تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلاً كلّما جاءهم رسولٌ بما لا تهوى أنفسهم فريقًا كذّبوا وفريقًا يقتلون}
يقول تعالى ذكره: أقسم لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل على الإخلاص وتوحيدنا، والعمل بما أمرناهم به، والانتهاء عمّا نهيناهم عنه وأرسلنا إليهم بذلك رسلاً، ووعدناهم على ألسن رسلنا إليهم على العمل بطاعتنا الجزيل من الثّواب، وأوعدناهم على العمل بمعصيتنا الشّديد من العقاب، كلّما جاءهم رسولٌ لنا بما لا تشتهيه نفوسهم ولا يوافق محبّتهم كذّبوا منهم فريقًا ويقتلون منهم فريقًا، نقضًا لميثاقنا الّذي أخذناه عليهم، وجراءةً علينا وعلى خلاف أمرنا). [جامع البيان: 8/575-576]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلًا كلّما جاءهم رسولٌ بما لا تهوى أنفسهم فريقًا كذّبوا وفريقًا يقتلون (70)
قوله تعالى: لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم عن أبي جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية:
قوله: ميثاق بني إسرائيل قال: أخذ مواثيقهم أن يخلصوا له ولا يعبدوا غيره.
قوله تعالى: وأرسلنا إليهم رسلا كلّما جاءهم رسولٌ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة القنّاد، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ ولقد جاءهم رسولٌ قال: لمّا جاءهم محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم عارضوه بالتّوراة وخاصموه.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق، حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن سعيد بن جبيرٍ أبو عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: ما ردّ عليهم من التّوراة مع الإنجيل الّذي أخذه اللّه إليه ثمّ ذكر كفرهم بذلك كلّه، ثمّ قال: كلّما جاءهم رسولٌ بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون). [تفسير القرآن العظيم: 4/1177]
تفسير قوله تعالى: (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (71) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وحسبوا ألا تكون فتنةٌ فعموا وصمّوا ثمّ تاب اللّه عليهم ثمّ عموا وصمّوا كثيرٌ منهم واللّه بصيرٌ بما يعملون}
يقول تعالى: وظنّ هؤلاء الإسرائيليّون الّذين وصف تعالى ذكره صفتهم أنّه أخذ ميثاقهم وأنّه أرسل إليهم رسلاً، وأنّهم كانوا كلّما جاءهم رسولٌ بما لا تهوى أنفسهم كذّبوا فريقًا وقتلوا فريقًا، لا يكون من اللّه لهم ابتلاءٌ واختبارٌ بالشّدائد من العقوبات بما كانوا يفعلون. {فعموا وصمّوا} يقول: فعموا عن الحقّ والوفاء بالميثاق الّذي أخذته عليهم من إخلاص عبادتي، والانتهاء إلى أمري ونهيي، والعمل بطاعتي بحسبانهم ذلك وظنّهم، وصمّوا عنه، ثمّ تبت عليهم، يقول: ثمّ هديتهم بلطفٍ منّي لهم، حتّى أنابوا ورجعوا عمّا كانوا عليه من معاصيّي وخلاف أمري، والعمل بما أكرهه منهم إلى العمل بما أحبّه، والانتهاء إلى طاعتي وأمري ونهيي. {ثمّ عموا وصمّوا كثيرٌ منهم} يقول: ثمّ عموا أيضًا عن الحقّ والوفاء بميثاقي الّذي أخذته عليهم من العمل بطاعتي والانتهاء إلى أمري واجتناب معاصيّي {وصمّوا كثيرٌ منهم} يقول: عمى كثيرٌ من هؤلاء الّذين كنت أخذت ميثاقهم من بني إسرائيل باتّباع رسلي والعمل بما أنزلت إليهم من كتبي عن الحقّ، وصمّوا بعد توبتي عليهم واستنقاذي إيّاهم من الهلكة {واللّه بصيرٌ بما يعملون} يقول: بصيرٌ فيرى أعمالهم خيرها وشرّها، فيجازيهم يوم القيامة بجميعها، إن خيرًا فخيرٌ وإن شرًّا فشرٌّ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وحسبوا ألاّ تكون فتنةٌ} الآية، يقول: حسب القوم أن لا يكون بلاءٌ فعموا وصمّوا، كلّما عرض بلاءٌ ابتلوا به هلكوا فيه.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وحسبوا ألاّ تكون فتنةٌ فعموا وصمّوا} يقول: حسبوا أن لا يبتلوا، فعموا عن الحقّ وصمّوا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن مباركٍ، عن الحسن: {وحسبوا ألاّ تكون فتنةٌ} قال بلاءٌ.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {وحسبوا ألاّ تكون فتنةٌ} قال: الشّرك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وحسبوا ألاّ تكون فتنةٌ فعموا وصمّوا} قال: اليهود.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {فعموا وصمّوا} قال: يهود.قال ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، قال: هذه الآية لبني إسرائيل. قال: والفتنة: البلاء والتّمحيص). [جامع البيان: 8/576-578]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وحسبوا ألّا تكون فتنةٌ فعموا وصمّوا ثمّ تاب اللّه عليهم ثمّ عموا وصمّوا كثيرٌ منهم واللّه بصيرٌ بما يعملون (71)
قول تعالى وحسبوا ألا تكون فتنة
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، حدّثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ وحسبوا ألا تكون فتنةٌ يعني حسبوا ألا يكون شركٌ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ عن مباركٍ عن الحسن في قوله وحسبوا ألا تكون فتنةٌ قال: ألا يبتلوا.
قوله تعالى: فعموا وصمّوا
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ عن السدي فعموا وصمّوا يعني: عن الحقّ.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ فعموا وصمّوا قال: يهود.
قوله تعالى: ثمّ تاب اللّه عليهم ثمّ عموا وصمّوا كثيرٌ منهم
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا الوليد بن العبّاس، ثنا يزيد عن سعيدٍ عن قتادة قوله: ثمّ تاب اللّه عليهم ثمّ عموا وصموا كثير منهم يقول: كلّما عرض لهم بلاءٌ ابتلوا به هلكوا). [تفسير القرآن العظيم: 4/1177-1178]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {وحسبوا ألا تكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثير منهم والله بصير بما يعملون}.
أخرج ابن جرير عن مجاهد {وحسبوا ألا تكون فتنة} قال: يهود.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن في قوله {وحسبوا ألا تكون فتنة} قال: بلاء.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة {وحسبوا ألا تكون فتنة} قال: حسب القوم أن لا يكون بلاء {فعموا وصموا} قال: كلما عرض لهم بلاء ابتلوا به هلكوا فيه.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي {وحسبوا ألا تكون فتنة} قال: حسبوا أن لا يبتلوا فعموا عن الحق). [الدر المنثور: 5/390]