخرجان منها انظري إلي يا حواء فإذا أنا أكلتها فإن أنا مت أو تغير من خلقي شيء فلا تأكلا منها أقسم لكما بالله إني لكما لمن الناصحين، فانطلق إبليس حتى تناول من تلك الشجرة فأكل منها وجعل يقول: يا حواء انظري هل تغير من خلقي شيء هل مت قد أخبرتك ما أخبرتك، ثم أدبر منطلقا، وأقبل آدم من مكانه الذي كان يطوف به من الجنة فوجدها منكبة على وجهها حزينة فقال لها آدم: ما شأنك، قالت: أتاني الناصح المشفق قال: ويحك، لعله إبليس الذي حذرناه الله قالت: يا آدم والله لقد مضى إلى الشجرة فأكل منها وأنا أنظر فما مات ولا تغير من جسده شيء فلم تزل به تدليه بالغرور حتى مضى آدم وحواء إلى الشجرة فأهوى آدم بيده إلى الثمرة ليأخذها فناداه جميع شجرالجنة: يا آدم لا تأكلها فإنك إن أكلتها تخرج منها فعزم آدم على المعصية فأخذ ليتناول الشجرة فجعلت الشجرة تتطاول ثم جعل يمد يده ليأخذها فلما وضع يده على الثمرة اشتدت فلما رأى الله منه العزم على المعصية أخذها وأكل منها وناول حواء فأكلت فسقط منها لباس الجمال الذي كان عليها في الجنة وبدت لهما سوأتهما وابتدرا يستكنان بورق الجنة يخصفان عليهما من ورق الجنة ويعلم الله ينظر أيهما، فأقبل الرب في الجنة فقال: يا آدم أين أنت أخرج قال: يا رب أنا ذا أستحي أخرج إليك، قال: فلعلك أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها قال: يا رب هذه التي جعلتها معي أغوتني، قال: فمتى تختبئ يا آدم أولم تعلم أن كل شيء لي يا آدم وأنه لا يخفى علي شيء في ظلمة ولا في نهار قال: فبعث إليهما ملائكة يدفعان في رقابهما حتى أخرجوهما من الجنة فأوقفا عريانين وإبليس معهما بين يدي الله فعند ذلك قضى عليهما وعلى إبليس ما قضى وعند ذلك أهبط إبليس معهما وتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه وأهبطوا جميعا.
- وأخرج الحكيم والترمذي في نوادر الأصول، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن عساكر عن وهب بن منبه في قوله: {ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما}، قال: كان على كل واحد منهما نور لا يبصر كل واحد منهما عورة صاحبه فلما أصابا الخطيئة نزع منهما.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: ليهتك لباسهما وكان قد علم أن لهما سوءة لما كان يقرأ من كتب الملائكة ولم يكن آدم يعلم ذلك وكان لباسهما الظفر.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أتاهما إبليس قال: {ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين} تكونا مثله - يعني مثل الله عز وجل - فلم يصدقاه حتى دخل في جوف الحية فكلمهما.
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه كان يقرأ (إلا أن تكونا ملكين) بكسر اللام.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أنه كان يقرأ (إلا أن تكونا ملكين) بنصب اللام من الملائكة.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: {إلا أن تكونا ملكين} قال: ذكر تفضيل الملائكة فضلوا بالصور وفضلوا بالأجنحة وفضلوا بالكرامة.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن وهب بن منبه قال: إن في الجنة شجرة لها غصنان أحدهما تطوف به الملائكة والآخر قوله: {ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين} يعني من الملائكة الذين يطوفون بذلك الغصن.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس، أنه كان يقرأ هذه الآية: {ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين} فإن أخطأكما أن تكونا ملكين لم يخطئكما أن تكونا خالدين فلا تموتان فيها أبدا {وقاسمهما} قال: حلف لهما {إني لكما لمن الناصحين}.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {أو تكونا من الخالدين}؛ يقول: لا تموتون أبدا، وفي قوله: {وقاسمهما}؛ قال: حلف لهما بالله). [الدر المنثور: 6/ 341-346]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) }
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقاسمهما إنّي لكما لمن النّاصحين}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وقاسمهما}: وحلف لهما، كما قال في موضعٍ آخر: {تقاسموا باللّه لنبيّتنّه} بمعنى: تحالفوا باللّه، وكما قال خالد بن زهيرٍ عمّ أبي ذؤيبٍ:
وقاسمها باللّه جهدًا لأنتم ....... ألذّ من السّلوى إذا ما نشورها
بمعنى: وحالفها باللّه.
وكما قال أعشى بني ثعلبة:
رضيعي لبان ثدي أمٍّ تقاسما ....... بأسحم داجٍ عوض لا نتفرّق
بمعنى: تحالفا.
وقوله: {إنّي لكما لمن النّاصحين}: أي لممّن ينصح لكما في مشورته لكما، وأمره إيّاكما بأكل ثمر الشّجرة الّتي نهيتما عن أكل ثمرها، وفي خبري إيّاكما بما أخبركما به من أنّكما إن أكلتماه كنتما ملكين، أو كنتما من الخالدين.
- كما حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال حدّثنا يزيد، قال حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وقاسمهما إنّي لكما لمن النّاصحين} فحلف لهما باللّه حتّى خدعهما، وقد يخدع المؤمن باللّه، فقال: إنّي خلقت قبلكما وأنا أعلم منكما، فاتّبعاني أرشدكما. وكان بعض أهل العلم يقول: من خادعنا باللّه خدعنا). [جامع البيان: 10/ 108-109]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وقاسمهما إنّي لكما لمن النّاصحين (21)}
قوله تعالى: {وقاسمهما}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباط عن السّدّيّ: قوله:
{وقاسمهما}؛ قال: وحلف لهما باللّه إنّي لكما لمن النّاصحين. وروي عن محمّد بن كعبٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن الصّبّاح القطّان، أنبأ عبد الوهاب، أنبأ سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة عن مطرّفٍ، يعني قوله: {وقاسمهما إنّي لكما لمن النّاصحين} قال لهما: إنّي خلقت قبلكما وأنا أعلم منكما فاتّبعاني أرشدكما. وإنّما يخدع المؤمن باللّه.
قال قتادة: وكان بعض أهل العلم يقول: من خادعنا باللّه خدعنا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1451]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس، أنه كان يقرأ هذه الآية: {ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين} فإن أخطأكما أن تكونا ملكين لم يخطئكما أن تكونا خالدين فلا تموتان فيها أبدا {وقاسمهما} قال: حلف لهما {إني لكما لمن الناصحين}.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {أو تكونا من الخالدين} يقول: لا تموتون أبدا، وفي قوله: {وقاسمهما}؛ قال: حلف لهما بالله.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين}؛ قال: حلف لهما بالله حتى خدعهما وقد يخدع المؤمن بالله، قال لهما: إني خلقت قبلكما وأعلم منكما فاتبعاني أرشدكما قال قتادة: وكان بعض أهل العلم يقول: من خادعنا بالله خدعنا.
- وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع بن أنس قال: في بعض القراءة (وقاسمهما بالله إني لكما لمن الناصحين) ). [الدر المنثور: 6/ 346]

تفسير قوله تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)}

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني من سمع عقيل بن خالد يحدث عن ابن شهاب أنه كان يقرأ: {يُخَصْفَان عليهما من ورق الجنة}.
قال عقيل: وكان ابن شهاب يقول: لن تنال الله لحومها ولا دماءها ولكن تناله التقوى منكم). [الجامع في علوم القرآن: 3/ 49-50]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ابن عبّاسٍ: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة}؛ قال: [التين: 22]). [تفسير الثوري: 111]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {يخصفان}: «أخذا الخصاف من ورق الجنّة، يؤلّفان الورق، يخصفان الورق بعضه إلى بعضٍ» ). [صحيح البخاري: 6/ 58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {يخصفان} أخذا الخصاف من ورق الجنّة يؤلّفان الورق يخصفان الورق بعضه إلى بعضٍ كذا لأبي عبيدة لكن باختصارٍ، وروى بن جرير بإسناد حسن، عن بن عبّاسٍ، في قوله: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة}؛ قال: جعلا يأخذان من ورق الجنّة فيجعلان على سوآتهما.
ومن طريق بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {يخصفان}؛ قال: يرقّعان كهيئة الثّوب، ومن طريق سعيد بن جبير، عن بن عبّاسٍ، قال: أخذا من ورق التّين وأخرجه الحاكم من هذا الوجه
ومن طريق قتادة قال: كان لباس آدم في الجنّة ظفرًا كلّه فلمّا أكل من الشّجرة كشط عنه وبدت سوأته ومن طريق بن عيينة عن عمرو بن دينارٍ عن وهب بن منبّه قال كان لباس آدم وحوّاء النّور فكان أحدهما لا يرى عورة الآخر وقد تقدّم شيءٌ من هذا في أحاديث الأنبياء أيضًا). [فتح الباري: 8/ 298-299]

- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({يخصفان} أخذا الخصاف من ورق الجنّة. يؤلّفان الورق يخصفان الورق بعضه إلى بعضٍ
أشار به إلى قوله تعالى: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة}وفسّر (يخصفان) بقوله: أخذا الخصاف، وهو بكسر الخاء جمع خصفة وهي الجلة الّتي يكنز فيها التّمر. قوله: (وطفقا) ، من أفعال المقاربة أي: جعلا أي: آدم وحواء، عليهما الصّلاة والسّلام، يخصفان عليهما من ورق الجنّة، قيل: ورق التّين يعني يجعلان ورقة فوق ورقة على عوراتهما ليستترا بها كما يخصف النّعل بأن تجعل طرفة على طرقة وتوثق بالسبور، وقرأ الحسن: يخصفان، بكسر الخاء وتشديد الصّاد، وأصله يختصفان. وقرأ الزّهريّ: يخصفان، من أخصف، أي: يخصفان أنفسهما. وقرىء: يخصفان، من خصف بالتّشديد). [عمدة القاري: 18/ 233]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: {وطفقا يخصفان}: أخذا أي آدم وحوّاء الخصاف بكسر الخاء، {من ورق الجنة} يؤلفان الورق يخصفان الورق بعضه إلى بعض لما ذاقا طعم الشجرة آخذين في الأكل نالهما شؤم المخالفة، وسقطت عنهما ثيابهما وظهرت لهما سوآتهما، وقيل كانت من نور، وكان أحدهما لا يرى سوأة الآخرة فأخذا يجعلان ورقة على ورقة لستر السوأة كما تخصف النعل بأن تجعل طرقة على طرقة وتوثق بالسيور حتى صارت الأوراق كالثوب وهو ورق التين، وقيل اللوز. والخصفة بالتحريك الجلة أي القفة الكبيرة التي تعمل من الخوص للتمر وجمعها خصف وخصاف. قال أبو البقاء: يخصفان ماضيه خصف وهو متعد إلى مفحول واحد والمفعول شيئًا من ورق الجنة). [إرشاد الساري: 7/ 124]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ...
{سوآتهما} «كنايةٌ عن فرجيهما» ). [صحيح البخاري: 6/ 58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله:
{سوآتهما} كنايةٌ عن فرجيهما هو كلام أبي عبيدة ولم يقع في رواية أبي ذرٍّ). [فتح الباري: 8/ 299]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (
{سوآتهما}كنايةٌ عن فرجيهما أشار به إلى قوله تعالى: {فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما} وقال. قوله: سوآتهما، كناية عن فرجيهما. أي: فرجي آدم وحواء، عليهما الصّلاة والسّلام، وفي التّفسير: سقط عنهما اللباس وظهرت لهما عوراتهما وكانا لا يريان من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر.
وعن وهب كان لباسهما فورًا يحول بينهما وبين النّظر، وقال الجوهري: السوأة العورة، وفي قول البخاريّ: كناية نظر لا يخفى). [عمدة القاري: 18/ 233]

- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقال أبو عبيدة في قوله: {سوآتهما} كناية عن فرجيهما وسقط هذا لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/ 124]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فدلاّهما بغرورٍ فلمّا ذاقا الشّجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فدلاّهما بغرورٍ}: فخدعهما بغرورٍ، يقال منه: ما زال فلانٌ يدلّي فلانًا بغرورٍ، بمعنى: ما زال يخدعه بغرورٍ ويكلّمه بزخرفٍ من القول باطلٍ.
{فلمّا ذاقا الشّجرة} يقول: فلمّا ذاق آدم وحوّاء ثمر الشّجرة يقول: طعماه. {بدت لهما سوآتهما} يقول: انكشفت لهما سوآتهما، لأنّ اللّه أعراهما من الكسوة الّتي كان كساهما قبل الذّنب والخطيئة، فسلبهما ذلك بالخطيئة الّتي أخطآ، أو المعصية الّتي ركبا. {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة} يقول: أقبلا وجعلا يشدّان عليهما من ورق الجنّة ليواريا سوآتهما.
- كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة} قال: جعلا يأخذان من ورق الجنّة فيجعلان على سوآتهما.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، عن الحسن، عن أبيّ بن كعبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كان آدم كأنّه نخلةٌ سحوقٌ، كثير شعر الرّأس، فلمّا وقع بالخطيئة بدت له عورته وكان لا يراها، فانطلق فارًّا، فتعرّضت له شجرةٌ فحبسته بشعره، فقال لها: أرسليني، فقالت: لست بمرسلتك، فناداه ربّه: يا آدم، أمنّي تفرّ؟ قال: لا، ولكنّي استحيتك».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، وابن مباركٍ عن الحسن، عن عمارة، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانت الشّجرة الّتي نهى اللّه عنها آدم وزوجته: السّنبلة، فلمّا أكلا منها بدت لهما سوآتهما، وكان الّذي وارى عنهما من سوآتهما أظفارهما، {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة} ورق التّين يلصقان بعضها إلى بعضٍ، فانطلق آدم مولّيًا في الجنّة، فأخذت برأسه شجرةٌ من الجنّة، فناداه: أي آدم أمنّي تفرّ؟ قال: لا، ولكنّي استحيتك يا ربّ، قال: أما كان لك فيما منحتك من الجنّة وأبحتك منها مندوحةٌ عمّا حرّمت عليك؟ قال: بلى يا ربّ، ولكن وعزّتك ما حسبت أنّ أحدًا يحلف بك كاذبًا. قال: وهو قول اللّه: {وقاسمهما إنّي لكما لمن النّاصحين}، قال: فبعزّتي لأهبطنّك إلى الأرض، ثمّ لا تنال العيش إلاّ كدًّا، قال: فأهبط من الجنّة، وكانا يأكلان فيها رغدًا، فأهبطا في غير رغدٍ من طعامٍ وشرابٍ، فعلّم صنعة الحديد، وأمر بالحرث، فحرث وزرع ثمّ سقى. حتّى إذا بلغ حصده ثمّ داسه، ثمّ ذراه، ثمّ طحنه، ثمّ عجنه، ثمّ خبزه، ثمّ أكله، فلم يبلغه حتّى بلغ منه ما شاء اللّه أن يبلغ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {يخصفان}، قال: يرقّعان كهيئة الثّوب.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: يخصفان عليهما من الورق كهيئة الثّوب.
- حدّثنا بشر، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فلمّا ذاقا الشّجرة بدت لهما سوآتهما} وكانا قبل ذلك لا يريانها، {وطفقا يخصفان} الآية.
- حدّثنا بشر، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: حدّثنا الحسن، عن أبيّ بن كعبٍ، أنّ آدم، عليه السّلام كان رجلاً طوالاً، كأنّه نخلةٌ سحوقٌ، كثير شعر الرّأس، فلمّا وقع بما وقع به من الخطيئة، بدت له عورته عند ذلك، وكان لا يراها. فانطلق هاربًا في الجنّة، فعلّقت برأسه شجرةٌ من شجر الجنّة، فقال لها: أرسليني، قالت: إنّي غير مرسلتك. فناداه ربّه: يا آدم، أمنّي تفرّ؟ قال: ربّ، إنّي استحيتك.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جعفر بن عونٍ، عن سفيان الثّوريّ، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة} قال: ورق التّين.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن حسام بن مصكٍّ، عن قتادة، وأبي بكرٍ عن غير قتادة قال: كان لباس آدم في الجنّة ظفرًا كلّه، فلمّا وقع بالذّنب كشط عنه وبدت سوأته.
قال أبو بكرٍ: قال غير قتادة: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة} قال: ورق التّين.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {بدت لهما سوآتهما} قال: كانا لا يريان سوآتهما.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، عن ابن عيينة، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: سمعت وهب بن منبّهٍ، يقول: {ينزع عنهما لباسهما}، قال: كان لباس آدم وحوّاء عليهما السّلام نورًا على فروجهما، لا يرى هذا عورة هذه، ولا هذه عورة هذا. فلمّا أصابا الخطيئة بدت لهما سوآتهما.
القول في تأويل قوله تعالى: {وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة وأقل لكما إنّ الشّيطان لكما عدوٌّ مبينٌ}.
يقول تعالى ذكره: ونادى آدم وحوّاء ربّهما: ألم أنهكما عن أكل ثمرة الشّجرة الّتي أكلتما ثمرها، وأعلمكما أنّ إبليس لكما عدوٌّ مبينٌ؟ يقول: قد أبان عداوته لكما بترك السّجود لآدم حسدًا وبغيًا.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن قيسٍ، قوله: {وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة وأقل لكما إنّ الشّيطان لكما عدوٌّ مبينٌ}؟ لم أكلتها وقد نهيتك عنها؟ قال: يا ربّ، أطعمتني حوّاء، قال لحوّاء: لم أطعمته؟ قالت: أمرتني الحيّة. قال للحيّة: لم أمرتها؟ قالت: أمرني إبليس. قال: ملعونٌ مدحورٌ، أمّا أنت يا حوّاء فكما دميت الشّجرة تدمين كلّ شهرٍ، وأمّا أنت يا حيّة فأقطع قوائمك فتمشين على وجهك، وسيشدخ رأسك من لقيك، {اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن سفيان بن حسينٍ، عن يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا أكل آدم من الشّجرة قيل له: لم أكلت من الشّجرة الّتي نهيتك عنها؟ قال: حوّاء أمرتني، قال: فإنّي قد أعقبتها أن لا تحمل إلاّ كرهًا ولا تضع إلاّ كرهًا. قال: فرنّت حوّاء عند ذلك، فقيل لها: الرّنّة عليك وعلى ولدك). [جامع البيان: 10/ 110-115]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فدلّاهما بغرورٍ فلمّا ذاقا الشّجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة وأقل لكما إنّ الشّيطان لكما عدوٌّ مبينٌ (22)}
قوله تعالى: {فدلاهما بغرورٍ}
- ذكر عن محمّد بن حاتمٍ المؤدّب، ثنا عليّ بن ثابتٍ، عن موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ: {فدلاهما بغرورٍ} قال: منّاهما بغرورٍ.
قوله تعالى: {فلمّا ذاقا الشّجرة}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: فأبى آدم أن يأكل منها، فتقدّمت حوّاء فأكلت ثمّ قالت: يا آدم، كل فإنّي قد أكلت فلم تنظرني. فلما أكل آدم بدت لهما سوآتهما.
قوله تعالى:{ بدت لهما سوآتهما}
- حدّثنا عليّ بن الحسين بن أشكاب، ثنا عليّ بن عاصمٍ ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن: عن أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه خلق آدم رجلا طوالا كثير شعر الرّأس كأنّه نخلةٌ سحوقٌ، فلمّا ذاق الشّجرة سقط عنه لباسه، فأوّل ما بدا منه عورته، فلمّا نظر إلى عورته جعل يشتدّ في الجنّة، فأخذت شعره شجرةٌ فنازعها، فناداه الرّحمن: يا آدم، منّي تفرّ؟ فلمّا سمع كلام الرّحمن قال: يا ربّ لا، ولكن استحياءً، أرأيت إن تبت ورجعت أعائدٌ إلى الجنّة؟ قال: نعم، فذلك قوله: {فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ ... الآية}.
- ذكره أبي ثنا عبد الرّحمن بن عمرو بن رستة، ثنا أبو قتيبة، ثنا الحسن بن أبي جعفرٍ عن عمرو بن مالكٍ، عن أبي الجوزاء، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {فبدت لهما سوآتهما} قال: لمّا أسكن اللّه آدم الجنّة كساه سربالاً من الظّفر، فلمّا أصاب الخطيئة سلبه السّربال فبقي في أطراف أصابعه.
قوله تعالى: {وطفقا}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ:
قوله: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة} قال: أقبلا يغطّيان عليهما من ورق الجنّة، التّين.
قوله تعالى: {يخصفان عليهما}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا جعفر بن عونٍ ثنا سفيان عن ابن أبي ليلى، عن المنهال عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة}؛ قال: ينزعان ورق التّين ويجعلانه على سوءاتهما.
- وحدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: {يخصفان} يرقّعان كهيئة الثّوب.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وطفقا يخصفان عليهما}؛ أقبلا يغطّيان عليهما.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ عن قتادة: في قوله: {يخصفان عليهما من ورق الجنّة}؛ يوصلان عليهما من ورق الجنّة.
- ذكر عن محمّد بن حاتمٍ، ثنا عليّ بن ثابتٍ عن موسى بن عبيدة عن محمّد بن كعبٍ: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة}؛ قال: يأخذان ما يواريان به عورتهما.
قوله تعالى: {من ورق الجنّة}
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا أبو يحيى الحمّانيّ، ثنا النّضر أبو عمر الخزّاز عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ: في قوله: {يخصفان عليهما من ورق الجنّة}؛ قال: ورق التّين. وروي عن السّدّيّ: مثل ذلك.
قوله تعالى: {وناداهما ربهما}
- حدّثنا عليّ بن الحسين بن أشكاب، ثنا عليّ بن عاصمٍ عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن الحسن: عن أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه خلق آدم رجلا طوالا كثير شعر الرّأس كأنّه نخلةٌ سحوقٌ، فلمّا ذاق الشّجرة سقط عنه لباسه، فأوّل ما بدا منه عورته، فلمّا نظر إلى عورته جعل يشتدّ في الجنّة، فأخذت شعره شجرةٌ فنازعها، فناداه الرّحمن عزّ وجلّ: يا آدم، منّي تفرّ؟ فلمّا سمع كلام الرّحمن قال: يا ربّ لا، ولكن استحياءً».
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ عمر بن عبد الرّحمن بن مهربٍ قال: سمعت وهب بن منبّهٍ قال: دخل آدم في جوف الشّجرة فناداه ربّه عزّ وجلّ: يا آدم، أين أنت؟ قال: أنا هذا يا ربّ. قال: ألا تخرج. قال: أستحي منك يا ربّ.
قوله تعالى:{ ألم أنهكما عن تلكما الشجرة}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة} قال آدم: ربّ إنّه حلف لي بك، ولم أكن أظنّك أنّ أحدًا من خلقك يحلف بك إلا صادقًا.
قوله تعالى: {وأقل لكما إنّ الشّيطان لكما عدوٌّ مبينٌ}). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1451-1454]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يخصفان يعني يرقعان كهيئة الثوب).[تفسير مجاهد: 232-233]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني عبد الصّمد بن عليٍّ البزّاز، ببغداد، ثنا أحمد بن محمّد بن عبد الحميد الجعفيّ، ثنا عبد العزيز بن أبان، ثنا سفيان الثّوريّ، عن عمرو بن قيسٍ الملائيّ، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: «كان لباس آدم وحوّاء مثل الظّفر، فلمّا ذاقا الشّجرة، جعلا يخصفان عليهما، من ورق الجنّة». قال: هو ورق التّين «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/ 350]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب في قوله: {فدلاهما بغرور}؛ قال: مناهما بغرور
- وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما} وكانا قبل ذلك لا يريانها.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن عكرمة قال: لباس كل دابة منها ولباس الإنسان الظفر فأدركت آدم التوبة عند ظفره.
- وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه والبيهقي في "سننه"، وابن عساكر في تاريخه عن ابن عباس قال: كان لباس آدم وحواء كالظفر فلما أكلا من الشجرة لم يبق عليهما إلا مثل الظفر {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} قال: ينزعان ورق التين فيجعلانه على سوءاتهما.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما أسكن الله آدم الجنة كساه سربالا من الظفر فلما أصاب الخطيئة سلبه السربال فبقي في أطراف أصابعه.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: كان لباس آدم الظفر بمنزلة الريش على الطير فلما عصي سقط عنه لباسه وتركت الأظفار زينة ومنافع.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال: كان لباس آدم في الجنة الياقوت فلما عصى تقلص فصار الظفر.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: كان آدم طوله ستون ذراعا فكساه الله هذا الجلد وأعانه بالظفر يحتك به.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وطفقا يخصفان}؛ قال: يرقعان كهيئة الثوب.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وطفقا يخصفان عليهما}؛ قال: أقبلا يغطيان عليهما.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {يخصفان عليهما من ورق الجنة} قال: يوصلان عليهما من ورق الجنة.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} قال: يأخذان ما يواريان به عورتهما.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي: {وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة} قال آدم: رب إنه خلف لي بك ولم أكن أظن أن أحدا من خلقك يحلف بك إلا صادقا). [الدر المنثور: 6/ 346-349]

تفسير قوله تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)}

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري، عن خصيف الجزري، عن مجاهد وسعيد بن جبير في قول الله: {فتلقى آدم من ربه كلماتٍ فتاب عليه}، {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 112] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}.
وهذا خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن آدم وحوّاء فيما أجاباه به، واعترافهما على أنفسهما بالذّنب، ومسألتهما إيّاه المغفرة منه والرّحمة، خلاف جواب اللّعين إبليس إيّاه.
ومعنى قوله: {قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا} قال: آدم وحوّاء لربّهما: يا ربّنا فعلنا بأنفسنا من الإساءة إليها بمعصيتك وخلاف أمرك وبطاعتنا عدوّنا وعدوّك، فيما لم يكن لنا أن نطيعه فيه من أكل الشّجرة الّتي نهيتنا عن أكلها. {وإن لم تغفر لنا}؛ يقول: وإن أنت لم تستر علينا ذنبنا فتغطّيه علينا، وتترك فضيحتنا به بعقوبتك إيّانا عليه، وترحمنا بتعطّفك علينا، وتركك أخذنا به، {لنكوننّ من الخاسرين} يعني: لنكوننّ من الهالكين.
وقد بيّنّا معنى الخاسر فيما مضى بشواهده والرّواية فيه بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قال: قال آدم عليه السّلام: يا ربّ، أرأيت إن تبت واستغفرتك؟ قال: إذًا أدخلك الجنّة، وأمّا إبليس فلم يسأله التّوبة، وسأل النّظرة، فأعطي كلّ واحدٍ منهما ما سأل.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا} الآية، قال: هي الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه). [جامع البيان: 10/ 115-116]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين (23)}
قوله تعالى: {قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجابٌ، أنبأ بشرٌ بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عباس: قال آدم وحواء: ربّنا ظلمنا أنفسنا يعني ذنبًا أذنباه. فغفره لهما.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان الثّوريّ عن خصيفٍ عن مجاهدٍ: وسعيد بن جبيرٍ: فتلقّى آدم من ربّه كلماتٍ قالا: قوله: {ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}. وروي عن الحسن: وقتادة ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ وخالد بن معدان وعطاءٍ الخراسانيّ والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1454]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {قالا} قال: آدم وحواء {ربنا ظلمنا أنفسنا} يعني ذنبا أذنبناه فغفره لهما.
- وأخرج عبد بن حميد عن الحسن {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا} الآية، قال: هي الكلمات التي تلقى آدم من ربه.
- وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك، مثله.
- وأخرج أحمد في الزهد وأبو الشيخ عن قتادة قال: إن المؤمن ليستحي ربه من الذنب إذا وقع به ثم يعلم بحمد الله أين المخرج يعلم أن المخرج في الاستغفار والتوبة إلى الله عز وجل فلا يحتشمن رجل من التوبة فإنه لولا التوبة لم يخلص أحدا من عباد الله وبالتوبة أدرك الله أباكم الرئيس في الخير من الذنب حين وقع به). [الدر المنثور: 6/ 349]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)}

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدّثني ابن مهديٍّ أيضًا عن إسرائيل عن إسماعيل السّدّيّ قال: حدّثني من سمع ابن عبّاسٍ يقول: {اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌ}، قال: آدم، وحواء، وإبليس، والحيّة؛ قال: {ولكم في الأرض مستقرٌ}، قال: القبور؛ قال: {ومتاعٌ إلى حينٍ}، قال: الحياة). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 112-113]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ليثٍ عن مجاهدٍ في قوله: {اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدو} قال: آدم والحية والشيطان ). [تفسير الثوري: 111]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {قال اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا الحسن بن يزيد، عن السّدّي في قوله عزّ وجلّ: {اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ} قال: آدم وحواء والحيّة، حيث ما أدركها ابن آدم قتلها، وحيثما أدركت ابن آدم أخذت بعضده). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 135]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {ومتاعٌ إلى حينٍ}: «هو ها هنا إلى يوم القيامة، والحين عند العرب من ساعةٍ إلى مالا يحصى عدده). [صحيح البخاري: 6/ 58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {ومتاعٌ إلى حينٍ} إلخ تقدّم في بدء الخلق). [فتح الباري: 8/ 299]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({ومتاعٌ إلى حينٍ} إلى يوم القيامة والحين عند العرب من ساعةٍ إلى ما لا يحصي عددها.
أشار به إلى قوله تعالى: {ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} ونبه على أن المراد من الحين، هنا هو: إلى يوم القيامة وفي بعض النّسخ، ومتاع إلى حين، هو هاهنا إلى يوم القيامة، ثمّ أشار بقوله: والحين عند العرب إلى الحين يستعمل لأعداد كثيرة، وأدناه ساعة، وقال ابن الأثير: الحين الوقت، وفي (المغرب) الحين كالوقت لأنّه بهم يقع على القليل والكثير وقد مضى الكلام فيه في بدء الخلق). [عمدة القاري: 18/ 233]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( {ومتاع إلى حين} هو هاهنا إلى يوم القيامة وثبت للأبوين هو وسقط لأبي ذر يوم (والحين عند العرب من ساعة إلى ما لا يحصى عددها) ولأبوي ذر والوقت عدده وأقله ساعة). [إرشاد الساري: 7/ 124]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ}. وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن فعله بإبليس وذرّيّته، وآدم وولده، والحيّة، يقول تعالى ذكره لآدم وحوّاء وإبليس والحيّة: اهبطوا من السّماء إلى الأرض بعضكم لبعضٍ عدوٌّ.
- كما حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عمرو بن طلحة، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ: {اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ}، قال: فلعن الحيّة، وقطع قوائمها، وتركها تمشي على بطنها، وجعل رزقها من التّراب، واهبطوا إلى الأرض: آدم وحوّاء وإبليس والحيّة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن أبي عوانة، عن إسماعيل بن سالمٍ، عن أبي صالحٍ: {اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ} قال: آدم وحوّاء والحيّة.
وقوله: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} يقول: ولكم يا آدم وحوّاء وإبليس والحيّة، في الأرض قرارٌ تستقرّونه وفراشٌ تمتهدونه.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم العسقلانيّ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال: هو قوله: {الّذي جعل لكم الأرض فراشًا}.
- وروي عن ابن عبّاسٍ، في ذلك ما حدّثت عن عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عمّن حدّثه عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال: القبور.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر آدم وحوّاء وإبليس والحيّة إذ أهبطوا إلى الأرض، أنّهم عدوٌّ بعضهم لبعضٍ، وأنّ لهم فيها مستقرًّا يستقرّون فيه، ولم يخصّصها بأنّ لهم فيها مستقرًّا في حال حياتهم دون حال موتهم، بل عمّ الخبر عنها بأنّ لهم فيها مستقرًّا، فذلك على عمومه كما عمّ خبر اللّه، ولهم فيها مستقرٌّ في حياتهم على ظهرها وبعد وفاتهم في بطنها، كما قال جلّ ثناؤه: {ألم نجعل الأرض كفاتًا}، {أحياءً وأمواتًا}.
وأمّا قوله: {ومتاعٌ إلى حينٍ}، فإنّه يقول جلّ ثناؤه: ولكم فيها متاعٌ تستمتعون به إلى انقطاع الدّنيا، وذلك هو الحين الّذي ذكره.
- كما حدّثت عن عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن السّدّيّ، عمّن حدّثه عن ابن عبّاسٍ: {ومتاعٌ إلى حينٍ} قال: إلى يوم القيامة وإلى انقطاع الدّنيا.
والحين نفسه الوقت، غير أنّه مجهول القدر، يدلّ على ذلك قول الشّاعر:
وما مراحك بعد الحلم والدّين ....... وقد علاك مشيبٌ حين لا حين
أي وقت لا وقت). [جامع البيان: 10/ 116-118]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({قال اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ (24)}
قوله تعالى: {قال اهبطوا}
- حدّثنا أبو هارون محمّد بن خالدٍ الخزّاز، ثنا يحيى بن زيادٍ، أخبرني ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة قال: أهبط آدم يديه على ركبتيه مطأطئًا رأسه، وأهبط إبليس مشبّكًا بين أصابعه رافعًا رأسه إلى السّماء.
- حدّثنا محمّد بن عمّار بن الحارث، ثنا محمّد بن سعيد بن سابقٍ، ثنا عمرو بن أبي قيسٍ عن أبي عديّ الزّبير بن عديٍّ عن ابن عمر قال: أهبط آدم بالصّفا، وحوّاء بالمروة.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا المقدسيّ ثنا عمران بن عيينة عن عطاء بن السّائب عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: إنّ أوّل ما أهبط اللّه آدم إلى الأرض أهبطه بدحناء أرضٌ بالهند.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا جريرٌ عن عطاءٍ عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: قال: أهبط آدم عليه السّلام إلى أرضٍ يقال لها دحنا، بين مكّة والطّائف.
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا هشام بن عمّارٍ، ثنا صدقة بن عمرو الغساني ثنا عبّاد بن ميسرة، عن الحسن قال: هبط آدم بالهند، وحوّاء بجدّة، وإبليس بدست ميسان- من البصرة على أميالٍ، وهبطت الحيّة بأصبهان.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قال: قال اللّه: اهبطوا منها جميعًا فهبطوا: فنزل آدم بالهند وأنزل معه بقبضةٍ من ورق الجنّة فبثّه بالهند فنبتت شجرة الطّيب فإنّما أصل ما يجاء به من الهند من الطّيب من قبضة الورق الّتي هبط بها آدم، وإنّما قبضها آدم حين أخرج من الجنّة أسفًا على الجنّة حين أخرج منها.
- أخبرنا أبي، ثنا أيّوب بن محمّدٍ الرّقّيّ ثنا ضمرة عن النّسريّ بن يحيى قال: أهبط آدم من الجنّة ومعه البذور، فوضع إبليس عليها يده، فما أصاب يده ذهب منفعته.
قوله تعالى: {بعضكم لبعضٍ عدوٌّ}
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً أنبأ ابن وهبٍ قال: وحدّثني عبد الرّحمن بن مهديٍّ عن إسرائيل عن إسماعيل السّدّيّ: حدّثني من سمع ابن عبّاسٍ يقول: {اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ} قال: آدم وحوّاء وإبليس والحيّة.
قوله تعالى: {ولكم في الأرض مستقرٌّ}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل عن السّدّيّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله:
{ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال: مستقرٌّ، القبور. وروي عن ابن مسعودٍ والسّدّيّ: نحو ذلك.
- حدّثنا أبي ثنا محمّد بن حاتمٍ الزّمّيّ ثنا عبيدة بن حميدٍ، عن عمّارٍ الدّهنيّ عن حميدٍ المدنيّ عن كريبٍ عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{ولكم في الأرض مستقرٌّ} قال: مستقرٌّ فوق الأرض ومستقرٌّ تحت الأرض.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية في قوله:
{ولكم في الأرض مستقرٌّ}؛ قال: هو قوله: الّذي جعل لكم الأرض فراشًا.
قوله: {ومتاعٌ إلى حين}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله:
{ومتاعٌ إلى حين}؛ يقول: بلاغٌ إلى الموت.
قوله تعالى: {إلى حينٍ}
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل عن السّدّيّ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ:
{ومتاعٌ إلى حين}؛ قال: الحياة.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن حاتمٍ الزّمّيّ ثنا عبيدة بن حميدٍ عن عمّارٍ الدّهنيّ عن حميدٍ المدنيّ عن كريبٍ عن ابن عبّاسٍ: قوله:
{ومتاعٌ إلى حين} قال: حتّى يصير إلى الجنّة أو إلى النّار.
- حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن سعدٍ حدّثني أبي عن أبيه عن إبراهيم الصّائغ عن يزيد النّحويّ قال: قال عكرمة
{ومتاعٌ إلى حين}؛ قال: الحين الّذي لا يدرك). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1454-1456]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن كريب قال: دعاني ابن عباس فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله إلى فلان حبر تيما حدثني عن قوله: {ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} فقال: هو مستقره فوق الأرض ومستقره في الرحم ومستقره تحت الأرض ومستقره حيث يصير إلى الجنة أو إلى النار). [الدر المنثور: 6/ 349]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون}.
يقول تعالى ذكره: قال اللّه للّذين أهبطهم من سمواته إلى أرضه: {فيها تحيون} يقول: في الأرض تحيون، يقول: تكونون فيها أيّام حياتكم، {وفيها تموتون}؛ يقول: في الأرض تكون وفاتكم، {ومنها تخرجون}؛ يقول: ومن الأرض يخرجكم ربّكم، ويحشركم إليه لبعث القيامة أحياءً). [جامع البيان: 10/ 118]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال الحارث بن محمّد بن أبي أسامة: ثنا محمد بن عمر الواقديّ، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن أبي فروة، عن عبد اللّه بن عمرو بن الحارث: "سمعت تبيع بن امرأة كعبٍ يقول في قوله عزّ وجلّ: (فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون) قال: يعني الأرض منها خلق اللّه- عزّ وجلّ- آدم وفيها يدفنون إذا ماتوا ومنها يخرجون، تمطر السماء أربعين ليلة فتخرج الموتى من الأرض".
هذا إسنادٌ ضعيفٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/ 209]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال الحارث: حدثنا محمّد بن عمر، ثنا إبراهيم بن عبد اللّه، عن عبد اللّه بن عمرو بن الحارث، قال: سمعت تبيع ابن امرأة كعبٍ يقول في قوله عزّ وجلّ: {فيها تحيون وفيها تموتون}، قال: الأرض منها خلق اللّه تعالى (آدم)، وفيها يدفنون إذا ماتوا، ومنها يخرجون، تمطر السّماء أربعين ليلةً، فيخرج الموتى من الأرض.
(وله شاهد في الصحيح) ). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/ 662]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن كريب قال: دعاني ابن عباس فقال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله إلى فلان حبر تيما حدثني عن قوله: {ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين}؛ فقال: هو مستقره فوق الأرض ومستقره في الرحم ومستقره تحت الأرض ومستقره حيث يصير إلى الجنة أو إلى النار). [الدر المنثور: 6/ 349] (م)


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ربيع الثاني 1434هـ/6-03-2013م, 11:37 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)}


تفسير قوله تعالى: {وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين (19)}
هذا الاختيار، أعني ذكر أنت، تقول اذهب أنت وزيد، ولو قلت: اذهب وزيد كان قبيحا.
وقد فسرناه فيما سلف:
وقوله: {ولا تقربا هذه الشّجرة}.
قال بعضهم: هي السنبلة، وقيل هي شجرة الكرم.
وقوله: {فتكونا من الظّالمين}.
الأجود أن يكون. " فتكونا " في موضع نصب على جوانب الأمر بالفاء.
أي فإنكما إن قربتماها كنتما من الظالمين.
ويجوز أن يكون في موضع جزم عطفا على قوله: ولا تقربا فتكونا، أي فلا تكونا من الظالمين). [معاني القرآن: 2/ 326]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولا تقربا هذه الشجرة}
روي عن ابن عباس أنها السنبلة). [معاني القرآن: 3/ 20]

تفسير قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فوسوس لهما الشّيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين}
وقال: {فوسوس لهما الشّيطان} والمعنى: فوسوس إليهما الشيطان. ولكن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل، ومنهم من تقول: "غرضت" في معنى: اشتقت إليه. وتفسيرها: غرضت من هؤلاء إليه.
وقال: {إلاّ أن تكونا ملكين} يقول: {ما نهاكما إلاّ} كراهة {أن تكونا} كما تقول: "إياك أن تفعل" أي: كراهة أن تفعل). [معاني القرآن: 2/ 3-4]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة العامة {سوآتهما} بالجمع.
وقراءة أخرى "سوأتهما" يصير واحدًا.
والسوءة: الفرج، والعورة أيضًا.
وقال الشاعر:
خرقوا جيب فتاتهم = لم يبالوا سوءة الرجله
يريد: المرأة.
قراءة الحسن {إلا أن تكونا ملكين} أي من الملائكة، وحكيت قراءة أخرى "ملكين" من الملك؛ ولم تسم لنا). [معاني القرآن لقطرب: 561]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ليبدي لهما} أي ليظهر. ما ووري عنهما أي ستر.
والتّواري والمواراة منه). [تفسير غريب القرآن: 166]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فوسوس لهما الشّيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلّا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (20)}
تدل واللّه أعلم على معنى قوله: {وقال ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلّا أن تكونا ملكين}.
ويجوز ملكين، لأن قوله: {هل أدلّك على شجرة الخلد وملك لا يبلى}
يدل على ملكين وأحسبه قد قرئ به، فتدل - واللّه أعلم - على أن القول إنّما كان وسوسة من إبليس.
والأجود أن يكون خطابا، لقوله {وقاسمهما إنّي لكما لمن النّاصحين (21)} ). [معاني القرآن: 2/ 326]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما}؛ أي ليظهر لهما ما ستر عنهما من فروجهما ومن هذا تواريت من فلان
وقرأ الضحاك ويحيى بن أبي كثير ما أوري عنهما
وقوله جل وعز: {إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين}
وأكثر الناس على فتح اللام وقال من احتج بكسر اللام قوله جل وعز: {وملك لا يبلى} يدل على القراءة ملكين لأن ملكا من ملك
وأنكر أبو عمرو بن العلاء كسر اللام وقال لم يكن قبل
آدم عليه السلام ملك فيصيرا ملكين). [معاني القرآن: 3/ 20-21]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وقاسمهما} أي حالفهما، وله موضع آخر في موضع معنى القسمة). [مجاز القرآن: 1/ 212]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {وقاسمهما} فكان ابن عباس يقول: حلف لهما، من القسم لا من القسمة، وقال {تقاسموا بالله} أي تحالفوا.
وقال خالد بن زهير الهذلي:
وقاسمها بالله جهدا لأنتم = ألذ من السلوى إذا ما نشورها
وقال الأعشى:
رضيعي لبان ثدي أم تقاسما = بأسحم داج عوض لا يتفرق.
ويروى: عوض بالرفع والنصب.
[معاني القرآن لقطرب: 585]
تقاسما: مثل تحالفا). [معاني القرآن لقطرب: 586]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وقاسمهما}: من القسم. أي حلف لهما). [غريب القرآن وتفسيره: 144]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وقاسمهما إنّي لكما لمن النّاصحين (21)}؛ أي فحلف لهما). [معاني القرآن: 2/ 326-327]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} أقسم لهما مثل طارقت النعل
وقيل حلفا أن لا يقبلا منه إلا أن يحلف فحلف لهما). [معاني القرآن: 3/ 21]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وقَاسَمَهُمَا}: حلف لهما). [العمدة في غريب القرآن: 133]

تفسير قوله تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {سوءاتهما}؛ كناية عن فرجيهما.
{وطفقا يخصفان عليهما}؛ يقال: طفقت أصنع كذا وكذا كقولك: ما زلت أصنع ذا وظللت، ويخصفان الورق بعضه إلى بعض). [مجاز القرآن: 1/ 212]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {فدلاّهما بغرورٍ فلمّا ذاقا الشّجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة وأقل لّكما إنّ الشّيطان لكما عدوٌ مّبينٌ}
وقال: {وطفقا} وقال بعضهم {وطفقا} فمن قال: "طفق" قال: "يطفق" ومن قال "طفق" قال "يطفق".
وقال: {يخصفان} جعلها من "يختصفان" فأدغم التاء في الصاد فسكنت وبقيت الخاء ساكنة فحركت الخاء بالكسر لاجتماع السكانين. ومنهم من يفتح الخاء ويحول عليها حركة التاء وهو كقوله: {أمّن لاّ يهدّي} وقال بعضهم {يهدّي إلا أن يهدى} ). [معاني القرآن: 2/ 4]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة الحسن "يخصفان عليهما" بنصب الياء وكسر الخاء والصاد.
قراءة أبي عمرو {يخصفان عليهما} مثل خصف النعل.
وكان ابن عباس رحمه الله يقول: يوصلان الورق بعضه إلى بعض وقد فسرنا ذلك في الإدغام وغيره.
والمعنى في قراءة الحسن: يختصفان؛ فأدغم التاء في الصاد). [معاني القرآن لقطرب: 561]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {وطفقا يخصفان عليهما} قالوا: طفق يفعل؛ وقوله {فطفق مسحا} من ذلك؛ والمعنى أي: أقبل، جعل، أخذ.
وكان ابن عباس يقول في {وطفقا}: وعمدا يخصفان ذاك.
وبعض العرب يقول: قد بدأ فلان يفعل بدءًا مهموز؛ وبدوا بلا همز). [معاني القرآن لقطرب: 586]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({وطفقا يخصفان}: ظلا يخيطان الورق بعضه إلى بعض). [غريب القرآن وتفسيره: 144]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وطفقا} أي جعلا وأقبلا. يقال: طفقت أفعل كذا.
{يخصفان} أي يصلان الورق بعضه ببعض، ويلصقان بعضه على بعض. ومنه يقال: خصفت نعلي: إذا طبّقت عليها رقعة). [تفسير غريب القرآن: 166]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فدلّاهما بغرور فلمّا ذاقا الشّجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة وأقل لكما إنّ الشّيطان لكما عدوّ مبين (22)}
أي: دلاهما في المعصية بأن غرهما.
{فلمّا ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما}؛ أي ظهرت لهما فروجهما، وإنما السّوءة كناية عن الفرج، إلا أن الأصل - في التسمية السّوءة.
وقوله عزّ وجلّ: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة}.
معنى طفقا أخذا في الفعل، والأكثر طفق يطفق. وقد رويت طفق يطفق، بكسر الفاء.
وقيل: كان ورق الجنة ذلك ورق التين، ومعنى يخصفان، يجعلان ورقة على ورقة، ومنه قيل للخصّاف الذي يرقع النعل: هو يخصف.
قال الشاعر:
أو يخصف النعل لهفي أيّة صنعا
ويجوز يخصفان ويخصّفان، والأصل الكسر في الخاء، وفتحها وتشديد الصّاد، ويكون المعنى: يختصفان.
وفي هذه الآية دليل على أن أمر التكشف وإظهار السوءة قبيح من لدن
آدم. ألا ترى أنه ذكر عظم شأنها في المعصية فقال: (فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما).
وأنهما بادرا يستتران لقبح التكشف.

وقوله: {ووري عنهما}.
يجوز فيه أورى، لأنّ الواو مضمومة، إن شئت أبدلت منها همزة، إلا أن القراءة تتبع في ذلك.
والقراءة المشهورة وخط المصحف (ووري) بالواو.
ومعنى {إلا أن تكونا ملكين}، وقوله:{ذاقا الشجرة} يدل على أنهما ذاقاها ذوقا ولم يبالغا في الأكل.
وقوله: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التّقوى ذلك خير ذلك من آيات اللّه لعلّهم يذّكّرون (26)}
ويقرأ (ورياشا) والريش اللباس. العرب تقول: أعطيته بريشته، أي بكسوته، والريش كل ما ستر الرجل في جسمه ومعيشته، يقال: تريّش فلان أي صار له ما يعيش به، أنشد سيبويه وغيره.
فريشي منكمو وهواي معكم... وإن كانت زيارتكم لماما
(ولباس التّقوى) برفع اللباس، فمن نصب عطف به على الريش يكون المعنى: أنزلنا عليكم لباس التقوى، ويرفع خيرا بذلك.
ومن رفع اللباس فرفعه على ضربين:
أحدهما أن يكون مبتدأ ويكون ذلك من صفته، ويكون (خير) خبر الابتداء. المعنى ولباس التقوى المشار إليه خير.
ويجوز أن يكون. (ولباس التقوى) مرفوعا بإضمار " هو " المعنى هو
لباس التقوى: أي وستر العورة لباس المتقين.
ثم قال: (ذلك خير) ويكون على أن لباس التقوى مرفوع بالابتداء، ويكون (ذلك) خير يرتفع به " خير " على أنه خبر ذلك.
ويكون ذلك بمنزلة " هو " كأنه - واللّه أعلم - ولباس التقوى هو خير، لأن أسماء الإشارة تقرب فيما يعود من الذكر من المضمر.
والوجهان الأوّلان أبين في العربية). [معاني القرآن: 2/ 327-329]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فدلاهما بغرور}المعنى فدلاهما في المعصية
ثم قال جل وعز: {فلما ذاقا الشجرة} وهذا يدل على أنهما لم يمعنا في الأكل
وقوله جل وعز: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة}؛ أي أخذ يلزقان ومنه خصفت النعل أي رقعتها.
قال ابن عباس: وهو ورق التين أخذاه فجعلاه على سوءاتهما والفرق بين معصية آدم ومعصية إبليس أن إبليس أقام على الذنب وتاب آدم ورجع قال الله جل وعز: {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} ). [معاني القرآن: 3/ 21-22]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وَطَفِقَا} أي عمدا وأقبلا.
{يخْصِفَانِ} أي يصلان بعض الورق إلى بعض). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 84]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {وطَفِقَا}: جعلا
{يَخْصِفَانِ}: يحيطان الورق). [العمدة في غريب القرآن: 133-134]

تفسير قوله تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23)}

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لّم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين}
وقال: {وإن لّم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين} فكأنه على القسم والله أعلم كأنه قال: "و الله لنكوننّ من الخاسرين إن لم تغفر لنا وترحمنا"). [معاني القرآن: 2/ 4]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24)}

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (ومتاعٌ إلى حينٍ) (23) إلى وقت يوم القيامة، وقال:
وما مزاحك بعد الحلم والدّين ....... وقد علاك مشيب حين لاحين
أي وقت لا وقت). [مجاز القرآن: 1/ 212]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25)}
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن ومجاهد وأبو عمرو وأهل المدينة {ومنها تخرجون} بضم التاء في الكتاب كله، إلا حرفًا واحدًا {ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون}.
أصحاب عبد الله بن مسعود يفتحون في القرآن كله {تخرجون}.
وقوله {فاليوم لا يخرجون منها} يفتحون الياء أيضًا). [معاني القرآن لقطرب: 562]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 11:42 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) }

قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وتقول فيما يكون معطوفاً على الاسم المضمر في النّية وما يكون صفة له في النّية كما تقول في المظهر.
أمّا المعطوف فكقولك رويدكم أنتم وعبد الله. كأنّك قلت افعلوا أنتم وعبد الله لأنّ المضمر في النيّة مرفوع فهو يجرى مجرى المضمر الذي يبيّن
علامته في الفعل. فإن قلت رويدكم وعبد الله فهو أيضاً رفعٌ وفيه قبحٌ لأنّك لو قلت اذهب وعبد الله كان فيه قبحٌ فإذا قلت اذهب أنت وعبد الله حسن. ومثل ذلك في القرآن {فاذهب أنت وربّك فقٌاتلا} و: {اسكن أنت وزوجك الجنة} ). [الكتاب: 1/ 246-247] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما قولك: رويدك زيدا فإن الكاف زائدة، وإنما زيدت للمخاطبة، وليست باسم، وإنما هي بمنزلة قولك: النجاءك يا فتى، وأريتك زيدا ما فعل?، وكقولك: أبصرك زيدا. إنما الكاف زائدة للمخاطبة، ولولا ذلك كان النجاءك محالاً؛ لأنك لا تضيف الاسم وفيه الألف واللام، وقوله عز وجل: {أرأيتك هذا الذي كرمت علي} قد أوضح لك أن الكاف زائدة. ولو كانت في رويدك علامةً للفاعلين لكان خطأ إذا قلت: رويدكم؛ لأن علامة الفاعلين الواو؛ كقولك: أرودوا.
واعلم أن هذه الأسماء ما كان منها مصدراً، أو موضوعاً موضع المصدر فإن فيه الفاعل مضمراً؛ لأنه كالفعل المأمور به. تقول: رويدك أنت وعبد الله زيدا، وعليك أنت وعبد الله أخاك. فإن حذفت التوكيد قبح، وإعرابه الرفع على كل حال؛ ألا ترى أنك لو قلت: قم وعبد الله كان جائزاً على قبح حتى تقول: قم أنت وعبد الله، و{فاذهب أنت وربك فقاتلا} و{اسكن أنت وزوجك الجنة}. فإن طال الكلام حسن حذف التوكيد؛ كما قال الله عز وجل: {لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا} وقد مضى هذا مفسراً في موضعه. وكذلك ما نعته بالنفس في المرفوع. إنما يجري على توكيد فإن لم تؤكد جاز على قبح. وهو قولك: قم أنت نفسك. فإن قلت: قم نفسك جاز. وذلك قولك: رويدك أنت نفسك زيدا، وعليك أنت نفسك زيدا، والحذف جائز قبيح إذا قلت: رويدك نفسك زيدا.
واعلم أنك إذا قلت: عليك زيدا ففي عليك اسمان: أحدهما: المرفوع الفاعل. والآخر: هذه الكاف المخفوضة. تقول: عليكم أنفسكم أجمعون زيدا، فتجعل قولك أجمعون للفاعل: وتجعل قولك: أنفسكم للكاف. وإن شئت أجريتهما جميعاً على الكاف فخفضته، وإن شئت أكدت، ورفعتهما لما ذكرت لك من قبح مجرى النفس في المرفوع إلا بتوكيد، وإن شئت رفعت بغير توكيد على قبح. وإن قلت: رويد نفسك، أو رويدك. جعلت النفس مفعولة بمنزلة زيد؛ كما قال الله عز وجل: {عليكم أنفسكم} ). [المقتضب: 3/ 209-211] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقوله:
فإني وقيارًا بها لغريب
أراد: فإني لغريب بها وقيارًا، ولو رفع لكان جيداٌ، تقول: إن زيداٌ منطلقٌ وعمراٌ وعمرو، فمن قال: "عمراٌ" فإنما رده على زيد، ومن قال: "عمرو" فله وجهان من الإعراب: أحدهما جيد، والآخر جائز، فأما الجيد فأن تحمل عمراٌ على الموضع، لأنك إذا قلت: إن زيداٌ منطلق فمعناه زيد منطلق فرددته على الموضع، ومثل هذا لست بقائم ولا قاعدًا، والباء زائدةٌ، لأن المعنى لست قائماٌ ولا قاعداٌ، ويقرأ على وجهين: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} (وَرَسُولَهُ) والوجه الآخر لأن يكون معطوفًا على المضمر في الخبر، فإن قلت إن زيداٌ منطلق هو وعمرو حسن العطف لأن المضمر المرفوع إنما يحسن العطف عليه إذا أكدته، كما قال الله تعالى: {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} و{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} إنما قبح العطف عليه بغير تأكيد لأنه لا يخلو من أن يكون مستكنا في الفعل بغير علامة، أو في الاسم الذي يجري مجرى الفعل، نحو إن زيدًا ذهب وإن زيداٌ ذاهب فلا علامة له، أو تكون له علامة يتغير لها الفعل عما كان نحو ضربت، سكنت الباء التي هي لام الفعل من أجل الضمير لأن الفعل والفاعل لا ينفك أحدهما عن صاحبه فهما كالشيء الواحد، ولكن المنصوب يجوز العطف عليه، ويحسن بلا تأكيد، لأنه لا يغير الفعل إذ كان الفعل قد يقع ولا مفعول فيه، نحو ضربتك وزيدًا، فأما قول الله عز وجل: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} فإنما يحسن بغير توكيد لأن" لا" صارت عوضًا، والشاعر إذا احتاج أجراه بلا توكيد لاحتمال الشعر ما لا يحسن في الكلام. وقال عمر بن أبي ربيعة:
قلت إذا أقبلت وزهرٌ تهادى ....... كنعاج الملا تعفسن رملا
وقال جرير:
ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه ....... ما لم يكن وأبٌ له لينالا
فهذا كثير. فأما النعت إذا قلت إن زيدًا يقوم العاقل فأنت مخير إن شئت قلت العاقل فجعلته نعتًا لزيد، أو نصبته على المدح وهو بإضمار أعني، وإن شئت رفعت على أن تبدله من المضمر في الفعل، وإن شئت كان على قطع وابتداءٍ، كأنك قلت إن زيدًا قام، فقيل من هو فقلت: العاقل، كما قال الله عز وجل: {قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ}، أي هو النار والآية تقرأ على وجهين على ما فسرنا: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} و{عَلَّامَ الْغُيُوبِ}). [الكامل: 1/ 416-418] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ومن التشبيه المحمود قول الشاعر:
طليق الله لم يمنن عليه ....... أبو داود وابن أبي كثير
ولا الحجاج عيني بنت ماء
....... تقلب طرفها حذر الصقور
وهذا غاية في صفة الجبان.
ونصب عيني بنت ماء على الذم، وتأويله: إنه إذا قال: جاءني عبد الله الفاسق الخبيث فليس يقوله إلا وقد عرفه بالفسق والخبث فنصبه أعني وما أشبهه من الأفعال، نحو أذكر، وهذا أبلغ في الذم، أن يقيم الصفة مقام الاسم، وكذلك المدح. وقول الله تبارك وتعالى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} بعد قوله: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ}. إنما هو على هذا. ومن زعم أنه أراد: "ومن المقيمين الصلاة" فمخطئ في قول البصريين، لأنهم لا يعطفون الظاهر على المضمر المخفوض، ومن أجازه من غيرهم فعلى قبح، كالضرورة. والقرآن إنما يحمل على أشرف المذاهب. وقرأ حمزة: (الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ)، وهذا مما لا يجوز عندنا إلا أن يضطر إليه شاعر، كما قال:
فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا ....... فاذهب فما بك والأيام من عجب
وقرأ عيسى بن عمر: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}. أراد: وامرأته في جيدها حبل من مسد، فنصب حمالة على الذم. ومن قال إن امرأته مرتفعة بقوله: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}: فهو يجوز. وليس بالوجه أن يعطف المظهر المرفوع على المضمر حتى يؤكد، نحو: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} [المائدة: 24] و {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}، فأما قوله: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا}. فإنه لما طال الكلام وزيدت فيه لا احتمل الحذف وهذا على قبحه جائز في الكلام، أعني: ذهبت وزيد، وأذهب وعمرو، قال جرير:
ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه ....... ما لم يكن وأب له لينالا
وقال ابن أبي ربيعة:
قلت إذ أقبلت وزهر تهادى ....... كنعاج الملا تعسفن رملا
ومما ينصب على الذم قول النابغة الذبياني:
لعمري وما عمري علي بهين ....... لقد نطقت بطلا علي الأقارع
أقارع عوف لا أحاول غيرها
....... وجوه قرود تبتغي من تجادع
وقال عروة بن الورد العبسي:
سقوني الخمر ثم تكنفوني ....... عداة الله من كذب وزور
والعرب تنشد قول حاتم الطائي رفعًا ونصبًا:
إن كنت كارهة معيشتنا ....... هاتا فحلي في بني بدر

الضربين، لدى أعنتهم ....... والطاعنين وخيلهم تجري
وإنما خفضوهما على النعت، وربما رفعوهما على القطع والابتداء.
وكذلك قول الخرنق بنت هفان القيسي، من بني قيس بن ثعلب:
لا يبعدن قومي الذين هم ....... سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك
....... والطيبين معاقد الأزر
وكل ما كان من هذا فعلى هذا الوجه.
وإن لم يرد مدحًا ولا ذمًا قد استقر له فوجهه النعت. وقرأ بعض القراء: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ}.
وأكثر ما تنشد العرب بيت ذي الرمة نصبًا، لأنه لما ذكر ما يحن إليه ويصبو إلى قربه أشاد بذكر ما قد كان يبغي، فقال:
ديار مية إذ مي تساعفنا ....... ولا يرى مثلها عجم ولا عرب
وفي هذه القصيدة من التشبيه المصيب قوله:
بيضاء في دعج، صفراء في نعج ....... كأنها فضة قد مسها ذهب
وفيها من التشبيه المصيب قوله:
تشكو الخشاش ومجرى النسعتين كما ....... أن المريض إلى عاده الوصب). [الكامل: 2/ 930-934] (م)

تفسير قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإذا التقت واو في أول الكلام إلى جانبها واو، والأولى مضمومة - فإن شئت همزة الأولى لضمها، ولا يكون ذلك لازماً؛ لأن الواو التي هي مدة ليست بلازمة. وذلك إذا أردت مثل قوول زيد، وهو فُوعِلَ من قاولت ومن وعدت تقول: ووعد زيد. وإن شئت همزت الواو لضمها، وليست من أجل اجتماع الواوين؛ لو كان لذلك لم يجز إلا الهمز، ولكن المدة بدل من ألف واعد، وليست بلازمة، إنما انقلبت واوا لما أردت بناء ما لم يسمّ فاعله. ومثل ذلك قول الله عز وجل: {ما ووري عنهما من سوآتهما}؛ واو كان غير القرآن لكان همز الواحد جائزا). [المقتضب: 1/ 233]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قوله: "النؤوب "يريد الذي ينوبه، وكل واو قراح لغير علةٍ فأنت فيهمزها وتركها بالخيار، تقول في جمع دارٍ: أدؤر وإن شئت لم تهمز، وكذلك النؤوب، والقؤول لانضمام الواو، فأما الواو الثانية فإنها ساكنة قبلها ضمة، وهي مدة فلا يعتد بها، ولو التقت واوان في أول كلمةٍ وليست إحداهما مدة لم يكن بد من همز الأولى، تقول في تصغير واصل وواقدٍ: أويصل وأويقد، لا بد من ذلك، فأما وجوه فأما وجوهٌ فإن شئت همزت فقلت: أجوه وإن شئت لم تهمز، قال الله عز وجل: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} المرسلات والأصل وقتت، ولو كان في غير القرآن لجاز إظهار الواو إن شئت. وقوله عز وجل: {مَا وُورِيَ عَنْهُمَا} الأعراف الواو الثانية مدة فلا يعتد بها، ولو كان في غير القرآن لجاز الهمز لانضمام الواو.
وقولي: "إذا انضممت لغير علة"، فالعلة أن تكون ضمتها إعرابًا، نحو هذا غزوٌ يا فتى، ودلو كما ترى، مما لا يجوز همزه، لأن الضمة للإعراب فليست بلازمة، أو تنضم لالتقاء الساكنين، فذلك أيضًا غير لازم، فلا يجوز همزه: نحو اخشوا الرجل: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} ومن همز من هذا شيئًا فقد أخطأ). [الكامل: 1/ 81-82] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فأما قول الله عز وجل: {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} وكذلك {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} فيكون تفسيره على وجهين: أحدهما أن يكون: إنني ناصح لكما، وأنا شاهد على ذلكم، ثم جعل" من الشاهدين" و" لمن الناصحين" تفسيرًا لشاهد وناصح، ويكون على ما فسرناه يراد به التبيين، فلا يدخل في الصلة، أو يكون على مذهب المازني.
قال أبو العباس: وهو الذي أختار، على أن الألف واللام للتعريف لا على معنى الذي، ألا ترى أنك تقول: نعم القائم زيد، ولا يجوز: نعم الذي قام زيد، وإنما هو بمنزلة قولك: نعم الرجل زيد، وهذا الذي شرحناه متصل في هذا الباب كله مطرد على القياس). [الكامل: 1/ 52] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال أبو الحسن: تأويل قول السعدي:
"أبلعي هذا بالرحى المتقاعس"
"بالرحى" تبيين ولم يوضحه، فإن تقدير ما كان من هذا الضرب أنه إذا قال: "أبعلي هذا بالرحى المتقاعس"، فإن المتقاعس يدل على أن تقاعسًا وقع، فكأنه قال: وقع التقاعس بالرحى، ولم يرد أن يعمل "المتقاعس "في قوله: "بالرحى"، لأنه في صلة، والصلة من الموصول بمنزلة الدال من زيد أو الياء، فكما لا يجوز أن يتقدم حروف الاسم بعضها على بعض، لم يجز أن تتقدم الصلة على الموصول، فأما قول الله عز وجل: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ}، وكذلك: {وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ}، فإنه يكون على التبيين الذي قدمنا ذكره وهو قول البصريين أجمعين، إلا أن أبا عمر الجرمي أجاز أن يجعل"لكما"، و "على ذلكم" معلقين بشيئين محذوفين دل عليهما "من الناصحين"، و"من الشاهدين"، لأن" من" مبعضة، فكأنه قال والله أعلم: وقاسمهما إني ناصح لكما من الناصحين، وأنا شاهد على ذلكم من الشاهدين.
وأما اختياره وذكره أنه قول المازني، وجعله الألف واللام للعهد مثلهما في الرجل وما أشبهه، فإن هذا القول غير مرضي عندي، لأنك إذا قلت: نعم القائم زيدٌ فجعلت الألف واللام كالألف واللام الداخلتين على ما يؤخذ من الفعل كالإنسان والفرس وما أشبهه، فإنه إذا كان هكذا دخل في باب الأسماء الجامدة وهي التي لم تؤخذ من أمثلة الفعل، وامتنع من أن يعمل مؤخرًا إلا على حيلة ووجهٍ بعيدٍ من التبيين الذي ذكرناه. وإذا كان التأخير لا يعمل بنفسه، فكيف يعمل إذا تقدم عليه الظرف وهذا مستحيل لا وجه له). [الكامل: 1/ 56-57]

تفسير قوله تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) }

تفسير قوله تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (فإن قلت لئن تفعل لأفعلن قبح لأن لأفعلن على أول الكلام وقبح في الكلام أن تعمل إن أو شيء من حروف الجزاء في الأفعال حتى تجزمه في اللفظ ثم لا يكون لها جواب بنجزم بما قبله ألا ترى أنك تقول آتيك إن أتيتني ولا تقول آتيك إن تأتني إلا في شعر لأنك أخرت إن وما عملت فيه ولم تجعل لإن جوابا ينجزم بما قبله.
فهكذا جرى هذا في كلامهم ألا ترى أنه قال عز وجل: {وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} وقال عز وجل: {وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} لما كانت إن العاملة لم يحسن إلا أن يكون لها جوابٌ ينجزم بما قبله فهذا الذي يشاكلها في كلامهم إذا عملت). [الكتاب: 3/ 66]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) }


تفسير قوله تعالى: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 10:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 10:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 10:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 10:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري


تفسير قوله تعالى: {وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين (19)}
إذا أمر الإنسان بشيء هو متلبس به فإنما المقصد بذلك أن يستمر على حاله ويتمادى في هيئته.
وقوله تعالى لآدم: {اسكن} هو من هذا الباب، وأكد الضمير الذي في قوله: {اسكن} بقوله: {أنت} وحينئذ جاز العطف عليه وهو ضمير لا يجوز إظهاره ولا يترتب، والعطف على الضمير الملفوظ به لا يجوز إلا بعد تأكيده كقولك قمت أنت وزيد لأن الضمير بمنزلة حرف من الفعل، وهذا الضمير الذي في اسكن أضعف من الملفوظ به فأحرى أن لا يصح العطف عليه إلا بعد التأكيد.
وقوله: {فكلا} هو من أكل فأصله أكلا فحذفت فاء الفعل لاجتماع المثلين واستغني عن الأخرى لما تحرك ما بعدها، وحسن أيضا حذف فاء الفعل لأنهم استثقلوا الحركة على حرف علة، وهذا باب كل فعل أوله همزة ووزنه فعل كأخذ وأمر ونحوه وكان القياس أن لا يحذف فاء الفعل ولكن ورد استعمالهم هكذا، ويقال قرب يقرب، وهذه الشّجرة الظاهر أنه أشار إلى شخص شجرة واحدة من نوع وأرادها.
ويحتمل أن يشير إلى شجرة معينة وهو يريد النوع بجملته، وعبر باسم الواحدة كما تقول أصاب الناس الدينار والدرهم وأنت تريد النوع.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعلى الاحتمالين فآدم عليه السلام إنما قصد في وقت معصية فعل ما نهي عنه قاله جمهور المتأولين، وبذلك أغواه إبليس لعنه الله بقوله إنك لم تنه إلا لئلا تخلد أو تكون ملكا، فيبطل بهذا قول من قال إن آدم إنما أخطأ متأولا بأن ظن النهي متعلقا بشخص شجرة فأكل من النوع فلم يعذر بالخطأ.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وذلك أن هذا القائل إنما يفرض آدم معتقدا أن النهي إنما تعلق بشجرة معينة فكيف يقال له مع هذا الاعتقاد إنك لم تنه إلا لئلا تخلد ثم يقصد هو طلب الخلود في ارتكاب غير ما نهي عنه؟ ولا فرق بين أكله ما يعتقد أنه لم ينه عنه وبين أكله سائر المباحات له.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والهاء الأخيرة في هذه بدل من الياء في هذي أبدلت في الوقف ثم ثبتت في الوصل هاء حملا على الوقف، وليس في الكلام هاء تأنيث قبلها كسرة إلا «هذه» وقرأ ابن محيصن «هذي الشجرة» على الأصل، وقوله: فتكونا نصب في جواب النهي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وتعلق الناس بهذه الآية في مسألة الحظر والإباحة، وذلك أن مسألة الحظر والإباحة تكلم الناس فيها على ضربين فأما الفقهاء فدعاهم إلى الكلام فيها أنه تنزل نوازل لا توجد منصوصة في كتاب الله عز وجل ولا في سنة نبيه ولا في إجماع. ويعتم وجه استقرائها من أحد هذه الثلاثة
وقياسها على ما فيها، فيرجع الناظر بعد ذلك ينظر على أي جهة يحملها من الإجازة والمنع، فقال بعضهم إذا نزل مثل هذا فنحمله على الحظر ونأخذ فيه بالشدة ونستبرئ لأنفسنا، إذ الله عز وجل قد بين لنا في كتابه جميع ما يجب بيانه، وأحل ما أراد تحليله، ولم يترك ذكر هذه النازلة إلا عن قصد فاجترامنا نحن عليها لا تقتضيه الشريعة، وقال بعضهم بل نحملها على الإباحة لأن الله عز وجل قد أكمل لنا ديننا وحرم علينا ما شاء تحريمه، ولم يهمل النص على نازلة إلا وقد تركها في جملة المباح، وبعيد أن يريد في شيء التحريم ولا يذكره لنا ويدعنا في عمى الجهالة به، فإنما نحملها على الإباحة حتى يطرأ الحظر، وقال بعضهم بل نحمل ذلك على الوقف أبدا ولا نحكم فيه بحظر ولا إباحة بل نطلب فيه النظر والقياس أبدا، وذلك أنّا نجد الله عز وجل يقول في كتابه حرّم عليكم في مواضع، ويقول أحلّ لكم في مواضع.
فدل ذلك على أن كل نازلة تحتاج إلى شرع وأمر، إما مخصوصا بها وإما مشتملا عليها وعلى غيرها، ولو كانت الأشياء على الحظر لما قال في شيء حرم عليكم ولو كانت على الإباحة لما قال في شيء أحل لكم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا أبين الأقوال ولم يتعرض الفقهاء في هذه المسألة إلى النظر في تحسين العقل وتقبيحه، وإنما تمسكوا في أقوالهم هذه بأسباب الشريعة وذهبوا إلى انتزاع مذاهبهم منها، وأما الضرب الثاني من كلام الناس في الحظر والإباحة فإن المعتزلة ومن قال بقولهم إن العقل يحسن ويقبح نظروا في المسألة من هذه الجهة فقالوا نفرض زمنا لا شرع فيه أو رجلا نشأ في برية ولم يحس قط بشرع ولا بأمر ولا بنهي أو نقدر آدم عليه السلام وقت إهباطه إلى الأرض قد ترك وعقله قبل أن يؤمر وينهى كيف كانت الأشياء عليه أو كيف يقتضي العقل في الزمن والرجل المفروضين، فقال بعضهم الذي يحسن في العقل أن تكون محظورة كلها حتى يرد الإذن باستباحتها، وذلك أن استباحتها تعد على ملك الغير وإذا قبح ذلك في الشاهد فهو في حق الله أعظم حرمة، وذهب بعض هذه الفرقة إلى استثناء التنفس والحركة من هذا الحظر وقالوا إن هذه لا يمكن غيرها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويمكن أن يقدر الاضطرار إليها إباحة لها، وقال بعضهم: بل يحسن في العقل أن تكون مباحة إذ التحكم في ملك الغير بوجه لا ضرر عليه فيه كالاستظلال بالجدران ونحوه مباح، فإذا كان هذا في الشاهد جائزا فهو في عظم قدر الله تعالى ووجوده أجوز، إذ لا ضرر في تصرفنا نحن في ملكه، ويتعلق بحقه شيء من ذلك، وقال أهل الحق والسنة في هذا النحو من النظر، بل الأمر في نفسه على الوقف ولا يوجب العقل تحسينا ولا تقبيحا بمجرده يدان به، ولا يتجه حكم الحسن والقبيح إلا بالشرع، وقال بعضهم: والعقل لم يخل قط من شرع، فلا معنى للخوض في هذه المسألة ولا لفرض ما لا يقع، وذهبوا إلى الاحتجاج بأن آدم عليه السلام قد توجهت عليه الأوامر والنواهي في الجنة، بقوله تعالى له حين جرى الروح في جسده فعطس: قل الحمد لله يا آدم، وبقوله: اسكن وكل ولا تقرب ونحو هذا، وقال القاضي ابن الباقلاني في التقريب والإرشاد: إن الفقهاء الذين قالوا بالحظر والإباحة لم يقصدوا الكون مع المعتزلة في غوايتهم، ولكنهم رأوا لهم كلاما ملفقا مموها فاستحسنوه دون أن يشعروا بما يؤول إليه من الفساد في القول بتحسين العقل وتقبيحه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا الكلام حمل على فقهاء الشرع واستقصار لهم، والصواب أن لا يظن بهم هذا الخلل وإنما التمسوا على نوازلهم تعليق حكم الحظر والإباحة من الشرع وهم مع ذلك لا يحمل عليهم أنهم يدفعون الحق في أن العقل لا يحسن ولا يقبح دون الشرع، وقد تقدم في سورة البقرة ذكر الاختلاف في الشجرة وتعيينها). [المحرر الوجيز: 3/ 528-531]

تفسير قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فوسوس لهما الشّيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلاّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (20) وقاسمهما إنّي لكما لمن النّاصحين (21)}
«الوسوسة» الحديث في اختفاء همسا وسرارا من الصوت، والوسواس صوت الحلي فشبه الهمس به، وسمي إلقاء الشيطان في نفس ابن آدم وسوسة إذ هي أبلغ السرار وأخفاه، هذا حال الشيطان معنا الآن، وأما مع آدم فممكن أن تكون وسوسة بمجاورة خفية أو بإلقاء في نفس، ومن ذلك قول رؤية: [الرجز]
وسوس يدعو جاهرا رب الفلق
فهذه عبارة عن كلام خفي، والشّيطان يراد به إبليس نفسه، واختلف نقلة القصص في صورة وسوسته فروي أنه كان يدخل إلى الجنة في فم الحية مستخفيا بزعمه فيتمكن من الوسوسة، وروي أن آدم وحواء كانا يخرجان خارج الجنة فيتمكن إبليس منهما، وروي أن الله أقدره على الإلقاء في أنفسهما فأغواهما وهو في الأرض.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول ضعيف يرده لفظ القرآن، واللام في قوله ليبدي هي على قول كثير من المؤلفين لام الصيرورة والعاقبة، وهذا بحسب آدم وحواء وبحسب إبليس في هذه العقوبة المخصوصة لأنه لم يكن له علم بها فيقصدها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويمكن أن تكون لام كي على بابها بحسب قصد إبليس إلى حط مرتبتهما وإلقائهما في العقوبة غير مخصصة، وما ووري معناه ما ستر، من قولك وارى يواري إذ ستر، وظاهر هذا اللفظ أنها مفاعلة من واحد، ويمكن أن تقدر من اثنين لأن الشيء الذي يوارى هو أيضا من جهة، وقرأ ابن وثاب «ما وري» بواو واحدة، وقال قوم: إن هذه اللفظة في هذه الآية مأخوذة من وراء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهو قول يوهنه التصريف، و «السوأة»: الفرج والدبر، ويشبه أن يسمى بذلك لأن منظره يسوء، وقرأ الحسن ومجاهد من «سوّتهما» بالإفراد وتسهيل الهمزة وشد الواو، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح والحسن والزهري: «من سوّاتهما» بتسهيل الهمزة وتشديد الواو وحكاها سيبويه لغة، قال أبو الفتح: ووجهها حذف الهمزة وإلقاء حركتها على الواو، فيقولون سوة ومنهم من يشدد الواو، وقالت طائفة إن هذه العبارة إنما قصد بها أنهما كشفت لهما معانيهما وما يسوءهما ولم يقصد بها العورة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول كان اللفظ يحتمله إلا أن ذكر خصف الورق يرده إلا أن يقدر الضمير في عليهما عائدا على بدنيهما إذ تمزقت عنهما ثياب الجنة، فيصح القول المذكور.
وقوله تعالى: {وقال ما نهاكما ... الآية} هذا القول الذي حكي عن إبليس يدخله من هذا التأويل ما دخل الوسوسة، فممكن أن يقول هذا مخاطبة وحوارا، وممكن أن يقولها إلقاء في النفس ووحيا وإلّا أن تقديره عند سيبويه والبصريين إلا كراهية أن، وتقديره عند الكوفيين «إلا أن لا» على إضمار لا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويرجح قول البصريين أن إضمار الأسماء أحسن من إضمار الحروف، وقرأ جمهور الناس «ملكين» بفتح اللام وقرأ ابن عباس ويحيى بن أبي كثير والضحاك «ملكين» بكسر اللام، ويؤيد هذه القراءة قوله في آية أخرى: {وملكٍ لا يبلى} [طه: 120].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقال بعض الناس: يخرج من هذه الألفاظ أن الملائكة أفضل من البشر وهي مسألة اختلف الناس فيها وتمسك كل فريق بظواهر من الشريعة والفضل بيد الله، وقال ابن فورك: لا حجة في هذه الآية لأنه يحتمل أن يريد ملكين في أن لا تكون لهما شهوة في طعام). [المحرر الوجيز: 3/ 531-534]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقاسمهما أي حلف لهما بالله وهي مفاعلة إذ قبول المحلوف له وإقباله على معنى اليمين كالقسم وتقريره وإن كان بادي الرأي يعطي أنها من واحد، ومثله قول الهذلي:
وقاسمها بالله جهدا لأنتم ....... ألذ من السلوى إذا ما نشورها
وروي في القصص أن آدم قال في جملة اعتذاره: ما ظننت يا رب أن أحدا يحلف حانثا، فقال بعض العلماء خدع الشيطان آدم بالله عز وجل فانخدع، ونحن من خدعنا بالله عز وجل انخدعنا له، وروي نحوه عن قتادة، واللام في قوله: {لكما} متعلقة بالناصحين، فقال بعض الناس مكي وغيره: ذلك على أن تكون الألف واللام لتعريف الجنس لا بمعنى الذي، لأنها إذا كانت بمعنى الذي كان قوله: {لكما} داخلا في الصلة فلا يجوز تقديمه، وأظن أن أبا علي الفارسي خرج جواز تقديمه وهي بمعنى الذي، والظاهر أنه إن جعلت بمعنى الذي كانت اللام في قوله لكما متعلقة بمحذوف تقديره إني ناصح لكما من الناصحين، وقال أبو العالية في بعض القراءة «وقاسمهما بالله»). [المحرر الوجيز: 3/ 534]

تفسير قوله تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل:{ فدلاّهما بغرورٍ فلمّا ذاقا الشّجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة وأقل لكما إنّ الشّيطان لكما عدوٌّ مبينٌ (22) قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين (23)}
{فدلّاهما بغرورٍ}؛ يريد فغرهما بقوله وخدعهما بمكره.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويشبه عندي أن يكون هذا استعارة من الرجل يدلي آخر من هوة بحبل قد أرم أو بسبب ضعيف يغتر به فإذا تدلى به وتورك عليه انقطع به فهلك، فيشبه الذي يغر بالكلام حتى يصدقه
فيقع في مصيبة بالذي يدلى في هوة بسبب ضعيف، وعلق حكم العقوبة بالذوق إذ هو أول الأكل وبه يرتكب النهي، وفي آية أخرى: {فأكلا منها} [طه: 121].
وقوله تعالى:
بدت قيل تخرقت عنهما ثياب الجنة وملابسها وتطايرت تبريا منهما، وقال وهب بن منبه كان عليهما نور يستر عورة كل واحد منهما فانقشع بالمعصية ذلك النور، وقال ابن عباس وقتادة: كان عليهما ظفر كاس فلما عصيا تقلص عنهما فبدت سوءاتهما وبقي منه على الأصابع قدر ما يتذكران به المعصية فيجددان الندم، وطفقا معناه أخذا وجعلا وهو فعل لا يختص بوقت كبات وظل.
ويخصفان معناه يلصقانها ويضمان بعضها إلى بعض، والمخصف الإشفى، وضم الورق بعضه إلى بعض أشبه بالخرز منه بالخياطة، وقرأ جمهور الناس «يخصفان» من خصف، وقرأ عبد الله بن بريدة «يخصّفان» بشد الصاد وقرأ الزهري «يخصفان» من أخصف، وقرأ الحسن فيما روى عنه محبوب: «يخصّفان» بفتح الياء والخاء وكسر الصاد وشدها، ورويت عن ابن بريدة وعن يعقوب، وأصلها يختصفان كما تقول سمعت الحديث واستمعته فأدغمت التاء في الصاد ونقلت حركتها إلى الخاء، وكذلك الأصل في القراءة بكسر الخاء بعد هذه، لكن لما سكنت التاء وأدغمت في الصاد اجتمع ساكنان فكسرت الخاء على عرف التقاء ساكنين، وقرأ الحسن والأعرج ومجاهد «يخصّفان» بفتح الياء وكسر الخاء وكسر الصاد وشدها وقد تقدم تعليلها، قال ابن عباس: إن الورق الذي خصف منه ورق التين، وروى أبيّ عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن آدم عليه السلام كان يمشي في الجنة كأنه نخلة سحوق، فلما واقع المعصية وبدت له حاله فرّ على وجهه فأخذت شجرة بشعر رأسه يقال إنها الزيتونة فقال لها: أرسليني فقالت ما أنا بمرسلتك، فناداه ربه أمني تفر يا آدم؟ قال لا يا رب، ولكن أستحييك، قال أما كان لك فيما منحتك من الجنة مندوحة عما حرمت عليك؟ قال بلى يا رب، ولكن وعزتك ما ظننت أن أحدا يحلف بك كاذبا، قال فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا كدّا.
وقوله تعالى: {وناداهما ... الآية}، قال الجمهور إن هذا النداء نداء وحي بواسطة، ويؤيد ذلك أنّا نتلقى من الشرع ان موسى عليه السلام هو الذي خصص بين العالم بالكلام، وأيضا ففي حديث الشفاعة أن بني آدم المؤمنين، يقولون لموسى يوم القيامة أنت خصك الله بكلامه واصطفاك برسالته اذهب فاشفع للناس، وهذا ظاهره أنه مخصص، وقالت فرقة بل هو نداء تكليم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وحجة هذا المذهب أنه وقع في أول ورقة من تاريخ ابن أبي خيثمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن آدم فقال نبي مكلم، وأيضا فإن موسى خصص بين البشر الساكنين في الأرض وأما آدم إذ كان في الجنة فكان في غير رتبة سكان الأرض، فليس في تكليمه ما يفسد تخصيص موسى عليه السلام، ويؤيد أنه نداء وحي اشتراك حواء فيه، ولم يرو قط أن الله عز وجل كلم حواء، ويتأول قوله عليه السلام «نبي مكلّم» أنه بمعنى موصل إليه كلام الله تعالى، وقوله عز وجل ألم أنهكما سؤال تقرير يتضمن التوبيخ، وقوله تلكما يؤيد بحسب ظاهر اللفظ أنه إنما أشار إلى شخص شجرة، وأقل لكما إنّ الشّيطان لكما عدوٌّ مبينٌ إشارة إلى الآية التي في سورة طه في قوله: {فلا يخرجنّكما من الجنّة فتشقى} [طه: 117].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا هو العهد الذي نسيه آدم على مذهب من يجعل النسيان على بابه، وقرأ أبيّ بن كعب «ألم تنهيا عن تلكما الشجرة وقيل لكما»). [المحرر الوجيز: 3/ 534-537]

تفسير قوله تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقولهما: {ربّنا ظلمنا أنفسنا} اعتراف من آدم وحواء عليهما السلام وطلب للتوبة والستر والتغمد بالرحمة، فطلب آدم هذا وطلب إبليس النظرة ولم يطلب التوبة فوكل إلى رأيه، قال الضحاك هذه الآية هي الكلمات التي تلقى آدم من ربه). [المحرر الوجيز: 3/ 537]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قال اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ (24) قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون (25) يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً ولباس التّقوى ذلك خيرٌ ذلك من آيات اللّه لعلّهم يذّكّرون (26)}
المخاطبة بقوله:{اهبطوا} قال أبو صالح والسدي والطبري وغيرهم: هي لآدم وحواء وإبليس والحية، وقالت فرقة: هي مخاطبة لآدم وذريته وإبليس وذريته.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف لعدمهم في ذلك الوقت، فإن قيل خاطبهم وأمرهم بشرط الوجود فذلك يبعد في هذه النازلة لأن الأمر بشرط الوجود إنما يصح إذا ترتب على المأمور بعد وجوده وصح معناه عليه كالصلاة والصوم ونحو ذلك، وأما هنا فإن معنى الهبوط لا يتصور في بني آدم بعد وجودهم ولا يتعلق بهم من الأمر به شيء، وأما قوله في آية أخرى: {اهبطا} [طه: 123] فهي مخاطبة لآدم وإبليس بدليل بيانه العداوة بينهما، وعدو فرد بمعنى الجمع، تقول قوم عدو وقوم صديق. ومنه قول الشاعر:
لعمري لئن كنتم على النأي والغنى ....... بكم مثل ما بي إنكم لصديق
وعداوة الحياة معروفة، وروى قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما سالمناهن منذ حاربناهن»، وقال عبد الله بن عمر: «من تركهن فليس منا»، وقالت عائشة «من ترك حية خشية من ثأرها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإنما يعرض في أمرهن حديث الفتى في غزوة الخندق، وقول النبي عليه السلام: إن جنا بالمدينة قد أسلموا فمن رأى من هذه الحيات شيئا في بيته فليحرج عليه ثلاثا فإن رآه بعد ذلك فليقتله فإنما هو كافر.
وقوله تعالى، مستقرٌّ لفظ عام لزمن الحياة ولزمن الإقامة في القبور، وبزمن الحياة فسر أبو العالية وقال: هي كقوله: {الّذي جعل لكم الأرض فراشاً} [البقرة: 22] وبالإقامة في القبور فسر ابن عباس واللفظ يعمهما فهي كقوله:{ ألم نجعل الأرض كفاتاً أحياءً وأمواتاً} [المرسلات: 25] وأما «المتاع» فهو بحسب
شخص شخص، في زمن الحياة اللهم إلا أن يقدر سكنى القبر متاعا بوجه ما، و «المتاع» التمتع والنيل من الفوائد، وإلى حينٍ هو بحسب الجملة قيام الساعة، وبحسب مفرد بلوغ الأجل والموت، والحين في كلام العرب الوقت غير معين.
وروي أن آدم عليه السلام أهبط بالهند وحواء بجدة، وتمناها بمنى، وعرف حقيقة أمرها بعرفة، ولقيها بجمع وأهبط إبليس بميسان وقيل بالبصرة وقيل بمصر فباض فيها وفرخ، قال ابن عمر وبسط إبليس فيها عبقريه، وذكر صالح مولى التؤمة قال في بعض الكتب لما أهبط إبليس قال رب أين مسكني؟ قال مسكنك الحمام ومجلسك الأسواق ولهوك المزامير وطعامك ما لم يذكر عليه اسمي وشرابك المسكر، ورسلك الشهوات وحبائلك النساء. وأهبطت الحية بأصبهان.
وروي أنها كانت ذات قوائم كالبعير فعوقبت بأن ردت تنساب على بطنها، وروي أن آدم لما أهبط إلى شقاء الدنيا علم صنعة الحديد ثم علم الحرث فحرث وسقى وحصد وذرا وطحن وعجن وخبز وطبخ وأكل فلم يبلغ إلى ذلك حتى بلغ من الجهد ما شاء الله، وروي أن حواء قيل لها يا حواء كما دميت الشجرة فأنت تدمين في كل شهر وأنت لا تحمل إلا كرها ولا تضع إلا كرها، قال فرنت عند ذلك فقيل لها الرنة عليك وعلى ولدك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذه القصة من الأنباء كثير اختصرتها إذ لا يقتضيها اللفظ). [المحرر الوجيز: 3/ 537-540]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فيها تحيون ... الآية}، حكم من الله عز وجل أمضاه وجعله حتما في رقاب العباد يحيون في الأرض ويموتون فيها ويبعثون منها إلى الحشر أحياء كما أنشأ أول خلق يعيده، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو «تخرجون» بضم التاء وفتح الراء هنا، وفي الروم: {وكذلك تخرجون ومن آياته} [الآية: 19] وكذلك حيث تكرر إلا في الروم: {إذا أنتم تخرجون} [الآية: 25] وفي {سأل سائل يوم يخرجون} [الآية: 43] فإن هذين بفتح التاء والياء وضم الراء، ولم يختلف الناس فيهما، وقرأ حمزة والكسائي في الأعراف: {ومنها تخرجون} [الآية: 25] بفتح التاء وضم الراء وفتح ابن عامر التاء في الأعراف وضمها في الباقي). [المحرر الوجيز: 3/ 540-541]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 10:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 22 جمادى الآخرة 1435هـ/22-04-2014م, 10:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشّجرة فتكونا من الظّالمين (19) فوسوس لهما الشّيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلّا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (20) وقاسمهما إنّي لكما لمن النّاصحين (21) }
يذكر تعالى أنّه أباح لآدم، عليه السّلام، ولزوجته [حوّاء] الجنّة أن يأكلا منها من جميع ثمارها إلّا شجرةً واحدةً. وقد تقدّم الكلام على ذلك في "سورة البقرة"). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 397]

تفسير قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (فعند ذلك حسدهما الشّيطان، وسعى في المكر والخديعة والوسوسة ليسلبا ما هما فيه من النّعمة واللّباس الحسن، وقال كذبًا وافتراءً: ما نهاكما ربّكما عن أكل الشّجرة إلّا لتكونا ملكين أي: لئلّا تكونا ملكين، أو خالدين هاهنا ولو أنّكما أكلتما منها لحصل لكما ذلكما كقوله: {قال يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملكٍ لا يبلى} [طه: 120] أي: لئلّا تكونا ملكين، كقوله: {يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا} [النّساء: 176] أي: لئلّا تضلّوا، {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} [النّحل: 15] أي: لئلّا تميد بكم.
وكان ابن عبّاسٍ ويحيى بن أبي كثير يقرآن: {إلا أن تكونا ملكين} بكسر اللّام. وقرأه الجمهور بفتحها). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 397]

تفسير قوله تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقاسمهما} أي: حلف لهما باللّه: {إنّي لكما لمن النّاصحين} فإنّي من قبلكما هاهنا، وأعلم بهذا المكان، وهذا من باب المفاعلة والمراد أحد الطّرفين، كما قال خالد بن زهيرٍ، ابن عمّ أبي ذؤيبٍ:
وقاسمها باللّه جهدا لأنتم ....... ألذّ من السّلوى إذ ما نشورها
أي: حلف لهما باللّه [على ذلك] حتّى خدعهما، وقد يخدع المؤمن باللّه، فقال: إنّي خلقت قبلكما، وأنا أعلم منكما، فاتّبعاني أرشدكما. وكان بعض أهل العلم يقول: "من خادعنا باللّه خدعنا له"). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 397]

تفسير قوله تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ (22) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {فدلّاهما بغرورٍ فلمّا ذاقا الشّجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة وأقل لكما إنّ الشّيطان لكما عدوٌّ مبينٌ (22) قالا ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين (23) }
قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبيّ بن كعبٍ، رضي اللّه عنه، قال: كان آدم رجلًا طوالا كأنّه نخلةٌ سحوق، كثير شعر الرّأس. فلمّا وقع بما وقع به من الخطيئة، بدت له عورته عند ذلك، وكان لا يراها. فانطلق هاربًا في الجنّة فتعلّقت برأسه شجرةٌ من شجر الجنّة، فقال لها: أرسليني. فقالت: إنّي غير مرسلتك. فناداه ربّه، عزّ وجلّ: يا آدم، أمنّي تفرّ؟ قال: ربّ إنّي استحييتك.
وقد رواه ابن جريرٍ، وابن مردويه من طرق، عن الحسن، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، والموقوف أصحّ إسنادًا.
وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا سفيان بن عيينة وابن المبارك، عن الحسن بن عمارة، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كانت الشّجرة الّتي نهى اللّه عنها آدم وزوجته، السّنبلة. فلمّا أكلا منها بدت لهما سوآتهما، وكان الّذي وارى عنهما من سوآتهما أظفارهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة ورق التّين، يلزقان بعضه إلى بعضٍ. فانطلق آدم، عليه السّلام، مولّيًا في الجنّة، فعلقت برأسه شجرةٌ من الجنّة، فناداه: يا آدم، أمنّي تفرّ؟ قال: لا ولكنّي استحييتك يا ربّ. قال: أما كان لك فيما منحتك من الجنّة وأبحتك منها مندوحةً، عمّا حرّمت عليك. قال: بلى يا ربّ، ولكن وعزّتك ما حسبت أنّ أحدًا يحلف بك كاذبًا. قال: وهو قوله، عزّ وجلّ: {وقاسمهما إنّي لكما لمن النّاصحين} قال: فبعزّتي لأهبطنّك إلى الأرض، ثمّ لا تنال العيش إلّا كدا. قال: فأهبط من الجنّة، وكانا يأكلان منها رغدًا، فأهبط إلى غير رغدٍ من طعامٍ وشرابٍ، فعلّم صنعة الحديد، وأمر بالحرث، فحرث وزرع ثمّ سقى، حتّى إذا بلغ حصد، ثمّ داسه، ثمّ ذرّاه، ثمّ طحنه، ثمّ عجنه، ثمّ خبزه، ثمّ أكله، فلم يبلغه حتّى بلغ منه ما شاء اللّه أن يبلغ وقال الثّوريّ، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة} قال: ورق التّين. صحيحٌ إليه.
وقال مجاهدٌ: جعلا يخصفان عليهما من ورق الجنّة كهيئة الثّوب.
وقال وهب بن منبّه في قوله: {ينزع عنهما لباسهما} قال: كان لباس آدم وحوّاء نورًا على فروجهما، لا يرى هذا عورة هذه، ولا هذه عورة هذا. فلمّا أكلا من الشّجرة بدت لهما سوآتهما. رواه ابن جريرٍ بإسنادٍ صحيحٍ إليه.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن قتادة قال: قال آدم: أي ربّ، أرأيت إن تبت واستغفرت؟ قال: إذًا أدخلك الجنّة. وأمّا إبليس فلم يسأله التّوبة، وسأله النّظرة، فأعطي كل واحد منهما الذي سأله.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا القاسم، حدّثنا الحسين، حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن سفيان بن حسينٍ، عن يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا أكل آدم من الشّجرة قيل له: لم أكلت من الشّجرة الّتي نهيتك عنها. قال: حوّاء. أمرتني. قال: فإنّي قد أعقبتها أن لا تحمل إلّا كرها، ولا تضع إلّا كرها. قال: فرنّت عند ذلك حوّاء. فقيل لها: الرّنّة عليك وعلى ولدك). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 397-399]

تفسير قوله تعالى: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقال الضّحّاك بن مزاحم في قوله: {ربّنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين} هي الكلمات الّتي تلقّاها آدم من ربّه [عزّ وجلّ] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 399]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (24) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال اهبطوا بعضكم لبعضٍ عدوٌّ ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ (24) قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون (25)}
قيل: المراد بالخطاب في {اهبطوا} آدم، وحوّاء، وإبليس، والحيّة. ومنهم من لم يذكر الحيّة، واللّه أعلم.
والعمدة في العداوة آدم وإبليس؛ ولهذا قال تعالى في سورة "طه" قال: {اهبطا منها جميعًا} [الآية: 123] وحوّاء تبعٌ لآدم. والحيّة -إن كان ذكرها صحيحًا -فهي تبعٌ لإبليس.
وقد ذكر المفسّرون الأماكن الّتي هبط فيها كلٌّ منهم، ويرجع حاصل تلك الأخبار إلى الإسرائيليّات، واللّه أعلم بصحّتها. ولو كان في تعيين تلك البقاع فائدةٌ تعود على المكلّفين في أمر دينهم، أو دنياهم، لذكرها اللّه تعالى في كتابه أو رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقوله: {ولكم في الأرض مستقرٌّ ومتاعٌ إلى حينٍ} أي: قرارٌ وأعمارٌ مضروبةٌ إلى آجالٍ معلومةٍ، قد جرى بها القلم، وأحصاها القدر، وسطّرت في الكتاب الأوّل. وقال ابن عبّاسٍ: {مستقرٌّ} القبور. وعنه: وجه الأرض وتحتها. رواهما ابن أبي حاتمٍ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 399]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (25) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون}؛ كقوله تعالى: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارةً أخرى} [طه: 55] يخبر تعالى أنّه يجعل الأرض دارًا لبني آدم مدّة الحياة الدّنيا، فيها محياهم وفيها مماتهم وقبورهم، ومنها نشورهم ليوم القيامة الّذي يجمع اللّه فيه الأوّلين والآخرين، ويجازي كلًّا بعمله). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 399]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:51 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة