العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنعام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 12:35 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنعام [ من الآية (6) إلى الآية (9) ]

{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6) وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:53 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف




تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ مكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لكم وأرسلنا السّماء عليهم مدرارًا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنًا آخرين}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ألم ير هؤلاء المكذّبون بآياتي الجاحدون نبوّتك، كثرة من أهلكت من قبلهم من القرون، وهم الأمم الّذين وطّأت لهم البلاد والأرض وطاءةً لم أوطّئها لكم، وأعطيتهم فيها ما لم أعطكم.
- كما حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {مكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لكم} يقول: أعطيناهم ما لم نعطكم.
قال أبو جعفرٍ: أمطرت فأخرجت لهم الأشجار ثمارها، وأعطتهم الأرض ريع نباتها، وجابوا صخور جبالها، ودرّت عليهم السّماء بأمطارها، وتفجّرت من تحتهم عيون المياه بينابيعها بإذني، فغمطوا نعمة ربّهم وعصوا رسول خالقهم وخالفوا أمر بارئهم، وبغوا حتّى حقّ عليهم قولي، فأخذتهم بما اجترحوا من ذنوبهم وعاقبتهم بما اكتسبت أيديهم، وأهلكت بعضهم بالرّجفة وبعضهم بالصّيحة وغير ذلك من أنواع العذاب.
ومعنى قوله: {وأرسلنا السّماء عليهم مدرارًا} المطر، ويعني بقوله: {مدرارًا}: غزيرةً دائمةً. {وأنشأنا من بعدهم قرنًا آخرين} يقول: وأحدثنا من بعدهم الّذين أهلكناهم قرنًا آخرين فابتدأنا سواهم.
فإن قال قائلٌ: فما وجه قوله: {مكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لكم}، ومن المخاطب بذلك؟ فقد ابتدأ الخبر في أوّل الآية عن قومٍ غيّبٍ بقوله: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ}.
قيل: إنّ المخاطب بقوله: {ما لم نمكّن لكم} هو المخبر عنهم بقوله: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ} ولكنّ في الخبر معنى القول، ومعناه: قل يا محمّد لهؤلاء القوم الّذين كذّبوا بالحقّ لمّا جاءهم: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ مكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لكم}، والعرب إذا أخبرت خبرًا عن غائبٍ وأدخلت فيه قولاً فعلت ذلك فوجّهت الخبر أحيانًا إلى الخبر عن الغائب، وأحيانًا إلى الخطاب، فتقول: قلت لعبد اللّه: ما أكرمه، وقلت لعبد اللّه: ما أكرمك، وتخبر عنه أحيانًا على وجه الخبر عن الغائب ثمّ تعود إلى الخطاب، وتخبر على وجه الخطاب له ثمّ تعود إلى الخبر عن الغائب. وذلك في كلامها وأشعارها كثيرٌ فاشٍ، وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وقد كان بعض نحويّي البصرة يقول في ذلك: كأنّه أخبر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ خاطبه معهم وقال: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريحٍ طيّبةٍ} فجاء بلفظ الغائب وهو يخاطب، لأنّه المخاطب). [جامع البيان: 9/ 156-158]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ مكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لكم وأرسلنا السّماء عليهم مدرارًا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنًا آخرين (6)}
قوله تعالى: { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ }
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، قوله: من قرنٍ، قال: القرن أمدٌ.
قوله:{ مكّنّاهم في الأرض }
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنا عبد الرّزّاق ، أنا معمرٌ، عن قتادة في قوله مكّنّاهم في الأرض، يقول: أعطيناهم.
قوله: ما لم نمكّن لكم
- وبه عن قتادة في قوله: ما لم نمكّن لكم، قال: ما لم نعطكم.
قوله: { وأرسلنا السّماء عليهم مدرارًا الآية }
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: مدرارًا، يقول: يتبع بعضها بعضا.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا إسحاق بن أحمد الرّازيّ، ومحمّد بن عمّار بن الحارث الرّازيّ قال: أنا إسحاق بن سليمان، ثنا أبو عيشٍ، عن هارون التّيميّ، في قول اللّه: وأرسلنا السّماء عليهم مدرارًا قال: المطر في إبّانه.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن زيادٍ القطوانيّ، ثنا سيّار بن حاتمٍ العنزيّ، ثنا جعفرٌ هو: ابن سليمان، قال: سمعت مالك بن دينارٍ يقول: إذا كان القحط يقول: بذنوبنا، وإذا كان الخصب يتلو هذه الآية: وأرسلنا السّماء عليهم مدرارًا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1263-1264]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله {من قرن} قال: أمة.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم} يقول: أعطيناهم ما لم نعطكم.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق علي عن ابن عباس في قوله {وأرسلنا السماء عليهم مدرارا} يقول: يتبع بعضها بعضا
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن هارون التميمي في قوله {وأرسلنا السماء عليهم مدرارا} قال: المطر في إبانه). [الدر المنثور:
6/ 17-18]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة في قوله تعالى: {قرطاس} يقول: في صحيفة فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 203]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو نزّلنا عليك كتابًا في قرطاسٍ فلمسوه بأيديهم لقال الّذين كفروا إن هذا إلاّ سحرٌ مبينٌ}.
وهذا إخبارٌ من اللّه تعالى ذكره نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم عن هؤلاء القوم الّذين يعدلون بربّهم الأوثان والآلهة والأصنام. يقول تعالى ذكره: وكيف يتفقّهون الآيات، أم كيف يستدلّون على بطلان ما هم عليه مقيمون من الكفر باللّه وجحود نبوّتك بحجج اللّه وآياته وأدلّته، وهم لعنادهم الحقّ وبعدهم من الرّشد، لو أنزلت عليك يا محمّد الوحي الّذي أنزلته عليك مع رسولي في قرطاسٍ يعاينونه ويمسّونه بأيديهم وينظرون إليه ويقرءونه منه معلّقًا بين السّماء والأرض بحقيقة ما تدعوهم إليه وصحّة ما تأتيهم به من توحيدي وتنزيلي، لقال الّذين يعدلون بي غيري فيشركون في توحيدي سواي: {إن هذا إلاّ سحرٌ مبينٌ} أي: ما هذا الّذي جئتنا به إلاّ سحرٌ سحرت به أعيننا، ليست له حقيقةٌ ولا صحّةٌ، {مبينٌ} يقول: مبينٌ لمن تدبّره وتأمّله أنّه سحرٌ لا حقيقة له.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال: جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {كتابًا في قرطاسٍ فلمسوه بأيديهم} قال: فمسّوه ونظروا إليه لم يصدّقوا به.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولو نزّلنا عليك كتابًا في قرطاسٍ فلمسوه بأيديهم} يقول: فعاينوه معاينةً لقال الّذين كفروا: {إن هذا إلاّ سحرٌ مبينٌ}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولو نزّلنا عليك كتابًا في قرطاسٍ فلمسوه بأيديهم} يقول: لو نزّلنا من السّماء صحفًا فيها كتابٌ فلمسوه بأيديهم، لزادهم ذلك تكذيبًا.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولو نزّلنا عليك كتابًا في قرطاسٍ}: الصّحف.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {في قرطاسٍ} يقول: في صحيفةٍ، {فلمسوه بأيديهم} لقال الّذين كفروا: {إن هذا إلاّ سحرٌ مبينٌ}). [جامع البيان: 9/ 158-159]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولو نزّلنا عليك كتابًا في قرطاسٍ فلمسوه بأيديهم لقال الّذين كفروا إن هذا إلّا سحرٌ مبينٌ (7)}
قوله عزّ وجلّ: {ولو نزّلنا عليك كتابًا في قرطاسٍ}
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنا عبد الرّزّاق، أنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {كتابًا في قرطاسٍ} يقول: في صحيفةٍ. وروي عن السّدّيّ نحو ذلك.
قوله: {فلمسوه بأيديهم}
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {فلمسوه بأيديهم}، قال: مسّوه، نظروا إليه.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فلمسوه بأيديهم}، يقول: فعاينوا ذلك معاينةً لقال الّذين كفروا إن هذا إلا سحرٌ مبينٌ.
قوله: {لقال الّذين كفروا... الآية}.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، ثنا عمّي، عن أبيه، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ قوله: فلمسوه بأيديهم لقال الّذين كفروا إن هذا إلا سحرٌ مبينٌ، لزادهم ذلك تكذيبًا.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
قوله: لقال الّذين كفروا إن هذا إلا سحرٌ مبينٌ قال: فنظروا إليه، ولم يصدقوا به). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1264]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ):
(ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم يقول لو لمسوه ونظروا إليه لم يصدقوا به). [تفسير مجاهد: 211]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الجبّار، ثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن أبي حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، {ثمّ قضى أجلًا وأجلٌ مسمًّى عنده} [الأنعام: 2] قال: هما أجلان أجل الدّنيا، وأجلٌ في الآخرة مسمًّى عنده لا يعلمه إلّا اللّه، وقوله {ولو نزّلنا عليك كتابًا في قرطاسٍ فلمسوه بأيديهم} [الأنعام: 7] قال: مسّوه ونظروا إليه لم يؤمنوا به «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/ 344] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم} يقول: لو أنزلنا من السماء صحفا فيها كتاب فلمسوه بأيديهم لزادهم ذلك تكذيبا.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس} يقول: في صحيفة.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فلمسوه بأيديهم} يقول: فعاينوه معاينة ومسوه بأيديهم.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {فلمسوه بأيديهم} قال: فمسوه ونظروا إليه لم يصدقوا به). [الدر المنثور: 6/ 18]


تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة في قوله تعالى: {ولو أنزلنا ملكا لقضى الأمر ثم لا ينظرون} يقول: لو أنزلنا ملكا ثم لم يؤمنوا به لعجل لهم العذاب).[تفسير عبد الرزاق: 1/ 204]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:
220هـ): (سفيان - الثوري - عن رجلٍ، عن مجاهدٍ {ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر} لقامت السّاعة {ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا} فقالوا: كيف يكون ملكٌ رجلًا {وللبسنا عليهم ما يلبسون} [الآية: 8، 9]). [تفسير الثوري: 106]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقالوا لولا أنزل عليه ملكٌ ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون}.
يقول تعالى ذكره: قال هؤلاء المكذّبون بآياتي العادلون بي الأنداد والآلهة يا محمّد لك، لو دعوتهم إلى توحيدي والإقرار بربوبيّتي، وإذا أتيتهم من الآيات والعبر بما أتيتهم به واحتججت عليهم بما احتججت عليهم ممّا قطعت به عذرهم: هلاّ نزل عليك ملكٌ من السّماء في صورته يصدّقك على ما جئتنا به، ويشهد لك بحقيقة ما تدّعي من أنّ اللّه أرسلك إلينا كما قال تعالى مخبرًا عن المشركين في قيلهم لنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وقالوا مال هذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملكٌ فيكون معه نذيرًا}، {ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون} يقول: ولو أنزلنا ملكًا على ما سألوا ثمّ كفروا ولم يؤمنوا بي وبرسولي، لجاءهم العذاب عاجلاً غير آجلٍ، ولم ينظروا فيؤّخروا بالعقوبة مراجعة التّوبة، كما فعلت بمن قبلهم من الأمم الّتي سألت الآيات ثمّ كفرت بعد مجيئها من تعجيل النّقمة وترك الإنظار.
- كما حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون} يقول: لجاءهم العذاب.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون} يقول: ولو أنّهم أنزلنا إليهم ملكًا ثمّ لم يؤمنوا لم ينظروا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى: {لولا أنزل عليه ملكٌ} في صورته، {ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر}: لقامت السّاعة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، عن أبيه، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن سفيان الثّوريّ، عن عكرمة: {لقضي الأمر} قال: لقامت السّاعة.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر} قال: يقول: لو أنزل اللّه ملكًا ثمّ لم يؤمنوا لعجّل لهم العذاب.
وقال آخرون في ذلك بما:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: أخبرنا بشرٌ، عن عمّارٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون}، قال: لو آتاهم ملكٌ في صورته لماتوا، ثمّ لم يؤخّروا طرفة عينٍ). [جامع البيان: 9/ 160-161]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وقالوا لولا أنزل عليه ملكٌ ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون (8)}
قوله: {وقالوا لولا}
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: ودعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قومه إلى الإسلام، وكلّمهم فأبلغ إليهم فيما بلغني، فقال له زمعة بن الأسود بن المطّلب، والنّضر بن الحارث بن كلدة، وعبدة بن عبد يغوث، وأبيّ بن خلف بن وهبٍ، والعاص بن وائل بن هشامٍ الّذي يقول له: لو جعل معك ملكٌ يا محمّد يحدّث عنك ويرى معك، فأنزل اللّه عزّ وجلّ في ذلك من قولهم: {وقالوا لولا أنزل عليه ملك ...الآية}.
قوله: {وقالوا لولا أنزل عليه ملكٌ}
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
قوله: {لولا أنزل عليه ملكٌ}، قال: في صورته.
قوله: {ولو أنزلنا ملكًا}
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلاء، ثنا عثمان بن سعيدٍ، أنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولو أنزلنا ملكًا} قال: ولو أتاهم ملكٌ في صورته.
قوله: {ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: لقضي الأمر يقول: لأهلكناهم.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
{لقضي الأمر}: لقامت السّاعة. وروي عن عكرمة مثل ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنا عبد الرّزّاق، أنا معمرٌ، عن قتادة
{لقضي الأمر} يقول: لو أنزلنا ملكًا، ثمّ لم يؤمنوا لعجّل لهم العذاب. وروي عن السّدّيّ مثل ذلك.
قوله: {ثمّ لا ينظرون}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: {ثمّ لا ينظرون} قال: ثمّ لا يؤمنون.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد عن سعيدٍ، عن قتادة. قوله: ثمّ لا ينظرون يقول: ثمّ لم ينظروا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1265-1266]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ):
(ثنا إبراهيم، قال ثنا آدم: قال ثنا ورقاء: عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، {وقالوا لولا أنزل عليه ملك} أي: في صورة ملك يقول الله عز وجل: {ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر} يعني لقامت الساعة ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا يقول: لجعلناه في صورة رجل أي في خلق رجل). [تفسير مجاهد: 211-212]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن محمد بن إسحاق، قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه إلى الإسلام وكلمهم فأبلغ إليهم فيما بلغني فقال له زمعة بن الأسود بن المطلب، والنضر بن الحارث بن كلدة، وعبدة بن عبد يغوث، وأبي بن خلف بن وهب، والعاصي بن وائل بن هشام: لو جعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ويرى معك فأنزل الله في ذلك من قولهم: {وقالوا لولا أنزل عليه ملك... الآية}.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن مجاهد في قوله: {وقالوا لولا أنزل عليه ملك} قال: ملك في صورة رجل {ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر} قال: لقامت الساعة.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن قتادة، في قوله: {ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر} يقول: لو أنزل الله ملكا ثم لم يؤمنوا لعجل لهم العذاب.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، عن ابن عباس: {ولو أنزلنا ملكا} قال: ولو أتاهم ملك في صورته {لقضي الأمر}: لأهلكناهم، {ثم لا ينظرون}: لا يؤخرون، {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا} يقول: لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة! {وللبسنا عليهم ما يلبسون} يقول: لخلطنا عليهم ما يخلطون).[الدر المنثور: 6/ 18-20]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة، في قوله تعالى: ولو جعلنه ملكا لجعلنه رجلا يقول في صورة آدمي وللبسنا عليهم ما يلبسون). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 203]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري]، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ {ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر}: لقامت السّاعة، {ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا} فقالوا: كيف يكون ملكٌ رجلًا، {وللبسنا عليهم ما يلبسون} [الآية: 8، 9]).[تفسير الثوري: 106] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(قال ابن عبّاسٍ: {ثمّ لم تكن فتنتهم} [الأنعام: 23] : «معذرتهم»، {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا} [الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ). [صحيح البخاري: 6/ 55-56]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وللبسنا لشبهنا وصله بن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة، عن بن عبّاسٍ في قوله: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} يقول: لشبّهنا عليهم). [فتح الباري: 8/ 287]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وبه إلى ابن عبّاس في قوله
[الأنعام: 9]:{وللبسنا عليهم ما يلبسون}: يقول لشبهنا عليهم). [تغليق التعليق: 4/ 209]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وللبسنا: لشبّهنا
أشار به إلى قوله تعالى: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} وفسّر: للبسنا، بقوله: لشبهنا، ووصله ابن أبي حاتم، من طريق عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاس، في قوله: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} بقوله: لشبهنا عليهم، وأصله من اللّبس - بفتح اللّام - وهو الخلط، تقول: لبس يلبس من باب ضرب يضرب لبسا بالفتح، ولبس الثّوب يلبس من باب علم يعلم لبسا بالضّمّ). [عمدة القاري: 18/ 219]
قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وفي قوله: {وللبسنا عليهم}: (لشبهنا) عليهم فيقولون: ما هذا إلا بشر مثلكم). [إرشاد الساري: 7/ 116]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) :
(القول في تأويل قوله تعالى: {ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون}.
يقول تعالى ذكره: ولو جعلنا رسولنا إلى هؤلاء العادلين بي، القائلين: لولا أنزل على محمّدٍ ملكٌ بتصديقه، ملكًا ينزل عليهم من السّماء، ويشهد بتصديق محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ويأمرهم باتّباعه،{لجعلناه رجلاً} يقول: لجعلناه في صورة رجلٍ من البشر، لأنّهم لا يقدرون أن يروا الملك في صورته. يقول: وإذا كان ذلك كذلك، فسواءٌ أنزلت عليهم بذلك ملكًا أو بشرًا، إذ كنت إذا أنزلت عليهم ملكًا إنّما أنزله بصورة إنسيٍّ، وحججي في كلتا الحالتين عليهم ثابتةٌ بأنّك صادقٌ وأنّ ما جئتهم به حقٌّ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال بعض أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمّارٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلاً} يقول: ما آتاهم إلاّ في صورة رجلٍ، لأنّهم لا يستطيعون النّظر إلى الملائكة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلاً} في صورة رجلٍ في خلق رجلٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلاً} يقول: لو بعثنا إليهم ملكًا لجعلناه في صورة آدميٍّ.
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلاً} يقول: في صورة آدميٍّ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلاً}، قال: لجعلنا ذلك الملك في صورة رجلٍ، لم نرسله في صورة الملائكة.

القول في تأويل قوله تعالى: {وللبسنا عليهم ما يلبسون}:
يعني تعالى ذكره بقوله: {وللبسنا عليهم}: ولو أنزلنا ملكًا من السّماء مصدّقًا لك يا محمّد، شاهدًا لك عند هؤلاء العادلين بي الجاحدين آياتك على حقيقة نبوّتك، فجعلناه في صورة رجلٍ من بني آدم إذ كانوا لا يطيقون رؤية الملك بصورته الّتي خلقته بها، التبس عليهم أمره فلم يدروا ملكٌ هو أم إنسيّ، فلم يوقنوا به أنّه ملكٌ ولم يصدّقوا به، وقالوا: ليس هذا ملكًا، وللبسنا عليهم ما يلبسونه على أنفسهم من حقيقة أمرك وصحّة برهانك وشاهدك على نبوّتك. يقال منه: لبست عليهم الأمر ألبسه لبسًا: إذا خلطته عليهم، ولبست الثّوب ألبسه لبسًا، واللّبوس: اسم الثّياب.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} يقول: لشبّهنا عليهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} يقول: ما لبس قومٌ على أنفسهم إلاّ لبس اللّه عليهم واللّبس: إنّما هو من النّاس.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} يقول: شبّهنا عليهم ما يشبّهون على أنفسهم.
وقد روي عن ابن عبّاسٍ في ذلك قولٌ آخر، وهو ما:
- حدّثني به محمّد بن سعدٍ قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا عمّي، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} فهم أهل الكتاب فارقوا دينهم وكذّبوا رسلهم، وهو تحريف الكلام عن مواضعه.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، في قوله: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} يعني التّحريف: هم أهل الكتاب، فرّقوا كتبهم ودينهم وكذّبوا رسلهم، فلبس اللّه عليهم ما لبسوا على أنفسهم.
وقد بيّنّا فيما مضى قبل أنّ هذه الآيات من أوّل السّورة بأن تكون في أمر المشركين من عبدة الأوثان أشبه منها بأمر أهل الكتاب من اليهود والنّصارى، بما أغنى عن إعادته).[جامع البيان: 9/ 162-165]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلًا وللبسنا عليهم ما يلبسون (9)}
قوله تعالى: {ولو جعلناه ملكًا}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: ولو جعلناه ملكًا يقول: لو أتاهم ملكٌ.
قوله: {لجعلناه رجلا}
- وبه عن ابن عبّاسٍ قوله: {ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا} يقول: لو أتاهم ملكٌ ما أتاهم إلا في صورة رجلٍ منهم، لأنّهم لا يستطيعون النّظر إلى الملائكة.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أحمد بن صالحٍ، ثنا عبد الملك بن هشامٍ، ثنا زيادٌ البكّائيّ، عن محمّد بن إسحاق قال: دعا رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - قومه إلى الإسلام، فقال له زمعة بن الأسود، والأسود بن عبد يغوث، وأبيّ بن خلفٍ والعاص بن وائلٍ: لو جعل معك يا محمّد ملكٌ يحدّث عنك النّاس ويرى معك، فأنزل اللّه - تعالى - في ذلك من قولهم: {ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون}.
قوله: وللبسنا عليهم
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ أنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} يقول: لخلّطنا عليهم.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} يقول: لشبّهنا عليهم.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّدٌ، ثنا مهران، عن سفيان: وللبسنا عنهم فلا يعرفون.
قوله: {ما يلبسون}
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ {وللبسنا عليهم ما يلبسون} يقول: لخلّطنا عليهم ما يخلطون.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: {ما يلبسون} يقول: شبّهنا عليهم ما يشبّهون على أنفسهم.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ قوله: {وللبسنا عليهم ما يلبسون}: هم أهل الكتاب فارقوا دينهم وكذّبوا رسلهم، وهو تحريف الكلام عن مواضعه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1266-1267]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس {ولو أنزلنا ملكا} قال: ولو أتاهم ملك في صورته {لقضي الأمر}: لأهلكناهم، {ثم لا ينظرون}: لا يؤخرون، {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا} يقول: لو أتاهم ملك ما أتاهم إلا في صورة رجل، لأنهم لا يستطيعون النظر إلى الملائكة: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} يقول: لخلطنا عليهم ما يخلطون.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا} قال: في صورة رجل وفي خلق رجل.
- وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو الشيخ، عن قتادة في قوله:{ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا} يقول: في صورة آدمي.
- وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا} قال: لجعلنا ذلك الملك في صورة رجل لم نرسله في صورة الملائكة.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس {وللبسنا عليهم} يقول: شبهنا عليهم.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن السدى في قوله: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} يقول: شبهنا عليهم ما يشبهون على أنفسهم
- وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن قتادة في قوله: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} يقول: ما لبس قوم على أنفسهم إلا لبس الله عليهم واللبس إنما هو من الناس قد بين الله للعباد وبعث رسله واتخذ عليهم الحجة وأراهم الآيات وقدم إليهم بالوعيد).[الدر المنثور: 6/ 19-21]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 10:22 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي

{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6) وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)}

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6)}:
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله تبارك وتعالى: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم مّن قرنٍ...}
القرن ثمانون سنة. وقد قال بعضهم: سبعون). [معاني القرآن: 1/ 328]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({من قرنٍ} أي: من أمة يروون أن ما بين القرنين أقلّه ثلاثون سنة.
{مكنّهم في الأرض} أي: جعلنا لهم منازل فيها وأكالاً، وتثبيتاً ومكناهم؛ مكّنتك ومكنت لك واحد، يقال: أكل وأكال وآكال واحدها أكل.
قال الأثرم: قال أبو عمرو: «يقال له أكل من الملوك، إذا كان له قطايع».
{وأرسلنا السّماء عليهم مدراراً} مجاز السماء ها هنا مجاز المطر، يقال: ما زلنا في سماء: أي في مطر،
وما زلنا نطأ السماء: أي أثر المطر، وأنّى أخذتكم هذه السماء؟ ومجاز {أرسلنا}: أنزلنا وأمطرنا
{مدراراً} أي غزيرة دائمة.
قال الشاعر:
وسقاك من نوء الثريّا مزنةٌ ....... غرّاء تحلب وابلا مدرارا
أي غزيراً دائماً.
{وأنشأنا} أي: ابتدأنا، ومنه قولهم: فأنشأ فلان في ذلك أي ابتدأ فيه). [مجاز القرآن: 1/ 185-187]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم مّن قرنٍ مّكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لّكم وأرسلنا السّماء عليهم مّدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين}
قال تعالى: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم مّن قرنٍ مّكّنّاهم} ثم قال: {ما لم نمكّن لّكم} كأنه أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم خاطبه معهم كما قال: {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} فجاء بلفظ الغائب وهو يخاطب لأنه هو المخاطب). [معاني القرآن: 1/ 234]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (ندع ما مضى في صدر الكتاب.
قوله {كم أهلكنا من قبلهم من قرن} وهي القرون؛ فإنهم يقولون: هذا قرني أي بسني، فهو من ذلك؛ والقرن: القرن في القتال.
وأما {وما كنا له مقرنين} من ذلك؛ مطيقين، أقرن له إقرانًا؛ إطاقة، من القرن؛ صار له قرنًا.
{يرسل السماء عليكم مدرارا} قال: يرسل السماء؛ يريد مطر السماء وماء السماء؛ وقد فسرنا هذا ومثله في صدر الكتاب.
وحكى بعضهم: "ما زلنا نطأ السماء مذ خرجنا إليكم"؛ أي ماء السماء؛ ويقال: بنو فلان يطؤهم الطريق؛ أي أهل الطريق.
وأما قوله عز وجل {مدرارا} فإنهم يقولون: درت السماء تدر درًا؛ صبت وسالت.
قال أبو ذؤيب فكسر يفعل:
فإنك لو ساءلت عنا لتخبري = إذا البزل راحت لا تدر عشارها
وأما قوله عز وجل {ثم أنشأنا من بعدهم} وهي من قولهم: نشأت في القوم نشئًا مثل نشعا، ونشوءًا، وأنشأ الله الخلق إنشاء). [معاني القرآن لقطرب: 535]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({مدرارا}: مطرا غزيرا دائما.
{أنشأنا}: ابتدأنا). [غريب القرآن وتفسيره: 134]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):{القرن} يقال: هو ثمانون سنة.
قال أبو عبيدة: «يروون أن أقل ما بين القرنين ثلاثون سنة».
{مدراراً} بالمطر أي: غزيرا، من درّيدرّ). [تفسير غريب القرآن: 150]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لكم وأرسلنا السّماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين * ولو نزّلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الّذين كفروا إن هذا إلّا سحر مبين}
موضع {كم} نصب بـ {أهلكنا} إلّا أن هذا الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله وقيل القرن ثمانون سنة وقيل سبعون، والذي يقع عندي - واللّه أعلم – أن القرن أهل مدة كان فيها نبي أو كان فيها طبقة من أهل العلم.
قلّت السنون أو كثرت، والدليل على هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -«خيركم قرني» أي: أصحابي - رحمة اللّه عليهم - ،
«ثم الذين يلونهم» يعني: التابعين، «ثم الذين يلونهم» يعني: الذين أخذوا عن التابعين.
وجائز أن يكون القرن لجملة الأمة وهؤلاء قرون فيها، وإنما اشتقاق القرن من الاقتران، فتأويله أن القرن الذين كانوا مقترنين في ذلك الوقت، والذين يأتون بعدهم ذوو اقتران آخر.
وقوله عزّ وجلّ: {وأرسلنا السّماء عليهم مدرارا}: أي ذات غيث كثير، ومفعال من أسماء المبالغة يقال ديمة مدرار، إذا كان مطرها غزيرا دائما، وهذا كقولهم امرأة مذكار، إذا كانت كثيرة الولادة للذكور، وكذا مئناث في الإناث). [معاني القرآن: 2/ 228-229]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله - جل وعز -: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن} قيل: القرن ستون عاما وقيل: سبعون فيكون التقدير على هذا من أهل قرن، وأصح من هذا القول القرن كل عالم في عصر لأنه مأخوذ من الاقتران أي :عالم مقترن بعضهم إلى بعض وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
«خير الناس القرن الذي أنا فيه» -يعني: أصحابه- «ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» وأكثر أصحاب الحديث على أن القرن مائة سنة، واحتجوا بأن النبي قال لعبد الله بن بسر: «تعيش قرنا» فعاش مائة سنة). [معاني القرآن: 2/ 400-401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وأرسلنا السماء عليهم مدرارا}: أي: تدر عليهم ومدرار على التكثير كما يقال: امرأة مذكار إذا كثرت ولادتها للذكور ومئناث). [معاني القرآن: 2/ 401]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({والقرن}: ثمانون سنة وقيل ثلاثون سنة.
{مِّدْرَارًا}: غزيراً). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 75]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({مِّدْرَارًا}: متواترا كثيراً غزيراً
{أَنْشَأْنَا}: ابتدأنا
{القَرْن}: قوماً آخرين، ثمانين سنة). [العمدة في غريب القرآن: 125]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما {كتابا في قرطاس} فإنهم قالوا: في اللغة قرطاس، وقرطاس ولا نعلمها قرئ بها). [معاني القرآن لقطرب: 535]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولو نزّلنا عليك كتاباً في قرطاسٍ} أي: صحفية.
وكذلك قوله :{تجعلونه قراطيس} أي صحفا.
قال المرّار:

عفت المنازل غير مثل الأنقس ....... بعد الزمان عرفته بالقرطس
فوقفت تعترف الصحيفة بعد ما ....... عمس الكتاب وقد يرى لم يعمس

والأنقس: جمع نقس مثل قدح وأقدح وأقداح.
أراد: غير مثل النّقس عرفته بالقرطاس.
ثم قال: فوقفت تعترف الصحيفة، فأعلمك أن القرطاس هو الصحيفة، ومنه يقال للرامي إذا أصاب: قرطس. إنما يراد أصاب الصحيفة). [تفسير غريب القرآن: 150-151]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولو نزّلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الّذين كفروا إن هذا إلّا سحر مبين}
أعلم الله عزّ وجلّ أنهم قد أصلوا في السّيئ الباطل في دفع النبوة لأنهم قد رأوا القمر انشق فأعرضوا، وقالوا سحر مستمرّ.
وكذلك يقولون في كل ما يعجز عنه المخلوقون سحر، هذا عين الدفع لغاية الحق والنور الساطع المبين، فلو رأوا الكتاب ينزل من السماء لقالوا سحر كما أنهم قالوا في انشقاق القمر سحر). [معاني القرآن: 2/ 229-230]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز:{ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} أي: قد جعلوا في أنفسهم الكفر والعناد، فإذا رأوا آية قالوا: سحر كما أنهم سألوا انشقاق القمر فلما انشق قالوا: هذا سحر مستمر كذلك أيضا لو نزل الله عليهم كتابا من السماء لقالوا: {إن هذا إلا سحر مبين}). [معاني القرآن: 2/ 401-402]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون} يريد: لو أنزلنا ملكا فكذبوه أهلكناهم). [تفسير غريب القرآن: 151]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون}: يعنون على النبي - صلى الله عليه وسلم.
{ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون}: يعني -واللّه أعلم- أن الآيات مما لا يقع معه إنظار.
ومعنى {لقضي الأمر} أي: لتم بإهلاكهم.
و "قضي" في اللغة على ضروب كلها يرجع إلى معنى انقطاع الشيء وتمامه، فمنه قوله تعالى: {ثمّ قضى أجلا وأجل مسمّى عنده} معناه ثمّ حتم بعد ذلك فأتمّه، ومنه الأمر وهو قوله: {وقضى ربّك ألّا تعبدوا إلّا إيّاه} معناه أمر إلا أنّه أمر قاطع حتم.
ومنه الإعلام وقوله: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنّ في الأرض مرّتين} أي أعلمناهم إعلاما قاطعا، ومنه القضاء الفصل في الحكم، وهو قوله: {ولولا كلمة سبقت من ربّك إلى أجل مسمّى لقضي بينهم}
ومثل ذلك قولك قد قضى القاضي بين الخصوم، أي قد قطع بينهم في الحكم، ومن ذلك قد قضى فلان دينه، تأويله قطع ما لغريمه عليه فأدّاه إليه وقطع ما بينه وبينه.
وكل ما أحكم فقد قضي، تقول قد قضيت هذا الثوب، وقد قضيت هذه الدار إذا عملتها وأحكمت عملها.
قال أبو ذؤيب الهذلي:
وعليهما مسرودتان قضاهما ....... داود أو صنع السّوابغ تبّع ).[معاني القرآن: 2/230]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وقالوا لولا أنزل عيه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر} قال ابن أبي نجيح عن مجاهد: «أي لقامت القيامة».
والمعنى عند أهل اللغة: لحتم بهلاكهم وهو يرجع إلى ذلك القول). [معاني القرآن: 2/402]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ولو جعلناه ملكاً لّجعلناه رجلاً...}
في صورة رجل؛ لأنهم لا يقدرون على النظر إلى صورة الملك). [معاني القرآن: 1/ 328]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وسنخبر عما تركناه في القراءة إن شاء الله.
قراءة القراء {وللبسنا عليهم ما يلبسون} من لبس يلبس لبسًا، إذا خلط وبدل.
الزهري "وللبسنا عليهم" بالتثقيل من لبس). [معاني القرآن لقطرب: 509]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ولو جعلناه ملكاً}: أي لو جعلنا الرسول إليهم ملكا.
{لجعلناه رجلًا}: أي في صورة رجل. لأنه لا يصلح ان يخاطبهم بالرسالة ويرشدهم إلا من يرونه.
{وللبسنا عليهم ما يلبسون}: أي: أضللناهم بما ضلّوا به قبل أن يبعث الملك). [تفسير غريب القرآن: 151]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون}: أي لو أرسلنا إليهم ملكا لم نرسله إلا في صورة إنسان، لأن الملك فيما قيل لو نظر إليه ناظر على هيئته لصعق، وكانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة الإنس،
فمن ذلك أن جبريل كان يأتي النبي عليه السلام إذا نزل بالوحي في صورة دحية الكلبي ومنه نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب، لأنّهما وردا على داود وهما ملكان في صورة رجلين يختصمان إليه.
ومنه أنّ الملائكة أتت إبراهيم في صورة الضّيفان وكذلك أتت لوطا، فلذلك قيل: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا}.
وقوله عزّ وجلّ: {وللبسنا عليهم ما يلبسون}: يقال لبست الأمر على القوم ألبسه إذا شبّهته عليهم، وأشكلته عليهم، وكانوا هم يلبسون على ضعفتهم في أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقولون: إنما هذا بشر مثلكم فقال {ولو أنزلنا ملكا} فرأوا هم الملك رجلا لكان يلحقهم فيه من اللبس مثل ما لحق ضعفتهم منهم). [معاني القرآن: 2/ 231]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا}
قال قتادة: أي في صورة بني آدم). [معاني القرآن: 2/ 402]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} قال الضحاك: يعني أهل الكتاب لأنهم غيروا صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - في كتابهم وعصوا ما أمروا به.
قال الكسائي: يقال لبست عليهم الأمر ألبسه لبسا إذا خلطته؛ أي أشكلته). [معاني القرآن: 2/ 403]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 ربيع الثاني 1434هـ/10-03-2013م, 10:46 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع

[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]


تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) }

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) }
قالَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ ابنِ السِّكِّيتِ البَغْدَادِيُّ (ت: 244هـ) : (ويقال قد لبست عليه الأمر فأنا ألبسه لبسا قال الله - عز وجل -: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} وذلك إذا خلطته عليه حتى لا يعرف جهته وقد لبست الثوب فأنا ألبسه لبسا). [إصلاح المنطق: 206]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 19 جمادى الآخرة 1435هـ/19-04-2014م, 10:15 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 19 جمادى الآخرة 1435هـ/19-04-2014م, 10:16 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 19 جمادى الآخرة 1435هـ/19-04-2014م, 10:16 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 19 جمادى الآخرة 1435هـ/19-04-2014م, 10:16 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري


تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ مكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لكم وأرسلنا السّماء عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين (6)}
هذا حض على العبرة، والرؤية هنا رؤية القلب، وكم في موضع نصب ب أهلكنا، والقرن والأمة المقترنة في مدة من الزمان، ومنه قوله عليه السلام: خير الناس قرني الحديث، واختلف الناس في مدة القرن كم هي؟ فالأكثر على أنها مائة سنة، ويرجح ذلك الحديث الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة منها لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» قال ابن عمر: يريد أنها تحرم ذلك القرن، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن بشير: «تعيش قرنا» فعاش مائة سنة، وقيل: القرن ثمانون سنة، وقيل سبعون وقيل ستون، وتمسك هؤلاء بالمعترك، وحكى النقاش: أربعين، وذكر الزهراوي في ذلك أنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وحكى النقاش أيضا ثلاثين، وحكى عشرين، وحكى ثمانية عشر وهذا كله ضعيف، وهذه طبقات وليست بقرون إنما القرن أن يكون وفاة الأشياخ ثم ولادة الأطفال، ويظهر ذلك من قوله تعالى: ثم أنشأنا من بعدهم قرناً آخرين وإلى مراعاة الطبقات وانقراض الناس بها أشار ابن الماجشون في الواضحة في تجويز شهادة السماع في تقادم خمسة عشر عاما فصاعدا، وقيل القرن الزمن نفسه، وهو على حذف مضاف تقديره من أهل قرن، والضمير في مكّنّاهم عائد على القرن، والمخاطبة في لكم هي للمؤمنين ولجميع المعاصرين لهم من سائر الناس، فكأنه قال: ما لم نمكن يا أهل العصر لكم، فهذا أبين ما فيه، ويحتمل أن يقدر في الآية معنى القول لهؤلاء الكفرة، كأنه قال يا محمد قل لهم: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ مكّنّاهم في الأرض، ما لم نمكّن لكم وإذا أخبرت أنك قلت لغائب أو قيل له أو أمرت أن يقال فلك في فصيح كلام العرب أن تحكي الألفاظ المقولة بعينها فتجيء بلفظ المخاطبة، ولك أن تأتي بالمعنى في الألفاظ بذكر غائب دون مخاطبة السّماء المطر ومنه قول الشاعر:
إذا نزل السماء بأرض قوم ....... رعيناه وإن كانوا غضابا
ومدراراً بناء تكثير كمذكار ومئناث، ومعناه يدر عليهم بحسب المنفعة، لأن الآية إنما سياقها تعديد النعم وإلا فظاهرها يحتمل النعمة ويحتمل الإهلاك وتحتمل الآية أن تراد السماء المعروفة على تقدير وأرسلنا مطر السماء لأن مدرارا لا يوصف به إلا المطر، وقوله تعالى: فأهلكناهم معناه فعصوا وكفروا فأهلكناهم، وأنشأنا اخترعنا وخلقنا، وجمع آخرين حملا على معنى القرن). [المحرر الوجيز: 3/ 315-316]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولو نزّلنا عليك كتاباً في قرطاسٍ فلمسوه بأيديهم لقال الّذين كفروا إن هذا إلاّ سحرٌ مبينٌ (7) وقالوا لولا أنزل عليه ملكٌ ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون (8) ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون (9)}
لما أخبر عنهم عز وجل بأنهم كذبوا بكل ما جاءهم من آية تبع ذلك إخبار فيه مبالغة مضمنه أنه لو جاءهم أشنع مما جاء لكذبوا أيضا، والمعنى لو نزّلنا بمرأى منهم عليك كتاباً أي كلاما مكتوبا في قرطاسٍ أي في صحيفة، ويقال «قرطاس» بضم القاف فلمسوه بأيديهم يريد أنهم بالغوا في ميزه وتقليبه ليرتفع كل ارتياب لعاندوا فيه وتابعوا كفرهم وقالوا هذا سحر مبين، ويشبه أن سبب هذه الآية اقتراح عبد الله بن أبي أمية وتعنته إذ قال للنبي صلى الله عليه وسلم، لا أؤمن لك حتى تصعد إلى السماء ثم تنزل بكتاب فيه من رب العزة إلى عبد الله بن أبي أمية، يأمرني بتصديقك، وما أراني مع هذا كنت أصدقك، ثم أسلم بعد ذلك عبد الله وقتل شهيدا في الطائف). [المحرر الوجيز: 3/ 317]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى:{وقالوا لولا أنزل عليه ملكٌ ...الآية} حكاية عمن تشطط من العرب بأن طلب أن ينزل ملك يصدق محمدا في نبوءته ويعلم عن الله عز وجل أنه حق، فرد الله تعالى عليهم بقوله: ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر وقال مجاهد:
معناه لقامت القيامة.
قال القاضي أبو محمد - رضي الله عنه - : وهذا ضعيف، وقال قتادة والسدي وابن عباس - رضي الله عنه -:
« في الكلام حذف تقديره ولو أنزلنا ملكا فكذبوا به لقضي الأمر» بعذابهم ولم ينظروا حسبما سلف في كل أمة اقترحت بآية وكذبت بعد أن ظهرت إليها، وهذا قول حسن، وقالت فرقة لقضي الأمر أي لماتوا من هول رؤية الملك في صورته، ويؤيد هذا التأويل ما بعده من قوله: ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلًا فإن أهل التأويل مجمعون أن ذلك لأنهم لم يكونوا يطيقون رؤية الملك في صورته، فالأولى في قوله لقضي الأمر أي لماتوا من هول رؤيته، ينظرون معناه يؤخرون، والنظرة التأخير). [المحرر الوجيز: 3/ 317]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) }

قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله عز وجل: {ولو جعلناه... الآية} المعنى أنّا لو جعلناه ملكا لجعلناه ولا بد في خلق رجل لأنهم لا طاقة لهم على رؤية الملك في صورته، وقاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ومما يؤيد هذا المعنى الحديث الوارد عن الرجلين اللذين صعدا على الجبل يوم بدر ليريا ما يكون في حرب النبي عليه السلام للمشركين، فسمعا حس الملائكة وقائلا يقول في السماء، أقدم حيزوم فمات أحدهما لهول ذلك، فكيف برؤية ملك في خلقته، ولا يعارض هذا برؤية النبي عليه السلام لجبريل وغيره في صورهم، لأن النبي - عليه السلام - أعطي قوة غير هذه كلها صلى الله عليه وسلم، وللبسنا أي لخلطنا عليهم ما يخلطون به على أنفسهم وعلى ضعفتهم، أي لفعلنا لهم في ذلك فعلا ملبسا يطرق لهم إلى أن يلبسوا به، وذلك لا يحسن، ويحتمل الكلام مقصدا آخر، أي «للبسنا» نحن عليهم كما «يلبسون» هم على ضعفتهم فكنا ننهاهم عن التلبيس ونفعله بهم، ويقال: لبس الرجل الأمر يلبسه لبسا إذا خلطه، وقرأ ابن محيصن: «ولبّسنا» بفتح اللام وشد الباء، وذكر بعض الناس في هذه الآية: أنها نزلت في أهل الكتاب، وسياق الكلام ومعانيه يقتضي أنها في كفار العرب). [المحرر الوجيز: 3/ 318]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 19 جمادى الآخرة 1435هـ/19-04-2014م, 10:16 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 19 جمادى الآخرة 1435هـ/19-04-2014م, 10:16 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى واعظًا ومحذّرًا لهم أن يصيبهم من العذاب والنّكال الدّنيويّ ما حلّ بأشباههم ونظرائهم من القرون السّالفة الّذين كانوا أشدّ منهم قوّةً، وأكثر جمعًا، وأكثر أموالًا وأولادًا واستغلالًا للأرض وعمارةً لها، فقال {ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ مكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لكم} أي: من الأموال والأولاد والأعمار، والجاه العريض، والسّعة والجنود، {وأرسلنا السّماء عليهم مدرارًا} أي: شيئًا بعد شيءٍ، {وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم} أي: أكثرنا عليهم أمطار السّماء وينابيع الأرض، أي: استدراجًا وإملاءً لهم {فأهلكناهم بذنوبهم} أي: بخطاياهم وسيّئاتهم الّتي اجترموها، {وأنشأنا من بعدهم قرنًا آخرين} أي: فذهب الأوّلون كأمس الذّاهب وجعلناهم أحاديث، {وأنشأنا من بعدهم قرنًا آخرين} أي: جيلًا آخر لنختبرهم، فعملوا مثل أعمالهم فهلكوا كهلاكهم. فاحذروا أيّها المخاطبون أن يصيبكم مثل ما أصابهم، فما أنتم بأعزّ على اللّه منهم، والرّسول الّذي كذّبتموه أكرم على اللّه من رسولهم، فأنتم أولى بالعذاب ومعاجلة العقوبة منهم، لولا لطفه وإحسانه.
{ولو نزلنا عليك كتابًا في قرطاسٍ فلمسوه بأيديهم لقال الّذين كفروا إن هذا إلا سحرٌ مبينٌ وقالوا لولا أنزل عليه ملكٌ ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 240-241]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولو نزّلنا عليك كتابًا في قرطاسٍ فلمسوه بأيديهم لقال الّذين كفروا إن هذا إلّا سحرٌ مبينٌ (7) وقالوا لولا أنزل عليه ملكٌ ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون (8) ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلًا وللبسنا عليهم ما يلبسون (9) ولقد استهزئ برسلٍ من قبلك فحاق بالّذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون (10) قل سيروا في الأرض ثمّ انظروا كيف كان عاقبة المكذّبين (11) }
يقول تعالى مخبرًا عن كفر المشركين وعنادهم ومكابرتهم للحقّ ومباهتتهم ومنازعتهم فيه: {ولو نزلنا عليك كتابًا في قرطاسٍ فلمسوه بأيديهم} أي: عاينوه، ورأوا نزوله، وباشروا ذلك {لقال الّذين كفروا إن هذا إلا سحرٌ مبينٌ} وهذا كما قال تعالى مخبرًا عن مكابرتهم للمحسوسات: {ولو فتحنا عليهم بابًا من السّماء فظلّوا فيه يعرجون * لقالوا إنّما سكّرت أبصارنا بل نحن قومٌ مسحورون} [الحجر: 14، 15] وقال تعالى: {وإن يروا كسفًا من السّماء ساقطًا يقولوا سحابٌ مركومٌ} [الطّور: 44] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 241]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وقالوا لولا أنزل عليه ملكٌ} أي: فيكون معه نذيرًا قال اللّه: {ولو أنزلنا ملكًا لقضي الأمر ثمّ لا ينظرون} أي: لو نزلت الملائكة على ما هم عليه لجاءهم من اللّه العذاب، كما قال تعالى: {ما ننزل الملائكة إلا بالحقّ وما كانوا إذًا منظرين} [الحجر: 8]، وقال تعالى: {يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذٍ للمجرمين [ويقولون حجرًا محجورًا]} [الفرقان: 22] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 241]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون} أي: ولو أنزلنا مع الرّسول البشريّ ملكًا، أي: لو بعثنا إلى البشر رسولًا ملكيًّا لكان على هيئة رجلٍ لتفهم مخاطبته والانتفاع بالأخذ عنه، ولو كان كذلك لالتبس عليهم الأمر كما يلبسون على أنفسهم في قبول رسالة البشريّ، كما قال تعالى: {قل لو كان في الأرض ملائكةٌ يمشون مطمئنّين لنزلنا عليهم من السّماء ملكًا رسولا}[الإسراء: 95]، فمن رحمة اللّه - تعالى بخلقه - أنّه يرسل إلى كلّ صنفٍ من الخلائق رسلًا منهم، ليدعو بعضهم بعضًا، وليمكّن بعضهم أن ينتفع ببعضٍ في المخاطبة والسّؤال، كما قال تعالى: {لقد منّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ... الآية} [ال عمران: 164].
قال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ولو جعلناه ملكًا لجعلناه رجلا... الآية}. يقول: لو أتاهم ملكٌ ما أتاهم إلّا في صورة رجلٍ؛ لأنّهم لا يستطيعون النّظر إلى الملائكة من النّور {وللبسنا عليهم ما يلبسون} أي: ولخلطنا عليهم ما يخلطون. وقال الوالبيّ عنه: ولشبّهنا عليهم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 241-242]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:44 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة