العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنعام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 10:19 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنعام [ من الآية (128) إلى الآية (131) ]

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 10:04 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)}

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله عزّ وجلّ: {ويوم يحشرهم جميعًا يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا إسماعيل بن زكريّا، عن موسى بن عبيدة، عن محمّد بن كعبٍ - في قوله عزّ وجلّ: {ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ} - قال الصّحابة: - {وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا} - قال: الموت). [سنن سعيد بن منصور: 5/ 91]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: {ثمّ لم تكن فتنتهم} [الأنعام: 23] : «معذرتهم» {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا} [الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ، {لأنذركم به} [الأنعام: 19] : «أهل مكّة» {ينأون} [الأنعام: 26] : «يتباعدون» . {تبسل} [الأنعام: 70] : «تفضح» . {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أفضحوا» ، {باسطو أيديهم} : «البسط الضّرب» ، وقوله: {استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] : «أضللتم كثيرًا»).[صحيح البخاري: 6/ة55-56] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {استكثرتم}؛ أضللتم كثيرًا وصله ابن أبي حاتمٍ أيضًا كذلك). [فتح الباري: 8/ 288]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وبه في قوله: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس}؛ في ضلالتكم إيّاهم يعني أضللتم منهم كثيرا). [تغليق التعليق: 4/ 210]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (استكثرتم أضللتم كثيرا
أشار به إلى قوله تعالى: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس} وفسره بقوله: أضللتم كثيرا. وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس: قد استكثرتم من الإنس بمعنى أضللتم منهم كثيرا. وكذلك قال مجاهد والحسن وقتادة، وعجبي من شرّاح هذا الكتاب كيف أهملوا تحقيق هذا الموضع وأمثاله، فمنهم من قال هنا قوله استكثرتم أضللتم كثيرا ووصله ابن أبي حاتم كذلك، ومنهم من قال: هو كما قال: ومنهم من لم يذكره أصلا، فإذا وصل قارئ البخاريّ إلى هذا الموضع ووقف على قوله: استكثرتم أضللتم، ولم يكن القرآن في حفظه حتّى يقف عليه ولم يعلم أوله ولا آخره، تحير في ذلك، فإذا رجع إلى شرح من شروح هؤلاء يزداد تحيرا. وشرح البخاريّ لا يظهر بقوّة الحفظ في الحديث أو بعلوا السّند أو بكثرة النّقل، ولايخرج من حقه إلاّ من له يد في الفنون ولا سيما في اللّغة العربيّة والمعاني والبيان والأصول مع تتبع معاني ألفاظه كلمة كلمة، وبيان المراد منه والتأمل فيه والغوص في تيار تحقيقاته والبروز منه بمكنونات تدقيقاته). [عمدة القاري: 18/ 220]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وفي قوله: {قد} ({استكثرتم}) أي (أضللتم كثيرًا) منهم وكذلك قال مجاهد والحسن وقتادة: ولأبي ذر وقوله: استكثرتم من الإنس وسقط لغيره). [إرشاد الساري: 7/ 116]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويوم يحشرهم جميعًا يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ويوم يحشرهم جميعًا}: ويوم يحشر هؤلاء العادلين باللّه الأوثان والأصنام وغيرهم من المشركين مع أوليائهم من الشّياطين الّذين كانوا يوحون إليهم زخرف القول غرورًا ليجادلوا به المؤمنين، فيجمعهم جميعًا في موقف القيامة، يقول للجنّ: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس} وحذف (يقول للجنّ) من الكلام اكتفاءً بدلالة ما ظهر من الكلام عليه منه.
وعنى بقوله: {قد استكثرتم من الإنس}: استكثرتم من إضلالهم وإغوائهم.
- كما حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ويوم يحشرهم جميعًا يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس} يعني: أضللتم منهم كثيرًا.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس}، قال: قد أضللتم كثيرًا من الإنس.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {قد استكثرتم من الإنس} قال: كثر من أغويتم.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن الحسن: {قد استكثرتم من الإنس} يقول: أضللتم كثيرًا من الإنس). [جامع البيان: 9/ 554-556]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ}.
يقول تعالى ذكره: فيجيب أولياء الجنّ من الإنس فيقولون: ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ في الدّنيا.
فأمّا استمتاع الإنس بالجنّ فكان كما:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ}، قال: كان الرّجل في الجاهليّة ينزل الأرض فيقول: أعوذ بكبير هذا الوادي فذلك استمتاعهم، فاعتذروا يوم القيامة.
وأمّا استمتاع الجنّ بالإنس، فإنّه كان فيما ذكر، ما ينال الجنّ من الإنس من تعظيمهم إيّاهم في استعاذتهم بهم، فيقولون: قد سدنا الجنّ والإنس). [جامع البيان: 9/ 556]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا}.
يقول تعالى ذكره: قالوا: وبلغنا الوقت الّذي وقّت لموتنا. وإنّما يعني جلّ ثناؤه بذلك أنّهم قالوا: استمتع بعضنا ببعضٍ أيّام حياتنا إلى حال موتنا.
- كما حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، وأمّا قوله: {وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا}: فالموت). [جامع البيان: 9/ 556-557]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال النّار مثواكم خالدين فيها إلاّ ما شاء اللّه إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ}.
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عمّا هو قائلٌ لهؤلاء الّذين يحشرهم يوم القيامة من العادلين به في الدّنيا الأوثان، ولقرنائهم من الجنّ، فأخرج الخبر عمّا هو كائنٌ مخرج الخبر عمّا كان لتقدّم الكلام قبله بمعناه والمراد منه، فقال: قال اللّه لأولياء الجنّ من الإنس الّذين قد تقدّم خبره عنهم: {النّار مثواكم} يعني: نار جهنّم مثواكم الّذي تثوون فيه: أي تقيمون فيه.
والمثوى: هو المفعل من قولهم: ثوى فلانٌ بمكان كذا، إذا أقام فيه.
{خالدين فيها} يقول: لابثين فيها، {إلاّ ما شاء اللّه} يعني: إلاّ ما شاء اللّه من قدر مدّةٍ ما بين مبعثهم من قبورهم إلى مصيرهم إلى جهنّم، فتلك المدّة الّتي استثناها اللّه من خلودهم في النّار. {إنّ ربّك حكيمٌ} في تدبيره في خلقه، وفي تصريفه إيّاهم في مشيئته من حالٍ إلى حالٍ وغير ذلك من أفعاله. {عليمٌ} بعواقب تدبيره إيّاهم، وما إليه صائرٌ أمرهم من خيرٍ وشرٍّ.
وروي عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يتأوّل في هذا الاستثناء أنّ اللّه جعل أمر هؤلاء القوم في مبلغ عذابه إيّاهم إلى مشيئته.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {قال النّار مثواكم خالدين فيها إلاّ ما شاء اللّه إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ} قال: إنّ هذه الآية آيةٌ لا ينبغي لأحدٍ أن يحكم على اللّه في خلقه أن لا ينزلهم جنّةً ولا نارًا). [جامع البيان: 9/ 557]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ويوم يحشرهم جميعًا يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا قال النّار مثواكم خالدين فيها إلّا ما شاء اللّه إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ (128)}
قوله تعالى: {ويوم يحشرهم جميعًا}
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ عن الأعمش قال: سمعتهم يذكرون عن مجاهدٍ: ويوم نحشرهم جميعًا قال: الحشر: الموت.
قوله تعالى: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس في ضلالتكم إيّاهم}، يعني: أضللتم منهم كثيرًا.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
، في قوله:{ قد استكثرتم من الإنس}: كثر من أغويتم.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنا عبد الرّزّاق أنا معمرٌ عن قتادة، في قوله: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس}، قال: أضللتم كثيرًا من الإنس.
قوله: {قال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو الأشهب هوذة بن خليفة، ثنا عوفٌ عن الحسن في قوله:{ يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس} قال: استكثر ربّكم أهل النّار يوم القيامة: وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ قال الحسن: وما كان استمتاع بعضهم ببعضٍ إلا أنّ الجنّ أمرت وعملت الإنس.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا محمّد بن الصّبّاح البزّاز، ثنا إسماعيل بن زكريّا عن موسى بن عبيدة قال: سمعت محمّد بن كعبٍ يقول في قوله: {ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ} قال: الصّحابة في الدّنيا.
قوله: {وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا}
- حدّثني أبي ثنا هوذة بن خليفة ثنا عوفٌ عن الحسن، في قوله:
{وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا}، قال: أمرت الجنّ، وعملت الإنس.
- حدّثنا أبو زرعة ثنا محمّد بن الصّبّاح البزّاز ثنا إسماعيل بن زكريّا عن موسى بن عبيدة قال: سمعت محمّد بن كعبٍ يقول في قوله:
{وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا} قال: الموت.
وروي عن السّدّيّ أنّه قال: الموت.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {قال النّار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء اللّه إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ}، قال: إنّ هذه الآية لا ينبغي لأحدٍ أن يحكم على اللّه في خلقه، لا ينزلهم جنّةً ولا نارًا.
قوله تعالى: {حكيمٌ عليم}
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1387-1388]

قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يا معشر الجن يقول يا معشر الجن قد كثر من أغويتم من الإنس). [تفسير مجاهد: 223]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {قد استكثرتم من الإنس}، يقول: في ضلالتكم إياهم يعني أضللتم منهم كثيرا، وفي قوله: {قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله} قال: إن هذه الآية لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه لا ينزلهم جنة ولا نارا.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله: {يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس}، قال: استكثرتم ربكم أهل النار يوم القيامة {وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض} قال الحسن: وما كان استمتاع بعضهم ببعض إلا أن القيامة {وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض} قال الحسن: وما كان استمتاع بعضهم ببعض إلا أن الجن أمرت وعملت الإنس.
- وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله: {ربنا استمتع بعضنا ببعض}، قال: الصحابة في الدنيا {وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا}، قال: الموت.
- وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن أبي جريج في قوله: {ربنا استمتع بعضنا ببعض}، قال: كان الرجل في الجاهلية ينزل بالأرض فيقول: أعوذ بكبير هذا الوادي، فذلك استمتاعهم فاعتذروا به يوم القيامة {وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا} قال: الموت). [الدر المنثور: 6/ 201-202]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا}؛ في الدنيا يتبع بعضهم بعضا في النار). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 218]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا بما كانوا يكسبون}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل {نولّي}، فقال بعضهم: معناه: نجعل بعضهم لبعضٍ وليًّا على الكفر باللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا يونس، قال: حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا بما كانوا يكسبون} وإنّما يولّي اللّه بين النّاس بأعمالهم. فالمؤمن وليّ المؤمن أيّ كان وحيث كان، والكافر وليّ الكافر أينما كان وحيثما كان. ليس الإيمان بالتّمنّي ولا بالتّحلّي.
وقال آخرون: معناه: نتبع بعضهم بعضًا في النّار، من الموالاة، وهو المتابعة بين الشّيء والشّيء، من قول القائل: واليت بين كذا وكذا: إذا تابعت بينهما.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا}: في النّار يتبع بعضهم بعضًا.
وقال آخرون: معنى ذلك: نسلّط بعض الظّلمة على بعضٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا}، قال: ظالمي الجنّ وظالمي الإنس. وقرأ: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانًا فهو له قرينٌ}، قال: نسلّط ظلمة الجنّ على ظلمة الإنس.
وأولى هذه الأقوال في تأويل ذلك بالصّواب، قول من قال: معناه: وكذلك نجعل بعض الظّالمين لبعضٍ أولياء. لأنّ اللّه ذكر قبل هذه الآية ما كان من قول المشركين، فقال جلّ ثناؤه: {وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ}، وأخبر جلّ ثناؤه أنّ بعضهم أولياء بعضٍ، ثمّ عقّب خبره ذلك بخبره عن أنّ ولاية بعضهم بعضًا بتوليته إيّاهم، فقال: وكما جعلنا بعض هؤلاء المشركين من الجنّ والإنس أولياء بعضٍ يستمتع بعضهم ببعضٍ، كذلك نجعل بعضهم أولياء بعضٍ في كلّ الأمور بما كانوا يكسبون من معاصي اللّه ويعملونه). [جامع البيان: 9/ 558-559]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا بما كانوا يكسبون (129)}
قوله تعالى: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا}
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنا عبد الرّزّاق أنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا}، قال: يولّي اللّه بعض الظّالمين بعضًا في الدّنيا، يتبع بعضهم بعضًا في النّار.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا بما كانوا يكسبون وإنّما يولّي اللّه بين النّاس بأعمالهم}، فالمؤمن وليّ المؤمن من أين كان وحيث ما كان، والكافر وليّ الكافر من أين كان وحيث ما كان، ليس الإيمان باللّه بالتّمنّي ولا بالتحلي.
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ، فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المروزيّ، ثنا شيبان بن عبد الرّحمن، عن قتادة، قوله: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا}، قال: إنّما يوالي اللّه بين النّاس بأعمالهم، فالمؤمن وليّ المؤمن أينما كان، وليس الإيمان بالتّحلّي ولا بالتّمنّي، ولعمري لو عملت بطاعة اللّه ولم تعرف أهل طاعة اللّه ما ضرّك ذلك، ولو عملت بمعصية اللّه وتولّيت أهل طاعة اللّه ما نفعك ذلك شيئًا.
- حدّثنا عمّار بن خالدٍ الواسطيّ ثنا مرحوم بن عبد العزيز العطّار، قال:
سمعت مالك بن دينارٍ يقول: قرأت في الزّبور: إنّي أنتقم من المنافق بالمنافق، ثمّ أنتقم من المنافقين جميعًا، وذلك في كتاب اللّه قول اللّه: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا بما كانوا يكسبون}.
- أخبرنا أبو زيدٍ القراطيسيّ، فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا قال:
ظالمي الجنّ، وظالمي الإنس). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1388-1389]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا} قال: ظالمي الجن وظالمي الإنس وقرأ: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين} [الزخرف: 36] قال: ونسلط ظلمة الجن على ظلمة الإنس.
- وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا}، قال: يولي الله بعض الظالمين بعضا في الدنيا يتبع بعضهم بعضا في النار.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا}، قال: إنما يولي الله بين الناس بأعمالهم فالمؤمن ولي المؤمن من أين كان وحيثما كان والكافر ولي الكافر من أين كان وحيثما كان ليس الإيمان بالله بالتمني ولا بالتحلي ولعمري لو عملت بطاعة الله ولم تعرف أهل طاعة الله ما ضرك ذلك ولو عملت بمعصية الله وتوليت أهل طاعة الله ما نفعك ذلك شيئا.
- وأخرج أبو الشيخ عن منصور بن أبي الأسود قال: سألت الأعمش عن قوله: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا} ما سمعتهم يقولون فيه قال: سمعتهم يقولون إذا فسد الناس أمر عليهم شرارهم.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مالك بن دينار قال: قرأت في الزبور: إني أنتقم من المنافق بالمنافق ثم أنتقم من المنافقين جميعا وذلك في كتاب الله قول الله: {وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون}
- وأخرج الحاكم في التاريخ والبيهقي في شعب الإيمان من طريق يحيى بن هاشم ثنايونس بن أبي إسحاق عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كما تكونون كذلك يؤمر عليكم» قال البيهقي: هذا منقطع ويحيى ضعيف.
- وأخرج البيهقي عن كعب الأحبار قال: «إن لكل زمان ملكا يبعثه الله على نحو قلوب أهله فإذا أراد صلاحهم بعث عليهم مصلحا وإذا أراد هلكتهم بعث عليهم مترفهم».
- وأخرج البيهقي عن الحسن أن بني إسرائيل سألوا موسى فقالوا: سل لنا ربك يبين لنا علم رضاه عنا وعلم سخطه فسأله فقال: يا موسى أنبئهم أن رضاي عنهم أن استعمل عليهم خيارهم وأن سخطي عليهم أن استعمل عليهم شرارهم.
- وأخرج البيهقي من طريق عبد الملك بن قريب الأصمعي ثنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال: «حدثت أن موسى أو عيسى قال: يا رب ما علامة رضاك عن خلقك قال: أن أنزل عليهم الغيث إبان زرعهم وأحبسه إبان حصادهم واجعل أمورهم إلى حلمائهم وفيئهم في أيدي سمحائهم، قال: يا رب فما علامة السخط قال: أن أنزل عليهم الغيث إبان حصادهم وأحبسه إبان زرعهم واجعل أمورهم إلى سفهائهم وفيئهم في أيدي بخلائهم، والله تعالى أعلم»). [الدر المنثور: 6/ 202-205]

تفسير قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)}

قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: {يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس} قال قد أضللتم كثيرا من الجن والإنس). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 218]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا}.
وهذا خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عمّا هو قائلٌ يوم القيامة لهؤلاء العادلين به من مشركي الإنس والجنّ، يخبر أنّه يقول لهم تعالى ذكره يومئذٍ: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي}؟ يقول: يخبرونكم بما أوحي إليهم من تنبيهي إيّاكم على مواضع حججي، وتعريفي لكم أدلّتي على توحيدي وتصديق أنبيائي، والعمل بأمري والانتهاء إلى حدودي. {وينذرونكم لقاء يومكم هذا} يقول: يحذّرونكم لقاء عذابي في يومكم هذا، وعقابي على معصيتكم إيّاي، فتنتهوا عن معاصيّ.
وهذا من اللّه جلّ ثناؤه تقريعٌ وتوبيخٌ لهؤلاء الكفرة على ما سلف منهم في الدّنيا من الفسوق والمعاصي، ومعناه: قد أتاكم رسلٌ منكم ينبّهونكم على خطأ ما كنتم عليه مقيمين بالحجج البالغة، وينذرونكم وعيد اللّه على مقامكم على ما كنتم عليه مقيمين، فلم تقبلوا ذلك ولم تتذكّروا ولم تعتبروا.
واختلف أهل التّأويل في الجنّ، هل أرسل منهم إليهم أم لا؟ فقال بعضهم: قد أرسل إليهم رسلٌ كما أرسل إلى الإنس منهم رسلٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سئل الضّحّاك عن الجنّ: هل كان فيهم نبيّ قبل أن يبعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال: ألم تسمع إلى قول اللّه: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي}، يعني بذلك: رسلاً من الإنس ورسلاً من الجنّ؟ فقالوا: بلى.
وقال آخرون: لم يرسل منهم إليهم رسولٌ، ولم يكن له من الجنّ قطّ رسولٌ مرسلٌ، وإنّما الرّسل من الإنس خاصّةً. فأمّا من الجنّ فالنّذر. قالوا: وإنّما قال اللّه: {ألم يأتكم رسلٌ منكم} والرّسل من أحد الفريقين، كما قال: {مرج البحرين يلتقيان}، ثمّ قال: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان}، وإنّما يخرج اللّؤلؤ والمرجان من الملح دون العذب منهما، وإنّما معنى ذلك: يخرج من بعضهما أو من أحدهما. قال: وذلك كقول القائل لجماعة أدؤرٍ: إنّ في هذه الدّور لشرًّا، وإن كان الشّرّ في واحدةٍ منهنّ، فيخرج الخبر عن جميعهنّ والمراد به الخبر عن بعضهنّ، وكما يقال: أكلت خبزًا ولبنًا: إذا اختلطا، ولو قيل: أكلت لبنًا، كان الكلام خطأً، لأنّ اللّبن يشرب ولا يؤكل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم}، قال: جمعهم كما جمع قوله: {ومن كلٍّ تأكلون لحمًا طريًّا وتستخرجون حليةً تلبسونها}، ولا يخرج من الأنهار حليةٌ.
قال ابن جريجٍ. قال ابن عبّاسٍ: هم الجنّ لقوا قومهم، وهم رسلٌ إلى قومهم.
فعلى قول ابن عبّاسٍ هذا، أنّ من الجنّ رسلاً كالإنس إلى قومهم.
فتأويل الآية على هذا التّأويل الّذي تأوّله ابن عبّاسٍ: ألم يأتكم أيّها الجنّ والإنس رسلٌ منكم؟ فأمّا رسل الإنس، فرسلٌ من اللّه إليهم، وأمّا رسل الجنّ، فرسل رسل اللّه من بني آدم، وهم الّذين إذ سمعوا القرآن ولّوا إلى قومهم منذرين.
وأمّا الّذين قالوا بقول الضّحّاك، فإنّهم قالوا: إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّ من الجنّ رسلاً أرسلوا إليهم، كما أخبر أنّ من الإنس رسلاً أرسلوا إليهم. قالوا: ولو جاز أن يكون خبره عن رسل الجنّ بمعنى أنّهم رسل الإنس، جاز أن يكون خبره عن رسل الإنس بمعنى أنّهم رسل الجنّ. قالوا: وفي فساد هذا المعنى ما يدلّ على أنّ الخبرين جميعًا بمعنى الخبر عنهم أنّهم رسل اللّه، لأنّ ذلك هو المعروف في الخطاب دون غيره). [جامع البيان: 9/ 559-561]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا شهدنا على أنفسنا وغرّتهم الحياة الدّنيا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين}.
وهذا خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن قول مشركي الجنّ والإنس عند تقريعه إيّاهم بقوله لهم: {ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا}؟ أنّهم يقولون: {شهدنا على أنفسنا} بأنّ رسلك قد أتتنا بآياتك، وأنذرتنا لقاء يومنا هذا، فكذّبناها وجحدنا رسالتها، ولم نتّبع آياتك ولم نؤمن بها.
قال اللّه خبرًا مبتدأً: وغرّت هؤلاء العادلين باللّه الأوثان والأصنام وأولياءهم من الجنّ {الحياة الدّنيا} يعني: زينة الحياة الدّنيا، وطلب الرّياسة فيها، والمنافسة عليها، أن يسلموا لأمر اللّه فيطيعوا فيها رسله، فاستكبروا وكانوا قومًا عالين. فاكتفى بذكر الحياة الدّنيا من ذكر المعاني الّتي غرّتهم وخدعتهم فيها، إذ كان في ذكرها مكتفًى عن ذكر غيرها لدلالة الكلام على ما ترك ذكره، يقول اللّه تعالى: {وشهدوا على أنفسهم} يعني هؤلاء العادلين به يوم القيامة أنّهم كانوا في الدّنيا كافرين به وبرسله، لتتمّ حجّة اللّه عليهم بإقرارهم على أنفسهم بما يوجب عليهم عقوبته وأليم عذابه). [جامع البيان: 9/ 562]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرّتهم الحياة الدّنيا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين (130) ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ وأهلها غافلون (131)}
قوله تعالى: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم}
- حدّثنا أبي، ثنا ابن أبي عمر العدنيّ، ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: قوله: {يا معشر الجنّ والإنس}
قال: ليس في الجنّ رسلٌ، إنّما الرّسل في الإنس، والنّذارة في الجنّ، وقرأ: فلمّا قضي ولّوا إلى قومهم منذرين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1389]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} قال: ليس في الجن رسل إنما الرسل في الإنس والنذارة في الجن وقرأ: {فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين}[الأحقاف: 29].
- وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {رسل منكم} قال: رسل الرسل {ولوا إلى قومهم منذرين} [الأحقاف: 29]
- وأخرج ابن جرير عن الضحاك، أنه سئل عن الجن هل كان فيهم نبي قبل أن يبعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ألم تسمع إلى قول الله: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} يعني بذلك أن رسلا من الإنس ورسلا من الجن {قالوا بلى}). [الدر المنثور: 6/ 205-206]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)}

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ وأهلها غافلون}.
يقول تعالى ذكره: {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ}: أي إنّما أرسلنا الرّسل يا محمّد إلى من وصفت أمره، وأعلمتك خبره من مشركي الإنس والجنّ يقصّون عليهم آياتي وينذرونهم لقاء معادهم إليّ، من أجل أنّ ربّك لم يكن مهلك القرى بظلمٍ.
وقد يتّجه من التّأويل في قوله: (بظلمٍ) وجهان: أحدهما: {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ}: أي بشرك من أشرك، وكفر من كفر من أهلها، كما قال لقمان: {إنّ الشّرك لظلمٌ عظيمٌ}. {وأهلها غافلون} يقول: لم يكن يعاجلهم بالعقوبة حتّى يبعث إليهم رسلاً تنبّههم على حجج اللّه عليهم، وتنذرهم عذاب اللّه يوم معادهم إليه، ولم يكن بالّذي يأخذهم غفلةٌ فيقولوا: ما جاءنا من بشيرٍ ولا نذيرٍ.
والآخر: {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ} يقول: لم يكن ليهلكهم دون التّنبيه والتّذكير بالرّسل والآيات والعبر، فيظلمهم بذلك، واللّه غير ظلاّمٍ للعبيد.
وأولى القولين بالصّواب عندي القول الأوّل، أن يكون معناه: أن لم يكن ليهلكهم بشركهم دون إرسال الرّسل إليهم والإعذار بينه وبينهم، وذلك أنّ قوله: {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ} عقيب قوله: {ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي}، فكان في ذلك الدّليل الواضح على أنّ نصّ قوله: {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ} إنّما هو إنّما فعلنا ذلك من أجل أنّا لا نهلك القرى بغير تذكيرٍ وتنبيهٍ.
وأمّا قوله: {ذلك} فإنّه يجوز أن يكون نصبًا بمعنى: فعلنا ذلك، ويجوز أن يكون رفعًا بمعنى الابتداء، كأنّه قال: ذلك كذلك.
وأمّا (أن) فإنّها في موضع نصبٍ بمعنى: فعلنا ذلك من أجل أن لم يكن ربّك مهلك القرى، فإذا حذف ما كان يخفضها تعلّق بها الفعل فنصب). [جامع البيان: 9/ 563-564]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ربيع الثاني 1434هـ/6-03-2013م, 11:14 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)}

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم...}
يقول: قد أضللتم كثيرا.
وقوله: {وقال أوليآؤهم مّن الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ} فالاستمتاع من الإنس بالجنّ أن الرجل كان إذا فارق فاستوحش أو قتل صيدا من صيدهم فخاف قال: أعوذ بسيّد هذا الوادي، فيبيت آمنا في نفسه. وأما استمتاع الجنّ بالإنس فما نالوا بهم من تعظيم الإنس إيّاهم، فكان الجنّ يقولون: سدنا الجنّ والإنس). [معاني القرآن: 1/ 355]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس} أي أضللتم كثيرا منهم.
{وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ} أي أخذ كل من كل نصيبا.
{بلغنا أجلنا} أي الموت). [تفسير غريب القرآن: 160]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا قال النّار مثواكم خالدين فيها إلّا ما شاء اللّه إنّ ربّك حكيم عليم}
المعنى - واللّه أعلم - فيقال لهم: {يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس}.
المعنى قد استكثرتم ممن أضللتموهم من الإنس.
{وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعض}
جاء في التفسير أن استمتاع الإنس بالجن أن الرجل كان إذا سافر سفرا فخاف أو أصاب صيدا، قال أعوذ بربّ هذا الوادي، وبصاحب هذا الوادي يعني به الجنّ، واستمتاع الجنّ بالإنس أنّ الإنسي قد اعترف له بأنّه يقدر أن يدفع عنه.
والذي يدل عليه اللفظ -واللّه أعلم- هو قبول الإنس من الجن ما كانوا يغوونهم به لقوله: {استكثرتم من الإنس}.
فأما من كان يقول هذا أعني يستعيذ بالجنّ فقليل.
{قال النّار مثواكم} المثوى المقام.
{خالدين فيها} منصوب على الحال، المعنى: النار مقامكم في حال خلود دائم.
وقوله: {إلّا ما شاء اللّه} معنى الاستثناء عندي ههنا - واللّه أعلم - إنّما هو من يوم القيامة، لأن قوله: (ويوم يحشرهم جميعا) هو يوم القيامة، فقال خالدين فيها مذ يبعثون إلّا ما شاء ربّك من مقدار حشرهم من قبورهم، ومقدار مدّتهم في محاسبتهم، وجائز أن يكون إلا ما شاء الله أن يعذبهم به من أصناف العذاب، كما قال جلّ وعزّ: {لهم فيها زفير وشهيق} خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلّا ما شاء ربّك).
فيجوز واللّه أعلم إلا ما شاء ربك من مقدار حشرهم ومحاسبتهم ويجوز أن يكون إلا ما شاء ربك مما يزيدهم من العذاب.
وقوله: {إنّ ربّك حكيم عليم} أي هو حكيم فيما جعله من جزائهم، وحكيم في غيره). [معاني القرآن: 2/ 291-292]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس} المعنى فيما يقال لهم يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس أي كثر من أغويتم). [معاني القرآن: 2/ 489]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض} ففي هذا قولان: أحدهما: أن الجن أغوت الإنس وقبلت الإنس منهم
والقول الآخر: أن الرجل كان إذا سافر في الجاهلية فخاف قال أعوذ بصاحب هذا الوادي من شر ما أحذر فهذا استمتاع الإنس بالجن واستمتاع الجن بالإنس أنهم يعترفون أن الجن يقدرون أن يدفعوا عنهم ما يجدون.
والقول الأول أحسن ويدل عليه {يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس}). [معاني القرآن: 2/ 490]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قال النار مثواكم} المثوى المقام). [معاني القرآن: 2/ 490]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {خالدين فيها إلا ما شاء الله} في هذا قولان:

- أحدهما: أنه استثناء ليس من الأول والمعنى على هذا إلا ما شاء الله من الزيادة في عذابهم.
وسيبويه يمثل هذا بمعنى "لكن"، والفراء يمثله بمعنى "سوى" كما تقول "لأسكننك هذه الدار حولا إلا ما شئت" أي سوى ما شئت من الزيادة ومثله {خالدين فيه ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك} أي سوى ما شاء ربك من الزيادة.

قال أبو جعفر وقال أبو إسحاق: معنى الاستثناء عندي ههنا -والله أعلم- إنما هو من يوم القيامة؛ أي إلا ما شاء ربك من مقدار محشرهم ومحاسبتهم ويدل على هذا الجواب ويوم يحشرهم جميعا لأن هذا يراد به يوم القيامة.
ويجوز أن يكون معنى ما شاء الله عز وجل أن يعذبهم من أصناف العذاب). [معاني القرآن: 2/ 490-491]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ} أي أضللتم كثيرا منهم.
{اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ} أي أخذ كل منا من كل نصيبا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 79]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)}

تفسير قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ مّنكم...}
فيقول القائل: إنما الرسل من الإنس خاصّة، فكيف قال للجنّ والإنس (منكم)؟ قيل: هذا كقوله: {مرج البحرين يلتقيان}. ثم قال: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} وإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح دون العذب. فكأنك قلت: يخرج من بعضهما، ومن أحدهما). [معاني القرآن: 1/ 355]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} والرسل من الإنس خاصة، فخلطهم بهم؛ فيجوز ذلك على وجهين:
أحدهما: أن يرجع إلى الإنس؛ فتكون الكاف والميم لهم، ويكون الجن قد دخلوا في النداء معهم؛ لأنك تقول: يا زيد وعمرو لا تقم، وأنت تريد زيدًا وحده، وصيرت الآخر منادًا، وقد يدخل معه في المعنى.
[معاني القرآن لقطرب: 556]
ووجه آخر: لما جمعهما فقال: {منكم} جاز ذلك كما قال {خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه} فجعل "من" لغير الآدميين لما خلطهم بهم، وإن كانت "من" قد جاءت لغير الآدميين؛ وقد ذكرناه في صدر الكتاب.
ومثل ذلك في الخلق قوله {وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريقا وتستخرجون حلية تلبسونها} وإنما الحلية من المالح خاصة، وهذا كله قول الحسن بن أبي الحسن.
وقوله {ألم يأتكم رسل منكم} قال الحسن: لم يبعث الله من الجن رسولا ولا من النساء.
وكذلك قول الحسن في قوله {وتستخرجون حلية تلبسونها} قال: الحلية من المالح خاصة، والحلية اللؤلؤ في قول الحسن؛ واللحم الطري يكون منهما جميعًا.
وكأن قوله {مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان} ثم قال {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان} وإنما يخرج من أحدهما، من المالح مخرجه خاصة.
[معاني القرآن لقطرب: 557]
وكذلك {وجعل القمر فيهن نورا} وإنما هو نور في سماء الدنيا، ولكن لما كانت السماوات كلها حيزًا واحدًا على حياله جاز ذلك؛ كما أنك تقول إذا رأيت شرًا أو سمعت صوتًا من دار مع دور في حيز واحد، قلت: إن في هذه الدور لشرا، وإني لأسمع فيها صوتًا، وإن كان في واحدة دون سائرها لما ذكرها.
وشبيه بذلك أنك تقول: أكلت خبزًا ولبنًا، لما خلطتهما جميعها اسم الأكل، وإذا قلت: أكلت لبنًا، كان الكلام شربت لبنًا.
وقوله في هذه الآية {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار} وهو شبيه به {لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله} فالسكون في الليل، والابتغاء للفضل بالنهار؛ ففصل لكل واحد خبرًا؛ فهذا أسهل من الأول؛ وكل حسن). [معاني القرآن لقطرب: 558]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يجتمع شيئان ولأحدهما فعل فيجعل الفعل لهما:
كقوله سبحانه: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا}.
روي في التفسير: أن النّاسي كان يوشع بن نون ويدلّك قوله لموسى، صلّى الله عليه وسلم: {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ}.
وقوله: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ} والرسل من الإنس دون الجن). [تأويل مشكل القرآن: 286-287](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرّتهم الحياة الدّنيا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين}
فقال: {رسل منكم} وإنما المرسل من الإنس دون الجن، فإنما جاز ذلك لأن الجماعة تعقل وتخاطب، فالرسل: هم بعض من يعقل.
وهذا كقوله: عزّ وجلّ: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان}.
وإنّما يخرج ذلك من الملح، أي البحر الذي ليس بعذب، فقال منهما لأن ذكرهما قد جمع.
فهذا جائز في اللغة، في كل ما اتّفق في أصله كما اتفقت الجن مع الإنس في باب التمييز). [معاني القرآن: 2/ 292]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم} والرسل من الإنس ففي هذا جوابان أحدهما أنه روي عن ابن عباس أنه قال: رسل الجن الذين لقوا قومهم فبلغوهم يعني ابن عباس الذين قالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا وهم بمنزلة الرسل إلى قومهم لأنهم قد بلغوهم وكذلك قال مجاهد الرسل في الإنس والنذارة في الجن والقول الآخر أنه لما كانت الإنس والجن ممن يخاطب ويعقل قيل ألم يأتكم رسل منكم وإن كانت الرسل من الإنس خاصة). [معاني القرآن: 2/ 492]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله:{ذلك أن لّم يكن رّبّك...}
إن شئت جعلت (ذلك) في موضع نصب، وجعلت (أن) مما يصلح فيه الخافض فإذا حذفته كانت نصبا. يريد: فعل ذلك أن لم يكن مهلك القرى. وإن شئت جعلت (ذلك) رفعا على الاستئناف إن لم يظهر الفعل. ومثله: {ذلك بما قدّمت يداك} و{ذلك بما قدّمت أيديكم}.
ومثله: {ذلك ليعلم أنّي لم أخنه بالغيب}، و {ذلكم وأنّ اللّه موهن كيد الكافرين} الرفع والنصب فيه كله جائز.
وقوله: {مهلك القرى بظلمٍ وأهلها غافلون} يقول: لم يكن ليهلكهم بظلمهم وهم غافلون لمّا يأتهم رسول ولا حجّة. وقوله في هود: {وما كان ربّك ليهلك القرى بظلمٍ وأهلها مصلحون}يقول: لم يكن ليهلكهم بظلمهم، يقول: بشركهم {وأهلها مصلحون} يتعاطون الحقّ فيما بينهم. هكذا جاء التفسير. وفيها وجه -وهو أحبّ إليّ من ذا؛ لأن الشرك أعظم الذنوب- والمعنى والله أعلم: لم يكن ليهلكهم بظلم منه وهم مصلحون). [معاني القرآن: 1/ 356]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون}
زعم سيبويه أنّ موضع ذلك رفع.
المعنى: الأمر ذلك لأنه {لم يكن ربّك مهلك القرى بظلم}.
وقال بعضهم: يجوز أن يكون موضعها نصبا.
المعنى: قيل ذلك لأنه لم يكن ربّك مهلك القرى بظلم، والمعنى يخرج على جميع القولين لأن المعنى يدل على أمر الإرسال، فكأنه -واللّه أعلم- ذلك الذي قصصنا عليك من أمر الرسل أمر عذاب من كذّب بها لأنه لم يكن مهلك القرى بظلم، أي لا يهلكهم حتى يبعث إليهم رسولا.
كما قال عزّ وجلّ: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا}). [معاني القرآن: 2/ 292-293]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 11:09 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)}

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129)}

تفسير قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) }

قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال حسان بن ثابت:
مازال في الإسلام من آل هاشم ....... دعائم عز لا ترام ومفخر
بهاليل منهم جعفر وابن أمه
....... عليّ ومنهم أحمد المتخيّر
فقال: منهم كما قال من نفره، من النفر الذين العباس هذا الممدوح منهم.
وأما قول حسّان: منهم جعفر وابن أبن أمه عليّ ومنهم أحمد المتحيز فإن، العرب إذا كان العطف بالواو قدمت وأخرت، قال الله تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ}، وقال: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ}، وقال: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}، ولو كان بثم أو بالفاء لم يصلح إلا تقديم المقدم، ثم الذي يليه واحدًا: أحدا). [الكامل: 2/ 529] (م)

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:02 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا قال النّار مثواكم خالدين فيها إلاّ ما شاء اللّه إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ (128) وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضاً بما كانوا يكسبون (129)}
يوم نصب بفعل مضمر تقديره واذكر يوم، ويحتمل أن يكون العامل وليّهم والعطف على موضع قوله: {بما كانوا} [الأنعام: 127]، والضمير في يحشرهم عائد على الطائفتين الذين يجعل الله الرجس عليهم وهم جميع الكفار جنا وإنسا، والذين لهم دار السلام جنا، وإنسا، ويدل على ذلك التأكيد العام بقوله جميعاً.
وقرأ حفص عن عاصم «يحشرهم» بالياء، وقرأ الباقون بالنون وكلّ متجه، ثم ذكر عز وجل ما يقال للجن الكفرة، وفي الكلام فعل مضمر يدل عليه ظاهر الكلام تقديره نقول يا معشر الجن، وقوله قد استكثرتم معناه فرطتم، ومن الإنس يريد في إضلالهم وإغوائهم قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة، وقال الكفار من الإنس وهم أولياء الجن الموبخين على جهة الاعتذار عن الجن ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ أي انتفع.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وذلك في وجوه كثيرة، حكى الطبري وغيره أن الإنس كانت تستعيذ بالجن في الأودية ومواضع الخوف وكانت الجن تتعظم على الإنس وتسودها كما يفعل الربي بالكاهن والمجير بالمستجير إذ كان العربي إذا نزل واديا ينادي يا رب الوادي إني أستجير بك هذه الليلة ثم يرى أن سلامته إنما هي بحفظ جني ذلك الوادي فهذا استمتاع بعضهم ببعض.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا مثال في الاستمتاع ولو تتبع لبينت له وجوه أخر كلها دنياوية، وبلوغ الأجل المؤجل قال السدي هو الموت الذي انتهى الكل منهم إليه، وقيل هو الحشر، وقيل هو الغاية التي انتهى جميعهم إليها من الاستمتاع، كأنهم أشاروا إلى أن ذلك بقدرك وقضائك إذ لكل كتاب أجل، وقرأ الحسن «وبلّغنا أجلنا» بكسر اللام مشددة،
وقوله تعالى: {قال النّار مثواكم ... الآية}، إخبار من الله عز وجل عما يقول لهم يوم القيامة إثر كلامهم المتقدم، وجاء الفعل بلفظ الماضي وهو في الحقيقة مستقبل لصحة وقوعه، وهذا كثير في القرآن وفصيح الكلام ومثواكم أي موضع ثوابكم كمقامكم الذي هو موضع الإقامة، هذا قول الزجّاج وغيره، قال أبو علي في الإغفال: المثوى عندي مصدر لا موضع وذلك لعمله في الحال التي هي خالدين والموضع ليس فيه معنى فعل فيكون عاملا، والتقدير النار ذات ثوابكم، والاستثناء في قوله إلّا ما شاء اللّه قالت فرقة ما بمعنى من، فالمراد إلا من شاء ممن آمن في الدنيا بعد أن آمن من هؤلاء الكفرة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولما كان هؤلاء صنفا ساغت في العبارة عنهم ما، وقال الفراء إلّا بمعنى سوى، والمراد سوى ما يشاء من زيادة في العذاب، ونحا إليه الزجّاج، وقال الطبري: إن المستثنى هي المدة التي بين حشرهم إلى دخولهم النار.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وساغ هذا من حيث العبارة بقوله: {النّار مثواكم} لا تخص بصيغتها مستقبل الزمان دون غيره، وقال الطبري عن ابن عباس انه كان يتناول في هذا الاستثناء أنه مبلغ حال هؤلاء في علم الله ثم أسند إليه أنه قال: إن هذه الآية لا ينبغي لأحد أن يحكم على الله في خلقه لا ينزلهم جنة ولا نارا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والإجماع على التخليد الأبدي في الكفار ولا يصح هذا عن ابن عباس رضي الله عنه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويتجه عندي في هذا الاستثناء أن يكون مخاطبة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأمته، وليس مما يقال يوم القيامة، والمستثنى هو من كان من الكفرة يومئذ يؤمن في علم الله كأنه لما أخبرهم أنه قال للكفار: النّار مثواكم استثنى لهم من يمكن أن يؤمن ممن يرونه يومئذ كافرا، وتقع ما على صفة من يعقل، ويؤيد هذا التأويل اتصال قوله إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ أي بمن يمكن أن يؤمن منهم، وحكيمٌ عليمٌ صفتان مناسبتان لهذه الآية، لأن تخلد هؤلاء الكفرة في النار فعل صادر عن حكم وعلم بمواقع الأشياء). [المحرر الوجيز: 3/ 459-462]

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وكذلك نولّي}، قال قتادة نولّي معناه نجعل بعضهم ولي بعض في الكفر والظلم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا التأويل ما تقدم من ذكر الجن والإنس «واستمتاع بعضهم ببعض»، وقال قتادة أيضا: معنى نولّي نتبع بعضهم بعضا في دخول النار، أي نجعل بعضهم يلي بعضا، وقال ابن زيد معناه نسلط بعض الظالمين على بعض ونجعلهم أولياء النقمة منهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا التأويل لا تؤيده ألفاظ الآية المتقدمة، أما أنه حفظ في استعمال الصحابة والتابعين من ذلك ما روي أن عبد الله بن الزبير لما بلغه أن عبد الملك بن مروان قتل عمرو بن سعيد الأشدق صعد المنبر فقال إن فم الذبان قتل لطيم الشيطان وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضاً بما كانوا يكسبون). [المحرر الوجيز: 3/ 462]

تفسير قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرّتهم الحياة الدّنيا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين (130) ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ وأهلها غافلون (131) ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون (132)}
قوله تعالى:{ يا معشر الجنّ والإنس} داخل في القول يوم الحشر، والضمير في منكم قال ابن جريج وغيره عمم بظاهرة الطائفتين والمراد الواحدة تجوزا، وهذا موجود في كلام العرب، ومنه قوله تعالى: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} [الرحمن: 22] وذلك إنما يخرج من الأجاج، وقال الضحاك الضمير عائد على الطائفتين وفي الجن رسل منهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا ضعيف، وقال ابن عباس الضمير عائد على الطائفتين ولكن رسل الجن هم رسل الإنس، فهم رسل الله بواسطة إذ هم رسل رسله، وهم النذر، وقصّون
من القصص، وقرأ عبد الرحمن الأعرج «ألم تكن تأتيكم» بالتاء على تأنيث لفظ «الرسل»، وقولهم: هدنا
إقرار منهم بالكفر واعتراف أي شهدنا على أنفسنا بالتقصير، وقوله غرّتهم الحياة الدّنيا
التفاتة فصيحة تضمنت أن كفرهم كان بأذم الوجوه لهم وهو الاغترار الذي لا يواقعه عاقل، ويحتمل رّتهم
أن يكون بمعنى أشبعتهم وأطعمتهم بحلوائها كما يقال غر الطائر فرخه وقوله شهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين
تظهر بينه وبين ما في القرآن من الآيات التي تقتضي إنكار المشركين الإشراك مناقضة، والجمع بينهما هو إما بأنها طوائف، وإما طائفة واحدة في مواطن شتى، وإما أن يريد بقوله هاهنا: شهدوا على أنفسهم، شهادة الأيدي والأرجل والجلود بعد إنكارهم بالألسنة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: واللفظ هاهنا يبعد من هذا). [المحرر الوجيز: 3/ 462-463]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131)}

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ذلك أن لم يكن ... الآية}، ذلك يصح أن يكون في موضع رفع على الابتداء والخبر محذوف تقديره ذلك الأمر، ويصح أن يكون في موضع نصب بتقدير فعلنا وأن مفعول من أجله والقرى المدن، والمراد أهل القرى، وبظلمٍ يتوجه فيه معنيان، أحدهما أن الله عز وجل لم يكن ليهلك المدن دون نذارة، فيكون ظلما لهم إذا لم ينذرهم، والله ليس بظلام للعبيد، والآخر أن الله عز وجل لم يهلك أهل القرى بظلم إذ ظلموا دون أن ينذرهم، وهذا هو البين القويّ. وذكر الطبري رحمه الله التأويلين). [المحرر الوجيز: 3/ 463-464]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 06:03 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ويوم يحشرهم جميعًا يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا قال النّار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء اللّه إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ (128)}
يقول تعالى: واذكر يا محمّد فيما تقصّه عليهم وتذكّرهم به {ويوم يحشرهم جميعًا} يعني: الجنّ وأولياءهم {من الإنس} الّذين كانوا يعبدونهم في الدّنيا، ويعوذون بهم ويطيعونهم، ويوحي بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غرورًا. {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس} أي: ثمّ يقول: يا معشر الجنّ. وسياق الكلام يدلّ على المحذوف.
ومعنى قوله: {قد استكثرتم من الإنس} أي: من إضلالهم وإغوائهم، كما قال [تعالى] {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشّيطان إنّه لكم عدوٌّ مبينٌ * وأن اعبدوني هذا صراطٌ مستقيمٌ * ولقد أضلّ منكم جبلا كثيرًا أفلم تكونوا تعقلون} [يس: 60 -62].
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {يا معشر الجنّ قد استكثرتم من الإنس} يعني: أضللتم منهم كثيرًا. وكذلك قال مجاهدٌ، والحسن، وقتادة.
{وقال أولياؤهم من الإنس ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ} يعني: أنّ أولياء الجنّ من الإنس قالوا مجيبين للّه تعالى عن ذلك بهذا.
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو الأشهب هوذة بن خليفة، حدّثنا عوف، عن الحسن في هذه الآية قال: استكثر ربّكم أهل النّار يوم القيامة، فقال أولياؤهم من الإنس: ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ. قال الحسن: وما كان استمتاع بعضهم ببعضٍ إلّا أنّ الجنّ أمرت، وعملت الإنس.
وقال محمّد بن كعبٍ في قوله: {ربّنا استمتع بعضنا ببعضٍ}، قال: الصّحابة في الدّنيا.
وقال ابن جريج: كان الرّجل في الجاهليّة ينزل الأرض، فيقول: "أعوذ بكبير هذا الوادي": فذلك استمتاعهم، فاعتذروا يوم القيامة.
وأمّا استمتاع الجنّ بالإنس فإنّه كان -فيما ذكر -ما ينال الجنّ من الإنس من تعظيمهم إيّاهم في استعانتهم بهم، فيقولون: قد سدنا الإنس والجن.
{وبلغنا أجلنا الّذي أجّلت لنا}، قال السّدّيّ، أي الموت.
قال: {النّار مثواكم} أي: مأواكم ومنزلكم أنتم وأولياؤكم. {خالدين فيها} أي: ماكثين مكثًا مخلّدًا إلّا ما شاء اللّه.
قال بعضهم: يرجع معنى [هذا] الاستثناء إلى البرزخ. وقال بعضهم: هذا ردٌّ إلى مدّة الدّنيا. وقيل غير ذلك من الأقوال الّتي سيأتي تقريرها [إن شاء اللّه] عند قوله تعالى في سورة هودٍ: {خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلا ما شاء ربّك إنّ ربّك فعّالٌ لما يريد} [الآية: 107].
وقد روى ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ في تفسير هذه الآية من طريق عبد اللّه بن صالحٍ -كاتب اللّيث-: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: {النّار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء اللّه إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ} قال: إنّ هذه الآية آيةٌ لا ينبغي لأحدٍ أن يحكم على اللّه في خلقه، ولا ينزلهم جنّةً ولا نارًا). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 338-339]


تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا بما كانوا يكسبون (129)}
قال سعيدٌ، عن قتادة في تفسيرها: وإنّما يولّي اللّه النّاس بأعمالهم، فالمؤمن وليّ المؤمن أين كان وحيث كان، والكافر وليّ الكافر أينما كان وحيثما كان، ليس الإيمان بالتّمنّي ولا بالتّحلّي. واختاره ابن جريرٍ.
وقال معمرٌ، عن قتادة في تفسيرها: {نولّي بعض الظّالمين بعضًا} في النّار، يتّبع بعضهم بعضًا.
وقال مالك بن دينارٍ: قرأت في الزّبور: إنّي أنتقم من المنافقين بالمنافقين، ثمّ أنتقم من المنافقين جميعًا، وذلك في كتاب اللّه قوله تعالى: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا}
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {وكذلك نولّي بعض الظّالمين بعضًا} قال: ظالمي الجنّ وظالمي الإنس، وقرأ: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانًا فهو له قرينٌ} [الزّخرف: 36]، قال: ونسلّط ظلمة الجنّ على ظلمة الإنس.
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الباقي بن أحمد، من طريق سعيد بن عبد الجبّار الكرابيسيّ، عن حمّاد بن سلمة، عن عاصمٍ، عن زرّ، عن ابن مسعودٍ مرفوعًا: «من أعان ظالمًا سلّطه اللّه عليه».
وهذا حديثٌ غريبٌ، وقال بعض الشّعراء:
وما من يد إلّا يد اللّه فوقها ....... ولا ظالمٍ إلّا سيبلى بظالمٍ
ومعنى الآية الكريمة: كما ولّينا هؤلاء الخاسرين من الإنس تلك الطّائفة الّتي أغوتهم من الجنّ، كذلك نفعل بالظّالمين، نسلّط بعضهم على بعضٍ، ونهلك بعضهم ببعضٍ، وننتقم من بعضهم ببعضٍ، جزاءً على ظلمهم وبغيهم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 339-340]

تفسير قوله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرّتهم الحياة الدّنيا وشهدوا على أنفسهم أنّهم كانوا كافرين (130)}
وهذا أيضًا ممّا يقرع اللّه به سبحانه وتعالى كافري الجنّ والإنس يوم القيامة، حيث يسألهم -وهو أعلم -: هل بلّغتهم الرّسل رسالاته؟ وهذا استفهام تقريرٍ: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم} أي: من جملتكم. والرّسل من الإنس فقط، وليس من الجنّ رسلٌ، كما [قد] نصّ على ذلك مجاهدٌ، وابن جريج، وغير واحدٍ من الأئمّة، من السّلف والخلف.
وقال ابن عبّاسٍ: الرّسل من بني آدم، ومن الجنّ نذر.
وحكى ابن جريرٍ، عن الضّحّاك بن مزاحم: أنّه زعم أنّ في الجنّ رسلًا واحتجّ بهذه الآية الكريمة وفي الاستدلال بها على ذلك نظرٌ؛ لأنّها محتملةٌ وليست بصريحةٍ، وهي -واللّه أعلم -كقوله [تعالى]: {مرج البحرين يلتقيان. بينهما برزخٌ لا يبغيان} إلى أن قال: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} [الرّحمن: 19 -22]، ومعلومٌ أنّ اللّؤلؤ والمرجان إنّما يستخرج من الملح لا من الحلو. وهذا واضحٌ، ولله الحمد. وقد نص هذا الجواب بعينه ابن جريرٍ.
والدّليل على أنّ الرّسل إنّما هم من الإنس قوله تعالى: {إنّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوحٍ والنّبيّين من بعده [وأوحينا]} إلى أن قال: {رسلا مبشّرين ومنذرين لئلا يكون للنّاس على اللّه حجّةٌ [بعد الرّسل]} [النّساء: 163 -165]، وقال تعالى عن إبراهيم: {وجعلنا في ذرّيّته النّبوّة والكتاب} [العنكبوت: 27]، فحصر النّبوّة والكتاب بعد إبراهيم في ذرّيّته، ولم يقل أحدٌ من النّاس: إنّ النّبوّة كانت في الجنّ قبل إبراهيم الخليل [عليه السّلام] ثمّ انقطعت عنهم ببعثته. وقال تعالى: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنّهم ليأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق} [الفرقان: 20]، وقال [تعالى]: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى} [يوسف: 109]، ومعلومٌ أنّ الجنّ تبعٌ للإنس في هذا الباب؛ ولهذا قال تعالى إخبارًا عنهم: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا أنصتوا فلمّا قضي ولّوا إلى قومهم منذرين. قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى مصدّقًا لما بين يديه يهدي إلى الحقّ وإلى طريقٍ مستقيمٍ * يا قومنا أجيبوا داعي اللّه وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذابٍ أليمٍ * ومن لا يجب داعي اللّه فليس بمعجزٍ في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلالٍ مبينٍ} [الأحقاف: 29 -32].
وقد جاء في الحديث -الّذي رواه التّرمذيّ وغيره -أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تلا عليهم سورة الرّحمن وفيها قوله تعالى: {سنفرغ لكم أيّها الثّقلان * فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان} [الآيتان: 31، 32].
وقال تعالى في هذه الآية الكريمة: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم يقصّون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا} أي: أقررنا أنّ الرّسل قد بلّغونا رسالاتك، وأنذرونا لقاءك، وأنّ هذا اليوم كائنٌ لا محالة.
قال تعالى: {وغرّتهم الحياة الدّنيا} أي: وقد فرّطوا في حياتهم الدّنيا، وهلكوا بتكذيبهم الرّسل، ومخالفتهم للمعجزات، لما اغترّوا به من زخرف الحياة الدّنيا وزينتها وشهواتها، {وشهدوا على أنفسهم} أي: يوم القيامة {أنّهم كانوا كافرين} أي: في الدّنيا، بما جاءتهم به الرّسل، صلوات اللّه وسلامه عليهم [أجمعين] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 340-341]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ وأهلها غافلون (131) ولكلٍّ درجاتٌ ممّا عملوا وما ربّك بغافلٍ عمّا يعملون (132)}
يقول تعالى: {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ وأهلها غافلون} أي: إنّما أعذرنا إلى الثّقلين بإرسال الرّسل وإنزال الكتب، لئلّا يعاقب أحدٌ بظلمه، وهو لم تبلغه دعوةٌ، ولكن أعذرنا إلى الأمم، وما عذّبنا أحدًا إلّا بعد إرسال الرّسل إليهم، كما قال تعالى: {وإن من أمّةٍ إلا خلا فيها نذيرٌ} [فاطر: 24]، وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت} [النّحل: 36]، وقال تعالى: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولا} [الإسراء: 15]، وقال تعالى: {كلّما ألقي فيها فوجٌ سألهم خزنتها ألم يأتكم نذيرٌ * قالوا بلى قد جاءنا نذيرٌ فكذّبنا} [الملك: 8، 9] والآيات في هذا كثيرةٌ.
وقال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ: ويحتمل قوله تعالى: {بظلمٍ} وجهين:
أحدهما: ذلك من أجل أن ربّك مهلك القرى بظلم أهلها بالشّرك ونحوه، وهم غافلون، يقول: لم يكن يعاجلهم بالعقوبة حتّى يبعث إليهم من ينبّههم على حجج اللّه عليهم، وينذرهم عذاب اللّه يوم معادهم، ولم يكن بالّذي يؤاخذهم غفلةً فيقولوا: {ما جاءنا من بشيرٍ ولا نذيرٍ} [المائدة: 19].
والوجه الثّاني: أنّ {ذلك أن لم يكن ربّك مهلك القرى بظلمٍ} يقول: لم يكن [ربك] ليهلكهم دون التّنبيه والتّذكير بالرّسل والآيات والعبر، فيظلمهم بذلك، واللّه غير ظلّامٍ لعبيده.
ثمّ شرع يرجّح الوجه الأوّل، ولا شكّ أنّه أقوى، واللّه أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 341-342]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:32 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة