العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الثاني 1434هـ/21-02-2013م, 11:45 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة النساء [ من الآية (102) إلى الآية (104) ]

تفسير سورة النساء
[ من الآية (102) إلى الآية (104) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا (102) فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا (103) وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:31 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102) )

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذًى من مطرٍ، أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم} [النساء: 102]
- حدّثنا محمّد بن مقاتلٍ أبو الحسن، أخبرنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني يعلى، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: {إن كان بكم أذًى من مطرٍ، أو كنتم مرضى} [النساء: 102] قال: «عبد الرّحمن بن عوفٍ كان جريحًا»). [صحيح البخاري: 6/49]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب ولا جناح عليكم إن كان بكم أذًى من مطر الآية)
كذا لأبي ذرٍّ وله عن المستملي باب قوله ولا جناح إلخ وسقط لغيره باب وزادوا أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم

[4599] قوله حجاج هو بن محمّد ويعلى هو بن مسلمٍ قوله إن كان بكم أذًى من مطرٍ أو كنتم مرضى قال عبد الرّحمن بن عوفٍ وكان جريحًا في روايةٍ كان بغير واوٍ كذا وقع عنده مختصرا ومقول بن عبّاسٍ ما ذكر عن عبد الرّحمن وقوله كان جريحًا أي فنزلت الآية فيه وقال الكرمانيّ يحتمل هذا ويحتمل أنّ التّقدير قال بن عبّاسٍ وعبد الرّحمن بن عوفٍ يقول من كان جريحًا فحكمه كذلك فكان عطف الجريح على المريض إلحاقًا به على سبيل القياس أو لأنّ الجرح نوعٌ من المرض فيكون كلّه مقول عبد الرّحمن وهو مرويٌّ عن بن عبّاسٍ قلت وسياق ما أورده غير البخاريّ يدفع هذا الاحتمال فقد وقع عند أبي نعيمٍ في المستخرج من طريق إبراهيم بن سعيدٍ الجوهريّ عن حجّاج بن محمّدٍ قال كان عبد الرّحمن بن عوفٍ جريحًا وهو ظاهر في أن فاعل قال هو بن عبّاسٍ وأنّه لا رواية لابن عبّاسٍ في هذا عن عبد الرّحمن قوله في الآية الكريمة أن تضعوا أسلحتكم رخّص لهم في وضع السّلاح لثقلها عليهم بسبب ما ذكر من المطر أو المرض ثمّ أمرهم بأخذ الحذر خشية أن يغفلوا فيهجم العدوّ عليهم). [فتح الباري: 8/264-265]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطرٍ أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم} (النّساء: 102)

أي: هذا باب في قوله تعالى: {ولا جناح عليكم} وليس في رواية المستملي لفظ: باب، وفي رواية أبي ذر: {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر} الآية وقبل قوله: {ولا جناح عليكم} أول الآية قوله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة} إلى قوله: {ولا جناح} وتمام الآية بعد قوله أسلحتكم {وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا} وهذه الآية الطّويلة نزلت في صلاة الخوف، وأنواعها كثيرة، ومحل ذكرها في الفروع، وسبب نزولها ما ذكره ابن جرير بإسناده عن عليّ رضي الله تعالى عنه. قال: سأل قوم من بني النجار رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالوا: يا رسول الله! إنّا نضرب في الأرض، فكيف نصلي؟ فأنزل الله عز وجل أولا: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصّلاة} (النّساء: 101) الحديث. ثمّ بين صفتها بقوله: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة} إلى قوله: {عذابا مهينا} . قوله: (ولا جناح عليكم) أي: لا إثم عليكم (إن كان بكم أذى من مطر) أي: بسبب ما يبلكم من مطر أو يضعفكم من جهة مرض. قوله: (أن تضعوا) أي: تضعوا. أي: بوضع الأسلحة لثقلها، وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر لئلّا يغفلوا فيهجم عليهم العدو.

- حدّثنا محمّد بن مقاتلٍ أبو الحسن أخبرنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ قال أخبرني يعلى عن سعيدٍ بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ رضي الله تعالى عنهما {إن كان بكم أذى من مطرٍ أو كنتم مرضى} قال عبد الرّحمان بن عوفٍ كان جريحا.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وحجاج هو ابن محمّد الأعور أصله مدني سكن المصيصة، وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز ابن جريج، ويعلى، بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة. وفتح اللّام مقصورا. ابن مسلم بن هرمز.
والحديث أخرجه النّسائيّ أيضا في التّفسير عن أحمد بن الخليل العباسي، ابن محمّد، ولم يقل كان جريحا.
قوله: (عن ابن عبّاس: إن كان بكم) يعني: ذكر ابن عبّاس قوله تعالى: {إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى} قال: عبد الرّحمن بن عوف كان جريحا فنزلت الآية فيه، وفاعل: قال: هو ابن عبّاس، وقوله: عبد الرّحمن، مبتدأ وخبره هو قوله: كان جريحا. والجملة مقول ابن عبّاس، ولا قول فيه لعبد الرّحمن، وقد غمض أكثر الشّرّاح أعينهم في هذا الموضع، وفيما ذكرنا كفاية وللّه الحمد). [عمدة القاري: 18/190]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذًى من مطرٍ أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم} [النساء: 102]
(باب قوله) تعالى: كذا للمستملي بالإضافة ولأبي ذر تنوين باب وحذف تاليه ({ولا جناح عليكم}) أي لا إثم عليكم ({إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم}) [النساء: 102] فيه بيان الرخصة في وضع الأسلحة إن ثقل عليهم حملها بسبب ما يبلهم من مطر أو يضعفهم من مرض وأمرهم مع ذلك بأخذ الحذر لئلا يغفلوا فيهجم عليهم العدوّ، ودلّ ذلك على وجوب الحذر عن جميع المضار المظنونة، ومن ثم علم أن العلاج بالدواء والاحتراز عن الوباء والتحرز عن الجلوس تحت الجدار المائل واجب، وسقط لأبي ذر من قوله: {أو كنتم مرضى} الخ وقال بعد قوله: {من مطر} الآية.
- حدّثنا محمّد بن مقاتلٍ أبو الحسن، أخبرنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني يعلى عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما-: {إن كان بكم أذًى من مطرٍ أو كنتم مرضى} قال عبد الرّحمن بن عوف: كان جريحًا.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل أبو الحسن) الكسائي نزيل بغداد ثم مكة قال: (أخبرنا حجاج) هو ابن محمد الأعور (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (يعلى) بن مسلم بن هرمز (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) في قوله تعالى: ({إن كان بكم أذي من مطر أو كنتم مرضى} قال) أي ابن عباس (عبد الرحمن بن عوف كان جريحًا) ولأبي ذر: وكان جريحًا أي فنزلت الآية فيه، وعبد الرحمن مبتدأ خبره كان جريحًا والجملة من قول ابن عباس.
وهذا الحديث أخرجه النسائي -رحمه الله تعالى-). [إرشاد الساري: 7/96]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، قال: حدّثنا عبد الصّمد بن عبد الوارث، قال: حدّثنا سعيد بن عبيدٍ الهنائيّ، قال: حدّثنا عبد الله بن شقيقٍ، قال: حدّثنا أبو هريرة: أنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم نزل بين ضجنان وعسفان، فقال المشركون: إنّ لهؤلاء صلاةً هي أحبّ إليهم من آبائهم وأبنائهم وهي العصر، فأجمعوا أمركم فميلوا عليهم ميلةً واحدةً، وأنّ جبريل أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فأمره أن يقسم أصحابه شطرين فيصلّي بهم، وتقوم طائفةٌ أخرى وراءهم، وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم، ثمّ يأتي الآخرون ويصلّون معه ركعةً واحدةً، ثمّ يأخذ هؤلاء حذرهم وأسلحتهم، فتكون لهم ركعةٌ ركعةٌ، ولرسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم ركعتان.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من حديث عبد الله بن شقيقٍ عن أبي هريرة.
وفي الباب عن عبد الله بن مسعودٍ، وزيد بن ثابتٍ، وابن عبّاسٍ، وجابرٍ، وأبي عيّاشٍ الزّرقيّ، وابن عمر، وحذيفة، وأبي بكرة، وسهل بن أبي حثمة وأبو عيّاشٍ الزّرقيّ اسمه: زيد بن الصّامت). [سنن الترمذي: 5/93-94]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذًى من مطرٍ}
- أخبرنا أحمد بن الخليل، والعبّاس بن محمّدٍ، قالا: حدّثنا حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: أخبرني يعلى، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {إن كان بكم أذًى من مطرٍ أو كنتم مرضى} [النساء: 102] عبد الرّحمن بن عوفٍ - زاد أحمد - كان جريحًا). [السنن الكبرى للنسائي: 10/72]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة فلتقم طائفةٌ منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفةٌ أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ودّ الّذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلةً واحدةً ولا جناح عليكم إن كان بكم أذًى من مطرٍ أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إنّ اللّه أعدّ للكافرين عذابًا مهينًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وإذا كنت في الضّاربين في الأرض من أصحابك يا محمّد الخائفين عدوّهم أن يفتنهم {فأقمت لهم الصّلاة} يقول: فأتممت لهم الصّلاة بحدودها وركوعها وسجودها، ولم تقصرها القصر الّذي أبحت لهم أن يقصروها في حال تلاقيهم وعدوّهم وتزاحف بعضهم على بعضٍ، من ترك إقامة حدودها وركوعها وسجودها وسائر فروضها {فلتقم طائفةٌ منهم معك} يعني: فلتقم فرقةٌ من أصحابك الّذين تكون أنت فيهم معك في صلاتك، وليكن سائرهم في وجوه العدوّ، وترك ذكر ما ينبغي لسائر الطّوائف غير المصلّية مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يفعله لدلالة الكلام المذكور على المراد به والاستغناء بما ذكر عمّا ترك ذكره. {وليأخذوا أسلحتهم}.
واختلف أهل التّأويل في الطائفة المأمورة بأخذ السّلاح، فقال بعضهم: هي الطائفة الّتي كانت تصلّي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ومعنى الكلام: {وليأخذوا} يقول: ولتأخذ الطائفة المصلّية معك من طوائفهم {أسلحتهم}، والسّلاح الّذي أمروا بأخذه عندهم في صلاتهم كالسّيف يتقلّده أحدهم والسّكّين والخنجر يشدّه إلى درعه وثيابه الّتي هي عليه ونحو ذلك من سلاحه.
وقال آخرون: بل الطائفة المأمورة بأخذ السّلاح منهم، الطائفة الّتي كانت بإزاء العدوّ ودون المصلّية مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وذلك قول ابن عبّاسٍ.
- حدّثني بذلك المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {فإذا سجدوا} يقول: فإذا سجدت الطائفة الّتي قامت معك في صلاتك تصلّي بصلاتك، ففرغت من سجودها {فليكونوا من ورائكم} يقول: فليصيروا بعد فراغهم من سجودهم خلفكم مصافّي العدوّ في المكان الّذي فيه سائر الطّوائف الّتي لم تصلّ معك ولم تدخل معك في صلاتك.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم} فقال بعضهم: تأويله: فإذا صلّوا ففرغوا من صلاتهم فليكونوا من ورائكم.
ثمّ اختلف أهل هذه المقالة، فقال بعضهم: إذا صلّت هذه الطائفة مع الإمام ركعةً، سلّمت وانصرفت من صلاتها حتّى تأتي مقام أصحابها بإزاء العدوّ ولا قضاء عليها، وهم الّذين قالوا: عنى اللّه بقوله: {فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة} أن تجعلوها إذا خفتم الّذين كفروا أن يفتنوكم ركعةً. ورووا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه صلّى بطائفةٍ صلاة الخوف ركعةً ولم يقضوا، وبطائفةٍ أخرى ركعةً ولم يقضوا.
وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مضى وفيما ذكرنا كفايةٌ عن استيعاب ذكر جميع ما فيه.
وقال آخرون منهم: بل الواجب كان على هذه الطائفة الّتي أمرها اللّه بالقيام مع نبيّها إذا أراد إقامة الصّلاة بهم في حال خوف العدوّ إذا فرغت من ركعتها الّتي أمرها اللّه أن تصلّي مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على ما أمرها به في كتابه أن تقوم في مقامها الّذي صلّت فيه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فتصلّي لأنفسها بقيّة صلاتها وتسلّم، وتأتي مصافّ أصحابها وكان على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يثبت قائمًا في مقامه حتّى تفرغ الطائفة الّتي صلّت معه الرّكعة الأولى من بقيّة صلاتها، إذا كانت صلاتها الّتي صلّت معه ممّا يجوز قصر عددها عن الواجب الّذي على المقيمين في أمنٍ، وتذهب إلى مصافّ أصحابها، وتأتي الطائفة الأخرى الّتي كانت مصافّةً عدوّها، فيصلّي بها ركعةً أخرى من صلاتها.
ثمّ هم في حكم هذه الطائفة الثّانية مختلفون، فقالت فرقةٌ من أهل هذه المقالة: كان على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا فرغ من ركعتيه ورفع رأسه من سجوده من ركعته الثّانية أن يقعد للتّشهّد، وعلى الطائفة الّتي صلّت معه الرّكعة الثّانية ولم تدرك معه الرّكعة الأولى لاشتغالها بعدوّها أن تقوم فتقضي ركعتها الفائتة مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وعلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم انتظارها قاعدًا في تشهّده حتّى تفرغ هذه الطائفة من ركعتها الفائتة وتتشهّد، ثمّ يسلّم بهم.
وقالت فرقةٌ أخرى منهم: بل كان الواجب على الطائفة الّتي لم تدرك معه الرّكعة الأولى إذا قعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للتّشهّد أن تقعد معه للتّشهّد فتتشهّد بتشهّده، فإذا فرغ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من تشهّده سلّم، ثمّ قامت الطائفة الّتي صلّت معه الرّكعة الثّانية حينئذٍ، فقضت ركعتها الفائتة.
وكلّ قائلٍ من الّذين ذكرنا قولهم روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخبارًا بأنّه كما قال فعل.
ذكر من قال: انتظر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الطّائفتين حتّى قضت صلاتهما ولم يخرج من صلاته إلا بعد فراغ الطّائفتين من صلاتهما:
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرنا مالكٌ، عن يزيد بن رومان، عن صالح بن خوّاتٍ، عمّن صلّى مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة الخوف يوم ذات الرّقاع: أنّ طائفةً صفّت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وطائفةً وجاه العدوّ، فصلّى بالّذين معه ركعةً، ثمّ ثبت قائمًا فأتمّوا لأنفسهم، ثمّ جاءت الطائفة الأخرى فصلّى بهم، ثمّ ثبت جالسًا، فأتمّوا لأنفسهم، ثمّ سلّم بهم.
- حدّثني محمّد بن المثنّى، قال: حدّثني عبيد اللّه بن معاذٍ، قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا شعبة، عن عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن صالح بن خوّاتٍ، عن سهل بن أبي حثمة، قال: صلّى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بأصحابه في خوفٍ، فجعلهم خلفه صفّين، فصلّى بالّذين يلونه ركعةً، ثمّ قام فلم يزل قائمًا حتّى صلّى الّذين خلفه ركعةً، ثمّ تقدّم وتخلّف الّذين كانوا قدّامهم، فصلّى بهم ركعةً، ثمّ جلس حتّى صلّى الّذين تخلّفوا ركعةً، ثمّ سلّم.
- حدّثنا سفيان بن وكيعٍ، قال: حدّثنا روحٌ، قال: حدّثنا شعبة، عن عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن صالح بن خوّاتٍ، عن سهل بن أبي حثمة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال في صلاة الخوف: تقوم طائفةٌ بين يدي الإمام وطائفةٌ خلفه، فيصلّي بالّذين خلفه ركعةً وسجدتين ثمّ يقعد مكانه حتّى يقضوا ركعةً وسجدتين، ثمّ يتحوّلون إلى مكان أصحابهم، ثمّ يتحوّل أولئك إلى مكان هؤلاء فيصلّي بهم ركعةً وسجدتين، ثمّ يقعد مكانه حتّى يصلّوا ركعةً وسجدتين ثمّ يسلّم.
ذكر من قال: كانت الطائفة الثّانية تقعد مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى يفرغ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من صلاته، ثمّ تقضي ما بقي عليها بعد:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: سمعت يحيى بن سعيدٍ، قال: سمعت القاسم، قال: حدّثني صالح بن خوّات بن جبيرٍ أنّ سهل بن أبي حثمة، حدّثه: أنّ صلاة الخوف أن يقوم الإمام إلى القبلة يصلّي ومعه طائفةٌ من أصحابه، وطائفةٌ أخرى مواجهةٌ العدوّ فيصلّي، فيركع الإمام بالّذين معه، ويسجد ثمّ يقوم، فإذا استوى قائمًا ركع الّذين وراءه لأنفسهم ركعةً وسجدتين، ثمّ سلّموا فانصرفوا والإمام قائمٌ فقاموا إزاء العدوّ، وأقبل الآخرون فكبّروا مكان الإمام، فركع بهم الإمام وسجد ثمّ سلّم، فقاموا فركعوا لأنفسهم ركعةً وسجدتين ثمّ سلّموا
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا يحيى بن سعيدٍ، عن القاسم بن محمّدٍ أنّ صالح بن خوّاتٍ أخبره عن سهل بن أبي حثمة في صلاة الخوف، ثمّ ذكر نحوه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ وسألته، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ الأنصاريّ، عن القاسم بن محمّدٍ، عن صالحٍ، عن سهل بن أبي حثمة في صلاة الخوف، قال: يقوم الإمام مستقبل القبلة، وتقوم طائفةٌ منهم معه وطائفةٌ من قبل العدوّ وجوههم إلى العدوّ، فيركع بهم ركعةً، ثمّ يركعون لأنفسهم ويسجدون سجدتين في مكانهم، ويذهبون إلى مقام أولئك ويجيء أولئك فيركع بهم ركعةً ويسجد سجدتين؛ فهي له ركعتان ولهم واحدةٌ، ثمّ يركعون ركعةً ويسجدون سجدتين.
قال بندارٌ سألت يحيى بن سعيدٍ عن هذا الحديث، فحدّثني عن شعبة، عن عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن صالح بن خوّاتٍ، عن سهل بن أبي حثمة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بمثل حديث يحيى بن سعيدٍ. وقال لي: اكتبه إلى جنبه، فلست أحفظه، ولكنّه مثل حديث يحيى بن سعيدٍ.
- حدّثنا نصر بن عليٍّ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن القاسم بن محمّد بن أبي بكرٍ، عن صالح بن خوّاتٍ: أنّ الإمام، يقوم فيصفّ صفّين، طائفةٌ مواجهةً العدوّ، وطائفةٌ خلف الإمام، فيصلّي الإمام بالّذين خلفه ركعةً، ثمّ يقومون فيصلّون لأنفسهم ركعةً، ثمّ يسلّمون، ثمّ ينطلقون فيصفّون، ويجيء الآخرون فيصلّي بهم ركعةً، ثمّ يسلّم فيقومون، فيصلّون لأنفسهم ركعةً.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت عبيد اللّه، عن القاسم بن محمّدٍ، عن صالح بن خوّاتٍ، عن رجلٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: صلاة الخوف أن تقوم طائفةٌ من خلف الإمام، وطائفةٌ يلون العدوّ، فيصلّي الإمام بالّذين خلفه ركعةً، ويقوم قائمًا فيصلّي القوم إليها ركعةً أخرى، ثمّ يسلّمون فينطلقون إلى أصحابهم، ويجيء أصحابهم والإمام قائمٌ، فيصلّي بهم ركعةً فيسلّم، ثمّ يقومون فيصلّون إليها ركعةً أخرى، ثمّ ينصرفون. قال عبيد اللّه: فما سمعت فيما يذكر في صلاة الخوف شيئًا هو أحسن عندي من هذا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة فلتقم طائفةٌ منهم معك} فهذا عند الصّلاة في الخوف يقوم الإمام وتقوم معه طائفةٌ منهم، وطائفةٌ يأخذون أسلحتهم، ويقفون بإزاء العدوّ، فيصلّي الإمام بمن معه ركعةً، ثمّ يجلس على هيئته، فيقوم القوم فيصلّون لأنفسهم الرّكعة الثّانية والإمام جالسٌ، ثمّ ينصرفون حتّى يأتوا أصحابهم، فيقفون موقفهم، ثمّ يقبل الآخرون فيصلّي بهم الإمام الرّكعة الثّانية، ثمّ يسلّم فيقوم القوم فيصلّون لأنفسهم الرّكعة الثّانية؛ فهكذا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم بطن نخلة.
وقال آخرون: بل تأويل قوله: {فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم} فإذا سجدت الطائفة الّتي قامت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حين دخل في صلاته، فدخلت معه في صلاته السّجدة الثّانية من ركعتها الأولى فليكونوا من ورائكم، يعني: من ورائك يا محمّد ووراء أصحابك الّذين لم يصلّوا بإزاء العدوّ. قالوا: وكانت هذه الطائفة لا تسلّم من ركعتها إذا هي فرغت من سجدتي ركعتها الّتي صلّت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ولكنّها تمضي إلى موقف أصحابها بإزاء العدوّ وعليها بقيّة صلاته. قالوا: وكانت تأتي الطائفة الأخرى الّتي كانت بإزاء العدوّ حتّى تدخل مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في بقيّة صلاته، فيصلّي بهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الرّكعة الّتي كانت قد بقيت عليه. قالوا: وذلك معنى قول اللّه عزّ ذكره: {ولتأت طائفةٌ أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم}.
ثمّ اختلف أهل هذه المقالة في صفة قضاء ما كان يبقى على كلّ طائفةٍ من هاتين الطّائفتين من صلاتها بعد فراغ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من صلاته وسلامه من صلاته على قول قائلي هذه المقالة ومتأوّلي هذا التّأويل؛ فقال بعضهم: كانت الطائفة الثّانية الّتي صلّت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الرّكعة الثّانية من صلاته إذا سلّم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من صلاته فقامت فقضت ما فاتها من صلاتها مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في مقامها بعد فراغ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم من صلاته، والطائفة الّتي صلّت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الرّكعة الأولى بإزاء العدوّ بعد لم تتمّ صلاتها، فإذا هي فرغت من بقيّة صلاتها الّتي فاتتها مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مضت إلى مصافّ أصحابها بإزاء العدوّ، وجاءت الطائفة الأولى الّتي صلّت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الرّكعة الأولى إلى مقامها الّتي كانت صلّت فيه خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقضت بقيّة صلاتها.
ذكر الرّواية بذلك:
- حدّثنا محمّد بن عبد الملك بن أبي الشّوارب، قال: حدّثنا عبد الواحد بن زيادٍ، قال: حدّثنا خصيفٌ، قال: حدّثنا أبو عبيدة بن عبد اللّه، قال: قال عبد اللّه: صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة الخوف فقامت طائفةٌ منّا خلفه، وطائفةٌ بإزاء، أو مستقبلي، العدوّ. فصلّى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالّذين خلفه ركعةً، ثمّ نكصوا فذهبوا إلى مقام أصحابهم، وجاء الآخرون فقاموا خلف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فصلّى بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ركعةً، ثمّ سلّم رسول اللّه، ثمّ قام هؤلاء فصلّوا لأنفسهم ركعةً، ثمّ ذهبوا فقاموا مقام أصحابهم مستقبلي العدوّ، ورجع الآخرون إلى مقامهم فصلّوا لأنفسهم ركعةً.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، قال: حدّثنا خصيفٌ، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه، قال: صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة الخوف، فذكر نحوه.
- حدّثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا شريكٌ، عن خصيفٍ عن أبي عبيدة، عن أبيه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه.
وقال آخرون: بل كانت الطائفة الثّانية الّتي صلّت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الرّكعة الثّانية لا تقضي بقيّة صلاتها بعد ما يسلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من صلاته، ولكنّها كانت تمضي قبل أن تقضي بقيّة صلاتها، فتقف موقف أصحابها الّذين صلّوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الرّكعة الأولى،بازاء العدو وتجع الطائفة التى صليت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الركعه الأولى إلى موقفها الّذي صلّت فيه ركعتها الأولى مع رسول اللّه فتقضي ركعتها الّتي كانت بقيت عليها من صلاتها، فقال بعضهم: كانت تقضي تلك الرّكعة بغير قراءةٍ. وقال آخرون: بل كانت تقضي بقراءةٍ، فإذا قضت ركعتها الباقية عليها هنالك وسلّمت مضت إلى مصافّ أصحابها بإزاء العدوّ، وأقبلت الطائفة الّتي صلّت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الرّكعة الثّانية إلى مقامها الّذي صلّت فيه مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الرّكعة الثّانية من صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم, فقضت الرّكعة الثّانية من صلاتها بقراءةٍ، فإذا فرغت وسلّمت انصرفت إلى أصحابها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا سفيان، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، في صلاة الخوف، قال: يصفّ صفًّا خلفه وصفًّا بإزاء العدوّ في غير مصلاه، فيصلّي بالصّفّ الّذي خلفه ركعةً، ثمّ يذهبون إلى مصافّ أولئك، وجاء أولئك الّذين بإزاء العدوّ فيصلّي بهم ركعةً، ثمّ سلّم عليهم، وقد صلّى هو ركعتين، وصلّى كلّ صفٍّ ركعةً، ثمّ قام هؤلاء الّذين سلّم عليهم إلى مصافّ أولئك الّذين بإزاء العدوّ، فقاموا مقامهم، وجاءوا فقضوا الرّكعة، ثمّ ذهبوا فقاموا مقام أولئك الّذين بإزاء العدوّ، وجاء أولئك فصلّوا ركعةً. قال سفيان: فيكون لكلّ إنسانٍ ركعتان ركعتان.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا مهران وحدّثني عليّ، قال: حدّثنا زيدٌ جميعًا، عن سفيان قال: كان إبراهيم يقول في صلاة الخوف، فذكر نحوه.
- حدّثني الحارث قال: حدّثنا عبد العزيز قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن عمر بن الخطّاب مثل ذلك.
وقال آخرون: بل كلّ طائفةٌ من الطّائفتين تقضي صلاتها على ما أمكنها من غير تضييعٍ منهم بعضها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن يونس بن عبيدٍ، عن الحسن: أنّ أبا موسى الأشعريّ، صلّى بأصحابه صلاة الخوف بأصبهان إذ غزاها، قال: فصلّى بطائفةٍ من القوم ركعةً، وطائفةٌ تحرس، فنكص هؤلاء الّذين صلّى بهم ركعةً وخلفهم الآخرون، فقاموا مقامهم، فصلّى بهم ركعةً، ثمّ سلّم، فقامت كلّ طائفةٍ فصلّت ركعةً.
- حدّثنا عمران بن موسى القزّاز، قال: حدّثنا عبد الوارث، قال: حدّثنا يونس، عن الحسن، عن أبي موسى، بنحوه.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثنا أبي، عن قتادة، عن أبي العالية، ويونس بن جبيرٍ، قالا: صلّى أبو موسى الأشعريّ بأصحابه بأصبهان، وما بهم يومئذٍ خوفٌ، ولكنّه أحبّ أن يعلّمهم صلاتهم، فصفّهم صفّين، صفًّا خلفه وصفًّا مواجهة العدوّ مقبلين على عدوّهم، فصلّى بالّذين يلونه ركعةً، ثمّ ذهبوا إلى مصافّ أصحابهم، وجاء أولئك فصفّهم خلفه، فصلّى بهم ركعةً، ثمّ سلّم فقضى هؤلاء ركعةً وهؤلاء ركعةً، ثمّ سلّم بعضهم على بعضٍ، فكانت للإمام ركعتين في جماعةٍ ولهم ركعةً ركعةً.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن أبي العالية عن أبي موسى مثله.
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّه قال: في صلاة الخوف: يصلّي طائفةٌ من القوم ركعةً، وطائفةٌ تحرس، ثمّ ينطلق هؤلاء الّذين صلّى بهم ركعةً حتّى يقوموا مقام أصحابهم، ثمّ يجيء أولئك فيصلّي بهم ركعةً، ثمّ يسلّم فتقوم كلّ طائفةٍ فتصلّي ركعةً.
- حدّثنا نصر بن عليٍّ، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا عبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر بنحوه.
- حدّثني عمران بن بكّارٍ الكلاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن صالحٍ، قال: حدّثنا ابن عيّاشٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه صلّى صلاة الخوف، فذكر نحوه.
- حدّثنا سعيد بن يحيى الأمويّ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا ابن جريجٍ، قال: أخبرني الزّهريّ، عن سالمٍ، عن ابن عمر أنّه كان يحدّث: أنّه صلّى مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ ذكر نحوه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا ابن عبد الأعلى، عن معمرٍ، عن الزّهريّ، عن سالمٍ، عن ابن عمر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحوه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن عبد اللّه بن نافعٍ، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في صلاة الخوف: يقوم الأمير وطائفةٌ من النّاس فيسجدون سجدةً واحدةً، وتكون طائفةٌ منهم بينهم وبين العدوّ ثمّ ذكر نحوه.
- حدّثنا محمّد بن هارون الحربيّ، قال: حدّثنا أبو المغيرة الحمصيّ، قال: حدّثنا الأوزاعيّ، عن أيّوب بن موسى، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى صلاة الخوف بإحدى الطّائفتين ركعةً، ثمّ ذكر نحوه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة} إلى قوله: {فليصلّوا معك} فإنّه كانت تأخذ طائفةٌ منهم السّلاح فيقبلون على العدوّ، والطائفة الأخرى يصلّون مع الإمام ركعةً ثمّ يأخذون أسلحتهم، فيستقبلون العدوّ،
ويرجع أصحابهم فيصلّون مع الإمام ركعةً فيكون للإمام ركعتان ولسائر النّاس ركعةٌ واحدةٌ، ثمّ يقضون ركعةً أخرى، وهذا تمام الصّلاة.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في صلاة الخوف، والعدوّ يومئذٍ في ظهر القبلة بين المسلمين وبين القبلة، فكانت الصّلاة الّتي صلّى بهم يومئذٍ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة الخوف، إذ كان العدوّ بين الإمام والقبلة.
ذكر الأخبار المنقولة بذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثني يونس بن بكيرٍ، عن النّضر أبي عمر، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزاةٍ، فلقي المشركين بعسفان، فلمّا صلّى الظّهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه، قال بعضهم لبعضٍ يومئذٍ: كان فرصةً لكم لو أغرتم عليهم ما علموا بكم حتّى تواقعوهم، قال قائلٌ منهم: فإنّ لهم صلاةً أخرى هي أحبّ إليهم من أهلهم وأموالهم، فاستعدّوا حتّى تغيروا عليهم فيها. فأنزل اللّه عزّ وجلّ على نبيّه عليه الصّلاة والسّلام: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة} إلى آخر الآية، وأعلمه ما ائتمر به المشركون. فلمّا صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم العصر وكانوا قبالته في القبلة فجعل المسلمين خلفه صفّين فكبّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فكبّروا جميعًا، ثمّ ركع وركعوا معه جميعًا؛ فلمّا سجد سجد معه الصّفّ الّذين يلونه، وقام الصّفّ الّذين خلفهم مقبلين على العدوّ؛ فلمّا فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من سجوده وقام، سجد الصّفّ الثّاني، ثمّ قاموا وتأخّر الّذين يلون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وتقدّم الآخرون، فكانوا يلون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلمّا ركع ركعوا معه جميعًا، ثمّ رفع فرفعوا معه، ثمّ سجد فسجد معه الّذين يلونه، وقام الصّفّ الثّاني مقبلين على العدوّ، فلمّا فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من سجوده، وقعد الّذين يلونه سجد الصّفّ المؤخّر ثمّ قعدوا، فتشهّدوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جميعًا، فلمّا سلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سلّم عليهم جميعًا، فلمّا نظر إليهم المشركون يسجد بعضهم ويقوم بعضهم ينظر إليهم، قالوا: لقد أخبروا بما أردنا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن بشيرٍ، قال: حدّثنا عمر بن ذرٍّ، قال: حدّثني مجاهدٌ، قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعسفان، والمشركون بضجنان، بالماء الّذي يلي مكّة، فلمّا صلّى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الظّهر فرأوه سجد وسجد النّاس، قالوا: إذا صلّى صلاةً بعد هذه أغرنا عليه. فحذّره اللّه ذلك، فقام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الصّلاة، فكبّر وكبّر النّاس معه، فذكر نحوه.
- حدّثني عمران بن بكّارٍ، قال: حدّثنا يحيى بن صالحٍ، قال حدّثنا ابن عيّاشٍ، قال: أخبرني عبيد اللّه بن عمر، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه، قال: كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلقينا المشركين بنخلٍ، فكانوا بيننا وبين القبلة، فلمّا حضرت الظّهر صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ونحن جميعٌ، فلمّا فرغنا تذامر المشركون فقالوا: لو كنّا حملنا عليهم وهم يصلّون، فقال بعضهم: فإنّ لهم صلاةً ينتظرونها تأتي الآن هي أحبّ إليهم من أبنائهم، فإذا صلّوا فميلوا عليهم. قال: فجاء جبريل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالخبر وعلّمه كيف يصلّي، فلمّا حضرت العصر قام نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ممّا يلي العدوّ، وقمنا خلفه صفّين، فكبّر نبيّ اللّه وكبّرنا معه جميعًا، ثمّ ذكر نحوه.
- حدّثني محمّد بن معمرٍ، قال: حدّثنا حمّاد بن مسعدة، عن هشام بن أبي عبد اللّه، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه
- حدّثنا مؤمّل بن هشامٍ، قال: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن هشامٍ، عن أبي الزّبير عن جابرٍ، قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر نحوه.
- حدّثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: حدّثنا عبد العزيز بن عبد الصّمد، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي عيّاشٍ الزّرقيّ، قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعسفان، فصلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة الظّهر وعلى المشركين خالد بن الوليد، فقال المشركون: لقد أصبنا منهم غرّةً. ولقد أصبنا منهم غفلةً. فأنزل اللّه صلاة الخوف بين الظّهر والعصر، فصلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة العصر،صفنا فرقتين: فرقةٌ تصلّي مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وفرقةٌ تصلّي خلفهم يحرسونهم، ثمّ كبّر فكبّروا جميعًا وركعوا جميعًا، ثمّ سجد بالّذين يلون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ قام فتقدّم الآخرون فسجدوا ثمّ قام فركع بهم جميعًا، ثمّ سجد بالّذين يلونه ثم تأخّر هؤلاء فقاموا في مصافّ أصحابهم، ثمّ تقدّم الآخرون فسجدوا، ثمّ سلّم عليهم؛ فكانت لكلّهم ركعتين مع إمامهم. وصلّى مرّةً أخرى في أرض بني سليمٍ.
قال أبو جعفرٍ: فتأويل الآية على قول هؤلاء الّذين قالوا هذه المقالة، ورووا هذه الرّواية: وإذا كنت يا محمّد فيهم، يعني في أصحابك خائفًا، فأقمت لهم الصّلاة، فلتقم طائفةٌ منهم معك يعني ممّن دخل معك في صلاتك، {فإذا سجدوا} يقول: فإذا سجدت هذه الطائفة بسجودك، ورفعت رءوسها من سجودها {فليكونوا من ورائكم} يقول: فليصر من خلفك، خلف الطائفة الّتي حرستك وإيّاهم إذا سجدت بهم وسجدوا معك {ولتأت طائفةٌ أخرى لم يصلّوا} يعني الطائفة الحارسة الّتي صلّت معه غير أنّها لم تسجد بسجوده، فمعنى قوله: {لم يصلّوا} على مذهب هؤلاء: لم يسجدوا بسجودك: {فليصلّوا معك} يقول: فليسجدوا بسجودك إذا سجدت، ويحرسك وإيّاهم الّذين سجدوا بسجودك في الرّكعة الأولى {وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} يعني الحارسة.
وأولى الأقوال الّتي ذكرناها بتأويل الآية قول من قال معنى ذلك: فإذا سجدت الطائفة الّتي قامت معك في صلاتها {فليكونوا من ورائكم} يعني من خلفك وخلف من يدخل في صلاتك ممّن لم يصلّ معك الرّكعة الأولى بإزاء العدوّ بعد فراغها من بقيّة صلاتها {ولتأت طائفةٌ أخرى} وهي الطائفة الّتي كانت بإزاء العدوّ لم يصلّوا، يقول: لم يصلّوا معك الرّكعة الأولى {فليصلّوا معك} يقول: فليصلّوا معك الرّكعة الّتي بقيت عليك {وليأخذوا حذرهم} من عدوهم {وأسلحتهم} لقتال عدوّهم بعد ما يفرغون من صلاتهم.
وذلك نظير الخبر الّذي روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه فعله يوم ذات الرّقاع، والخبر الّذي روى سهل بن أبي حثمة.
وإنّما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية، لأنّ اللّه عزّ ذكره قال: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة} وقد دلّلنا على أنّ إقامتها إتمامها بركوعها وسجودها، ودلّلنا مع ذلك على أنّ قوله: {فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة إن خفتم أن يفتنكم الّذين كفروا} إنّما هو إذنٌ بالقصر من ركوعها وسجودها في حال شدّة الخوف.
فإذا صحّ ذلك كان بيّنًا أن لا وجه لتأويل من تأوّل ذلك أنّ الطائفة الأولى إذا سجدت مع الإمام فقد انقضت صلاتها، لقوله: {فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم} لاحتمال ذلك من المعاني ما ذكرت قبل، ولأنّه لا دلالة في الآية على أنّ القصر الّذي ذكر في الآية قبلها عنى به القصر من عدد الرّكعات.
وإذ كان لا وجه لذلك، فقول من قال: أريد بذلك التّقدّم والتّأخّر في الصّلاة على نحو صلاة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بعسفان أبعد، وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه يقول: {ولتأت طائفةٌ أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك} وكلتا الطّائفتين قد كانت صلّت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ركعته الأولى في صلاته بعسفان، ومحالٌ أن تكون الّتي صلّت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم هي الّتي لم تصلّ معه.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّه أريد بقوله: {لم يصلّوا} لم يسجدوا، فإنّ ذلك غير الظّاهر المفهوم من معاني الصّلاة، وإنّما توجّه معاني كلام اللّه جلّ ثناؤه إلى الأظهر والأشهر من وجوههما ما لم يمنع من ذلك ما يجب التّسليم له.
وإذ كان ذلك كذلك ولم يكن في الآية أمرٌ من اللّه عزّ ذكره للطائفة الأولى بتأخير قضاء ما بقي عليها من صلاتها إلى فراغ الإمام من بقيّة صلاته، ولا على المسلمين الّذين بإزاء العدوّ في اشتغالها بقضاء ذلك ضررٌ، لم يكن لأمرها بتأخير ذلك وانصرافها قبل قضاء باقي صلاتها عن موضعها معنًى.
غير أنّ الأمر وإن كان كذلك، فإنّا نرى أنّ من صلاها من الأئمّة فوافقت صلاته بعض الوجوه الّتي ذكرناها عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه صلاها، فصلاته مجزئةٌ عنه تامّةٌ لصحّة الأخبار بكلّ ذلك عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنّه من الأمور الّتي علّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمّته ثمّ أباح لهم العمل بأيّ ذلك شاءوا.
وأمّا قوله: {ودّ الّذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم} فإنّه يعني: تمنّى الّذين كفروا باللّه، لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم، يقول: لو تشتغلون بصلاتكم عن أسلحتكم الّتي تقاتلونهم بها، وعن أمتعتكم الّتي بها بلاغكم في أسفاركم فتسهون عنها. {فيميلون عليكم ميلةً واحدةً} يقول: فيحملون عليكم وأنتم مشاغيل بصلاتكم عن أسلحتكم وأمتعتكم جملةً واحدةً، فيصيبون منكم غرّةً بذلك فيقتلونكم، ويستبيحون عسكركم.
يقول جلّ ثناؤه فلا تفعلوا ذلك بعد هذا، فتشتغلوا جميعكم بصلاتكم إذا حضرتكم صلاتكم وأنتم مواقفو العدوّ، فتمكّنوا عدوّكم من أنفسكم وأسلحتكم وأمتعتكم ولكن أقيموا الصّلاة على ما بيّنت لكم، وخذوا من عدوّكم حذركم وأسلحتكم). [جامع البيان: 7/423-444]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذًى من مطرٍ أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إنّ اللّه أعدّ للكافرين عذابًا مهينًا}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ولا جناح عليكم} ولا حرج عليكم ولا إثم {إن كان بكم أذًى من مطرٍ} يقول: إن نالكم أذى من مطرٍ تمطرونه وأنتم مواقفو عدوّكم {أو كنتم مرضى} يقول: جرحى أو أعلاء {أن تضعوا أسلحتكم} إن ضعفتم عن حملها، ولكن إن وضعتم أسلحتكم من أذًى مطرٍ أو مرضٍ، فخذوا من عدوّكم حذركم، يقول: احترسوا منهم أن يميلوا عليكم وأنتم عنهم غافلون غارّون {إنّ اللّه أعدّ للكافرين عذابًا مّهينًا} يعني بذلك: أعدّ لهم عذابًا مذلًّا يبقون فيه أبدًا لا يخرجون منه، وذلك هو عذاب جهنّم.
وقد ذكر أنّ قوله: {أو كنتم مرضى} نزل في عبد الرّحمن بن عوفٍ، وكان جريحًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا العبّاس بن محمّدٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {إن كان بكم أذًى من مطرٍ أو كنتم مرضى} عبد الرّحمن بن عوفٍ كان جريحًا). [جامع البيان: 7/444-445]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة فلتقم طائفةٌ منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفةٌ أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ودّ الّذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلةً واحدةً ولا جناح عليكم إن كان بكم أذًى من مطرٍ أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إنّ اللّه أعدّ للكافرين عذابًا مهينًا (102)
قوله تعالى: فلتقم طائفةٌ منهم معك. [5897]
حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا زيد بن الحباب، عن شعبة، عن أبي بشرٍ، عن مجاهدٍ قال: الطّائفة: رجلٌ إلى ألف رجلٍ.
قوله تعالى: وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم. [5898]
حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا أبو قطنٍ عمرو بن الهيثم، ثنا المسعوديّ، عن يزيد الفقير قال: سألت جابر بن عبد اللّه عن الرّكعتين في السّفر أقصرٌهما، فقال:
الرّكعتان في السّفر تمامٌ، إنّما القصر واحدةٌ واحدةٌ عن القتال بينما نحن مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قتالٍ إذ أقيمت الصّلاة، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصفّ طائفةً، وطائفةٌ وجوهها قبل العدوّ، فصلّى بهم ركعةً وسجد بهم سجدتين ثمّ الّذين خلّفوا انطلقوا إلى أولئك، فقاموا مقامهم أو مكانهم نحو ذى، وجاء أولئك فقاموا خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فصلّى بهم ركعةً وسجد بهم سجدتين، ثمّ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جلس فسلّم وسلّم الّذين خلفه وسلّم أولئك، فكانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ركعتين وللقوم ركعةً ركعةً، ثمّ قرأ: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة.
- حدّثنا محمّد بن إسحاق الصّغانيّ، ثنا معاوية بن عمر، عن أبي إسحاق الفزاريّ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي عياش الزرقي قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعسفان وعلى المشركين خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة، فصلّينا الظّهر فقالوا: إنّهم يأتي عليهم صلاةٌ هي أحبّ إليهم من أموالهم وأنفسهم فنصيب غرّتهم أو غفلهم، فنزل جبريل صلّى اللّه عليه وسلّم بهؤلاء الآيات بين الظّهر والعصر وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة فلتقم طائفةٌ منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفةٌ أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم إلى آخر الآية، فأمرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأخذوا السّلاح، ثمّ قاموا فصفّوا خلفه صفّين، فكبّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكبّروا جميعًا، ثمّ ركع وركعوا جميعًا، ثمّ رفع ورفعوا جميعًا، ثمّ سجد الّذين يلونه وآخرون قيامٌ يحرسونهم، فلمّا قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقام الّذين يلونه سجدوا معه فسجد الآخرون الّذين كانوا يحرسونه، فلمّا قاموا تأخّر الّذين كانوا سجدوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى مقام الّذين كانوا يحرسونه وتقدّم الآخرون، فقاموا في مقامهم، ثمّ ركع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وركعوا جميعًا، ثمّ رفع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ورفعوا جميعًا، ثمّ سجد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وسجد الّذين يلونه، والآخرون قيامٌ يحرسونهم، ثمّ سجدوا في مكانهم، ثمّ جلس النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فجلسوا جميعًا، ثمّ سلّم عليهم، فصلاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مرّتين: مرّةً بعسفان، ومرّةً بأرض بني سليمٍ.
قوله تعالى: ولتأت طائفةٌ أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم.
- حدّثنا أبي، ثنا نعيم بن حمّادٍ، ثنا ابن المبارك، أنبأ معمرٌ عن الزّهريّ، عن سالمٍ، عن أبيه في قوله: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة قال: هي صلاة الخوف، صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بإحدى الطّائفتين ركعةً، والطّائفة الأخرى مقبلةٌ على العدوّ ثمّ انصرفت الطّائفة الّتي صلّت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقاموا مقام أولئك مقبلين على العدوّ، وأقبلت الطّائفة الأخرى الّتي كانت مقبلةً على العدوّ فصلّى بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ركعةً واحدةً، ثمّ سلّم بهم، ثمّ قامت كلّ طائفةٍ فصلّوا ركعةً ركعةً.
قوله تعالى: ودّ الّذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلةً واحدة.
- أخبرنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً، ثنا محمّد بن شعيب بن شابور، أخبرني سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي عياش الزرقي قال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعسفان ومعه النّاس، وعلى المشركين يومئذٍ خالد بن الوليد، فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأخذوا أسلحتهم، فصلّى بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الظّهر، فقال: لقد كانوا على حالٍ لو أردنا أن نصيب منهم غرّةً أو غفلةً، فأنزلت آية القصر بين الظّهر والعصر يعني: ودّ الّذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة.
قوله تعالى: ولا جناح عليكم إن كان بكم أذًى من مطرٍ.
- حدّثنا أبو يحيى محمّد بن سعيد بن غالبٍ العطّار، ثنا زيد بن الحباب، أنبأ عمر بن الرّمّاح قاضي بلخ، أخبرني كثير بن زيادٍ أبو سهلٍ، عن عمرو بن عثمان بن يعلى، عن أبيه، عن جدّه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان هو وأصحابٌ له في مضيقٍ والسّماء فوقهم، والبلّة أسفلهم، والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على راحلته فأمر رجلا أن يؤذّن ويقيم أو يقيم، فصلّى بهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على راحلته السّجود أخفض من الرّكوع.
قوله تعالى: أو كنتم مرضى.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ الرّماديّ، ثنا حجّاج بن محمّدٍ قال ابن جريجٍ: أخبرني يعلى، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: إن كان بكم أذًى من مطرٍ أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم قال: عبد الرّحمن بن عوفٍ كان جريحًا.
قوله تعالى: أن تضعوا أسلحتكم.
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن شقيقٍ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم فرخّص في وضع السّلاح عند ذلك.
قوله تعالى: وخذوا حذركم.
- وبه عن مقاتل بن حيّان قوله: وخذوا حذركم قال: وأمرهم أن يأخذوا حذرهم.
قوله تعالى: إنّ اللّه أعدّ للكافرين عذابًا مهينًا.
- وبه عن مقاتل بن حيّان قوله: عذابًا مهينًا يعني بالمهين: الهوان). [تفسير القرآن العظيم: 3/1052-1055]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني إسماعيل بن محمّدٍ الفقيه، بالرّيّ، ثنا محمّد بن الفرج، ثنا حجّاج بن محمّدٍ، قال ابن جريجٍ: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، " {إن كان بكم أذًى من مطرٍ أو كنتم مرضى} [النساء: 102] قال: نزلت في عبد الرّحمن بن عوفٍ كان جريحًا «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/337]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) ابن عباس - رضي الله عنهما -: {إن كان بكم أذى من مطرٍ أو كنتم مرضى} [النساء: 102] قال عبد الرحمن بن عوف: وكان جريحاً، أخرجه البخاري). [جامع الأصول: 2/104]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والدارقطني والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي عن أبي عياش الزرقي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد وهم بيننا وبين القبلة فصلى بنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم الظهر فقالوا: قد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم ثم قالوا: يأتي عليهم الآن صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظهر والعصر {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} فحضرت فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذوا السلاح وصففنا خلفه صفين ثم ركع فركعنا جميعا ثم سجد بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فلما سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم ثم تقدم هؤلاء إلى مصاف هؤلاء وهؤلاء إلى مصاف هؤلاء ثم ركع فركعوا جميعا ثم رفع فرفعوا جميعا ثم سجد الصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم فلما جلسوا جلس الآخرون فسجدوا ثم سلم عليهم ثم انصرف، قال: فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين: مرة بعسفان ومرة بأرض بني سليم، واخرج الترمذي وصححه، وابن جرير عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل بين ضجنان وعسفان فقال المشركون: إن لهؤلاء صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم وهي العصر فأجمعوا أمركم فميلوا عليهم ميلة واحدة وأن جبريل أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأمره أن يقسم أصحابه شطرين فيصلي بهم وتقوم طائفة أخرى وراءهم {وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} ثم يأتي الآخرون ويصلون معه ركعة واحدة ثم يأخذ هؤلاء حذرهم وأسلحتهم فيكون لهم ركعة ركعة ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن يزيد الفقير قال: سألت جابر بن عبد الله عن الركعتين في السفر أقصرهما قال الركعتان في السفر تمام إنما القصر واحدة عند القتال بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال إذ أقيمت الصلاة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصفت طائفة وطائفة وجوهها قبل العدو فصلى بهم ركعة وسجد بهم سجدتين ثم الذين خلفوا انطلقوا إلى أولئك فقاموا مقامهم وجاء أولئك فقاموا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ركعة وسجد بهم سجدتين ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس فسلم وسلم الذين خلفه وسلم أولئك فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان وللقوم ركعة ثم قرأ {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن سليمان اليشكري أنه سأل جابر بن عبد الله عن أقصار الصلاة أي يوم أنزل فقال جابر بن عبد الله: وعير قريش آتية من الشام حتى إذا كنا بنخل جاء رجل من القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، قال: نعم، قال: هل تخافني قال: لا، قال: فمن يمنعك مني قال: الله يمنعني منك، قال: فسل السيف ثم تهدده وأوعده ثم نادى بالرحيل وأخذ السلاح ثم نودي بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة من القوم وطائفة أخرى تحرسهم فصلى بالذين يلونه ركعتين ثم تأخر الذين يلونه على أعقابهم فقاموا في مصاف أصحابهم ثم جاء الآخرون فصلى بهم ركعتين والآخرون يحرسونهم ثم سلم، فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان ركعتان يومئذ فأنزل الله في أقصار الصلاة وأمر المؤمنين بأخذ السلاح.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه، وابن أبي حاتم من طريق الزهري عن سالم عن أبيه في قوله {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} قال: هي صلاة الخوف صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مقبلة على العدو ثم انصرفت الطائفة التي صلت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقاموا مقام أولئك مقبلين على العدو وأقبلت الطائفة الأخرى التي كانت مقبلة على العدو فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى ثم سلم بهم ثم قامت طائفة فصلوا ركعة ركعة
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس في قوله {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك} فهذا في الصلاة عند الخوف يقوم الإمام ويقوم معه طائفة منهم وطائفة يأخذون أسلحتهم ويقفون بإزاء العدو فيصلي الإمام بمن معه ركعة ثم يجلس على هيئته فيقوم القوم فيصلون لأنفسهم الركعة الثانية والإمام جالس ثم ينصرفون فيقفون موقفهم ثم يقبل الآخرون فيصلي بهم الإمام الركعة الثانية ثم يسلم فيقوم القوم فيصلون لأنفسهم الركعة الثانية فهكذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بطن نخلة.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير والحاكم وصححه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف بذي قرد فصف الناس صفين صفا خلفه وصفا موازي العدو فصلى بالذين خلفه ركعة ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف قال سفيان: فذكر مثل حديث ابن عباس.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي، وابن جرير وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن ثعلبة بن زهدم قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فقال حذيفة: أنا، فقام حذيفة فصف الناس خلفه وصفا موازي العدو فصلى بالذين خلفه ركعة ثم انصرف هؤلاء مكان هؤلاء وجاء أولئك فصلى بهم ركعة ولم يقضوا.
وأخرج أبو داود، وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي عن عائشة قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بذات الرقاع فصدع الناس صدعتين، فصفت طائفة وراءه وقامت طائفة وجاه العدو فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرت الطائفة خلفه ثم ركع وركعوا وسجد وسجدوا ثم رفع رأسه فرفعوا ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وسجدوا لأنفسهم سجدة ثانية ثم قاموا ثم نكصوا على أعقابهم يمشون القهقرى حتى قاموا من ورائهم وأقبلت الطائفة الأخرى فصفوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبروا ثم ركعوا لأنفسهم ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدته الثانية فسجدوا معه ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركعته وسجدوا لأنفسهم السجدة الثانية ثم قامت الطائفتان جميعا فصفوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فركع بهم ركعة فركعوا جميعا ثم سجد فسجدوا جميعا ثم رفع رأسه ورفعوا معه كل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا جدا لا يألو أن يخفف ما استطاع ثم سلم فسلموا ثم قام وقد شركه الناس في صلاته كلها.
وأخرج الحاكم، عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف أنه قال: وطائفة من خلفه وطائفة من وراء الطائفة التي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قعود وجوههم كلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبرت الطائفتان فركع فركعت الطائفة التي خلفه والآخرون قعود ثم سجد فسجدوا أيضا والآخرون قعود ثم قاموا ونكصوا خلفه حتى كانوا مكان أصحابهم قعودا وأتت الطائفة الأخرى فصلى بهم ركعة وسجدتين ثم سلم والآخرون قعود ثم سلم فقامت الطائفتان كلتاهما فصلوا لأنفسهم ركعة وسجدتين ركعة وسجدتين.
وأخرج مالك والشافعي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه والدارقطني والبيهقي من طريق صالح بن خوات عمن صلى مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة تجاه العدو فصلة بالتي معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وصلوا تجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم
وأخرج عبد بن حميد والدارقطني عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة الحوف فصلى ببعض أصحابه ركعتين ثم سلم فتأخروا وجاء الآخرون فصلى بهم ركعتين ثم سلم فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللمسلمين ركعتان ركعتان.
وأخرج الدارقطني والحاكم عن أبي بكرة أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلى بالقوم في الخوف صلاة المغرب ثلاث ركعات ثم انصرف وجاء الآخرون فصلى بهم ثلاثا فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم ست ركعات وللقوم ثلاث ثلاث.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير والدارقطني عن ابن مسعود قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فقاموا صفين صفين صف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف مستقبل العدو فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة وجاء الآخرون فقاموا مقامهم واستقبلوا هؤلاء العدو فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة ثم سلم فقام هؤلاء إلى مقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا.
وأخرج عبد بن حميد والحاكم وصححه من طريق عروة من مروان أنه سأل أبا هريرة هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف قال أبو هريرة: نعم، قال مروان: متى قال: عام غزوة نجد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة صلاة العصر فقامت معه طائفة وطائفة أخرى مقابل العدو وظهورهم إلى القبلة فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر الكل ثم ركع ركعة واحدة وركعت الطائفة التي خلفه ثم سجد فسجدت الطائفة التي تليه والآخرون قيام مقابل العدو ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقامت الطائفة التي معه وذهبوا إلى العدو فقابلوهم وأقبلت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم كما هو ثم قاموا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى وركعوا معه وسجدوا معه ثم أقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ومن معه ثم كان السلام فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا جميعا فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولكل واحدة من الطائفتين ركعة ركعة.
وأخرج الدارقطني عن ابن عباس قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة الخوف فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقمنا خلفه صفين فكبر وركع وركعنا جميعا الصفان كلاهما ثم رفع رأسه ثم خر ساجدا وسجد الصف الذي يليه وثبت الآخرون قياما يحرسون إخوانهم فلما فرغ من سجوده وقام خر الصف المؤخر سجودا فسجدوا سجدتين ثم قاموا فتأخر الصف المقدم الذي يليه وتقدم الصف المؤخر فركع وركعوا جميعا وسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والصف الذي يليه وثبت الآخرون قياما يحرسون إخوانهم فلما قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم خر الصف المؤخر سجودا ثم سلم النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
وأخرج الدارقطني، عن جابر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان محاصرا بني محارب بنخل ثم نودي في الناس أن الصلاة جامعة فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفتين طائفة مقبلة على العدو يتحدثون وصلى بطائفة ركعتين ثم سلم فانصرفوا فكانوا مكان إخوانهم وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين فكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع ركعات ولكل طائفة ركعتان.
وأخرج البزار، وابن جرير والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة له فلقي المشركين بعسفان فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر فرأوه يركع ويسجد هو وأصحابه قال بعضهم لبعض: لو حملتم عليهم ما علموا بكم حتى تواقعوهم، فقال قائل منهم: إن لهم صلاة أخرى هي أحب إليهم من أهليهم وأموالهم فاصبروا حتى تحضر فنحمل عليهم جملة، فأنزل الله {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} إلى آخر الآية، وأعلمه بما ائتمر به المشركون فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر وكانوا قبالته في القبلة جعل المسلمين خلفه صفين فكبر فكبروا معه جميعا ثم ركع وركعوا معه جميعا فلما سجد سجد معه الصف الذين يلونه ثم قام الذين خلفهم مقبلون على العدو فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سجوده وقام سجد الصف الثاني ثم قاموا وتأخر الصف الذين يلونه وتقدم الآخرون فكانوا يلون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما ركع ركعوا معه جميعا ثم رفع فرفعوا معه ثم سجد فسجد معه الذين يلونه وقام الصف الثاني مقبلين على العدو فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سجوده وقعد قعد الذين يلونه وسجد الصف المؤخر ثو قعدوا فسجدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم عليهم جميعا فلما نظر إليهم المشركون يسجد بعضهم ويقوم بعض قالوا: لقد أخبروا بما أردنا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي العالية الرياحي أن أبا موسى الأشعري كان بالدار من أصبهان وما بهم يومئذ كبير خوف ولكن أحب أن يعلمهم دينهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم فجعلهم صفين، طائفة معها السلاح مقبلة على عدوها وطائفة وراءها فصلى بالذين يلونه ركعة ثم نكصوا على أدبارهم حتى قاموا مقام الآخرين وجاء الآخرون يتخللونهم حتى قاموا وراءه فصلى بهم ركعة أخرى ثم سلم فقام الذين يلونه والآخرون فصلوا ركعة فسلم بعضهم على بعض فتمت للإمام ركعتان في جماعة وللناس ركعة ركعة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن مجاهد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان والمشركون بضجنان فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ورآه المشركون يركع ويسجد ائتمروا أن يغيروا عليه فلما حضرت العصر صف الناس خلفه صفين فكبر وكبروا جميعا وركع وركعوا جميعا وسجد وسجد الصف الذين يلونه وقام الصف الثاني الذين بسلاحهم مقبلين على العدو بوجوههم فلما رفع النّبيّ صلى الله عليه وسلم رأسه سجد الصف الثاني فلما رفعوا رؤوسهم ركع وركعوا جميعا وسجد وسجد الصف الذين يلونه وقام الصف الثاني بسلاحهم مقبلين على العدو بوجوههم فلما رفع النّبيّ صلى الله عليه وسلم رأسه سجد الصف الثاني قال مجاهد: فكان تكبيرهم وركوعهم وتسليمه عليهم سواء وتصافوا في السجود قال مجاهد: فلم يصل رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف قبل يومه ولا بعده.
وأخرج ابن أبي شيبة، عن علي، قال: صليت صلاة الخوف مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم ركعتين ركعتين إلا المغرب فإنه صلاها ثلاثا.
وأخرج عبد الرزاق عن مجاهد قال: صلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأصحابه صلاة الظهر قبل أن تنزل صلاة الخوف فتلهف المشركون أن لا يكونوا حملوا عليه فقال لهم رجل: فإن لهم صلاة قبل مغيربان الشمس هي أحب إليهم من أنفسهم فقالوا: لو قد صلوا بعد لحملنا عليهم فأرصدوا ذلك فنزلت صلاة الخوف فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بصلاة العصر
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير من طريق أبي الزبير، عن جابر قال: كنت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فلقينا المشركين بنخل فكانوا بيننا وبين القبلة فلما حضرت صلاة الظهر صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جميع فلما فرغنا تآمر المشركون فقالوا لو كنا حملنا عليهم وهم يصلون فقال بعضهم: فإن لهم صلاة ينتظرونها تأتي الآن وهي أحب إليهم من أبناءهم فإذا صلوا فميلوا عليهم، فجاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر وعلمه كيف يصلي فلما حضرت العصر قام نبي الله صلى الله عليه وسلم مما يلي العدو وقمنا خلفه صفين وكبر نبي الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعا ثم ذكر نحوه.
وأخرج البزار عن علي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف أمر الناس فأخذوا السلاح عليهم فقامت طائفة من ورائه مستقبلي العدو وجاءت طائفة فصلوا معه فصلى بهم ركعة ثم قاموا إلى الطائفة التي لم تصل وأقبلت الطائفة التي لم تصل معه فقاموا خلفه فصلى بهم ركعة وسجدتين ثم سلم عليهم فلما سلم قام الذين قبل العدو فكبروا جميعا وركعوا ركعة وسجدتين بعدما سلم.
وأخرج أحمد، عن جابر قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ست غزوات قبل صلاة الخوف وكانت صلاة الخوف في السنة السابعة
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} إلى قوله {فليصلوا معك} فإنه كانت تأخذ طائفة منهم السلاح فيقبلون على العدو والطائفة الأخرى يصلون مع الإمام ركعة ثم يأخذون أسلحتهم فيستقبلون العدو ويرجع أصحابهم فيصلون مع الإمام ركعة فيكون للإمام ركعتان ولسائر الناس ركعة واحدة ثم يقضون ركعة أخرى وهذا تمام من الصلاة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {فإذا سجدوا} يقول: فإذا سجدت الطائفة التي قامت معك في صلاتك تصلي بصلاتك ففرغت من سجودها {فليكونوا من ورائكم} يقول: فليصيروا بعد فراغهم من سجودهم خلفكم مصافي العدو المكان الذي فيه سائر الطوائف التي لم تصل معك ولم تدخل معك في صلاتك.
وأخرج البخاري والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي عن ابن عباس في قوله {إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى} قال: نزلت في عبد الرحمن بن عوف كان جريحا
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في الآية قال: رخص في وضع السلاح عند ذلك وأمرهم أن يأخذوا حذرهم، وفي قوله {عذابا مهينا} قال: يعني بالمهين الهوان، وفي قوله {فإذا قضيتم الصلاة} قال: صلاة الخوف {فاذكروا الله} قال: باللسان {فإذا اطمأننتم} يقول: إذا استقررتم وأمنتم). [الدر المنثور: 4/658-672]

تفسير قوله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى إن الصلاة كانت على المؤمنين كتبا موقوتا قال: قال ابن مسعود إن للصلاة وقتا كوقت الحج). [تفسير عبد الرزاق: 1/172]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن قتادة في قوله تعالى فإذا اطمأننتم يقول فإذا اطمأننتم في أمصاركم فأتموا الصلاة قال أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولا يجدل عن الذين يختانون أنفسهم قال اختان رجل عن عم له درعا ففقدت فقذف بها يهوديا كان يغشاهم فجادل عن الرجل قومه فكأن النبي عذره ثم لحق بأرض الشرك فنزله فيه ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى). [تفسير عبد الرزاق: 1/172]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ليثٍ عن مجاهدٍ {إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} قال: مفروضا [الآية: 103]). [تفسير الثوري: 97]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (ويذكر عن ابن عبّاسٍ {حصرت} [النساء: 90]:ضاقت، {تلووا} [النساء: 135]:ألسنتكم بالشّهادة وقال غيره: " المراغم: المهاجر، راغمت: هاجرت قومي. {موقوتًا} [النساء: 103]:موقّتًا وقته عليهم "). [صحيح البخاري: 6/46-47]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله موقوتًا موقّتًا وقّته عليهم لم يقع هذا في رواية أبي ذرٍّ وهو قول أبي عبيدة أيضًا قال في قوله تعالى إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا أي موقتا وقته الله عليهم وروى بن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاس في قوله موقوتا قال مفروضًا). [فتح الباري: 8/256]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (موقوتا مؤقّتا وقته عليهم
هذا لم يقع في رواية أبي ذر، وهو تفسير أبي عبيدة أيضا في قوله تعالى: {إن الصّلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} قوله: (وقته) أي: وقته الله عليهم. وروى ابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس في قوله: (موقوتا) قال مفروضًا). [عمدة القاري: 18/179]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقال أبو عبيدة في قوله تعالى: {كتابًا} ({موقوتًا}) [النساء: 103] أي (موقتًا وقته عليهم) تبارك وتعالى وسقط قوله موقوتًا الخ لأبي ذر). [إرشاد الساري: 7/88]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإذا قضيتم الصّلاة فاذكروا اللّه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصّلاة إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: فإذا فرغتم أيّها المؤمنون من صلاتكم، وأنتم مواقفو عدوّكم الّتي بيّنّاها لكم، فاذكروا اللّه على كلّ أحوالكم قيامًا وقعودًا، ومضطجعين على جنوبكم بالتّعظيم له والدّعاء لأنفسكم بالظّفر على عدوّكم، لعلّ اللّه أن يظفركم وينصركم عليهم. وذلك نظير قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا اللّه كثيرًا لعلّكم تفلحون}. وكما:.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {واذكروا اللّه كثيرًا} يقول: لا يفرض اللّه على عباده فريضةً إلا جعل لها حدا معلومًا. ثمّ عذر أهلها في حال عذرٍ غير الذّكر، فإنّ اللّه لم يجعل له حدًّا ينتهي إليه، ولم يعذر أحدًا في تركه إلاّ مغلوبًا على عقله، فقال: فاذكروا اللّه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم، باللّيل والنّهار، في البرّ والبحر، وفي السّفر والحضر، والغنى والفقر، والسّقم والصّحّة، والسّرّ والعلانية، وعلى كلّ حالٍ.
وأمّا قوله: {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصّلاة} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معنى قوله: {فإذا اطمأننتم} فإذا استقررتم في أوطانكم وأقمتم في أمصاركم، {فأقيموا} يعني: فأتمّوا {الصّلاة} الّتي أذن لكم بقصرها في حال خوفكم في سفركم وضربكم في الأرض.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ، في قوله {فإذا اطمأننتم} قال الخروج من دار السّفر إلى دار الإقامة.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {فإذا اطمأننتم} يقول: إذا اطمأننتم في أمصاركم فأتمّوا الصّلاة.
وقال آخرون معنى ذلك: فإذا استقررتم بزوال الخوف من عدوكم وحدوث الأمن لكم فأقيموا الصّلاة، أي فأتمّوا حدودها بركوعها وسجودها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {فإذا اطمأننتم} قال: فإذا اطمأننتم بعد الخوف.
- وحدّثني يونس، قال أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصّلاة} قال: فإذا اطمأننتم فصلّوا الصّلاة لا تصلّها راكبًا ولا ماشيًا ولا قاعدًا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصّلاة} قال أتمّوها. حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
قال أبو جعفرٍ وأولى التّأويلين بتأويل الآية، تأويل من تأوّله: فإذا زال خوفكم من عدوّكم وأمنتم أيّها المؤمنون واطمأنّت أنفسكم بالأمن، فأقيموا الصّلاة، فأتمّوها بحدودها. المفروضة عليكم، غير قاصريها عن شيءٍ من حدودها.
وإنّما قلنا ذلك أولى التّأويلين بالآية، لأنّ اللّه تعالى ذكره عرّف عباده المؤمنين الواجب عليهم من فرض صلاتهم بهاتين الآيتين في حالين:
إحداهما شدّة حال خوفٍ أذن لهم فيها بقصر الصّلاة، على ما بيّنت من قصر حدودها عن التّمام،
والأخرى حال غير شدّة الخوف أمرهم فيها بإقامة حدودها، وإتمامها على ما وصفه لهم جلّ ثناؤه من معاقبة بعضهم بعضًا في الصّلاة خلف أئمّتهم، وحراسة بعضهم بعضًا من عدوّهم وهي حالةٌ لا قصر فيها، لأنّه يقول جلّ ثناؤه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم في هذه الحال: وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة، فمعلومٌ بذلك أنّ قوله: {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصّلاة} إنّما هو: فإذا اطمأننتم من الحالة الّتي لم تكونوا مقيمين فيها صلاتكم فأقيموها، وتلك حالة شدّة الخوف، لأنّه قد أمرهم بإقامتها في حال غير شدّة الخوف بقوله: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة} الآية). [جامع البيان: 7/445-448]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا}
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين فريضةً مفروضةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة العوفيّ، في قوله: {إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} قال: فريضةً مفروضةً.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية: عن عليّ عن ابن عبّاسٍ: {إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} قال: مفروضًا، الموقوت: المفروضا.
- حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله{إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} قال مفروضا الموقوت المفروض.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: أمّا كتابًا موقوتًا: فمفروضًا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {كتابًا موقوتًا} قال: مفروضًا.
وقال آخرون: معنى ذلك: إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين فرضًا واجبًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، عن الحسن، في قوله: {إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} قال: كتابًا واجبًا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله {كتابًا موقوتًا} قال واجبًا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن معمر بن سامٍ، عن أبي جعفرٍ، في قوله: {كتابًا موقوتًا} قال: موجبًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال، ثني عمّي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} والموقوت: الواجب.
- حدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيم، قال: حدّثنا معمر بن يحيى، قال سمعت أبا جعفرٍ يقول: {إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} قال: وجوبها.
وقال آخرون: معنى ذلك: إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا منجّمًا يؤدّونها في أنجمها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} قال: قال ابن مسعودٍ: إنّ للصّلاة وقتًا كوقت الحجّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن زيد بن أسلم، في قوله: {إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} قال: منجّمًا، كلّما مضى نجمٌ جاء نجمٌ آخر، يقول: كلّما مضى وقتٌ جاء وقتٌ آخر.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ الرّازيّ، عن زيد بن أسلم بمثله.
قال أبو جعفرٍ: وهذه الأقوال قريبٌ معنى بعضها من بعضٍ، لأنّ ما كان مفروضًا فواجبٌ، وما كان واجبًا أداؤه في وقتٍ بعد وقتٍ فمنجّمٌ.
غير أنّ أولى المعاني بتأويل الكلمة قول من قال: إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين فرضًا منجّمًا، لأنّ الموقوت إنّما هو مفعولٌ من قول القائل: وقّت اللّه عليك فرضّه فهو يقته، ففرضه عليك موقوتٌ، إذا أخبر أنّه جعل له وقتًا يجب عليك أداؤه. فكذلك معنى قوله: {إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} إنّما هو كانت على المؤمنين فرضًا وقّت لهم وقت وجوب أدائه، فبيّن ذلك لهم). [جامع البيان: 7/448-452]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (فإذا قضيتم الصّلاة فاذكروا اللّه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصّلاة إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا (103)
قوله تعالى: فإذا قضيتم الصّلاة
- وبه عن مقاتلٍ فإذا قضيتم الصّلاة قال: إذا قضيتم صلاة الخوف.
قوله تعالى: فاذكروا اللّه.
- وبه عن مقاتلٍ قوله: فاذكروا الله قال: باللسان.
قوله تعالى: قيامًا.
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا يعلى بن عبيدٍ، ثنا جويبرٌ، عن الضّحّاك قال ابن مسعودٍ: أنّ أناسًا يقومون بعد العشاء الآخرة يدعون قيامًا فأتاهم فقال: ما هذا؟
قالوا: سمعنا اللّه يقول: فاذكروا اللّه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم فقال: إنّما ذاك في الصّلاة، يصلّي الرّجل قائمًا، فإن لم يستطع فقاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنبه، ثم نهاهم.
قوله تعالى: وقعودًا.
- وبه عن الضّحّاك قوله: وقعودًا قال ابن عبّاسٍ: يصلّي الرّجل قائمًا، فإن لم يستطع فقاعدًا.
قوله تعالى: وعلى جنوبكم.
- حدّثنا أبي، حدّثني أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: فاذكروا اللّه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم باللّيل والنّهار، في البرّ والبحر، وفي السّفر والحضر، والغنى والفقر، والسّقم والصّحّة، والسّر والعلانية وعلى كلّ حالٍ.
قوله تعالى: فإذا اطمأننتم.
[الوجه الأول]
- ذكر عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية قوله: فإذا اطمأننتم يعني: إذا نزل.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن رجلٍ، عن مجاهدٍ فإذا اطمأننتم قال: إذا خرجتم من دار السّفر إلى دار الإقامة.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: فإذا اطمأننتم فبعد الخوف.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: فإذا اطمأننتم يقول: إذا استقررتم وآمنتم.
قوله تعالى: فأقيموا الصّلاة.
- حدّثنا حجّاجٌ، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: فأقيموا الصّلاة يقول: أتمّوها. وروي عن قتادة نحو ذلك.
قوله تعالى: إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صلاح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا يعني:
مفروضًا.
وروي عن عليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليٍّ، وسالم بن عبد اللّه، ومجاهدٍ، والحسن، والسّدّيّ، وعطيّة، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- ثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ، عن قتادة قوله:
إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا قال ابن مسعودٍ: إنّ للصّلاة وقتًا كوقت الحجّ.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن زيد بن أسلم في قوله: إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتًا قال:
منجّمًا، كلّما مضى نجمٌ جاء نجمٌ، يقول: كلّما مضى وقتٌ جاء وقتٌ). [تفسير القرآن العظيم: 3/1055-1057]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فأقيموا الصلاة يقول أتموا الصلاة). [تفسير مجاهد: 173]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم} قال: بالليل والنهار في البر والبحر في السفر والحضر والغنى والفقر والسقم والصحة والسر والعلانية وعلى كل حال.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه بلغه: أن قوما يذكرون الله قياما فأتاهم فقال: ما هذا قالوا: سمعنا الله يقول {فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم}
فقال: إنما هذه إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائما صلى قاعدا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد {فإذا اطمأننتم} قال: إذا خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة {فأقيموا الصلاة} قال: أتموها.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة {فإذا اطمأننتم} يقول: إذا اطمأننتم في أمصاركم فأتموا الصلاة
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد {فإذا اطمأننتم} يقول: فإذا أمنتم {فأقيموا الصلاة} يقول: أتموها.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {فإذا اطمأننتم} يقول: فإذا أمنتم {فأقيموا الصلاة} يقول: أتموها.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {فإذا اطمأننتم} أقمتم في أمصاركم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية {فإذا اطمأننتم} يعني إذا نزل.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي {فإذا اطمأننتم} قال: بعد الخوف.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة} قال: إذا اطمأننتم فصلوا الصلاة لا تصلها راكبا ولا ماشيا ولا قاعدا، واخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} يعني مفروضا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: الموقوت: الواجب.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد {كتابا موقوتا} قال: مفروضا
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {كتابا موقوتا} قال: فرضا واجبا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن الحسن {كتابا موقوتا} قال: كتابا واجبا.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} قال: قال ابن مسعود: إن للصلاة وقتا كوقت الحج.
واخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} قال: منجما كلما مضى نجم جاء نجم آخر، يقول: كلما مضى وقت جاء وقت آخر، واخرج عبد الرزاق وأحمد، وابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن خزيمة والحاكم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمني جبريل عند البيت مرتين فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك وصلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثله وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم وصلى بي العشاء حين غاب الشفق وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم وصلى بي من الغد الظهر حين كان ظل كل شيء مثله وصلى بي العصر حين كان ظل كل شيء مثليه وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم وصلى بي العشاء ثلث الليل وصلى بي الفجر فأسفر ثم التفت إلي فقال: يا محمد هذا الوقت وقت النبيين قبلك الوقت ما بين هذين الوقتين.
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن للصلاة أولا وآخرا وإن أول وقت الظهر حين تزول الشمس وإن آخر وقتها حين يدخل وقت العصر وإن أول وقت العصر حين يدخل وقت العصر وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس وإن آخر وقتها حين يغيب الشفق وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الشفق وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس). [الدر المنثور: 4/672-675]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) )

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه ما لا يرجون وكان اللّه عليمًا حكيمًا} يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ولا تهنوا} ولا تضعفوا، من قولهم: وهن فلانٌ في هذا الأمر يهن وهنًا ووهونًا.
وقوله: {في ابتغاء القوم} يعني في التماس القوم وطلبهم، والقوم هم أعداء اللّه وأعداء المؤمنين من أهل الشّرك باللّه {إن تكونوا تألمون} يقول: إن تكونوا أيّها المؤمنون تيجعون ممّا ينالكم من الجرّاح منهم في الدّنيا {فإنّهم يألمون كما تألمون} يقول: فإنّ المشركين ييجعون ممّا ينالهم منكم من الجراح والأذى، مثل ما تيجعون أنتم من جراحهم وأذاهم فيها {وترجون} أنتم أيّها المؤمنون {من اللّه} من الثّواب على ما ينالكم منهم {ما لا يرجون} هم على ما ينالهم منكم. يقول: فأنتم إن كنتم موقنين من ثواب اللّه لكم على ما يصيبكم منهم بما هم به مكذّبون، أولى وأحرى أن تصبروا على حربهم وقتالهم منهم على قتالكم وحربكم وأن تجدوا في طلبهم وابتغائهم لقتالهم على ما يهنون هم فيه ولا يجدّون، فكيف على ما جدّوا فيه ولم يهنوا؟.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون} منهم {فإنّهم يألمون كما تألمون} يقول لا تضعفوا في طلب القوم، فإنّكم إن تكونوا تيجعون، فإنّهم ييجعون كما تيجعون، وترجون من اللّه من الأجر والثّواب ما لا يرجون.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون} قال: يقول: لا تضعفوا في طلب القوم، فإن تكونوا تيجعون من الجراحات، فإنّهم ييجعون كما تيجعون.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم} لا تضعفوا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قوله: {ولا تهنوا} يقول: لا تضعفوا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم} قال: يقول: لا تضعفوا عن ابتغائهم {إن تكونوا تألمون} القتال {فإنّهم يألمون كما تألمون} قال: وهذا قبل أن تصيبهم الجرّاح إن كنتم تكرهون القتال فتألمونه فإنّهم يألمون كما تألمون {وترجون من اللّه ما لا يرجون} يقول: فلا تضعفوا في ابتغائهم لمكان القتال.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إن تكونوا تألمون} توجعون.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: إن تكونوا تألمون قال: توجعون لما يصيبكم منهم، فإنّهم يوجعون كما توجعون وترجون أنتم من الثّواب فيما يصيبكم ما لا يرجون.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا حفص بن عمر، قال: حدّثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا كان قتال أحدٍ، وأصاب المسلمين ما أصاب، صعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الجبل، فجاء أبو سفيان فقال: يا محمّد، لا جرح إلا بجرحٍ، الحرب سجالٌ، يومٌ لنا ويومٌ لكم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحابه: أجيبوه فقالوا: لا سواء لا سواء، قتلانا في الجنّة، وقتلاكم في النّار. فقال أبو سفيان: عزّى لنا ولا عزّى لكم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قولوا له: اللّه مولانا ولا مولى لكم قال أبو سفيان: اعل هبل. اعل هبل. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قولوا له: اللّه أعلى وأجلّ. فقال أبو سفيان: موعدنا وموعدكم بدرٌ الصّغرى. ونام المسلمون وبهم الكلوم. قال عكرمة: وفيها أنزلت: إن يمسسكم قرحٌ فقد مسّ القوم قرحٌ مثله وتلك الأيّام نداولها بين النّاس وفيهم أنزلت {إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه ما لا يرجون وكان اللّه عليمًا حكيمًا}.
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون} قال: ييجعون كما تيجعون.
وقد ذكرنا عن بعضهم أنّه كان يتأوّل قوله: {وترجون من اللّه ما لا يرجون} وتخافون من اللّه ما لا يخافون، من قول اللّه: {قل للّذين آمنوا يغفروا للّذين لا يرجون أيّام اللّه} [الجاثية] بمعنى: لا يخافون أيّام اللّه. وغير معروفٍ صرف الرّجاء إلى معنى الخوف في كلام العرب، إلاّ مع جحدٍ سابقٍ له، كما قال جلّ ثناؤه: {ما لكم لا ترجون للّه وقارًا} بمعنى: لا تخافون للّه عظمةً، وكما قال الشّاعر الهذليّ:
لا ترتجي حين تلاقي الّذائدا = أسبعةً لاقت معًا أم واحدا
وكما قال أبو ذؤيبٍ:
إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها = وخالفها في بيت نوبٍ عواسل
وهي فيما بلغنا لغة أهل الحجاز، يقولونها بمعنى: ما أبالي وما أحفل). [جامع البيان: 7/452-456]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكان اللّه عليمًا حكيمًا}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ولم يزل اللّه عليمًا بمصالح خلقه، حكيمًا في تدبيره وتقديره، ومن علمه أيّها المؤمنون بمصالحكم عرّفكم عند حضور صلاتكم، وواجب فرض اللّه عليكم، وأنتم مواقفو عدوّكم ما يكون به وصولكم إلى أداء فرض اللّه عليكم، والسّلامة من عدوّكم ومن حكمته بصركم بما فيه تأييدكم، وتوهين كيد عدوّكم). [جامع البيان: 7/456]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه ما لا يرجون وكان اللّه عليمًا حكيمًا (104)
قوله تعالى: ولا تهنوا
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ، أنبأ بشرٌ بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: ولا تهنوا في ابتغاء القوم قال: ولا تضعفوا.
وروي عن أبي مالكٍ، والسّدّيّ، والضّحّاك نحو ذلك.
قوله تعالى: في إبتغاء القوم.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك قوله:
ولا تهنوا في ابتغاء القوم قال: لا تضعفوا في طلب القوم.
قوله تعالى: إن تكونوا تألمون.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: إن تكونوا تألمون يقول: توجعون.
وروي عن عكرمة، والضّحّاك، والسّدّيّ، ومقاتل بن حيّان، وعطاءٍ الخراسانيّ، وزيد بن أسلم نحو ذلك.
قوله تعالى: فإنّهم يألمون كما تألمون.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون قال: فإن تكونوا توجعون من الجراحات، فإنّهم يوجعون كما تتوجّعون.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: فإنّهم يألمون فإنّهم يتوجّعون، يعني: المشركين كما تتوجّعون.
قوله تعالى: وترجون من الله.
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي. ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: وترجون من اللّه ما لا يرجون يعني: ترجون من اللّه الخير.
وروي عن الأعشى أنه فسر ترجون من الثّواب.
الوجه الثّاني:
قرأت على محمّدٍ، ثنا محمّدٌ، أنبأ محمّدٌ، عن بكيرٍ، مقاتل ابن حيّان قوله:
وترجون من اللّه يعني: أصحاب محمّدٍ، الحياة والرّزق والشّهادة والظّفر في الدّنيا.
قوله تعالى: ما لا يرجون.
- وبه عن مقاتل بن حيّان: قوله: ما لا يرجون يعني: المشركين
قوله تعالى: وكان اللّه عليمًا حكيماً
قد تقدّم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 3/1057-1058]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولا تهنوا في ابتغاء القوم يقول لا تضعفوا في ابتغاء القوم). [تفسير مجاهد: 173]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {ولا تهنوا} قال: ولا تضعفوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك {ولا تهنوا في ابتغاء القوم} قال: لا تضعفوا في طلب القوم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق على عن ابن عباس {إن تكونوا تألمون}
قال: توجعون {وترجون من الله ما لا يرجون} قال: ترجون الخير.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في الآية يقول: لا تضعفوا في طلب القوم فإنكم إن تكونوا تتوجعون فإنهم يتوجعون كما تتوجعون ويرجعون من الأجر والثواب ما لا يرجون.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: لا تضعفوا في طلب القوم إن تكونوا تتوجعون من الجراحات فإنهم يتوجعون كما تتوجعون {وترجون من الله} يعني الحياة والرزق والشهادة والظفر في الدنيا). [الدر المنثور: 4/675-676]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 09:33 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فلتقم...}
وكلّ لام أمر إذا استؤنفت ولم يكن قبلها واو ولا فاء ولا ثمّ كسرت. فإذا كان معها شيء من هذه الحروف سكّنت. وقد تكسر مع الواو على الأصل. وإنما تخفيفها مع الواو كتخفيفهم (وهو) قال ذاك، (وهي) قالت ذاك. وبنو سليم يفتحون اللام إذا استؤنفت فيقولون: ليقم زيد، ويجعلون اللام منصوبة في كل جهة؛ كما نصبت تميم لام كي إذا قالوا: جئت لآخذ حقّي.
وقوله: {طائفةٌ أخرى} ولم يقل: آخرون؛ ثم قال {لم يصلّوا} ولم يقل: فلتصل. ولو قيل: "فلتصل" كما قيل "أخرى" لجاز ذلك. وقال في موضع آخر: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} ولو قيل: اقتتلتا في الكلام كان صوابا. وكذلك قوله: {هذان خصمان اختصموا في ربّهم} ولم يقل: اختصما. وقال {فرقا هدى وفريقا حقّ عليهم الضّلالة} وفي قراءة أبيّ "عليه الضلالة". فإذا ذكرت اسما مذكّرا لجمع جاز جمع فعله وتوحيده؛ كقول الله تعالى: {وإنا لجميع حاذرون}. وقوله: {أم يقولون نحن جميعٌ منتصر} وكذلك إذا كان الاسم مؤنّثا وهو لجمع جعلت فعله كفعل الواحدة الأنثى الطائفة والعصبة والرفقة. وإن شئت جمعته فذكّرته على المعنى. كلّ ذلك قد أتى في القرآن). [معاني القرآن: 1/285]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ودّ الّذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إنّ اللّه أعدّ للكافرين عذابا مهينا (102)
(وإذا كنت فيهم) هذه الهاء والميم يعودان على المؤمنين. أي وإذا كنت أيها النبي في المؤمنين في غزواتهم وخوفهم.
(فأقمت لهم الصّلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا).
أي فإذا سجدت الطائفة التي قامت معك.
(فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم).
جائز أن يكون - واللّه أعلم - ولتأخذ الجماعة حذرهم وأسلحتهم.
ويجوز أن يكون الذين هم وجاه العدو يأخذون أسلحتهم، لأن من في الصلاة غير مقاتل، وجائز أن تكون الجماعة أمرت بحمل السلاح وإن كان بعضها لا يقاتل لأنه أرهب للعدو وأحرى ألا يقدم على الحذرين المتيقظين المتاهبين للحرب في كل حال.
وقد اختلف الناس في صلاة الخوف فزعم مالك بن أنس أن أحب ما روي فيها إليه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام يصلي وقامت خلفه طائفة من المؤمنين وطائفة وجاه العدو، فصلى بالطائفة التي خلفه ركعة وقام فأتمت الطائفة بركعة أخرى وسلّمت، وهو - صلى الله عليه وسلم - واقف، ثم انصرفت وقامت وجاه العدو، والنبي - صلى الله عليه وسلم – واقف في الصلاة، وأتت الطائفة التي كانت وجاه العدو، فصلّى بهم ركعة ثانية له، وهي الأولى لهذه الطائفة الأخرى - وجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - وقاموا فصلوا ركعة ثانية وحدهم وهو - صلى الله عليه وسلم - قاعد، وقعدوا في الثانية فسلم وسلموا بتسليمه، فصلت كل طائفة منهم ركعتين، وصلّى النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين.
وقال مالك: هذا أحب ما روي في صلاة الخوف إليّ.
وأمّا أسلحة فجمع سلاح مثل حمار وأحمرة. وسلاح اسم لجملة ما يدفع الناس به عن أنفسهم في الحروب مما يقاتل به خاصّة، لا يقال للدواب وما أشبهها سلاح.
فأمّا (وليأخذوا) فالقراءة على سكون اللام -.. (وليأخذوا)
و(وليأخذوا) هو الأصل بالكسر إلا أن الكسر استثقل فيحذف استخفافا.
وحكى الفراء أن لام الأمر قد فتحها بعض العرب في قولك ليجلس.
فقالوا لنجلس ففتحوا، وهذا خطأ،. لا يجوز فتح لام الأمر لئلا تشبه لام التوكيد.
وقد حكى بعض البصريين فتح لام الجر نحو قولك: المال لزيد.
تقول: المال لزيد وهذه الحكاية في الشذوذ كالأولى، لأن الإجماع والروايات الصحيحة كسر لام الجر ولام الأمر، ولا يلتفت إلى الشذوذ، خاصة إذا لم يروه النحويون القدماء الذين هم أصل الرواية، وجميع من ذكرنا من الذين رووا هذا الشاذ عندنا صادقون في الرواية، إلا أن الذي سمع منهم مخطئ.
وقوله: (ولا جناح عليكم) الجناح الإثم، وتأويله من جنحت إذا عدلت عن المكان أي أخذت جانبا عن القصد، فتأويل لا جناح عليكم أي لا تعدلون عن الحق إن وضعتم أسلحتكم.
(إن كان بكم أذى من مطر).
و (أذى) مقصورة، تقول أذى يأذى أذى، مثل فزع يفزع فزعا.
وموضع (أن تضعوا) نصب. أي لا إثم عليكم في أن تضعوا، فلما سقطت " في " عمل ما قبل (أن) فيها، ويجوز أن يكون موضعها جرا بمعنى في).
[معاني القرآن: 2/97-99]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} روى سفيان عن منصور عن مجاهد عن أبي عياش الزرقي قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان والمشركون بينه وبين القتال فيهم أو عليهم خالد بن الوليد فقال المشركون لقد كانوا في صلاة لو أصبنا منهم لكانت الغنيمة فقال المشركون إنها ستجيء صلاة هي أحب إليهم من آبائهم وأبنائهم قال ونزل جبريل بالآيات فيما بين الظهر والعصر وذكر الحديث وسنذكر حديث صالح بن خوات الذي يذهب أهل المدينة إليه وكرهنا الإطالة في ذلك وحديث صالح فيه قضاء كل طائفة صلاتها قبل انصرافها من القبلة وليس كذا غيره والمعنى وإذا كنت فيهم وثم خوف). [معاني القرآن: 2/179-180]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم} والمعنى وليأخذ الباقون أسلحتهم). [معاني القرآن: 2/180]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم}
وأهل المدينة يذهبون في صلاة الخوف إلى حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات الأنصاري أن سهل بن أبي حثمة حدثه أن صلاة الخوف أن يقوم الإمام مستقبل القبلة ومعه طائفة من أصحابه وطائفة مواجهة العدو فيركع الإمام ركعة ويسجد بالذين معه ثم يقوم فإذا استوى قائما ثبت وأتموا لأنفسهم الركعة الثانية ثم سلموا وانصرفوا والإمام قائم فيكونون وجاه العدو ثم يقبل الآخرون الذين لم يصلوا فيكبرون مع الإمام فيركع بهم ركعة ويسجد ثم يسلم فيقومون فيركعون لأنفسهم الركعة الباقية ثم يسلمون). [معاني القرآن: 2/180-181]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم} يجوز أن يكون هذا للجميع لأنه وإن كان الذين في الصلاة لا يحاربون فإنهم إذا كان معهم السلاح كان ذلك أهيب للعدو ويجوز أن يكون الذين أمروا بأخذ السلاح الذين ليسوا في الصلاة لأن المصلي لا يحارب). [معاني القرآن: 2/181-182]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (فإذا اطمئننتم) من السفر أو الخوف.
(فأقيموا الصّلاة) أي أتمّوها.
(كتاباً موقوتاً) أي موقّتاً وقّته الله عليهم.
(تألمون) توجعون، قال أبو قيس بن الأسلت:
لا نألم الحرب ونجزى بها الـ... أعداء كيل الصّاع بالصّاع). [مجاز القرآن: 1/138-139]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({موقوتا}: مفروضا موجبا وقته وقتها الله عليهم). [غريب القرآن وتفسيره: 124]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({فإذا اطمأننتم} أي من السفر والخوف.
{فأقيموا الصّلاة} أي أتموها.
{إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً} أي موقتا. يقال: وقّته اللّه عليهم ووقته، أي جعله لأوقات، ومنه: {وإذا الرّسل أقّتت} ووقتت أيضا، مخففة). [تفسير غريب القرآن: 135]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (فإذا قضيتم الصّلاة فاذكروا اللّه قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصّلاة إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا (103)
يعني به صلاة الخوف هذه.
(فاذكروا الله قياما وقعودا).
أي أذكروه بتوحيده وشكره وتسبيحه، وكل ما يمكن أن يتقرب به منه.
وقوله جلّ وعزّ: (فإذا اطمأننتم).
أي إذا سكنت قلوبكم، ويقال اطمأن الشيء إذا سكن وطأمنته وطمأنته إذا سكنته، وقد روي " اطبان " بالباء ولكن لا تقرأ بها لأن المصحف لا يخالف ألبتّة.
وقوله: (فأقيموا الصّلاة).
أي فأتموا، لأنهم جعل لهم في الخوف قصرها، وأمروا في الأمن بإتمامها.
وقوله: (إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا)
أي مفروضا مؤقتا فرضه). [معاني القرآن: 2/99]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم} أي فاذكروه بالشكر والتسبيح وما يقرب منه). [معاني القرآن: 2/182]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {فإذا اطمأننتم} قال مجاهد فإذا صرتم في الأهل والدور والمعروف في اللغة أنه يقال اطمأن إذا سكن فيكون المعنى فإذا سكن عنكم الخوف وصرتم إلى منازلكم فأقيموا الصلاة قال مجاهد أي فأتموها).
[معاني القرآن: 2/182-183]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا} وروى ليث عن مجاهد أن الموقوت المفروض وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال موقوتا واجبا وقال زيد بن أسلم موقوتا منجما أي تؤدونها في أنجمها والمعنى عند أهل اللغة مفروض لوقت بعينه يقال وقته فهو موقوت ووقته فهو موقت وهذا قول زيد بن أسلم بعينه). [معاني القرآن: 2/183]

قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): ( (على المؤمنين كتابا موقوتا) أي: فرضا مفروضا في أوقات معلومة).
[ياقوتة الصراط: 202]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({كِتَابًا مَّوْقُوتًا} أي فرضا موقتا، أي لها أوقات). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 63]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مَّوْقُوتاً}: مفروضا). [العمدة في غريب القرآن: 115]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وترجون من اللّه ما لا يرجون...}
قال بعض المفّسرين: معنى ترجون: تخافون. ولم نجد معنى الخوف يكون رجاء إلا ومعه جحد. فإذا كان كذلك كان الخوف على جهة الرجاء والخوف، وكان الرجاء كذلك؛ كقوله تعالى: {قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيّام الله} هذه: للذين لا يخافون أيام الله، وكذلك قوله: {ما لكم لا ترجون للّه وقارا}: لا تخافون لله عظمة. وهي لغة حجازية. وقال الراجز:
لا ترتجي حين تلاقي الذائدا * أسبعة لاقت معا أم واحدا
وقال الهدليّ:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها * وخالفها في بيت نوب عوامل
ولا يجوز: رجوتك وأنت تريد: خفتك، ولا خفتك وأنت تريد رجوتك). [معاني القرآن: 1/286]

قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه ما لا يرجون وكان اللّه عليماً حكيماً}
قال: {إن تكونوا تألمون} أي. تيجعون. تقول: "ألم" "يألم" "ألما"). [معاني القرآن: 1/211]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({تألمون}: توجعون. الألم الوجع). [غريب القرآن وتفسيره: 124]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تهنوا} لا تضعفوا. {في ابتغاء القوم} أي في طلبهم). [تفسير غريب القرآن: 135]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: (ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه ما لا يرجون وكان اللّه عليما حكيما (104)
هذا خطاب للمؤمنين، والقوم ههنا الكفار الذين هم حرب المؤمنين.
وتأويل: (لا تهنوا) في اللغة لا تضعفوا، يقال وهن الرجل يهن إذا ضعف فهو وهن. ومعنى (ابتغاء القوم): طلب القوم بالحرب.
وقوله: (إن تكونوا تألمون فإنّهم).
أي إن تكونوا توجعون فإنهم يجدون من الوجع بما ينالهم من الجراح والتعب كما تجدون، وأنتم مع ذلك (ترجون من الله ما لا يرجون).
أي أنتم ترجون النصر الذي وعدكم الله به، وإظهار دينكم على سائر أديان أهل الملل المخالفة لأهل الإسلام وترجون مع ذلك الجنة، وهم – أعني المشركين – لا يرجون الجنة لأنهم كانوا غير مقرين بالبعث فأنتم ترجون من الله ما لا يرجون.
قال بعض أهل التفسير: معنى " ترجون " ههنا تخافون، وأجمع أهل اللغة الموثوق بعلمهم: أن الرجاء ههنا على معنى الأمل لا على تصريح الخوف.
وقال بعضهم: الرجاء لا يكون بمعنى الخوف إلا مع الجحد.
قال الشاعر:
لا ترتجى حين تلاقي الذّائدا... أسبعة لاقت معا أم واحدا
معناه لا تخاف.
وكذلك قوله عزّ وجلّ: (ما لكم لا ترجون للّه وقارا (13).
أي لا تخافون للّه عظمة ولا عظة.
وإنما اشتمل الرجاء على معنى الخوف لأن الرجاء أمل قد يخاف ألّا يتمّ). [معاني القرآن: 2/100]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم} أي لا تضعفوا يقال وهن يهن وهنا ووهونا). [معاني القرآن: 2/184]

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز: {إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون} قال الضحاك أي تشكون وترجون من الله ما لا يرجون قال الضحاك أي في جراحاتكم يعني من الأجر وقال غيره ترجون من النصر والعافية ما لا يرجون وقيل ترجون تخافون). [معاني القرآن: 2/184]

قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَلاَ تَهِنُواْ} أي ولا تضعفوا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 64]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({يَأْلَمُونَ}: من الوجع). [العمدة في غريب القرآن: 115]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 27 ربيع الثاني 1434هـ/9-03-2013م, 11:54 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102) }
قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«السِّلاح» يؤنث ويذكر. وكان بعض بني دبير يقول: إنما سمي جدنا دبيرا؛ لأن السلاح أدبرته). [المذكور والمؤنث: 89]
قال أبو زيد سعيد بن أوس الأنصاري (ت:215هـ): (وقال برج بن مسهر الطائي جاهلي:

لقد أعجبتموني من جسوم = وأسلحة ولكن لا فؤادا
...
وقوله «أسلحة»: جمع سلاح). [النوادر في اللغة: 299-300]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واعلم أن هذه اللام مكسورةٌ إذا ابتدئت فإذا كان قبلها فاء أو واو فهي على حالها في الكسر. وقد يجوز إسكانها، وهو أكثر على الألسن. تقول: قم وليقم زيد {فلتقم طائفةٌ منهم معك} {ولتكن منكم أمةٌ}. وإنما جاز ذلك؛ لأن الواو والفاء لا ينفصلان، لأنه لا يتكلم بحرف واحد. فصارتا بمنزلة ما هو في الكلمة، فأسكنت اللام هرباً من الكسرة. كقولك في علم: علم، وفي فخذ: فخذ.

وأما قراءة من قرأ {ثم ليقطع فلينظر}. فإن الإسكان في لام فلينظر جيد وفي لام ليقطع لحنٌ؛ لأن ثم منفصلة من الكلمة. وقد قرأ بذلك يعقوب بن إسحاق الحضرمي). [المقتضب: 2/131-132]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104}
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والظن يكون بمعنى الشك والعلم، لأن المشكوك فيه قد يُعْلَم.
كما قيل راج للطمع في الشيء، وراج للخائف، لأن الرجاء يقتضي الخوف إذ لم يكن صاحبه منه على يقين، قال الله عز وجل: {وترجون من الله ما لا يرجون}، فقال الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: معناه: وتخافون من الله ما لا يخافون.
وقال الفراء: العرب لا تذهب بالرجاء مذهب
الخوف إلا مع الجحد، كقولهم: ما رجوت فلانا، أي ما خفته، قال الله عز وجل: {ما لكم لا ترجون لله وقارا}، فمعناه: لا تخافون لله عظمة.
وقال أبو ذؤيب:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها = وحالفها في بيت نوب عوامل
أراد: لم يخف لسعها
...
وقال الهاشمي عبيدة بن الحارث –قتل مع حمزة يوم أحد-:

لعمرك ما أرجو إذا مت مسلما = على أي جنب كان في الله مصرعي
معناه ما أخاف.
وأنشد يونس البصري:
إذا أهل الكرامة أكرموني = فلا أرجو الهوان من اللئام
وأنشد الفراء:
ما ترتجي حين تلاقي الذائدا = أسبعة لاقت معا أم واحدا
أراد ما تخاف.
قال أبو بكر: فكلام العرب في الرجاء على ما ذكر الفراء. وقال المفسرون خلاف ما روى الكلبي في المعنى الذي أبطل صحته الفراء: وترجون من ثواب الله وتطمعون من حسن العاقبة والظفر والغلبة لأعدائكم فيما لا يطمع أعداؤكم، ولا يؤملون مثله). [كتاب الأضداد: 9-10]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 08:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 08:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 08:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 08:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: وإذا كنت فيهم الآية قال جمهور الأمة: الآية خطاب للنبي عليه السلام، وهو يتناول الأمراء بعده إلى يوم القيامة، وقال أبو يوسف وإسماعيل بن علية: الآية خصوص للنبي صلى الله عليه وسلم، لأن الصلاة بإمامة النبي عليه السلام لا عوض منها، وغيره من الأمراء منه العوض، فيصلي الناس بإمامين، طائفة بعد طائفة، ولا يحتاج إلى غير ذلك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وكذلك جمهور العلماء على أن صلاة الخوف تصلى في الحضر إذا نزل الخوف، وقال قوم: لا صلاة خوف في حضر، وقاله في المذهب عبد الملك بن الماجشون، وقال الطبري: فأقمت لهم معناه: حدودها وهيئتها، ولم تقصر على ما أبيح قبل في حال المسايفة، وقوله فلتقم طائفةٌ منهم معك، أمر بالانقسام، أي وسائرهم وجاه العدو حذرا وتوقع حملته، وأعظم الروايات والأحاديث على أن صلاة الخوف إنما نزلت الرخصة فيها في غزوة ذات الرقاع، وهي غزوة محارب وخصفة، وفي بعض الروايات: أنها نزلت في ناحية عسفان وضجنان، والعدو: خيل قريش، عليها خالد بن الوليد، واختلف من المأمور بأخذ الأسلحة هنا؟ فقيل الطائفة المصلية، وقيل: بل الحارسة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولفظ الآية يتناول الكل، ولكن سلاح المصلين ما خف، واختلفت الآثار في هيئة صلاة النبي عليه السلام بأصحابه صلاة الخوف، وبحسب ذلك اختلف الفقهاء، فروى يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة أنه صلّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف يوم ذات الرقاع، فصفت طائفة معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائما وأتموا ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم، وروى القاسم بن محمد عن صالح بن خوات عن سهل هذا الحديث بعينه، إلا أنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم حين صلّى بالطائفة الأخيرة ركعة، سلم، ثم قضت هي بعد سلامه، وبهذا الحديث أخذ مالك رحمه الله في صلاة الخوف، كان أولا يميل إلى رواية يزيد بن رومان، ثم رجع إلى رواية القاسم بن محمد بن أبي بكر، وروى مجاهد وغيره عن ابن عياش الزرقي واسمه زيد بن الصامت على خلاف فيه: أن النبي عليه السلام صلّى صلاة الخوف بعسفان والعدو في قبلته، قال: فصلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر، فقال المشركون: لقد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم، فقالوا: تأتي الآن عليهم صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم، قال: فنزل جبريل بين الظهر والعصر بهذه الآيات، وأخبره خبرهم، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصف العسكر خلفه صفين، ثم كبر فكبروا جميعا، ثم ركع فركعنا جميعا، ثم رفع فرفعنا جميعا، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالصف الذي يليه والآخرون قيام يحرسونهم، فلما سجدوا وقاموا سجد الآخرون في مكانهم، ثم تقدموا إلى مصاف المتقدمين وتأخر المتقدمون إلى مصاف المتأخرين، ثم ركع فركعوا جميعا، ثم رفع فرفعوا جميعا، ثم سجد النبي فسجد الصف الذي يليه، فلما رفع سجد الآخرون، ثم سلم فسلموا جميعا، ثم انصرفوا، قال عبد الرزاق بن همام في مصنفه: وروى الثوري عن هشام مثل هذا، إلا أنه قال: ينكص الصف المقدم القهقرى حين يرفعون رؤوسهم من السجود، ويتقدم الآخرون فيسجدون في مصاف الأولين، قال عبد الرزاق عن معمر عن خلاد بن عبد الرحمن عن مجاهد قال: لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف إلا مرتين، مرة بذات الرقاع من أرض بني سليم، ومرة بعسفان والمشركون بضجنان بينهم وبين القبلة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وظاهر اختلاف الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي أنه صلى صلاة الخوف في غير هذين الموطنين، وذكر ابن عباس أنه كان في غزوة ذي قرد صلاة خوف، وروى عبد الله بن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو، وجاء أولئك فصلى بهم النبي عليه السلام ركعة، ثم سلم، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة في حين واحد، وبهذه الصفة في صلاة الخوف أخذ أشهب رحمه الله، ومشى على الأصل في أن لا يقضي أحد قبل زوال حكم الإمام، فكذلك لا يبني، ذكر هذا عن أشهب جماعة منهم ابن عبد البر وابن يونس وغيرهما، وحكى اللخمي عنه: أن مذهبه أن يصلي الإمام بطائفة ركعة ثم ينصرفون تجاه العدو، وتأتي الأخرى فيصلي بهم ركعة ثم يسلم وتقوم التي معه تقضي، فإذا فرغوا منه صاروا تجاه العدو، وقضت الأخرى. وهذه سنة رويت عن ابن مسعود، ورجح ابن عبد البر القول بما روي عن ابن عمر، وروي أن سهل بن أبي حثمة قد روي عنه مثل ما روي عن ابن عمر سواء، وروى حذيفة حين حكى صلاة النبي عليه السلام في الخوف: أنه صلى بكل طائفة ركعة، ولم يقض أحد من الطائفتين شيئا زائدا على ركعة، وذكر ابن عبد البر وغيره عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بكل طائفة ركعتين، فكانت لرسول الله أربع، ولكل رجل ركعتان، وبهذه كان يفتي الحسن بن أبي الحسن، وهو قول يجيزه كل من أجاز اختلاف نية الإمام والمأموم في الصلاة، وقال أصحاب الرأي: إذا كانت صلاة المغرب افتتح الإمام الصلاة ومعه طائفة، وطائفة بإزاء العدو، فيصلي بالتي معه ركعتين، ثم يصيرون إلى إزاء العدو، وتأتي الأخرى فيدخلون مع الإمام، فيصلي بهم ركعة ثم يسلم وحده، ثم يقومون إلى إزاء العدو، وتأتي الطائفة التي صلت مع الإمام ركعتين إلى مقامهم الأول في الصلاة، فيقضون ركعة وسجدتين وحدانا ويسلمون، ثم يجيئون إلى إزاء العدو، وتنصرف الطائفة الأخرى إلى مقام الصلاة، فيقضون ركعتين بقراءة وحدانا ويسلمون، وكملت صلاتهم.
قال القاضي أبو محمد- رحمه الله-: وهذا طرد قول أصحاب الرأي في سائر الصلوات، سأل مروان بن الحكم أبا هريرة، هل صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ قال أبو هريرة:
نعم، قال مروان: متى؟ قال أبو هريرة: عام غزوة نجد: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة العصر فقامت معه طائفة، وطائفة أخرى مقابل العدو وظهورهم إلى القبلة، فكبر رسول الله وكبروا جميعا الذين معه والذين بإزاء العدو ثم ركع رسول الله وركع معه الذين معه وسجدوا كذلك ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت الطائفة التي كانت معه إلى إزاء العدو وأقبلت الطائفة التي كانت بإزاء العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله قائم كما هو ثم قاموا فركع رسول الله ركعة أخرى وركعوا معه وسجد فسجدوا معه ثم أقبلت الطائفة التي كانت بإزاء العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله قاعد ثم كان السلام فسلم رسول الله وسلموا جميعا. وأسند أبو داود في مصنفه عن عائشة رضي الله عنها صفة في صلاة النبي صلاة الخوف تقرب مما روي عن أبي هريرة وتخالفها في أشياء إلا أنها صفة صلاة الخوف من لدن قول أبي يوسف وابن علية أحد عشر قولا منع صلاة الخوف لكونها خاصة النبي صلى الله عليه وسلم وعشر صفات على القول الشهير فإنها باقية للأمراء.
قوله تعالى: فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفةٌ أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ودّ الّذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلةً واحدةً ولا جناح عليكم إن كان بكم أذىً من مطرٍ أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إنّ اللّه أعدّ للكافرين عذاباً مهيناً (102)
الضمير في سجدوا للطائفة المصلية والمعنى: فإذا سجدوا معك الركعة الأولى فلينصرفوا، هذا على بعض الهيئات المروية والمعنى: فإذا سجدوا ركعة القضاء وهذا على هيئة سهل بن أبي حثمة، والضمير في قوله: فليكونوا يحتمل أن يكون للذين سجدوا ويحتمل أن يكون للطائفة القائمة أولا بإزاء العدو ويجيء الكلام وصاة في حال الحذر والحرب، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق «فلتقم» بكسر اللام، وقرأ الجمهور ولتأت طائفةٌ بالتاء، وقرأ أبو حيوة «وليأت» بالياء،
وقوله تعالى: ودّ الّذين كفروا الآية إخبار عن معتقد القوم وتحذير من الغفلة، لئلا ينال العدو أمله. وأسلحة جمع سلاح، وفي قوله تعالى: ميلةً واحدةً بناء مبالغة أي مستأصلة لا يحتاج معها إلى ثانية، وقوله تعالى: ولا جناح عليكم الآية ترخيص، قال ابن عباس: نزلت بسبب عبد الرحمن بن عوف، كان مريضا فوضع سلاحه فعنفه بعض الناس.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: كأنهم تلقوا الأمر بأخذ السلاح على الوجوب، فرخص الله تعالى في هاتين الحالتين، وينقاس عليهما كل عذر يحدث في ذلك الوقت، ثم قوى الله تعالى نفوس المؤمنين بقوله إنّ اللّه أعدّ للكافرين عذاباً مهيناً). [المحرر الوجيز: 3/9-14]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: فإذا قضيتم الصّلاة فاذكروا اللّه قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصّلاة إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً (103) ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه ما لا يرجون وكان اللّه عليماً حكيماً (104)
ذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الذكر المأمور به إنما هو إثر صلاة الخوف، على حد ما أمروا عند قضاء المناسك بذكر الله، فهو ذكر باللسان، وذهب قوم إلى أن قضيتم بمعنى فعلتم، أي إذا تلبستم بالصلاة فلتكن على هذه الهيئات بحسب الضرورات: المرض، وغيره، وبحسب هذه الآية رتب ابن المواز صلاة المريض فقال: يصلي قاعدا فإن لم يطق فعلى جنبه الأيمن، فإن لم يطق فعلى الأيسر، فإن لم يطق فعلى الظهر، ومذهب مالك في المدونة التخيير، لأنه قال: فعلى جنبه أو على ظهره، وحكى ابن حبيب عن ابن القاسم أنه قال: يبتدئ بالظهر ثم بالجنب، قال ابن حبيب: وهو وهم، قال اللخمي: وليس بوهم، بل هو أحكم في استقبال القبلة، وقال سحنون: يصلي على جنبه الأيمن كما يجعل في قبره، فإن لم يقدر فعلى ظهره، و «الطمأنينة» في الآية: سكون النفس من الخوف، وقال بعض المتأولين: المعنى: فإذا رجعتم من سفركم إلى الحضر فأقيموها تامة أربعا، وقوله تعالى: كتاباً موقوتاً معناه: منجما في أوقات، هذا ظاهر اللفظ، وروي عن ابن عباس: أن المعنى فرضا مفروضا، فهما لفظان بمعنى واحد كرر مبالغة). [المحرر الوجيز: 3/14-15]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ولا تهنوا في ابتغاء القوم يبين أن القضاء المشار إليه قبل، إنما هو قضاء صلاة الخوف، وتهنوا معناه تلينوا وتضعفوا، حبل واهن أي ضعيف، ومنه: وهن العظم [مريم: 4]، وابتغاء القوم: طلبهم، وقرأ عبد الرحمن الأعرج «أن تكونوا» بفتح الألف، وقرأ يحيى بن وثاب ومنصور بن المعتمر «تيلمون» في الثلاثة وهي لغة، وهذا تشجيع لنفوس المؤمنين، وتحقير لأمر الكفرة، ومن نحو هذا المعنى قول الشاعر [الشداخ بن يعمر الكناني]: [المنسرح]
القوم أمثالكم لهم شعر = في الرّأس لا ينشرون إن قتلوا
ثم تأكد التشجيع بقوله تعالى: وترجون من اللّه ما لا يرجون وهذا برهان بيّن، ينبغي بحسبه أن تقوى نفوس المؤمنين، وباقي الآية بيّن). [المحرر الوجيز: 3/15]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 08:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 15 جمادى الآخرة 1435هـ/15-04-2014م, 08:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (102) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة فلتقم طائفةٌ منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفةٌ أخرى لم يصلّوا فليصلّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ودّ الّذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلةً واحدةً ولا جناح عليكم إن كان بكم أذًى من مطرٍ أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم إنّ اللّه أعدّ للكافرين عذابًا مهينًا (102)}
صلاة الخوف أنواعٌ كثيرةٌ، فإنّ العدوّ تارةً يكون تجاه القبلة، وتارةً يكون في غير صوبها، والصّلاة تارةً تكون رباعيّةً، وتارةً ثلاثيّةً كالمغرب، وتارةً ثنائيّةً، كالصّبح وصلاة السّفر، ثمّ تارةً يصلّون جماعةً، وتارةً يلتحم الحرب فلا يقدرون على الجماعة، بل يصلّون فرادى مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، ورجالًا وركبانا، ولهم أن يمشوا والحالة هذه ويضربوا الضّرب المتتابع في متن الصّلاة.
ومن العلماء من قال: يصلّون والحالة هذه ركعةً واحدةً؛ لحديث ابن عبّاسٍ المتقدّم، وبه قال أحمد بن حنبلٍ. قال المنذريّ في الحواشي: وبه قال عطاءٌ، وجابرٌ، والحسن، ومجاهدٌ، والحكم، وقتادة، وحمّادٌ. وإليه ذهب طاوسٌ والضّحّاك.
وقد حكى أبو عاصمٍ العبّادي عن محمّد بن نصرٍ المروزيّ؛ أنّه يرى ردّ الصّبح إلى ركعةٍ في الخوف وإليه ذهب ابن حزم أيضًا.
وقال إسحاق بن راهويه: أمّا عند المسايفة فيجزيك ركعةٌ واحدةٌ، تومئ بها إيماءً، فإن لم تقدر فسجدةٌ واحدةٌ؛ لأنّها ذكر اللّه.
وقال آخرون: تكفي تكبيرةٌ واحدةٌ. فلعلّه أراد ركعةً واحدةً، كما قاله أحمد بن حنبلٍ وأصحابه، ولكن الّذين حكوه إنّما حكوه على ظاهره في الاجتزاء بتكبيرة واحدة، كما هو مذهب إسحاق بن راهويه، وإليه ذهب الأمير عبد الوهّاب بن بخت المكّيّ، حتّى قال: فإن لم يقدر على التّكبيرة فلا يتركها في نفسه، يعني بالنّيّة، رواه سعيد بن منصورٍ في سننه عن إسماعيل بن عيّاش، عن شعيب بن دينارٍ، عنه، فاللّه أعلم.
ومن العلماء من أباح تأخير الصّلاة لعذر القتال والمناجزة، كما أخّر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الأحزاب صلاة العصر، قيل: والظّهر، فصلّاهما بعد الغروب، ثمّ صلّى بعدهما المغرب ثمّ العشاء. وكما قال بعدها -يوم بني قريظة، حين جهّز إليهم الجيش -: "لا يصلّينّ أحدٌ منكم العصر إلّا في بني قريظة"، فأدركتهم الصّلاة في أثناء الطّريق، فقال منهم قائلون: لم يرد منّا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ألا تعجيل المسير، ولم يرد منّا تأخير الصّلاة عن وقتها، فصلّوا الصّلاة لوقتها في الطّريق. وأخّر آخرون منهم العصر، فصلّوها في بني قريظة بعد الغروب، ولم يعنّف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أحدًا من الفريقين وقد تكلّمنا على هذا في كتاب السّيرة، وبيّنا أنّ الّذين صلّوا العصر لوقتها أقرب إلى إصابة الحقّ في نفس الأمر، وإن كان الآخرون معذورين أيضًا، والحجّة هاهنا في عذرهم في تأخير الصّلاة لأجل الجهاد والمبادرة إلى حصار النّاكثين للعهد من الطّائفة الملعونة اليهود. وأمّا الجمهور فقالوا: هذا كلّه منسوخٌ بصلاة الخوف، فإنّها لم تكن نزلت بعد، فلمّا نزلت نسخ تأخير الصّلاة لذلك، وهذا بيّنٌ في حديث أبي سعيدٍ الخدريّ، الّذي رواه الشّافعيّ وأهل السّنن، ولكن يشكل على هذا ما حكاه البخاريّ رحمه اللّه، في صحيحه، حيث قال:
"باب الصّلاة عند مناهضة الحصون ولقاء العدوّ": قال الأوزاعيّ: إن كان تهيّأ الفتح ولم يقدروا على الصّلاة، صلّوا إيماءً، كلّ امرئٍ لنفسه، فإن لم يقدروا على الإيماء أخّروا الصّلاة حتّى ينكشف القتال، أو يأمنوا فيصلّوا ركعتين. فإن لم يقدروا صلّوا ركعةً وسجدتين، فإن لم يقدروا لا يجزئهم التّكبير، ويؤخّرونها حتّى يأمنوا. وبه قال مكحولٌ، وقال أنس بن مالكٍ: حضرت مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر، واشتدّ اشتعال القتال، فلم يقدروا على الصّلاة، فلم نصلّ إلّا بعد ارتفاع النّهار، فصلّيناها ونحن مع أبي موسى، ففتح لنا، قال أنسٌ: وما يسرّني بتلك الصّلاة الدّنيا وما فيها.
انتهى ما ذكره، ثمّ أتبعه بحديث تأخير الصّلاة يوم الأحزاب، ثمّ بحديث أمره إيّاهم ألّا يصلّوا العصر إلّا في بني قريظة، وكأنّه كالمختار لذلك، واللّه أعلم.
ولمن جنح إلى ذلك له أن يحتجّ بصنيع أبي موسى وأصحابه يوم فتح تستر فإنّه يشتهر غالبًا، ولكن كان ذلك في إمارة عمر بن الخطّاب، ولم ينقل أنّه أنكر عليهم، ولا أحدٌ من الصّحابة، واللّه أعلم.
[و] قال هؤلاء: وقد كانت صلاة الخوف مشروعةً في الخندق؛ لأنّ ذات الرّقاع كانت قبل الخندق في قول جمهور علماء السّير والمغازي. وممّن نصّ على ذلك محمّد بن إسحاق، وموسى بن عقبة، والواقديّ، ومحمّد بن سعدٍ كاتبه، وخليفة بن خيّاط وغيرهم وقال البخاريّ وغيره: كانت ذات الرّقاع بعد الخندق، لحديث أبي موسى وما قدم إلّا في خيبر، واللّه أعلم. والعجب -كل العجب - أنّ المزني، وأبا يوسف القاضي، وإبراهيم بن إسماعيل بن عليّة ذهبوا إلى أنّ صلاة الخوف منسوخةٌ بتأخيره، عليه السّلام، الصّلاة يوم الخندق. وهذا غريبٌ جدًّا، وقد ثبتت الأحاديث بعد الخندق بصلاة الخوف، وحمل تأخير الصّلاة يومئذٍ على ما قاله مكحولٌ والأوزاعيّ أقوى وأقرب، واللّه أعلم.
فقوله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة} أي: إذا صلّيت بهم إمامًا في صلاة الخوف، وهذه حالةٌ غير الأولى، فإنّ تلك قصرها إلى ركعةٍ، كما دلّ عليه الحديث، فرادى ورجالًا وركبانا، مستقبلي القبلة وغير مستقبليها، ثمّ ذكر حال الاجتماع والائتمام بإمامٍ واحدٍ. وما أحسن ما استدلّ به من ذهب إلى وجوب الجماعة من هذه الآية الكريمة، حيث اغتفرت أفعالٌ كثيرةٌ لأجل الجماعة، فلولا أنّها واجبةٌ لما ساغ ذلك، وأمّا من استدلّ بهذه الآية على أنّ صلاة الخوف منسوخةٌ بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لقوله: {وإذا كنت فيهم} فبعده تفوت هذه الصّفة، فإنّه استدلالٌ ضعيفٌ، ويردّ عليه مثل قول مانعي الزّكاة، الّذين احتجّوا بقوله: {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها وصلّ عليهم إنّ صلاتك سكنٌ لهم} [التّوبة: 103] قالوا: فنحن لا ندفع زكاتنا بعده صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أحدٍ، بل نخرجها نحن بأيدينا على من نراه، ولا ندفعها إلى من صلاته، أي: دعاؤه، سكنٌ لنا، ومع هذا ردّ عليهم الصّحابة وأبوا عليهم هذا الاستدلال، وأجبروهم على أداء الزّكاة، وقاتلوا من منعها منهم.
ولنذكر سبب نزول هذه الآية الكريمة أوّلًا قبل ذكر صفتها:
قال ابن جريرٍ: حدّثني المثنّى، حدّثنا إسحاق، حدّثنا عبد اللّه بن هاشمٍ، أنبأنا سيفٌ عن أبي روق، عن أبي أيّوب، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: سأل قومٌ من بني النّجّار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: يا رسول اللّه، إنّا نضرب في الأرض، فكيف نصلّي؟ فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناحٌ أن تقصروا من الصّلاة} ثمّ انقطع الوحيّ، فلمّا كان بعد ذلك بحولٍ غزا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فصلّى الظّهر، فقال المشركون: لقد أمكنكم محمّدٌ وأصحابه من ظهورهم، هلّا شددتم عليهم؟ فقال قائلٌ منهم: إنّ لهم أخرى مثلها في إثرها. قال: فأنزل اللّه عزّ وجلّ بين الصّلاتين: {إن خفتم أن يفتنكم الّذين كفروا [إنّ الكافرين كانوا لكم عدوًّا مبينًا. وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة فلتقم طائفةٌ منهم معك} إلى قوله: {أعدّ للكافرين عذابًا مهينًا}] فنزلت صلاة الخوف.
وهذا سياقٌ غريبٌ جدًّا ولكن لبعضه شاهدٌ من رواية أبي عيّاشٍ الزّرقي، واسمه زيد بن الصّامت، رضي اللّه عنه، قال الإمام أحمد:
حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا الثّوريّ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن أبي عيّاشٍ قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعسفان، فاستقبلنا المشركون، عليهم خالد بن الوليد، وهم بيننا وبين القبلة، فصلّى بنا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الظّهر، فقالوا: لقد كانوا على حالٍ لو أصبنا غرّتهم. ثمّ قالوا: تأتي عليهم الآن صلاةٌ هي أحبّ إليهم من أبنائهم وأنفسهم. قال: فنزل جبريل بهذه الآيات بين الظّهر والعصر: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة} قال: فحضرت، فأمرهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فأخذوا السّلاح، [قال] فصفنا خلفه صفّين، قال: ثمّ ركع فركعنا جميعًا، ثمّ رفع فرفعنا جميعًا، ثمّ سجد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالصّفّ الّذي يليه والآخرون قيامٌ يحرسونهم، فلمّا سجدوا وقاموا جلس الآخرون فسجدوا في مكانهم ثمّ تقدّم هؤلاء إلى مصافّ هؤلاء، وجاء هؤلاء إلى مصافّ هؤلاء، ثمّ ركع فركعوا جميعًا، ثمّ رفع فرفعوا جميعًا، ثمّ سجد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم والصّفّ الّذي يليه، والآخرون قيامٌ يحرسونهم، فلمّا جلسوا جلس الآخرون فسجدوا، ثمّ سلّم عليهم، ثمّ انصرف. قال: فصلّاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مرّتين: مرّةً بعسفان، ومرّةً بأرض بني سليمٍ.
ثمّ رواه أحمد، عن غندر، عن شعبة، عن منصورٍ، به نحوه. وهكذا رواه أبو داود، عن سعيد بن منصورٍ، عن جرير بن عبد الحميد، والنّسائيّ من حديث شعبة وعبد العزيز بن عبد الصّمد، كلّهم عن منصورٍ، به.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وله شواهد كثيرةٌ، فمن ذلك ما رواه البخاريّ حيث قال: حدّثنا حيوة بن شريح، حدّثنا محمّد بن حربٍ، عن الزّبيدي، عن الزّهري، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، عن ابن عبّاسٍ قال: قام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقام النّاس معه، فكبّر وكبروا معه، وركع وركع ناسٌ منهم، ثمّ سجد وسجدوا معه، ثمّ قام الثّانية فقام الّذين سجدوا، وحرسوا إخوانهم، وأتت الطّائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه، والنّاس كلّهم في الصّلاة، ولكن يحرس بعضهم بعضًا.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن بشّارٍ، حدّثنا معاذ بن هشامٍ، حدّثني أبي، عن قتادة، عن سليمان اليشكري: أنّه سأل جابر بن عبد اللّه عن إقصار الصّلاة: أيّ يومٍ أنزل؟ أو: أيّ يومٍ هو؟ فقال جابرٌ: انطلقنا نتلقى عير قريشٍ آتيةً من الشّام، حتّى إذا كنّا بنخلٍ، جاء رجلٌ من القوم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا محمّد. قال: "نعم"، قال: هل تخافني؟ قال: "لا". قال: فما يمنعك منّي؟ قال: "اللّه يمنعني منك". قال: فسلّ السّيف ثمّ تهدّده وأوعده، ثمّ نادى بالتّرحّل وأخذ السّلاح، ثمّ نودي بالصّلاة، فصلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بطائفةٍ من القوم وطائفةٌ أخرى تحرسهم. فصلّى بالّذين يلونه ركعتين، ثمّ تأخّر الّذين يلونه على أعقابهم فقاموا في مصافّ أصحابهم، ثمّ جاء الآخرون فصلّى بهم ركعتين والآخرون يحرسونهم، ثمّ سلّم. فكانت للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أربع ركعاتٍ، والقوم ركعتين ركعتين، فيومئذٍ أنزل اللّه في إقصار الصّلاة وأمر المؤمنين بأخذ السّلاح.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا سريج حدّثنا أبو عوانة، عن أبي بشرٍ، عن سليمان بن قيسٍ اليشكري، عن جابر بن عبد اللّه قال: قاتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم محارب خصفة فجاء رجلٌ منهم يقال له: "غورث بن الحارث" حتّى قام على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسّيف فقال: من يمنعك منّي؟ قال: "اللّه"، فسقط السّيف من يده، فأخذه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "ومن يمنعك منّي"؟ قال: كن خير آخذٍ. قال: "أتشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّي رسول اللّه؟ " قال: لا ولكنّي أعاهدك ألّا أقاتلك ولا أكون مع قومٍ يقاتلونك. فخلّى سبيله، فأتى قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس. فلما حضرت الصلاة صلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة الخوف، فكان الناس طائفتين: طائفة بإزاء العدو، وطائفةٌ صلّوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فصلّى بالطّائفة الّذين معه ركعتين، وانصرفوا، فكانوا بمكان أولئك الّذين بإزاء عدوّهم. وانصرف الّذين بإزاء عدوّهم فصّلوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ركعتين، فكان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أربع ركعاتٍ، وللقوم ركعتين ركعتين.
تفرّد به من هذا الوجه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنان، حدّثنا أبو قطن عمرو بن الهيثم، حدّثنا المسعوديّ، عن يزيد الفقير قال: سألت جابر بن عبد اللّه عن الرّكعتين في السّفر: أقصرهما؟ قال: الرّكعتان في السّفر تمامٌ، إنّما القصر واحدةٌ عند القتال، بينما نحن مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قتالٍ إذ أقيمت الصّلاة، فقام رسول اللّه صلّى فصفّ طائفةً، وطائفةٌ وجهها قبل العدوّ، فصلّى بهم ركعةً وسجد بهم سجدتين، ثمّ الّذين خلّفوا انطلقوا إلى أولئك فقاموا مقامهم ومكانهم نحو ذا، وجاء أولئك فقاموا خلف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فصلّى بهم ركعةً وسجد بهم سجدتين، ثمّ إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جلس وسلّم، وسلّم الّذين خلفه، وسلّم أولئك، فكانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ركعتين، وللقوم ركعةً ركعةً، ثمّ قرأ: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة}.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن يزيد الفقير، عن جابر بن عبد اللّه؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صلّى بهم صلاة الخوف، فقام صفٌّ بين يديه، وصفٌّ خلفه، فصلّى بالّذي خلفه ركعةً وسجدتين، ثمّ تقدّم هؤلاء حتّى قاموا في مقام أصحابهم، وجاء أولئك حتّى قاموا مقام هؤلاء، فصلّى بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ركعةً وسجدتين، ثمّ سلّم. فكانت للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ركعتين ولهم ركعةٌ.
ورواه النّسائيّ من حديث شعبة، ولهذا الحديث طرقٌ عن جابرٍ وهو في صحيح مسلمٍ من وجهٍ آخر بلفظٍ آخر وقد رواه عن جابرٍ جماعةٌ كثيرون في الصّحيح والسّنن والمساند.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا نعيم بن حمّاد، حدّثنا عبد اللّه بن المبارك، أنبأنا معمر، عن الزّهريّ، عن سالمٍ، عن أبيه قال: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة} قال: هي صلاة الخوف، صلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بإحدى الطّائفتين ركعةً، والطّائفة الأخرى مقبلةٌ على العدوّ، وأقبلت الطّائفة الأخرى الّتي كانت مقبلةً على العدوّ فصلّى بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ركعةً أخرى، ثمّ سلّم بهم، ثمّ قامت كلّ طائفةٍ منهم فصلت ركعةً ركعةً. وقد روى هذا الحديث الجماعة في كتبهم من طريق معمرٍ، به ولهذا الحديث طرقٌ كثيرةٌ عن جماعةٍ من الصّحابة، وقد أجاد الحافظ أبو بكر بن مردويه في سرد طرقه وألفاظه، وكذا ابن جريرٍ، ولنحرّره في كتاب "الأحكام الكبير" إن شاء اللّه، وبه الثقة.
وأمّا الأمر بحمل السّلاح في صلاة الخوف، فمحمولٌ عند طائفةٍ من العلماء على الوجوب لظاهر الآية، وهو أحد قولي الشّافعيّ ويدلّ عليه قوله: {ولا جناح عليكم إن كان بكم أذًى من مطرٍ أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم وخذوا حذركم} أي: بحيث تكونون على أهبةٍ إذا احتجتم إليها لبستموها بلا كلفةٍ: {إنّ اللّه أعدّ للكافرين عذابًا مهينًا} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/398-403]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فإذا قضيتم الصّلاة فاذكروا اللّه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصّلاة إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا (103) ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه ما لا يرجون وكان اللّه عليمًا حكيمًا (104)}
يأمر اللّه تعالى بكثرة الذّكر عقيب صلاة الخوف، وإن كان مشروعًا مرغّبًا فيه أيضًا بعد غيرها، ولكنّ هاهنا آكد لما وقع فيها من التّخفيف في أركانها، ومن الرّخصة في الذّهاب فيها والإياب وغير ذلك، ممّا ليس يوجد في غيرها، كما قال تعالى في الأشهر الحرم: {فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم} [التّوبة: 36]، وإن كان هذا منهيًّا عنه في غيرها، ولكنّ فيها آكد لشدّة حرمتها وعظمها؛ ولهذا قال تعالى: {فإذا قضيتم الصّلاة فاذكروا اللّه قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم} أي في سائر أحوالكم.
ثمّ قال: {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصّلاة} أي: فإذا أمنتم وذهب الخوف، وحصلت الطّمأنينة {فأقيموا الصّلاة} أي: فأتمّوها وأقيموها كما أمرتم بحدودها، وخشوعها، وسجودها وركوعها، وجميع شئونها.
وقوله: {إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} قال ابن عبّاسٍ: أي مفروضًا. وكذا روي عن مجاهدٍ، وسالم بن عبد اللّه، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليٍّ، والحسن، ومقاتلٍ، والسّدّيّ، وعطيّة العوفيّ.
وقال عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة: {إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} قال ابن مسعودٍ: إنّ للصّلاة وقتًا كوقت الحجّ.
وقال زيد بن أسلم: {إنّ الصّلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا} قال: منجّمًا، كلّما مضى نجمٌ، جاءتهم يعني: كلّما مضى وقتٌ جاء وقتٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/403]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (104) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم} أي: لا تضعفوا في طلب عدّوّكم، بل جدّوا فيهم وقاتلوهم، واقعدوا لهم كلّ مرصدٍ: {إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون} أي: كما يصيبكم الجراح والقتل، كذلك يحصل لهم، كما قال {إن يمسسكم قرحٌ فقد مسّ القوم قرحٌ مثله} [آل عمران: 140].
ثمّ قال: {وترجون من اللّه ما لا يرجون} أي: أنتم وإيّاهم سواءٌ فيما يصيبكم وإيّاهم من الجراح والآلام، ولكن أنتم ترجون من اللّه المثوبة والنّصر والتّأييد، وهم لا يرجون شيئًا من ذلك، فأنتم أولى بالجهاد منهم، وأشدّ رغبةً في إقامة كلمة اللّه وإعلائها.
{وكان اللّه عليمًا حكيمًا} أي: هو أعلم وأحكم فيما يقدّره ويقضيه، وينفّذه ويمضيه، من أحكامه الكونيّة والشّرعيّة، وهو المحمود على كلّ حالٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/403-404]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:29 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة