العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأنعام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 ربيع الثاني 1434هـ/26-02-2013م, 12:33 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير سورة الأنعام [ من الآية (1) إلى الآية (5) ]

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) }



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م, 11:52 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف


تفسير قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)}
- قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (القول في تأويل قوله تعالى: {الحمد للّه الّذي خلق السّموات والأرض}:
يعني تعالى ذكره بقوله {الحمد للّه}: الحمد الكامل للّه وحده لا شريك له، دون جميع الأنداد والآلهة، ودون ما سواه ممّا تعبده كفرة خلقه من الأوثان والأصنام.
وهذا كلامٌ مخرجه مخرج الخبر ينحى به نحو الأمر، يقول: أخلصوا الحمد والشّكر للّذي خلقكم أيّها النّاس وخلق السّموات والأرض، ولا تشركوا معه في ذلك أحدًا شيئًا، فإنّه المستوجب عليكم الحمد بأياديه عندكم ونعمه عليكم، لا من تعبدونه من دونه وتجعلونه له شريكًا من خلقه.
وقد بيّنّا الفصل بين معنى الحمد والشّكر بشواهده فيما مضى قبل.
القول في تأويل قوله تعالى: {وجعل الظّلمات والنّور}:
يقول تعالى ذكره: الحمد للّه الّذي خلق السّموات والأرض، وأظلم اللّيل وأنار النّهار.
- كما حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وجعل الظّلمات والنّور} قال: الظّلمات: ظلمة اللّيل، والنّور: نور النّهار.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، أمّا قوله: {الحمد للّه الّذي خلق السّموات والأرض وجعل الظّلمات والنّور} فإنّه خلق السّموات قبل الأرض، والظّلمة قبل النّور، والجنّة قبل النّار.
فإن قال قائلٌ: فما معنى قوله إذن {جعل}؟
قيل: إنّ العرب تجعلها ظرفًا للخبر والفعل، فتقول: جعلت أفعل كذا، وجعلت أقوم وأقعد، تدلّ بقولها (جعلت) على اتّصال الفعل، كما تقول: علّقت أفعل كذا، لا أنّها في نفسها فعل، يدلّ على ذلك قول القائل: جعلت أقوم، وأنّه لا جعل هناك سوى القيام، وإنّما دلّ بقوله (جعلت) على اتّصال الفعل ودوامه، ومن ذلك قول الشّاعر:
وزعمت أنّك سوف تسلك فاردًا ....... والموت مكتنعٌ طريقي قادر
فاجعل تحلّل من يمينك إنّما ....... حنث اليمين على اللّئيم الفاجر
يقول: (فاجعل تحلّل) بمعنى: تحلّل شيئًا بعد شيءٍ، لا أنّ هناك جعلاً من غير التّحليل. فكذلك كلّ جعل في الكلام إنّما هو دليلٌ على فعلٍ له اتّصالٌ، لا أنّ له خطًا في معنى الفعل.
فقوله: {وجعل الظّلمات والنّور} إنّما هو أظلم ليلهما وأنار نهارهما.
القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون}:
يقول تعالى ذكره: معجّبًا خلقه المؤمنين من كفرة عباده ومحتجًّا على الكافرين: إنّ الإله الّذي يجب عليكم أيّها النّاس حمده هو الّذي خلق السّموات والأرض، الّذي جعل منهما معايشكم وأقواتكم وأقوات أنعامكم الّتي بها حياتكم، فمن السّموات ينزل عليكم الغيث، وفيها تجري الشّمس والقمر باعتقابٍ واختلافٍ لمصالحكم، ومن الأرض ينبت الحبّ الّذي به غذاؤكم والثّمار الّتي فيها ملاذكم، مع غير ذلك من الأمور الّتي فيها مصالحكم ومنافعكم بها. والّذين يجحدون نعمة اللّه عليهم بما أنعم به عليهم من خلق ذلك لهم ولكم أيّها النّاس {بربّهم} الّذي فعل ذلك وأحدثه {يعدلون}: يجعلون له شريكًا في عبادتهم إيّاه، فيعبدون معه الآلهة والأنداد والأصنام والأوثان، وليس منها شيءٌ شركه في خلق شيءٍ من ذلك ولا في إنعامه عليهم بما أنعم به عليهم، بل هو المنفرد بذلك كلّه، وهم يشركون في عبادتهم إيّاه غيره. فسبحان اللّه ما أبلغها من حجّةٍ وأوجزها من عظةٍ، لمن فكّر فيها بعقلٍ وتدبّرها بفهمٍ.
ولقد قيل إنّها فاتحة التّوراة.
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد العزيز بن عبد الصّمد العمّيّ، عن أبي عمران الجونيّ، عن عبد اللّه بن رباحٍ، عن كعبٍ، قال: فاتحة التّوراة فاتحة الأنعام: {الحمد للّه الّذي خلق السّموات والأرض وجعل الظّلمات والنّور ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون}.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا زيد بن حبابٍ، عن جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجونيّ، عن عبد اللّه بن رباحٍ، عن كعبٍ، مثله. وزاد فيه: وخاتمة التّوراة خاتمة هودٍ.
يقال من مساواة الشّيء بالشّيء: عدلت هذا بهذا، إذا ساويته به عدلاً. وأمّا في الحكم إذا أنصفت فيه فإنّك تقول: عدلت فيه أعدل عدلاً.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله: {يعدلون} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يعدلون} قال: يشركون.
ثمّ اختلف أهل التّأويل فيمن عني بذلك، فقال بعضهم: عني به أهل الكتاب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب القمّيّ، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن ابن أبزى، قال: جاءه رجلٌ من الخوارج يقرأ عليه هذه الآية: {الحمد للّه الّذي خلق السّموات والأرض وجعل الظّلمات والنّور ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون}، قال له: أليس الّذين كفروا بربّهم يعدلون؟ قال: بلى. قال: وانصرف عنه الرّجل، فقال له رجلٌ من القوم: يا ابن أبزى، إنّ هذا قد أراد تفسير هذه غير هذا، إنّه رجلٌ من الخوارج، فقال: ردّوه عليّ، فلمّا جاءه قال: هل تدري فيمن نزلت هذه الآية؟ قال: لا. قال إنّها نزلت في أهل الكتاب، اذهب ولا تضعها على غير حدّها.
وقال آخرون: بل عني بها المشركون من عبدة الأوثان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون} قال: هؤلاء أهل صراحةٍ.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون} قال: هم المشركون.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون} قال: «الآلهة الّتي عبدوها عدلوها باللّه، قال: وليس باللّه عدلٌ ولا ندٌّ، وليس معه آلهةٌ، ولا اتّخذ صاحبةً ولا ولدًا».
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب عندي أن يقال: إنّ اللّه تعالى أخبر أنّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون، فعمّ بذلك جميع الكفّار، ولم يخصّص منهم بعضًا دون بعضٍ، فجميعهم داخلون في ذلك: يهودهم، ونصاراهم، ومجوسهم، وعبدة الأوثان منهم، ومن غيرهم من سائر أصناف الكفر). [جامع البيان: 9/ 144-149]
- قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({الحمد للّه الّذي خلق السّماوات والأرض وجعل الظّلمات والنّور ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون (1)}
قوله تعالى: {الحمد لله}:
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو معمرٍ القطيعيّ، ثنا حفصٌ، عن حجّاجٍ، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عبّاسٍ قال: قال عمر: قد علمنا سبحان اللّه، ولا إله إلا اللّه، فما الحمد للّه؟ قال عليٌّ: كلمةٌ رضي اللّه لنفسه.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو معمرٍ المنقريّ، ثنا عبد الوارث، ثنا عليّ بن زير بن جدعان، عن يوسف بن مهران قال: قال ابن عبّاسٍ: «الحمد للّه كلمة الشّكر، وإذا قال العبد: الحمد للّه قال: شكرني عبدي»
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلاء أبو كريبٍ، ثنا عثمان بن سعيدٍ، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «الحمد للّه هو: الشّكر للّه الاستخذاء له، الإقرار بنعمه وابتدائه، وغير ذلك».
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا وهيبٌ، ثنا سهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن السّلوليّ، عن كعبٍ قال: «الحمد للّه: ثناء اللّه».
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الرّحمن العرزميّ، ثنا بزيعٌ أبو خازمٍ، عن يحيى بن عبد الرّحمن يعني: أبا بسطامٍ، عن الضّحّاك قال:«الحمد للّه رداء اللّه، الرّحمن تبارك وتعالى».
قوله تعالى: {الذي خلق السماوات والأرض}:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عمرو بن عثمان، ثنا بقيّة عن أرطأة، عن المعلّى بن إسماعيل أنّ رجلا أتى أبيّ بن كعبٍ، فسأله عن القدر فقال: «سبحان اللّه العظيم، إنّ اللّه خلق السّموات والأرض، وخلق الخير والشّرّ، وأسعد بالخير من شاء، وأشقى بالشّرّ من شاء».
- وحدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: خلق السماوات والأرض، قال: خلق السّموات قبل الأرض.
- أخبرنا محمّد بن حمّادٍ أبو عبد اللّه الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، أخبرني عبد الصّمد بن معقلٍ أنّه سمع عمّه وهب بن منبّهٍ يقول: «قال عزيرٌ: يا ربّ أمرت الماء فجمد في وسط الهواء، فجعلت منه سبعًا، وسمّيتها السّموات، ثمّ أمرت الماء ينفتق من التّراب، وأمرت التّراب أن يتميّز من الماء، فكان ذلك، فسمّيت جميع ذلك الأرضين وجميع الماء البحار».
قوله تعالى: {وجعل الظّلمات}:
- حدّثنا الحسن بن أيّوب القزوينيّ، ثنا سلمة بن شبيبٍ، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا محمّد بن مسلم بن أبي الوضّاح، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ قال: الحمد للّه الّذي خلق السّماوات والأرض وجعل الظّلمات والنّور ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون قال: نزلت هذه الآية في الزّنادقة، قالوا: إنّ اللّه لا يخلق الظّلمة ولا الخنافس ولا العقارب ولا شيئًا قبيحًا، وإنّ اللّه يخلق الضّوء وكلّ شيءٍ حسنٍ قال: فأنزلت فيهم هذه الآية.
- وأخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: وجعل الظّلمات والنّور قال: الظّلمات: ظلمة اللّيل.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: وجعل الظّلمات والنّور قال: خلق الظّلمة قبل النّور.
قوله: {والنّور}:
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ، قوله: وجعل الظّلمات والنّور قال: خلق الظّلمة قبل النّور.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ، قوله: وجعل الظّلمات والنّور قال: النّور نور النّهار.
قوله: {ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون}:
- ثنا عليّ بن الحسين، ثنا حفص بن عمر، ثنا عامر بن إبراهيم، عن يعقوب القمّيّ، عن جعفرٍ، عن ابن أبزى، عن عليٍّ قال: أتاه رجلٌ من الخوارج فقال له: «الحمد للّه الّذي خلق السّماوات والأرض وجعل الظّلمات والنّور ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون. أليس كذلك؟ قال: نعم، فانصرف عنه ثمّ قال له عليٌّ: ارجع ارجع، أي قل: إنّما أنزلت في أهل الكتاب وهم الّذين عدلوا بربّهم، يعني أهل الكتاب».
- حدّثنا أبي، ثنا سعيد بن عبد الحميد المقري، ثنا يعقوب عن جعفرٍ عن ابن أبزى، نحو ذلك، ولم يذكر عن عليٍّ رضي اللّه عنه.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: يعدلون قال: يشركون. وروي عن السّدّيّ، نحو ذلك.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج، قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، في قوله {ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون}، قال: الآلهة الّتي عبدوها عدلوها باللّه، وليس له عدلٌ، ولا ندٌّ، ولا معه آلهةٌ ولا اتّخذ صاحبةً ولا ولدًا). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1258-1260]
- قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ):
(ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ثم الذين كفروا بربهم يعدلون يعني يشركون).[تفسير مجاهد: 211]
- قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية (1).
أخرج ابن الضريس في فضائل القرآن، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ، عن كعب قال: فتحت التوراة {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} وختمت {الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا} إلى قوله: {وكبره تكبيرا}.
وأخرج عبد بن حميد، عن الربيع بن أنس {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} قال: هي في التوراة بستمائة آية.
وأخرج أبو الشيخ، عن قتادة {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض}: حمد نفسه فأعظم خلقه.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن علي، أنه أتاه رجل من الخوارج فقال: «{الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} أليس كذلك؟ قال: نعم، فانصرف عنه ثم قال: ارجع، فرجع فقال: أي قل إنما أنزلت في أهل الكتاب».
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ، عن عبد الرحمن بن أبزي، عن أبيه أنه أتاه رجل من الخوارج فقرأ عليه: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور...
الآية}، ثم قال: أليس الذي كفروا بربهم يعدلون؟ قال: بلى، فانصرف عنه الرجل فقال له رجل من القوم: يا ابن أبزي إن هذا أراد تفسير الآية غير ما ترى إنه رجل من الخوارج، قال: ردوه علي، فلما جاء قال: أتدري فيمن أنزلت هذه الآية؟ قال: لا، قال: نزلت في أهل الكتاب فلا تضعها في غير موضعها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: نزلت هذه الآية في الزنادقة {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور} قال: قالوا: إن الله لم يخلق الظلمة، ولا الخنافس، ولا العقارب، ولا شيئا قبيحا؛ وإنما خلق النور وكل شيء حسن فأنزل فيهم هذه الآية.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال: نزل جبريل مع سبعين ألف ملك معهم سورة الأنعام لهم زجل من التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد وقال: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض} فكان فيه رد على ثلاثة أديان منهم فكان فيه رد على الدهرية لأن الأشياء كلها دائمة ثم قال: {وجعل الظلمات والنور} فكان فيه رد على المجوس الذين زعموا أن الظلمة والنور هما المدبران وقال {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} فكان فيه رد على مشركي العرب ومن دعا دون الله إلها.
وأخرج ابن جرير عن أبي روق قال: كل شيء في القرآن {جعل} فهو خلق.
وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس {وجعل الظلمات والنور} قال: الكفر والإيمان.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور} قال: خلق الله السموات قبل الأرض والظلمة قبل النور والجنة قبل النار {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} قال: كذب العادلون بالله فهؤلاء أهل الشرك.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وجعل الظلمات والنور} قال: الظلمات ظلمة الليل والنور نور النهار، {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} قال: هم المشركون.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن مجاهد في قوله: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} قال: يشركون.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} قال: الآلهة التي عبدوها عدلوها بالله تعالى وليس لله عدل ولا ند وليس معه آلهة ولا اتخذ صاحبة ولا ولدا). [الدر المنثور: 6/ 11-15]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) }
- قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر، عن قتادة والحسن في قوله تعالى: {قضى أجلا وأجل مسمى عنده} قالا: قضى أجل الدنيا من يوم خلقك إلى أن تموت وأجل مسمى عنده يوم القيامة). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 203]
- قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(قال ابن عبّاسٍ: {ثمّ لم تكن فتنتهم} [الأنعام: 23] : «معذرتهم» ، {معروشاتٍ} [الأنعام: 141] : «ما يعرش من الكرم وغير ذلك» ، {حمولةً} [الأنعام: 142] : «ما يحمل عليها»، {وللبسنا} [الأنعام: 9] : «لشبّهنا» ، {لأنذركم به} [الأنعام: 19] : «أهل مكّة» ، {ينأون} [الأنعام: 26] : «يتباعدون» ، {تبسل} [الأنعام: 70] : «تفضح» ، {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أفضحوا» ، {باسطو أيديهم} : «البسط الضّرب» ، وقوله: {استكثرتم من الإنس} [الأنعام: 128] : «أضللتم كثيرًا»، {ممّا ذرأ من الحرث} [الأنعام: 136] : «جعلوا للّه من ثمراتهم ومالهم نصيبًا، وللشّيطان والأوثان نصيبًا» ، {أكنّةً} [الأنعام: 25] : «واحدها كنانٌ» ، {أمّا اشتملت} [الأنعام: 143] : «يعني هل تشتمل إلّا على ذكرٍ أو أنثى، فلم تحرّمون بعضًا وتحلّون بعضًا؟» ، {مسفوحًا} [الأنعام: 145] : «مهراقًا» ، {صدف} [الأنعام: 157] : « أعرض، أبلسوا: أويسوا» ، و {أبسلوا} [الأنعام: 70] : «أسلموا» ، {سرمدًا} [القصص: 71] : «دائمًا» ، {استهوته} [الأنعام: 71] : «أضلّته» ، {تمترون} [الأنعام: 2] : «تشكّون»). [صحيح البخاري: 6/ 55-56] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {تمترون} تشكّون قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {ثمّ أنتم تمترون} أي تشكّون وكذا أخرجه الطّبريّ من طريق أسباط، عن السّدّيّ). [فتح الباري: 8/ 290-291]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (تمترون تشكّون أشار به إلى قوله تعالى: {ثمّ أنتم تمترون} [الأنعام: 20] وفسره بقوله: تشكون وكذا فسره السّديّ). [عمدة القاري: 18/ 221]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وفي قوله: {ثم أنتم} ({تمترون}) أي (تشكون) ).[إرشاد الساري: 7/ 116]
- قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ):
(ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قوله عز وجل: {قضى أجلاً} قال: ما خلق في ستّة أيّامٍ). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 87]
- قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قوله عزّ وجلّ: {وأجلٌ مسمًّى عنده} قال: ما كان بعد ذلك إلى يوم القيامة). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 87]
- قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هو الّذي خلقكم من طينٍ}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {هو الّذي خلقكم من طينٍ} أنّ اللّه الّذي خلق السّموات والأرض، وأظلم ليلهما وأنار نهارهم، فكفر به مع إنعامه عليهم الكافرون، وعدلوا به من لا ينفعهم ولا يضرّهم، هو الّذي خلقكم أيّها النّاس من طينٍ، وإنّما يعني بذلك تعالى ذكره أنّ النّاس ولد من خلقه من طينٍ، فأخرج ذلك مخرج الخطاب لهم، إذ كانوا ولده.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {هو الّذي خلقكم من طينٍ}: «بدء الخلق خلق اللّه آدم من طينٍ».
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {هو الّذي خلقكم من طينٍ} قال: هو آدم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أمّا خلقكم من طينٍ: فآدم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو تميلة، عن عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ، قال: خلق آدم من طينٍ، وخلق النّاس من سلالةٍ من ماءٍ مهينٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {خلقكم من طينٍ} قال: خلق آدم من طينٍ، ثمّ خلقنا من آدم حين أخذنا من ظهره.
القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ قضى أجلاً وأجلٌ مسمًّى عنده}:
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى قوله: {ثمّ قضى أجلاً}: ثمّ قضى لكم أيّها النّاس {أجلاً}، وذلك ما بين أن يخلق إلى أن يموت، {وأجلٌ مسمًّى عنده}: وذلك ما بين أن يموت إلى أن يبعث.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، وهنّاد بن السّريّ، قالا: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا أبي، عن أبي بكرٍ الهذليّ، عن الحسن، في قوله: {قضى أجلاً} قال:« ما بين أن يخلق إلى أن يموت». {وأجلٌ مسمًّى عنده} قال:
«ما بين أن يموت إلى أن يبعث».
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ثمّ قضى أجلاً وأجلٌ مسمًّى عنده} كان يقول:
«أجل حياتك إلى أن تموت وأجل موتك إلى أن تبعث، فأنت بين أجلين من اللّه تعالى».
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو تميلة، عن عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ: {قضى أجلاً وأجلٌ مسمًّى عنده} قال: قضى أجل الموت، وكلّ نفسٍ أجلها الموت. قال: {ولن يؤخّر اللّه نفسًا إذا جاء أجلها}، {وأجلٌ مسمًّى عنده} يعني: أجل السّاعة ذهاب الدّنيا والإفضاء إلى اللّه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: ثمّ قضى الدّنيا وعنده الآخرة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن سفيان، عن أبي حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أجلاً} قال: الدّنيا. {وأجلٌ مسمًّى عنده}: الآخرة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن زكريّا بن إسحاق، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {قضى أجلاً} قال: الآخرة عنده. {وأجلٌ مسمًّى}: الدّنيا.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهد: {أجلاً} قال: الآخرة عنده. {وأجلٌ مسمًّى} قال: الدّنيا.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، والحسن: {ثمّ قضى أجلاً وأجلٌ مسمًّى عنده}، قالا: قضى أجل الدّنيا من حين خلقك إلى أن تموت. {وأجلٌ مسمًّى عنده}: يوم القيامة.
- حدّثنا هنّادٌ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، وعكرمة: {ثمّ قضى أجلاً وأجلٌ مسمًّى عنده} قال: قضى أجل الدّنيا. {وأجلٌ مسمًّى عنده} قال: هو أجل البعث.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، وعكرمة: {ثمّ قضى أجلاً} قال: الموت. {وأجلٌ مسمًّى عنده}: الآخرة.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة والحسن، في قوله: {ثمّ قضى أجلاً وأجلٌ مسمًّى عنده} قالا: قضى أجل الدّنيا منذ يوم خلقت إلى أن تموت، وأجلٌ مسمًّى عنده يوم القيامة.
- حدّثنا ابن وكيعٍ وابن حميدٍ، قالا: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {قضى أجلاً} قال: أجل الدّنيا. {وأجلٌ مسمًّى عنده} قال: البعث.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {ثمّ قضى أجلاً وأجلٌ مسمًّى عنده} يعني: أجل الموت. والأجل المسمّى: أجل السّاعة، الوقوف عند اللّه.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {قضى أجلاً} قال: أمّا {قضى أجلاً}: فأجل الموت. {وأجلٌ مسمًّى عنده}: يوم القيامة.
وقال آخرون في ذلك بما:
- حدّثني به محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ثمّ قضى أجلاً وأجلٌ مسمًّى عنده} قال: أمّا قوله: {قضى أجلاً}: فهو النّوم تقبض فيه الرّوح ثمّ ترجع إلى صاحبها حين اليقظة. {وأجلٌ مسمًّى عنده}: هو أجل موت الإنسان
وقال آخرون بما:
- حدّثني به يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ، في قوله: {هو الّذي خلقكم من طينٍ ثمّ قضى أجلاً وأجلٌ مسمًّى عنده ثمّ أنتم تمترون} قال: خلق آدم من طينٍ، ثمّ خلقنا من آدم، أخذنا من ظهره، ثمّ أخذ الأجل والميثاق في أجلٍ واحدٍ مسمًّى في هذه الحياة الدّنيا.
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب قول من قال: معناه: ثمّ قضى أجل هذه الحياة الدّنيا، {وأجلٌ مسمًّى عنده}: وهو أجل البعث عنده.
وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب، لأنّه تعالى نبّه خلقه على موضع حجّته عليهم من أنفسهم، فقال لهم: أيّها النّاس، إنّ الّذي يعدل به كفّاركم الآلهة والأنداد هو الّذي خلقكم فابتدأكم وأنشأكم من طينٍ، فجعلكم صورًا أجسامًا أحياء بعد إذ كنتم طينًا جمادًا، ثمّ قضى آجال حياتكم لفنائكم ومماتكم، ليعيدكم ترابًا وطينًا كالّذي كنتم قبل أن ينشئكم ويخلقكم. {وأجلٌ مسمًّى عنده} لإعادتكم أحياءً وأجسامًا كالّذي كنتم قبل مماتكم. وذلك نظير قوله: {كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا فأحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم ثمّ إليه ترجعون}.

القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ أنتم تمترون}:
يقول تعالى ذكره: ثمّ أنتم تشكّون في قدرة من قدر على خلق السّموات والأرض، وإظلام اللّيل وإنارة النّهار، وخلقكم من طينٍ حتّى صيّركم بالهيئة الّتي أنتم بها على إنشائه إيّاكم من بعد مماتكم وفنائكم، وإيجاده إيّاكم بعد عدمكم.
والمريّة في كلام العرب هي الشّكّ، وقد بيّنت ذلك بشواهده في غير هذا الموضع فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته.
- و‍قد حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {ثمّ أنتم تمترون} قال: الشّكّ. قال: وقرأ قول اللّه: {في مريةٍ منه} قال: في شكٍّ منه.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ثمّ أنتم تمترون} بمثله). [جامع البيان: 9/ 149-155]
- قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({هو الّذي خلقكم من طينٍ ثمّ قضى أجلًا وأجلٌ مسمًّى عنده ثمّ أنتم تمترون (2)}
قوله: {ثمّ قضى أجلا}:
الوجه الأول:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا معاوية بن هشامٍ، ثنا سفيان، عن أبي حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ {ثمّ قضى أجلا} قال: أجل الدّنيا.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ثمّ قضى أجلا} يعني: أجل الموت.
- وروي عن الحسن، ومجاهدٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، والسّدّيّ وعطيّة، وقتادة، والضّحّاك، وزيد بن أسلم نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ثمّ قضى أجلا وأجلٌ مسمًّى عنده}، قال: أمّا قوله: قضى أجلا فهو النّوم، يقبض فيه الرّوح ثمّ يرجع إلى صاحبه حين اليقظة.
والوجه الثّالث:
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً، أخبرني محمّد بن شعيب بن شابور، أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه عطاء بن أبي مسلمٍ الخراسانيّ: أمّا قوله: {قضى أجلا} فيقال: ما خلق في ستّة أيّامٍ.
قوله: {وأجل مسمى}:
الوجه الأول:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا يحيى بن آدم، ثنا إسرائيل، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {وأجلٌ مسمًّى عنده} قال: إلى يوم القيامة. وروي عن سعيد بن جبيرٍ، وعطيّة، والضّحّاك، وعكرمة، والسّدّيّ، وعطاءٍ الخراسانيّ، والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وأجلٌ مسمًّى عنده}: أجل السّاعة.
والوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن عطيّة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وأجلٌ مسمًّى عنده}: فهو أجل موت الإنسان.
وروي عن الحسن أنّه قال: ما بين أن يخلق إلى أن يموت.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {قضى أجلا وأجلٌ مسمًّى عنده} يقول: أجل حياتك إلى يوم موتك، وأجل موتك إلى يوم تبعث، وأنت بين أجلين من اللّه.
- وروي عن مجاهدٍ، وخالد بن معدان، أنّهما قالا: أجل البعث.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، عن قيسٍ، عن أبي حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه: {وأجلٌ مسمًّى عنده}، قال: لا يعلمه إلا اللّه.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: وأجلٌ مسمًّى عنده، قال: الوقوف عند اللّه.
قوله:{ثمّ أنتم تمترون}:
الوجه الأول:
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله:{ثمّ أنتم تمترون}: تشكّون.
- حدّثنا أبي، ثنا الحكم بن موسى، ثنا يحيى بن حمزة، حدّثني ثورٌ، عن خالد بن معدان، {ثمّ أنتم تمترون} يقول: في البعث.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً، أخبرني ابن شعيب بن شابور، أخبرني ابن المبارك، عن الرّبيع بن أنسٍ، في قول اللّه: {ثمّ أنتم تمترون} يعني: الشّكّ والرّيبة في أمر السّاعة).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 1260-1262]
- قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ):
(ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قضى أجلا يعني الآخرة وأجل مسمى عنده يعني الدنيا). [تفسير مجاهد: 211]
- قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الجبّار، ثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن أبي حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، " {ثمّ قضى أجلًا وأجلٌ مسمًّى عنده} قال: هما أجلان أجل الدّنيا، وأجلٌ في الآخرة مسمًّى عنده لا يعلمه إلّا اللّه، وقوله {ولو نزّلنا عليك كتابًا في قرطاسٍ فلمسوه بأيديهم} قال: مسّوه ونظروا إليه لم يؤمنوا به «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/ 344]
- قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {هو الذي خلقكم من طين} يعني: آدم {ثم قضى أجلا} يعني: أجل الموت {وأجل مسمى عنده}: أجل الساعة والوقوف عند الله.
- وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ الحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: {ثم قضى أجلا} قال: أجل الدنيا، وفي لفظ: أجل موته {وأجل مسمى عنده} قال: الآخرة لا يعلمه إلا الله.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {قضى أجلا} قال: هو النوم يقبض الله فيه الروح ثم يرجع إلى صاحبه حين اليقظة {وأجل مسمى عنده} قال: هو أجل موت الإنسان
- وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {هو الذي خلقكم من طين} قال: هذا بدء الخلق خلق آدم من طين {ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين}، {ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده} يقول: أجل حياتك إلى يوم تموت وأجل موتك إلى يوم البعث {ثم أنتم تمترون} قال: تشكون.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله {ثم قضى أجلا} قال: أجل الدنيا الموت {وأجل مسمى عنده} قال: الآخرة البعث.
وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن قتادة والحسن في قوله {قضى أجلا} قالا: قضى أجل الدنيا منذ خلقت إلى أن تموت {وأجل مسمى عنده} قال: يوم القيامة.
وأخرج أبو الشيخ عن يونس بن يزيد الايلي {قضى أجلا} قال: ما خلق في ستة أيام {وأجل مسمى عنده} قال: ما كان بعد ذلك إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله {ثم أنتم تمترون} قال: تشكون
وأخرج ابن أبي حاتم عن خالد بن معدان في قوله {ثم أنتم تمترون} يقول يقول: في البعث). [الدر المنثور: 6/ 15-17]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)}
- قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهو اللّه في السّموات وفي الأرض يعلم سرّكم وجهركم ويعلم ما تكسبون}.
يقول تعالى ذكره: إنّ الّذي له الألوهة الّتي لا تنبغي لغيره، المستحقّ عليكم إخلاص الحمد له بآلائه عندكم أيّها النّاس، الّذي يعدل به كفّاركم من سواه، هو اللّه الّذي هو في السّموات وفي الأرض، {يعلم سرّكم وجهركم} فلا يخفى عليه شيءٌ، يقول: فربّكم الّذي يستحقّ عليكم الحمد ويجب عليكم إخلاص العبادة له، هو هذا الّذي صفته، لا من لا يقدر لكم على ضرٍّ ولا نفعٍ ولا يعمل شيئًا ولا يدفع عن نفسه سوءًا أريد بها.
وأمّا قوله: {ويعلم ما تكسبون} يقول: ويعلم ما تعملون وتجرحون، فيحصي ذلك عليكم ليجازيكم به عند معادكم إليه). [جامع البيان: 9/ 155]
- قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): {وهو اللّه في السّماوات وفي الأرض يعلم سرّكم وجهركم ويعلم ما تكسبون (3)}
قوله: {وهو الله في السّماوات وفي الأرض يعلم سرّكم وجهركم}:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يعلم سرّكم}، قال: السّرّ: ما أسرّ ابن آدم في نفسه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: {يعلم سرّكم} قال: السّرّ: ما حدّثت به نفسك). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1262-1263]


تفسير قوله تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4)}
- قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما تأتيهم من آيةٍ من آيات ربّهم إلاّ كانوا عنها معرضين}.
يقول تعالى ذكره: وما تأتي هؤلاء الكفّار الّذين بربّهم يعدلون أوثانهم وآلهتهم {آيةٌ من آيات ربّهم} يقول: حجّةٌ وعلامةٌ ودلالةٌ من حجج ربّهم ودلالاته، وأعلامه على وحدانيّته، وحقيقة نبوّتك يا محمّد، وصدق ما أتيتهم به من عندي، {إلاّ كانوا عنها معرضين} يقول: إلاّ أعرضوا عنها، يعني عن الآية، فصدّوا عن قبولها والإقرار بما شهدت على حقيقته ودلّت على صحّته، جهلاً منهم باللّه واغترارًا بحلمه عنهم). [جامع البيان: 9/ 155]
- قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وما تأتيهم من آيةٍ من آيات ربّهم إلّا كانوا عنها معرضين (4)}
قوله: {وما تأتيهم من آيةٍ}:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنا العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وما تأتيهم من آيةٍ من آيات ربّهم إلّا كانوا عنها معرضين} يقول: ما تأتيهم من شيءٍ من كتاب اللّه إلا أعرضوا عنه).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 1263]
- قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين} يقول: ما يأتيهم من شيء من كتاب الله إلا أعرضوا عنه، وفي قوله {فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون} يقول: سيأتيهم يوم القيامة أنباء ما استهزأوا به من كتاب الله عز وجل).[الدر المنثور: 6/ 17]

تفسير قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5)}
- قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فقد كذّبوا بالحقّ لمّا جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون}.
يقول تعالى ذكره: فقد كذّب هؤلاء العادلون باللّه الحقّ لمّا جاءهم، وذلك الحقّ هو محمّدٌ (صلّى اللّه عليه وسلّم)، كذّبوا به، وجحدوا نبوّته لمّا جاءهم، قال اللّه لهم متوّعّدًا على تكذيبهم إيّاه وجحودهم نبوّته: سوف يأتي المكذّبين بك يا محمّد من قومك وغيرهم {أنباء ما كانوا به يستهزئون} يقول: سوف يأتيهم أخبار استهزائهم بما كانوا به يستهزئون من آياتي وأدلّتي الّتي آتيتهم. ثمّ وفى لهم بوعيده لمّا تمادوا في غيّهم وعتوا على ربّهم، فقتلهم يوم بدرٍ بالسّيف). [جامع البيان: 9/ 155]
- قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فقد كذّبوا بالحقّ لمّا جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون (5)}
قوله: {فقد كذّبوا بالحقّ لمّا جاءهم}:
- وبه عن قتادة، قوله: {أنباء ما كانوا به يستهزؤن}، يقول: سيأتيهم يوم القيامة أنبأء ما استهزءوا به من كتاب اللّه عزّ وجلّ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 1263]
- قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله وما {وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين} يقول: ما يأتيهم من شيء من كتاب الله إلا أعرضوا عنه، وفي قوله {فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤون} يقول: سيأتيهم يوم القيامة أنباء ما استهزأوا به من كتاب الله عز وجل). [الدر المنثور: 6/ 17] (م).


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 02:41 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي


{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5)}

تفسير قوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وجعل الظّلمات والنّور} أي خلق، والنور الضوء.
{بربّهم يعدلون}: مقدم ومؤخر، مجازه يعدلون بربهم، أي: يجعلون له عدلاً، تبارك وتعالى عما يصفون). [مجاز القرآن: 1/ 185]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قال أبو إسحاق: بلغني من حيث أثق به أن سورة الأنعام نزلت كلها جملة واحدة، نزل بها سبعون ألف ملك لهم زجل بالتسبيح، وأن أكثرها احتجاج على مشركي العرب. على من كذب بالبعث والنشور، فابتدأ اللّه عزّ وجلّ بحمده فقال: {الحمد للّه الّذي خلق السّماوات والأرض وجعل الظّلمات والنّور ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون} فذكر أعظم الأشياء المخلوقة لأن السماء بغير عمد ترونها والأرض غير مائدة بنا، ثم ذكر الظلمات والنور، وذكر أمر الليل والنهار، وهو مما به قوام الخلق، فأعلم اللّه عزّ وجلّ أن هذه خلق له، وأن خالقها لا شيء مثله، وأعلم مع ذلك أن الذين كفروا بربهم يعدلون، أي يجعلون للّه عديلا، فيعبدون الحجارة الموات، وهم يقرون أنّ الله خالق ما وصف، ثم أعلمهم اللّه عزّ وجلّ أنه خلقهم من طين.
وذكر في غير هذا الموضع أحوال المخلوقين في النطف والعلق والمضغ المخلّقة وغير المخلّقة، وذلك أن المشركين شكوا في البعث وقالوا:{من يحي العظام وهي رميم} فأعلمهم عزّ وجلّ أن الذي أنشأهم وأنشأ العظام وخلق هذه الأشياء لا من شيء قادر على أن يخلق مثلها، - وهو يحييهم بعد موتهم، فقال عزّ وجلّ: {هو الّذي خلقكم من طين ثمّ قضى أجلا وأجل مسمّى عنده ثمّ أنتم تمترون}). [معاني القرآن: 2/ 227-228]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (قوله جل وعز: {الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور} قال قتادة "خلق الله السماء قبل الأرض والليل قبل النهار والجنة قبل النار" فأما قوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} فمعناه بسطها). [معاني القرآن: 2/ 398]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون}
قال مجاهد: أي يشركون.
قال الكسائي: يقال عدلت الشيء بالشيء عدولا إذا ساويته به، وهذا القول يرجع إلى قول مجاهد لأنهم إذا عبدوا مع الله غيره فقد ساووه به وأشركوا). [معاني القرآن: 2/ 398]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({ثم الذين كفروا بربهم يعدلون}
أي: يسوون وهو الكفر الصراح، أي: يجعلون لله عدلا، أي: مثلا، عز وجل عن ذلك). [ياقوتة الصراط: 217]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَعْدِلُونَ}: يجعلون له مثلاً). [العمدة في غريب القرآن: 125]


تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وأجلٌ مسمّى عنده} مقدم ومؤخر، مجازه وعنده أجلٌ مسمّى، أي وقتٌ مؤقّتٌ.
{ثمّ أنتم تمترون} أي تشكّون). [مجاز القرآن:1/ 185]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({هو الّذي خلقكم مّن طينٍ ثمّ قضى أجلاً وأجلٌ مّسمًّى عنده ثمّ أنتم تمترون}
فأمّا قوله عز وجل: {وأجلٌ مّسمًّى عنده} فـ {أجلٌ} على الابتداء وليس على{قضى}). [معاني القرآن: 1/ 234]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({تمترون}: تشكون). [غريب القرآن وتفسيره: 134]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({ثمّ قضى أجلًا} بالموت.
{وأجلٌ مسمًّى عنده} للدنيا إذا فنيت). [تفسير غريب القرآن: 150]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ({هو الّذي خلقكم من طين ثمّ قضى أجلا وأجل مسمّى عنده ثمّ أنتم تمترون} أي جعل لحياتكم أجلا أي وقتا تحيون فيه.
{وأجل مسمى عنده} يعني أمر الساعة والبعث.
{ثمّ أنتم} بعد هذا البيان.
{تمترون} أي تشكون). [معاني القرآن: 2/ 228]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {هو الذي خلقكم من طين} ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده قال الحسن ومجاهد وعكرمة وخصيف وقتادة وهذا لفظ الحسن: قضى أجل الدنيا من يوم خلقك إلى أن تموت وأجل مسمى عنده يعني الآخرة.
{ثم أنتم تمترون} أي تشكون وتعبدون معه غيره). [معاني القرآن: 2/ 399]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تَمْتَرُونَ} تشُكون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 75]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تَمْتَرُونَ}: تشكون). [العمدة في غريب القرآن: 125]


تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {وهو اللّه في السّماوات وفي الأرض يعلم سرّكم وجهركم ويعلم ما تكسبون}
"في" موصولة في المعنى بما يدل عليه اسم اللّه، المعنى هو الخالق العالم بما يصلح به أمر السماء والأرض.
المعنى هو المتفرد بالتدبير في السّماوات والأرض،
ولو قلت "هو زيد في البيت والدار" لم يجز إلا أن يكون في الكلام دليل على أن زيدا يدبر أمر البيت والدار فيكون المعنى هو المدبّر في الدار والبيت،
ولو قلت "هو المعتضد الخليفة في الشرق والغرب"، أو قلت "هو المعتضد في الشرق والغرب" جاز على هذا.
ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر كأنه قيل إنه هو اللّه وهو في السّماوات وفي الأرض، ومثل هذا القول الأول - وهو الّذي في السّماء إله وفي الأرض إله
ويجوز أن يكون وهو الله في السّماوات وفي الأرض، أي هو المعبود فيهما، وهذا نحو القول الأول). [معاني القرآن: 2/ 228]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهو الله في السموات وفي الأرض} والألف واللام في أحد قولي سيبويه مبدلة من همزة والأصل عنده إله فالمعنى على هذا هو المعبود في السموات وفي الأرض،
- ويجوز أن يكون المعنى وهو الله المنفرد بالتأليه في السموات وفي الأرض كما تقول هو في حاجات الناس وفي الصلاة،
- ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر ويكون المعنى وهو الله في السموات وهو الله في الأرض). [معاني القرآن: 2/ 399-400]



تفسير قوله تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4)}


تفسير قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ( {أنبأ ما كانوا به يستهزءون} أي أخبار). [مجاز القرآن: 1/ 185]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {فقد كذّبوا بالحقّ لمّا جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون}: دل بهذا أنهم كانوا يستهزئون، وقد ذكر استهزاؤهم في غير هذا المكان، ومعنى إتيانه أي تأويله: المعنى سيعلمون ما يؤول إليه استهزاؤهم). [معاني القرآن: 2/ 228]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 ربيع الثاني 1434هـ/10-03-2013م, 10:31 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع

[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]




تفسير قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) }

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) }

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) }

تفسير قوله تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) }

تفسير قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 18 جمادى الآخرة 1435هـ/18-04-2014م, 06:39 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 18 جمادى الآخرة 1435هـ/18-04-2014م, 06:40 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 18 جمادى الآخرة 1435هـ/18-04-2014م, 06:40 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 18 جمادى الآخرة 1435هـ/18-04-2014م, 06:40 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {الحمد للّه الّذي خلق السّماوات والأرض وجعل الظّلمات والنّور ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون (1) هو الّذي خلقكم من طينٍ ثمّ قضى أجلاً وأجلٌ مسمًّى عنده ثمّ أنتم تمترون (2)}
هذا تصريح بأن الله تعالى هو الذي يستحق الحمد بأجمعه. لأن الألف واللام في الحمد لاستغراق الجنس، فهو تعالى له الأوصاف السنية والعلم والقدرة والإحاطة والأنعام، فهو أهل للمحامد على ضروبها وله الحمد الذي يستغرق الشكر المختص بأنه على النعم، ولما ورد هذا الإخبار تبعه ذكر بعض أوصافه الموجبة للحمد، وهي الخلق «للسماوات والأرض» قوام الناس وأرزاقهم، والأرض هاهنا للجنس فإفرادها في اللفظ بمنزلة جمعها، والبادي من هذا الترتيب أن السماء خلقت من قبل الأرض، وقد حكاه الطبري عن قتادة، وليس كذلك لأن الواو لا ترتب المعاني، والذي ينبني من مجموع آي القرآن أن الله تعالى خلق الأرض ولم يدحها ثم استوى إلى السماء فخلقها ثم دحا الأرض بعد ذلك، وجعل هاهنا بمعنى خلق لا يجوز غير ذلك، وتأمل لم خصت السّماوات والأرض ب خلق والظّلمات والنّور ب جعل؟ وقال القرطبي: {وجعل} هذه هي التي تتصرف في طرق الكلام كما تقول جعلت كذا فكأنه قال وجعل إظلامها وإنارتها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا غير جيد، لأن جعل إذا كانت على هذا النحو فلا بد أن يرتبط معها فعل آخر كما يرتبط في أفعال المقاربة كقولك كاد زيد يموت، «جعل» زيد يجيء ويذهب، وأما إذا لم تربط معها فعل فلا يصح أن تكون تلك التي ذكر الطبري، وقال السدي وقتادة والجمهور من المفسرين: الظّلمات الليل والنّور النهار، وقالت فرقة: الظّلمات الكفر والنّور الإيمان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا غير جيد لأنه إخراج لفظ بين في اللغة عن ظاهره الحقيقي إلى باطن لغير ضرورة، وهذا هو طريق اللغز الذي برئ القرآن منه، والنّور أيضا هنا للجنس فإفراده بمثابة جمعه.
وقوله تعالى: ثمّ دالة على قبح فعل الّذين كفروا لأن المعنى أن خلقه «السموات والأرض» وغيرهما قد تقرر، وآياته قد سطعت، وأنعامه بذلك قد تبين ثم بعد هذا كله عدلوا بربهم، فهذا كما تقول: يا فلان أعطيتك وأكرمتك وأحسنت إليك ثم تشتمني، أي بعد مهلة من وقوع هذا كله، ولو وقع العطف في هذا ونحوه بالواو لم يلزم التوبيخ كلزومه ب ثمّ، الّذين كفروا في هذا الموضع هم كل من عبد شيئا سوى الله قال قتادة: هم أهل الشرك صراحية، ومن خصص من المفسرين في ذلك بعضا دون بعض فلم يصب إلا أن السابق من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الإشارة إلى عبدة الأوثان من العرب لمجاورتهم له، ولفظ الآية أيضا يشير إلى المانوية ويقال الماننية العابدين للنور القائلين إن الخير من فعل النور والشر من فعل الظلام، وقول ابن أبزى إن المراد أهل الكتاب بعيد، ويعدلون معناه يسوون ويمثلون، وعدل الشيء قرينه ومثيله، والمنوية مجوس، وورد في مصنف أبي داود حديث وهو القدرية مجوس هذه الأمة ومعناه الإغلاظ عليهم والذم لهم في تشبيههم بالمجوس وموضع الشبه هو أن المجوس تقول الأفعال خيرها خلق النور وشرها خلق الظلمة فجعلوا خالقا غير الله، والقدرية تقول الإنسان يخلق أفعاله فجعلوا خالقا غير الله تعالى عن قولهم، وذهب أبو المعالي إلى التشبيه بالمجوس إنما هو قول القدرية: إن الخير من الله وإن الشر منه ولا يريده. وإنما قلنا في الحديث إنه تغليظ لأنه قد صرح أنهم من الأمة ولو جعلهم مجوسا حقيقة لم يضفهم إلى الأمة، وهذا كله ان لو صح الحديث والله الموفق). [المحرر الوجيز: 3/ 309-311]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {هو الّذي خلقكم من طينٍ ...}الآية قال مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم.. المعنى خلق آدم من طين والبشر من آدم فلذلك قال: خلقكم من طينٍ وحكى المهدوي عن فرقة أنها قالت بل المعنى أن النطفة التي يخلق منها الإنسان أصلها من طين ثم يقلبها الله نطفة، وذكره مكي والزهراوي، والقول الأول أليق بالشريعة لأن القول الثاني إنما يترتب على قول من يقول بأن الطين يرجع بعد التولد والاستحالات الكثيرة نطفة، وذلك مردود عند الأصوليين، واختلف المفسرون في هذين الأجلين، فقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة والضحاك، أجلًا أجل الإنسان من لدن ولادته إلى موته، والأجل المسمى عنده من وقت موته إلى حشره، ووصفه بمسمى عنده لأنه استأثر بعلم وقت القيامة، وقال ابن عباس: أجلًا، الدنيا، أجلٌ مسمًّى الآخرة، وقال مجاهد: أجلًا، الآخرة، وأجلٌ مسمًّى، الدنيا بعكس الذي قبله، وقال ابن عباس أيضا: أجلًا، وفاة الإنسان بالنوم، وأجلٌ مسمًّى وفاته بالموت وقال ابن زيد، الأجل الأول هو في وقت أخذ الميثاق على بني آدم حين استخرجهم من ظهر آدم، وبقي «أجل» واحد مسمى في هذه الحياة الدنيا، وحكى المهدوي عن فرقة أجلًا، ما عرف الناس من آجال الأهلة والسنين والكوائن، وأجلٌ مسمًّى قيام الساعة، وحكي أيضا عن فرقة أجلًا ما عرفناه من أنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، وأجلٌ مسمًّى الآخرة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: رضي الله عنه. وينبغي أن تتأمل لفظة قضى في هذه الآية فإنها تحتمل معنيين، فإن جعلت بمعنى قدر وكتب ورجعت إلى سابق علمه وقدره فيقول إن ذلك ولا بد قبل خلقه آدم من طين، وتخرج ثم من معهودها في ترتيب زمني وقوع القصتين ويبقى لها ترتيب زمني الإخبار عنه، كأنه قال: أخبركم أنه خلقكم من طين ثم أخبركم أنه قضى أجلا، وإن جعلت قضى بمعنى أوجد وأظهر ويرجع ذلك إلى صفة فعل فيصح أن يكون خلق آدم من طين قبل إظهار هذا الأجل وإبدائه وتكون ثم على بابها في ترتيب زمني وقوع القضيتين، وتمترون معناه تشكون، والمرية الشك، وقوله: ثمّ أنتم على نحو قوله: ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون في التوبيخ على سوء الفعل بعد مهلة من وضوح الحجج). [المحرر الوجيز: 3/ 312-313]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وهو اللّه في السّماوات وفي الأرض يعلم سرّكم وجهركم ويعلم ما تكسبون (3) وما تأتيهم من آيةٍ من آيات ربّهم إلاّ كانوا عنها معرضين (4) فقد كذّبوا بالحقّ لمّا جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزؤن (5)}
قاعدة الكلام في هذه الآية أن حلول الله تعالى في الأماكن مستحيل وكذلك مماسته للأجرام أو محاداته لها أو تحيز لا في جهة لامتناع جواز التقرب عليه تبارك وتعالى، فإذا تقرر هذا فبين أن قوله تعالى:
وهو اللّه في السّماوات وفي الأرض ليس على حد قولنا زيد في الدار بل هو على وجه من التأويل آخر، قالت فرقة ذلك على تقدير صفة محذوفة من اللفظ ثابتة في المعنى، كأنه قال وهو الله المعبود في السماوات وفي الأرض، وعبر بعضهم بأن قدر هو الله المدبر للأمر في «السماوات وفي الأرض»، وقال الزجاج في متعلقة بما تضمنه اسم الله تعالى من المعاني كما يقال: أمير المؤمنين الخليفة في المشرق والمغرب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا عندي أفضل الأقوال وأكثرها إحرازا لفصاحة اللفظ وجزالة المعنى، وإيضاحه أنه أراد أن يدل على خلقه وإيثار قدرته وإحاطته واستيلائه ونحو هذه الصفات فجمع هذه كلها في قوله: وهو اللّه أي الذي له هذه كلها «في السماوات وفي الأرض» كأنه وهو الخالق الرازق المحيي المحيط «في السماوات وفي الأرض» كما تقول زيد السلطان في الشام والعراق، فلو قصدت ذات زيد لقلت محالا، وإذا كان مقصد قولك: زيد الآمر الناهي المبرم الذي يعزل ويولي في الشام والعراق فأقمت السلطان مقام هذه كان فصيحا صحيحا، فكذلك في الآية أقام لفظة اللّه مقام تلك الصفات المذكورة، وقالت فرقة وهو اللّه ابتداء وخبرتم الكلام عنده، ثم استأنف، وتعلق قوله في السّماوات بمفعول يعلم، كأنه قال «وهو الله يعلم سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض» فلا يجوز مع هذا التعليق أن يكون هو ضمير أمر وشأن لأنه يرفع اللّه بالابتداء، ويعلم في موضع الخبر، وقد فرق في السّماوات وفي الأرض بين الابتداء والخبر وهو ظرف غريب من الجملة، ويلزم قائلي هذه المقالة أن تكون المخاطبة في الكاف في قوله: سرّكم وجهركم لجميع المخلوقين الإنس والملائكة، لأن الإنس لا سر ولا جهر لهم في السماء، فترتيب الكلام على هذا القول وهو الله يعلم يا جميع المخلوقين «سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض»، وقالت فرقة وهو ضمير الأمر والشأن و «الله في السماوات» ابتداء وخبرتم الكلام عنده، ثم ابتدأ كأنه قال «ويعلم في الأرض سركم وجهركم»، وهذا القول إذ قد تخلص من لزوم المخاطبة الملائكة فهو مخلص من شبهة الكون في السماء بتقدير حذف المعبود أو المدبر على ما تقدم، وقوله تعالى: يعلم سرّكم وجهركم ويعلم ما تكسبون خبر في ضمنه تحذير وزجر، وتكسبون لفظ عام لجميع الاعتقادات والأفعال والأقوال). [المحرر الوجيز: 3/ 313-314]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وما تأتيهم الآية، ما نافية ومن الأولى هي الزائدة التي تدخل على الأجناس بعد النفي، فكأنها تستغرق الجنس، ومن الثانية للتبعيض، والآية العلامة والدلالة والحجة، وقد تقدم القول في وزنها في صدر الكتاب، وتضمنت هذه الآية مذمة هؤلاء الذين يعدلون بالله سواه بأنهم يعرضون عن كل آية ترد عليهم). [المحرر الوجيز: 3/ 314-315]

تفسير قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم اقتضت الفاء في قوله فقد أن إعراضهم عن الآيات قد أعقب أن كذبوا بالحق وهو محمد عليه السلام وما جاء به، ثم توعدهم بأن يأتيهم عقاب استهزائهم، وما بمعنى الذي، ويصح أن تكون مصدرية، وفي الكلام حذف مضاف تقديره يأتيهم مضمن أنباء القرآن الذي كانوا به يستهزئون، وإن جعلت ما مصدرية فالتقدير يأتيهم نبأ كونهم مستهزئين، أي عقاب يخبرون أنه على ذلك الاستهزاء، وهذه العقوبات التي توعدوا بها تعم عقوبات الدنيا كبدر وغيرها وعقوبات الآخرة). [المحرر الوجيز: 3/ 315]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 18 جمادى الآخرة 1435هـ/18-04-2014م, 06:40 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 18 جمادى الآخرة 1435هـ/18-04-2014م, 06:40 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (1) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {الحمد للّه الّذي خلق السّماوات والأرض وجعل الظّلمات والنّور ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون (1) هو الّذي خلقكم من طينٍ ثمّ قضى أجلًا وأجلٌ مسمًّى عنده ثمّ أنتم تمترون (2) وهو اللّه في السّماوات وفي الأرض يعلم سرّكم وجهركم ويعلم ما تكسبون (3) }
يقول اللّه تعالى مادحًا نفسه الكريمة، وكما حامدًا لها على خلقه السّموات والأرض قرارًا لعباده، وجعل الظّلمات والنّور منفعةً لعباده في ليلهم ونهارهم، فجمع لفظ "الظّلمات" ووحّد لفظ النّور"؛ لكونه أشرف، قال {عن اليمين والشّمائل} [النّحل: 48]، وكما قال في آخر هذه السّورة {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه ولا تتّبعوا السّبل فتفرّق بكم عن سبيله} [الأنعام: 153].
وقوله: {ثمّ الّذين كفروا بربّهم يعدلون} أي: ومع هذا كلّه كفر به بعض عباده، وجعلوا معه شريكًا وعدلًا واتّخذوا له صاحبةً وولدًا، تعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 238-239]

تفسير قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (2) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {هو الّذي خلقكم من طينٍ} يعني: أباهم آدم الّذي هو أصلهم ومنه خرجوا، فانتشروا في المشارق والمغارب.
وقوله: {ثمّ قضى أجلا وأجلٌ مسمًّى عنده} قال سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ: {ثمّ قضى أجلا} يعني: الموت {وأجلٌ مسمًّى عنده} يعني: الآخرة.
وهكذا روي عن مجاهدٍ، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، والضّحّاك، وزيد بن أسلم، وعطيّة، والسّدّي، ومقاتل بن حيّان، وغيرهم.
وقول الحسن -في روايةٍ عنه: {ثمّ قضى أجلا} قال: ما بين أن يخلق إلى أن يموت {وأجلٌ مسمًّى عنده} ما بين أن يموت إلى أن يبعث-هو يرجع إلى ما تقدّم، وهو تقدير الأجل الخاصّ، وهو عمر كلّ إنسانٍ، وتقدير الأجل العامّ، وهو عمر الدّنيا بكمالها ثمّ انتهائها وانقضائها وزوالها، [وانتقالها] والمصير إلى الدّار الآخرة.
وعن ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ: {ثمّ قضى أجلا} يعني: مدّة الدّنيا {وأجلٌ مسمًّى عنده} يعني: عمر الإنسان إلى حين موته، وكأنّه مأخوذٌ من قوله تعالى بعد هذا: {وهو الّذي يتوفّاكم باللّيل ويعلم ما جرحتم بالنّهار ثمّ [يبعثكم فيه ليقضى أجلٌ مسمًّى ثمّ إليه مرجعكم]} الآية [الأنعام: 60].
وقال عطيّة، عن ابن عبّاسٍ {ثمّ قضى أجلا} يعني: النّوم، يقبض فيه الرّوح، ثمّ يرجع إلى صاحبه عند اليقظة {وأجلٌ مسمًّى عنده} يعني: أجل موت الإنسان، وهذا قولٌ غريبٌ.
ومعنى قوله: {عنده} أي: لا يعلمه إلّا هو، كقوله تعالى: {إنّما علمها عند ربّي لا يجلّيها لوقتها إلا هو} [الأعراف: 187]، وكقوله {يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربّك منتهاها} [النّازعات: 42 -44].
وقوله: {ثمّ أنتم تمترون} قال السّدّي وغيره: يعني تشكّون في أمر السّاعة). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 239]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وهو اللّه في السّماوات وفي الأرض يعلم سرّكم وجهركم ويعلم ما تكسبون} اختلف مفسّرو هذه الآية على أقوالٍ، بعد الاتّفاق على تخطئة قول الجهميّة الأوّل القائلين بأنّه -تعالى عن قولهم علوًّا كبيرًا-في كلّ مكانٍ؛ حيث حملوا الآية على ذلك، فأصحّ الأقوال أنّه المدعوّ اللّه في السّموات وفي الأرض، أي: يعبده ويوحّده ويقرّ له بالإلهيّة من في السّموات ومن في الأرض، ويسمّونه اللّه، ويدعونه رغبًا ورهبًا، إلّا من كفر من الجنّ والإنس، وهذه الآية على هذا القول كقوله تعالى: {وهو الّذي في السّماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ} [الزّخرف: 84]، أي: هو إله من في السّماء وإله من في الأرض، وعلى هذا فيكون قوله: {يعلم سرّكم وجهركم} خبرًا أو حالًا.
والقول الثّاني: أنّ المراد أنّ اللّه الّذي يعلم ما في السّموات وما في الأرض، من سرٍّ وجهرٍ. فيكون قوله: {يعلم} متعلّقًا بقوله: {في السّماوات وفي الأرض} تقديره: وهو اللّه يعلم سرّكم وجهركم في السّموات وفي الأرض ويعلم ما تكسبون.
والقول الثّالث أنّ قوله {وهو اللّه في السّماوات} وقفٌ تامٌّ، ثمّ استأنف الخبر فقال: {وفي الأرض يعلم سرّكم وجهركم ويعلم ما تكسبون} وهذا اختيار ابن جريرٍ.
وقوله: {ويعلم ما تكسبون} أي: جميع أعمالهم خيرها وشرّها). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 239-240]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وما تأتيهم من آيةٍ من آيات ربّهم إلّا كانوا عنها معرضين (4) فقد كذّبوا بالحقّ لمّا جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون (5) ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ مكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّن لكم وأرسلنا السّماء عليهم مدرارًا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنًا آخرين (6) }
يقول تعالى مخبرًا عن المشركين المكذّبين المعاندين: إنّهم مهما أتتهم {من آيةٍ} أي: دلالةٍ ومعجزةٍ وحجّةٍ، من الدّلالات على وحدانيّة الرّبّ، عزّ وجلّ، وصدق رسله الكرام، فإنّهم يعرضون عنها، فلا ينظرون فيها ولا يبالون بها). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 240]

تفسير قوله تعالى: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال اللّه تعالى: {فقد كذّبوا بالحقّ لمّا جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون} وهذا تهديدٌ لهم ووعيدٌ شديدٌ على تكذيبهم بالحقّ، بأنّه لا بدّ أن يأتيهم خبر ما هم فيه من التّكذيب، وليجدنّ غبّه، وليذوقنّ وباله). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 240]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:38 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة