العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 12 ربيع الثاني 1434هـ/22-02-2013م, 01:01 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة النساء [ من الآية (125) إلى الآية (126) ]

تفسير سورة النساء
[ من الآية (125) إلى الآية (126) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (125) وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا (126)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:36 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أخبرنا معمر عن عبد الملك بن عبيد في قوله تعالى واتخذ الله إبراهيم خليلا قال ذكر عن خالد بن ربيع عن ابن مسعود أنه قال إن الله اتخذ صاحبكم خليلا). [تفسير عبد الرزاق: 1/174]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {واتّخذ الله إبراهيم خليلًا}
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا زكريّا بن عديٍّ، حدّثنا عبيد الله، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرّة، عن عبد الله بن الحارث، قال: حدّثني جندبٌ: أنّه سمع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقول قبل أن يتوفّى بخمسٍ يقول: «قد كان لي منكم إخوةٌ وأصدقاء، وإنّي أبرأ إلى كلّ خليلٍ من خلّته، ولو كنت متّخذًا خليلًا من أمّتي لاتّخذت أبا بكرٍ خليلًا، وإنّ ربّي اتّخذني خليلًا كما اتّخذ إبراهيم خليلًا، ولا تتّخذوا القبور مساجد فإنّي أنهاكم عن ذلك»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/73]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ} واتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا واتّخذ الله إبراهيم خليلاً
وهذا قضاءٌ من اللّه جلّ ثناؤه للإسلام وأهله بالفضل على سائر الملل غيره وأهلها، يقول اللّه: {ومن أحسن دينًا} أيّها النّاس، وأصوب طريقًا وأهدى سبيلاً {ممّن أسلم وجهه للّه} يقول: ممّن استسلم وجهه للّه، فانقاد له بالطّاعة، مصدّقًا نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم فيما جاء به من عند ربّه. {وهو محسنٌ} يعني: وهو عاملٌ بما أمره به ربّه، محرّمٌ حرامه، ومحلّلٌ حلاله. {واتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا} يعني بذلك: واتّبع الدّين الّذي كان عليه إبراهيم خليل الرّحمن، وأمر به بنيه من بعده وأوصاهم به، حنيفًا يعني: مستقيمًا على منهاجه وسبيله.
وقد بيّنّا اختلاف المختلفين فيما مضى قبل في معنى الحنيف والدّليل على الصّحيح من القول في ذلك بما أغنى عن إعادته.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل. وممّن قال ذلك أيضًا الضّحّاك.
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، قال: فضّل اللّه الإسلام على كلّ دينٍ، فقال: {ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ} إلى قوله: {واتّخذ اللّه إبراهيم خليلاً} وليس يقبل فيه عملٌ غير الإسلام، وهي الحنيفيّة). [جامع البيان: 7/528]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واتّخذ اللّه إبراهيم خليلاً}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: واتّخذ اللّه إبراهيم وليًّا.
فإن قال قائلٌ: وما معنى الخلّة الّتي أعطيها إبراهيم؟ قيل: ذلك من إبراهيم عليه السّلام العداوة في اللّه والبغض فيه، والولاية في اللّه والحبّ فيه، على ما يعرف من معاني الخلّة. وأمّا من اللّه لإبراهيم، فنصرته على من حاوله بسوءٍ، كالّذي فعل به إذ أراده نمروذ بما أراده به من الإحراق بالنّار، فأنقذه منها، وأعلى حجّته عليه إذ حاجّه، وكما فعل ملك مصر إذ أراده عن أهله، وتمكينه ممّا أحبّ، وتصييره إمامًا لمن بعده من عباده وقدوةً لمن خلقه في طاعته وعبادته، فذلك معنى مخالّته إيّاه. وقد قيل: سمّاه اللّه خليلاً من أجل أنّه أصاب أهل ناحيته جدبٌ، فارتحل إلى خليلٍ له من أهل الموصل، وقال بعضهم: من أهل مصر، في امتيار طعامٍ لأهله من قبله فلم يصب عنده حاجته، فلمّا قرب من أهله مرّ بمفازةٍ ذات رملٍ، فقال: لو ملأت غرائري من هذا الرّمل لئلاّ أغمّ أهلي برجوعي إليهم بغير ميرةٍ، وليظنّوا أنّي قد أتيتهم بما يحبّون. ففعل ذلك، فتحوّل ما في غرائره من الرّمل دقيقًا، فلمّا صار إلى منزله نام وقام أهله، ففتحوا الغرائر فوجدوا دقيقًا، فعجنوا منه وخبزوا، فاستيقظ فسألهم عن الدّقيق الّذي منه خبزوا، فقالوا: من الدّقيق الّذي جئت به من عند خليلك، فعلم، فقال: نعم هو من خليلي اللّه. قالوا: فسمّاه اللّه بذلك خليلاً). [جامع البيان: 7/529]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ واتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا واتّخذ اللّه إبراهيم خليلًا (125)
قوله تعالى: ومن أحسن دينًا ممّن أسلم.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: قال أهل الإسلام: لا دين إلا دين الإسلام، كتابنا نسخ كل كتاب، ونبينا خاتم النّبيّين، وديننا خير الأديان، فقال تعالى:
ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن المفضّل ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: من يعمل سوءًا يجز به ثمّ فضّل اللّه المؤمن عليهم يعني على أهل الكتاب، فقال: ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ واتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا.
- حدّثنا عصام بن روّادٍ العسقلانيّ، ثنا آدم، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية قوله: ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ يقول: من أخلص للّه. وروي عن الرّبيع بن أنسٍ مثل ذلك.
قوله تعالى: وجهه للّه وهو محسنٌ.
- ذكر عن يحيى بن آدم، ثنا ابن المبارك، عن حيوة بن شريحٍ، عن عطاء ابن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ ممّن أسلم وجهه للّه قال: من أخلص وجهه، قال:
دينه.
قوله تعالى: واتّبع ملّة إبراهيم حنيفا.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، ثنا معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ حنيفًا حاجًّا. وروي عن الحسن، والضّحّاك، وعطيّة نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا قبيصة وعيسى بن جعفرٍ قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: حنيفًا قال: متّبعًا. وروي عن الرّبيع بن أنسٍ مثل ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم، ثنا عثمان بن صالحٍ، ثنا ابن لهيعة عن أبي صخرٍ، عن محمّد بن كعبٍ: حنيفًا قال: الحنيف:
المستقيم. قال أبو صخرٍ، عن عيسى ابن جارية سمته يقول مثله.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: حنيفًا يقول: مخلصًا.
والوجه الخامس:
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا أبو يحيى الحمّانيّ، عن أبي قتيبة البصريّ يعني نعيم بن ثابتٍ عن أبي قلابة قوله: حنيفًا قال: الحنيف: الّذي يؤمن بالرّسل كلّهم من أوّلهم إلى آخرهم.
قوله تعالى: واتّخذ اللّه إبراهيم خليلا.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرزاق ، أنبأ معمر، عن عبد الملك بن عميرٍ، عن خالدٍ يعني ابن ربعيٍّ، عن ابن مسعودٍ في قوله: واتّخذ اللّه إبراهيم خليلاً قال: إنّ اللّه اتّخذ صاحبكم خليلا.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عيسى بن حمّادٍ بن زغبة، ثنا رشدينٌ عن أبي عبد الرّحمن الحارثيّ، عن عبد اللّه بن عبيد اللّه، عن قتادة عن أنسٍ قال: جعل اللّه الخلّة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرّؤية لمحمّدٍ صلّى اللّه عليهم أجمعين
- حدّثني أبي، ثنا محمود بن خالدٍ السّلميّ، ثنا الوليد، عن إسحاق بن يسارٍ قال: لمّا اتّخذ اللّه إبراهيم خليلا ألقى في قلبه الوحل حتّى إن كان خفقان قلبه ليسمع من بعدٍ كما يسمع خفقان الطّير في الهواء.
- حدّثنا يحيى بن عبد اللّه القزوينيّ، ثنا محمّدٌ يعني ابن سعيد بن سابقٍ ثنا عمرٌو يعني ابن أبي قيسٍ، عن عاصمٍ، عن أبي راشدٍ عن عبيد بن عميرٍ قال: كان إبراهيم عليه السّلام يضيف النّاس، فخرج يومًا يلتمس إنسانًا يضيّفه، فلم يجد أحدًا فرجع إلى داره فوجد فيها رجلا قائمًا، قال: يا عبد اللّه، ما أدخلك داري بغير إذني؟
قال: دخلتها بإذن ربّها. قال: ومن أنت؟ قال: أنا ملك الموت أرسلني ربّي إلى عبدٍ من عباده أبشّره بأنّ اللّه اتّخذه خليلا. قال: من هو؟ فواللّه إن أخبرتني به ثمّ كان بأقصى البلاد لآتينّه، ثمّ لا أبرح له جارًا حتّى يفرّق بيننا الموت.
قال: ذاك العبد أنت. قال: أنا؟ قال: نعم. قال: فبما اتّخذني ربّي خليلا. قال: إنّك تعطي النّاس ولا تسألهم). [تفسير القرآن العظيم: 3/1073-1075]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال حدثنا آدم قال ثنا ورقاء عن مغيرة عن إبراهيم قال يعني دين الله عز وجل.
- ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا أبو جعفر الرازي عن مغيرة عن إبراهيم مثله). [تفسير مجاهد: 174]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال يعني الفطرة الدين). [تفسير مجاهد: 174-175]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قال أهل الإسلام: لا دين إلا الإسلام كتابنا نسخ كل كتاب ونبينا خاتم النبيين وديننا خير الأديان، فقال الله تعالى {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن}
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله اصطفى موسى بالكلام وإبراهيم بالخلة.
وأخرج ابن جرير والطبراني في السنة عن ابن عباس قال: إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمدا بالرؤية.
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري، وابن الضريس عن معاذ بن جبل أنه لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ {واتخذ الله إبراهيم خليلا} فقال رجل من القوم: لقد قرت عين أم إبراهيم.
وأخرج الحاكم وصححه عن جندب: أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يتوفى: إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا.
وأخرج الطبراني، وابن عساكر عن ابن مسعود قال: إن الله اتخذ إبراهيم خليلا وإن صاحبكم خليل الله وإن محمدا سيد بني آدم يوم القيامة، ثم قرأ (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) (الإسراء الآية 79).
وأخرج الطبراني عن سمرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الأنبياء يوم القيامة كل اثنين منهم خليلان دون سائرهم، قال فخليلي منهم يومئذ خليل الله إبراهيم.
وأخرج الطبراني والبزار عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن في الجنة قصرا من درة لا صدع فيه ولا وهن أعده الله لخليله إبراهيم عليه السلام نزلا.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الترمذي، وابن مردويه عن ابن عباس قال: جلس ناس من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم ينتظرونه فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم وإذا بعضهم يقول: إن الله اتخذ من خلقه خليلا فإبراهيم خليله، وقال آخر: ماذا بأعجب من أن كلم الله موسى تكليما، وقال آخر: فعيسى روح الله وكلمته، وقال آخر آدم اصطفاه الله، فخرج عليهم فسلم فقال: قد سمعت كلامكم وعجبكم ان إبراهيم خليل الله وهو كذلك وموسى كليمه وعيسى روحه وكلمته وآدم اصطفاه الله ربه كذلك ألا وإني حبيب الله ولا فخر وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتحها الله فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر وأنا أكرم الأولين والآخرين يوم القيامة ولا فخر.
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات قال: أوحى الله إلى إبراهيم: أتدري لم اتخذتك خليلا قال: لا يارب، قال: لأني اطلعت إلى قلبك فوجدتك تحب أن ترزأ ولا ترزأ.
وأخرج ابن المنذر عن ابن أبزى قال: دخل إبراهيم عليه السلام منزله فجاءه ملك الموت في صورة شاب لا يعرفه فقال له إبراهيم: بإذن من دخلت قال: بإذن رب المنزل، فعرفه إبراهيم فقال له ملك الموت: إن ربك اتخذ من عباده خليلا، قال إبراهيم: ونحن ذلك قال: وما تصنع به قال: أكون خادما له حتى أموت، قال: فإنه أنت، وبأي شيء اتخذني خليلا قال: بأنك تحب أن تعطي ولا تأخذ.
وأخرج البيهقي في الشعب عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل لم اتخذ الله إبراهيم خليلا قال: لإطعامه الطعام يا محمد.
وأخرج الديلمي بسند واه عن أبي هريرة: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال للعباس: يا عم أتدري لم اتخذ الله إبراهيم خليلا هبط إليه جبريل فقال: أيها الخليل هل تدري بم استوجبت الخلة فقال: لا أدري يا جبريل قال: لأنك تعطي ولا تأخذ.
وأخرج الحافظ أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي في فضائل العباس عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم اتخذه خليلا واصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ثم اصطفى من ولد إسماعيل نزارا ثم اصطفى من ولد نزار مضر ثم اصطفى من مضر كنانة ثم اصطفى من كنانة قريشا ثم اصطفى من قريش بني هاشم ثم اصطفى من بني هاشم بني عبد المطلب ثم اصطفاني من بني عبد المطلب.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول والبيهقي في شعب الإيمان وضعفه، وابن عساكر والديلمي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتخذ الله إبراهيم خليلا وموسى نجيا واتخذني حبيبا ثم قال: وعزتي لأوثرن حبيبي على خليلي ونجيي.
وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن علي بن أبي طالب قال: أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم قبطيتين والنبي صلى الله عليه وسلم حلة حبرة وهو عن يمين العرش، والله أعلم). [الدر المنثور: 5/55-60]

تفسير قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وللّه ما في السّموات وما في الأرض وكان اللّه بكلّ شيءٍ محيطًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: واتّخذ اللّه إبراهيم خليلاً لطاعته ربّه، وإخلاصه العبادة له، والمسارعة إلى رضاه ومحبّته، لا من حاجةٍ به إليه وإلى خلّته،ثم قال فكيف يحتاج إليه وإلى خلّته، وله ما في السّموات وما في الأرض من قليلٍ وكثيرٍ ملكًا، والمالك الّذي إليه حاجةٌ ملكه دون حاجته إليه، فكذلك حاجة إبراهيم إليه، لا حاجته إليه، فيتّخذه من أجل حاجته إليه خليلاً، ولكنّه اتّخذه خليلاً لمسارعته إلى رضاه ومحبّته. يقول: فكذلك فسارعوا إلى رضاي ومحبّتي لاتّخذكم لي أولياء. {وكان اللّه بكلّ شيءٍ محيطًا} ولم يزل اللّه محصيًا لكلّ ما هو فاعله عباده من خيرٍ وشرٍّ، عالمًا بذلك، لا يخفى عليه شيءٌ منه، ولا يعزب عنه مثقال ذرّةٍ). [جامع البيان: 7/530]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وكان اللّه بكلّ شيءٍ محيطًا (126)
قوله تعالى: وللّه ما في السماوات وما في الأرض الآية،
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 3/1075]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 09:40 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {واتّخذ اللّه إبراهيم خليلاً...}
يقول القائل: ما هذه الخلّة؟ فذكر أنّ إبراهيم صلى الله عليه وسلم كان يضيف الضيفان ويطعم الطعام، فأصاب الناس سنة جدب فعزّ الطعام. فبعث إبراهيم صلى الله عليه وسلم إلى خليل له بمصر كانت الميرة من عنده، فبعث غلمانه معهم الغرائر والإبل ليميره، فردّهم وقال: إبراهيم لا يريد هذا لنفسه، إنما يريده لغيره. قال: فرجع غلمانه، فمرّوا ببطحاء لينة. فاحتملوا من رملها فملئوا الغرائر؛ استحياء من أن يردّوها فارغة، فردّوا على إبراهيم صلى الله عليه وسلم فأخبروه الخبر وامرأته نائمة، فوقع عليه النوم همّا، وانتبهت والناس على الباب يلتمسون الطعام. فقالت للخبّازين: افتحوا هذه الغرائر واعتجنوا، ففتحوها فإذا أطيب طعام، فعجنوا واختبزوا. وانتبه إبراهيم صلى الله عليه وسلم فوجد ريح الطعام، فقال: من أين هذا؟ فقالت امرأة إبراهيم صلى الله عليه وسلم: هذا من عند خليلك المصريّ. قال فقال إبراهيم: هذا من عند خليلي الله لا من عند خليلي المصريّ. قال: فذلك خلّته). [معاني القرآن: 1/289-290]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( (ومن أحسن دينا ممّن أسلم وجهه للّه وهو محسن واتّبع ملّة إبراهيم حنيفا واتّخذ اللّه إبراهيم خليلا (125)
وقوله: (واتّخذ اللّه إبراهيم خليلا).
الخليل المحب الذي ليس في محبته خلل فجائز أن يكون إبراهيم سمى خليل الله بأنّه الذي أحبه الله واصطفاه محبة تامّة كاملة.
وقيل أيضا الخليل الفقير، فجائز أن يكون فقير اللّه، أي الذي لم يجعل فقره وفاقته إلا إلى الله مخلصا في ذلك، قال الله عزّ وجلّ: (يا أيّها النّاس أنتم الفقراء إلى اللّه).
ومثل أن إبراهيم الخليل الفقير إلى اللّه قول زهير يمدح هرم بن سنان:
وإن أتاه خليل يوم مسغبة... يقول لا غائب مالي ولا حرم
وجاء في التفسير أن إبراهيم كان يضيف الضيفان ويطعم المساكين الطعام، وأصاب الناس جدب فبعث إلى خليل له كان بمصر يمتار منه.
فقال ذلك الخليل لنفسه: لو كان إبراهيم إنما يريد الميرة لنفسه لوجهت إليه بها، ولكنه يريدها للناس فرجع غلمان إبراهيم بغير ميرة، فاجتازوا ببطحاء ليّنة فأخذوا من رمل كان فيها وجعلوه في أوعيتهم استحياء من الناس أن يرجعوا بغير شيء، فلما رآهم عليه السلام، سألهم عن الخبر فأعلموه، فحملته عينه فنام مهموما، وانتبهت امرأته وقد بصرت بالأوعية مملوءة، فأمرت بأن يخرج منها ويخبز فأخرج منها طعام في غاية الحسن فاختبز، وانتبه إبراهيم وشئمّ رائحة الطعام، فقال: من أين هذا؟
فقالت امرأته من عد خليلك المصري.
فقال إبراهيم هذا من عند خليلي اللّه عزّ وجلّ.
فهذا ما روي في التفسير وهو من آيات الأنبياء عليهم السلام غير منكر. والذي فسرنا من الاشتقاق لا يخالف هذا.
والخلة الصداقة، والخلة الحاجة.
فأمّا معنى الحاجة فإنه الاختلال الذي يلحق الإنسان فيما يحتاج إليه.
وأمّا الخلة الصداقة فمعناها إنّه يسد كل محب خلل صاحبه في المودة وفي الحاجة إليه، والخلل كل فرجة تقع في شيء، والخلال الذي يتخلل به.
وإنما سمي خلالا لأنه، يتبع به الخلل بين الأسنان.
وقول الشاعر:
ونظرن من خلل الستور بأعين... مرضى مخالطها السّقام صحاح
فإن معناه نظرن من الفرج التي تقع في الستور.
وقوله القائل: " لك خلّة من خلال " تأويله أني أخلى لك من رأيي أو مما عندي عن خلة من خلال.
وتأويل أخلّي إنما هو أخلل، وجائز أن يكون أخلي من الخلوة، والخلوة والخلل يرجعان إلى معنى، والخل الطريق في الرمل معناه أنه انفرجت فيه فرجة فصارت طريقا.
والخل الذي يؤكل إنما سمي خلّا لأنه اختلّ منه طعم الحلاوة). [معاني القرآن: 2/112-114]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} الخليل في اللغة يكون بمعان أحدها الفقير كأنه به الاختلال كما قال زهير:
وإن أتاه خليل يوم مسألة يقول لا غائب مالي ولا حرم
والخليل المحب وقيل في قول الله جل وعز: {واتخذ الله إبراهيم خليلا} أي محتاجا فقيرا إليه والقول الآخر هو الذي عليه أصحاب الحديث أنه المحب المنقطع إلى الله الذي ليس في انقطاعه اختلال والقول الثالث أنه يقال فلان خليل فلان أي هو يختصه ومنه الحديث لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا فدل بهذا على أنه صلى الله عليه وسلم لا يختص أحدا بشيء من العلم دون غيره). [معاني القرآن: 2/200-202]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (خليلا): محبا). [ياقوتة الصراط: 203]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وكان اللّه بكلّ شيء محيطا (126)
أي إن إبراهيم الذي اتخذه اللّه خليلا هو عبد اللّه، وهو له وكل ما في السّماوات والأرض). [معاني القرآن: 2/114]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 ربيع الثاني 1434هـ/10-03-2013م, 10:21 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125) }

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 12:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 12:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 12:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 12:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى إخبارا موقفا على أنه لا أحسن دينا ممن أسلم وجهه للّه أي أخلص مقصده وتوجهه. وأحسن في أعماله، واتبع الحنيفية التي هي ملّة إبراهيم، إمام العالم وقدوة أهل الأديان، ثم لما ذكر الله تعالى إبراهيم بأنه الذي يجب اتباعه، شرفه بذكر الخلة، وإبراهيم صلى الله عليه وسلم سماه الله خليلا، إذ كان خلوصه وعبادته واجتهاده على الغاية التي يجري إليها المحب المبالغ، وكان لطف الله به ورحمته ونصرته له بحسب ذلك، وذهب قوم إلى أن إبراهيم سمي خليلا من الخلة بفتح الخاء، أي لأنه أنزل خلته وفاقته بالله تعالى، وقال قوم: سمي خليلا لأنه فيما روي في الحديث جاء من عند خليل كان له بمصر وقد حرمه الميرة التي قصد لها، فلما قرب من منزله ملأ غرارتيه رملا ليتأنس بذلك صبيته، فلما دخل منزله نام كلالا وهما، فقامت امرأته وفتحت الغرارة، فوجدت أحسن ما يكون من الحواري، فعجنت منه، فلما انتبه قال: ما هذا؟ قالت من الدقيق الذي سقت من عند خليلك المصري فقال: بل هو من عند خليلي الله تعالى، فسمي بذلك خليلا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله-: وفي هذا ضعف، ولا تقتضي هذه القصة أن يسمى بذلك اسما غالبا، وإنما هو شيء شرفه الله به كما شرف محمدا صلى الله عليه وسلم، فقد صح في كتاب مسلم وغيره: أن الله اتخذه خليلا). [المحرر الوجيز: 3/31]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وكان اللّه بكلّ شيءٍ محيطاً (126)
ذكر- عز وجل- سعة ملكه وإحاطته بكل شيء عقب ذكر الدين وتبيين الجادة منه، ترغيبا في طاعة الله والانقطاع إليه). [المحرر الوجيز: 3/32]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 12:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 12:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (125) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {ومن أحسن دينًا ممّن أسلم وجهه للّه} أخلص العمل لربّه، عزّ وجلّ، فعمل إيمانًا واحتسابًا {وهو محسنٌ} أي: اتّبع في عمله ما شرعه اللّه له، وما أرسل به رسوله من الهدى ودين الحقّ، وهذان الشّرطان لا يصحّ عمل عاملٍ بدونهما، أي: يكون خالصًا صوابًا، والخالص أن يكون للّه، والصّواب أن يكون متّبعًا للشّريعة فيصح ظاهره بالمتابعة، وباطنه بالإخلاص، فمن فقد العمل أحد هذين الشّرطين فسد. فمن فقد الإخلاص كان منافقًا، وهم الذين يراءون النّاس، ومن فقد المتابعة كان ضالًّا جاهلًا. ومتى جمعهما فهو عمل المؤمنين: {الّذين نتقبّل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيّئاتهم [في أصحاب الجنّة وعد الصّدق الّذي كانوا يوعدون]} [الأحقاف: 16]؛ ولهذا قال تعالى: {واتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا} وهم محمّدٌ وأتباعه إلى يوم القيامة، كما قال تعالى: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ [والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين]} [آل عمران: 68] وقال تعالى: {[قل إنّني هداني ربّي إلى صراطٍ مستقيمٍ دينًا قيمًا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين]} [الأنعام: 161] و {ثمّ أوحينا إليك أن اتّبع ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} [النّحل: 123] والحنيف: هو المائل عن الشّرك قصدًا، أي تاركًا له عن بصيرةٍ، ومقبلٌ على الحقّ بكلّيّته، لا يصدّه عنه صادٌّ، ولا يردّه عنه رادٌّ.
وقوله: {واتّخذ اللّه إبراهيم خليلا} وهذا من باب التّرغيب في اتّباعه؛ لأنّه إمامٌ يقتدى به، حيث وصل إلى غاية ما يتقرّب به العباد له، فإنّه انتهى إلى درجة الخلّة الّتي هي أرفع مقامات المحبّة، وما ذاك إلّا لكثرة طاعته لربّه، كما وصفه به في قوله: {وإبراهيم الّذي وفّى} [النّجم: 37] قال كثيرون من السّلف: أي قام بجميع ما أمر به ووفّى كلّ مقامٍ من مقامات العبادة، فكان لا يشغله أمرٌ جليلٌ عن حقيرٍ، ولا كبيرٌ عن صغيرٍ. وقال تعالى: {وإذ ابتلى إبراهيم ربّه بكلماتٍ فأتمّهنّ [قال إنّي جاعلك للنّاس إمامًا]} الآية [البقرة: 124]. وقال تعالى: {إنّ إبراهيم كان أمّةً قانتًا للّه حنيفًا ولم يك من المشركين [شاكرًا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراطٍ مستقيمٍ. وآتيناه في الدّنيا حسنةً وإنّه في الآخرة لمن الصّالحين]} [النّحل: 120-122].
وقال البخاريّ: حدّثنا سليمان بن حربٍ، حدّثنا شعبة، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن عمرو بن ميمونٍ قال: إنّ معاذًا لمّا قدم اليمن صلّى الصّبح بهم: فقرأ: {واتّخذ اللّه إبراهيم خليلا} فقال رجلٌ من القوم: لقد قرّت عين أمّ إبراهيم.
وقد ذكر ابن جريرٍ في تفسيره، عن بعضهم أنّه إنّما سمّاه اللّه خليلًا من أجل أنّه أصاب أهل ناحيته جدب، فارتحل إلى خليلٍ له من أهل الموصل -وقال بعضهم: من أهل مصر -ليمتار طعامًا لأهله من قبله، فلم يصب عنده حاجته. فلمّا قرب من أهله مرّ بمفازةٍ ذات رملٍ، فقال: لو ملأت غرائري من هذا الرّمل، لئلّا أغمّ أهلي برجوعي إليهم بغير ميرةٍ، وليظنّوا أنّي أتيتهم بما يحبّون. ففعل ذلك، فتحوّل ما في غرائره من الرّمل دقيقًا، فلمّا صار إلى منزله نام وقام أهله ففتحوا الغرائر، فوجدوا دقيقًا فعجنوا وخبزوا منه فاستيقظ، فسألهم عن الدّقيق الّذي منه خبزوا، فقالوا: من الدّقيق الّذي جئت به من عند خليلك فقال: نعم، هو من خليلي اللّه. فسمّاه اللّه بذلك خليلًا.
وفي صحّة هذا ووقوعه نظرٌ، وغايته أن يكون خبرًا إسرائيليًّا لا يصدّق ولا يكذّب، وإنّما سمّي خليل اللّه لشدّة محبّة ربّه، عزّ وجلّ، له، لما قام له من الطّاعة الّتي يحبّها ويرضاها؛ ولهذا ثبت في الصّحيحين، من حديث أبي سعيدٍ الخدريّ: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لمّا خطبهم في آخر خطبةٍ خطبها قال: "أمّا بعد، أيّها النّاس، فلو كنت متّخذًا من أهل الأرض خليلًا لاتّخذت أبا بكر بن أبي قحافة خليلًا ولكنّ صاحبكم خليل اللّه".
وجاء من طريق جندب بن عبد اللّه البجلي، وعبد اللّه بن عمرو بن العاص، وعبد اللّه بن مسعودٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إن اللّه اتّخذني خليلًا كما اتّخذ إبراهيم خليلًا".
وقال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا عبد الرّحيم بن محمّد بن مسلمٍ، حدّثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد، حدّثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني بمكّة، حدّثنا عبيد اللّه الحنفي، حدّثنا زمعة بن صالحٍ، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: جلس ناسٌ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ينتظرونه، فخرج حتّى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون، فسمع حديثهم، وإذا بعضهم يقول: عجبًا إن اللّه اتّخذ من خلقه خليلًا فإبراهيم خليله! وقال آخر: ماذا بأعجب من أنّ اللّه كلّم موسى تكليمًا! وقال آخر: فعيسى روح اللّه وكلمته! وقال آخر: آدم اصطفاه اللّه! فخرج عليهم فسلّم وقال: "قد سمعت كلامكم وتعجّبكم أنّ إبراهيم خليل اللّه، وهو كذلك، وموسى كليمه، وعيسى روحه وكلمته، وآدم اصطفاه اللّه، وهو كذلك ألا وإنّي حبيب اللّه ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوّل شافعٍ، وأوّل مشفع ولا فخر، وأنا أوّل من يحرّك حلق الجنّة، فيفتح اللّه فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأوّلين والآخرين يوم القيامة ولا فخر".
وهذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه، ولبعضه شواهد في الصّحاح وغيرها.
وقال قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: أتعجبون من أن تكون الخلّة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرّؤية لمحمّدٍ، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين.
رواه الحاكم في مستدركه وقال: صحيحٌ على شرط البخاريّ، ولم يخرجاه. وكذا روي عن أنس بن مالكٍ، وغير واحدٍ من الصّحابة والتّابعين، والأئمّة من السّلف والخلف.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يحيى بن عبدك القزوينيّ، حدّثنا محمّدٌ -يعني ابن سعيد بن سابق - حدّثنا عمرٌو -يعني ابن أبي قيسٍ -عن عاصمٍ، عن أبي راشدٍ، عن عبيد بن عمير قال: كان إبراهيم عليه السّلام يضيف النّاس، فخرج يومًا يلتمس إنسانًا يضيفه، فلم يجد أحدًا يضيفه، فرجع إلى داره فوجد فيها رجلًا قائمًا، فقال: يا عبد اللّه، ما أدخلك داري بغير إذني؟ قال: دخلتها بإذن ربّها. قال: ومن أنت؟ قال: أنا ملك الموت، أرسلني ربّي إلى عبدٍ من عباده أبشّره أنّ اللّه قد اتّخذه خليلًا. قال: من هو؟ فواللّه إن أخبرتني به ثمّ كان بأقصى البلاد لآتينّه ثمّ لا أبرح له جارًا حتّى يفرّق بيننا الموت. قال: ذلك العبد أنت. قال: أنا؟ قال: نعم. قال: فيم اتّخذني اللّه خليلًا؟ قال: إنّك تعطي النّاس ولا تسألهم.
وحدّثنا أبي، حدّثنا محمود بن خالدٍ السّلميّ، حدّثنا الوليد، عن إسحاق بن يسارٍ قال: لمّا اتّخذ اللّه إبراهيم خليلًا ألقى في قلبه الوجل، حتّى إن كان خفقان قلبه ليسمع من بعيدٍ كما يسمع خفقان الطّير في الهواء. وهكذا جاء في صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أنّه كان يسمع لصدره أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء). [تفسير القرآن العظيم: 2/422-424]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا (126) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولله ما في السّموات وما في الأرض} أي: الجميع ملكه وعبيده وخلقه، وهو المتصرّف في جميع ذلك، لا رادّ لما قضى، ولا معقّب لما حكم، ولا يسأل عمّا يفعل، لعظمته وقدرته وعدله وحكمته ولطفه ورحمته.
وقوله: {وكان اللّه بكلّ شيءٍ محيطًا} أي: علمه نافذٌ في جميع ذلك، لا تخفى عليه خافيةٌ من عباده، ولا يعزب عن علمه مثقال ذرّةٍ في السموات ولا في الأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، ولا تخفى عليه ذرّةٌ لما تراءى للنّاظرين وما توارى). [تفسير القرآن العظيم: 2/424]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:50 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة