العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة المائدة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 06:34 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة المائدة [ من الآية (7) إلى الآية (11) ]

تفسير سورة المائدة
[ من الآية (7) إلى الآية (11) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 11:18 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتّقوا اللّه إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور}
يعني جلّ ثناؤه بذلك: {واذكروا نعمة اللّه عليكم} أيّها المؤمنون بالعقود الّتي عقدتموها للّه على أنفسكم، واذكروا نعمته عليكم في ذلكم، بأن هداكم من العقود لما فيه الرّضا، ووفّقكم لما فيه نجاتكم من الضّلالة والرّدى في نعمٍ غيرها جمّةٍ. كما:.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {واذكروا نعمة اللّه عليكم} قال: النّعم: آلاء اللّه.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وأمّا قوله: {وميثاقه الّذي واثقكم به} فإنّه يعني: واذكروا أيضًا أيّها المؤمنون في نعم اللّه الّتي أنعم عليكم ميثاقه الّذي واثقكم به، وهو عهده الّذي عاهدكم به.
واختلف أهل التّأويل في الميثاق الّذي ذكر اللّه في هذه الآية، أيّ مواثيقه عنى؟ فقال بعضهم: عنى به ميثاق اللّه الّذي واثق به المؤمنين من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حين بايعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على السّمع والطّاعة له فيما أحبّوا وكرهوا، والعمل بكلّ ما أمرهم اللّه به ورسوله.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا} الآية، يعني: حيث بعث اللّه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنزل عليه الكتاب، فقالوا: آمنّا بالنّبيّ وبالكتاب، وأقررنا بما في التّوراة. فذكّرهم اللّه ميثاقه الّذي أقرّوا به على أنفسهم، وأمرهم بالوفاء به.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا} فإنّه أخذ ميثاقنا، فقلنا سمعنا وأطعنا على الإيمان والإقرار به وبرسوله.
وقال آخرون: بل عنى به جلّ ثناؤه: ميثاقه الّذي أخذ على عباده حين أخرجهم من صلب آدم صلّى اللّه عليه وسلّم، وأشهدهم على أنفسهم: ألست بربّكم؟ فقالوا: بلى شهدنا.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وميثاقه الّذي واثقكم به} قال: الّذي واثق به بني آدم في ظهر آدم
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
وأولى الأقوال بالصّواب في تأويل ذلك: قول ابن عبّاسٍ، وهو أنّ معناه: واذكروا أيّها المؤمنون نعمة اللّه عليكم الّتي أنعمها عليكم بهدايته إيّاكم للإسلام وميثاقه الّذي واثقكم به، يعني: وعهده الّذي عاهدكم به حين بايعتم رسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم على السّمع والطّاعة له في المنشط والمكره، والعسر واليسر، إذ قلتم سمعنا ما قلت لنا، وأخذت علينا من المواثيق وأطعناك فيما أمرتنا به ونهيتنا عنه، وأنعم عليكم أيضًا بتوفيقكم لقبول ذلك منه بقولكم له سمعنا وأطعنا، يقول: ففوا للّه أيّها المؤمنون بميثاقه الّذي واثقكم به، ونعمته الّتي أنعم عليكم في ذلك بإقراركم على أنفسكم بالسّمع له والطّاعة فيما أمركم به، وفيما نهاكم عنه، يف لكم بما ضمن لكم الوفاء به إذا أنتم وفّيتم له بميثاقه من إتمام نعمته عليكم، وبإدخالكم جنّته وبإنعامكم بالخلود في دار كرامته، وإنقاذكم من عقابه وأليم عذابه.
وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب من قول من قال: عنى به الميثاق الّذي أخذ عليهم في صلب آدم صلوات اللّه عليه، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه ذكر بعقب تذكرة المؤمنين ميثاقه الّذي واثقهم به أهل التّوراة بعد ما أنزل كتابه على نبيّه موسى صلّى اللّه عليه وسلّم فيما أمرهم به ونهاهم فيها، فقال: {ولقد أخذ اللّه ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبًا} الآيات بعدها، منبّهًا بذلك أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم محمّدٍ على مواضع حظوظهم من الوفاء للّه بما عاهدهم عليه، ومعرّفهم سوء عاقبة أهل الكتاب في تضييعهم ما ضيّعوا من ميثاقه الّذي واثقهم به في أمره ونهيه، وتعزير أنبيائه ورسله، زاجرًا لهم عن نكث عهودهم، فيحلّ بهم ما أحلّ بالنّاكثين عهوده من أهل الكتاب قبلهم.
فكان إذا كان الّذي ذكّرهم فوعظهم به، ونهاهم عن أن يركبوا من الفعل مثله ميثاق قومٍ أخذ ميثاقهم بعد إرسال الرّسول إليهم، وإنزال الكتاب عليهم واجبًا، أن يكون الحال الّتي أخذ فيها الميثاق والموعوظين نظير حال الّذين وعظوا بهم. وإذا كان ذلك كذلك، كان بيّنًا صحّة ما قلنا في ذلك وفساد خلافه.
وأمّا قوله: {واتّقوا اللّه إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور} فإنّه وعيدٌ من اللّه جلّ اسمه للمؤمنين كانوا برسوله صلّى اللّه عليه وسلّم من أصحابه، وتهديدًا لهم أن ينقضوا ميثاق اللّه الّذي واثقهم به في رسله وعهدهم الّذي عاهدوه فيه، بأن يضمروا له خلاف ما أبدوا له بألسنتهم.
يقول لهم جلّ ثناؤه: واتّقوا اللّه أيّها المؤمنون، فخافوه أن تبدّلوا عهده وتنقضوا ميثاقه الّذي واثقكم به، أو تخالفوا ما ضمنتم له بقولكم: سمعنا وأطعنا، بأن تضمروا له غير الوفاء بذلك في أنفسكم، فإنّ اللّه مطّلعٌ على ضمائر صدوركم، وعالمٌ بما تخفيه نفوسكم لا يخفى عليه شيءٌ من ذلك، فيحلّ بكم من عقوبته ما لا قبل لكم به، كالّذي حلّ بمن قبلكم من اليهود من المسخ وصنوف النّقم، وتصيروا في معادكم إلى سخط اللّه وأليم عقابه). [جامع البيان: 8/219-222]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وميثاقه الذي واثقكم به يعني الذي واثق به بني آدم في ظهر آدم). [تفسير مجاهد: 187]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه} [المائدة: 7]
- عن ابن عبّاسٍ - رضي اللّه عنهما - في قوله: {واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتّقوا اللّه إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور} [المائدة: 7] يعني حين بعث النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - وأنزل عليه الكتاب قالوا: آمنّا بالنّبيّ وبالكتاب وأقررنا بما في التّوراة، فذكّرهم اللّه ميثاقه الّذي أقرّوا به على أنفسهم بالوفاء به.
رواه الطّبرانيّ، وعليّ بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عبّاسٍ). [مجمع الزوائد: 7/14]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور}.
أخرج ابن جرير والطبراني عن ابن عباس في قوله {واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا} حتى ختم بعث الله النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الكتاب قالوا: آمنا بالنبي والكتاب واقررنا بما في التوراة فأذكرهم الله ميثاقه الذي أقروا به على أنفسهم وأمرهم بالوفاء به
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {واذكروا نعمة الله عليكم} قال: النعم، آلاء الله وميثاقه الذي واثقكم به، قال: الذي واثق به بني آدم في ظهر آدم عليه السلام). [الدر المنثور: 5/218-219]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين للّه شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتّقوى واتّقوا اللّه إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: يا أيّها الّذين آمنوا باللّه وبرسوله محمّدٍ، ليكن من أخلاقكم وصفاتكم القيام للّه، شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم، ولا تجوروا في أحكامكم وأفعالكم، فتجاوزوا ما حدّدت لكم في أعدائكم لعداوتهم لكم، ولا تقصروا فيما حدّدت لكم من أحكامي وحدودي في أوليائكم لولايتهم، ولكن انتهوا في جميعهم إلى حدّي، واعملوا فيه بأمري.
وأمّا قوله: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على ألاّ تعدلوا} فإنّه يقول: ولا يحملنّكم عداوة قومٍ على ألا تعدلوا في حكمكم فيهم وسيرتكم بينهم، فتجوروا عليهم من أجل ما بينكم وبينهم من العداوة.
وقد ذكرنا الرّواية عن أهل التّأويل في معنى قوله: {كونوا قوّامين بالقسط شهداء للّه} وفي قوله: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ} واختلاف المختلفين في قراءة ذلك والّذي هو أولى بالصّواب من القول فيه والقراءة بالأدلّة الدّالّة على صحّته بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع

وقد قيل: إنّ هذه الآية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين همّت اليهود بقتله.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ: {يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين للّه شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتّقوى} نزلت في يهود حين، أرادوا قتل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال ابن جريجٍ: قال عبد اللّه بن كثيرٍ: ذهب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى يهود يستعينهم في ديةٍ، فهمّوا أن يقتلوه، فذلك قوله: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا} الآية). [جامع البيان: 8/222-223]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اعدلوا هو أقرب للتّقوى واتّقوا اللّه إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {اعدلوا} أيّها المؤمنون على كلّ أحدٍ من النّاس وليًّا لكم كان أو عدوًّا، فاحملوهم على ما أمرتم أن تحملوهم عليه من أحكامي، ولا تجوروا بأحدٍ منهم عنه.
وأمّا قوله: {هو أقرب للتّقوى} فإنّه يعني بقوله: هو العدل عليهم أقرب لكم أيّها المؤمنون إلى التّقوى، يعني: إلى أن تكونوا عند اللّه باستعمالكم إيّاه من أهل التّقوى، وهم أهل الخوف والحذر من اللّه أن يخالفوه في شيءٍ من أمره، أو يأتوا شيئًا من معاصيه.
وإنّما وصف جلّ ثناؤه العدل بما وصف به من أنّه أقرب للتّقوى من الجور، لأنّ من كان عادلاً كان للّه بعدله مطيعًا، ومن كان للّه مطيعًا كان لا شكّ من أهل التّقوى، ومن كان جائرًا كان للّه عاصيًا، ومن كان للّه عاصيًا كان بعيدًا من تقواه.
وإنّما كنّى بقوله: {هو أقرب} عن الفعل، والعرب تكني عن الأفعال إذا كنت عنها بهو وبذلك، كما قال جلّ ثناؤه {فهو خيرٌ لكم} {ذلكم أزكى لكم} ولو لم يكن في الكلام هو لكان أقرب نصبًا، ولقيل: اعدلوا أقرب للتّقوى، كما قيل: {انتهوا خيرًا لكم}.
وأمّا قوله: {واتّقوا اللّه إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون} فإنّه يعني: واحذروا أيّها المؤمنون أن تجوروا في عباده، فتجاوزوا فيهم حكمه وقضاءه الّذين بيّن لكم، فيحلّ بكم عقوبته، وتستوجبوا منه أليم نكاله {إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون} يقول: إنّ اللّه ذو خبرةٍ وعلمٍ بما تعملون أيّها المؤمنون فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه من عملٍ به أو خلافٍ له، محصٍ ذلكم عليكم كلّه، حتّى يجازيكم به جزاءكم المحسن منكم بإحسانه، والمسيء بإساءته، فاتّقوا أن تسيئوا). [جامع البيان: 8/224-225]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون * وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم}.
أخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن عبد الله بن كثير في قوله {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط} الآية نزلت في يهود خيبر ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستعينهم في دية فهموا ليقتلوه فذلك قوله {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا} الآية، والله أعلم). [الدر المنثور: 5/219]

تفسير قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} وعد اللّه أيّها النّاس الّذين صدقوا اللّه ورسوله، وأقرّوا بما جاءهم به من عند ربّهم، وعملوا بما واثقهم اللّه به، وأوفوا بالعقود الّتي عاقدهم عليها بقولهم: لنسمعنّ ولنطيعنّ اللّه ورسوله. فسمعوا أمر اللّه ونهيه، وأطاعوه فعملوا بما أمرهم اللّه به، وانتهوا عمّا نهاهم عنه.
ويعني بقوله: {لهم مغفرةٌ} لهؤلاء الّذين وفوا بالعقود والميثاق الّذي واثقهم به ربّهم مغفرةٌ وهي ستر ذنوبهم السّالفة منهم عليهم، وتغطيتها بعفوه لهم عنها، وتركه عقوبتهم عليها وفضيحتهم بها {وأجرٌ عظيمٌ} يقول: ولهم مع عفوه لهم عن ذنوبهم السّالفة منهم جزاءٌ على أعمالهم الّتي عملوها ووفائهم بالعقود الّتي عاقدوا ربّهم عليها أجرٌ عظيمٌ، والعظيم من خيرٍ غير محدودٍ مبلغه ولا يعرف منتهاه غيره تعالى ذكره.
فإن قال قائلٌ: إنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر في هذه الآية أنّه وعد الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات، ولم يخبر بما وعدهم، فأين الخبر عن الموعود؟
قيل: بلى، إنّه قد أخبر عن الموعود، والموعود هو قوله: {لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ}
فإن قال فان: فإنّ قوله: {لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ} خبر مبتدأٍ، ولو كان هو الموعود لقيل: وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات مغفرةً وأجرًا عظيمًا، ولم يدخل في ذلك لهم، وفي دخول ذلك فيه دلالةٌ على ابتداء الكلام، وانقضاء الخبر عن الوعد؟
قيل: إنّ ذلك وإن كان ظاهره ما ذكرت فإنّه ممّا اكتفى بدلالة ما ظهر من الكلام على ما بطن من معناه من ذكر بعضٍ قد ترك ذكره فيه، وذلك أنّ معنى الكلام: وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أن يغفر لهم، ويأجرهم أجرًا عظيمًا؛ لأنّ من شأن العرب أن يصحبوا الوعد أن يعملوه فيها، فتركت أن إذ كان الوعد قولاً، ومن شأن القول أن يكون ما بعده من جمل الأخبار مبتدأً وذكر بعده جملة الخبر اجتزاءً بدلالة ظاهر الكلام على معناه وصرفًا للوعد الموافق للقول في معناه وإن كان للفظه مخالفًا إلى معناه، فكأنّه قيل: قال اللّه للّذين آمنوا وعملوا الصّالحات مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ.
وكان بعض نحويّي البصرة يقول: إنّما قيل: {وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ} في الوعد الّذي وعدوا، فكان معنى الكلام على تأويل قائل هذا القول: وعد اللّه الّذي آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ). [جامع البيان: 8/225-226]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {والّذين كفروا} والّذين جحدوا وحدانيّة اللّه، ونقضوا ميثاقه وعقوده الّتي عاقدوها إيّاه {وكذّبوا بآياتنا} يقول: وكذّبوا بأدلّة اللّه وحججه الدّالّة على وحدانيّته الّتي جاءت بها الرّسل وغيرها {أولئك أصحاب الجحيم} يقول: هؤلاء الّذين هذه صفتهم أهل الجحيم، يعني: أهل النّار الّذين يخلّدون فيها ولا يخرجون منها أبدًا). [جامع البيان: 8/227]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن الزهري عن أبي سليمة عن جابر بن عبد الله أن النبي نزل منزلا وتفرق الناس في العضاة يستظلون تحتها فعلق النبي سلاحه بشجرة فجاء أعرابي إلى سيفه فأخذه فسله ثم أقبل على النبي فقال من يمنعك مني قال الله قال الأعرابي مرتين أو ثلاثا من يمنعك مني والنبي يقول الله فشام الأعرابي السيف ودعا النبي أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه قال معمر وكان قتادة يذكر نحو هذا ويذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا بالنبي فأرسلوا هذا الأعرابي ويتأول واذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم الآية). [تفسير عبد الرزاق: 1/185]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم واتّقوا اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: {يا أيّها الّذين آمنوا} أقرّوا بتوحيد اللّه ورسالة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وما جاءهم به من عند ربّهم {اذكروا نعمة اللّه عليكم} اذكروا النّعمة الّتي أنعم اللّه بها عليكم، فاشكروه عليها بالوفاء له بميثاقه الّذي واثقكم به، والعقود الّتي عاقدتم نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم عليها. ثمّ وصف نعمته الّتي أمرهم جلّ ثناؤه بالشّكر عليها مع سائر نعمه، فقال: هي كفّه عنكم أيدي القوم الّذين همّوا بالبطش بكم، فصرفهم عنكم، وحال بينهم وبين ما أرادوه بكم.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في صفة هذه النّعمة الّتي ذكّر اللّه جلّ ثناؤه أصحاب نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بها وأمرهم بالشّكر له عليها. فقال بعضهم: هو استنقاذ اللّه نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه ممّا كانت اليهود من بني النّضير همّوا به يوم أتوهم يستحملونهم دية العامريّين اللّذين قتلهما عمرو بن أميّة الضّمريّ.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد اللّه بن أبي بكرٍ، قالا: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى بني النّضير ليستعينهم على دية العامريّين اللّذين قتلهما عمرو بن أميّة الضّمريّ؛ فلمّا جاءهم خلا بعضهم ببعضٍ، فقالوا: إنّكم لن تجدوا محمّدًا أقرب منه الآن، فمروا رجلا يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرةً فيريحنا منه. فقال عمرو بن جحّاش بن كعبٍ.انا فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الخبر، وانصرف عنهم، فأنزل اللّه عزّ ذكره فيهم وفيما أراد هو وقومه: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم} الآية.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم} قال اليهود: دخل عليهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حائطًا لهم، وأصحابه من وراء جداره، فاستعانهم في مغرم ديةٍ غرمها، ثمّ قام من عندهم، فائتمروا بينهم بقتله، فخرج يمشي القهقرى ينظر إليهم، ثمّ دعا أصحابه رجلاً رجلاً حتّى تتامّوا إليه.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم} يهود حين دخل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حائطًا لهم، وأصحابه من وراء جدارٍ لهم، فاستعانهم في مغرمٍ في ديةٍ غرمها، ثمّ قام من عندهم، فائتمروا بينهم بقتله، فخرج يمشي معترضًا ينظر إليهم خيفتهم، ثمّ دعا أصحابه رجلاً رجلاً حتّى تتامّوا إليه. قال اللّه جلّ وعزّ: {فكفّ أيديهم عنكم واتّقوا اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون}.
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثني أبو معشرٍ، عن يزيد بن أبي زيادٍ، قال: جاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بني النّضير يستعينهم في عقلٍ أصابه ومعه أبو بكرٍ وعمر وعليّ فقال: أعينوني في عقلٍ أصابني فقالوا: نعم يا أبا القاسم، قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجةً، اجلس حتّى نطعمك ونعطيك الّذي تسألنا. فجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه ينتظرونه، وجاء حييّ بن أخطب وهو رأس القوم، وهو الّذي قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما قال، فقال حييٌّ لأصحابه: لا ترونه أقرب منه الآن، اطرحوا عليه حجارةً فاقتلوه ولا ترون شرًّا أبدًا. فجاءوا إلى رحًى لهم عظيمةٍ ليطرحوهًا عليه، فأمسك اللّه عنها أيديهم، حتّى جاءه جبريل صلّى اللّه عليه وسلّم فأقامه من ثمّ، فأنزل اللّه جلّ وعزّ: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم واتّقوا اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} فأخبر اللّه عزّ ذكره نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما أرادوا به.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم} الآية، قال: يهود دخل عليهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حائطًا، فاستعانهم في مغرمٍ غرمه، فائتمروا بينهم بقتله، فقام من عندهم، فخرج معترضًا ينظر إليهم خيفتهم، ثمّ دعا أصحابه رجلاً رجلاً حتّى تتامّوا إليه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المنذر بن عمرٍو الأنصاريّ أحد بني النّجّار وهو أحد النّقباء ليلة العقبة، فبعثه في ثلاثين راكبًا من المهاجرين والأنصار. فخرجوا، فلقوا عامر بن الطّفيل بن مالك بن جعفرٍ على بئر معونة، وهي من مياه بني عامرٍ، فاقتتلوا، فقتل المنذر وأصحابه إلاّ ثلاثة نفرٍ كانوا في طلب ضالّةٍ لهم، فلم يرعهم إلاّ والطّير تحوم في السّماء، يسقط من بين خراطيمها علق الدّم، فقال أحد النّفر: قتل أصحابنا والرّحمن. ثمّ تولّى يشتدّ حتّى لقي رجلاً، فاختلفا ضربتين، فلمّا خالطته الضّربة، رفع رأسه إلى السّماء ففتح عينيه، ثمّ قال: اللّه أكبر، الجنّة وربّ العالمين. فكان يدعى: أعنق ليموت. ورجع صاحباه، فلقيا رجلين من بني سليمٍ، وبين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وبين قومهما موادعةٌ، فانتسبا لهما إلى بني عامرٍ، فقتلاهما. وقدم قومهما إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يطلبون الدّية، فخرج ومعه أبو بكرٍ وعمر وعثمان وعليٌّ وطلحة وعبد الرّحمن بن عوفٍ، حتّى دخلوا على كعب بن الأشرف ويهود بني النّضير، فاستعانهم في عقلهما. قال: فاجتمعت اليهود لقتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، واعتلّوا بصنيعه الطّعام، فأتاه جبريل صلّى اللّه عليه وسلّم بالّذي اجتمعت عليه يهود من الغدر، فخرج ثمّ دعا عليًّا، فقال: لا تبرح مقامك، فمن خرج عليك من أصحابي فسألك عنّي فقل وجّه إلى المدينة فأدركوه قال: فجعلوا يمرّون على عليٍّ، فيأمرهم بالّذي أمره حتّى أتى عليه آخرهم، ثمّ تبعهم؛ فذلك قوله: {ولا تزال تطّلع على خائنةٍ منهم}.
- حدّثني الحرث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم} قال: نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه، حين أرادوا أن يغدروا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال آخرون: بل النّعمة الّتي ذكرها اللّه في هذه الآية، فأمر المؤمنين من أصحاب رسول اللّه بالشّكر له عليها، أنّ اليهود كانت همّت بقتل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في طعامٍ دعوه إليه، فأعلم اللّه عزّ وجلّ نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما همّوا به، فانتهى هو وأصحابه عن إجابتهم إليه.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم} [الأحزاب] إلى قوله: {فكفّ أيديهم عنكم} وذلك أنّ قومًا من اليهود صنعوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه طعامًا ليقتلوه إذا أتى الطّعام، فأوحى اللّه إليه بشأنهم، فلم يأت الطّعام وأمر أصحابه فأتوه.
وقال آخرون: عنى اللّه جلّ ثناؤه بذلك النّعمة الّتي أنعمها على المؤمنين باطّلاع نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على ما همّ به عدوّه وعدوّهم من المشركين يوم بطن نخلٍ من اغترارهم إيّاهم، والإيقاع بهم إذا هم اشتغلوا عنهم بصلاتهم، فسجدوا فيها، وتعريفه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم الحذار من عدوّه في صلاته بتعليمه إيّاه صلاة الخوف.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم} الآية، ذكر لنا أنّها نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو ببطن نخلٍ في الغزوة السّابعة، فأراد بنو ثعلبة وبنو محاربٍ أن يفتكوا به، فأطلعه اللّه على ذلك ذكر لنا أنّ رجلاً انتدب لقتله، فأتى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسيفه موضوعٌ، فقال: آخذه يا نبيّ اللّه؟ قال: خذه قال: أستلّه؟ قال: نعم فسلّه، فقال: من يمنعك منّي؟ قال: اللّه يمنعني منك فهدّده أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأغلظوا له القول، فشام السّيف، وأمر نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أصحابه بالرّحيل، فأنزلت عليه صلاة الخوف عند ذلك.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، ذكره عن ابن أبي سلمة، عن جابرٍ: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نزل منزلاً، وتفرّق النّاس في العضاه يستظلّون تحتها، فعلّق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سلاحه بشجرةٍ، فجاء أعرابيٌّ إلى سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأخذه فسلّه، ثمّ أقبل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: من يمنعك منّي؟ والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: اللّه فشام الأعرابيّ السّيف، فدعا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أصحابه، فأخبرهم خبر الأعرابيّ وهو جالسٌ إلى جنبه لم يعاقبه.
قال معمرٌ: وكان قتادة يذكر نحو هذا، وذكر أنّ قومًا من العرب أرادوا أن يفتكوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأرسلوا هذا الأعرابيّ. وتأوّل: {اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم} الآية
وأولى الأقوال بالصّحّة في تأويل ذلك، قول من قال: عنى اللّه بالنّعمة الّتي ذكر في هذه الآية نعمته على المؤمنين به وبرسوله، الّتي أنعم بها عليهم في استنقاذه نبيّهم محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، ممّا كانت يهود بني النّضير همّت به من قتله وقتل من معه يوم سار إليهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الدّية الّتي كان تحمّلها عن قتيلي عمرو بن أميّة
وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّحّة في تأويل ذلك، لأنّ اللّه عقب ذكر ذلك برمي اليهود بصنائعها وقبيح أفعالها وخيانتها ربّها وأنبياءها. ثمّ أمر نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالعفو عنهم والصّفح عن عظيم جهلهم، فكان معلومًا بذلك أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يؤمر بالعفو عنهم والصّفح عقيب قوله: {إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم} ومن غيرهم كان يبسط الأيدي إليهم، لأنّه لو كان الّذين همّوا ببسط الأيدي إليهم غيرهم لكان حريًّا أن يكون الأمر بالعفو والصّفح عنهم لا عمّن لم يجر لهم بذلك ذكرٌ، ولكان الوصف بالخيانة في وصفهم في هذا الموضع لا في وصف من لم يجر لخيانته ذكرٌ، ففي ذلك ما ينبئ عن صحّة ما قضينا له بالصّحّة من التّأويلات في ذلك دون ما خالفه). [جامع البيان: 8/227-233]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واتّقوا اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون}
يعني جلّ ثناؤه: واحذروا اللّه أيّها المؤمنون أن تخالفوه فيما أمركم ونهاكم أن تنقضوا الميثاق الّذي واثقكم به فتستوجبوا منه العقاب الّذي لا قبل لكم به {وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} يقول: وإلى اللّه فليلق أزمّة أمورهم، ويستسلم لقضائه، ويثق بنصرته وعونه، المقرون بوحدانيّة اللّه ورسالة رسوله، العاملون بأمره ونهيه، فإنّ ذلك من كمال دينهم وتمام إيمانهم، وأنّهم إذا فعلوا ذلك كلأهم ورعاهم وحفظهم ممّن أرادهم بسوءٍ، كما حفظكم ودافع عنكم أيّها المؤمنون اليهود الّذين همّوا بما همّوا به من بسط أيديهم إليكم، كلاءةً منه لكم، إذ كنتم من أهل الإيمان به وبرسوله دون غيره، فإنّ غيره لا يطيق دفع سوءٍ أراد بكم ربّكم ولا اجتلاب نفعٍ لكم لم يقضه لكم). [جامع البيان: 8/234]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم قال النعم الآلاء يقول اذكروا آلاء الله). [تفسير مجاهد: 187]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم قال هم يهود وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليهم حائطا لهم وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء الجدار فاستعانهم في مغرم في دية غرمها ثم قام من عندهم فأتمروا بينهم بقتله فأطلع الله عز وجل على ذلك نبيه صلى الله عليه وسلم فخرج يمشي القهقرى معترضا وهو ينظر إليهم خيفتهم ثم دعا أصحابه رجلا رجلا حتى انتهوا إليه فذلك نعمة الله عليهم وذلك آلاء الله عز وجل). [تفسير مجاهد: 187-188]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في الدلائل، عن جابر بن عبد الله أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نزل منزلا فتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها فعلق النّبيّ صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة فجاء أعرابي إلى سيفه فأخذه فسله ثم أقبل على النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك مني قال: الله، قال الأعرابي: مرتين أو ثلاثة من يمنعك مني والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الله، فشام الأعرابي السيف فدعا النّبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم بصنيع الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه، قال معمر: وكان قتادة يذكر نحو هذا ويذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فأرسلوا هذا الأعرابي ويتألوا {اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم} الآية.
وأخرج الحاكم وصححه، عن جابر قال: قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم محارب خصفة بنخل فرأوا من المسلمين غرة فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: من يمنعك قال: الله فوقع السيف من يده فأخذه النّبيّ صلى الله عليه وسلم وقال: من يمنعك قال: كن خيرا آخذ، قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قال: أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك فخلى سبيله فجاء إلى قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس فلما حضرت الصلاة صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فكان الناس طائفتين: طائفة بإزاء العدو وطائفة تصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فانصرفوا فكانوا موضع الذين بازاء عدوهم وجاء أولئك فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين فكان للناس ركعتين ركعتين وللنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات.
وأخرج ابن إسحاق وأبو نعيم في الدلائل من طريق الحسن، أن رجلا من محارب يقال له غورث بن الحارث قال لقومه: أقتل لكم محمدا قالوا له: كيف تقتله فقال: أفتك به فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس وسيفه في حجره فقال: يا محمد انظر إلى سيفك هذا قال: نعم فأخذه فاستله وجعل يهزه ويهم فيكبته الله فقال: يا محمد ما تخافني وفي يدي السيف ورده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم} الآية.
وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء والضحاك عن ابن عباس قال أن عمرو بن أمية الضمري حين انصرف من بئر معونة لقي رجلين كلابيين معهما أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلهما ولم يعلم أم معهما أمانا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير ومعه أبو بكر وعمر وعلي فتلقاه بنو النضير فقالوا: مرحبا، يا أبا القاسم لماذا جئت قال: رجل من أصحابي قتل رجلين من بني كلاب معهما أمان مني طلب مني ديتهما فأريد أن تعينوني، قالوا: نعم أقعد حتى نجمع لك، فقعد تحت الحصن وأبو بكر وعمر وعلي وقد تآمر بنو النضير أن يطرحوا عليه حجرا فجاء جبريل فاخبره بما هموا به فقام بمن معه وأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم} الآية
وأخرج أبو نعيم من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، نحوه.
وأخرج أيضا عن عروة وزاد بعد نزول الآية وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باجلائهم لما أرادوا فأمرهم أن يخرجوا من ديارهم، قالوا: إلى أين قال: إلى الحشر.
وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر قالا: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم على دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري فلما جاءهم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا محمدا أقرب منه الآن فمروا رجلا يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه، فقال عمر بن جحاش بن كعب: أنا فأتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم الخبر فانصرف فأنزل الله فيهم وفيما أراد هو وقومه {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم} قال: هم يهود، دخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حائطا لهم وأصحابه من وراء جداره فاستعانهم في مغرم في دية غرمها ثم قام من عندهم فائتمروا بينهم بقتله فخرج يمشي القهقرى معترضا ينظر إليهم ثم دعا أصحابه رجلا رجلا حتى تقاوموا إليه.
وأخرج ابن جرير عن يزيد بن زياد قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير يستعينهم في عقل أصابه ومعه أبو بكر وعمر وعلي فقال أعينوني في عقل أصابني، فقالوا: نعم يا أبا القاسم قد آن لك تأتينا وتسألنا حاجة اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ينتظرونه وجاء حيي بن أخطب فقال حيي لأصحابه: لا ترونه أقرب منه الآن اطرحوا عليه حجارة فاقتلوه ولا ترون شرا أبدا فجاؤوا إلى رحى لهم عظيمة ليطرحوها عليه فامسك الله عنها أيديهم حتى جاءه جبريل فأقامه من بينهم فأنزل الله {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم} الآية، فأخبر الله نبيه ما أرادوا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير من طريق السدي عن أبي مالك في الآية قال: نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه حين أرادوا أن يغروا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة قال بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو أحد النقباء ليلة العقبة في ثلاثين راكبا من المهاجرين والأنصار إلى غطفان فالتقوا على ماء من مياه عامر فاقتتلوا فقتل المنذر ابن عمرو وأصحابه إلا ثلاثة نفر كانوا في طلب ضالة لهم فلم يرعهم إلا والطير تجول في جو السماء يسقط من خراطيمها علق الدم فقالوا قتل أصحابنا والرحمن، فانطلق رجل منهم فلقي رجلا فاختلفا ضربتين فلما خالطه الضربة رفع طرفه إلى السماء ثم رفع عينيه فقال: الله أكبر، الجنة ورب العالمين وكان يرعى أعنق ليموت فانطلق صاحباه فلقيا رجلين من بني سليم فانتسبا لهما إلى بني عامر فقتلاهما وكان بينهما وبين النّبيّ صلى الله عليه وسلم موادعة فقدم قومهما على النّبيّ صلى الله عليه وسلم يطلبون عقلهما فانطلق النّبيّ صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف حتى دخلوا على بني النضير يستعينونهم في عقلهما فقالوا: نعم فاجتمعت يهود على أن يقتلوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه فاعتلوا له بصنعة الطعام فلما أتاه جبريل بالذي أجمع له يهود من الغدر خرج ثم أعاد عليا فقال: لا تبرح من مكانك هذا فمن مر بك من أصحابي فسألك عني فقل: وجه إلى المدينة فأدركوه فجعلوا يمرون على علي فيقول لهم الذي أمره النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتى أتى عليه آخرهم ثم تبعهم ففي ذلك أنزلت {إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم} حتى {ولا تزال تطلع على خائنة منهم}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة من طريق العوفي عن ابن عباس في هذه الآية قال أن قوما من اليهود صنعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه طعاما ليقتلوه فأوحى الله إليه بشأنهم فلم يأت الطعام وأمر أصحابه فلم يأتوه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في الآية قال ذكر لنا أنها أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببطن نخل في الغزوة الثانية فأراد بنو ثعلبة وبنو محارب أن يفتكوا به فأطلعه الله على ذلك ذكر لنا أن رجلا انتدب لقتله فأتى نبي الله صلى الله عليه وسلم وسيفه موضوع فقال: آخذه يا رسول الله قال: خذه، قال: استله قال: نعم، فاستله فقال: من يمنعك مني قال: الله يمنعني منك فهدده أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأغلظوا له القول فشام السيف فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه بالرحيل فأنزلت عليه صلاة الخوف عند ذلك). [الدر المنثور: 5/219-227]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 11:19 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) )

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (بذات الصدور) (7) مجازها: بحاجة الصدور لأنها مؤنثة). [مجاز القرآن: 1/156]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (39-وقوله جل وعز: {واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به}
[معاني القرآن: 2/276]
مذهب ابن عباس أنه قال الميثاق الذي واثق به المؤمنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فيما أحبوا وكرهوا قال مجاهد الميثاق الذي أخذه على بني آدم يعني قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم}). [معاني القرآن: 2/277]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {اعدلوا هو أقرب للتّقوى...}
لو لم تكن (هو) في الكلام كانت (أقرب) نصبا. يكنى عن الفعل في هذا الموضع بهو وبذلك؛ تصلحان جميعا. قال في موضع آخر {إذا ناجيتم الرّسول فقدّموا بين يدي نجواكم صدقةً ذلك خيرٌ لكم وأطهر} وفي الصفّ {ذلكم خيرٌ لكم} فلو لم تكن (هو) ولا (ذلك) في الكلام كانت نصبا؛ كقوله: {انتهوا خيراً لكم}). [معاني القرآن: 1/303]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (قوّامين لله شهداء بالقسط) (9) أي قائمين بالعدل، يقومون به، ويدمون عليه). [مجاز القرآن: 1/156]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين للّه شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنئان قوم على ألّا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتّقوى واتّقوا اللّه إنّ اللّه خبير بما تعملون (8)
(قوّامين للّه شهداء بالقسط)
أي بالعدل.
[معاني القرآن: 2/155]
(شهداء).
أي مبينين عن دين الله لأن الشاهد يبيّن ما شهد عليه.
وقوله: (ولا يجرمنّكم شنئان قوم على ألّا تعدلوا).
فشنآن قوم معناه بغض قوم.
أي: لا يحملنكم بغضكم المشركين على ترك العدل.
ومن قال شنآن قوم، فمعناه بغض قوم، ويقال: أجرمني كذا وكذا، وجرمني، وجرمني، وأجرمت بمعنى واحد.
وقد قيل لا يجرمنّكم: لا يدخلنّكم في الجرم كما تقول آثمته أي أدخلته في الإثم). [معاني القرآن: 2/156]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (40-وقوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط} القسط العدل). [معاني القرآن: 2/277]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (41-ثم قال جل وعز: {ولا يجرمنكم شنآن قوم} أي لا يحملنكم وقد بيناه فيما تقدم وقرئ (ولا يجرمنكم) قال الكسائي هما لغتان قال أبو جعفر قال أبو إسحاق معنى لا يجرمنكم لا يدخلنكم في الجرم كما تقول آثمني أي أدخلني في الإثم
[معاني القرآن: 2/277]
والشنآن البغض). [معاني القرآن: 2/278]

تفسير قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) )

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (وعد الله الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات) (9) أي خيراً أي فاضلة بهذه، ثم قال، مستأنفاً: (لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ) (9) فارتفعتا على القطع من أول الآية والفعل الذي في أولهما، وعملت فيهما (لهم) ). [مجاز القرآن: 1/156]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مّغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ}
وقال: {وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مّغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ} كأنه فسر الوعد ليبين ما وعدهم أي: هكذا وعدهم فقال: {لهم مّغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ}). [معاني القرآن: 1/220]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: (وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرة وأجر عظيم (9)
هذا تمام الكلام، يقال وعدت الرجل تريد وعدته خيرا، وأوعدت الرجل تريد أوعدته شرا، وإذا ذكرت الموعود قلت فيهما جميعا واعدته. وإذا لم تذكر الموعود قلت في الخير وعدته وفي الشر أوعدته.
فقال عزّ وجلّ: (وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات)، فدل على الخير، ثم بين ذلك الخير فقال: (لهم مغفرة) أي تغطية على ذنوبهم.
(وأجر عظيم) جزاء على إيمانهم). [معاني القرآن: 2/156]

تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) )

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمت اللّه عليكم إذ همّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم واتّقوا اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون (11)
يروى في التفسير أن بني قريظة وبني النضير كانوا عاهدوا النبي - صلى الله عليه وسلم - على ترك القتال وعلى أن يعينهم في دياتهم ويعينوه في ديات المسلمين، فأصيب رجلان من المسلمين فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم في دياتهما، فوعدوه
[معاني القرآن: 2/156]
لوقت يصير إليهم فيه، فصار النبي هو وأبو بكر وعمر وعليّ، فلما صاروا إليهم هموا بالغدر وأن يقتلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه، فأوحى الله إليه وأعلمه ما عزموا عليه، فخرجوا من المكان الذي كانوا فيه، فأعلمهم اليهود أن قدورهم تغلي، فأعلمهم - صلى الله عليه وسلم - أنّه قد نزل عليه الوحي بما عزموا عليه.
وهذه من الآيات التي تدل على نبوته.
وقيل إن هذا مردود على قوله: (اليوم يئس الّذين كفروا من دينكم)
أي قد أعطيتم الظفر عليهم، فقال:
(يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمت اللّه عليكم إذ همّ قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم).
وكلا الوجهين - واللّه أعلم - جائز، لأن الله جل ثناؤه قد أظهر الإسلام على سائر الأديان). [معاني القرآن: 2/157]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (42-وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم} قال مجاهد هذا في اليهود جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية فهموا بقتله فوقاه الله جل وعز منهم وروي عن الحسن أنه قال نزل هذا في رجل من أعداء النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته فاستقبل القبلة ليصلي صلاة الخوف فجاء هذا ليقتله فمنعه الله منه). [معاني القرآن: 2/278]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 2 جمادى الأولى 1434هـ/13-03-2013م, 02:23 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) }

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
يوما طواعك في القياد وتارة = تلقاك تنكرها من الشنآن
...
والشنآن: البغض). [شرح ديوان كعب بن زهير: 215] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) }

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) }

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 06:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 06:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 06:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 06:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتّقوا اللّه إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور (7) يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين للّه شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على ألاّ تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتّقوى واتّقوا اللّه إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون (8)
الخطاب بقوله: واذكروا إلى آخر الآية هو للمؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم ونعمة اللّه اسم جنس يجمع الإسلام وجمع الكلمة وعزة الحياة وغنى المال وحسن المآل، هذه كلها نعم هذه الملة، والميثاق المذكور هو ما وقع للنبي صلى الله عليه وسلم في بيعات العقبة وبيعة الرضوان وكل موطن قال الناس فيه سمعنا وأطعنا هذا قول ابن عباس والسدي وجماعة من المفسرين. وقال مجاهد: الميثاق المذكور هو المأخوذ على النسم حين استخرجوا من ظهر آدم، والقول الأول أرجح وأليق بنمط الكلام). [المحرر الوجيز: 3/123]


تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أمر تعالى المؤمنين بالقيام دأبا متكررا بالقسط وهو العدل، وقد تقدم نظير هذا في سورة النساء وتقدم في صدر هذه السورة نظير قوله: ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ [المائدة: 2] وباقي الآية بيّن متكرر والله المعين). [المحرر الوجيز: 3/123]

تفسير قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ (9) والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم (10) يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمت اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم واتّقوا اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون (11)
هذه آية وعد للمؤمنين بستر الذنوب عليهم وبالجنة فهي الأجر العظيم، ووعد يتعدى إلى مفعولين، ويجوز الاقتصار على أحدهما، وكذلك هو في هذه الآية، فالمفعول الثاني مقدر يفسره ويدل عليه قوله تعالى: لهم مغفرةٌ). [المحرر الوجيز: 3/123]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم عقب تعالى بذكر حال الكفار ليبين الفرق). [المحرر الوجيز: 3/123]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته، والنعمة هي العاملة في إذ وهي نعمة مخصوصة، وهم الرجل بالشيء إذا أراد فعله، ومنه قول الشاعر:
هل ينفعنك اليوم أن همت بهم = كثرة ما توصي وتعقاد الرتم
ومنه قول الآخر:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني = تركت على عثمان تبكي حلائله
واختلف الناس في سبب هذه الآية وما النازلة التي وقع فيها الهم ببسط اليد والكف من الله تعالى؟
فقال الجمهور: إن سبب هذه الآية أنه لما قتل أهل بئر معونة نجا من القوم عمرو بن أمية الضمري ورجل آخر معه، فلقيا بقرب المدينة رجلين من سليم قد كانا أخذا عهدا من النبي صلى الله عليه وسلم وانصرفا، فسألهما عمرو ممن أنتما؟ فانتسبا إلى بني عامر بن الطفيل وهو كان الجاني على المسلمين في بئر معونة، فقتلهما عمرو وصاحبه وأتيا بسلبهما النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لقد قتلتما قتيلين لأدينهما ثم شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمع الدية فذهب يوما إلى بني النضير يستعينهم في الدية ومعه أبو بكر وعمر وعلي. فكلمهم فقالوا: نعم يا أبا القاسم انزل حتى نصنع لك طعاما وننظر في معونتك، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل جدار فتآمروا بينهم في قتله، وقالوا ما ظفرتم بمحمد قط أقرب مراما منه اليوم، فقال بعضهم لبعض من رجل يظهر على الحائط فيصب عليه حجرا يشدخه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش فيما روي، وجاء جبريل فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقام رسول الله من المكان وتوجه إلى المدينة ونزلت الآية في ذلك، وفي الخبر زوائد لا تخص الآية وقد ذكره ابن إسحاق وغيره، وهذا القول يترجح بما يأتي بعد من الآيات في وصف غدر بني إسرائيل ونقضهم المواثيق، وقالت جماعة من العلماء: سبب الآية فعل الأعرابي في غزوة ذات الرقاع، وهي غزوة النبي صلى الله عليه وسلم بني محارب بن خصفة بن قيس بن عيلان، وذلك أنه نزل بواد كثير العضاه، فتفرق الناس في الظلال وتركت للنبي صلى الله عليه وسلم شجرة ظليلة، فعلق سيفه بها ونام فجاء رجل من محارب فاخترط السيف فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم والسيف صلت في يده، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أتخافني؟ فقال لا، فقال له ومن يمنعك مني، فقال: الله، فشام السيف في غمده وجلس، وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس فاجتمعوا وهو جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبه، وذكر الواقدي وابن أبي حاتم عن أبيه أنه أسلم، وذكر قوم أنه ضرب برأسه في ساق الشجرة حتى مات، فنزلت الآية بسبب ذلك، وفي البخاري في غزوة ذات الرقاع أن اسم الرجل غورث بن الحارث بالغين منقوطة، وحكى بعض الناس أن اسمه دعثور بن الحارث وحكى الطبري أن الآية نزلت بسبب قوم من اليهود أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم في طعام، فأشعره الله بذلك، ثم أدخل الطبري تحت هذه الترجمة عن ابن عباس خلاف ما ترجم به من أن قوما من اليهود صنعوا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه طعاما ليقتلوه إذا أتى الطعام.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: فيشبه أن ابن عباس إنما وصف قصة بني النضير المتقدمة، وقال قتادة: سبب الآية ما همت به محارب وبنو ثعلبة يوم ذات الرقاع من الحمل على المسلمين في صلاة العصر، فأشعره الله تعالى بذلك ونزلت صلاة الخوف، فذلك كف أيديهم عن المسلمين، وحكى ابن فورك عن الحسن بن أبي الحسن أن الآية نزلت بسبب أن قريشا بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا ليغتاله ويقتله.
فأطلعه الله تعالى على ذلك وكفاه شره.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والمحفوظ في هذا هو نهوض عمير بن وهب لهذا المعنى بعد اتفاقه على ذلك مع صفوان بن أمية والحديث بكماله في سيرة ابن هشام، وذكر قوم من المفسرين وأشار إليه الزجاج أن الآية نزلت في قوله تعالى: اليوم يئس الّذين كفروا من دينكم [المائدة: 3] فكأنه تعالى عدد على المؤمنين نعمه في أن أظهرهم وكف بذلك أيدي الكفار عنهم التي كانوا هموا ببسطها إلى المؤمنين.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويحسن على هذا القول أن تكون الآية نزلت عقب غزوة الخندق وحين هزم الله الأحزاب وكفى الله المؤمنين القتال، وباقي الآية أمر بالتقوى والتوكل). [المحرر الوجيز: 3/123-126]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 06:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 06:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتّقوا اللّه إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور (7) يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين للّه شهداء بالقسط ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على ألّا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتّقوى واتّقوا اللّه إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون (8) وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ وأجرٌ عظيمٌ (9) والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم واتّقوا اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون}
يقول تعالى مذكرًا عباده المؤمنين نعمته عليهم في شرعه لهم هذا الدّين العظيم، وإرساله إليهم هذا الرّسول الكريم، وما أخذ عليهم من العهد والميثاق في مبايعته على متابعته ومناصرته ومؤازرته، والقيام بدينه وإبلاغه عنه وقبوله منه، فقال [تعالى] {واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا} وهذه هي البيعة الّتي كانوا يبايعون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليها عند إسلامهم، كما قالوا: "بايعنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على السّمع والطّاعة، في منشطنا ومكرهنا، وأثرةٍ علينا، وألّا ننازع الأمر أهله"، وقال تعالى: {وما لكم لا تؤمنون باللّه والرّسول يدعوكم لتؤمنوا بربّكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين} [الحديد: 8] وقيل: هذا تذكارٌ لليهود بما أخذ عليهم من المواثيق والعهود في متابعة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم والانقياد لشرعه، رواه عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ. وقيل: هو تذكارٌ بما أخذ تعالى من العهد على ذرّيّة آدم حين استخرجهم من صلبه وأشهدهم على أنفسهم: {ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا} [الأعراف: 172] قاله مجاهدٌ، ومقاتل بن حيّان. والقول الأوّل أظهر، وهو المحكيّ عن ابن عبّاسٍ، والسّدّي. واختاره ابن جريرٍ.
ثمّ قال تعالى: {واتّقوا اللّه} تأكيدٌ وتحريضٌ على مواظبة التّقوى في كلّ حالٍ.
ثمّ أعلمهم أنّه يعلم ما يتخالج في الضّمائر والسّرائر من الأسرار والخواطر، فقال: {إنّ اللّه عليمٌ بذات الصّدور} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/61-62]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا كونوا قوّامين للّه} أي: كونوا قوّامين بالحقّ للّه، عزّ وجلّ، لا لأجل النّاس والسّمعة، وكونوا {شهداء بالقسط} أي: بالعدل لا بالجور. وقد ثبت في الصّحيحين، عن النّعمان بن بشيرٍ أنّه قال: نحلني أبي نحلا فقالت أمّي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتّى تشهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فجاءه ليشهده على صدقتي فقال: "أكلّ ولدك نحلت مثله؟ " قال: لا. قال: "اتّقوا اللّه، واعدلوا في أولادكم". وقال: "إنّي لا أشهد على جور". قال: فرجع أبي فردّ تلك الصّدقة.
وقوله: {ولا يجرمنّكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا} أي: لا يحملنكم بغض قومٍ على ترك العدل فيهم، بل استعملوا العدل في كلّ أحدٍ، صديقًا كان أو عدوًّا؛ ولهذا قال: {اعدلوا هو أقرب للتّقوى} أي: عدلكم أقرب إلى التّقوى من تركه. ودلّ الفعل على المصدر الّذي عاد الضّمير عليه، كما في نظائره من القرآن وغيره، كما في قوله: {وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم} [النّور: 28]
وقوله: {هو أقرب للتّقوى} من باب استعمال أفعل التّفضيل في المحلّ الّذي ليس في الجانب الآخر منه شيءٌ، كما في قوله [تعالى] {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلا} [الفرقان: 24] وكقول بعض الصّحابيّات لعمر: أنت أفظّ وأغلظ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ثمّ قال تعالى: {واتّقوا اللّه إنّ اللّه خبيرٌ بما تعملون} أي: وسيجزيكم على ما علم من أفعالكم الّتي عملتموها، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ؛ ولهذا قال بعده: {وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/62]

تفسير قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وعد اللّه الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات لهم مغفرةٌ} أي: لذنوبهم {وأجرٌ عظيمٌ} وهو: الجنّة الّتي هي من رحمته على عباده، لا ينالونها بأعمالهم، بل برحمةٍ منه وفضلٍ، وإن كان سبب وصول الرّحمة إليهم أعمالهم، وهو تعالى الّذي جعلها أسبابًا إلى نيل رحمته وفضله وعفوه ورضوانه، فالكلّ منه وله، فله الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 3/62-63]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم} وهذا من عدله تعالى، وحكمته وحكمه الّذي لا يجور فيه، بل هو الحكم العدل الحكيم القدير). [تفسير القرآن العظيم: 3/63]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم} قال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن الزّهريّ، ذكره عن أبي سلمة، عن جابرٍ؛ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نزل منزلًا وتفرّق النّاس في العضاه يستظلّون تحتها، وعلّق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سلاحه بشجرةٍ، فجاء أعرابيٌّ إلى سيف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخذه فسلّه، ثمّ أقبل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: من يمنعك منّي؟ قال: "اللّه"! قال الأعرابيّ مرّتين أو ثلاثًا: من يمنعك منّي؟ والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "اللّه"! قال: فشام الأعرابيّ السّيف، فدعا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابيّ، وهو جالسٌ إلى جنبه ولم يعاقبه -وقال معمرٌ: وكان قتادة يذكر نحو هذا، وذكر أنّ قومًا من العرب أرادوا أن يفتكوا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأرسلوا هذا الأعرابيّ، وتأوّل: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم} الآية.
وقصّة هذا الأعرابيّ -وهو غورث بن الحارث-ثابتةٌ في الصّحيح.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم} وذلك أنّ قومًا من اليهود صنعوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولأصحابه طعامًا ليقتلوهم فأوحى اللّه تعالى إليه بشأنهم، فلم يأت الطّعام، وأمر أصحابه فلم يأتوه رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال أبو مالكٍ: نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه، حين أرادوا أن يغدروا بمحمّدٍ [صلّى اللّه عليه وسلّم] وأصحابه في دار كعب بن الأشرف. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وذكر محمّد بن إسحاق بن يسار، ومجاهدٌ وعكرمة، وغير واحدٍ: أنّها نزلت في شأن بني النّضير، حين أرادوا أن يلقوا على رأس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الرحى، لمّا جاءهم يستعينهم في دية العامريين، ووكّلوا عمرو بن جحّاش بن كعبٍ بذلك، وأمروه إن جلس النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم تحت الجدار واجتمعوا عنده أن يلقي تلك الرّحى من فوقه، فأطلع اللّه رسوله على ما تمالؤوا عليه، فرجع إلى المدينة وتبعه أصحابه، فأنزل اللّه [تعالى] في ذلك: {يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ همّ قومٌ أن يبسطوا إليكم أيديهم فكفّ أيديهم عنكم واتّقوا اللّه وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} ثم أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يغدو إليهم فحاصرهم، حتّى أنزلهم فأجلاهم.
وقوله تعالى: {وعلى اللّه فليتوكّل المؤمنون} يعني: من توكّل على اللّه كفاه اللّه ما أهمّه، وحفظه من شرّ النّاس وعصمه). [تفسير القرآن العظيم: 3/63-64]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:41 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة