العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة المائدة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 06:39 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة المائدة [ من الآية (38) إلى الآية (40) ]

تفسير سورة المائدة
[ من الآية (38) إلى الآية (40) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 11:31 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالًا من الله والله عزيزٌ حكيمٌ} ]
- حدّثنا سعيد بن منصورٍ، قال: أخبرنا حمّاد بن زيدٍ، وهشيمٌ، عن ابن عون، عن إبراهيم، قال: في قراءتنا : {والسّارقون والسّارقات تقطع أيمانهم}). [سنن سعيد بن منصور: 4/1464]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالدٍ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قراءة ابن مسعودٍ: {والسّارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 46]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من اللّه واللّه عزيزٌ حكيمٌ }
يقول جلّ ثناؤه: ومن سرق من رجلٍ أو امرأةٍ، فاقطعوا أيّها النّاس يده. ولذلك رفع السّارق والسّارقة، لأنّهما غير موقّتين، ولو أريد بذلك سارقٌ وسارقةٌ بأعيانهما لكان وجه الكلام النّصب.
وقد روي عن عبد اللّه بن مسعودٍ أنّه كان يقرأ ذلك: والسّارقون والسّارقات.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، عن ابن عونٍ، عن إبراهيم، قال: في قراءتنا قال: وربّما قال في قراءة عبد اللّه: والسّارقون والسّارقات فاقطعوا أيمانهما.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن عونٍ، عن إبراهيم: في قراءتنا: والسّارقون والسّارقات فاقطعوا أيمانهما.
وفي ذلك دليلٌ على صحّة ما قلنا من معناه، وصحّة الرّفع فيه، وأنّ السّارق والسّارقة مرفوعان بفعلهما على ما وصفت للعلل الّتي وصفت.
وقال تعالى ذكره: {فاقطعوا أيديهما} والمعنى أيديهما اليمنى؛ كما:.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {فاقطعوا أيديهما} اليمنى.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن جابرٍ، عن عامرٍ قال: في قراءة عبد اللّه: والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيمانهما.
ثمّ اختلفوا في السّارق الّذي عناه اللّه، فقال بعضهم: عنى بذلك سارق ثلاثة دراهم فصاعدًا؛ وذلك قول جماعةٍ من أهل المدينة، منهم مالك بن أنسٍ ومن قال بقوله. واحتجّوا لقولهم ذلك بأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قطع في مجنٍّ قيمته ثلاثة دراهم.
وقال آخرون: بل عنى بذلك: سارق ربع دينارٍ أو قيمته. وممّن قال ذلك الأوزاعيّ ومن قال بقوله. واحتجّوا لقولهم ذلك بالخبر الّذي روي عن عائشة أنّها قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: القطع في ربع دينارٍ فصاعدًا.
وقال آخرون: بل عنى بذلك سارق عشرة دراهم فصاعدًا. وممّن قال ذلك أبو حنيفة وأصحابه. واحتجّوا في ذلك بالخبر الّذي روي عن عبد اللّه بن عمر وابن عبّاسٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قطع في مجنٍّ قيمته عشرة دراهم.
وقال آخرون: بل عني بذلك سارق القليل والكثير. واحتجّوا في ذلك بأنّ الآية على الظّاهر، وأنّه ليس لأحدٍ أن يخصّ منها شيئًا إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها. وقالوا: لم يصحّ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خبرٌ بأنّ ذلك في خاصٍّ من السّرّاق. قالوا: والأخبار فيما قطع فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مضطربةٌ مختلفةٌ، ولم يرو عنه أحدٌ أنّه أتي بسارق درهمٍ فخلّى عنه، وإنّما رووا عنه أنّه قطع في مجنٍّ قيمته ثلاثة دراهم. قالوا: وممكنٌ أن يكون لو أتى بسارقٍ ما قيمته دانقٌ أن يقطع. قالوا: وقد قطع ابن الزّبير في درهمٍ. وروي عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: الآية على العموم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبد المؤمن، عن نجدة الحنفيّ، قال: سألت ابن عبّاسٍ عن قوله: {والسّارق والسّارقة} أخاصٌّ أم عامٌّ؟. فقال: بل عامٌّ.
والصّواب من القول في ذلك عندنا قول من قال: الآية معنيٌّ بها خاصٌّ من السّرّاق، وهم سرّاق ربع دينارٍ فصاعدًا أو قيمته، لصحّة الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: القطع في ربع دينارٍ فصاعدًا. وقد استقصيت ذكر أقوال المختلفين في ذلك مع عللهم الّتي اعتلّوا بها لأقوالهم،والبيان عن أولاها بالصّواب بشواهده في كتابنا: كتاب السّرقة، فكرهنا إطالة الكتاب بإعادة ذلك في هذا الموضع.
وقوله: {جزاءً بما كسبا نكالاً من اللّه} يقول: مكافأةً لهما على سرقتهما وعملهما في التّلصّص بمعصية اللّه {نكالاً من اللّه} يقول: عقوبةً من اللّه على لصوصيّتهما.
وكان قتادة يقول في ذلك ما:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من اللّه واللّه عزيزٌ حكيمٌ} لا ترثوا لهم أن تقيموا فيهم الحدود، فإنّه واللّه ما أمر اللّه بأمرٍ قطّ إلاّ وهو صلاحٌ، ولا نهى عن أمرٍ قطّ إلاّ وهو فسادٌ. وكان عمر بن الخطّاب يقول: اشتدّوا على السّرّاق فاقطعوهم يدًا يدًا ورجلاً رجلاً.
وقوله: {واللّه عزيزٌ حكيمٌ} يقول جلّ ثناؤه: واللّه عزيزٌ في انتقامه من هذا السّارق والسّارقة وغيرهما من أهل معاصيه، حكيمٌ في حكمه فيهم وقضائه عليهم. يقول: فلا تفرّطوا أيّها المؤمنون في إقامة حكمي على السّارق وغيرهم من أهل الجرائم الّذين أوجبت عليهم حدودًا في الدّنيا عقوبةً لهم، فإنّي بحكمي قضيت ذلك عليهم، وعلمي بصلاح ذلك لهم ولكم). [جامع البيان: 8/407-410]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم}
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن نجدة الحنفي قال: سألت ابن عباس عن قوله {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} أخاص أم عام قال: بل عام
وأخرج عبد بن حميد عن نجدة بن نفيع قال: سألت ابن عباس عن قوله {والسارق والسارقة} الآية، قال: ما كان من الرجال والنساء قطع.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ من طرق عن ابن مسعود أنه قرأ فاقطعوا أيمانهما.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم النخعي، انه قال: في قراءتنا وربما قال: في قراءة عبد الله والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله {جزاء بما كسبا نكالا من الله} قال: لا ترثوا لهم فيه فإنه أمر الله الذي أمر به قال: وذكر لنا أن عمر بن الخطاب كان يقول: اشتدوا على الفساق واجعلوهم يدا يدا ورجلا رجلا.
وأخرج البخاري ومسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب قال إن أول حد أقيم في الإسلام لرجل أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم سرق فشهدوا عليه فأمر به النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يقطع فلما حف الرجل نظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما سفى فيه الرماد فقالوا: يا رسول الله كأنه اشتد عليك قطع هذا،، قال: ومايمنعني وأنتم أعون للشيطان على اخيكم قالوا: فأرسله، قال: فهلا قبل أن تأتوني به أن الإمام إذا أتى بحد لم يسغ له أن يعطله). [الدر المنثور: 5/294-296]

تفسير قوله تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنّ اللّه يتوب عليه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}.
يقول جلّ ثناؤه فمن تاب من هؤلاء السّرّاق، يقول: من رجع منهم عمّا يكرهه اللّه من معصيته إيّاه إلى ما يرضاه من طاعته من بعد ظلمه؛ وظلمه: هو اعتداؤه وعمله ما نهاه اللّه عنه من سرقة أموال النّاس. يقول: وأصلح نفسه بحملها على مكروهها في طاعة اللّه والتّوبة إليه ممّا كان عليه من معصيته.
وكان مجاهدٌ فيما ذكر لنا يقول: توبته في هذا الموضع، الحدّ الّذي يقام عليه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح} يقول: فتاب عليه يقول بالحدّ.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا موسى بن داود، قال: حدّثنا ابن لهيعة، عن حييّ بن عبد اللّه، عن أبي عبد الرّحمن الحبليّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: سرقت امرأةٌ حليًّا، فجاء الّذين سرقهم، فقالوا: يا رسول اللّه سرقتنا هذه المرأة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اقطعوا يدها اليمنى فقالت المرأة: هل من توبةٍ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمّك. قال: فأنزل اللّه جلّ وعزّ: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنّ اللّه يتوب عليه}.
وقوله: {فإنّ اللّه يتوب عليه} يقول: فإنّ اللّه جلّ وعزّ يرجعه إلى ما يحبّ ويرضى عمّا يكره ويسخط من معصيته.
وقوله: {إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} يقول: إنّ اللّه عزّ ذكره ساترٌ على من تاب وأناب عن معاصيه إلى طاعته ذنوبه بالعفو عن عقوبته عليها يوم القيامة وتركه فضيحته بها على رءوس الأشهاد، رحيمٌ به وبعباده التّائبين إليه من ذنوبهم). [جامع البيان: 8/410-412]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فمن تاب من بعد ظلمه يقول الحد كفارة). [تفسير مجاهد: 194-195]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو يعلى الموصلي: أبنا زهيرٌ، ثنا الحسن، ثنا ابن لهيعة، حدّثني حيي، أنّ أبا عبد الرّحمن الحبليّ حدّثه، عن عبد اللّه بن عمرٍو "أنّ هذه المرأة سرقت، قال قومها: نحن نفديها. فأبى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قالوا: نحن نفديها بخمسمائة دينارٍ. قال: اقطعوا يدها اليمنى. فقالت المرأة: هل لي من توبةٍ يا رسول اللّه؟ قال: نعم، أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك. قالت: قال الله- عز وجل، يعني في سورة المائدة-: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنّ اللّه يتوب عليه إنّ الله غفور رحيم) ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/204]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم * ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير}.
أخرج أحمد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمر أن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت يدها اليمنى، فقالت: هل لي من توبة يا رسول الله قال: نعم أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك فانزل الله في سورة المائدة {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه} يقول: الحد كفارته.
وأخرج عبد الرزاق عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل سرق شملة فقال: ما أخاله سرق أو سرقت قال: نعم، قال: اذهبوا به فاقطعوا يده ثم احسموها ثم أئتوني به فأتوه به فقال: تبت إلى الله فقال: إني أتوب إلى الله، قال: اللهم تب عليه.
وأخرج عبد الرزاق عن ابن المنكدر أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قطع رجلا ثم أمر به فحسم وقال: تب إلى الله فقال أتوب إلى الله فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن السارق إذا قطعت يده وقعت في النار فإن عاد تبعها وإن تاب استشلاها يقول: استرجعها). [الدر المنثور: 5/296-297]

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّموات والأرض يعذّب من يشاء ويغفر لمن يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}
يقول جلّ ثناؤه لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ألم يعلم هؤلاء القائلون: لن تمسّنا النّار إلاّ أيّامًا معدودةً الزّاعمون أنّهم أبناء اللّه وأحبّاؤه، أنّ اللّه مدبّرٌ ما في السّموات وما في الأرض، ومصرّفه وخالقه، لا يمتنع شيءٌ ممّا في واحدةٍ منهما ممّا أراده؛ لأنّ كلّ ذلك ملكه وإليه أمره، ولا نسب بينه وبين شيءٍ ممّا فيها ولا ممّا في واحدةٍ منهما فيحابيه بسبب قرابته منه فينجيه من عذابه وهو به كافرٌ ولأمره ونهيه مخالفٌ، أو يدخله النّار وهو له مطيعٌ لبعد قرابته منه؛ ولكنّه يعذّب من يشاء من خلقه في الدّنيا على معصيته بالقتل والخسف والمسخ وغير ذلك من صنوف عذابه، ويغفر لمن يشاء منهم في الدّنيا بالتّوبة عليه من كفره ومعصيته، فينقذه من الهلكة وينجيه من العقوبة واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ يقول: واللّه على تعذيب من أراد تعذيبه من خلقه على معصيته وغفران من أراد غفرانه منهم باستنقاذه من الهلكة بالتّوبة عليه وغير ذلك من الأمور كلّها قادرٌ، لأنّ الخلق خلقه والملك ملكه والعباد عباده.
وخرج قوله: ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّموات والأرض خطابًا له صلّى اللّه عليه وسلّم، والمعنيّ به من ذكرت من فرق بني إسرائيل الّذين كانوا بمدينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وما حواليها.
وقد بيّنّا استعمال العرب نظير ذلك في كلامها بشواهده فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع). [جامع البيان: 8/412]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم قال الشّيخ الإمام الحافظ أبو محمّدٍ عبد الرحمن بن الإمام الحافظ الجليل أبى حاتمٍ محمّد بن إدريس الرّازيّ رحمه الله عليهما.
ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض يعذّب من يشاء ويغفر لمن يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (40)
قوله تعالى: ألم تعلم أنّ الله له ملك السّماوات والأرض
- حدّثنا عليّ بن أبي دلامة البغداديّ، ثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صفوان بن محرزٍ، عن حكيم بن حزامٍ قال: بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين أصحابه إذ قال لهم: هل تسمعون ما أسمع قالوا:
ما نسمع شيئًا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّي لأسمع، ما فيها موضع شيءٍ إلا وعليه ملكٌ ساجدا وقائمٌ.
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ الأنصاريّ، ثنا مؤمّلٌ، حدّثنا سفيان، ثنا يزيد بن أبي زيادٍ، عن عبد اللّه بن الحارث قال: قال كعبٌ: ما من موضع خرمة إبرةٍ من الأرض إلا وملكٌ موكّلٌ بها يرفع علم ذلك إلى اللّه، وإنّ ملائكة السّماء لأكثر من عدد التّراب وإنّ حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى مخّه مسيرة مائة عامٍ.
قوله: يعذّب من يشاء.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: يعذّب من يشاء يقول: يميت منكم من يشاء على كفره فيعذّب.
قوله تعالى: ويغفر لمن يشاء
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ بسنده إلى السّدّيّ قوله: ويغفر لمن يشاء يقول: يهدي منكم من يشاء في الدّنيا فيغفر له.
قوله تعالى: واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ
- حدّثنا محمّد بن العبّاس ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق، قوله: واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ إنّ اللّه على كلّ ما أراد بعباده من نقمةٍ أو عفوٍ قديرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 4/1129-1130]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 11:32 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) )

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما...}
مرفوعان بما عاد من ذكرهما. والنصب فيهما جائز؛ كما يجوز أزيد ضربته، وأزيدا ضربته. وإنما تختار العرب الرفع في "السارق والسارقة" لأنهما [غير] موقّتين، فوجّها توجيه الجزاء؛ كقولك: من سرق فاقطعوا يده، فـ (من) لا يكون إلا رفعا، ولو أردت سارقا بعينه أو سارقة بعينها كان النصب وجه الكلام. ومثله {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما} وفي قراءة عبد الله "والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما".
وإنما قال (أيديهما) لأنّ كل شيء موحّد من خلق الإنسان إذا ذكر مضافا إلى اثنين فصاعدا جمع. فقيل: قد هشمت رءوسهما، وملأت ظهورهما وبطونهما ضربا. ومثله {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما}.
وإنما اختير الجمع على التثنية لأن أكثر ما تكون عليه الجوارح اثنين في الإنسان: اليدين والرجلين والعينين. فلما جرى أكثره على هذا ذهب بالواحد منه إذا أضيف إلى اثنين مذهب التثنية. وقد يجوز تثنيتهما؛ قال أبو ذؤيب:
فتخالسا نفسيهما بنوافذ=كنوافذ العبط التي لا ترقع
وقد يجوز هذا فيما ليس من خلق الإنسان. وذلك أن تقول للرجلين: خلّيتما نساءكما، وأنت تريد امرأتين، وخرقتما قمصكما.
وإنما ذكرت ذلك لأن من النحويين من كان لا يجيزه إلاّ في خلق الإنسان، وكلٌّ سواء. وقد يجوز أن تقول في الكلام: السارق والسارقة فاقطعوا يمينهما؛ لأن المعنى: اليمين من كل واحد منهما؛ كما قال الشاعر:
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا=فإنّ زمانكم زمن خميص
وقال الآخر:
الواردون وتيم في ذرى سبأٍ=قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس
من قال: (ذرى) جعل سبأ جيلا، ومن قال: (ذرى) أراد موضعا.
ويجوز في الكلام أن تقول: أتني برأس شاتين، ورأس شاة. فإذا قلت: برأس شاة فإنما أردت رأسي هذا الجنس، وإذا قلت برأس شاتين فإنك تريد به الرأس من كل شاة؛ قال الشاعر في غير ذلك:
كأنه وجه تركيّين قد غضبا=مستهدف لطعانٍ غير تذبيب). [معاني القرآن: 1/306-308]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما) (38) هما مرفوعان كأنهما خرجا مخرج قولك: وفي القرآن السّارق والسارقة، وفي الفريضة: السارق والسارقة جزاؤهما أن تقطع أيديهما فاقطعوا أيديهما؛ فعلى هذا رفعا أو نحو هذا، ولم يجعلوهما في موضع الإغراء فينصبوهما، والعرب تقول: الصّيد عندك، رفع وهو في موضع إغراء، فكأنه قال: أمكنك الصيد عندك فالزمه، وكذلك: الهلال عندك، أي طلع الهلال عندك فانظر إليه، ونصبهما عيسى بن عمر. ومجاز (أيديهما) مجاز يديهما، وتفعل هذا العرب فيما كان من الجسد فيجعلون الاثنين في لفظ الجميع.
(نكالاً من الله) (38) أي عقوبة وتنكيلا). [مجاز القرآن: 1/165-166]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (قراءة العامة {والسارق والسارقة}.
عيسى بن عمر النحوي البصري "والسارق والسارقة".
[معاني القرآن لقطرب: 478]
وقد فسرنا ذلك). [معاني القرآن لقطرب: 479]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({نكالًا من اللّه} أي عظة من اللّه بما عوقبا به لمن رآهما.
ومثله قوله: {فجعلناها نكالًا لما بين يديها وما خلفها}). [تفسير غريب القرآن: 143]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من اللّه واللّه عزيز حكيم (38)
اختلف النحويون في تفسير الرفع فيهما.
قال سيبويه وكثير من البصريين إن هذا وقوله: (الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة).
وقوله: (واللّذان يأتيانها منكم فآذوهما).
هذه الأشياء مرفوعة على معنى:
وفيما فرض اللّه عليكم السارق والسارقة، والزانية والزاني، أو السارق والسارقة فيما فرض اللّه عليكم.
ومعنى قولهم هذا: فيما فرض عليكم حكم السارق والسارقة.
وقال سيبويه: الاختيار في هذا النصب في العربيّة.
كما تقول زيدا أضربه، وقال أبت العامّة القراءة إلاّ بالرّفع، يعني بالعامة الجماعة.
وقرأ عيسى ابن عمر: " والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما ".
وكذلك الزانية والزاني، وهذه القراءة وإن كان القارئ بها مقدّما لا أحب أن يقرأ بها، لأن الجماعة أولى بالاتباع، إذ كانت القراءة سنة.
قال أبو إسحاق: ودليلي أن القراءة الجيدة بالرفع في.. والزانية والزاني.
في، (والسّارق والسّارقة) قوله جل ثناؤه: (واللذان يأتيانها منكم فآذوهما).
وقال غير سيبويه من البصريين. وهو محمد بن يزيد المبرد: اختار أن يكون (والسّارق والسّارقة) رفعا بالابتداء، لأن القصد ليس إلى واحد بعينه.
فليس هو مثل قولك زيدا فأضربه، إنما هو كقولك: من سرق فاقطع يده.
ومن زنى فاجلده، وهذا القول هو المختار، وهو مذهب بعض البصريين والكوفيين.
وقيل " أيديهما " يعني به أيمانهما. وفي قراءة ابن مسعود "والسّارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم."
قال بعض النحويين: إنما جعلت تثنية ما في الإنسان منه واحد؛ لأنّ أكثر أعضائه فيه منه اثنان فحمل ما كان فيه الواحد على مثل ذلك.
قال لأن للإنسان عينين فإذا ثنيت قلت عيونهما فجعلت قلوبكما وظهورهما في القرآن، وكذلك أيديهما، وهذا خطأ، إنما ينبغي أن يفصل بين ما في الشيء منه واحد، وبين ما في الشيء منه اثنان.
وقال قوم: إنّما فعلنا ذلك للفصل بين ما في الشيء منه واحد وبين ما في الشيء منه اثنان فجعل ما في الشيء منه واحد تثنيته جمعا نحو قول الله عزّ وجلّ: (إن تتوبا إلى اللّه فقد صغت قلوبكما).
قال أبو إسحاق: وحقيقة هذا الباب أن كل ما كان في الشيء منه واحد لم يثنّ، ولفظ به على لفظ الجمع، لأن الإضافة تبينه، فإذا قلت أشبعت بطونهما علم أن للاثنين بطنين فقط، وأصل التثنية الجمع لأنك إذا ثنيت الواحد فقد جمعت واحدا إلى واحد، وكان الأصل أن يقال اثنا رجال، ولكن " رجلان " يدل على جنس الشيء وعدده، فالتثنية يحتاج إليها للاختصار، فإذا لم يكن اختصار ردّ الشيء إلى أصله، وأصله الجمع.
فإذا قلت قلوبهما فالتثنية في " هما " قد أغنتك عن تثنية قلب فصار الاختصار ههنا ترك تثنية قلب، وإن ثني ما كان في الشيء منه واحد فذلك جائز عند النحويين.
قال الشاعر:
=ظهراهما مثل ظهور الترسين.
فجاء بالتثنية والجمع في بيت واحد.
وحكى سيبويه أنه قد يجمع المفرد والذي ليس من شيء إذا أردت به التثنية.
وحكي عن العرب: " وضعا رحالهما " يريد رحلي راحلتهما.
وأجمعت الفقهاء أن السارق يقطع حرّا كان أو عبدا، وأن السارقة تقطع
حرّة كانت أو أمة، وأجمعوا أن القطع من الرسغ، والرسغ المفصل بين الكف والساعد، ويقال رسغ ورصغ والشين أجود (جزاء بما كسبا).
(جزاء) نصب لأنه مفعول به.
المعنى فاقطعوا بجزاء فعلهم.
وكذلك (نكالا من اللّه)، وإن شئت كانا منصوبين على المصدر الذي دل عليه فاقطعوا، لأن معنى فاقطعوا جازوهم ونكّلوا بهم). [معاني القرآن: 2/171-174]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} قال سيبويه المعنى وفيما فرض عليكم السارق والسارقة). [معاني القرآن: 2/304]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {جزاء بما كسبا نكالا من الله} يقال نكلت به إذا فعلت به ما يجب أن ينكل به عن ذلك الفعل). [معاني القرآن: 2/304]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({نَكَالاً} عظة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 69]

تفسير قوله تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) )
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم}
المعنى غفور له وجعل الله توبة الكافرين تدرأ عنهم الحدود؛ لأن ذلك أدعى إلى الإسلام وجعل توبة المسلمين عن السرقة والزنا لا تدرأ عنهم الحدود؛ لأن ذلك أعظم لأجورهم في الآخرة وأمنع لمن هم أن يفعل مثل فعلهم.
وقال مجاهد والشعبي: قرأ عبد الله بن مسعود (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما) ). [معاني القرآن: 2/304-305]

تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) )


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 جمادى الأولى 1434هـ/13-03-2013م, 02:52 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وتقول أمّا زيداً فجدعاً له وأمّا عمراً فسقياً له لأنّك لو أظهرت الذي انتصب عليه سقياً وجدعا لنصبت زيداً وعمراً فإضماره بمنزلة إظهاره كما تقول أمّا زيداً فضرباً.
وتقول أمّا زيدٌ فسلامٌ عليه وأمّا الكافر فلعنة الله عليه لأنّ هذا ارتفع بالابتداء.
وأمّا قوله عزّ وجلّ: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة}. وقوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما} فإن
هذا لم يبن على الفعل ولكنه جاء على مثل قوله تعالى: {مثل الجنّة اّلتي وعد المتّقون}.
ثمّ قال بعد: {فيها أنهار من ماء} فيها كذا وكذا. فإنما وضع المثل للحديث الذي بعده فذكر أخباراً وأحاديث فكأنه قال ومن القصص مثل الجنّة أو مما يقصّ عليكم مثل الجنّة فهو محمول على هذا الإضمار ونحوه. والله تعالى أعلم.
وكذلك: {الزانية والزاني} كأنه لمّا قال جلّ ثناؤه: {سورة أنزلناها وفرضناها}. قال في الفرائض الزّانية والزّاني أو الزانية والزاني في الفرائض. ثم قال فاجلدوا فجاء بالفعل بعد أن مضى فيهما الرفع، كما قال:
وقائلةٍ: خولان فانكح فتاتهم
فجاء بالفعل بعد أن عمل فيه المضمر. وكذلك: {والسارق والسارقة} كأنه قال وفيما فرض الله عليكم السارق والسارقة أو السّارق والسارقة فيما فرض عليكم. فإنّما دخلت هذه الأسماء بعد قصص وأحاديث. ويحمل على نحوٍ من هذا ومثل ذلك: {واللذان يأتيانها منكم فآذوهما}
وقد يجرى هذا في زيدٍ وعمرو على هذا الحدّ إذا كنت تخبر بأشياء أو توصى. ثم تقول زيدٌ أي زيدٌ فيمن أوصى به فأحسن إليه وأكرمه. وقد قرأ أناسٌ والسّارق والسّارقة والزانية والزاني وهو في العربيّة على ما ذكرت لك من القوّة. ولكن أبت العامّة إلاّ القراءة بالرفع. وإنّما كان الوجه في الأمر والنّهى النصب لأنّ حدّ الكلام تقديم الفعل وهو فيه أوجب إذ كان ذلك يكون في ألف الاستفهام لأنّهما لا يكونان إلا بفعل). [الكتاب: 1/142-144] (م)
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ما لفظ به مما هو مثنى كما لفظ بالجمع
وهو أن يكون الشيئان كل واحد منهما بعض شيء مفردٍ من صاحبه وذلك قولك ما أحسن رءوسهما وأحسن عواليهما وقال عز وجل: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} {والسارق والسارقة فاقطعوا
أيديهما} فرقوا بين المثنى الذي هو شيء على حدةٍ وبين ذا.
وقال الخليل: نظيره قولك فعلنا وأنتما اثنان فتكلم به كما تكلم به وأنتم ثلاثة.
وقد قالت العرب في الشيئين اللذين كل واحد منهما اسمٌ على حدة وليس واحدٌ منهما بعض شيء كما قالوا في ذا لأن التثنية جمعٌ فقالوا كما قالوا فعلنا.
وزعم يونس أنهم يقولون ضع رحالهما وغلمانهما وإنما هما اثنان قال الله عز وجل: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان} وقال: {كلا فاذهبا بآياتنا إنا معكم مستمعون} ). [الكتاب: 3/621-622] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قوله: "هريرةَ ودعها وإن لامَ لائمُ"
منصوب بفعل مضمر، تفسيره ودعها كأنه قال: ودع هريرة، فلما اختزل الفعل أظهر ما يدل عليه، وكان ذلك أجود من ألا يضمرَ، لأن الأمر لا يكون إلا بفعل، فأضمر الفعل إذ كان الأمر أحق به، وكذلك زيدًا اضربه وزيدًا فأكرمه وإن لم تضمر ورفعت جاز، وليس في حسن الأولِ، ترفعه على الابتداءِ وتصيرُ الأمر في موضع خبره. فأما قول الله جل وعزَّ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وكذلك: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فليس على هذا، والرفعُ الوجه، لأن معناهُ الجزاءُ، كقوله: الزانيةُ أي التي تزني، فإما وجب القطع للسرق والجلد للزنا، فهذا مجازاة، ومن ثم جاز: الذي يأتيني فله درهمٌ، فدخلت الفاءُ لأنه استحق الدرهم بالإتيان، فإن لم ترد هذا المعنى قلت الذي يأتيني له درهمٌ، ولا يجوزُ: زيدٌ فله درهمٌ، أو هذا زيدٌ، فحسن جميلٌ، جازَ، على أن زيدًا خبرٌ. وليس بابتداءٍ، للإشارة دخلت الفاءُ، وفي القرآن: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ}، ودخلتِ الفاءُ لأن الثواب دخل للإنفاق. وقد قرأت القراءُ: {الزَّانِيَةَ وَالزَّانِيَ فَاجْلِدُوا} {وَالسَّارِقَ وَالسَّارِقَةَ فَاقْطَعُوا} بالنصبِ، على وجه الأمر، والوجه الرفعُ، والنصبُ حسنٌ في هاتين الآيتين، وما لم يكن فيه معنى جزاءِ فالنصبُ الوجهُ). [الكامل: 2/821-823]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) }

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 12:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 12:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 12:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 12:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من اللّه واللّه عزيزٌ حكيمٌ (38)
قرأ جمهور القراء «والسارق والسارقة» بالرفع، وقرأ عيسى بن عمر وإبراهيم بن أبي عبلة «والسارق والسارقة» بالنصب، قال سيبويه رحمه الله الوجه في كلام العرب النصب كما تقول زيدا اضربه، ولكن أبت العامة إلا الرفع يعني عامة القراء وجلهم، قال سيبويه الرفع في هذا وفي قوله: الزّانية والزّاني [النور: 2] وفي قول الله: والّذان يأتيانها منكم [النساء: 16] هو على معنى فيما فرض عليكم. والفاء في قوله تعالى: فاقطعوا ردت المستقل غير مستقل، لأن قوله فيما فرض عليكم السارق جملة حقها وظاهرها الاستقلال، لكن المعنى المقصود ليس إلا في قوله: فاقطعوا فهذه الفاء هي التي ربطت الكلام الثاني بالأول وأظهرت الأول هنا غير مستقل، وقال أبو العباس المبرد وهو قول جماعة من البصريين، اختار
أن يكون «والسارق والسارقة» رفعا بالابتداء لأن القصد ليس إلى واحد بعينه فليس هو مثل قولك زيدا فاضربه إنما هو كقولك من سرق فاقطع يده، قال الزجاج وهذا القول هو المختار.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: أنزل سيبويه النوع السارق منزلة الشخص المعين، وقرأ عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي «والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم»، وقال الخفاف: وجدت في مصحف أبي بن كعب «والسّرّق والسّرّقة» هكذا ضبطا بضم السين المشددة وفتح الراء المشددة فيهما هكذا ضبطهما أبو عمرو.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويشبه أن يكون هذا تصحيفا من الضابط لأن قراءة الجماعة إذا كتب «السارق» بغير ألف وافقت في الخط هذه، وأخذ ملك الغير يتنوع بحسب قرائنه، فمنه الغصب وقرينته علم المغصوب منه وقت الغصب أو علم مشاهد غيره، ومنه الخيانة وقرينتها أن الخائن قد طرق له إلى المال بتصرف ما ومنه السرقة وقرائنها أن يؤخذ مال لم يطرق إليه على غير علم من المسروق ماله وفي خفاء من جميع الناس فيما يرى السارق، وهذا هو الذي يجب عليه القطع وحده من بين أخذة الأموال لخبث هذا المنزع وقلة العذر فيه، وحاط الله تعالى البشر على لسان نبيه بأن القطع لا يكون إلا بقرائن، منها الإخراج من حرز، ومنها القدر المسروق على اختلاف أهل العلم فيه، ومنها أن يعلم السارق بتحريم السرقة، وأن تكون السرقة فيما يحل ملكه، فلفظ السّارق في الآية عموم معناه الخصوص، فأما القدر المسروق فقالت طائفة لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا، قال به عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي وعائشة وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي والليث والشافعي وأبو ثور، وفيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
القطع في ربع دينار فصاعدا وقال مالك رحمه الله: تقطع اليد في ربع دينار أو في ثلاثة دراهم، فإن سرق درهمين وهي ربع دينار لانحطاط الصرف لم يقطع وكذلك العروض لا يقطع فيها إلا أن تبلغ ثلاثة دراهم قل الصرف أو كثر، وقال إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل: إن كانت قيمة السلعة ربع دينار أو ثلاثة دراهم قطع فيها قل الصرف أو كثر، وفي القطع قول رابع وهو أن لا قطع إلا في خمسة دراهم أو قيمتها، روي هذا عن عمر، وبه قال سليمان بن يسار وابن أبي ليلى وابن شبرمة، ومنه قول أنس بن مالك: قطع أبو بكر في مجنّ قيمته خمسة دراهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا حجة في هذا على أن الخمسة حد وقال أبو حنيفة وأصحابه وعطاء: لا قطع في أقل من عشرة دراهم، وقال أبو هريرة وأبو سعيد الخدري: لا تقطع اليد في أقل من أربعة دراهم، وقال عثمان البتي: تقطع اليد في درهمين فما فوقه، وحكى الطبري أن عبد الله بن الزبير قطع في درهم، وروي عن الحسن بن أبي الحسن أنه قال: تقطع اليد في كل ما له قيمة قل أو كثر على ظاهر الآية. وقد حكى الطبري نحوه عن ابن عباس، وهو قول أهل الظاهر وقول الخوارج، وروي عن الحسن أيضا أنه قال: تذاكرنا القطع في كم يكون على عهد زياد فاتفق رأينا على درهمين وأكثر العلماء على أن التوبة لا تسقط عن السارق القطع، وروي عن الشافعي أنه إذا تاب قبل أن يقدر عليه وتمتد إليه يد الأحكام فإن القطع يسقط عنه قياسا على المحارب، وجمهور الناس على أن القطع لا يكون إلا على من أخرج من حرز، وقال الحسن بن أبي الحسن إذا جمع الثياب في البيت قطع وإن لم يخرجها، وقوله تعالى: فاقطعوا أيديهما جمع الأيدي من حيث كان لكل سارق يمين واحدة وهي المعرضة للقطع في السرقة أولا فجاءت للسراق أيد وللسارقات أيد، فكأنه قال اقطعوا أيمان النوعين فالتثنية في الضمير إنما هي للنوعين. قال الزجاج عن بعض النحويين، إنما جعلت تثنية ما في الإنسان منه واحد جمعا كقوله: صغت قلوبكما [التحريم: 4] لأن أكثر أعضائه فيه منه اثنان فحمل ما كان فيه الواحد على مثال ذلك. قال أبو إسحاق: وحقيقة هذا الباب أن ما كان في الشيء منه واحد لم يثن ولفظ به على لفظ الجمع لأن الإضافة تبينه. فإذا قلت أشبعت بطونهما علم أن للاثنين بطنين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: كأنهم كرهوا اجتماع تثنيتين في كلمة.
واختلف العلماء في ترتيب القطع، فمذهب مالك رحمه الله وجمهور الناس أن تقطع اليمنى من يد السارق ثم إن عاد قطعت رجله اليسرى ثم إن عاد قطعت يده اليسرى ثم إن عاد قطعت رجله اليمنى، ثم إن سرق عزر وحبس، وقال علي بن أبي طالب والزهري وحماد بن أبي سليمان وأحمد بن حنبل: تقطع يده اليمنى ثم إن سرق قطعت رجله اليسرى ثم إن سرق عزر وحبس. وروي عن عطاء بن أبي رباح: لا تقطع في السرقة إلا اليد اليمنى فقط ثم إن سرق عزر وحبس.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا تمسك بظاهر الآية، والقول شاذ فيلزم على ظاهر الآية أن تقطع اليد ثم اليد. ومذهب جمهور الفقهاء أن القطع في اليد من الرسغ وفي الرجل من المفصل، وروي عن علي بن أبي طالب أن القطع في اليد من الأصابع وفي الرجل من نصف القدم. وقوله تعالى: جزاءً بما كسبا نصبه على المصدر، وقال الزجاج مفعول من أجله. وكذلك: نكالًا من اللّه والنكال العذاب، والنكل القيد، وسائر معنى الآية بيّن وفيه بعض الإعراب حكاية). [المحرر الوجيز: 3/160-164]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنّ اللّه يتوب عليه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (39) ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض يعذّب من يشاء ويغفر لمن يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (40) يا أيّها الرّسول لا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر من الّذين قالوا آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم ومن الّذين هادوا سمّاعون للكذب سمّاعون لقومٍ آخرين لم يأتوك .....
المعنى عند جمهور أهل العلم أن من تاب من السرقة فندم على ما مضى وأقلع في المستأنف وأصلح برد الظلامة إن أمكنه ذلك وإلا فبإنفاقها في سبيل الله وأصلح أيضا في سائر أعماله وارتفع إلى فوق فإنّ اللّه يتوب عليه ويذهب عنه حكم السرقة فيما بينه وبين الله تعالى، وهو في المشيئة مرجو له الوعد وليس تسقط عنه التوبة حكم الدنيا من القطع إن اعترف أو شهد عليه، وقال مجاهد: التوبة والإصلاح هي أن يقام عليه الحد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا تشديد وقد جعل الله للخروج من الذنوب بابين أحدهما الحد والآخر التوبة، وقال الشافعي: إذا تاب السارق قبل أن يتلبس الحاكم بأخذه فتوبته ترفع عنه حكم القطع قياسا على توبة المحارب). [المحرر الوجيز: 3/164]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: ألم تعلم الآية توقيف وتنبيه على العلة الموجبة لإنفاذ هذه الأوامر في المحاربين والسرقة والإخبار بهذا التعذيب لقوم والتوبة على آخرين وهي ملكه تعالى لجميع الأشياء، فهو بحق الملك لا معقب لحكمه ولا معترض عليه). [المحرر الوجيز: 3/164-165]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 12:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م, 12:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالا من اللّه واللّه عزيزٌ حكيمٌ (38) فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنّ اللّه يتوب عليه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (39) ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض يعذّب من يشاء ويغفر لمن يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (40)}
يقول تعالى حاكمًا وآمرًا بقطع يد السّارق والسّارقة، وروى الثّوريّ عن جابر بن يزيد الجعفي، عن عامر بن شراحيل الشّعبيّ؛ أنّ ابن مسعودٍ كان يقرؤها: "والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيمانهما". وهذه قراءةٌ شاذّةٌ، وإن كان الحكم عند جميع العلماء موافقًا لها، لا بها، بل هو مستفادٌ من دليلٍ آخر. وقد كان القطع معمولًا به في الجاهليّة، فقرّر في الإسلام وزيدت شروطٌ أخر، كما سنذكره إن شاء اللّه تعالى، كما كانت القسامة والدّية والقراض وغير ذلك من الأشياء الّتي ورد الشّرع بتقريرها على ما كانت عليه، وزياداتٌ هي من تمام المصالح. ويقال: إنّ أوّل من قطع الأيدي في الجاهليّة قريشٌ، قطعوا رجلًا يقال له: "دويكٌ" مولًى لبني مليح بن عمرٍو من خزاعة، كان قد سرق كنز الكعبة، ويقال: سرقه قومٌ فوضعوه عنده.
وقد ذهب بعض الفقهاء من أهل الظّاهر إلى أنّه متّى سرق السّارق شيئًا قطعت يده به، سواءٌ كان قليلًا أو كثيرًا؛ لعموم هذه الآية: {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما} فلم يعتبروا نصابًا ولا حرزًا، بل أخذوا بمجرّد السّرقة.
وقد روى ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ من طريق عبد المؤمن، عن نجدة الحنفي قال: سألت ابن عبّاسٍ عن قوله: {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما} أخاصٌّ أم عام؟ فقال: بل عامٌّ.
وهذا يحتمل أن يكون موافقةً من ابن عبّاسٍ لما ذهب إليه هؤلاء، ويحتمل غير ذلك، فاللّه أعلم.
وتمسّكوا بما ثبت في الصّحيحين، عن أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لعن اللّه السّارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده". وأمّا الجمهور فاعتبروا النّصاب في السّرقة، وإن كان قد وقع بينهم الخلاف في قدره، فذهب كلٌّ من الأئمّة الأربعة إلى قولٍ على حدةٍ، فعند الإمام مالك بن أنسٍ، رحمه اللّه: النّصاب ثلاثة دراهم مضروبةٍ خالصةٍ، فمتى سرقها أو ما يبلغ ثمنها فما فوقها وجب القطع، واحتجّ في ذلك بما رواه عن نافعٍ، عن ابن عمر؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم. أخرجاه في الصّحيحين.
قال مالكٌ، رحمه اللّه: وقطع عثمان، رضي اللّه عنه، في أترجّة قوّمت بثلاثة دراهم، وهو أحبّ ما سمعت في ذلك. وهذا الأثر عن عثمان، رضي اللّه عنه، قد رواه مالكٌ عن عبد اللّه بن أبي بكرٍ، عن أبيه، عن عمرة بنت عبد الرّحمن: أنّ سارقًا سرق في زمان عثمان أترجّةً، فأمر بها عثمان أن تقوم، فقومت بثلاثة دراهم من صرف اثني عشر درهمًا بدينارٍ، فقطع عثمان يده.
قال أصحاب مالكٍ: ومثل هذا الصّنيع يشتهر، ولم ينكر، فمن مثله يحكى الإجماع السّكوتي، وفيه دلالةٌ على القطع في الثّمار خلافًا للحنفيّة. وعلى اعتبار ثلاثة دراهم خلافًا لهم في أنّه لا بدّ من عشرة دراهم، وللشّافعيّة في اعتبار ربع دينارٍ، واللّه أعلم.
وذهب الشّافعيّ، رحمه اللّه، إلى أنّ الاعتبار في قطع يد السّارق بربع دينارٍ أو ما يساويه من الأثمان أو العروض فصاعدًا. والحجّة في ذلك ما أخرجه الشّيخان: البخاريّ ومسلمٌ، من طريق الزّهريّ، عن عمرة، عن عائشة، رضي اللّه عنها؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "تقطع يد السّارق في ربع دينارٍ فصاعدًا".
ولمسلمٍ من طريق أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزمٍ، عن عمرة، عن عائشة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا تقطع يد السّارق إلّا في ربع دينارٍ فصاعدًا".
قال أصحابنا: فهذا الحديث فاصلٌ في المسألة ونصٌّ في اعتبار ربع الدّينار لا ما ساواه. قالوا: وحديث ثمن المجنّ، وأنّه كان ثلاثة دراهم، لا ينافي هذا؛ لأنّه إذ ذاك كان الدينار باثني عشر درهمًا، فهي ثمن ربع دينارٍ، فأمكن الجمع بهذه الطّريق.
ويروى هذا المذهب عن عمر بن الخطّاب، وعثمان بن عفّان، وعليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنهم. وبه يقول عمر بن عبد العزيز، واللّيث بن سعدٍ، والأوزاعي، والشافعي، وأصحابه، وإسحاق بن راهويه -في روايةٍ عنه-وأبو ثورٍ، وداود بن عليٍّ الظّاهريّ، رحمهم اللّه.
وذهب الإمام أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه -في روايةٍ عنه-إلى أنّ كلّ واحدٍ من ربع الدّينار والثّلاثة دراهم مردٌ شرعيٌّ، فمن سرق واحدًا منهما، أو ما يساويه قطع عملًا بحديث ابن عمر، وبحديث عائشة، رضي اللّه عنهما، ووقع في لفظٍ عند الإمام أحمد، عن عائشة [رضي اللّه عنها] أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "اقطعوا في ربع دينارٍ، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك" وكان ربع الدّينار يومئذٍ ثلاثة دراهم، والدّينار اثني عشر درهمًا. وفي لفظٍ للنّسائيّ: لا تقطع يد السّارق فيما دون ثمن المجنّ. قيل لعائشة: ما ثمن المجن؟ قالت: ربع دينارٍ.
فهذه كلّها نصوصٌ دالّةٌ على عدم اشتراط عشرة دراهم، واللّه أعلم.
وأمّا الإمام أبو حنيفة وأصحابه: أبو يوسف، ومحمّدٌ، وزفر، وكذا سفيان الثّوريّ، رحمهم اللّه، فإنّهم ذهبوا إلى أنّ النّصاب عشرة دراهم مضروبةٍ غير مغشوشةٍ. واحتجّوا بأنّ ثمن المجنّ الّذي قطع فيه السّارق على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، كان ثمنه عشرة دراهم. وقد روى أبو بكر بن أبي شيبة: حدّثنا ابن نمير وعبد الأعلى وعن محمّد بن إسحاق، عن أيّوب بن موسى، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: كان ثمن المجنّ على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عشرة دراهم.
ثمّ قال: حدّثنا عبد الأعلى، عن محمّد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم: لا تقطع يد السّارق في دون ثمن المجن". وكان ثمن المجنّ عشرة دراهم.
قالوا: فهذا ابن عبّاسٍ وعبد اللّه بن عمرٍو قد خالفا ابن عمر في ثمن المجنّ، فالاحتياط الأخذ بالأكثر؛ لأنّ الحدود تدرأ بالشّبهات.
وذهب بعض السّلف إلى أنّه تقطع يد السّارق في عشرة دراهم، أو دينارٍ، أو ما يبلغ قيمته واحدًا منهما، يحكى هذا عن علي، وابن مسعود، وإبراهيم النّخي، وأبي جعفر الباقر، رحمهم الله تعالى.
وقال بعض السّلف: لا تقطع الخمس إلّا في خمسٍ، أي: في خمسة دنانير، أو خمسين درهمًا. وينقل هذا عن سعيد بن جبيرٍ، رحمه اللّه.
وقد أجاب الجمهور عمّا تمسّك به الظّاهريّة من حديث أبي هريرة: "يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده" بأجوبةٍ:
أحدها: أنّه منسوخٌ بحديث عائشة. وفي هذا نظرٌ؛ لأنّه لا بدّ من بيان التّاريخ.
والثّاني: أنّه مؤوّلٌ ببيضة الحديد وحبل السّفن، قاله الأعمش فيما حكاه البخاريّ وغيره عنه.
والثّالث: أنّ هذا وسيلةٌ إلى التّدرّج في السّرقة من القليل إلى الكثير الّذي تقطع فيه يده، ويحتمل أن يكون هذا خرج مخرج الإخبار عمّا كان الأمر عليه في الجاهليّة، حيث كانوا يقطعون في القليل والكثير، فلعن السّارق الّذي يبذل يده الثّمينة في الأشياء المهينة.
وقد ذكروا أنّ أبا العلاء المعرّي، لمّا قدم بغداد، اشتهر عنه أنّه أورد إشكالًا على الفقهاء في جعلهم نصاب السّرقة ربع دينارٍ، ونظم في ذلك شعرًا دلّ على جهله، وقلّة عقله فقال:
يدٌ بخمس مئين عسجدٍ وديت ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض ما لنا إلّا السّكوت له = وأن نعوذ بمولانا من النار
ولمّا قال ذلك واشتهر عنه تطلّبه الفقهاء فهرب منهم. وقد أجابه النّاس في ذلك، فكان جواب القاضي عبد الوهّاب المالكيّ، رحمه اللّه، أنّه قال: لمّا كانت أمينةً كانت ثمينةً، فلمّا خانت هانت. ومنهم من قال: هذا من تمام الحكمة والمصلحة وأسرار الشّريعة العظيمة، فإنّه في باب الجنايات ناسبٌ أن تعظم قيمة اليد بخمسمائة دينارٍ لئلّا يجنى عليها، وفي باب السّرقة ناسب أن يكون القدر الّذي تقطع فيه ربع دينارٍ لئلّا يتسارع النّاس في سرقة الأموال، فهذا هو عين الحكمة عند ذوي الألباب؛ ولهذا قال [تعالى] {جزاءً بما كسبا نكالا من اللّه واللّه عزيزٌ حكيمٌ} أي: مجازاةً على صنيعهما السّيئ في أخذهما أموال النّاس بأيديهم، فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك {نكالا من اللّه} أي: تنكيلًا من اللّه بهما على ارتكاب ذلك {واللّه عزيزٌ} أي: في انتقامه {حكيمٌ} أي: في أمره ونهيه وشرعه وقدره). [تفسير القرآن العظيم: 3/107-110]

تفسير قوله تعالى: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنّ اللّه يتوب عليه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} أي: من تاب بعد سرقته وأناب إلى اللّه، فإنّ اللّه يتوب عليه فيما بينه وبينه، فأمّا أموال النّاس فلا بدّ من ردّها إليهم أو بدلها عند الجمهور.
وقال أبو حنيفة: متى قطع وقد تلفت في يده فإنّه لا يردّ بدلها. وقد روى الحافظ أبو الحسن الدّارقطنيّ من حديث محمّد بن عبد الرّحمن بن ثوبان، عن أبي هريرة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أتي بسارقٍ قد سرق شملةً فقال: "ما إخاله سرق"! فقال السّارق: بلى يا رسول الله. قال: "اذهبوا به فاقطعوه، ثمّ احسموه، ثمّ ائتوني به". فقطع فأتي به، فقال: "تب إلى اللّه". فقال: تبت إلى اللّه. فقال: "تاب اللّه عليك".
وقد روي من وجهٍ آخر مرسلًا ورجّح إرساله علي بن المدينيّ وابن خزيمة رحمهما اللّه، روى ابن ماجه من حديث ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن عبد الرّحمن بن ثعلبة الأنصاريّ، عن أبيه؛ أنّ عمرو بن سمرة بن حبيب بن عبد شمسٍ جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه إنّي سرقت جملًا لبني فلانٍ فطهّرني! فأرسل إليهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: إنّا افتقدنا جملًا لنا. فأمر به فقطعت يده. قال ثعلبة: أنا أنظر إليه حين وقعت يده وهو يقول: الحمد للّه الّذي طهّرني منك، أردت أن تدخلي جسدي النّار.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا موسى بن داود، حدّثنا ابن لهيعة، عن حيي بن عبد اللّه عن أبي عبد الرّحمن الحبلي، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: سرقت امرأةٌ حليًّا، فجاء الّذين سرقتهم فقالوا: يا رسول اللّه، سرقتنا هذه المرأة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "اقطعوا يدها اليمنى". فقالت المرأة: هل من توبةٍ؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمّك"! قال: فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنّ اللّه يتوب عليه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}
وقد رواه الإمام أحمد بأبسط من هذا، فقال: حدّثنا حسنٌ، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثني حيي بن عبد اللّه، عن أبي عبد الرّحمن الحبلي، عن عبد اللّه بن عمرٍو؛ أنّ امرأةً سرقت على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فجاء بها الّذين سرقتهم فقالوا: يا رسول اللّه، إنّ هذه المرأة سرقتنا! قال قومها: فنحن نفديها، فقال رسول اللّه: "اقطعوا يدها" فقالوا: نحن نفديها بخمسمائة دينارٍ. قال: "اقطعوا يدها". قال: فقطعت يدها اليمنى. فقالت المرأة: هل لي من توبةٍ يا رسول اللّه؟ قال: "نعم، أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمّك". فأنزل اللّه في سورة المائدة: {فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنّ اللّه يتوب عليه إنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}
وهذه المرأة هي المخزوميّة الّتي سرقت، وحديثها ثابتٌ في الصّحيحين، من رواية الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة؛ أنّ قريشًا أهمّهم شأن المرأة الّتي سرقت في عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلّم فيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلّا أسامة بن زيدٍ حبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فأتى بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فكلّمه فيها أسامة بن زيدٍ، فتلوّن وجه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "أتشفع في حدٍّ من حدود اللّه، عزّ وجلّ؟ " فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول اللّه. فلمّا كان العشي قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فاختطب، فأثنى على اللّه بما هو أهله، ثمّ قال: "أمّا بعد، فإنّما أهلك الّذين من قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدّ، وإنّي والّذي نفسي بيده، لو أنّ فاطمة بنت محمّدٍ سرقت لقطعت يدها". ثمّ أمر بتلك المرأة الّتي سرقت فقطعت يدها. قالت عائشة [رضي اللّه عنها] فحسنت توبتها بعد، وتزوّجت، وكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وهذا لفظ مسلمٍ وفي لفظٍ له عن عائشة قالت: كانت امرأةٌ مخزوميّةٌ تستعير المتاع وتجحده، فأمر نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقطع يدها.
وعن ابن عمر قال: كانت امرأةٌ مخزوميّةٌ تستعير متاعًا على ألسنة جاراتها وتجحده، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بقطع يدها.
رواه الإمام أحمد، وأبو داود والنّسائيّ -وهذا لفظه-وفي لفظٍ له: أنّ امرأةً كانت تستعير الحليّ للنّاس ثمّ تمسكه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لتتب هذه المرأة إلى اللّه ورسوله وتردّ ما تأخذ على القوم، ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "قم يا بلال فخذ بيدها فاقطعها"
وقد ورد في أحكام السّرقة أحاديث كثيرةٌ مذكورةٌ في كتاب "الأحكام"، وللّه الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 3/110-113]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {ألم تعلم أنّ اللّه له ملك السّماوات والأرض} أي: هو المالك لجميع ذلك، الحاكم فيه، الّذي لا معقّب لحكمه، وهو الفعّال لما يريد {يعذّب من يشاء ويغفر لمن يشاء واللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/113]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:47 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة