العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنعام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 01:43 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنعام [ من الآية (109) إلى الآية (111) ]

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 09:58 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف


تفسير قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمننّ بها قل إنّما الآيات عند اللّه وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون}.
يقول تعالى ذكره: حلف باللّه هؤلاء العادلون باللّه جهد حلفهم، وذلك أوكد ما قدروا عليه من الأيمان وأصعبها وأشدّها: {لئن جاءتهم آيةٌ} يقول: قالوا: نقسم باللّه لئن جاءتنا آيةٌ تصدّق ما تقول يا محمّد مثل الّذي جاء من قبلنا من الأمم. {ليؤمننّ بها} يقول: قالوا: لنصدّقنّ بمجيئها بك، وأنّك للّه رسولٌ مرسلٌ، وأنّ ما جئتنا به حقٌّ من عند اللّه.
وقيل: {ليؤمننّ بها}، فأخرج الخبر عن الآية والمعنى لمجيء الآية.
يقول لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل إنّما الآيات عند اللّه} وهو القادر على إتيانكم بها دون كلّ أحدٍ من خلقه. {وما يشعركم} يقول: وما يدريكم {أنّها إذا جاءت لا يؤمنون}.
وذكر أنّ الّذين سألوه الآية من قومه هم الّذين آيس اللّه نبيّه من إيمانهم من مشركي قومه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمننّ بها} إلى قوله: {يجهلون}، سألت قريشٌ محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأتيهم بآيةٍ، واستحلفهم ليؤمننّ بها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ: {لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمننّ بها}، ثمّ ذكر مثله.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: كلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قريشًا، فقالوا: يا محمّد، تخبرنا أنّ موسى كان معه عصًا يضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، وتخبرنا أنّ عيسى كان يحيي الموتى، وتخبرنا أنّ ثمود كانت لهم ناقةٌ، فأتنا بشيءٍ من الآيات حتّى نصدّقك، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «أيّ شيءٍ تحبّون أن آتيكم به؟» قالوا: تجعل لنا الصّفا ذهبًا، فقال لهم: «فإن فعلت تصدّقوني؟» قالوا: نعم واللّه، لئن فعلت لنتّبعك أجمعون، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو، فجاءه جبريل عليه السّلام فقال: لك ما شئت إن شئت أصبح ذهبًا، ولئن أرسل آيةً فلم يصدّقوا عند ذلك لنعذّبنّهم، وإن شئت فاتركهم حتّى يتوب تائبهم. فقال: «بل يتوب تائبهم»، فأنزل اللّه تعالى: {وأقسموا باللّه} إلى قوله: {يجهلون}). [جامع البيان: 9/ 484-485]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون}.
اختلف أهل التّأويل في المخاطبين بقوله: {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} فقال بعضهم: خوطب بقوله: {وما يشعركم} المشركون المقسمون باللّه لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمننّ، وانتهى الخبر عند قوله: {وما يشعركم}، ثمّ استؤنف الحكم عليهم بأنّهم لا يؤمنون عند مجيئها استئنافًا مبتدأً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {وما يشعركم} قال: ما يدريكم؟ قال: ثمّ أخبر عنهم أنّهم لا يؤمنون.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وما يشعركم}: وما يدريكم أنّها إذا جاءت؟ قال: أوجب عليهم أنّها إذا جاءت {لا يؤمنون}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: سمعت عبد اللّه بن زيدٍ، يقول: إنّما الآيات عند اللّه، ثمّ تستأنف فيقول: {أنّها إذا جاءت لا يؤمنون}.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {إنّما الآيات عند اللّه وما يشعركم}: وما يدريكم أنّكم تؤمنون إذا جاءت، ثمّ استقبل يخبر عنهم فقال: {إذا جاءت لا يؤمنون}.
وعلى هذا التّأويل قراءة من قرأ ذلك بكسر ألف: (إنّها)، على أنّ قوله: (إنّها إذا جاءت لا يؤمنون) خبر مبتدأٍ منقطعٌ عن الأوّل.
وممّن قرأ ذلك كذلك بعض قرّاء المكّيّين والبصريّين.
وقال آخرون منهم: بل ذلك خطابٌ من اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، قالوا: وذلك أنّ الّذين سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأتي بآيةٍ، المؤمنون به، قالوا: وإنّما كان سبب مسألتهم إيّاه ذلك أنّ المشركين حلفوا أنّ الآية إذا جاءت آمنوا واتّبعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: سل يا رسول اللّه ربّك ذلك، فسأل، فأنزل اللّه فيهم وفي مسألتهم إيّاه ذلك: قل للمؤمنين بك يا محمّد: إنّما الآيات عند اللّه، وما يشعركم أيّها المؤمنون بأنّ الآيات إذا جاءت هؤلاء المشركين باللّه أنّهم لا يؤمنون به، ففتحوا الألف من (أنّ).
وممّن قرأ ذلك كذلك عامّة قرّاء أهل المدينة والكوفة، وقالوا: أدخلت (لا) في قوله: {لا يؤمنون} صلةً، كما أدخلت في قوله: {ما منعك ألاّ تسجد}، وفي قوله: {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون}، وإنّما المعنى: وحرامٌ عليهم أن يرجعوا، وما منعك أن تسجد.
وقد تأوّل قومٌ قرءوا ذلك بفتح الألف من: {أنّها} بمعنى: لعلّها، وذكروا أنّ ذلك كذلك في قراءة أبيّ بن كعبٍ.
وقد ذكر عن العرب سماعًا منها: اذهب إلى السّوق أنّك تشتري لي شيئًا، بمعنى: لعلّك تشتري.
وقد قيل: إنّ قول عديّ بن زيدٍ العباديّ:
أعاذل ما يدريك أنّ منيّتي ....... إلى ساعةٍ في اليوم أو في ضحى الغد
بمعنى: لعلّ منيّتي، وقد أنشدوني بيت دريد بن الصّمّة:
ذريني أطوّف في البلاد لأنّني ....... أرى ما ترين أو بخيلاً مخلّدا
بمعنى: لعلّني. والّذي أنشدني أصحابنا عن الفرّاء: لعلّني أرى ما ترين
وقد أنشد أيضًا بيت توبة بن الحميّر:
لعلّك يا تيسًا نزا في مريرةٍ ....... معذّب ليلى أن تراني أزورها
لهنّك يا تيسًا) بمعنى: لأنّك الّتي في معنى لعلّك.
وأنشد بيت أبي النّجم العجليّ:
قلت لشيبان ادن من لقائه ....... إنّا نغدّي القوم من شوائه
يعني: لعلّنا نغدّي القوم.
وأولى التّأويلات في ذلك بتأويل الآية، قول من قال: ذلك خطابٌ من اللّه للمؤمنين به من أصحاب رسوله، أعني قوله: {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون}، وأنّ قوله: {أنّها} بمعنى: (لعلّها).
وإنّما كان ذلك أولى تأويلاته بالصّواب لاستفاضة القراءة في قرّاء الأمصار بالياء من قوله: {لا يؤمنون}.
ولو كان قوله: {وما يشعركم} خطابًا للمشركين، لكانت القراءة في قوله: {لا يؤمنون} بالتّاء، وذلك وإن كان قد قرأه بعض قرّاء المكّيّين كذلك، فقراءةٌ خارجةٌ عمّا عليه قرّاء الأمصار، وكفى بخلاف جميعهم لها دليلاً على ذهابها وشذوذها.
وإنّما معنى الكلام: وما يدريكم أيّها المؤمنون لعلّ الآيات إذا جاءت هؤلاء المشركين لا يؤمنون، فيعاجلوا بالنّقمة والعذاب عند ذلك ولا يؤخّروا به). [جامع البيان: 9/ 486-489]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمننّ بها قل إنّما الآيات عند اللّه وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون (109)}
قوله تعالى: {وأقسموا باللّه}
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهبٍ ثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قول اللّه: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم}، قال: هي يمينٌ.
- حدّثنا أبو بجيرٍ المحاربيّ ثنا عبد الرّحيم بن عبد الرّحمن المحاربيّ عن زائدة قال: قرأ سليمان الأعمش، وزعم أنّ يحيى بن وثّابٍ يقرأ: وأقسموا باللّه جهد أيمانهم، وهو الحلف.
قوله:{لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمننّ بها}
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
: قوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمننّ بها}، سألت قريشٌ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم أن يأتيهم بآيةٍ استحلفهم ليؤمننّ بها.
قوله: {قل إنّما الآيات عند اللّه، وما يشعركم}
- وبه عن مجاهدٍ: قوله: قل إنّما الآيات عند اللّه وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون، قال: ما يدريكم.
قوله: {أنّها إذا جاءت لا يؤمنون}
- وبه عن مجاهدٍ
: قوله: أنّها إذا جاءت لا يؤمنون، ثمّ أوجب عليهم أنّهم لا يؤمنون.
- حدّثنا الحسين بن الحسن ثنا إبراهيم بن عبد اللّه الهرويّ ثنا حجّاج بن محمّدٍ عن ابن جريجٍ أخبرني ابن كثيرٍ أنّه سمع مجاهدًا، في قوله: وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون، قال: وما يدريكم أنّكم تؤمنون إذا جاءتهم. ثمّ استقبل يخبر فقال: إنّما هي إذا جاءت لا يؤمنون). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1368]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ):
(نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد واقسموا بالله قال سألت قريش محمدا صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية وحلفوا له ليؤمنن بها فقال الله عز وجل وما يشعركم يقول وما يدريكم أنهم مؤمنون ثم أوجب عليهم أنهم لا يؤمنون). [تفسير مجاهد: 221]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال حدثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وأقسموا بالله سألت قريش محمدا صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية حلفوا له ليؤمنن بها).[تفسير مجاهد: 222]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: أنزلت في قريش {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم} يا معشر المسلمين {أنها إذا جاءت لا يؤمنون} إلا أن يشاء الله فيجبرهم على الإسلام.
- وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا فقالوا: يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر وأن عيسى كان يحيى الموتى وأن ثمود كان لهم ناقة فأتنا من الآيات حتى نصدقك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي شيء تحبون أن آتيكم به» قالوا: تجعل لنا الصفا ذهبا، قال: «فإن فعلت تصدقوني» قالوا: نعم، والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعون، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا فجاءه جبريل فقال له: إن شئت أصبح ذهبا، فإن لم يصدقوا عند ذلك لنعذبهم وإن شئت فاتركهم حتى يتوب تائبهم فقال: «بل يتوب تائبهم»، فأنزل الله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم}، إلى قوله: {يجهلون}.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريح {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية} في المستهزئين هم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية فنزل فيهم {وأقسموا بالله} حتى {ولكن أكثرهم يجهلون}.
- وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال: القسم يمين ثم قرأ {وأقسموا بالله جهد أيمانهم}.
- وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال: القسم يمين.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها} قال: سألت قريشا محمدا صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية فاستحلفهم ليؤمنن بها {قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم} قال: ما يدريكم ثم أوجب عليهم أنهم لا يؤمنون {ونقلب أفئدتهم} قال: نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم كل آية كما حلنا بينهم وبينه أول مرة {ونذرهم في طغيانهم يعمهون} قال: يترددون
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ من وجه آخر عن مجاهد في قوله: {وما يشعركم} قال: وما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءت ثم استقبل يخبر فقال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون.
- وأخرج أبو الشيخ عن النضر بن شميل قال: سأل رجل الخليل بن أحمد عن قوله: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} فقال: إنها لعلها ألا ترى أنك تقول: اذهب إنك تأتينا بكذا وكذا يقول: لعلك). [الدر المنثور: 6/ 170-172]

تفسير قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثني إسماعيل بن عبدالله، قال: حدثتني أم الدرداء أنه أغشي على أبي الدرداء فأفاق، فإذا بلال ابنه عنده، قال: قم فاخرج عني، ثم قال: من يعمل لمثل مضجعي هذا، من يعمل لمثل ساعتي هذه، {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون} [سورة الأنعام: 110]، أبيتم، ثم يغمى عليه، فيلبث لبثًا، ثم يفيق، ثم يقول مثل ذلك، فلم يزل يرددها حتى قبض). [الزهد لابن المبارك: 2/ 15-16]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عليّ بن إسحاق، عن ابن مباركٍ، عن عبد الرّحمن بن يزيد بن جابرٍ، قال: أخبرني إسماعيل بن عبيد الله، قال: حدّثتني أمّ الدّرداء، أنّه أغمي على أبي الدّرداء فأفاق، فإذا بلالٌ ابنه عنده، فقال: قم فاخرج عنّي، ثمّ قال: من يعمل لمثل مضجعي هذا، من يعمل لمثل ساعتي هذه، {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ ونذرهم في طغيانهم يعمهون}، قالت: ثمّ يغمى عليه فيلبث لبثًا، ثمّ يفيق فيقول مثل ذلك، فلم يزل يردّدها حتّى قبض). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 184]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ}.

قال أبو جعفرٍ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: لو أنّا جئناهم بآيةٍ كما سألوا ما آمنوا كما لم يؤمنوا بما قبلها أوّل مرّةٍ، لأنّ اللّه حال بينهم وبين ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ} الآية، قال: لمّا جحد المشركون ما أنزل اللّه لم تثبت قلوبهم على شيءٍ، وردّت عن كلّ أمرٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم} قال: نمنعهم من ذلك كما فعلنا بهم أوّل مرّةٍ. وقرأ: {كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم} قال: نحول بينهم وبين الإيمان، ولو جاءتهم كلّ آيةٍ فلا يؤمنون، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أوّل مرّةٍ.
وقال آخرون: معنى ذلك: ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم، لو ردّوا من الآخرة إلى الدّنيا فلا يؤمنون، كما فعلنا بهم ذلك، فلم يؤمنوا في الدّنيا. قالوا: وذلك نظير قوله: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: أخبر اللّه، سبحانه ما العباد قائلون قبل أن يقولوه وعملهم قبل أن يعملوه، قال: {ولا ينبّئك مثل خبيرٍ}: {أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه وإن كنت لمن السّاخرين. أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين. أو تقول حين ترى العذاب لو أنّ لي كرّةً فأكون من المحسنين}، يقول: من المهتدين. فأخبر اللّه سبحانه أنّهم لو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه، وإنّهم لكاذبون، وقال: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ} قال: لو ردّوا إلى الدّنيا لحيل بينهم وبين الهدى، كما حلنا بينهم وبينه أوّل مرّةٍ وهم في الدّنيا.
وأولى التّأويلات في ذلك عندي بالصّواب أن يقال: إنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر عن هؤلاء الّذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمننّ بها، أنّه يقلّب أفئدتهم وأبصارهم ويصرّفها كيف شاء، وأنّ ذلك بيده يقيمه إذا شاء ويزيغه إذا أراد، وأنّ قوله: {كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ} دليلٌ على محذوفٍ من الكلام، وأنّ قوله: (كما) تشبيه ما بعده بشيءٍ قبله.
وإذ كان ذلك كذلك، فالواجب أن يكون معنى الكلام: ونقلّب أفئدتهم فنزيغها عن الإيمان، وأبصارهم عن رؤية الحقّ ومعرفة موضع الحجّة، وإن جاءتهم الآية الّتي سألوها فلا يؤمنوا باللّه ورسوله وما جاء به من عند اللّه كما لم يؤمنوا بتقليبنا إيّاها قبل مجيئها مرّةً قبل ذلك.
وإذا كان ذلك تأويله كانت الهاء من قوله: {كما لم يؤمنوا به} كناية ذكر التّقليب).[جامع البيان: 9/ 490-492]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ونذرهم في طغيانهم يعمهون}.
يقول تعالى ذكره: ونذر هؤلاء المشركين الّذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمننّ بها عند مجيئها في تمرّدهم على اللّه واعتدائهم في حدوده، يتردّدون لا يهتدون لحقٍ، ولا يبصرون صوابًا، قد غلب عليهم الخذلان واستحوذ عليهم الشّيطان). [جامع البيان: 9/ 492]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ ونذرهم في طغيانهم يعمهون (110)}
قوله تعالى: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم}
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي حدّثني عمّي عن أبيه عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرة}، قال: لمّا جحد المشركون ما أنزل اللّه، لم تثبت قلوبهم على شيءٍ وردّت عن كلّ أمرٍ.
- حدّثنا أبي ثنا إبراهيم بن موسى أنا هشامٌ عن ابن جريجٍ أخبرني ابن كثيرٍ عن مجاهدٍ أنّه قال: ونقلّب أفئدتهم نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم آيةٌ كما حلنا بينهم وبينه أوّل مرّةٍ.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ ثنا أصبغ بن الفرج قال:
سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ، قال: نمنعه من ذلك كما فعلنا بهم أوّل مرّةٍ. وقرأ: كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ.
- حدّثنا أبي ثنا هشام بن عمّارٍ ثنا الوليد عن شعيب بن رزيقٍ عن عطاءٍ الخرساني عن عكرمة في قوله: ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة قال عكرمة: جاءهم محمّدٌ بالبيّنات، فلم يؤمنوا به، فقلّبنا أبصارهم وأفئدتهم، ولو جاءتهم كلّ آيةٍ مثل ذلك لم يؤمنوا، إلا أن يشاء اللّه.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ، ثمّ قال: لو ردّوا إلى الدّنيا لحيل بينهم وبين الهدى كما حلنا بينهم وبينه أوّل مرّةٍ وهم في الدّنيا.
قوله: {ونذرهم}
- حدّثنا موسى بن أبي موسى الأنصاريّ ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ عن أسباطٍ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ: قوله: {ونذرهم} يعني نتخلّى عنهم.
قوله: {في طغيانهم}
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب بن الحارث ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: قوله: {في طغيانهم}، في كفرهم.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية، في قوله: في طغيانهم، يعني: في ضلالتهم.
وروي عن السّدّيّ نحو قول ابن عبّاسٍ وقتادة والرّبيع نحو قول أبي العالية.
قوله تعالى:
{يعمهون}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، قوله:
{يعمهون}، قال: يتمادون. وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة ثنا منجاب أنا بشرٌ عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ، قوله:
{يعمهون} قال: في كفرهم يتردّدون.
وروي عن أبي العالية ومجاهدٍ وأبي مالكٍ والرّبيع بن أنسٍ مثل ذلك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين ثنا عثمان بن أبي شيبة ثنا معاوية بن هشامٍ ثنا سفيان عن الأعمش: في طغيانهم يعمهون قال: يلعبون).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 1369-1370]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة} قال: لما جحد المشركون ما أنزل الله لم تثبت قلوبهم على شيء وردت عن كل أمر.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {ونقلب أفئدتهم} الآية، قال: جاءهم محمد بالبينات فلم يؤمنوا به فقلبنا أبصارهم وأفئدتهم ولو جاءتهم كل آية مثل ذلك لم يؤمنوا إلا أن يشاء الله.
- وأخرج ابن المبارك وأحمد في الزهد، وابن أبي شيبة والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر عن أم الدرداء، أن أبا الدرداء لما احتضر جعل يقول: من يعمل لمثل يومي هذا: من يعمل لمثل ساعتي هذه من يعمل لمثل مضجعي هذا ثم يقول: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون} ثم يغمى عليه ثم يفيق فيقولها حتى قبض). [الدر المنثور: 6/ 172-173]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(حدّثنا حفص بن عمر، حدّثنا شعبة، عن عمرٍو، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه رضي اللّه عنه، قال: «لا أحد أغير من اللّه، ولذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شيء أحبّ إليه المدح من اللّه، ولذلك مدح نفسه» قلت: سمعته من عبد اللّه؟ قال: نعم، قلت: ورفعه؟ قال: نعم {وكيلٌ} [الأنعام: 102] : «حفيظٌ ومحيطٌ به» . {قبلًا} [الأنعام: 111] : " جمع قبيلٍ، والمعنى: أنّه ضروبٌ للعذاب، كلّ ضربٍ منها قبيلٌ "). [صحيح البخاري: 6/ 57] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله قبلًا جمع قبيلٍ والمعنى أنّه ضروبٌ للعذاب كلّ ضربٍ منها قبيلٌ انتهى هو من كلام أبي عبيدة أيضًا لكن بمعناه قال في قوله تعالى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا قال فمعنى حشرنا جمعنا وقبلًا جمع قبيلٍ أي صنف وروى بن جريرٍ عن مجاهدٍ قال قبلًا أي أفواجًا قال بن جريرٍ أي حشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبيلةً قبيلةً صنفًا صنفًا وجماعةً جماعةً فيكون القبل جمع قبيل الّذي هو جمع قبيلةٍ فيكون القبل جمع الجمع قال أبو عبيدة ومن قرأها قبلًا أي بكسر القاف فإنّه يقول معناها عيانًا انتهى ويجوز أن يكون بمعنى ناحيةٍ يقول لي قبل فلان كذا أي من جهته فهو نصبٌ على الظّرفيّة وقال آخرون قبلًا أي مقابلًا انتهى وقد روى بن أبي حاتم وبن جريرٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاس في قوله كل شيء قبلا أي معاينةً فكأنّه قرأها بكسر القاف وهي قراءة أهل المدينة وبن عامرٍ مع أنّه يجوز أن يكون بالضّمّ ومعناه المعاينة يقول رأيته قبلا لآدبرا إذا أتيته من قبل وجهه وتستوي على هذا القراءتان قال بن جريرٍ ويحتمل أن يكون القبل جمع قبيلٍ وهو الضّمين والكفيل أي وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ كفيلًا يكفلون لهم أنّ الّذي نعدهم حقٌّ وهو بمعنى قوله في الآية الأخرى أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا انتهى ولم أر من فسره بأصناف العذاب فليحرّر هذا تنبيهٌ ثبت هذا والّذي بعده لأبي ذرٍّ عن المستملي والكشميهنيّ حسب). [فتح الباري: 8/ 296]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قبلاً جمع قبيلٍ والمعنى أنّه ضروبٌ للعذاب كلّ ضربٍ منها قبيلٌ قبلا أشار به إلى قوله تعالى: {وحشرنا عليهم كل شيء قبلا} ثمّ قال قبلا جمع قبيل، وفي التّفسير: قبلا جمع قبيلة، يعني: فوجا فوجا وصنفًا صنفا. وقال الأخفش: أي قبيلاً قبيلاً. والقبيل في غير هذا الموضع بمعنى الكفيل، وبمعنى العريف وبمعنى الجماعة يكون من الثّلاثة فصاعدا من قوم شتّى مثل الرّوم والزنج والعرب، والجمع: قبل، بضمّتين قوله: والمعنى أشار به إلى أن معنى قبيل ضروب يعني أنواعا للعذاب كل ضرب أي كل نوع من تلك الضروب، قبيل: أي نوع، وقرأ بعضهم: قبلا بكسر القاف وفتح الباء من المقابلة والمعاينة. وقرأ آخرون قبلا بضمهما بمعنى عيانًا قاله عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس، وبه قال قتادة وعبد الرّحمن ابن أبي زيد بن أسلم. وقال مجاهد: قبلا أفواجًا قبيلاً قبيلاً).[عمدة القاري: 18/ 228-229]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: {وحشرنا عليهم كل شيء} ({قبلًا}) . هو (جمع قبيل، والمعنى أنه ضروب للعذاب كل ضرب منها قبيل). قال أبو عبيدة: وحشرنا جمعنا. وقبلًا جمع قبيل أي صنف. وقال مجاهد: قبلًا أفواجًا قبيلًا قبيلًا أي تعرض عليهم كل أمة من الأمم فتخبرهم بصدق الرسل فيما جاؤوهم به ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله. وقال ابن جرير ويحتمل أن يكون القبل جمع قبيل وهو الضمين والكفيل أي وحشرنا عليهم كل شيء كفلاء يكفلون لهم أن الذي نعدهم حق وهو معنى قوله في الآية الأخرى: أو تأتي بالله والملائكة قبيلًا. اهـ.
وبالكفيل فسره البيضاوي كالزمخشري والسمرقندي وابن عادل وغيرهم. قال في الفتح: ولم أر من فسره بأصناف العذاب فليحرر). [إرشاد الساري: 7/ 122]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلاّ أن يشاء اللّه ولكنّ أكثرهم يجهلون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: يا محمّد، ايئس من فلاح هؤلاء العادلين بربّهم الأوثان والأصنام، القائلين لك: لئن جئتنا بآيةٍ لنؤمننّ لك، فإنّنا لو {نزّلنا إليهم الملائكة} حتّى يروها عيانًا، {وكلّمهم الموتى} بإحيائنا إيّاهم، حجّةً لك ودلالةً على نبوّتك، وأخبروهم أنّك محقٌّ فيما تقول، وأنّ ما جئتهم به حقٌّ من عند اللّه، {وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ} فجعلناهم لك {قبلاً} ما آمنوا ولا صدّقوك، ولا اتّبعوك، {إلاّ أن يشاء اللّه} ذلك لمن شاء منهم. {ولكنّ أكثرهم يجهلون} يقول: ولكنّ أكثر هؤلاء المشركين يجهلون أنّ ذلك كذلك، يحسبون أنّ الإيمان إليهم والكفر بأيديهم، متى شاءوا آمنوا، ومتى شاءوا كفروا. وليس ذلك كذلك، ذلك بيدي، لا يؤمن منهم إلاّ من هديته له فوفّقته، ولا يكفر إلاّ من خذلته عن الرّشد فأضللته.
وقيل: إنّ ذلك نزل في المستهزئين برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وما جاء به من عند اللّه، من مشركي قريشٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: نزلت في المستهزئين الّذين سألوا النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- الآية، فقال: قل يا محمّد: إنّما الآيات عند اللّه، وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون. ونزل فيهم: {ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلاً}.
وقال آخرون: إنّما قيل: {ما كانوا ليؤمنوا} يراد به أهل الشّقاء، وقيل: {إلاّ أن يشاء اللّه} فاستثنى ذلك من قوله: {ليؤمنوا}، يراد به أهل الإيمان والسّعادة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلاً ما كانوا ليؤمنوا}: وهم أهل الشّقاء. ثمّ قال: {إلاّ أن يشاء اللّه}: وهم أهل السّعادة الّذين سبق لهم في علمه أن يدخلوا في الإيمان.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول ابن عبّاسٍ، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه عمّ بقوله: {ما كانوا ليؤمنوا} القوم الّذين تقدّم ذكرهم في قوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمننّ بها}.
وقد يجوز أن يكون الّذين سألوا الآية كانوا هم المستهزئين الّذين قال ابن جريجٍ: إنّهم عنوا بهذه الآية، ولكن لا دلالة في ظاهر التّنزيل على ذلك، ولا خبر تقوم به حجّةٌ بأنّ ذلك كذلك. والخبر من اللّه خارجٌ مخرج العموم، فالقول بأنّ ذلك عني به أهل الشّقاء منهم أولى لما وصفنا.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلاً}، فقرأته قرّاء أهل المدينة: (قبلاً) بكسر القاف وفتح الباء، بمعنى معاينةً، من قول القائل: لقيته قبلاً: أي معاينةً ومجاهرةً.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين والبصريّين: وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ {قبلاً} بضمّ القاف والباء.
وإذا قرئ كذلك كان له من التّأويل ثلاثة أوجهٍ: أحدها أن يكون القبل جمع قبيلٍ كالرّغف الّتي هي جمع رغيفٍ، والقضب الّتي هي جمع قضيبٍ، ويكون القبل: الضمناء والكفلاء، وإذا كان ذلك معناه، كان تأويل الكلام: وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ كفلاء يكفلون لهم بأنّ الّذي نعدهم على إيمانهم باللّه إن آمنوا، أو نوعدهم على كفرهم باللّه إن هلكوا على كفرهم، ما آمنوا إلاّ أن يشاء اللّه.
والوجه الآخر: أن يكون (القبل) بمعنى المقابلة والمواجهة، من قول القائل: أتيتك قبلاً لا دبرًا، إذا أتاه من قبل وجهه.
والوجه الثّالث: أن يكون معناه: وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبيلةً قبيلةً، صنفًا صنفًا، وجماعةً جماعةً. فيكون القبل حينئذٍ جمع قبيلٍ الّذي هو جمع قبيلةٍ، فيكون القبل جمع الجمع.
وبكلّ ذلك قد قالت جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال: معنى ذلك: معاينةٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلاً} يقول: معاينةً.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلاً} حتّى يعاينوا ذلك معاينةً، {ما كانوا ليؤمنوا إلاّ أن يشاء اللّه}.
ذكر من قال: معنى ذلك: قبيلةً قبيلةً، صنفًا صنفًا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يزيد، من قرأ: {قبلاً} معناه: قبيلاً قبيلاً.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: {قبلاً}: أفواجًا، قبيلاً قبيلاً.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا أحمد بن يونس، عن أبي خيثمة قال: حدّثنا أبان بن تغلب قال: حدّثني طلحة، أنّ مجاهدًا قرأ في الأنعام: {كلّ شيءٍ قبلاً} قال: قبائل، قبيلاً وقبيلاً وقبيلاً.
ذكر من قال: معناه: مقابلةٌ:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلاً} يقول: لو استقبلهم ذلك كلّه، لم يؤمنوا إلاّ أن يشاء اللّه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلاً} قال: حشروا إليهم جميعًا، فقابلوهم وواجهوهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يزيد، قرأ عيسى: {قبلاً} ومعناه: عيانًا.
وأولى القراءتين في ذلك بالصّواب عندنا، قراءة من قرأ: {وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلاً} بضمّ القاف والباء، لما ذكرنا من احتمال ذلك الأوجه الّتي بيّنّا من المعاني، وأنّ معنى القبل داخلٌ فيه، وغير داخلٍ في القبل معاني القبل.
وأمّا قوله: {وحشرنا عليهم} فإنّ معناه: وجمعنا عليهم، وسقنا إليهم). [جامع البيان: 9/ 492-496]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلًا ما كانوا ليؤمنوا إلّا أن يشاء اللّه ولكنّ أكثرهم يجهلون (111)}
قوله تعالى: {ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى}
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ حدّثني أبي حدّثني عمّي عن أبيه عن عطيّة عن ابن عبّاسٍ قوله: ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلا، يقول: لو استقبلهم ذلك كلّه لم يؤمنوا إلا أن يشاء اللّه.
قوله: {قبلا}
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلا، يقول: معاينةً.
قوله: {ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللّه ... الآية}.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: قوله: ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللّه ولكنّ أكثرهم يجهلون قال: سألت قريشٌ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم أن يأتيهم بآيةٍ استحلفهم ليؤمننّ بها.
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: قوله: ما كانوا ليؤمنوا وهم أهل الشّقاء، ثمّ قال: إلا أن يشاء اللّه وهم أهل السّعادة، الّذين سبق لهم في علمه أن يدخلوا في الإيمان).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 1370-1371]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس: {وحشرنا عليهم كل شيء قبلا} قال: معانية {ما كانوا ليؤمنوا} أي أهل الشقاء {إلا أن يشاء الله} أي أهل السعادة الذين سبق لهم في عمله أن يدخلوا في الإيمان.
- وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة: {وحشرنا عليهم كل شيء قبلا} أي فعاينوا ذلك معاينة.
- وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد: {وحشرنا عليهم كل شيء قبلا} قال: أفواجا قبيلا).[الدر المنثور: 6/ 173]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 ربيع الثاني 1434هـ/6-03-2013م, 10:48 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}


تفسير قوله تعالى {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم...}
المقسمون الكفار. سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بالآية التي نزلت في الشعراء {إن نشأ ننزّل عليهم من السّماء آيةً فظلّت أعناقهم لها خاضعين}
فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينزلها وحلفوا ليؤمنن، فقال المؤمنون: يا رسول الله سل ربك ينزلها عليهم حتى يؤمنوا، فأنزل الله تبارك وتعالى: قل للذين آمنوا: وما يشعركم أنهم يؤمنون. فهذا وجه النصب في أنّ؛ وما يشعركم أنهم يؤمنون (و) نحن {نقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا}، وقرأ بعضهم: (إنها) مكسور الألف (إذا جاءت) مستأنفة، ويجعل قوله (وما يشعركم) كلاما مكتفيا.
وهي في قراءة عبد الله: (وما يشعركم إذا جاءتهم أنهم لا يؤمنون).
و(لا) في هذا الموضع صلة؛ كقوله: {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون}: المعنى: حرام عليهم أن يرجعوا. ومثله: {ما منعك أن لا تسجد} معناه: أن تسجد.
وهي في قراءة أبيّ: (لعلها إذا جاءتهم لا يؤمنون) وللعرب في (لعلّ) لغة بأن يقولوا: ما أدري أنك صاحبها، يريدون: لعلك صاحبها، ويقولون: ما أدري لو أنك صاحبها، وهو وجه جيد أن تجعل (أنّ) في موضع لعل). [معاني القرآن: 1/ 350-351]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وما يشعركم} أي ما يدريكم.
(إنّها إذا جاءت) ألف (إنها) مكسورة على ابتداء (إنها)، أو تخبير عنها؛ ومن فتح ألف (أنها) فعلى إعمال (يشعركم) فيها، فهي في موضع اسم منصوب). [مجاز القرآن: 1/ 204]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءتهم آيةٌ لّيؤمننّ بها قل إنّما الآيات عند اللّه وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون}
وقال: {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} وقرأ بعضهم {أنّها} وبها نقرأ وفسر على "لعلها" كما تقول العرب: "اذهب إلى السوق أنّك تشتري لي شيئاً" أي: لعلّك. وقال الشاعر:
قلت لشيبان اذن من لقائه ....... أنّا نغذّي القوم من شوائه
في معنى "لعلّنا"). [معاني القرآن: 1/ 247-248]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو {وما يشعركم إنها إذا جاءت لا يؤمنون} يكسر "إنها" على الابتداء كأنه قال: إنها إذا جاءت لا يؤمنون.
وأما الفتح فكأنه على معنى: لعلها إذا جاءت لا يؤمنون؛ ولو كان المعنى: وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون؛ كان ذلك عذرًا لهم.
والمعنى والله أعلم: لعلها إذا جاءت لا يؤمنون؛ وقد قالت ذلك العرب في أشعارها.
قال عدي بن زيد:
أعاذل ما يدريك أن منيتي = إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد
أي لعل منيتي.
وقال دريد بن الصمة:
ذريني أطوف في البلاد لو أنني = ألاقي بأيز ثلة من محارب
ومثله قول توبة بن الحمير:
لو أنك يا تيسا نزا في مريرة = معذب ليلى أن تراني أزورها
[معاني القرآن لقطرب: 524]
يريد لعلك.
وقالوا: لهني أفعل ذلك؛ يريد لأني التي في معنى لعلي من الآية التي ذكرنا). [معاني القرآن لقطرب: 525]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله سبحانه: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} يريد وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون، فزاد (لا) لأنهم لا يؤمنون إذا جاءت.
ومن قرأها بكسر إنّ، فإنه يجعل الكلام تاما عند قوله: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ} ثم يبتدئ فيقول: {أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ}). [تأويل مشكل القرآن: 244]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمننّ بها قل إنّما الآيات عند اللّه وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون}
أي اجتهدوا في المبالغة في اليمين.
{لئن جاءتهم آية ليؤمننّ بها}.
وإنما حلفوا على ما اقترحوا هم من الآيات، وإنما قالوا: {لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} إلى قوله: {والملائكة قبيلا}.
أي تأتي بهم كفيلا، أي يكفلون.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن الآيات عند اللّه.
ويروى أن المؤمنين قالوا: لو أنزل عليهم آية لعلهم كانوا يؤمنون، فقال الله عزّ وجلّ: {قل إنّما الآيات عند اللّه وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} أي وما يدريكم، أي لستم تعلمون الغيب، فلا تدرون أنهم يؤمنون.
كما تقول للرجل إذا قال لك: افعل بي كذا وكذا حتى أفعل كذا وكذا مما لا تعلم أنه يفعله لا محالة: ما يدريك. ثم استأنف فقال:
{أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} هذه هي القراءة، وقرئت أيضا (إنّها إذا جاءت لا يؤمنون).
وزعم سيبويه عن الخليل أن معناها لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، وهي قراءة أهل المدينة، وقال الخليل: إنها كقولهم إيت السوق أنك تشتري شيئا، أي لعلك.
وقد قال بعضهم إنها "أن" التي على أصل الباب، وجعل "لا" لغوا.
قال: والمعنى وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون، كما قال عزّ وجلّ: {وحرام على قرية أهلكناها أنّهم لا يرجعون}
والقول الأول أقوى وأجود في العربية والكسر أحسنها وأجودها.
والذي ذكر أن "لا" لغو غالط، لأن ما كان لغوا لا يكون غير لغو.
من قرأ: إنها إذا جاءت -بكسر إنّ- فالإجماع أن " لا " غير لغو، فليس يجوز أن يكون معنى لفظة مرة النفي ومرة الإيجاب.
وقد أجمعوا أن معنى أن ههنا إذا فتحت معنى لعل، والإجماع أولى بالإتباع.
وقد بينت الحجة في دفع. ما قاله من زعم أن لا لغو). [معاني القرآن: 2/ 281-283]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} أي اجتهدوا في الحلف لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها يعنون آية مما يقترحون). [معاني القرآن: 2/ 472]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون}
قال مجاهد: معناه وما يدريكم قال ثم ابتدأ فقال إنها إذا جاءت لا يؤمنون وقرأ أهل المدينة أنها إذا جاءت قال الكسائي لا ههنا زائدة والمعنى وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون وشبهه بقوله جل وعز: {قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} وهذا عند البصريين غلط لأن «لا» لا تكون زائدة في موضع تكون فيه نافيه قال الخليل المعنى لعلها وشبهه بقول العرب ايت السوق أنك تشتري لنا شيئا بمعنى لعلك.
وروي أنها في قراءة أبي وما يشعركم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون وأنشد أهل اللغة في أن بمعنى لعل:
أريني جوادا مات هزلا لأنني ....... أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا
وقيل في الكلام حذف والمعنى وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون أو يؤمنون ثم حذف هذا لعلم السامع ويروى أن المشركين قالوا ادع الله أن ينزل علينا الآية التي قال فيها {إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين} ونحن والله نؤمن فقال المسلمون يا رسول الله ادع الله أن ينزلها فأنزل الله عز وجل: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون}). [معاني القرآن: 2/ 472-475]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({وما يشعركم} أي: وما يعلمكم). [ياقوتة الصراط: 223]


تفسير قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} وأفئدة جمع فؤاد). [معاني القرآن: 2/ 475]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة...}
هذا أمر قد كانوا سألوه، فقال الله تبارك وتعالى: لو فعلنا بهم ذلك لم يؤمنوا {إلاّ أن يشاء اللّه}.
وقوله: (قبلاً) جمع قبيل. والقبيل: الكفيل. وإنما اخترت ها هنا أن يكون القبل في معنى الكفالة لقولهم: {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً} يضمنون ذلك. وقد يكون (قبلا): من قبل وجوههم؛ كما تقول: أتيتك قبلا ولم آتك دبرا. وقد يكون القبيل جميعا للقبيلة كأنك قلت: أو تأتينا بالله والملائكة قبيلة قبيلة وجماعة جماعة. ولو قرئت قبلا على معنى: معاينةً كان صوابا، كما تقول: أنا لقيته قبلا). [معاني القرآن: 1/ 351-352]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلاً}
ومجاز {حشرنا}: سقنا وجمعنا.
{قبلاً} جميع، قبيل قبيل؛ أي: صنف صنف؛ ومن قرأها (قبلاً)؛ فإنه يجعل مجازها عياناً، كقولهم: (من ذي قبل)، وقال آخرون (قبلاً) أي مقابلة، كقولهم: (أقبل قبله، وسقاها قبلاً، لم يكن أعدّ لها الماء، فاستأنفت سقيها، وبعضهم يقول: (من ذي قبلٍ) ). [مجاز القرآن: 1/ 204]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلاً مّا كانوا ليؤمنوا إلاّ أن يشاء اللّه ولكنّ أكثرهم يجهلون}
قال: {وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلاً} أي: قبيلاً قبيلا، جماعة "القبيل" "القبل". ويقال "قبلا" أي: عيانا.
وقال: {أو يأتيهم العذاب قبلاً} أي: عيانا. وتقول: "لا قبل لي بهذا" أي: لا طاقة. وتقول: "لي قبلك حقٌ" أي: عندك). [معاني القرآن: 1/ 248]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (مجاهد وأبو عمرو وأصحاب عبد الله {كل شيء قبلا}. والجحدري {قبلا}.
قراءة أبي "قبيلا".
وفي قول ابن عباس رحمه الله: {قبلا} عيانا.
وقالوا: أعطيته ذلك قبلا وقبلا وقبلا وقبليا ومقابلة، وجاءهم الأمر قبلا وقبلا؛ أي مستقبلا؛ لا أفعله من ذل قبل؛ والقبيل الكفيل أيضًا.
وقد يجوز أن يكون قبلا جمع قبيل على قراءة أبي؛ أي حشرناه قبيلا قبيلا، كقولك قضيب وقضب، ورغيف ورغف). [معاني القرآن لقطرب: 525]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({كل شيء قبلا}: جماعة قبيل. {يأتيهم العذاب قبلا}: معاينة). [غريب القرآن وتفسيره: 141]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلًا} جماعة قبيل. أي أصناما، ويقال: القبيل: الكفيل كقوله تعالى: {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلًا} أي ضمناء. ومن قرأها «قبلا» أراد: معانية). [تفسير غريب القرآن: 158]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلّا أن يشاء اللّه ولكنّ أكثرهم يجهلون}
هذا جواب قول المؤمنين: لعلهم يؤمنون.
فأعلم اللّه عزّ وجلّ أنهم لا يؤمنون، وهذا كإعلام نوح: {أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن}.
ومعنى (قبلا) جمع قبيل، ومعناه الكفيل.
ويكون المعنى: وحشرنا عليهم كل شيء قبيلا قبيلا.
ويجوز أن يكون "قبل" جمع قبيل، ومعناه الكفيل.
ويكون المعنى: لو حشرنا عليهم كل شيء ونجعل لهم بصحة ما نقول ما كانوا ليؤمنوا، ويجوز أن يكون " قبلا " في معنى ما يقابلهم، أي لو حشرنا عليهم كل شيء فقابلهم.

ويجوز وحشرنا عليهم كل شيء قبلا أي عيانا، ويجوز قبلا على تخفيف قبل وكل ما كان على هذا المثال فتخفيفه جائز، نحو الصّحف والصحف والكتب والكتب، والرسل والرسل.
ومعنى {إلا أن يشاء اللّه} أي إلا أن يهديهم اللّه.
وجائز أن يكون ننزّل عليهم آية تضطرهم إلى الإيمان). [معاني القرآن: 2/ 283-284]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله} ويروى أنهم سألوا هذه الأشياء فنزل هذا قال مجاهد قبلا أفواجا أي قبيلا قبيلا يذهب إلى أنه جمع قبيل وهو الفرقة وقيل هو جمع قبيل وقبيل بمعنى كفيل أي لو كفل لهم الملائكة وغيرهم بصحة هذا لم يؤمنوا كما قال تعالى: {أو تأتي بالله والملائكة قبيلا} ويجوز أن يكون معنى قبلا كمعنى مقابلة كما قال تعالى: {إن كان قميصه قد من قبل}، ومن قرأ (قبلا) فمعناه عنده معاينة). [معاني القرآن: 2/ 475-476]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({قُبُلاً} جماعة قبيل، أي أصناف.
ومن قرأ (قِبلاً) بكسر القاف، فمعناه: مُعاينة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 79]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({قُبُلاً}: جمع قبل). [العمدة في غريب القرآن: 130]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 1 جمادى الأولى 1434هـ/12-03-2013م, 10:53 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109)}
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وسألته عن قوله عز وجل: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} ما منعها أن تكون كقولك وما يدريك أنه لا يفعل فقال لا يحسن ذا في ذا الموضع إنما قال وما يشعركم ثم ابتدأ فأوجب فقال إنها إذا جاءت لا يؤمنون ولو قال وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون كان ذلك عذراً لهم.
وأهل المدينة يقولون أنها فقال الخليل هي بمنزلة قول العرب ائت السوق أنك تشتري لنا شيئاً أي لعلك فكأنه قال لعلها إذا جاءت لا يؤمنون.
وتقول: إن لك هذا علي وأنك لا تؤذي كأنك قلت وإن لك أنك لا تؤذي وإن شئت ابتدأت ولم تحمل الكلام على إن لك وقد قرئ هذا الحرف على وجهين قال بعضهم: {وإنك لا تظمأ فيها} وقال بعضهم: (وأنك)
واعلم أنه ليس يحسن لأن أن تلي إن ولا أن كما قبح ابتداؤك الثقيلة المفتوحة وحسن ابتداؤك الخفيفة لأن الخفيفة لا تزول عن الأسماء والثقيلة تزول فتبدأه ومعناها مكسورة ومفتوحة سواء واعلم أنه ليس يحسن أن تلي إن أن ولا أن إن ألا ترى أنك لا تقول إن أنك ذاهبٌ في الكتاب ولا تقول قد عرفت أن إنك منطلقٌ في الكتاب وإنما قبح هذا ههنا كما قبح في الابتداء ألا ترى أنه يقبح أن تقول أنك منطلقٌ بلغني أو عرفت لأن الكلام بعد أن وإن غير مستغنٍ كما أن المبتدأ غير مستغن وإنما كرهوا ابتداء أن لئلا يشبهوها بالأسماء التي تعمل فيها إن ولئلا يشبهوها بأن الخفيفة لأن أن والفعل بمنزلة مصدر فعله الذي ينصبه والمصادر تعمل فيها إن وأن). [الكتاب: 3/ 123-124]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( ولا حرف من الأضداد؛ تكون بمعنى الجحد، -وهو الأشهر فيها- وتكون بمعنى الإثبات، وهو المستغرب عند عوام الناس منها، فكونها بمعنى الجحد لا يحتاج فيه إلى شاهد، وكونها بمعنى الإثبات شاهده، قول الله عز وجل: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} معناه أنهم يرجعون. وكذلك قوله عز وجل: {ما منعك ألا تسجد}، معناه (أن تسجد)، فدخلت (ما) للتوكيد، ومثله قوله جل وعلا: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون}، معناه أنها إذا جاءت يؤمنون. وقال الشاعر:
أبى جوده لا البخل واستعجلت به ....... نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله).[كتاب الأضداد: 211] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والمثقب: الذي يوقد النار ويحييها ويضيئها، يقال:
أثقبت ناري أثقبها، وثقبت النار تثقب فهي ثاقبة ثقوبا، وقال الله عز وجل: {إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب}، وقال أبو الأسود:
أذاع به في الناس حتى كأنه ....... بعلياء نار أوقدت بثقوب
أي يضياء، وقال الآخر:
قد يكسب المال الهدان الجافي ....... بغير لا عطف ولا اصطراف
أراد: بغير عصف.
وقال الآخر:
وقد حداهن بلا غبر خرق
وقال الآخر:
فما ألوم البيض ألا تسخرا ....... لما رأين الشمط القفندرا
أراد: (أن تسخرا)، والقفندر: القبيح، قال الآخر:
ألا يا لقومي قد أشطت عواذلي ....... ويزعمن أن أودى بحقي باطلي

ويلحينني في اللهو ألا أحبه ....... وللهو داع دائب غير غافل
أراد: أن أحبه.
وقال جماعة من أهل العربية في بيت العجاج:
في بئر لا حور سرى وما شعر
أراد: في بئر حور، أي في بئر هلاك.
وقال الفراء: (لا) جحد محض في هذا البيت، والتأويل عنده: في بئر ماء لا يحير عليه شيئا أي لا يرد عليه شيئا. وقال العرب: تقول: طحنت الطاحنة؛ فما أحارت شيئا، أي لم يتبين لها أثر عمل.
وقال الفراء أيضا: إنما تكون (لا) زائدة إذا تقدم الجحد، كقول الشاعر:
ما كان يرضي رسول الله الله دينهم ....... والطيبان أبو بكر ولا عمر
أراد: أبو بكر وعمر.
أو إذا أتى بعدها جحد، فقدمت للإيذان به؛ كقوله عز وجل: {لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله}، معناه: لأن يعلم.
وقال الكسائي وغيره في تفسير قول الله جل وعز: {لا أقسم بيوم القيامة}، معناه: أقسم، ولا زائدة.
وقال الفراء: (لا) لا تكون أول الكلام زائدة، ولكنها رد على الكفرة، إذ جعلوا لله عز وجل ولدا وشريكا وصاحبة،
فرد الله عليهم قولهم، فقال: (لا)، وابتدأ بـ {أقسم بيوم القيامة}.
وقال الفراء أيضا في قوله: {ما منعك ألا تسجد}: المنع يرجع إلى معنى القول، والتأويل: من قال لك لا تسجد. فـ (لا) جحد محض، وأن دخلت إيذانا بالقول؛ إذ لم يتصرح لفظه؛ كما قال أبو ذؤيب في مرثية بنيه:
فأجبتها أن ما لجسمي أنه ....... أودى بني من البلاد فودعوا
أراد: فقلت لها، فزاد (أن) إذ لم يتصرح القول. وكذلك تأول الآيتين الأخريين: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون}، {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} على مثل هذا المعنى). [كتاب الأضداد: 213-216] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111)}


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 03:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 03:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 03:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 03:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمننّ بها قل إنّما الآيات عند اللّه وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون (109) ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ ونذرهم في طغيانهم يعمهون (110)}
الضمير في قوله وأقسموا عائد على المشركين المتقدم ذكرهم، وجهد نصب على المصدر والعامل فيه أقسموا على مذهب سيبويه لأنه في معناه، وعلى مذهب أبي العباس المبرد فعل من لفظة، واللام في قوله لئن لام موطئة للقسم مؤذنة به، وأما اللام المتلقية للقسم فهي قوله ليؤمننّ وآيةٌ يريد علامة، وحكي أن الكفار لما نزلت: {إن نشأ ننزّل عليهم من السّماء آيةً فظلّت أعناقهم لها خاضعين} [الشعراء: 4] أقسموا حينئذ أنها إن نزلت آمنوا فنزلت هذه الآية.
وحكي أنهم اقترحوا أن يعود الصفا ذهبا وأقسموا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في ذلك فجاءه جبريل فقال له إن شئت أصبح ذهبا فإن لم يؤمنوا هلكوا عن آخرهم معاجلة كما فعل بالأمم إذا لم تؤمن بالآيات المقترحة، وإن شئت أخروا حتى يتوب تائبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل حتى يتوب تائبهم» ونزلت هذه الآية، وقرأ ابن مصرف «ليؤمنن» بفتح الميم والنون وبالنون الخفيفة، ثم قال تعالى قل لهم يا محمد على جهة الرد والتخطية إنما الآيات بيد الله وعنده، ليست عندي فتقترح عليّ، ثم قال وما يشعركم فاختلف المتأولون فمن المخاطب بقوله وما يشعركم ومن المستفهم ب «ما» التي يعود عليها الضمير الفاعل في «يشعركم»، فقال مجاهد وابن زيد: المخاطب بذلك الكفار، وقال الفراء وغيره، المخاطب بها المؤمنون، وما يشعركم معناه وما يعلمكم وما يدريكم، وقرأ قوم «يشعركم» بسكون الراء، وهي على التخفيف، ويحسنها أن الخروج من كسرة إلى ضمة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية دواد الايادي «إنها» بكسر الألف على القطع واستئناف الإخبار، فمن قرأ «تؤمنون» بالتاء وهي قراءة ابن عامر وحمزة استقامت له المخاطبة أولا وآخرا للكفار، ومن قرأ «يؤمنون» بالياء وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو والكسائي فيحتمل أن يخاطب أولا وآخرا المؤمنين، ويحتمل أن يخاطب بقوله وما يشعركم الكفار ثم يستأنف الإخبار عنهم للمؤمنين، ومفعول يشعركم الثاني محذوف ويختلف تقديره بحسب كل تأويل، وقرأ نافع وعاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي وابن عامر «أنها» بفتح الألف، فمنهم من جعلها «أن» التي تدخل على الجمل وتأتي بعد الأفعال كعلمت وظننت وأعمل فيها يشعركم، والتزم بعضهم «أن لا» زائدة في قوله: لا يؤمنون وأنّ معنى الكلام وما يشعركم، أنها إذا جاءت يؤمنون أو تؤمنون فزيدت لا كما زيدت في قوله: {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون} [الأنبياء: 95] لأن المعنى وحرام على قرية مهلكة رجوعهم، وكما جاءت في قول الشاعر: [الطويل]
أبى جوده لا البخل واستعجلت به ....... نعم من فتى لا يمنع الجود قاتله
قال الزجاج أراد «أبى جوده البخل»، كما جاءت زائدة في قول الشاعر:
أفمنك لا برق كان وميضه ....... غاب تسنمه ضرام مثقب
ودعا إلى التزام هذا حفظ المعنى لأنها لو لم تكن زائدة لعاد الكلام عذرا للكفار وفسد المراد بالآية، وضعّف الزجّاج وغيره زيادة لا وقال هذا غلط، ومنهم من جعل «أنها» بمعنى لعلها وحكاها سيبويه عن الخليل وهو تأويل لا يحتاج معه إلى تقدير زيادة لا، وحكى الكسائي أنه كذلك في مصحف أبي بن كعب: وما أدراكم لعلها إذا جاءت لا يؤمنون، ومن هذا المعنى قول الشاعر [أبو النجم]: [الرجز]
قلت لشيبان ادن من لقائه ....... أنّى تغذّى القوم من شوائه
فهذه كلها بمعنى لعل وضعّف أبو علي هذا بأن التوقع الذي فيه لا يناسب الآية بعد التي حكمت بأنهم لا يؤمنون، وترجح عنده في الآية أن تكون «أن» على بابها وأن يكون المعنى قل إنما الآيات عند الله لأنها إذا جاءت «لا يؤمنون»، فهو لا يأتي بها لإصرارهم على كفرهم، وتكون الآية نظير قوله تعالى: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلّا أن كذّب بها الأوّلون} [الإسراء: 59] أي بالآيات المقترحة.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: ويترتب على هذا التأويل أن تكون «ما» نافية، ذكر ذلك أبو علي فتأمل وترجح عنده أيضا أن تكون لا زائدة، وبسط شواهده في ذلك، وحكى بعض المفسرين أن في آخر الآية حذفا يستغنى به عن زيادة لا، وعن تأويلها بمعنى لعل وتقديره عندهم أنها إذا جاءت «لا يؤمنون» أو يؤمنون.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا قول ضعيف لا يعضده لفظ الآية ولا يقتضيه وتحتمل الآية أن يكون المعنى يتضمن الإخبار أنهم لا يؤمنون، وقيل لهم وما يشعركم بهذه الحقيقة أي لا سبيل إلى شعوركم بها وهي حق في نفسها وهم لا يؤمنون أن لو جاءت، وما استفهام على هذا التأويل، وفي مصحف ابن مسعود «وما يشعركم إذا جاءتهم يؤمنون» بسقوط أنها). [المحرر الوجيز: 3/ 438-441]

تفسير قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا} المعنى على ما قالت فرقة ونقلب أفئدتهم وأبصارهم في النار وفي لهيبها في الآخرة لما لم يؤمنوا في الدنيا ثم استأنف على هذا ونذرهم في الدنيا في طغيانهم يعمهون.
وقالت فرقة إنما المراد بالتقليب التحويل عن الحق والهدى، والترك في الضلالة والكفر، ومعنى الآية أن هؤلاء الذين أقسموا أنهم يؤمنون إن جاءت آية نحن نقلب أفئدتهم وأبصارهم أن لو جاءت فلا يؤمنون بها كما لو يؤمنوا أول مرة بما دعوا إليه من عبادة الله، فأخبر الله تعالى على هذا التأويل بصورة فعله بهم، وقرأ أبو رجاء «يذرهم» بالياء ورويت عن عاصم، وقرأ إبراهيم النخعي «ويقلب ويذرهم» بالياء فيهما كناية عن الله تبارك وتعالى وقرأ أيضا فيما روى عنه مغيرة «وتقلب» بفتح التاء واللام بمعنى وتنقلب أفئدتهم وأبصارهم بالرفع فيهما، «ويذرهم» بالياء وجزم الراء، وقالت فرقة قوله كما في هذه الآية إنما هي بمعنى المجازاة أي لما لم يؤمنوا أول مرة نجازيهم بأن نقلب أفئدتهم عن الهدى ونطبع على قلوبهم، فكأنه قال ونحن نقلب أفئدتهم وأبصارهم جزاء لما لم يؤمنوا أول مرة بما دعوا إليه من الشرع، والضمير في «به» يحتمل أن يعود على الله عز وجل أو على القرآن أو على النبي عليه السلام، ونذرهم معناه نتركهم، وقرأ الأعمش والهمداني «ويذرهم» بالياء وجزم الراء على وجه التخفيف، والطغيان: التخبط في الشر والإفراط فيما يتناوله المرء، والعمى التردد والحيرة). [المحرر الوجيز: 3/ 441-442]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولو أنّنا نزّلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلاّ أن يشاء اللّه ولكنّ أكثرهم يجهلون (111) وكذلك جعلنا لكلّ نبيٍّ عدوًّا شياطين الإنس والجنّ يوحي بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غروراً ولو شاء ربّك ما فعلوه فذرهم وما يفترون (112)}
أخبر الله عز وجل في هذه الآية أنه لو أتى بجميع ما اقترحوه من إنزال الملائكة وإحياء سلفهم حسبما كان من اقتراح بعضهم أن يحشر قصي وغيره، فيخبر بصدق محمد أو يجمع عليهم كل شيء يعقل أن يحشر عليهم، ما آمنوا إلا بالمشيئة واللطف الذي يخلقه ويخترعه في نفس من شاء لا رب غيره، وهذا يتضمن الرد على المعتزلة في قولهم بالآيات التي تضطر الكفار إلى الإيمان، وقال ابن جريج: نزلت هذه الآية في المستهزئين.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: لا يثبت إلا بسند، وقرأ نافع وابن عامر وغيرهما «قبلا» بكسر القاف وفتح الباء، ومعناه مواجهة ومعاينة قاله ابن عباس، وغيره ونصبه على الحال، وقال المبرد: المعنى ناحية كما تقول له قبل فلان دين.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: فنصبه على هذا هو على الظرف، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وغيرهم «قبلا» بضم القاف والباء، وكذلك قرأ ابن كثير وأبو عمرو هنا وقرأ: {العذاب قبلًا} [الكهف: 55] مكسورة القاف واختلف في معناه فقال عبد الله بن زيد ومجاهد وابن زيد: «قبل» جمع قبيل أي صنفا صنفا ونوعا نوعا كما يجمع قضيب على قضب وغيره، وقال الفراء والزجّاج هو جمع قبيل وهو الكفيل «وحشرنا عليهم كل شيء كفلاء» بصدق محمد وذكره الفارسي وضعفه، وقال بعضهم قبل الضم بمعنى قبل بكسر القاف أي مواجهة كما تقول قبل ودبر، ومنه قوله تعالى: {قدّ من قبلٍ} [يوسف: 26] ومنه قراءة ابن عمر: {لقبل عدتهن} [الطلاق: 1] أي لاستقبالها ومواجهتها في الزمن وقرأ الحسن وأبو رجاء وأبو حيوة «قبلا» بضم القاف وسكون الباء، وذلك على جهة التخفيف.
وقرأ طلحة بن مصرف «قبلا» بفتح القاف وإسكان الباء، وقرأ أبيّ والأعمش «قبيلا» بفتح القاف وكسر الباء وزيادة ياء، والنصب في هذا كله على الحال، وقوله عز وجل: ولكنّ أكثرهم يجهلون الضمير عائد إلى الكفار المتقدم ذكرهم، والمعنى يجهلون أن الآية تقتضي إيمانهم ولا بد، فيقتضي اللفظ أن الأقل لا يجهل فكان فيهم من يعتقد أن الآية لو جاءت «لم يؤمن إلا أن يشاء الله» له ذلك). [المحرر الوجيز: 3/ 442-443]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 03:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 03:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمننّ بها قل إنّما الآيات عند اللّه وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون (109) ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ ونذرهم في طغيانهم يعمهون (110)}
يقول تعالى إخبارًا عن المشركين: إنّهم أقسموا باللّه جهد أيمانهم، أي: حلفوا أيمانًا مؤكّدةً {لئن جاءتهم آيةٌ} أي: معجزةٌ وخارقٌ، {ليؤمننّ بها} أي: ليصدّقنّها، {قل إنّما الآيات عند اللّه} أي: قل يا محمّد لهؤلاء الّذين يسألونك الآيات تعنّتًا وكفرًا وعنادًا، لا على سبيل الهدى والاسترشاد: إنّما مرجع هذه الآيات إلى اللّه، إن شاء أجابكم، وإن شاء ترككم، كما قال، قال ابن جريرٍ:
حدّثنا هنّاد حدّثنا يونس بن بكير، حدّثنا أبو معشر، عن محمّد بن كعبٍ القرظي قال: كلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قريشًا، فقالوا: يا محمّد، تخبرنا أنّ موسى كان معه عصًا يضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، وتخبرنا أنّ عيسى كان يحيي الموتى، وتخبرنا أنّ ثمود كانت لهم ناقةٌ، فأتنا من الآيات حتّى نصدّقك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أي شيءٍ تحبّون أن آتيكم به؟ ». قالوا: تجعل لنا الصّفا ذهبًا. فقال لهم: «فإن فعلت تصدّقوني؟». قالوا: نعم، واللّه لئن فعلت لنتّبعك أجمعين. فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو، فجاءه جبريل، عليه السّلام، فقال له: «لك ما شئت، إن شئت أصبح الصّفا ذهبًا، ولئن أرسل آيةً فلم يصدّقوا عند ذلك ليعذّبنّهم، وإن شئت فاتركهم حتّى يتوب تائبهم. فقال رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم]:« بل يتوب تائبهم». فأنزل اللّه: {وأقسموا باللّه} إلى قوله [تعالى]: {يجهلون}
وهذا مرسلٌ وله شواهد من وجوهٍ أخر. وقال اللّه تعالى: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأوّلون [وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا]} [الإسراء: 59].
وقوله تعالى: {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} قيل: المخاطب ب {وما يشعركم} المشركون، وإليه ذهب مجاهدٌ كأنّه يقول لهم: وما يدريكم بصدقكم في هذه الأيمان الّتي تقسمون بها. وعلى هذا فالقراءة: "إنّها إذا جاءت لا يؤمنون" بكسر "إنّها" على استئناف الخبر عنهم بنفي الإيمان عند مجيء الآيات الّتي طلبوها، وقراءة بعضهم: "أنّها إذا جاءت لا تؤمنون" بالتّاء المثنّاة من فوق.
وقيل: المخاطب بقوله: {وما يشعركم} المؤمنون، أي: وما يدريكم أيّها المؤمنون، وعلى هذا فيجوز في {أنّها} الكسر كالأوّل والفتح على أنّه معمول يشعركم. وعلى هذا فتكون "لا" في قوله: {أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} صلةً كما في قوله: {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} [الأعراف: 12]، وقوله: {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون} [الأنبياء: 95]. أي: ما منعك أن تسجد إذ أمرتك وحرامٌ أنّهم يرجعون. وتقديره في هذه الآية: وما يدريكم -أيّها المؤمنون الّذين تودّون لهم ذلك حرصًا على إيمانهم -أنّها إذا جاءتهم الآيات يؤمنون
وقال بعضهم: "أنّها" بمعنى لعلّها.
قال ابن جريرٍ: وذكروا أنّ ذلك كذلك في قراءة أبيّ بن كعبٍ. قال: وقد ذكر عن العرب سماعًا: "اذهب إلى السّوق أنّك تشتري لي شيئًا" بمعنى: لعلّك تشتري.
قال: وقد قيل: إنّ قول عديّ بن زيدٍ العبّاديّ من هذا:
أعاذل ما يدريك أنّ منيّتي ....... إلى ساعةٍ في اليوم أو في ضحى الغد
وقد اختار هذا القول ابن جريرٍ وذكر عليه شواهد من أشعار العرب واللّه [تعالى] أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 316-317]

تفسير قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ} قال العوفي عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: لمّا جحد المشركون ما أنزل اللّه لم تثبت قلوبهم على شيءٍ وردّت عن كلّ أمرٍ.
وقال مجاهدٌ: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم [كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ]} ونحول بينهم وبين الإيمان ولو جاءتهم كلّ آيةٍ، فلا يؤمنون، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أوّل مرّةٍ.
وكذا قال عكرمة وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم.
وقال ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: أخبر اللّه ما العباد قائلون قبل أن يقولوه وعملهم قبل أن يعملوه. قال: {ولا ينبّئك مثل خبيرٍ} [فاطر: 14]، [وقال]
{أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه [وإن كنت لمن السّاخرين. أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين. أو تقول حين ترى العذاب] لو أنّ لي كرّةً فأكون من المحسنين} [الزّمر: 56 -58] فأخبر سبحانه أنّهم لو ردّوا لم يقدروا على الهدى، وقال: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون} [الأنعام: 28]، وقال: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ} قال: لو ردّوا إلى الدّنيا لحيل بينهم وبين الهدى، كما حلنا بينهم وبينه أوّل مرّةٍ وهم في الدّنيا. وقوله: {ونذرهم} أي: نتركهم {في طغيانهم} قال ابن عبّاسٍ والسّدّي: في كفرهم. وقال أبو العالية والرّبيع بن أنسٍ وقتادة: في ضلالهم.
{يعمهون} قال الأعمش: يلعبون. وقال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وأبو العالية، والرّبيع، وأبو مالكٍ، وغيره: في كفرهم يترددون). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 317]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولو أنّنا نزلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللّه ولكنّ أكثرهم يجهلون (111)}
يقول تعالى: ولو أنّنا أجبنا سؤال هؤلاء الّذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم {لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمننّ بها} فنزّلنا عليهم الملائكة، أي: تخبرهم بالرّسالة من اللّه بتصديق الرّسل، كما سألوا فقالوا: {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا}[الإسراء: 92]{قالوا لن نؤمن حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللّه} [الأنعام: 124]، {وقال الّذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربّنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوًّا كبيرًا} [الفرقان: 21].
{وكلّمهم الموتى} أي: فأخبروهم بصدق ما جاءتهم به الرّسل، {وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلا} -قرأ بعضهم: "قبلا" بكسر القاف وفتح الباء، من المقابلة، والمعاينة. وقرأ آخرون [وقبلا] بضمّهما قيل: معناه من المقابلة والمعاينة أيضًا، كما رواه عليّ بن أبي طلحة، والعوفيّ، عن ابن عباس. وبه قال قتادة، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم.
وقال مجاهدٌ: {قبلا} أفواجًا، قبيلًا قبيلًا أي: تعرض عليهم كلّ أمّةٍ بعد أمة فتخبرهم بصدق الرسل فيما جاؤوهم به {ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللّه} أي: إنّ الهداية إليه، لا إليهم. بل يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء، وهو الفعّال لما يريد، ولا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون، لعلمه وحكمته، وسلطانه وقهره وغلبته. وهذه الآية كقوله تعالى: {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم} [يونس: 96، 97] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 318]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:45 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة