العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنعام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:21 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنعام [ من الآية (136) إلى الآية (137) ]

{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 10:05 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا}، قال كانوا يعزلون من أموالهم شيئا فيقولون هذا لله وهذا لأصنامهم التي يعبدون فإن ذهب بعير مما جعلوا لشركائهم يخالط ما جعلو لله ردوه وإن ذهب شيء مما جعلوا لله يخالط شيئا مما جعلوا لشركائهم تركوه فإن أصابتهم سنة أكلوا مما جعلوا لله وتركوا ما جعلوا لشركائهم فقال الله تعالى ساء ما يحكمون). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 218-219]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: {ثمّ لم تكن فتنتهم} [الأنعام: 23] : «معذرتهم» {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا} [الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ، {لأنذركم به} [الأنعام: 19] : «أهل مكّة» {ينأون} [الأنعام: 26] : «يتباعدون» . {تبسل} [الأنعام: 70] : «تفضح» . {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أفضحوا» ، {باسطو أيديهم} : «البسط الضّرب» ، وقوله: {استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] : «أضللتم كثيرًا»، {ممّا ذرأ من الحرث} [الأنعام: 136] : «جعلوا للّه من ثمراتهم ومالهم نصيبًا، وللشّيطان والأوثان نصيبًا»). [صحيح البخاري: 6/ 55-56] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {ممّا ذرأ من الحرث} جعلوا للّه من ثمراتهم ومالهم نصيبًا وللشّيطان والأوثان نصيبا وصله بن أبي حاتم أيضا عن بن عبّاسٍ في قوله: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ... الآية} قال جعلوا للّه فذكر مثله وزاد فإن سقط من ثمرة ما جعلوا للّه في نصيب الشّيطان تركوه وإن سقط ممّا جعلوا للشّيطان في نصيب الله لقطوه وروى عبد بن حميد من طريق بن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قال كانوا يسمّون للّه جزءًا من الحرث ولشركائهم جزءًا فما ذهبت به الرّيح ممّا سمّوا للّه إلى جزء أوثانهم تركوه وقالوا اللّه غنيٌّ عن هذا وما ذهبت به الرّيح من جزء أوثانهم إلى جزء اللّه أخذوه والأنعام الّتي سمّى اللّه هي البحيرة والسّائبة كما تقدّم تفسيرها في المائدة وقد تقدّم في أخبار الجاهليّة قول بن عبّاسٍ إن سرّك أن تعلم جهل العرب فأشار إلى هذه الآية). [فتح الباري: 8/ 288]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وبه عن ابن عبّاس قوله:{وجعلوا لله ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا ... الآية} قال جعلوا لله من ثمارهم ومالهم نصيبا وللشيطان والأوثان نصيبا فإن سقط من ثمره ما جعلوا لله في نصيب الشّيطان تركوه وإن سقط ممّا جعلوا للشّيطان في نصيب الله لقطوه وحفظوه). [تغليق التعليق: 4/ 210]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (ذرأ من الحرث جعلوا لله من ثمراتهم وما لهم نصيبا وللشّيطان والأوثان نصيبا.
أشار به إلى قوله عز وجل: {وجعلوا لله ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا} وفسّر قوله: ذرأ من الحرث، بقوله: جعلوا لله إلى آخره، وهكذا رواه بن المنذر بسنده عن ابن عبّاس، وكذلك رواه ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس، وزاد فإن سقط من ثمره ما جعلوا لله في نصيب الشّيطان تركوه، وإن سقط ممّا جعلوه للشّيطان في نصيب الله لفظوه). [عمدة القاري: 18/ 220]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وفي قوله: ({ذرأ}) ولأبي ذر: {مما ذرأ} ({من الحرث})قال: (جعلوا لله من ثمراتهم وما لهم نصيبًا وللشيطان والأوثان نصيبًا).
وروي أنهم كانوا يصرفون ما عينوه لله إلى الضيفان والمساكين والذي لأوثانهم ينفقونه على سدنتها ثم إن رأوا ما عينوه لله أزكى بذلوه لآلهتهم وإن رأوا ما آلهتهم أزكى تركوه لها حبًّا لها وفي قوله: {مما ذرأ} تنبيه على فرط جهالتهم فإنهم أشركوا الخالق في خلقه جمادًا لا يقدر على شيء ثم رجحوه عليه بأن جعلوا الزاكي له، وسقط لغير أبي ذر لفظ مما من قوله: {مما ذرأ}). [إرشاد الساري: 7/ 116]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى اللّه وما كان للّه فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون}.
يقول تعالى ذكره: وجعل هؤلاء العادلون بربّهم الأوثان والأصنام لربّهم {ممّا ذرأ} خالقهم، يعني: ممّا خلق من الحرث والأنعام، يقال منه: ذرأ اللّه الخلق يذرؤهم ذرأً وذروًا: إذا خلقهم. نصيبًا: يعني قسمًا وجزءًا.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في صفة النّصيب الّذي جعلوا للّه والّذي جعلوه لشركائهم من الأوثان والشّيطان، فقال بعضهم: كان ذلك جزءًا من حروثهم وأنعامهم يقرّرونه لهذا، وجزءًا لهذا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشّهيد، قال: حدّثنا عتّاب بن بشيرٍ، عن خصيفٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {فما كان لشركائهم فلا يصل إلى اللّه} الآية، قال: كانوا إذا أدخلوا الطّعام فجعلوه حزمًا جعلوا منها للّه سهمًا، وسهمًا لآلهتهم، وكان إذا هبّت الرّيح من نحو الّذي جعلوه لآلهتهم إلى الّذي جعلوه للّه ردّوه إلى الّذي جعلوه لآلهتهم، وإذا هبّت الرّيح من نحو الّذي جعلوه للّه إلى الّذي جعلوه لآلهتهم أقرّوه ولم يردّوه، فذلك قوله: {ساء ما يحكمون}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا} قال: جعلوا للّه من ثمراتهم ومالهم نصيبًا، وللشّيطان والأوثان نصيبًا، فإن سقط من ثمرة ما جعلوا للّه في نصيب الشّيطان تركوه، وإن سقط ممّا جعلوه للشّيطان في نصيب اللّه التقطوه وحفظوه وردّوه إلى نصيب الشّيطان، وإن انفجر من سقي ما جعلوه للّه في نصيب الشّيطان تركوه، وإن انفجر من سقي ما جعلوه للشّيطان في نصيب اللّه سدّوه، فهذا ما جعلوا من الحروث وسقي الماء. وأمّا ما جعلوا للشّيطان من الأنعام، فهو قول اللّه: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا فقالوا هذا للّه بزعمهم ... الآية}، وذلك أنّ أعداء اللّه كانوا إذا احترثوا حرثًا أو كانت لهم ثمرةٌ، جعلوا للّه منها جزءًا، وللوثن جزءًا، فما كان من حرثٍ أو ثمرةٍ أو شيءٍ من نصيب الأوثان حفظوه وأحصوه، فإن سقط منه شيءٌ فيما سمّي للّه ردّوه إلى ما جعلوا للوثن، وإن سبقهم الماء إلى الّذي جعلوه للوثن فسقى شيئًا جعلوه للّه، جعلوا ذلك للوثن، وإن سقط شيءٌ من الحرث والثّمرة الّتي جعلوا للّه فاختلط بالّذي جعلوا للوثن، قالوا: هذا فقيرٌ، ولم يردّوه إلى ما جعلوا للّه. وإن سبقهم الماء الّذي جعلوا للّه فسقى ما سمّي للوثن تركوه للوثن. وكانوا يحرّمون من أنعامهم: البحيرة، والسّائبة، والوصيلة، والحام، فيجعلونه للأوثان، ويزعمون أنّهم يحرّمونه للّه، فقال اللّه في ذلك: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا ... الآية}.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا}، قال: يسمّون للّه جزءًا من الحرث، ولشركائهم وأوثانهم جزءًا. فما ذهبت به الرّيح ممّا سمّوا للّه إلى جزء أوثانهم تركوه، وما ذهب من جزء أوثانهم إلى جزء اللّه ردّوه وقالوا: اللّه عن هذا غنيّ. والأنعام: السّائبة والبحيرة الّتي سمّوا.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا ... الآية}، عمد ناسٌ من أهل الضّلالة فجزّءوا من حروثهم ومواشيهم جزءًا للّه وجزءًا لشركائهم. وكانوا إذا خالط شيءٌ ممّا جزّءوا للّه فيما جزّءوا لشركائهم خلّوه، فإذا خالط شيءٌ ممّا جزّءوا لشركائهم فيما جزّءوا للّه ردّوه على شركائهم. وكانوا إذا أصابتهم السّنة استعانوا بما جزّءوا للّه، وأقرّوا ما جزّءوا لشركائهم. قال اللّه: {ساء ما يحكمون}.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا} قال: كانوا يجزّئون من أموالهم شيئًا، فيقولون: هذا للّه، وهذا للأصنام الّتي يعبدون. فإذا ذهب ما جعلوا لشركائهم فخالط ما جعلوا للّه ردّوه، وإن ذهب ممّا جعلوه للّه فخالط شيئًا ممّا جعلوه لشركائهم تركوه. وإن أصابتهم سنةٌ، أكلوا ما جعلوا للّه، وتركوا ما جعلوا لشركائهم، فقال اللّه: {ساء ما يحكمون}.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا} إلى {يحكمون}، قال: كانوا يقسمون من أموالهم قسمًا فيجعلونه للّه، ويزرعون زرعًا فيجعلونه للّه، ويجعلون لآلهتهم مثل ذلك، فما خرج للآلهة أنفقوه عليها، وما خرج للّه تصدّقوا به فإذا هلك الّذي يصنعون لشركائهم وكثر الّذي للّه، قالوا: ليس بدٌّ لآلهتنا من نفقةٍ، وأخذوا الّذي للّه فأنفقوه على آلهتهم، وإذا أجدب الّذي للّه وكثر الّذي لآلهتهم، قالوا: لو شاء أزكى الّذي له، فلا يردّون عليه شيئًا ممّا للآلهة. قال اللّه: لو كانوا صادقين فيما قسموا لبئس إذًا ما حكموا أن يأخذوا منّي ولا يعطوني. فذلك حين يقول: {ساء ما يحكمون}.
وقال آخرون: النّصيب الّذي كانوا يجعلونه للّه فكان يصل منه إلى شركائهم، أنّهم كانوا لا يأكلون ما ذبحوا للّه حتّى يسمّوا الآلهة، وكانوا ما ذبحوه للآلهة يأكلونه ولا يسمّون اللّه عليه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا} حتّى بلغ: {وما كان للّه فهو يصل إلى شركائهم}، قال: كلّ شيءٍ جعلوه للّه من ذبحٍ يذبحونه لا يأكلونه أبدًا حتّى يذكروا معه أسماء الآلهة، وما كان للآلهة لم يذكروا اسم اللّه معه. وقرأ الآية حتّى بلغ: {ساء ما يحكمون}.
وأولى التّأويلين بالآية، ما قال ابن عبّاسٍ، ومن قال بمثل قوله في ذلك، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر أنّهم جعلوا للّه من حرثهم وأنعامهم قسمًا مقدّرًا، فقالوا: هذا للّه، وجعلوا مثله لشركائهم، وهم أوثانهم بإجماعٍ من أهل التّأويل عليه، فقالوا: هذا لشركائنا، وإنّ نصيب شركائهم لا يصل منه إلى اللّه، بمعنى: لا يصل إلى نصيب اللّه، وما كان للّه وصل إلى نصيب شركائهم. فلو كان وصول ذلك بالتّسمية وترك التّسمية، كان أعيان ما أخبر اللّه عنه أنّهم لم يصل جائزًا أن تكون قد وصلت، وما أخبر عنه أنّه قد وصل لم يصل، وذلك خلاف ما دلّ عليه ظاهر الكلام، لأنّ الذّبيحتين تذبح إحداهما للّه والأخرى للآلهة، جائزٌ أن تكون لحومهما قد اختلطت وخلطوهما، إذ كان المكروه عندهم تسمية اللّه على ما كان مذبوحًا للآلهة دون اختلاط الأعيان واتّصال بعضها ببعضٍ.
وأمّا قوله: {ساء ما يحكمون}، فإنّه خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن فعل هؤلاء المشركين الّذين وصف صفتهم. يقول جلّ ثناؤه: وقد أساءوا في حكمهم إذ أخذوا من نصيبي لشركائهم، ولم يعطوني من نصيب شركائهم. وإنّما عنى بذلك تعالى ذكره الخبر عن جهلهم وضلالتهم وذهابهم عن سبيل الحقّ بأنّهم لم يرضوا أن عدلوا بمن خلقهم وغذّاهم وأنعم عليهم بالنّعم الّتي لا تحصى ما لا يضرّهم ولا ينفعهم، حتّى فضّلوه في إقسامهم عند أنفسهم بالقسم عليه). [جامع البيان: 9/ 568-573]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى اللّه وما كان للّه فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون (136) }
قوله عزّ وجلّ: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا}
- وبه عن ابن عبّاسٍ: قوله: وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا قال: جعلوا للّه من ثمارهم ومالهم نصيبًا، وللشّيطان والأوثان نصيبًا، فإن سقط من ثمره ما جعلوا للّه في نصيب الشّيطان تركوه، وإن سقط ممّا جعلوا للشّيطان في نصيب اللّه نقطوه وحفظوه، وردّوه إلى نصيب الشّيطان، وإن انفجر من سقي ما جعلوا للّه في نصيب الشّيطان تركوه، وإن انفجر من سقي ما جعلوا للشّيطان في نصيب اللّه سرّحوه، فهذا ما جعل للّه من الحرث وسقي الماء.
قوله: {والأنعام نصيبًا}
- وبه عن ابن عبّاسٍ: قوله: والأنعام نصيبًا أمّا ما جعلوا للشّيطان فهو قول اللّه عزّ وجلّ: ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ولا وصيلةٍ ولا حامٍ.
قوله: {فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا}
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، عن عمّي، عن أبيه، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا ... الآية}. وذلك أنّ أعداء اللّه كانوا إذا احترثوا حرثًا أو كانت لهم ثمرةٌ جعلوا للّه منه جزءًا، وجزءًا للوثن، فما كان من حرثٍ أو ثمرةٍ أو شيءٍ من نصيب الأوثان حفظوه وأحصوه، فإن سقط منه شيءٌ فيما سمّي للصّمد- ردّوه إلى ما جعلوه للوثن، وإن سبقهم الماء الّذي جعلوه للوثن فسقى شيئًا ممّا جعلوه للّه- جعلوه للوثن، وإن سقط شيءٌ من الحرث والثّمرة الّذي جعلوه للّه فاختلط بالّذي جعلوه للوثن قالوا: هذا فقيرٌ. ولم يردّوه إلى ما جعلوه للّه. وإن سبقهم الماء الّذي سمّوا للّه فسقى ما سمّوا للوثن، تركوه للوثن. وكانوا يحرّمون من أنعامهم البحيرة والسّائبة والوصيلة والحامي فيجعلونه للأوثان ويزعمون أنّهم يحرّمونه للّه، فقال اللّه تعالى في ذلك: وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا.
قوله تعالى:{ فما كان لشركائهم فلا يصل إلى اللّه وما كان للّه فهو يصل إلى شركائهم}
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ورقاءٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: قوله:
{ فما كان لشركائهم فلا يصل إلى اللّه وما كان للّه فهو يصل إلى شركائهم}: يسمّون للّه- يعني: جزءًا من الحرث، ولشركائهم ولأوثانهم جزءا- فما ذهب به الرّيح ممّا سمّوا للّه إلى جزء أوثانهم تركوه وقالوا: اللّه عن هذا غنيٌّ، وما ذهبت به الرّيح من جزء أوثانهم إلى جزء اللّه أخذوه، والأنعام الّتي سمّوا للّه البحيرة والسّائبة.
قوله: {ساء ما يحكمون}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: قوله:
{ فما كان لشركائهم فلا يصل إلى اللّه وما كان للّه فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون} كانوا يقسمون من أموالهم قسمًا فيجعلونه للّه ويزرعون زرعًا فيجعلونه للّه عزّ وجلّ، ويجعلون لآلهتهم مثل ذلك.
فما يخرج للآلهة أنفقوه عليها، وما يخرج للّه تصدّقوا به، فإذا هلك ما يصنعون لشركائهم وكثر الّذي للّه قالوا: ليس لآلهتنا بدٌّ من نفقةٍ، فأخذوا الّذي للّه فأنفقوه على آلهتهم، وإذا أجدب الّذي للّه وكثر الّذي لآلهتهم قالوا: لو شاء اللّه أزكى الّذي له. ولا يردّون عليه شيئًا ممّا للآلهة. قال اللّه تبارك وتعالى: لو كانوا صادقين فيما قسموا لبئس إذًا ما حكموا: أن يأخذوا منّي ولا يعطوني فذلك حين يقول: ساء ما يحكمون.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ، قال: سمعت ابن زيدٍ- يعني عبد الرّحمن- يقول في قوله: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى اللّه وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم} قال: كلّ شيءٍ جعلوه للّه من ذبحٍ يذبحونه له لا يأكلونه أبدًا حتّى يذكروا معه اسم الآلهة، وما كان للآلهة لم يذكرون اسم اللّه معه، فقرأ قول اللّه تبارك وتعالى: فما كان لشركائهم فلا يصل إلى اللّه، وما كان للّه فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1390-1392]

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا قال كانوا يسمون لله جزءا ولشركائهم يعني لأوثانهم جزءا فما ذهبت به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم تركوه وقالوا الله غني عن هذا وما ذهبت به الريح من جزء أوثانهم إلى جزء الله ردوه وأما الأنعام فالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام). [تفسير مجاهد: 223-224]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس في قوله: {وجعلوا لله مما ذرأ} الآية، قال: جعلوا لله من ثمارهم ومائهم نصيبا وللشيطان والأوثان نصيبا فإن سقط من ثمرة ما جعلوا لله في نصيب الشيطان تركوه وإن سقط مما جعلوا للشيطان في نصيب الله ردوه إلى نصيب الشيطان فإن انفجر من سقى ما جعلوا لله في نصيب الشيطان تركوه وإن انفجر من سقى ما جعلوا للشيطان في نصيب الله سرحوه فهذا ما جعل لله من الحرث وسقى الماء وأما ما جعلوه للشيطان من الأنعام فهو قول الله: {ما جعل الله من بحيرة} [المائدة:103].
- وأخرج ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا} الآية، قال: كانوا إذا احترثوا حرثا أو كانت لهم ثمرة جعلوا لله منه جزأ وجزأ للوثن فما كان من حرث أو ثمرة أو شيء من نصيب الأوثان حفظوه وأحصوه فإن سقط منه شيء مما سمي للصمد ردوه إلى ما جعلوه للوثن وإن سبقهم الماء الذي جعلوه للوثن فسقى شيئا مما جعلوه لله جعلوه للوثن وإن سقط شيء من الحرث والثمرة الذي جعلوه لله فاختلط بالذي جعلوه للوثن قالوا: هذا فقير ولم يردوه إلى ما جعلوا لله وإن سبقهم الماء الذي سموا لله فسقى ما سموا للوثن وتركوه للوثن وكانوا يحرمون من أنعامهم البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي فيجعلونه للأوثان ويزعمون أنهم يحرمونه لله.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث} قال: يسمون لله جزأ من الحرث ولشركائهم وأوثانهم جزأ فما ذهبت به الريح مما سموا لله إلى جزء أوثانهم تركوه وقالوا: إن الله عن هذا غني وما ذهبت به الريح من جزء أوثانهم إلى جزء الله أخذوه والأنعام التي سموا لله: البحيرة والسائبة). [الدر المنثور: 6/ 210-213]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء اللّه ما فعلوه فذرهم وما يفترون}.
يقول تعالى ذكره: وكما زيّن شركاء هؤلاء العادلين بربّهم الأوثان والأصنام لهم ما زيّنوا لهم، من تصييرهم لربّهم من أموالهم قسمًا بزعمهم، وتركهم ما وصل من القسم الّذي جعلوه للّه إلى قسم شركائهم في قسمهم، وردّهم ما وصل من القسم الّذي جعلوه لشركائهم إلى قسم نصيب اللّه إلى قسم شركائهم، {كذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} من الشّياطين، فحسّنوا لهم وأد البنات، {ليردوهم} يقول: ليهلكوهم، {وليلبسوا عليهم دينهم}، فعلوا ذلك بهم ليخلطوا عليهم دينهم فيلتبس، فيضلّوا ويهلكوا بفعلهم ما حرّم عليهم اللّه. ولو شاء اللّه أن لا يفعلوا ما كانوا يفعلون من قتلهم لم يفعلوه، بأن كان يهديهم للحقّ ويوفّقهم للسّداد، فكانوا لا يقتلونهم، ولكنّ اللّه خذلهم عن الرّشاد فقتلوا أولادهم وأطاعوا الشّياطين الّتي أغوتهم.
يقول اللّه لنبيّه متوعّدًا لهم على عظيم فريتهم على ربّهم فيما كانوا يقولون في الأنصباء الّتي يقسمونها: هذا للّه، وهذا لشركائنا، وفي قتلهم أولادهم: ذرهم يا محمّد وما يفترون وما يتقوّلون عليّ من الكذب والزّور، فإنّي لهم بالمرصاد، ومن وراء العذاب والعقاب.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم}: زيّنوا لهم، من قتل أولادهم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {قتل أولادهم شركاؤهم}: شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خيفة العيلة.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم} الآية، قال: شركاؤهم زيّنوا لهم ذلك، {ولو شاء ربّك ما فعلوه فذرهم وما يفترون}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا وهبٌ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} قال: شياطينهم الّتي عبدوها زيّنوا لهم قتل أولادهم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم}: أمرتهم الشّياطين أن يقتلوا البنات وأمّا {ليردوهم} فيهلكوهم. وأمّا {ليلبسوا عليهم دينهم} فيخلطوا عليهم دينهم.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته قرّاء الحجاز والعراق: {وكذلك زيّن} بفتح الزّاي من (زيّن)، {لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم} بنصب القتل، {شركاؤهم} بالرّفع. بمعنى أنّ شركاء هؤلاء المشركين الّذين زيّنوا لهم قتل أولادهم، فيرفعون الشّركاء بفعلهم، وينصبون القتل لأنّه مفعولٌ به.
وقرأ ذلك بعض قرّاء أهل الشّام: (وكذلك زيّن) بضمّ الزّاي، (لكثيرٍ من المشركين قتل) بالرّفع (أولادهم) بالنّصب، (شركائهم) بالخفض، بمعنى: وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل شركائهم أولادهم، ففرّقوا بين الخافض والمخفوض بما عمل فيه من الاسم.
وذلك في كلام العرب قبيحٌ غير فصيحٍ. وقد روي عن بعض أهل الحجاز بيتٌ من الشّعر يؤيّد قراءة من قرأ بما ذكرت من قراءة أهل الشّام، رأيت رواة الشّعر وأهل العلم بالعربيّة من أهل العراق ينكرونه، وذلك قول قائلهم:
فزججته متمكّنًا = زجّ القلوص أبي مزادة
والقراءة الّتي لا أستجيز غيرها: {وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} بفتح الزّاي من زيّن ونصب القتل بوقوع زيّن عليه، وخفض أولادهم بإضافة القتل إليهم، ورفع الشّركاء بفعلهم، لأنّهم هم الّذين زيّنوا للمشركين قتل أولادهم على ما ذكرت من التّأويل.
وإنّما قلت: لا أستجيز القراءة بغيرها لإجماع الحجّة من القرّاء عليه، وأنّ تأويل أهل التّأويل بذلك ورد، ففي ذلك أوضح البيان على فساد ما خالفها من القراءة.
ولولا أن تأويل جميع أهل التّأويل بذلك ورد ثمّ قرأ قارئٌ: (وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركائهم) بضمّ الزّاي من (زيّن)، ورفع (القتل)، وخفض (الأولاد) (والشّركاء)، على أنّ (الشّركاء) مخفوضون بالرّدّ على (الأولاد) بأنّ (الأولاد) شركاء آبائهم في النّسب والميراث كان جائزًا.
ولو قرأه كذلك قارئٌ، غير أنّه رفع (الشّركاء) وخفض (الأولاد) كما يقال: ضرب عبد اللّه أخوك، فيظهر الفاعل بعد أن جرى الخبر بما لم يسمّ فاعله، كان ذلك صحيحًا في العربيّة جائزًا). [جامع البيان: 9/ 573-577]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء اللّه ما فعلوه فذرهم وما يفترون (137)}
قوله: {وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} يقول: زيّنوا لهم من قتل أولادهم.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة: وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم قال: شركاؤهم زيّنوا.
قوله: {شركاؤهم}
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: قوله: {وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} قال: شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خيفة العيلة.
قوله: {ليردوهم}
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قوله: ليردوهم فيهلكوهم.
قوله: {وليلبسوا عليهم دينهم}
- وبه عن السّدّيّ: وليلبسوا عليهم دينهم فيخلطوا عليهم دينهم.
قوله: {ولو شاء اللّه ما فعلوه فذرهم وما يفترون}
- حدّثنا موسى بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ: قوله: فذرهم يعني خلّ عنهم). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1392-1393]

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم يعني شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خيفة العيلة يعني الموءودة).[تفسير مجاهد: 224]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله: {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} قال: زينوا لهم من قتل أولادهم.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} قال: شياطينهم يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خيفة العيلة). [الدر المنثور: 6/ 213]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ربيع الثاني 1434هـ/6-03-2013م, 11:21 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)}

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هذا للّه بزعمهم...}
وبرعمهم، وزعمهم، ثلاث لغات. ولم يقرأ بكسر الزاي أحد نعلمه. والعرب قد تجعل الحرف في مثل هذا؛ فيقولون: الفتك والفتك والفتك، والودّو الودّو الودّ، في أشباه لها. وأجود ذلك ما اختارته القرّاء الذين يؤثر عنهم القراءة. وفي قراءة عبد الله "وهذا لشركائهم" وهو كما تقول في الكلام: قال عبد الله: إنّ له مالا، وإنّ لي مالا، وهو يريد نفسه. وقد قال الشاعر:
رجلان من ضبّة أخبرانا ....... إنا رأينا رجلا عريانا
ولو قال: أخبرانا أنهما رأيا كان صوابا). [معاني القرآن: 1/ 357]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({ذرأ} بمنزلة برأ، ومعناهما خلق). [مجاز القرآن: 1/ 206]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الأعمش ويحيى بن وثاب {بزعمهم} برفع الزاي.
وحكي عن أبي عمرو: الزعم والزعم والزعم، وهي لغات ثلاثها.
[وزاد محمد بن صالح في روايته]
والضم فيها أسدية، والفتح حجازية، والكسر بعض قيس وتميم.
وقالوا: زعم الرجل زعما: طمع، وأزعمته؛ وقالوا: الزعم أيضًا.
قال عنترة:
علقتها عرضا وأقتل قومها = زعما لعمرو أبيك ليس بمزعم). [معاني القرآن لقطرب: 529]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {مما ذرأ من الحرث} ذرأ الخلق يذرأهم ذرءًا؛ مثل ذرعًا؛ وقوله {يذرؤكم} من ذلك؛ وهو خلقه إياهم.
[وزاد محمد]:
وقال: ذرئ: إذا شاب الرجل، وذرؤ فعل لغة.
وقال:
[معاني القرآن لقطرب: 552]
وقد علتني ذرأة بادي بدي). [معاني القرآن لقطرب: 553]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({ذرأ}: وبرأ خلق). [غريب القرآن وتفسيره: 143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ممّا ذرأ من الحرث والأنعام} أي: مما خلق من الحرث وهو الزرع. والأنعام الإبل والبقر والغنم. نصيباً أي حظا.
وكانوا إذا زرعوا خطّوا خطا فقالوا: هذا للّه، وهذا لآلهتنا. فإذا حصدوا ما جعلوا للّه فوقع منه شيء فيما جعلوا لآلهتهم تركوه. وقالوا: هي إليه محتاجة.
وإذا حصدوا ما جعلوا لألهتهم فوقع منه شيء فيما جعلوه للّه، أعادوه إلى موضعه.
وكانوا يجعلون من الأنعام شيئا للّه. فإذا ولدت إناثها ميتا أكلوه. وإذا جعلوا لآلهتهم شيئا من الأنعام فولد ميتا، عظموه ولم يأكلوه فقال اللّه:
{وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى اللّه وما كان للّه فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون}). [تفسير غريب القرآن: 160-161]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا}
في الكلام حذف والمعنى وجعلوا لأصنامهم نصيبا ودل عليه فقالوا {هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا}. قال مجاهد: كانوا يجعلون لله جزء ولشركائهم جزءا فإذا ذهب ما لشركائهم عوضوا منه مما لله وإذا ذهب ما لله لم يعوضوا منه شيئا، قال الأنعام البحيرة والسائبة. وقال قتادة: كانوا يجعلون لله نصيبا ولشركائهم نصيبا فإذا هلك بعير لشركائهم أخذوا مما لله فجعلوه لشركائهم وإذا هلك بعير مما لله جل وعز تركوه وقالوا الله مستغن عن هذا وإذا أصابهم سنة أخذوا ما لله جل وعز فنحروه وأكلوه). [معاني القرآن: 2/ 493-494]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقال الله عز وجل: {ساء ما يحكمون} فذم الله ذلك من فعلهم ويقال ذرأ يذرأ ذرء أي خلق). [معاني القرآن: 2/ 495]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَجَعَلُواْ ُلِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا ... الآية}.. كانوا إذا زرعوا خطوا خطوطا، فقالوا: هذا لله وهذا لآلهتنا، فإذا حصدوا ما جعلوا لله، فوقع منه شيء فيما جعلوا لآلهتهم، تركوه وقالوا: هي إليه محتاجة، وإذا حصدوا ما جعلوا لآلهتهم فوقع شيء منه فيما جعلوا لله أعادوه إلى موضعه، وكانوا يجعلون من الأنعام شيئا لله، فإذا ولدت إناثها ميتًا أكلوه، وإذا ولدت ما لآلهتهم ميتا عظموه ولم يأكلوه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 80]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({ذَرَأَ}: خلق). [العمدة في غريب القرآن: 131]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وكذلك زيّن لكثيرٍ مّن المشركين قتل أولادهم شركآؤهم...}
وهم قوم كانوا يخدمون آلهتهم، فزيّنوا لهم دفن البنات وهنّ أحياء. وكان أيضا أحدهم يقول: لئن ولد لي كذا وكذا من الذكور لأنحرنّ واحداً. فذلك قتل أولادهم. والشركاء رفع؛ لأنهم الذين زيّنوا.
وكان بعضهم يقرأ: "وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتلُ أولادهم" فيرفع القتل إذا لم يسمّ فاعله، ويرفع (الشركاء) بفعل ينويه؛ كأنه قال: زيّنه لهم شركاؤهم.
ومثله قوله: (يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال) ثم قال: {رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ}.
وفي بعض مصاحف أهل الشام (شركايهم) بالياء، فإن تكن مثبتة عن الأوّلين فينبغي أن يقرأ (زيّن) وتكون الشركاء هم الأولاد؛ لأنهم منهم في النسب والميراث. فإن كانوا يقرءون (زيّن) فلست أعرف جهتها؛ إلا أن يكونوا فيها آخذين بلغة قوم يقولون: أتيتها عشايا ثم يقولون في تثنية (الحمراء: حمرايان) فهذا وجه أن يكونوا قالوا: "زَيَّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادِهم شركايُهُمْ" وإن شئت جعلت (زيّن) إذا فتحته فعلا لإبليس ثم تخفض الشركاء بإتباع الأولاد. وليس قول من قال: إنما أرادوا مثل قول الشاعر:
فزججتها متمكّنا ....... زجّ القلوص أبي مزاد
بشيء. وهذا مما كان يقوله نحويّو أهل الحجاز، ولم نجد مثله في العربية). [معاني القرآن: 1/ 358-359]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وكذلك زيّن لكثيرٍ مّن المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء اللّه ما فعلوه فذرهم وما يفترون}
وقال: {وكذلك زيّن لكثيرٍ مّن المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} لأن الشركاء زينوا.
ثم قال: {ليردوهم} من "أردى" "إرداء"). [معاني القرآن: 1/ 249]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة القراء {وكذلك زين}.
أبو عبد الرحمن السلمي "زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم" يرفع "القتل" فيكون ذلك على معنيين:
كأنه قال: شركاؤهم زينوا لهم؛ لقوله {زين} على ما قرأ الحسن "عليهم لعنة الله والملائكة والناس"؛ كأنه قال: وتلعنهم الملائكة.
[معاني القرآن لقطرب: 529]
والوجه الثاني: "وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم" فيكون الشركاء هم الذين قتلوا، كقولك: حبب إلي شرب اللبن زيد، وأكل اللحم عمرو؛ فيكون "زيد" مرفوعًا بالشرب والأكل). [معاني القرآن لقطرب: 530]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ليردوهم} أي ليهلكوهم. والرّدى: الهلاك). [تفسير غريب القرآن: 161]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقد كان بعض القراءة يقرأ: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ}، أي: قتل شركائهم أولادهم). [تأويل مشكل القرآن: 207-208]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم} يعني الموءودة قال مجاهد زين لهم الشياطين قتل البنات وخوفوهم العيلة قال غير مجاهد شركاؤهم ههنا الذين يخدمون الأصنام). [معاني القرآن: 2/ 495]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 11:13 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) }

قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (مطلب شرح مادة ذرأ مهموزًا ومعتلًا
وقال أبو نصر: عن الأصمعي: ذرىء رأس الرجل يذرأ ذرًا، وقد علته ذرأة، أي بياض، وأنشد:
وقد علتني ذرأة بادي بدى
وأنشد أبو بكر بن دريد بعد هذا البيت:
ورثية تنهض في تشدّد
وقوله: بادي بدى، أي في أول الأمر، ويقال: حدي أذرأ، وعناق ذراء إذا كان في رأسه ورأسها بياض، ومنه قيل: ملح ذرآنيّ، أي شديد البياض، وقال غيره وذرآنيّ أيضًا.
وقالاللحياني: يقال: ذرأ الله الخلق يذرؤهم، والله البارئ الذارئ، والحلق مذروءون ومبروءون.
وقال أبو نصر: ذرا يذرو ذروًا إذا مرّ مرًّا سريعًا، وذرا ناب الجمل يذرو ذروًا إذا انكسر حدّه، وقال أوس بن حجر:
وإن مقرم منّا ذرا حدّ نابه ....... تخمّط فينا ناب آخر مقرم
وذرت الريح التراب تذروه ذروًا، ومنه قيل: ذري الناس الحنطة، قال: ويقال: ذرت الريح التراب تذريه، بمعنى ذرته تذروه، وطعنه فأذراه عن فرسه، أي رمى به وقلعه عن السّرج، وقال الأصمعيّ: أذرته إذا قلعته من أصله قلعًا، وذرته طيّرته، قال ابن أحمر:
لها منخل تذري إذا عصفت به ....... أهابيّ سفساف من التّرب توأم
وقال اللحياني: ذرت الريح التراب تذروه وتذريه إذا سحفته وأذهبته.
قال: وقال الكسائي: ذروت وذريت وذرّيت بمعنى واحد، أي نقّيتها في الريح.
قال أبو نصر: فلان يذّري فلانًا، أي يرفع من شأنه ويمدحه، قال الراجز.
عمدًا أذرّي حسبي إن يشتما ....... بهدر هدّار يمجّ البلغما
وقال أبو زيد: ذرّيت الشاة إذا جززتها وتركت على ظهرها شيئًا منه لتعرف به، ولا يكون ذلك إلا في الضأن، وقال أبو نصر وغيره: ذروة كلّ شيء أعلاه، ويقال: فلان في ذرى فلان، أي في دفئه وظلّه.
ويقال: استذر بهذه الشجرة، أي كن في دفئها، وهو الذرى مقصور.
ويقال: جاء ينقض مذرويه، إذا جاء باغيًا يتهدّد، قال: والمذروان: الناحيتان، قال بعض هذيل يذكر القوس:
على كلّ هتافة المذروين ....... صفراء مضجعة في الشّمال
يعني: الجانبين اللذين يقع عليهما الوتر من أسفل ومن أعلي.
: وهذا القول مشتمل على من سمّى ناحيتي الرأس مذروين، وعلى ما رواه أبو عبيد، عن أبي عبيدة أن المذروين أطراف الأليتين، وأنشد لعنترة:
أحولي تنقض استك مذرويها ....... لتقتلني فهأنذا عمارا
قال: وليس لهما واحد، لأنه لو كان لهما واحد فقيل مذري لقيل في التثنية مذريان بالياء وما كانت بالواو، وقال أبو نصر: يقال: بلغني عنه ذرء من خبر، أي طرف ولم يتكامل). [الأمالي: 1/ 200-202]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وقد يجوز أن تقول ألا رجل إمّا زيدٌ وإمّا عمرو كأنه قيل له من هذا المتمنّى؟ فقال زيدٌ أو عمروٌ:
ومثل ليبك يزيد قراءة بعضهم: (وكذلك زُيِّن لكثير من المشركين قتلُ أولادهم شركاؤهم) رفع الشّركاء على مثل ما رفع عليه ضارعٌ). [الكتاب: 1/ 289-290]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قوله: ما جاءني من أحدٍ عاقلٌ. رفعت العاقل، ولو خفضته كان أحسن. وإنما جاز الرفع؛ لأن المعنى: ما جاءني أحد. ومن ذلك قراءة بعض الناس: (زُين لكثيرٍ من المشركين قتلَ أولادهم شركاؤهم). لما قال: قتل أولادهم، تم الكلام، فقال: شركاؤهم على المعنى؛ لأنه علم أن لهذا التزيين مزيناً فالمعنى: زينه شركاؤهم. ومثل ذلك قول الشاعر:
ليبك يزيد ضارعٌ لخصومةٍ ....... ومختبطٌ مما تطيح الطوائح
لما قال: ليبكي يزيد علم أن له باكيا. فكأنه قال: ليبكه ضارعٌ لخصومة. ومن هذا قولهم:
قد سالم الحيات منه القدمـا ....... الأفعوان والشجاع الشجعما
فنصب الأفعوان؛ لأنك تعلم أن القدم مسالمة؛ كما أنها مسالمة فكأنه قال: قد سالمت القدم الأفعوان والشجاع. ومن ذلك قول الله عز وجل: {انتهوا خيراً لكم} ). [المقتضب: 3/ 281-283]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى اللّه وما كان للّه فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون (136)}
الضمير في جعلوا عائد على كفار العرب العادلين بربهم الأوثان الذين تقدم الرد عليهم من أول السورة، وذرأ معناه خلق وأنشأ وبث في الأرض، يقال ذرأ الله الخلق يذرؤهم ذرءا وذروءا أي خلقهم، وقوله وجعلوا من كذا وكذا نصيبا يتضمن بقاء نصيب آخر ليس بداخل في حكم الأول، فبينه بقوله: فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا، ثم اعترضهم أثناء القول بأن ذلك زعم وتقول، والزعم في كثير كلام العرب أقرب إلى غير اليقين والحق، يقال «زعم» بفتح الزاي وبه قرأت الجماعة، «وزعم» بضمها، وقرأ الكسائي وحده في هذه الآية «زعم» بكسر الزاي، ولا أحفظ أحدا قرأ به والحرث في هذه الآية يريد به الزرع والأشجار وما يكون من الأرض، وقوله لشركائنا يريد به الأصنام والأوثان، وسموهم شركاء على معتقدهم فيهم أنهم بساهمونهم في الخير والشر ويكسبونهم ذلك، وسبب نزول هذه الآية أن العرب كانت تجعل من غلّاتها وزرعها وثمارها ومن أنعامها جزءا تسميه لله وجزءا تسميه لأصنامها، وكانت عادتها التحفي والاهتبال بنصيب الأصنام أكثر منها بنصيب الله إذ كانوا يعتقدون أن الأصنام بها فقر وليس ذلك بالله فكانوا إذا جمعوا الزرع فهبت الريح فحملت من الذي لله إلى الذي لشركائهم أقروه، وإذا حملت من الذي لشركائهم إلى الله ردوه، وإذا تفجر من سقي ما جعلوا لله في نصيب شركائهم تركوه، وإن بالعكس سدوه، وإذا لم يصيبوا في نصيب شركائهم شيئا قالوا لا بد للآلهة من نفقة فيجعلون نصيب الله تعالى في ذلك.
قال هذا المعنى ابن عباس، ومجاهد، والسدي وغيرهم أنهم كانوا يفعلون هذا ونحوه من الفعل وكذلك في الأنعام وكانوا إذا أصابتهم السنة أكلوا نصيب الله وتحاموا نصيب شركائهم، وقوله تعالى: فما كان لشركائهم الآية قال جمهور المتأولين إن المراد بقوله فلا يصل وقوله يصل ما قدمنا ذكره من حمايتهم نصيب آلهتهم في هبوب الريح وغير ذلك، وقال ابن زيد إنما ذلك في أنهم كانوا إذا ذبحوا لله ذكروا آلهتهم على ذلك الذبح وإذا ذبحوا لآلهتهم لم يذكروا الله، فكأنه قال «فلا يصل» إلى ذكر الله وقال فهو «يصل» إلى ذكر شركائهم، وما في موضع رفع كأنه قال ساء الذي يحكمون، ولا يتجه عندي أن يجري هنا ساء مجرى نعم وبئس لأن المفسر هنا مضمر ولا بد من إظهاره باتفاق من النحاة، وإنما اتجه أن تجري مجرى بئس في قوله: {ساء مثلًا القوم} [الأعراف: 177]. لأن المفسر ظاهر في الكلام). [المحرر الوجيز: 3/ 466-467]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء اللّه ما فعلوه فذرهم وما يفترون (137)}
«الكثير» في هذه الآية يراد به من كان يئد من مشركي العرب، و «الشركاء» هاهنا الشياطين الآمرون بذلك المزينون له والحاملون عليه أيضا من بني آدم الناقلين له عصرا بعد عصر إذ كلهم مشتركون في قبح هذا الفعل وتباعته في الآخرة، ومقصد هذه الآية الذم للوأد والإنحاء على فعلته، واختلفت القراءة فقرأت الجماعة سوى ابن عامر «وكذلك زين» بفتح الزاي «قتل» بالنصب «أولادهم» بكسر الدال «شركاؤهم»، وهذه أبين قراءة، وحكى سيبويه أنه قرأت فرقة «وكذلك زين» بضم الزاي «قتل أولادهم» بكسر الدال «شركاؤهم» بالرفع.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهي قراءة أبي عبد الرحمن السلمي والحسن وأبي عبد الملك قاضي الجند صاحب ابن عامر، كأنه قال: زينه شركاؤهم قال سيبويه: وهذا كما قال الشاعر: [الطويل]
ليبك يزيد ضارع لخصومة ....... ومختبط مما يطيح الطوائح
كأنه قال يبكيه ضارع لخصومة، وأجاز قطرب أن يكون الشركاء في هذه القراءة ارتفعوا بالقتل كأن المصدر أضيف إلى المفعول، ثم ذكر بعده الفاعل كأنه قال إن قتل أولادهم شركاؤهم كما تقول حبب إليّ ركوب الفرس زيد أي أن ركب الفرس زيد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والفصيح إذا أضيف مصدر إلى مفعول أن لا يذكر الفاعل، وأيضا فالجمهور في هذه الآية على أن الشركاء مزينون لا قاتلون، والتوجيه الذي ذكر سيبويه هو الصحيح، ومنه قوله عز وجل على قراءة من قرأ: {يسبّح له فيها بالغدوّ والآصال رجالٌ} [النور: 36] بفتح الباء المشددة أي «يسبّح رجال»، وقرأ ابن عامر «وكذلك زين» بضم الزاي «قتل» بالرفع «أولادهم» بنصب الدال «شركائهم» بخفض الشركاء، وهذه قراءة ضعيفة في استعمال العرب، وذلك أنه أضاف القتل إلى الفاعل وهو الشركاء، ثم فصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول ورؤساء العربية لا يجيزون الفصل بالظروف في مثل هذا إلا في الشعر كقوله [أبو حية النميري]: [الوافر]
كما خطّ بكفّ يوما ....... يهوديّ يقارب أو يزيل
فكيف بالمفعول في أفصح الكلام؟ ولكن وجهها على ضعفها أنها وردت شاذة في بيت أنشده أبو الحسن الأخفش وهو: [مجزوء الكامل]
فزججته بمزجّة ....... زجّ القلوص أبي مزادة
وفي بيت الطرماح وهو قوله: [الطويل]
يطفن بحوزيّ المرابع لم يرع ....... بواديه من قرع القسيّ الكنائن
والشركاء على هذه القراءة هم الذين يتأولون وأد بنات الغير فهم القاتلون، والصحيح من المعنى أنهم المزينون لا القاتلون، وذلك مضمن قراءة الجماعة.
وقرأ بعض أهل الشام ورويت عن ابن عامر «زين» بكسر الزاي وسكون الياء على الرتبة المتقدمة من الفصل بالمفعول، وحكى الزهراوي أنه قرأت فرقة من أهل الشام «وكذلك زين» بضم الزاي «قتل» بالرفع «أولادهم» بكسر الدال «شركائهم» بالخفض والشركاء على هذه القراءة هم الأولاد الموءودون لأنهم شركاء في النسب والمواريث، وكأن وصفهم بأنهم شركاء يتضمن حرمة لهم وفيها بيان لفساد الفعل إذ هو قتل من له حرمة. وليردوهم معناه ليهلكوهم من الردى، وليلبسوا معناه ليخلطوا، والجماعة على كسر الباء، وقرأ إبراهيم النخعي «وليلبسوا» بفتح الباء، قال أبو الفتح: هي استعارة من اللباس عبارة عن شدة المخالطة، وهذان الفعلان يؤيدان أول قراءة في ترتيبنا في قوله: {وكذلك زيّن}. وقوله تعالى: {ولو شاء اللّه ما فعلوه}، يقتضي أن لا شيء إلا بمشيئة الله عز وجل، وفيها رد على من قال بأن المرء يخلق أفعاله، وقوله تعالى: فذرهم وعيد محض، ويفترون معناه يختلقون من الكذب في تشرعهم بذلك واعتقادهم أنها مباحات لهم). [المحرر الوجيز: 3/ 467-470]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (136)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى اللّه وما كان للّه فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون (136)}
هذا ذمٌّ وتوبيخٌ من اللّه للمشركين الّذين ابتدعوا بدعًا وكفرًا وشركًا، وجعلوا للّه جزءًا من خلقه، وهو خالق كلّ شيءٍ سبحانه وتعالى عمّا يشركون؛ ولهذا قال تعالى: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ} أي: ممّا خلق وبرأ {من الحرث} أي: من الزّروع والثّمار {والأنعام نصيبًا} أي: جزءًا وقسمًا، {فقالوا هذا للّه بزعمهم وهذا لشركائنا}
وقوله: {فما كان لشركائهم فلا يصل إلى اللّه وما كان للّه فهو يصل إلى شركائهم} قال عليّ بن أبي طلحة، والعوفي، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّه قال في تفسير هذه الآية: إنّ أعداء اللّه كانوا إذا حرثوا حرثًا، أو كانت لهم ثمرةٌ، جعلوا للّه منه جزءًا وللوثن جزءًا، فما كان من حرثٍ أو ثمرةٍ أو شيءٍ من نصيب الأوثان حفظوه وأحصوه. وإن سقط منه شيءٌ فيما سمّي للصّمد ردّوه إلى ما جعلوه للوثن. وإن سبقهم الماء الّذي جعلوه للوثن. فسقى شيئًا جعلوه للّه جعلوا ذلك للوثن. وإن سقط شيءٌ من الحرث والثّمرة الّذي جعلوه للّه، فاختلط بالّذي جعلوه للوثن، قالوا: هذا فقيرٌ. ولم يردّوه إلى ما جعلوه للّه. وإن سبقهم الماء الّذي جعلوه للّه. فسقى ما سمّي للوثن تركوه للوثن، وكانوا يحرّمون من أموالهم البحيرة والسّائبة والوصيلة والحام، فيجعلونه للأوثان، ويزعمون أنّهم يحرّمونه للّه، فقال اللّه عزّ وجلّ: {وجعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا} الآية.
وهكذا قال مجاهدٌ، وقتادة، والسّدّيّ، وغير واحدٍ.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في تفسيره: كلّ شيءٍ جعلوه للّه من ذبح يذبحونه، لا يأكلونه أبدًا حتّى يذكروا معه أسماء الآلهة. وما كان للآلهة لم يذكروا اسم اللّه معه، وقرأ الآية حتّى بلغ: {ساء ما يحكمون} أي: ساء ما يقسّمون، فإنّهم أخطؤوا أوّلًا في القسمة، فإنّ اللّه تعالى هو ربّ كلّ شيءٍ ومليكه وخالقه، وله الملك، وكلّ شيءٍ له وفي تصرّفه وتحت قدرته ومشيئته، لا إله غيره، ولا ربّ سواه. ثمّ لمّا قسّموا فيما زعموا لم يحفظوا القسمة الّتي هي فاسدةٌ، بل جاروا فيها، كما قال تعالى: {ويجعلون للّه البنات سبحانه ولهم ما يشتهون} [النّحل: 57]، وقال تعالى: {وجعلوا له من عباده جزءًا إنّ الإنسان لكفورٌ مبينٌ} [الزّخرف: 15]، وقال تعالى: {ألكم الذّكر وله الأنثى * تلك إذًا قسمةٌ ضيزى} [النّجم: 21، 22] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 344]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (137) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء اللّه ما فعلوه فذرهم وما يفترون (137)}
يقول تعالى: وكما زيّنت الشّياطين لهؤلاء المشركين أن يجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا، كذلك زيّنوا لهم قتل أولادهم خشية الإملاق، ووأد البنات خشية العار.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: وكذلك زيّن لكثيرٍ من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم: زيّنوا لهم قتل أولادهم.
وقال مجاهدٌ: {شركاؤهم} شياطينهم، يأمرونهم أن يئدوا أولادهم خشية العيلة. وقال السّدّيّ: أمرتهم الشّياطين أن يقتلوا البنات. وإمّا {ليردوهم} فيهلكوهم، وإمّا {ليلبسوا عليهم دينهم} أي: فيخلطون عليهم دينهم.
ونحو ذلك قال قتادة، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم.
وهذا كقوله تعالى: {وإذا بشّر أحدهم بالأنثى ظلّ وجهه مسودًّا وهو كظيمٌ * يتوارى من القوم من سوء ما بشّر به [أيمسكه على هونٍ أم يدسّه في التّراب ألا ساء ما يحكمون]} [النّحل: 58، 59]، وقال تعالى: {وإذا الموءودة سئلت * بأيّ ذنبٍ قتلت} [التّكوير: 8، 9]. وقد كانوا أيضًا يقتلون الأولاد من الإملاق، وهو: الفقر، أو خشية الإملاق أن يحصل لهم في تاني المال وقد نهاهم [اللّه] عن قتل أولادهم لذلك وإنّما كان هذا كلّه من شرع الشّيطان تزيينه لهم ذلك.
قال تعالى: {ولو شاء اللّه ما فعلوه} أي: كلّ هذا واقعٌ بمشيئته تعالى وإرادته واختياره لذلك كونًا، وله الحكمة التّامّة في ذلك، فلا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون. {فذرهم وما يفترون} أي: فدعهم واجتنبهم وما هم فيه، فسيحكم الله بينك وبينهم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 344-345]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:22 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة