تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا رجل، عن الحسن في قوله: {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها} [سورة النساء: 56]، قال: تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة). [الزهد لابن المبارك: 2/598]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارًا كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب إنّ اللّه كان عزيزًا حكيمًا}.
هذا وعيدٌ من اللّه جلّ ثناؤه للّذين أقاموا على تكذيبهم بما أنزل اللّه على محمّدٍ من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر الكفّار به ورسوله. يقول اللّه لهم: إنّ الّذين جحدوا ما أنزلت على رسولي محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من آياتي، يعني من آيات تنزيله ووحي كتابه، وهي دلاته وحججه على صدق محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فلم يصدّقوا به من يهود بني إسرائيل وغيرهم من سائر أهل الكفر به {سوف نصليهم نارًا} يقول: سوف ننضجهم في نارٍ يصلون فيها: أي يشوون فيها {كلّما نضجت جلودهم} يقول: كلّما انشوت بها جلودهم فاحترقت {بدّلناهم جلودًا غيرها} يعني: غير الجلود الّتي قد نضجت فانشوت. كما:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن ثويرٍ، عن ابن عمر: {كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها} قال: إذا احترقت جلودهم بدّلناهم جلودًا بيضًا أمثال القراطيس.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ الّذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارًا كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها} يقول: كلّما احترقت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {كلّما نضجت جلودهم} قال: سمعنا أنّه مكتوبٌ في الكتاب الأوّل أنّ جلد أحدهم أربعون ذراعًا، وسنّه سبعون ذراعًا، وبطنه لو وضع فيه جبلٌ لوسعه، فإذا أكلت النّار جلودهم بدّلوا جلودًا غيرها.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، قال: بلغني عن الحسن: {كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها} قال: ننضجهم في اليوم سبعين ألف مرّة.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثنا أبو عبيدة الحدّاد، عن هشام بن حسّان، عن الحسن قوله: {كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها} قال: تنضج النّار كلّ يومٍ سبعين ألف جلدٍ قال، وغلظ جلد الكافر أربعون ذراعًا، واللّه أعلم بأيّ ذراعٍ
وإن سألنا سائلٌ، فقال: وما معنى قوله جلّ ثناؤه: {كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها} وهل يجوز أن يبدّلوا جلودًا غير جلودهم الّتي كانت لهم في الدّنيا، فيعذّبوا فيها؟ فإن جاز ذلك عندك، فأجز أن يبدّلوا أجسامًا وأرواحًا غير أجسامهم وأرواحهم الّتي كانت لهم في الدّنيا فتعذّب. وإن أجزت ذلك لزمك أن يكون المعذّبون في الآخرة بالنّار غير الّذين أوعدهم اللّه العقاب على كفرهم به ومعصيتهم إيّاه، وأن يكون الكفّار قد ارتفع عنهم العذاب.
قيل: إنّ النّاس اختلفوا في معنى ذلك، فقال بعضهم: العذاب إنّما يصل إلى الأنسان الّذي هو غير الجلد واللّحم، وإنّما يحرق الجلد ليصل إلى الإنسان ألم العذاب، وأمّا الجلد واللّحم فلا يألمان. قالوا: فسواءٌ أعيد على الكافر جلده الّذي كان له في الدّنيا، أو جلد غيره، إذ كانت الجلود غير آلمةٍ ولا معذّبةٍ، وإنّما الألمة المعذّبة النّفس الّتي تحسّ الآلم، ويصل إليها الوجع. قالوا: وإذا كان ذلك كذلك، فغير مستحيلٍ أن يخلق لكلٍّ كافرٍ في النّار في كلّ لحظةٍ وساعةٍ من الجلود ما لا يحصى عدده، ويحرق ذلك عليه، ليصل إلى نفسه ألم العذاب، إذ كانت الجلود لا تألم.
وقال آخرون: بل الجلود تألم، واللّحم وسائر أجزاء جرام ابن آدم، وإذا أحرق جلده أو غيره من أجزاء جسده، وصل ألم ذلك إلى جميعه. قالوا: ومعنى قوله: {كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها} بدّلناهم جلودًا غير محترقةٍ، وذلك أنّها تعاد جديدةً، والأولى كانت قد احترقت فأعيدت غير محترقةٍ، فلذلك قيل غيرها، لأنّها غير الجلود الّتي كانت لهم في الدّنيا الّتي عصوا اللّه وهي لهم. قالوا: وذلك نظير قول العرب للصّائغ إذا استصاغته خاتمًا من خاتمٍ مصوغٍ، بتحويله عن صياغته الّتي هو بها إلى صياغةٍ أخرى: صغ لي من هذا الخاتم خاتمًا غيره. فيكسره ويصوغه له منه خاتمًا غيره والخاتم المصوغ بالصّياغة الثّانية هو الأوّل، ولكنّه لمّا أعيد بعد كسره خاتمًا قيل هو غيره. قالوا: فكذلك معنى قوله: {كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها} لمّا احترقت الجلود ثمّ أعيدت جديدةً بعد الاحتراق، قيل هي غيرها على ذلك المعنى.
وقال آخرون: معنى ذلك: {كلّما نضجت جلودهم} سرابيلهم، بدّلناهم سرابيل من قطران غيرها. فجعلت السّرابيل القطران لهم جلودًا، كما يقال للشّيء الخاصّ بالإنسان: هو جلدة ما بين عينيه ووجهه لخصوصه به. قالوا: فكذلك سرابيل القطران الّتي قال اللّه في كتابه: {سرابيلهم من قطرانٍ وتغشى وجوههم النّار} لمّا صارت لهم لباسًا لا تفارق أجسامهم جعلت لهم جلودًا، فقيل: كلّما اشتعل القطران في أجسامهم واحترق بدّلوا سرابيل من قطرانٍ آخر. قالوا: وأمّا جلود أهل الكفر من أهل النّار فإنّها لا تحرق، لأنّ في احتراقها إلى حال إعادتها فناءها، وفي فنائها راحتها. قالوا: وقد أخبرنا اللّه تعالى ذكره عنها أنّهم لا يموتون ولا يخفّف عنهم من عذابها. قالوا: وجلود الكفّار أحد أجزاء أجسامهم، ولو جاز أن يحترق منها شيءٌ فيفنى ثمّ يعاد بعد الفناء في النّار، جاز ذلك في جميع أجزائها، وإذا جاز ذلك وجب أن يكون جائزًا عليهم الفناء ثمّ الإعادة والموت ثمّ الإحياء، وقد أخبر اللّه عنهم أنّهم لا يموتون. قالوا: وفي خبره عنهم أنّهم لا يموتون دليلٌ واضحٌ أنّه لا يموت شيءٌ من أجزاء أجسامهم، والجلود أحد تلك الأجزاء.
وأمّا معنى قوله: {ليذوقوا العذاب} فإنّه يقول: فعلنا ذلك بهم ليجدوا ألم العذاب وكربه وشدّته بما كانوا في الدّنيا يكذّبون آيات اللّه ويجحدونها). [جامع البيان: 7/162-167]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه كان عزيزًا حكيمًا}
يقول: إنّ اللّه لم يزل عزيزًا في انتقامه ممّن انتقم منه من خلقه، لا يقدر على الامتناع منه أحدٌ أراده بضرٍّ، ولا الانتصار منه أحدٌ أحلّ به عقوبةً، حكيمًا في تدبيره وقضائه). [جامع البيان: 7/167]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ الّذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارًا كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب إنّ اللّه كان عزيزًا حكيمًا (56)
قوله تعالى: إنّ الّذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا ابن فضيلٍ، عن أبيه عن إسماعيل بن مسلمٍ، عن الحسن قوله: سوف قال: وعيدٌ.
قوله تعالى: كلّما نضجت جلودهم
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن ثويرٍ، عن ابن عمر في قوله: كلّما نضجت جلودهم قال: إذا احترقت جلودهم.
- ذكر عن هشام بن عمّارٍ ثنا سعيد بن يحيى يعني: سعدان ثنا نافعٌ مولى يوسف السّلميّ البصريّ، عن نافعٍ عن ابن عمر قال: قرأ رجلٌ عند عمر هذه الآية كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها
فقال عمر: أعدها عليّ، فأعادها عليه، فقال معاذ بن جبلٍ: عندي تفسيرها: تبدّل في ساعةٍ مائة مرّةٍ، فقال عمر:
هكذا سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن ثويرٍ، عن ابن عمر في قوله: كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها قال: إذا احترقت جلودهم بدّلوا جلوداً بيضاء أمثال القراطيس.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ قوله: كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها قال:
سمعنا أنّه مكتوبٌ في الكتاب الأوّل أنّ جلد أحدهم أربعين ذراعاً وسنّه تسعين ذراعاً، وبطنه لو وضع فيه جبلٌ لوسعه، فإذا أكلت النّار جلودهم بدّلوا جلوداً غيرها.
- حدّثنا أبي ثنا عليّ بن محمّدٍ الطّنافسيّ، ثنا حسين الجعفيّ عن زائدة، عن هشامٍ، عن الحسن، قوله: كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها قال:
تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرّةٍ، قال حسينٌ: وزاد فيه فضيل بن هشامٍ عن الحسن: كلّما أنضجتهم وأكلت لحومهم، قيل لهم: عودوا، فعادوا.
قوله تعالى: ليذوقوا العذاب
- حدّثنا زكريّا بن داود بن بكرٍ أبو يحيى الخفّاف النّيسابوريّ، ثنا يحيى بن يحيى، أنبأ عبد اللّه بن وهبٍ، عن عمر بن خالدٍ المعافريّ، عن يحيى بن يزيد الحضرميّ أنّه بلغه في قول اللّه تعالى كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب قال: يجعل للكافر مائة جلدٍ بين كلّ جلدين لونٌ من العذاب.
قوله تعالى: إنّ اللّه كان عزيزاً حكيماً
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ: يعني الرّازيّ-، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية عزيزاً حكيماً يقول: عزيزاً في نقمته إذا انتقم. وروي عن قتادة، والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق: العزيز في نصرته ممّن كفر إذا شاء). [تفسير القرآن العظيم: 3/982-983]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها} [النساء: 56]
- عن ابن عمر - رضي اللّه عنهما - قال: قرئ عند عمر «{كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم جلودًا غيرها} [النساء: 56] فقال عمر: أعدها، فأعادها، فقال معاذ بن جبلٍ: عندي تفسيرها: " يبدّل في كلّ ساعةٍ مائة مرّةٍ ". فقال عمر: هكذا سمعت من رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم».
رواه الطّبرانيّ في الأوسط، وفيه نافعٌ مولى يوسف السّلميّ، وهو متروكٌ). [مجمع الزوائد: 7/6]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق ثوبر عن ابن عمر في قوله {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها} قال: إذا احترقت جلودهم بدلناهم جلودا بيضاء أمثال القراطيس.
وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن أبي حاتم، وابن مردويه بسند ضعيف من طريق نافع عن ابن عمر قال: قرئ عند عمر {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب}
فقال معاذ: عندي تفسيرها تبدل في ساعة مائة مرة، فقال عمر: هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر قال: تلا رجل عند عمر {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها} فقال كعب عندي تفسير هذه الآية قرأتها قبل الإسلام، فقال: هاتها يا كعب فإن جئت بها كما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقناك، قال: إني قرأتها قبل الإسلام {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها} في الساعة الواحدة عشرين ومائة مرة، فقال عمر: هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: بلغني أنه يحرق أحدهم في اليوم سبعين ألف مرة {كلما نضجت} وأكلت لحومهم قيل لهم عودوا فعادوا
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في الآية قال: تأخذ النار فتأكل جلودهم حتى تكشطها عن اللحم حتى تفضي النار إلى العظام ويبدلون جلودا غيرها يذيقهم الله شديد العذاب فذلك دائم لهم أبدا بتكذيبهم رسول الله وكفرهم بآيات الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن يزيد الحضرمي أنه بلغه في قول الله {كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها} قال: يجعل للكافر مائة جلد بين كل جلدين لون من العذاب.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في الآية قال: سمعنا أنه مكتوب في الكتاب الأول: أن جلد أحدهم أربعون ذراعا وسنه سبعون ذراعا وبطنه لو وضع فيه جبل لوسعه فإذا أكلت النار جلودهم بدلوا جلودا غيرها.
وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة النار عن حذيفة بن اليمان قال: أسر إلي النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا حذيفة إن في جهنم لسباعا من نار وكلابا من نار وكلاليب من نار وسيوفا من نار وأنه تبعث ملائكة يعلقون أهل النار بتلك الكلاليب بأحناكهم ويقطعونهم بتلك السيوف عضوا عضوا ويلقونهم إلى تلك السباع والكلاب كلما قطعوا عضوا عاد مكانه غضا جديدا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح قال: قال أبو مسعود لأبي هريرة: أتدري كم غلظ جلد الكافر قال: لا، قال: غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي العالية قال: غلظ جلد الكافر أربعون ذراعا.
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن أهل النار يعظمون في النار حتى يصير أحدهم مسيرة كذا وكذا، وإن ضرس أحدهم لمثل أحد). [الدر المنثور: 4/491-494]
تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا ابن جريج، عن مجاهد في قوله: {فيها أزواجٌ مطهرةٌ}، قال: مطهرة من الحيض، والغائط، والبول، والمخاط، والنخام، والبصاق، والمني، والولد). [الزهد لابن المبارك: 2/558]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سندخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا لهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ وندخلهم ظلا ظليلا}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} والّذين آمنوا باللّه ورسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وصدّقوا بما أنزل اللّه على محمّدٍ مصدّقًا لما معهم من يهود بني إسرائيل وسائر الأمم غيرهم {وعملوا الصّالحات} يقول: وأدّوا ما أمرهم اللّه به من فرائضه، واجتنبوا ما حرّم اللّه عليهم من معاصيه، وذلك هو الصّالح من أعمالهم {سندخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار} يقول: سوف يدخلهم اللّه يوم القيامة جنّاتٍ، يعني: بساتين {تجري من تحتها الأنهار} يقول: تجري من تحت تلك الجنّات الأنهار. {خالدين فيها أبدًا} يقول: باقين فيها أبدًا بغير نهايةٍ ولا انقطاعٍ، دائمٌ ذلك لهم فيها أبدًا. {لهم فيها أزواجٌ} يقول: لهم في تلك الجنّات الّتي وصف صفتها {أزواجٌ مطهّرةٌ} يعني: بريئاتٌ من الأدناس والرّيب الحيض والغائط والبول والحبل والبصاق، وسائر ما يكون في نساء أهل الدّنيا.
وقد ذكرنا ما في ذلك من الآثار فيما مضى قبل، وأغنى ذلك عن إعادتها.
وأمّا قوله: {وندخلهم ظلًّا ظليلاً} فإنّه يقول: وندخلهم ظلًّا كنينًا، كما قال جلّ ثناؤه: {وظلٍّ ممدودٍ} [الواقعة] وكما:
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن، وحدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قالا جميعًا: حدّثنا شعبة قال: سمعت أبا الضّحّاك، يحدّث عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ في الجنّة لشجرةً يسير الرّاكب في ظلّها مائة عامٍ لا يقطعها، شجرة الخلد). [جامع البيان: 7/167-168]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سندخلهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا لهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ وندخلهم ظلًّا ظليلًا (57)
قوله تعالى: والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن إسماعيل بن أبي ضرارٍ، أنبأ إسماعيل بن أبي أويسٍ حدّثني عبد اللّه بن نافعٍ الصّائغ، عن عاصم بن عمر عن زيد بن أسلم، والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه.
قوله تعالى: سندخلهم جنّاتٌ
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن عبد اللّه قال: الجنّة سجسجٌ لا حرّ فيها ولا بردٌ.
قوله تعالى: جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن الأعمش، عن عبد اللّه بن مرّة، عن مسروقٍ قال: قال عبد اللّه: أنهار الجنّة تفجّر من جبل مسكٍ.
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله تجري من تحتها الأنهار يعني:
المساكن تجري أسفلها أنهارها.
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن مسعرٍ والمسعوديّ وسفيان، عن عمرو بن مرّة، عن أبي عبيدة، حدّثني مسروقٌ قال: أنهار الجنّة تجري في غير أخدودٍ، وثمرتها كالقلال، كلّما نزعت ثمرةٌ عادت مثلها أخرى، العنقود اثنا عشر ذراعاً.
قوله تعالى: خالدين فيها
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى خالدين فيها يعني: لا يموتون.
قوله تعالى: أبدًا
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق، حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ خالدين فيها أبدا قال: لا انقطاع.
قوله تعالى: لهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: لهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ يقول: مطهّرةٌ من القذر والأذى.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: أزواجٌ مطهّرةٌ قال: مطهرةٌ من الحيض والبول والنّخام والبزاق والمنيّ والولد. وروي عن عطاءٍ والحسن والضّحّاك، والنّخعيّ وأبي صالحٍ، وعطيّة والسّدّيّ نحو قول ابن عبّاسٍ.
- حدّثنا الحسن بن الصّبّاح، ثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، عن سعيدٍ وأبان، عن قتادة لهم فيها أزواجٌ مطهرةٌ قيل: مطهرةٌ من الأذى والمآثم.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا ابن نفيلٍ، ثنا خليدٌ، عن قتادة في قوله: لهم فيها أزواجٌ مطهّرةٌ قال: لا حيض ولا كلف.
قوله تعالى: وندخلهم ظلا ظليلا
- حدّثنا أبي ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع قال اللّه تعالى وندخلهم ظلا ظليلا وهو ظلّ العرش الّذي لا يزول). [تفسير القرآن العظيم: 3/983-985]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله {وندخلهم ظلا ظليلا} قال: هو ظل العرش الذي لا يزول). [الدر المنثور: 4/494]