تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)}
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( قوله تعالى: {وما تسقط من ورقةٍ إلّا يعلمها}
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، عن سعيد بن مسروقٍ، عن حسّان النّميري، عن ابن عبّاسٍ - في قوله عزّ وجلّ: {وما تسقط من ورقةٍ إلّا يعلمها} -، قال: ما من شجرةٍ في برٍّ ولا بحرٍ إلّا وبها ملكٌ يكتب ما يسقط من ورقها).[سنن سعيد بن منصور: 5/ 22]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(باب {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلّا هو}
- حدّثنا عبد العزيز بن عبد اللّه، حدّثنا إبراهيم بن سعدٍ، عن ابن شهابٍ، عن سالم بن عبد اللّه، عن أبيه، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «مفاتح الغيب خمسٌ: {إنّ اللّه عنده علم السّاعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غدًا وما تدري نفسٌ بأيّ أرضٍ تموت إنّ اللّه عليمٌ خبيرٌ}»). [صحيح البخاري: 6/ 56]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( قوله باب: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلّا هو}
المفاتح جمع مفتحٍ بكسر الميم الآلة الّتي يفتح بها مثل منجلٍ ومناجلٍ وهي لغةٌ قليلةٌ في الآلة والمشهور مفتاحٌ بإثبات الألف وجمعه مفاتيح بإثبات الياء وقد قرئ بها في الشواذ قرأ بن السّميفع وعنده مفاتيح الغيب وقيل بل هو جمع مفتحٍ بفتح الميم وهو المكان ويؤيّده تفسير السّدّيّ فيما رواه الطّبريّ قال: مفاتح الغيب خزائن الغيب وجوّز الواحديّ أنّه جمع مفتحٍ بفتح الميم على أنّه مصدرٌ بمعنى الفتح أي وعنده فتوح الغيب أي يفتح الغيب على من يشاء من عباده ولا يخفى بعد هذا التّأويل للحديث المذكور في الباب وأنّ مفاتح الغيب لا يعلمها أحدٌ إلّا اللّه -سبحانه وتعالى- وروى الطّبريّ من طريق بن مسعودٍ قال: أعطي نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم علم كلّ شيءٍ إلّا مفاتح الغيب ويطلق المفتاح على ما كان محسوسًا ممّا يحلّ غلقًا كالقفل وعلى ما كان معنويًّا كما جاء في الحديث إنّ من النّاس مفاتيح للخير الحديث صححه بن حبّان من حديث أنسٍ ثمّ ذكر المصنّف في الباب حديث بن عمر مفاتح الغيب خمسٌ أورده مختصرًا وساقه في تفسير سورة لقمان مطوّلًا وسيأتي شرحه هناك مستوفًى إن شاء اللّه -تعالى).[فتح الباري: 8/ 291]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (1 - (بابٌ: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو}
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو} أي: وفي علم الله مفاتح ما لا يعلم من الأمور، والمفاتح جمع مفتح، بكسر الميم لأن اسم للآلة الّتي يفتح بها، واسم الآلة مفعل ومفعال ومفعلة كلها بكسر الميم، وقرىء (مفاتيح الغيب) جمع مفتاح، وقيل: المفاتح هنا جمع مفتح بفتح الميم أي: مكان الفتح، وقيل: هو مصدر ميمي على معنى: وعنده فتح الغيب وقال الزّمخشريّ: جعل للغيب مفاتح على طريق الاستعارة لأن المفاتح يتوصّل بها إلى ما في المخازن المتوثق منها بالإغلاق والأقفال ومن علم مفاتحها وكيف تفتح توصل إليها فأراد أنه هو المتوصل إلى علم المغيبات وحده لا يتوصّل إليها غيره، كمن عنده مفاتح أقفال المخازن يعلم فتحها فهو المتوصل إلى ما في المخازن، وذكر ابن أبي حاتم عن السّديّ (وعنده مفاتح الغيب) قال: خزائن الغيب. وقال مقاتل: عنده خزائن غيب العذاب متى ينزله بكم، وقال الجوزيّ: مفاتح الغيب هو ما غاب عن بني آدم من الرزق والمطر والثّواب، وقيل: مفاتح الغيب السّعادة والشقاوة، وقيل: الغيب عواقب الأعمار وخواتيم الأعمال. وقال الثّعلبيّ: مفاتح الغيب خزائن الأرض، وقيل: هو ما لم يكن بعد أنه يكون لم لا يكون وما يكون وكيف يكون.
- حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعدٍ عن ابن شهابٍ عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «قال مفاتح الغيب خمسٌ: {إنّ الله عنده علم السّاعة وينزّل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غدا وما تدري نفسٌ أيّ أرضٍ تموت إنّ الله عليمٌ خبيرٌ}».
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وعبد العزيز هو ابن عبد الله بن يحيى أبو القاسم القرشي العامري الأوسي والمديني من أفراد البخاريّ يروي عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوف، عن محمّد بن مسلم بن شهاب الزّهريّ، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب.
والحديث أخرجه النّسائيّ في النعوت عن عبيد الله بن فضالة ومر في الاستسقاء من حديث عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهم. ومر الكلام فيه هناك).[عمدة القاري: 18/ 223-224]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (1 - باب {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو}
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}) المفاتح: جمع مفتح بفتح الميم وهو الخزانة أو جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح بإثبات الألف وجمعه مفاتيح بياء بعد الألف وقرأ بها ابن السميقع وهو الآلة التي يفتح بها، فعلى الأول يكون المعنى وعنده خزائن الغيب وهذا منقول عن السدي فيما رواه الطبري، وعلى الثاني يكون قد جعل للغيب مفاتيح على طريق الاستعارة لأن المفاتيح هي التي يتوصل بها إلى ما في الخزائن المستوثق منها بالإغلاق فمن علم كيف يفتح بها ويتوصل إلى ما فيها فهو عالم وكذلك هاهنا إن الله تعالى لما كان عالمًا بجميع المعلومات ما غاب منها وما لم يغب عبّر عنه بهذه العبارة إشارة إلى أنه هو المتوصل إلى المغيبات وحده لا يتوصل إليها غيره وهذا هو الفائدة في التعبير بعند، وفيه ردّ على المنجم المخذول الذي يدعي علم الغيب والفلسفي المطرود الذي يزعم أن الله تعالى لا يعلم الجزئيات، وجوّز الواحدي أنه جمع مفتح بفتح الميم على أنه مصدر بمعنى الفتح أي وعنده فتوح الغيب أي يفتح الغيب على من يشاء من عباده ويطلق المفتاح على المحسوس والمعنوي، وفي حديث أنس مما صححه ابن حبان "أن من الناس مفاتح للخير".
- حدّثنا عبد العزيز بن عبد اللّه، حدّثنا إبراهيم بن سعدٍ، عن ابن شهابٍ، عن سالم بن عبد اللّه عن أبيه أنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «مفاتح الغيب خمسٌ: {إنّ اللّه عنده علم السّاعة وينزّل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غدًا وما تدري نفسٌ بأيّ أرضٍ تموت إنّ اللّه عليمٌ خبيرٌ}».
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى القرشي العامري الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري ،عن سالم بن عبد الله، عن أبيه عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال):
«مفاتح الغيب -بوزن مساجد أي خزائن الغيب- خمس لا يعلمها إلا الله فمن ادّعى علم شيء منها فقد كفر بالقرآن العظيم» وذكر خمسًا، وإن كان الغيب لا يتناهى لأن العدد لا ينفي زائدًا عليه أو لأن هذه الخمس هي التي كانوا يدّعون علمها {إن الله عنده علم الساعة} أي علم قيامها فلا يعلم ذلك نبي مرسل ولا ملك مقرب لا يجلبها لوقتها إلا هو ومن ثمّ أنكر الداودي على الطبري دعواه أنه بقي من الدنيا من هجرة المصطفى نصف يوم وهو خمسمائة عام قال: وتقوم الساعة لأن دعواه مخالفة لصريح القرآن والسنّة ويكفي في الردّ عليه أن الأمر وقع بخلاف ما قال فقد مضت خمسمائة سنة ثم ثلاثمائة وزيادة لكن الطبري تمسك بحديث أبي ثعلبة رفعه: "لن تعجز هذه الأمة أن يؤخرها الله نصف يوم". الحديث ... أخرجه أبو داود وغيره لكنه ليس صريحًا في أنها لا تؤخر أكثر من ذلك {وينزل الغيث} فلا يعلم وقت إنزاله من غير تقديم ولا تأخير وفي بلد لا يجاوز به إلا هو لكن إذا أمر به علمته ملائكته الموكلون به ومن شاء الله من خلقه {ويعلم ما في الأرحام} مما يريد أن يخلقه أذكر أم أنثى أتام أم ناقص لا أحد سواه لكن إذا أمر بكونه ذكرًا أو أنثى أو شقيًّا أو سعيدًا علمه الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه {وما تدري نفس ماذا تكسب غدًا} في دنياها أو أخراها من خير أو شر {وما تدري نفس بأي أرض تموت} أفي بلدها أم في غيرها فليس أحد من الناس يدري أين مضجعه من الأرض أفي بحر أو بر سهل أو جبل {إن الله عليم خبير} [لقمان: 34]. والاستدراك من نفي علم غير البارئ تعالى بوقت إنزال المطر قوّلنا لكن إذا أمر به علمته ملائكته الموكلون به إلخ ... مستفاد من قوله: علم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا إلا من ارتضى من رسول الآية. ومقتضاه إطلاع الرسول على بعض المغيب والولي تابع للرسول يأخذ عنه، وسقط قوله: {ويعلم ما في الأرحام} الخ لأبي ذر وقال إلى آخر السورة.
وهذا الحديث قد سبق في الاستسقاء ويأتي إن شاء الله تعالى في سورة الرعد ولقمان والله المستعان). [إرشاد الساري: 7/ 117-118]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاّ هو ويعلم ما في البرّ والبحر}.
يقول: {وعنده مفاتح الغيب} والمفاتح: جمع مفتحٍ، يقال فيه: مفتحٌ ومفتاحٌ، فمن قال مفتحٌ جمعه مفاتح، ومن قال مفتاحٌ جمعه مفاتيح.
ويعني بقوله: {وعنده مفاتح الغيب}: خزائن الغيب.
- كالّذي حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وعنده مفاتح الغيب} قال: يقول: خزائن الغيب.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن مسعرٍ، عن عمرو بن مرّة، عن عبد اللّه بن سلمة، عن ابن مسعودٍ، قال: أعطي نبيّكم كلّ شيءٍ إلاّ مفاتح الغيب.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ: {وعنده مفاتح الغيب} قال: هنّ خمسٌ: {إنّ اللّه عنده علم السّاعة وينزّل الغيث} إلى: {إنّ اللّه عليمٌ خبيرٌ}.
فتأويل الكلام إذن: واللّه أعلم بالظّالمين من خلقه وما هم مستحقّوه وما هو بهم صانعٌ، فإنّ عنده علم ما غاب علمه عن خلقه، فلم يطّلعوا عليه ولم يدركوه ولم يعلموه ولن يدركوه. {ويعلم ما في البرّ والبحر} يقول: وعنده علم ما لم يغب أيضًا عنكم، لأنّ ما في البرّ والبحر ممّا هو ظاهرٌ للعين يعلمه العباد.
فكان معنى الكلام: وعند اللّه علم ما غاب عنكم أيّها النّاس ممّا لا تعلمونه ولن تعلموه ممّا استأثر بعلمه نفسه، ويعلم أيضًا مع ذلك جميع ما يعلمه جميعكم، لا يخفى عليه شيءٌ، لأنّه لا شيء إلاّ ما يخفى عن النّاس أو ما لا يخفى عليهم. فأخبر اللّه تعالى أنّ عنده علم كلّ شيءٍ كان ويكون وما هو كائنٌ ممّا لم يكن بعد، وذلك هو الغيب). [جامع البيان: 9/ 282-283]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما تسقط من ورقةٍ إلاّ يعلمها ولا حبّةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلاّ في كتابٍ مبينٍ}.
يقول تعالى ذكره: ولا تسقط ورقةٌ في الصّحاري والبراري ولا في الأمصار والقرى إلاّ اللّه يعلمها. {ولا حبّةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلاّ في كتابٍ مبينٍ} يقول: ولا شيء أيضًا ممّا هو موجودٌ أو ممّا سيوجد ولم يوجد بعد، إلاّ وهو مثبتٌ في اللّوح المحفوظ، مكتوبٌ ذلك فيه ومرسومٌ عدده ومبلغه والوقت الّذي يوجد فيه والحال الّتي يفنى فيها.
ويعني بقوله {مبينٍ} أنّه يبين عن صحّة ما هو فيه بوجود ما رسم فيه على ما رسم.
فإن قال قائلٌ: وما وجه إثباته في اللّوح المحفوظ والكتاب المبين ما لا يخفى عليه، وهو بجميعه عالمٌ لا يخاف نسيانه؟
قيل له: للّه تعالى فعل ما شاء، وجائزٌ أن يكون كان ذلك منه امتحانًا منه لحفظته واختبارًا للمتوكّلين بكتابة أعمالهم، فإنّهم فيما ذكر مأمورون بكتابة أعمال العباد ثمّ بعرضها على ما أثبته اللّه من ذلك في اللّوح المحفوظ، حتّى أثبت فيه ما أثبت كلّ يومٍ، وقيل: إنّ ذلك معنى قوله: {إنّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون}، وجائزٌ أن يكون ذلك لغير ذلك ممّا هو أعلم به، إمّا بحجّةٍ يحتجّ بها على بعض ملائكته، وإمّا على بني آدم وغير ذلك.
- وقد حدّثني زياد بن يحيى الحسّانيّ أبو الخطّاب، قال: حدّثنا مالك بن سعيرٍ، قال: حدّثنا الأعمش، عن يزيد بن أبي زيادٍ، عن عبد اللّه بن الحارث، قال: «ما في الأرض من شجرةٍ ولا كمغرز إبرةٍ، إلاّ عليها ملكٌ موكّلٌ بها يأتي اللّه يعلمه يبسها إذا يبست، ورطوبتها إذا رطبت»). [جامع البيان: 9/ 283-284]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلّا هو ويعلم ما في البرّ والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلّا يعلمها ولا حبّةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلّا في كتابٍ مبينٍ (59)}
قوله عزّ وجلّ: {عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو}.
- ذكر، عن مكّيّ بن إبراهيم، ثنا عبيد اللّه بن أبي حميدٍ، عن أبي المليح الهذليّ، عن أبي عزّة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا أراد اللّه عزّ وجلّ قبض عبدٍ بأرضٍ، جعل له بها حاجةً فلم ينته حتّى يقدمها». ثمّ قرأ آخر سورة لقمان. ثمّ قال: «هذه مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو».
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «مفاتيح الغيب في خمسٍ لا يعلمهنّ إلا اللّه. لا يعلم ما في غدٍ إلا اللّه، ولا يعلم نزول الغيث إلا اللّه، ولا يعلم ما في الأرحام إلا اللّه، ولا يعلم السّاعة إلا اللّه، وما تدري نفسٌ ماذا تكسب غدًا وما تدري نفسٌ بأيّ أرضٍ تموت».
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} يقول: خزائن الغيب.
قوله: {ويعلم ما في البرّ والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلّا يعلمها}.
- حدّثنا أبي، ثنا الحسن بن الرّبيع، ثنا أبو الأحوص، عن سعيد بن مسروقٍ، عن حسّان النّمريّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها} قال: ما من شجرةٍ في برٍّ ولا بحرٍ إلا ملكٌ موكّلٌ بها يكتب ما يسقط منها.
قوله: {ولا حبّةٍ في ظلمات الأرض}.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا خليل بن عمرٍو البغداديّ، ثنا محمّد بن سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن يحيى بن النّضر، عن أبيه قال: سمعت عبد اللّه بن عمرو بن العاص يقول: «إنّ تحت الأرض الثّالثة وفوق الرّابعة من الجنّ ما لو أنّهم ظهروا. يعني: لكم لم تروا معه نورًا. على كلّ زاويةٍ من زواياه خاتمٌ من خواتيم اللّه. على كلّ خاتمٍ ملكٌ من الملائكة، يبعث اللّه إليه في كلّ يومٍ ملكًا من عنده: أن احتفظ بما عندك».
قوله: {ولا رطبٍ ولا يابسٍ}.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن محمّدٍ بن عبد الرّحمن بن المسور الزّهريّ، ثنا مالك بن سعيرٍ، ثنا الأعمش، عن يزيد بن أبي زيادٍ، عن عبد اللّه بن الحارث قال: ما في الأرض من شجرةٍ ولا مغرز إبرةٍ إلا عليها ملكٌ موكّلٌ، يأتي اللّه ربنا بعلمها رطوبتها إذا رطبت، ويبسها إذا يبست.
قوله تعالى: {إلا في كتابٍ مبينٍ}
- ذكر، عن أبي حذيفة، ثنا سفيان، عن عمرو بن قيسٍ، عن رجلٍ، عن سعيد ابن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: خلق اللّه تبارك وتعالى النّون- وهي الدّواة- وخلق الألواح، فكتب فيها أمر الدّنيا حتّى تنقضي ما كان من خلق مخلوق، أو رزق حلالٍ أو حرامٍ، أو عمل برٍّ أو فجورٍ، وقرأ هذه الآية: وما تسقط من ورقةٍ إلّا يعلمها ولا حبّةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبينٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن خالدٍ، ثنا شعيبٌ، ثنا سعيدٌ،، عن قتادة قوله:
في كتابٍ مبينٍ قال: كلّ ذلك في كتابٍ من عند اللّه مبينٍ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1303-1305]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا عبد العزيز بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، في قوله عز وجل: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} قوله: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} إلى آخر السورة
- ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله).[تفسير مجاهد: 215]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال مسدّدٌ: وثنا أبو الأحوص، عن سعيد بن مسرق، عن حسّانٍ الفهريّ، عن ابن عبّاسٍ- رضي اللّه عنهما- "في قوله تعالى: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها} قال: ما من شجرةٍ في برٍّ ولا بحر إلا بها ملكٌ موكّلٌ يكتب ما سقط من ورقها"). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/ 206-207]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (حدثنا أبو الأحوص، ثنا سعيد بن مسروقٍ، عن حسّان الفهريّ، عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما، في قوله: {وما تسقط من ورقةٍ}، قال: ما من شجرةٍ في برٍّ ولا بحرٍ إلّا وبها ملكٌ موكّلٌ يكتب ما يسقط من ورقها). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/ 645]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وعنده مفاتح الغيب}، قال: يقول خزائن الغيب.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله: {وعنده مفاتح الغيب} قال: هن خمس: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} إلى قوله: {عليم خبير}
- وأخرج أحمد والبخاري ومحشيش بن أصرم في الاستقامة، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عمران، رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله لا يعلم ما في الغد إلا الله ولا يعلم متى تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا الله -تبارك وتعالى».
- وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن مسعود قال: أعطى نبيكم كل شيء إلا مفاتيح الغيب الخمس ثم قال {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} [لقمان: 34] إلى آخر الآية.
- وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في قوله: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو} قال: هو قوله عز وجل: {إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث} [لقمان: 34] إلى آخر الآية، قوله تعالى: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها}.
- أخرج مسدد في مسنده وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها}، قال: ما من شجرة في بر ولا بحر إلا وبها ملك موكل، يكتب ما يسقط من ورقها.
- وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال: ما من شجرة على ساق إلا موكل بها ملك يعلم ما يسقط منها حين يحصيه ثم يرفع علمه وهو أعلم منه.
- وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن جحادة في قوله: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها} قال: لله تبارك وتعالى شجرة تحت العرش ليس مخلوق إلا له فيها ورقة فإذا سقطت ورقته خرجت روحه من جسده فذلك قوله: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها}.
- وأخرج الخطيب في تاريخه بسند ضعيف عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« ما من زرع على الأرض ولا ثمار على أشجار إلا عليها مكتوب بسم الله الرحمن الرحيم هذا رزق فلان بن فلان وذلك قوله تعالى: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}، قوله تعالى: {ولا حبة في ظلمات الأرض}».
- أخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: إن تحت الأرض الثالثة وفوق الأرض الرابعة من الجن ما لو أنهم ظهروا لكم لم تروا معه نورا على كل زاوية من زواياه خاتم من خواتم الله على كل خاتم ملك من الملائكة يبعث الله إليه في كل يوم ملكا من عنده أن احتفظ بما عندك، قوله تعالى: {ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}.
- أخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الله بن الحارث قال: ما في الأرض من شجرة صغيرة ولا كبيرة ولا كمغر زابرة رطبة ولا يابسة إلا عليها ملك موكل بها يأتي الله بعلمها رطوبتها إذا رطبت ويبسها إذا يبست كل يوم قال الأعمش: وهذا في الكتاب {ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين}.
- وأخرج أبو الشيخ عن كعب قال: ما من شجرة ولا موضع إبرة إلا وملك وكل بها يرفع علم ذلك إلى الله تعالى فإن ملائكة السماء أكثر من عدد التراب.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس، أنه تلا هذه الآية: {ولا رطب ولا يابس} فقال ابن عباس: الرطب واليابس من كل شيء.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: خلق الله النور وهي الدواة وخلق الألواح فكتب فيها أمر الدنيا حتى تنقضي ما كان من خلق مخلوق أو رزق حلال أو حرام أو عمل بر أو فجور ثم قرأ هذه الآية: {ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} ثم وكل بالكتاب حفظة ووكل بخلقه حفظة فتنسخ حفظة الخلق من الذكر ما كنتم تعملون في كل يوم وليلة فيجري الخلق على ما وكل به مقسوم على من وكل به فلا يغادر أحدا منهم فيجرون على ما في أيديهم مما في الكتاب فلا يغادر منه شيء قبل ما كنا نراه إلا كتب عملنا قال: ألستم بعرب هل تكون نسخة إلا من شيء قد فرغ منه ثم قرأ هذه الآية: {إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون}[الجاثية: 29].
- أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي عمران الجوني في قوله: {قل إني على بينة من ربي}، قال: على ثقة.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: في قراءة عبد الله: (يقضي الحق وهو أسرع الفاصلين).
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الأصمعي قال: قرأ أبو عمرو (يقضي الحق) وقال: لا يكون الفصل إلا بعد القضاء.
- وأخرج ابن أبي حاتم، من طريق حسن بن صالح بن حي، عن مغيرة، عن إبراهيم
النخعي، أنه قرأ: (يقضي الحق وهو خير الفاصلين) قال ابن حي: لا يكون الفصل إلا مع القضاء). [الدر المنثور: 6/ 63-67]