العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة النساء

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الثاني 1434هـ/21-02-2013م, 11:20 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة النساء [ من الآية (31) إلى الآية (33) ]

تفسير سورة النساء
[ من الآية (31) إلى الآية (33) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا (31) وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 07:21 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا أفلح بن سعيد، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن، ما اجتنبت الكبائر».
قال محمد بن كعب: فهذا في القرآن: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلًا كريمًا} [سورة النساء: 31].
ثم قال محمد: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفًا من الليل} [سورة هود: 114] فطرفي النهار: الفجر، والظهر، والعصر، {وزلفًا من الليل}: المغرب والعشاء، {إن الحسنات يذهبن السيئات}: فهؤلاء الحسنات يذهبن السيئات هن الصلوات الخمس). [الزهد لابن المبارك: 2/535]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال عبد الله بن عياش: وقال زيد بن أسلم في قول الله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}، فمن الكبائر: الشرك، والكفر بآيات الله ورسله، والسحر، وقتل الأولاد، ومن دعا لله ولدا أو صاحبة، ومثل ذلك من الأعمال، والقول الذي لا يصلح معه عملٌ،
[الجامع في علوم القرآن: 1/58]
وأما كل ذنب يصلح معه دين ويقبل معه عملٌ فإن الله يعفو السيئات بالحسنات). [الجامع في علوم القرآن: 1/59]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني ابن لهيعة عن أبي عيسى الخراسانيّ عن أبي سعيدٍ الخراسانيّ أنّ عليًّا سأل ابن سلامٍ عن الكبائر، فأخبره ابن سلامٍ فأخطأ، فقال رسول اللّه: يا حبر، تسأل ابن سلامٍ وتتركني، قال: فإنّي أتوب إلى اللّه وأعوذ باللّه من غضب رسول اللّه، فقال رسول اللّه: الكبائر كلّ ذنبٍ أدخل صاحبه النّار). [الجامع في علوم القرآن: 2/39]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الحسن في قوله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وأكل الربا وقذف المحصنة وأكل مال اليتيم واليمين الفاجرة والفرار من الزحف). [تفسير عبد الرزاق: 1/154]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال قيل لابن عباس الكبائر سبع قال هي إلى السبعين أقرب). [تفسير عبد الرزاق: 1/155]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن أبي إسحاق عن وبرة عن عامر أبي الطفيل عن عبد الله بن مسعود قال أكبر الكبائر الإشراك بالله والأمن من مكر الله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله). [تفسير عبد الرزاق: 1/155]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن ابن نجيح عن مجاهد أن عمر بن الخطاب قال أنا فئة كل مسلم). [تفسير عبد الرزاق: 1/155]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة أن عبيد الثقفي استعمله عمر بن الخطاب على جيش فقتل في أرض فارس هو وجيشه فقال عمر لو انحاز إلي كنت لهم فئة
قال معمر بن قتادة إنهم كانوا يرون أن ذلك في يوم بدر ألا ترى أنه يقول ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا). [تفسير عبد الرزاق: 1/155]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن رجل عن ابن مسعود قال خمس آيات في سورة النساء لهن أحب إلي من الدنيا جميعها إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وقوله تعالى وإن تك حسنة يضعفها وقوله تعالى إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء وقوله تعالى ومن
[تفسير عبد الرزاق: 1/155]
يعمل سوآ أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما وقوله تعالى والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما). [تفسير عبد الرزاق: 1/156]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عفّان بن مسلمٍ، قال: حدّثنا سليمان بن كثيرٍ، قال: حدّثنا الجلد بن أيّوب، عن معاوية بن قرّة، قال: قال لي أنس بن مالكٍ: لم أر مثل الّذي بلغنا عن ربّنا لم نخرج له، عن كلّ أهلٍ ومالٍ أن تجاوز لنا عمّا دون الكبائر فما لنا ولها، قول اللّه: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلاً كريمًا}). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 236]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى الصّنعانيّ، قال: حدّثنا خالد بن الحارث، عن شعبة، قال: حدّثنا عبيد الله بن أبي بكر بن أنسٍ، عن أنسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الكبائر قال: الشّرك باللّه، وعقوق الوالدين، وقتل النّفس، وقول الزّور.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ ورواه روح بن عبادة، عن شعبة، وقال: عن عبد الله بن أبي بكرٍ، ولا يصحّ). [سنن الترمذي: 5/85]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا الجريريّ، عن عبد الرّحمن بن أبي بكرة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: ألا أحدّثكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك باللّه، وعقوق الوالدين قال: وجلس وكان متّكئًا قال: وشهادة الزّور، أو قول الزّور، قال: فما زال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقولها حتّى قلنا ليته سكت.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/85]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا يونس بن محمّدٍ، قال: حدّثنا اللّيث بن سعدٍ، عن هشام بن سعدٍ، عن محمّد بن زيد بن مهاجر بن قنفذٍ التّيميّ، عن أبي أمامة الأنصاريّ، عن عبد الله بن أنيسٍ الجهنيّ، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ من أكبر الكبائر الشّرك باللّه، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، وما حلف حالفٌ باللّه يمين صبرٍ، فأدخل فيها مثل جناح بعوضةٍ إلاّ جعلت نكتةً في قلبه إلى يوم القيامة.
وأبو أمامة الأنصاريّ هو: ابن ثعلبة، ولا نعرف اسمه، وقد روى عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أحاديث. وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ). [سنن الترمذي: 5/86]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن فراسٍ، عن الشّعبيّ، عن عبد الله بن عمرٍو، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: الكبائر: الإشراك باللّه، وعقوق الوالدين أو قال: اليمين الغموس شكّ شعبة.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/86]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} قال: الموجبات). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 83]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه}
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا النّضر، حدّثنا شعبة، عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنسٍ، قال: سمعت أنسًا، يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الكبائر: الشّرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النّفس، وقول الزّور "
[السنن الكبرى للنسائي: 10/62]
- أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا بقيّة، حدّثنا بحير بن سعدٍ، عن خالد بن معدان: أنّ أبا رهمٍ السّمعيّ، حدّثه: أنّ أبا أيّوب الأنصاريّ حدّثه، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " من جاء يعبد الله ولا يشرك به شيئًا، ويقيم الصّلاة، ويؤتي الزّكاة، ويجتنب الكبائر، فإنّ له الجنّة فسألوه عن الكبائر فقال: «الإشراك بالله، وقتل النّفس المسلمة، والفرار يوم الزّحف»
[السنن الكبرى للنسائي: 10/62]
- أخبرني عبدة بن عبد الرّحيم، أخبرنا ابن شميلٍ، أخبرنا شعبة، حدّثنا فراسٌ، قال: سمعت الشّعبيّ، عن عبد الله بن عمرٍو عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: " الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النّفس، واليمين الغموس "
[السنن الكبرى للنسائي: 10/63]
- أخبرنا موسى بن عبد الرّحمن، حدّثنا أبو أسامة، عن بريدٍ، عن أبي بردة، عن أبي موسى عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «اللهمّ اغفر لعبد الله بن قيسٍ وثبه وأدخله يوم القيامة مدخلًا كريمًا»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/63]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلاً كريمًا}.
اختلف أهل التّأويل في معنى الكبائر الّتي وعد اللّه جلّ ثناؤه عباده باجتنابها تكفير سائر سيّئاتهم عنهم، فقال بعضهم: الكبائر الّتي قال اللّه تبارك وتعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم} هي ما تقدّم اللّه إلى عباده بالنّهي عنه من أوّل سورة النّساء إلى رأس الثّلاثين منها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه، قال: الكبائر من أوّل سورة النّساء إلى ثلاثين منها
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا سفيان، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، عن عبد اللّه بمثله.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا حجّاجٌ قال: حدّثنا حمّادٌ، عن إبراهيم، عن ابن مسعودٍ مثله.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ قال: حدّثنا وكيعٌ قال: حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم قال: حدّثني علقمة، عن عبد اللّه قال: الكبائر من أوّل سورة النّساء، إلى قوله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه}.
- حدّثنا الرّفاعيّ قال: حدّثنا أبو معاوية وأبو خالدٍ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه قال: الكبائر من أوّل سورة النّساء، إلى قوله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه}.
- حدّثني أبو السّائب قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ قال: سئل عبد اللّه عن الكبائر قال: ما بين فاتحة سورة النّساء إلى رأس الثّلاثين.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن حمّادٍ، عن إبراهيم، عن ابن مسعودٍ قال: الكبائر: ما بين فاتحة سورة النّساء إلى ثلاثين آيةً منها: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه}.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا هشيمٌ قال: أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد اللّه، أنّه قال: الكبائر من أوّل سورة النّساء إلى الثّلاثين منها. {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه}.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن عونٍ، عن إبراهيم، قال: كانوا يرون أنّ الكبائر، فيما بين أوّل هذه السّورة، سورة النّساء، إلى هذا الموضع. {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه}.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا آدم العسقلانيّ قال: حدّثنا شعبة، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ بن حبيشٍ، عن ابن مسعودٍ قال: الكبائر من أوّل سورة النّساء إلى ثلاثين آيةً منها. ثمّ تلا: {إن تجتنبًوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلاً كريمًا}.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا مسعرٌ، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ بن حبيشٍ قال: قال عبد اللّه: الكبائر: ما بين أوّل سورة النّساء إلى رأس الثّلاثين.
وقال آخرون: الكبائر سبعٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني تميم بن المنتصر، قال: حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن سهل بن أبي حثمة، عن أبيه، قال: إنّي لفي هذا المسجد مسجد الكوفة، وعليٌّ رضي اللّه عنه يخطب النّاس على المنبر، فقال: يا أيّها النّاس: إنّ الكبائر سبعٌ، فأصاخ النّاس، فأعادها ثلاث مرّاتٍ، ثمّ قال: ألا تسألوني عنها؟ قالوا: يا أمير المؤمنين ما هي؟ قال: الإشراك باللّه، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، وأكل الرّبا، والفرار يوم الزّحف، والتّعرّب بعد الهجرة. فقلت لأبي: يا أبت التّعرّب بعد الهجرة، كيف لحق هاهنا؟ فقال: يا بنيّ، وما أعظم من أن يهاجر الرّجل، حتّى إذا وقع سهمه في الفيء ووجب عليه الجهاد، خلع ذلك من عنقه فرجع أعرابيًّا كما كان.
- حدّثني محمّد بن عبيدٍ المحاربيّ، قال: حدّثنا أبو الأحوص سلاّم بن سليمٍ، عن ابن إسحاق، عن عبيد بن عميرٍ، قال: الكبائر سبعٌ ليس منهنّ كبيرةٌ إلاّ وفيها آيةٌ من كتاب اللّه، الإشراك باللّه منهنّ: {ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء} و{الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا} و{الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلاّ كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ} و{الّذين يرمون} المحصنات الغافلات المؤمنات والفرار من الزّحف: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفًا فلا تولّوهم الأدبار} والتّعرّب بعد الهجرة: {إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدى} وقتل النّفس.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن ابن إسحاق، عن عبيد بن عميرٍ اللّيثيّ قال: الكبائر سبعٌ: الإشراك باللّه: {ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح في مكانٍ سحيقٍ} وقتل النّفس: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم} الآية، وأكل الرّبا: {الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلاّ كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ} الآية، وأكل أموال اليتامى: {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا} الآية، وقذف المحصنة: {إنّ الّذين يرمون} المحصنات الغافلات المؤمنات الآية، والفرار من الزّحف: {ومن يولّهم يومئذٍ دبره} إلاّ متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئةٍ الآية. والمرتدّ أعرابيًّا بعد هجرته: {إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدى} الآية.
- حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن عونٍ، عن محمّدٍ، قال: سألت عبيدة عن الكبائر، فقال: الإشراك باللّه، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه بغير حقّها، وفرارٌ يوم الزّحف، وأكل مال اليتيم بغير حقّه، وأكل الرّبا، والبهتان. قال: ويقولون أعرابيّةٌ بعد هجرةٍ. قال ابن عونٍ: فقلت لمحمّدٍ فالسّحر؟ قال: إنّ البهتان يجمع شرًّا كثيرًا.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا منصورٌ، وهشامٌ، عن ابن سيرين عن عبيدة، أنّه قال: الكبائر: الإشراك، وقتل النّفس الحرام، وأكل الرّبا، وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزّحف، والمرتدّ أعرابيًّا بعد هجرته.
- حدّثني يعقوب قال: حدّثنا هشيمٌ قال: حدّثنا هشامٌ، عن ابن سيرين، عن عبيدة، بنحوه.
وعلّة من قال هذه المقالة ما:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: أخبرني اللّيث قال: حدّثني خالدٌ، عن سعيد بن أبي هلالٍ، عن نعيمٍ المجمر، قال: أخبرني صهيبٌ، مولى العتواريّ أنّه سمع من أبي هريرة، وأبي سعيدٍ الخدريّ يقولان: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا، فقال: والّذي نفسي بيده ثلاث مرّاتٍ، ثمّ أكبّ، فأكبّ كلّ رجلٍ منّا يبكي لا يدري على ماذا حلف. ثمّ رفع رأسه في وجهه البشر، فكان أحبّ إلينا من حمر النّعم، فقال: ما من عبدٍ يصلّي الصّلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزّكاة، ويجتنب الكبائر السّبع، إلاّ فتحت له أبواب الجنّة، ثمّ قيل: ادخل بسلامٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عطاءٍ، قال: الكبائر سبعٌ: قتل النّفس، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، ورمي المحصنة، وشهادة الزّور، وعقوق الوالدين، والفرار يوم الزّحف.
وقال آخرون: هي تسعٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا زياد بن مخراقٍ، عن طيسلة بن ميّاسٍ، قال: كنت مع النجدت، فأصبت ذنوبًا لا أراها إلاّ من الكبائر، فلقيت ابن عمر، فقلت: إنّي أصبت ذنوبًا لا أراها إلاّ من الكبائر قال: وما هي؟ قلت اصبت: كذا وكذا. قال: ليس من الكبائر، قال: بشيءٍ لم يسمه طيسلة، قال: هي تسعٌ، وسأعدّهنّ عليك: الإشراك باللّه، وقتل النّسمة بغير حلّها، والفرار من الزّحف، وقذف المحصنة، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم ظلمًا، وإلحادٌ في المسجد الحرام، والّذي يستسحر وبكاء الوالدين من العقوق. قال ابن زيادٍ: وقال طيسلة: لمّا رأى ابن عمر فرقي قال: أتخاف النّار أن تدخلها؟ قلت: نعم. قال: وتحبّ أن تدخل الجنّة؟ قلت: نعم. قال: أحيٌّ والدك؟ قلت: عندي أمّي. قال: فواللّه لئن أنت ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطّعام، لتدخلنّ الجنّة ما اجتنبت الموجبات.
- حدّثنا سليمان بن ثابتٍ الخرّاز الواسطيّ قال: أخبرنا سلم بن سلاّمٍ قال: أخبرنا أيّوب بن عتبة، عن طيسلة بن عليٍّ النّهديّ قال: أتيت ابن عمر، وهو في ظلّ أراكٍ يوم عرفة، وهو يصبّ الماء على رأسه ووجهه. قال: قلت: أخبرني عن الكبائر. قال: هي تسعٌ، قلت: ما هنّ؟ قال: الإشراك باللّه، وقذف المحصنة، قال: قلت: قبل القتل؟ قال: نعم، ورغمًا، وقتل النّفس المؤمنة، والفرار من الزّحف، والسّحر، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين المسلمين، والإلحاد بالبيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتًا.
- حدّثنا سليمان بن ثابتٍ الخرّاز، قال: أخبرنا سلم بن سلاّمٍ، قال: أخبرنا أيّوب بن عتبة، عن يحيى، عن عبيد بن عميرٍ، عن أبيه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بمثله، إلاّ أنّه قال: بدأ بالقتل قبل القذف.
وقال آخرون: هي أربعٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّام بن سلمٍ، عن عنبسة، عن مطرّفٍ، عن وبرة، عن ابن مسعودٍ، قال: الكبائر: الإشراك باللّه، والقنوط من رحمة اللّه، والإياس من روح اللّه والأمن من مكر اللّه.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم. قال: حدّثنا هشيمٌ قال: أخبرنا مطرّفٌ، عن وبرة بن عبد الرّحمن، عن أبي الطّفيل قال: قال عبد اللّه بن مسعودٍ: أكبر الكبائر: الإشراك باللّه، والإياس من روح اللّه، والقنوط من رحمة اللّه، والأمن من مكر اللّه.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن وبرة بن عبد الرّحمن قال: قال عبد اللّه: إنّ الكبائر: الشّرك باللّه، والقنوط من رحمة اللّه، والأمن من مكر اللّه، والإياس من روح اللّه.
- حدّثنا أبو كريبٍ وأبو السّائب قالا: حدّثنا ابن إدريس قال: سمعت مطرّفًا عن وبرة، عن أبي الطّفيل قال: قال عبد اللّه: الكبائر أربعٌ: الإشراك باللّه، والقنوط من رحمة اللّه، واليأس من روح اللّه، والأمن من مكر اللّه.
- حدّثني محمّد بن عمارة الأسديّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: أخبرنا شيبان، عن الأعمش، عن وبرة، عن أبي الطّفيل، قال: سمعت ابن مسعودٍ يقول: أكبر الكبائر: الإشراك باللّه.
- حدّثني محمّد بن عمارة، قال: حدّثنا عبد اللّه قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي إسحاق عن وبرة، عن أبي الطّفيل، عن عبد اللّه بنحوه.
- حدّثني ابن المثنّى، قال: حدّثني وهب بن جريرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن عبد الملك، عن أبي الطّفيل، عن عبد اللّه، قال: الكبائر أربعٌ: الإشراك باللّه، والأمن من مكر اللّه، والإياس من روح اللّه، والقنوط من رحمة اللّه.
وبه قال: شعبة، عن القاسم بن أبي بزّة، عن أبي الطّفيل، عن عبد اللّه، بمثله.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن القاسم بن أبي بزّة، عن أبي الطّفيل، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، بنحوه.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن عبد العزيز بن رفيعٍ، عن أبي الطّفيل، عن ابن مسعودٍ قال: الكبائر أربعٌ: الإشراك باللّه، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه، والأمن لمكر اللّه، والإياس من روح اللّه.
- حدّثنا ابن وكيعٍ قال: حدّثنا أبي، عن المسعوديّ، عن فراتٍ القزّاز، عن أبي الطّفيل عن عبد اللّه قال: الكبائر: القنوط من رحمة اللّه، والإياس من روح اللّه، والأمن لمكر اللّه، والشّرك باللّه.
وقال آخرون: كلّ ما نهى اللّه عنه فهو كبيرةٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن منصورٍ، عن ابن سيرين، عن ابن عبّاسٍ قال: ذكرت عنده الكبائر، فقال: كلّ ما نهى اللّه عنه فهو كبيرةٌ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا أيّوب، عن محمّدٍ، قال: أنبئت أنّ ابن عبّاسٍ، كان يقول: كلّ ما نهى اللّه عنه كبيرةٌ، وقد ذكرت الطّرفة قال: هي النّظرة.
- حدّثني محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا معتمرٌ، عن أبيه، عن طاووسٍ، قال: قال رجلٌ لعبد اللّه بن عبّاسٍ: أخبرني بالكبائر السّبع، قال: فقال ابن عبّاسٍ: هي أكثر من سبعٍ وسبعٍ. فما أدري كم قالها من مرّةٍ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا ابن عليّة، عن سليمان التّيميّ، عن طاووسٍ قال: ذكروا عند ابن عبّاسٍ الكبائر، فقالوا: هي سبعٌ قال: هي أكثر من سبعٍ وسبعٍ. قال سليمان: فلا أدري كم قالها من مرّةٍ.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، وابن أبي عديٍّ، عن عوفٍ، قال: قام أبو العالية الرّياحيّ على حلقةٍ أنا فيها، فقال: إنّ ناسًا يقولون: الكبائر سبعٌ، وقد خفت أن تكون الكبائر سبعين، أو يزدن على ذلك.
- حدّثنا عليٌّ، قال: حدّثنا الوليد، قال: سمعت أبا عمرٍو، يخبر عن الزّهريّ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه سئل عن الكبائر، سبعٌ هي؟ قال: هي إلى السّبعين أقرب.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن قيس بن سعدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أنّ رجلاً قال لابن عبّاسٍ: كم الكبائر أسبعٌ هي؟ قال: إلى سبعمائةٍ أقرب منها إلى سبعٍ، غير أنّه لا كبيرة مع استغفارٍ، ولا صغيرة مع إصرارٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن طاووسٍ قال: جاء رجلٌ إلى ابن عبّاسٍ، فقال: أرأيت الكبائر السّبع الّتي ذكرهنّ اللّه ما هنّ؟ قال: هنّ إلى سّبعين أدنى منها إلى سّبع.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن طاووسٍ، عن أبيه قال: قيل لابن عبّاسٍ: الكبائر سبعٌ؟ قال: هي إلى السّبعين أقرب.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: أخبرنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن معدان، عن أبي الوليد، قال: سألت ابن عبّاسٍ، عن الكبائر، قال: كلّ شيءٍ عصي اللّه فيه فهو كبيرةٌ.
وقال آخرون: هي ثلاثٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن مسعودٍ، قال: الكبائر ثلاثٌ: اليأس من روح اللّه، والقنوط من رحمة اللّه، والأمن من مكر اللّه.
وقال آخرون: كلّ موجبةٍ وكلّ ما أوعد اللّه أهله عليه النّار فكبيرةٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} قال: الكبائر: كلّ ذنبٍ ختمه اللّه بنارٍ أو غضبٍ، أو لعنةٍ، أو عذابٍ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: أخبرنا هشام بن حسّان، عن محمّد بن واسعٍ، قال: قال سعيد بن جبيرٍ: كلّ موجبةٍ في القرآن كبيرةٌ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن محمّد بن مهرمٍ الشّعّاب، عن محمّد بن واسعٍ الأزديّ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: كلّ ذنبٍ نسبه اللّه إلى النّار، فهو من الكبائر.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، عن سالمٍ، أنّه سمع الحسن، يقول: كلّ موجبةٍ في القرآن كبيرةٌ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} قال: الموجبات.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، قال: الكبائر: كلّ موجبةٍ أوجب اللّه لأهلها النّار، وكلّ عملٍ يقام به الحدّ فهو من الكبائر.
قال أبو جعفرٍ: والّذي نقول به في ذلك ما ثبت به الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وذلك ما.
- حدّثنا به، أحمد بن الوليد القرشيّ قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، قال: حدّثني عبيد اللّه بن أبي بكرٍ قال: سمعت أنس بن مالكٍ، قال: ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الكبائر، أو سئل عن الكبائر، فقال: الشّرك باللّه، وقتل النّفس، وعقوق الوالدين فقال: ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر؟ قال: قول الزّور، أو قال: شهادة الزّور قال شعبة: وأكبر ظنّي أنّه قال: شهادة الزّور.
- حدّثنا يحيى بن حبيب بن عربيٍّ قال: حدّثنا خالد بن الحارث قال: حدّثنا شعبة قال: أخبرنا عبيد اللّه بن أبي بكرٍ، عن أنسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الكبائر قال: الشّرك باللّه، وعقوق الوالدين، وقتل النّفس، وقول الزّور.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا يحيى بن كثيرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن عبيد اللّه بن أبي بكرٍ عن أنسٍ قال: ذكروا الكبائر عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: الإشراك باللّه وعقوق الوالدين، وقتل النّفس، ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزّور.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن فراسٍ، عن الشّعبيّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: أكبر الكبائر: الإشراك باللّه، وعقوق الوالدين، أو قتل النّفس شعبة الشّاكّ واليمين الغموس.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى قال: حدّثنا شيبان، عن فراسٍ، عن الشّعبيّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: جاء أعرابيٌّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: ما الكبائر؟ قال: الشّرك باللّه قال: ثمّ مه؟ قال: وعقوق الوالدين. قال: ثمّ مه؟ قال: واليمين الغموس. قلت للشّعبيّ: ما اليمين الغموس؟ قال: الّذي يقتطع مال امرئٍ مسلمٍ بيمينه وهو فيها كاذبٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي السّريّ، محمّد بن المتوكّل العسقلانيّ قال: حدّثنا بحيّر بن سعدٍ، عن خالد بن معدان، عن أبي رهمٍ، عن أبي أيّوب الأنصاريّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: من أقام الصّلاة، وآتى الزّكاة وصام رمضان، واجتنب الكبائر، فله الجنّة، قيل: وما الكبائر؟ قال: الإشراك باللّه، وعقوق الوالدين، والفرار يوم الزّحف.
- حدّثني عبّاس بن أبي طالبٍ قال: حدّثنا سعد بن عبد الحميد، ابن جعفرٍ، عن ابن أبي جعفرٍ، عن ابن أبي الزّناد، عن موسى بن عقبة، عن عبد اللّه بن سلمان الأغرّ، عن أبيه أبي عبد اللّه سلمان الأغرّ قال: قال أبو أيّوب خالد بن ذيد الأنصاريّ، عقبيّ بدريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ما من عبدٍ يعبد اللّه لا يشرك به شيئًا، ويقيم الصّلاة، ويؤتي الزّكاة، ويصوم رمضان، ويجتنب الكبائر، إلاّ دخل الجنّة. فسألوه: ما الكبائر؟ قال: الإشراك باللّه، والفرار من الزّحف، وقتل النّفس.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا عبّاد بن عبّادٍ، عن جعفر بن الزّبير، عن القاسم، عن أبي أمامة: أنّ ناسًا، من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذكروا الكبائر، وهو متّكئٌ، فقالوا: الشّرك باللّه، وأكل مال اليتيم، وفرارٌ من الزّحف، وقذف المحصنة، وعقوق الوالدين، وقول الزّور، والغلول، والسّحر، وأكل الرّبا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فأين تجعلون {الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلاً} إلى آخر الآية.
- حدّثنا عبيد اللّه بن محمّدٍ الفريابيّ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي معاوية، عن أبي عمرٍو الشّيبانيّ، عن عبد اللّه، قال: سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ما الكبائر؟ قال: أن تدعو للّه ندًّا وهو خلقك، وأن تقتل ولدك من أجل أن يأكل معك، وأن تزني بحليلة جارك. وقرأ علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلاّ بالحقّ ولا يزنون}.
- حدّثني هذا الحديث عبد اللّه بن محمّدٍ الزّهريّ، فقال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا أبو معاوية النّخعيّ، وكان على السّجن سمعه من أبي عمرٍو، عن عبد اللّه بن مسعودٍ: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قلت: أيّ العمل شرٌّ؟ قال: أن تجعل للّه ندًّا وهو خلقك، وأن تقتل ولدك من اجل أن يأكل معك، وأن تزني بجارتك وقرأ عليّ: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر}.
قال أبو جعفرٍ: وأولى ما قيل في تأويل الكبائر بالصّحّة، ما صحّ به الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دون ما قاله غيره، وإن كان كلّ قائلٍ فيها قولاً من الّذين ذكرنا أقوالهم قد اجتهد وبالغ في نفسه، ولقوله في الصّحّة مذهبٌ. فالكبائر إذن: الشّرك باللّه، وعقوق الوالدين، وقتل النّفس المحرّم قتلها، وقول الزّور، وقد يدخل في قول الزّور، شهادة الزّور، وقذف المحصنة، واليمين الغموس، والسّحر. ويدخل في قتل النّفس المحرّم قتلها: قتل الرّجل ولده من أجل أن يطعم معه، والفرار من الزّحف، والزّنا بحليلة الجار.
وإذ كان ذلك كذلك صحّ كلّ خبرٍ روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في معنى الكبائر، وكان بعضه مصدّقًا بعضًا، وذلك أنّ الّذي روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: هي سبعٌ يكون معنى قوله حينئذٍ هي سبعٌ على التّفصيل، ويكون معنى قوله في الخبر الّذي روي عنه أنّه قال: هي الإشراك باللّه، وقتل النّفس، وعقوق الوالدين، وقول الزّور على الإجمال، إذ كان قوله: وقول الزّور يحتمل معاني شتّى، وأن يجمع جميع ذلك: قول الزّور.
وأمّا خبر ابن مسعودٍ الّذي حدّثني به الفريابيّ على ما ذكرت، فإنّه عندي غلطٌ من عبيد اللّه بن محمّدٍ، لأنّ الأخبار المتظاهرة من الأوجه الصّحيحة عن ابن مسعودٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحو الرّواية الّتي رواها الزّهريّ عن ابن عيينة، ولم يقل أحدٌ منهم في حديثه عن ابن مسعودٍ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سئل عن الكبائر؛ فنقلهم ما نقلوا من ذلك عن ابن مسعودٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أولى بالصّحّة من نقل الفريابيّ.
فمن اجتنب الكبائر الّتي وعد اللّه مجتنبها تكفير ما عداها من سيّئاته، وإدخاله مدخلاً كريمًا، وأدّى فرائضه الّتي فرضها اللّه عليه، وجد اللّه لما وعده من وعدٍ منجزًا، وعلى الوفاء له ثائبًا.
وأمّا قوله: {نكفّر عنكم سيّئاتكم} فإنّه يعني به: نكفّر عنكم أيّها المؤمنون باجتنابكم كبائر ما ينهاكم عنه ربّكم صغائر سيّئاتكم، يعني: صغائر ذنوبكم. كما:.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {نكفّر عنكم سيّئاتكم} الصّغائر.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن عونٍ، عن الحسن: أنّ ناسًا، لقوا عبد اللّه بن عمرٍو بمصر، فقالوا: نرى أشياء من كتاب اللّه أمر أن يعمل بها، لا يعمل بها، فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك؟ فقدم وقدموا معه، فلقيه عمر رضي اللّه عنه، فقال: متى قدمت؟ قال: منذ كذا وكذا قال: أبإذنٍ قدمت؟ قال: فلا أدري كيف ردّ عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ ناسًا لقوني بمصر، فقالوا: إنّا نرى أشياء من كتاب اللّه تبارك وتعالى أمر أن يعمل بها ولا يعمل بها، فأحبّوا أن يلقوك في ذلك. فقال: اجمعهم لي. قال: فجمعتهم له - قال ابن عونٍ: أظنّه قال في بهرٍ - فأخذ أدناهم رجلاً، فقال: أنشدكم باللّه وبحقّ الإسلام عليك، أقرأت القرآن كلّه؟ قال: نعم قال: فهل أحصيته في نفسك؟ قال: اللّهمّ لا. - قال: ولو قال نعم لخصمه -. قال: فهل أحصيته في بصرك؟ هل أحصيته في لفظك؟ هل أحصيته في أثرك؟ قال: ثمّ تتبّعهم حتّى أتى على آخرهم، فقال: ثكلت عمر أمّه، أتكلّفونه أن يقيم النّاس على كتاب اللّه؟ قد علم ربّنا أن ستكون لنا سيّئاتٌ. قال: وتلا: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلا كريمًا} هل علم أهل المدينة؟ أو قال: هل علم أحدٌ فيما قدمتم؟ قالوا: لا. قال: لو علموا لوعظت بكم.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا زياد بن مخراقٍ، عن معاوية بن قرّة قال: أتينا أنس بن مالكٍ، فكان فيما حدّثنا قال: لم نر مثل الّذي بلغنا عن ربّنا، ثمّ لم نخرج له عن كلّ، أهلٍ ومالٍ. ثمّ سكت هنيهةً، ثمّ قال: واللّه لقد كلّفنا ربّنا أهون من ذلك، لقد تجاوز لنا عمّا دون الكبائر، فما لنا ولها؟ ثمّ تلا: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} الآية.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} الآية، إنّما وعد اللّه المغفرة لمن اجتنب الكبائر، وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: اجتنبوا الكبائر، وسدّدوا، وأبشروا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن رجلٍ، عن ابن مسعودٍ، قال: في خمس آياتٍ من سورة النّساء لهنّ أحبّ إليّ من الدّنيا جميعًا: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم} وقوله: {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها} وقوله: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}
وقوله: {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا} وقوله: {والّذين آمنوا باللّه ورسله ولم يفرّقوا بين أحدٍ منهم أولئك سوف يؤتيهم أجورهم وكان اللّه غفورًا رحيمًا}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني أبو النّضر، عن صالحٍ المرّيّ، عن قتادة، عن ابن عبّاسٍ، قال: ثمان آياتٍ نزلت في سورة النّساء، هي خيرٌ لهذه الأمّة ممّا طلعت عليه الشّمس وغربت، أولاهنّ: {يريد اللّه ليبيّن لكم ويهديكم سنن الّذين من قبلكم ويتوب عليكم واللّه عليمٌ حكيمٌ} والثّانية: {واللّه يريد أن يتوب عليكم ويريد الّذين يتّبعون الشّهوات أن تميلوا ميلاً عظيمًا} والثّالثة: {يريد اللّه أن يخفّف عنكم وخلق الإنسان ضعيفًا} ثمّ ذكر مثل قول ابن مسعودٍ سواءً، وزاد فيه: ثمّ أقبل يفسّرها في آخر الآية: {وكان اللّه} للّذين عملوا الذّنوب {غفورًا رحيمًا}.
وأمّا قوله: {وندخلكم مدخلاً كريمًا} فإنّ القرّاء اختلفت في قراءته، فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة وبعض الكوفيّين: (وندخلكم مدخلاً كريمًا) بفتح الميم، وكذلك الّذي في الحجّ: (ليدخلنّهم مدخلاً يرضونه) فمعنى: (وندخلكم مدخلاً) فيدخلون دخولاً كريمًا. وقد يحتمل على مذهب من قرأ هذه القراءة أن يكون المعنى في المدخل: المكان والموضع، لأنّ العرب ربّما فتحت الميم من ذلك بهذا المعنى، كما قال الرّاجز:.
بمصبح الحمد وحيث يمس = وقد أنشدني بعضهم سماعًا من العرب:.
الحمد للّه ممسانا ومصبحنا = بالخير صبّحنا ربّي ومسّانا
وأنشدني آخر غيره = الحمد للّه ممسانا ومصبحنا
لأنّه من أصبح وأمسى. وكذلك تفعل العرب فيما كان من الفعل بناؤه على أربعةٍ تضمّ ميمه في مثل هذا، فتقول: دحرجته مدحرجًا ودحراجا فهو مدحرجٌ، ثمّ تحمل ما جاء على أفعل يفعل على ذلك، لأنّ يفعل من يدخل، وإن كان على أربعةٍ، فإنّ أصله أن يكون على يؤفعل: يؤدخل، ويؤخرج، فهو نظير يدحرج.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين والبصريّين: {مدخلاً} بضمّ الميم، يعني: وندخلكم إدخالاً كريمًا.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القراءتين بالصّواب قراءة من قرأ ذلك: {وندخلكم مدخلاً كريمًا} بضمّ الميم لما وصفنا من أنّ ما كان من الفعل بناؤه على أربعةٍ في فعل فالمصدر منه مفعلٌ، وأنّ أدخل ودحرج فعل منه على أربعةٍ، فالمدخل مصدره أولى من مفعل مع أنّ ذلك أفصح في كلام العرب في مصادر ما جاء على أفعل، كما يقال: أقام بمكانٍ فطاب له المقام، إذا أريد به الإقامة، وقام في موضعه فهو في مقامٍ واسعٍ، كما قال جلّ ثناؤه: {إنّ المتّقين في مقامٍ أمينٍ} من قام يقوم، ولو أريد به الإقامة لقرئ: إنّ المتّقين في مقامٍ أمينٍ كما قرئ: {وقل ربّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ} بمعنى الإدخال والإخراج، ولم يبلغنا عن أحدٍ، أنّه قرأ: مدخل صدقٍ، ولا مخرج صدقٍ، بفتح الميم.
وأمّا المدخل الكريم: فهو الطّيّب الحسن، المكرّم بنفي الآفات والعاهات عنه، وبارتفاع الهموم والأحزان ودخول الكدر في عيش من دخله، فلذلك سمّاه اللّه كريمًا. كما:
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وندخلكم مدخلاً كريمًا} قال: الكريم: هو الحسن في الجنّة). [جامع البيان: 6/640-663]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلًا كريمًا (31)
قوله تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه
تفسيرها:
إنّها الشّرك وقتل الولد والزّنا بحليلة الجار. [5194]
حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد اللّه بن نميرٍ، أخبرني الأعمش، عن شقيق بن سلمة، عن عمرو بن شرحبيل، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن الكبائر، فقال: أن تدعو للّه ندّاً وهو خلقك، أو أن تقتل ولدك أن يطعم معك، أو أن تزاني حليلة جارك، ثمّ قرأ هذه الآية: والّذين لا يدعون مع اللّه إلهاً آخر الآية.
الخبر الّذي فيه ذكر عقوق الوالدين وقتل النّفس وشهادة الزّور.
- حدّثنا يونس بن حبيبٍ، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، عن عبيد اللّه بن أبي بكرٍ، عن أنسٍ قال: سئل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الكبائر فقال: الإشراك باللّه، وعقوق الوالدين، وقتل النّفس، وشهادة الزّور، أو قال: قول الزّور.
- حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، ثنا وكيعٌ، عن مسعرٍ وسفيان، عن سعد بن إبراهيم عن حميد بن عبد الرّحمن، عن عبد اللّه بن عمرٍو رفعه سفيان إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأوقفه مسعرٌ عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: من الكبائر أن يشتم الرّجل والديه، قالوا: كيف يشتم الرّجل والديه؟ قال: يسبّ الرّجل أبا الرّجل فيسبّ أباه ويسبّ أمّه، فيسبّ أمّه.
الخبر الّذي فيه ذكر شرب الخمر:
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ، حدّثني أبو صخرٍ أنّ رجلا حدّثه، عن عمارة بن حزمٍ أنّه سمع عبد اللّه بن عمرو بن العاص وهو في الحجر بمكّة، وسئل عن الخمر فقال: واللّه إنّ عظيماً عند اللّه شيخٌ مثلي يكذب في هذا المقام على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذهب فسأله، ثمّ رجع فقال: سألته عن الخمر فقال: هي أكبر الكبائر وأمّ الفواحش، من شرب الخمر ترك الصّلاة ووقع على أمّه وخالته وعمّته.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد اللّه بن زريعٍ، ثنا الفضيل يعني: ابن سليمان، ثنا أبو حازمٍ، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يعدّ الخمر أكبر الكبائر.
الخبر الّذي فيه ذكر اليمين الغموس:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني اللّيث بن سعدٍ، ثنا هشام بن سعدٍ، عن محمّد بن زيد بن مهاجر بن قنفذٍ التّيميّ، عن أبي أمامة الأنصاريّ، عن عبد اللّه بن أنيسٍ الجهنيّ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: من أكبر الكبائر: الشّرك باللّه، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، وما حلف حالفٌ باللّه يمين صبرٍ، فأدخل فيها مثل جناح البعوضة إلا كانت نكتةً في قلبه إلى يوم القيامة.
الخبر الّذي فيه ذكر الفرار من الزّحف، والسّحر، وأكل مال اليتيم وأكل الرّبا، وقذف المحصنة، واستحلال البيت الحرام.
- أخبرنا أبو بدرٍ الغبريّ فيما كتب إليّ ثنا معاذ بن هانئٍ، ثنا حرب بن شدّادٍ، ثنا يحيى بن أبي كثيرٍ، عن عبد الحميد بن سنانٍ عن حديث عبيد بن عميرٍ اللّيثيّ، أنّه حدّثه أبوه وكان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إجتنب الكبائر الّتي نهى اللّه عنها، ثمّ أنّ رجلا من أصحابه سأله فقال يا رسول اللّه ما الكبائر؟ قال: هنّ تسعٌ أعظمهنّ الشّرك باللّه، وقتل المؤمن بغير حقٍّ، وفرار يوم الزّحف، والسّحر وأكل مال اليتيم، وأكل الرّبا، وقذف المحصنة، وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتاً.
الخبر الّذي فيه ذكر الإياس من روح اللّه والأمن من مكر اللّه:
- حدّثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصمٍ النّبيل، ثنا أبي، ثنا أبي، ثنا شبيب بن بشرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان متّكئاً فدخل عليه رجلٌ فقال: ما الكبائر؟ فقال: الشّرك باللّه والإياس من روح اللّه والأمن من مكر اللّه، وهذا أكبر الكبائر.
الخبر الّذي فيه التّعرّب بعد الهجرة:
- حدّثنا أبي، ثنا فهد بن عوفٍ، ثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه، عن أبي هريرة، أن ّرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: الكبائر سبعٌ: أوّلهما الإشراك باللّه، ثمّ قتل النّفس بغير حقّها، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم إلى أن يكبر، والفرار من الزّحف، ورمي المحصنات والانقلاب إلى الأعراب بعد الهجرة.
- حدّثنا كثير بن شهابٍ المذحجيّ القزوينيّ، ثنا محمّد بن سعيدٍ ثنا عمرٌو، عن مطرّفٍ، عن أبي إسحاق، عن عبيد اللّه بن عميرٍ قال: الكبائر سبعٌ، يتلو بكلّ واحدةٍ آيةً: من يشرك باللّه الآية ومن يقتل مؤمناً الآية إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى الآية إنّ الّذين يرمون المحصنات الآية يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفاً الآية كلّها.
- حدّثنا أبي، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبيد ابن عميرٍ قال: سبعٌ، فذكر نحوه، وزاد فيه: التّعرّب بعد الهجرة، ثمّ قرأ: إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم.
الخبر الّذي فيه سبّ المسلم:
- حدّثنا أبي، ثنا عبد الرّحمن بن إبراهيم دحيمٌ، ثنا عمرو بن أبي سلمة، ثنا زهير بن محمّدٍ، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة أن ّرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض الرّجل المسلم والسّبّتان والسّبه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جريرٌ، عن مغيرة قال: كان يقال: شتم أبي بكرٍ وعمر، من الكبائر.
الخبر الّذي ذكر فيه الجمع بين الصّلاتين من غير عذرٍ.
- حدّثنا أبي، ثنا نعيم بن حمّادٍ، ثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حنشٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: من جمع بين الصّلاتين من غير عذرٍ فقد أتى بابًا من أبو أب الكبائر.
- حدّثنا الحسن بن محمّدٍ الصّبّاح، ثنا إسماعيل بن عليّة، عن خالدٍ الحذّاء، عن حميد بن هلالٍ، عن أبي قتادة يعني: العدويّ قال: قرئ علينا كتاب معمرٍ: من الكبائر جمعٌ بين الصّلاتين، يعني: من غير عذر.
الخبر الّذي فيه الإضرار في الوصيّة:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو النّضر إسحاق بن إبراهيم الفراديسيّ الدّمشقيّ، ثنا عمر بن المغيرة، ثنا داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: الضّرار في الوصيّة من الكبائر.
- حدّثنا هارون بن إسحاق الهمدانيّ، ثنا أبو خالدٍ، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: الإضرار في الوصيّة من الكبائر
- قال أبو محمّدٍ:
لم يرفعه والصّحيح أنّه موقوفٌ.
من جعل النّهبة من الكبائر:
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا إسماعيل بن عليّة، عن خالدٍ الحذّاء، عن حميد بن هلالٍ، عن أبي قتادة قال: قرئ علينا كتاب عمر: من الكبائر الفرار من الزّحف والنّهبة.
من جعل نكث البيعة وفراق الجماعة من الكبائر:
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا أبو أحمد يعني: الزّبيريّ، ثنا عليّ بن صالحٍ، عن عثمان بن المغيرة، عن مالك بن جوينٍ، عن عليٍّ قال: الكبائر: الشّرك باللّه، وقتل النّفس، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، والفرار من الزّحف، والتّعرّب بعد الهجرة، والسّحر، وعقوق الوالدين، وأكل الرّبا، وفراق الجماعة، ونكث الصّفقة.
من جعل منع ماء السيول والعيون والأودية وطروق الفحل بجعلٍ من الكبائر.
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا يعلى بن عبيدٍ، ثنا صالح بن حيّان، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: أكبر الكبائر: الشّرك باللّه، وعقوق الوالدين، ومنع فضول الماء بعد الرّيّ، ومنع طروق الفحل إلا بجعلٍ.
ما ذكر من جامع خصال الكبائر:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، ثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه قال: الكبائر من أوّل سورة النّساء إلى قوله: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه.
- حدّثنا عليّ بن حربٍ الموصليّ، ثنا ابن فضيلٍ، عن أشعث، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كلّ ما وعد اللّه عليه النّار كبيرةٌ. وروي عن الحسن نحو ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا قبيصة، ثنا سفيان، عن ليثٍ، عن طاوسٍ قال: قلت لابن عبّاسٍ: ما السّبع الكبائر؟ قال: هي إلى السّبعين أقرب منها إلى السّبع- وروي عن أبي العالية نحو ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا هارون بن زيد بن أبي الزّرقاء، ثنا أبي، ثنا شبلٌ، عن قيسٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أنّ رجلا سأل ابن عبّاسٍ: كم الكبائر؟ سبعاً هي؟ قال:
هي إلى سبعمائةٍ أقرب منها إلى سبعٍ، وأنّه لا كبيرة مع استغفارٍ ولا صغيرة مع إصرارٍ
- حدّثنا الحسين بن محمّد بن شنبة الواسطيّ، ثنا أبو أحمد، ثنا سفيان، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ، عن عائشة قالت: ما أخذ على النّساء من الكبائر- قال أبو محمد: يعني قوله تعالى: على أن لا يشركن باللّه شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين الآية.
- قرئ على يونس بن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني عبد اللّه بن عيّاشٍ قال: قال زيد بن أسلم في قول اللّه تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه فمن الكبائر: الشّرك، والكفر بآيات اللّه ورسله، والسّحر، وقتل الأولاد، ومن دعا للّه ولداً أو صاحبةً، ومثل ذلك من الأعمال والقول الّذي لا يصلح معه عملٌ، وأمّا كلّ ذنبٍ يصلح معه دينٌ، ويقبل معه عملٌ- فإنّ اللّه تعالى يعفو السّيّئات بالحسنات.
قوله تعالى: نكفّر عنكم سيّئاتكم
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: نكفّر عنكم سيّئاتكم قال: الصّغار.
قوله تعالى: وندخلكم مدخلا كريماً
- وبه عن السّدّيّ قوله: وندخلكم مدخلا كريماً فالكريم هو الحسن في الجنة.
- حدّثنا عبيد اللّه بن إسماعيل، ثنا خلفٌ يعني: المقرئ، ثنا الخفّاف، عن سعيدٍ، عن قتادة أنّه كان يقول: المدخل الكريم: هو الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 3/929-935]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه قال الكبائر الموجبات). [تفسير مجاهد: 153]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا أبو البختريّ عبد اللّه بن محمّد بن شاكرٍ، ثنا أبو عبد اللّه محمّد بن بشرٍ العبديّ، ثنا مسعر بن كدامٍ، عن معن بن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن مسعودٍ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، قال: " إنّ في سورة النّساء لخمس آياتٍ ما يسرّني أنّ لي بها الدّنيا وما فيها {إنّ اللّه لا يظلم مثقال ذرّةٍ وإن تك حسنةً يضاعفها ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا} [النساء: 40] {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلًا كريمًا} [النساء: 31] {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48] {ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا اللّه واستغفر لهم الرّسول لوجدوا اللّه توّابًا رحيمًا} {ومن يعمل سوءًا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر اللّه يجد اللّه غفورًا رحيمًا} [النساء: 110] " قال عبد اللّه: ما يسرّني أنّ لي بها الدّنيا وما فيها «هذا إسنادٌ صحيحٌ إن كان عبد الرّحمن سمع من أبيه فقد اختلف في ذلك»). [المستدرك: 2/334]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم} [النساء: 31])
- عن أنسٍ - رضي اللّه عنه - قال: لم نر مثل الّذي بلغنا عن ربّنا - تبارك وتعالى - ثمّ لم نخرج له من كلّ أهلٍ ومالٍ، إن تجاوز لنا عن ما دون الكبائر، يقول اللّه - تبارك وتعالى -: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلًا كريمًا} [النساء: 31].
رواه البزّار
وفيه الجلد بن أيّوب، وهو ضعيفٌ
- وعن عبد اللّه، يعني ابن مسعودٍ - رضي اللّه عنه - أنّه سئل عن الكبائر قال: ما بين أوّل سورة النّساء إلى رأس ثلاثين.
رواه البزّار، ورجاله رجال الصّحيح. قلت: وقد تقدّمت أبواب الكبائر في أواخر كتاب الإيمان). [مجمع الزوائد: 7/3-4]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا مؤمّل بن هشامٍ، ثنا إسماعيل بن إبراهيم، ثنا الجلد بن أيّوب، عن معاوية بن قرّة، عن أنسٍ أنّه قال: لم نر مثل الّذي بلغنا عن ربّنا تبارك وتعالى، ثمّ لم نخرج له من كلّ أهلٍ ومالٍ، أن تجاوز لنا عن ما دون الكبائر، يقول اللّه تبارك وتعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلا كريمًا} [النساء: 31] ). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/44]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا محمّد بن المثنّى، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه، سئل عن الكبائر، قال: ما بين أوّل سورة النّساء إلى رأس ثلاثين). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/44]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال إسحاق بن راهويه: أبنا أبو عامرٍ العقديّ، ثنا عبد العزيز بن المطلب، حدثني أبي، أنه سمع أبا سلمة بن عبد الرّحمن يحدّث عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنّه قال: "الكبائر سبعٌ: الإشراك باللّه، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، وعقوق الوالدين، والفرار من الزّحف، ورمي المحصنة، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم". هذا إسنادٌ حسنٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/192]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال إسحاق: وثنا ابن عليّة، عن زياد بن مخراقٍ، عن طيسلة بن مياسٍ الهذليّ قال: "كنت مع النّجدات فأصبت ذنوبًا لا أراها إلّا من الكبائر، فأتيت ابن عمر فقال: هنّ تسعٌ وعدّهنّ: الإشراك باللّه، وقتل النّفس بغير حقّها، والفرار من الزّحف، وقذف المحصنة، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، وإلحادٌ في المسجد الحرام، والّتي تستسحر، وبكاء الوالدين بالعقوق، فلمّا رأى ابن عمر فرقي قال: أتخاف أن تدخل النّار؟ فقلت: نعم. فقال: أو تحبّ أن تدخل الجنّة؟ فقلت: نعم. فقال: أحي والداك ... " فذكر الحديث. ورواه مسدّدٌ- وتقدّم لفظه في كتاب الأدب في باب عقوق الوالدين- بسندٍ رواته ثقاتٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/193]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (أخبرنا أبو عامرٍ العقديّ، ثنا عبد العزيز بن المطّلب، حدّثني أبي، أنّه سمع أبا سلمة بن عبد الرّحمن، يحدّث عن عبد اللّه بن عمرو بن العاصي رضي الله (عنهما)، أنّه قال: الكبائر سبعٌ: الإشراك باللّه، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، وعقوق الوالدين، والفرار من الزّحف، ورمي المحصنة، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم.
هذا إسنادٌ حسنٌ). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/565]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (أخبرنا ابن عليّة عن زياد بن مخراقٍ عن طيسلة بن ميّاسٍ الهذليّ قال: كنت مع النّجدات فأصبت ذنوبًا لا أراها إلّا من الكبائر فأتيت ابن عمر رضي الله (عنهما) فقال: هي (تسعٌ) وعدّهنّ: الإشراك باللّه، وقتل النّفس بغير حقّها، والفرار من الزّحف وقذف الحفصنة، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، وإلحادٌ في المسجد الحرام والّتي (تستسحر)، وبكاء الوالدين (بالعقوق) فلمّا رأى ابن عمر رضي الله عنهما (فرقي) قال: أتخاف أن تدخل النّار؟ فقلت: نعم، قال: أو تحب أن تدخل الجنّة، فقلت: نعم، فقال: حي والدك، فذكر الحديث). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/568]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : ( {ولا تقتلوا أنفسكم} قال: بل في قوله {ولا تقتلوا أنفسكم}.
أخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور في فضائله، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني والحاكم والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: إن في سورة النساء خمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها ولقد علمت أن العلماء إذا مروا بها يعرفونها قوله تعالى {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} الآية، وقوله (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) (النساء الآية 40) الآية، وقوله (إن الله لا يغفر أن يشرك به) (النساء الآية 48) الآية، وقوله (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك) (النساء الآية 64) الآية، وقوله (ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه) (النساء الآية 110) الآية.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير عن أنس بن مالك قال: لم نر مثل الذي بلغنا عن ربنا عز وجل ثم لم نخرج له عن كل أهل ومال أن تجاوز لنا عما دون الكبائر فما لنا ولها، يقول الله {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كان كريما}.
وأخرج عبد بن حميد عن أنس بن مالك قال: هان ما سألكم ربكم {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن أنس سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: ألا إن شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ثم تلا هذه الآية {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} الآية.
وأخرج النسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في "سننه" عن أبي هريرة وأبي سعيد أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر ثم قال: والذي نفسي بيده ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويؤدي الزكاة ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة حتى إنها لتصطفق ثم تلا {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} الآية.
وأخرج ابن المنذر عن أنس قال: ما لكم والكبائر وقد وعدتم المغفرة فيما دون الكبائر.
وأخرج ابن جرير بسند حسن عن الحسن أن ناسا لقوا عبد الله بن عمرو بمصر فقالوا: نرى أشياء من كتاب الله أمر أن يعمل بها لا يعمل بها فأردنا أن كان نلقى أمير المؤمنين في ذلك فقدم وقدموا معه فلقي عمر فقال: يا أمير المؤمنين إن ناسا لقوني بمصر فقالوا: إنا نرى أشياء من كتاب الله أمر أن يعمل بها لا يعمل بها فأحبوا أن يلقوك في ذلك فقال: اجمعهم لي، فجمعهم له فأخذ أدناهم رجلا فقال: أنشدك بالله وبحق الإسلام عليك أقرأت القرآن كله قال: نعم، قال: فهل أحصيته في نفسك قال: لا، قال: فهل أحصيته في بصرك هل أحصيته في لفظك هل أحصيته في أثرك ثم تتبعهم حتى أتى على آخرهم قال: فثكلت عمر أمه أتكلفونه على أن يقيم الناس على كتاب الله قد علم ربنا أنه ستكون لنا سيئات وتلا {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما} هل علم أهل المدينة فيما قدمتم قال: لا، قال: لو علموا لوعظت بكم.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: إنما وعد الله المغفرة لمن اجتنب الكبائر وذكر لنا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا الكبائر وسددوا وأبشروا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس قال: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة وقد ذكرت الطرفة يعني النظرة.
وأخرج ابن جرير عن أبي الوليد قال: سألت ابن عباس عن الكبائر فقال: كان كل شيء عصي الله فيه فهو كبيرة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كل ما وعد الله عليه النار كبيرة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: الكبائر كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: كل ذنب نسبه الله إلى النار فهو من الكبائر.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال: الكبائر كل موجبة أوجب الله لأهلها النار وكل عمل يقام به الحد فهو من الكبائر.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان من طرق عن ابن عباس أنه سئل عن الكبائر أسبع هي قال: هي إلى السبعين أقرب كان
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير أن رجلا سأل ابن عباس كم الكبائر سبع هي قال إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع غير أنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع إصرار.
وأخرج البيهقي في الشعب من طريق قيس بن سعد قال: قال ابن عباس: كل ذنب أصر عليه العبد كبير وليس بكبير ما تاب منه العبد.
وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: وما هن يا رسول الله قال: الشرك بالله وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والسحر وأكل الربا ومال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات.
وأخرج البزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الكبائر سبع: أولها الإشراك بالله ثم قتل النفس بغير حقها وأكل الربا وأكل مال اليتيم إلى أن يكبر والفرار من الزحف ورمي المحصنات كان والإنقلاب على الأعراب بعد الهجرة.
وأخرج علي بن الجعد في الجعديات عن طيسلة قال: سألت ابن عمر عن الكبائر فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هن تسع: الإشراك بالله وقذف المحصنة وقتل النفس المؤمنة والفرار من الزحف والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين والإلحاد بالبيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا.
وأخرج ابن راهويه والبخاري في الأدب المفرد، وعبد بن حميد، وابن المنذر والقاضي إسماعيل في أحكام القرآن، وابن المنذر بسند حسن من طريق طيسلة عن ابن عمر قال: الكبائر تسع: الإشراك بالله وقتل النسمة يعني بغير حق وقذف المحصنة والفرار من الزحف وأكل الربا وأكل مال اليتيم والذي يستسحر والحاد في المسجد الحرام وإنكاء الوالدين من العقوق
وأخرج أبو داود والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم، وابن مردويه عن عمير الليثي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أولياء الله المصلون ومن يقيم الصلوات الخمس التي كتبها الله على عباده ومن يؤدي زكاة ماله طيبة بها نفسه ومن يصوم رمضان يحتسب صومه ويجتنب الكبائر، فقال رجل من الصحابة: يا رسول الله وكم الكبائر قال: هن تسع: أعظمهن الإشراك بالله وقتل المؤمن بغير الحق والفرار يوم الزحف وقذف المحصنة والسحر وأكل مال اليتيم وأكل الربا وعقوق الوالدين المسلمين واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياء وأمواتا.
وأخرج ابن المنذر والطبراني، وابن مردويه عن ابن عمرو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من صلى الصلوات الخمس واجتنب الكبائر السبع نودي من أبواب الجنة ادخل بسلام، قيل أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرهن قال: نعم عقوق الوالدين والإشراك بالله وقتل النفس وقذف المحصنات وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف وأكل الربا.
وأخرج أحمد والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عبد الله لا يشرك به شيئا وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان واجتنب الكبائر فله الجنة، فسأله رجل ما الكبائر قال: الشرك بالله وقتل نفس مسلمة والفرار يوم الزحف.
وأخرج ابن حبان، وابن مردويه عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن كتابا فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم قال: وكان في الكتاب: إن أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة الإشراك بالله وقتل النفس المؤمنة بغير حق والفرار يوم الزحف وعقوق الوالدين ورمي المحصنة وتعلم السحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن أنس قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر فقال: الشرك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قول الزور أو شهادة الزور
وأخرج الشيخان والترمذي، وابن المنذر عن أبي بكرة قال: قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمرو أنه سئل عن الخمر فقال: سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هي أكبر الكبائر وأم الفواحش من شرب الخمر ترك الصلاة ووقع على أمه وخالته وعمته.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه كان يعد الخمر أكبر الكبائر.
وأخرج عبد بن حميد في كتاب الإيمان عن شعبة مولى ابن عباس قال: قلت لابن عباس: إن الحسن بن علي سئل عن الخمر أمن الكبائر هي فقال: لا، فقال ابن عباس: قد قالها النّبيّ صلى الله عليه وسلم: إذا شرب سكر وزنى وترك الصلاة فهي من الكبائر.
وأخرج أحمد والبخاري الترمذي والنسائي، وابن جرير عن ابن عمرو عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين أو قتل النفس - شك شعبة - واليمين الغموس.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والترمذي وحسنه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان والطبراني في الأوسط والبيهقي عن عبد الله بن أنيس الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس وما حلف حالف بالله يمين صبر فأدخل فيها مثل جناح بعوضة إلا جعلت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قالوا: وكيف يلعن الرجل والديه قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه.
وأخرج أو داود، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق ومن الكبائر السبتان بالسبة.
وأخرج الترمذي والحاكم، وابن أبي حاتم عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي موسى قال: الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي قتادة العدوي قال: قرئ علينا كتاب عمر من الكبائر جمع بين الصلاتين، يعني بغير عذر والفرار من الزحف والنميمة
وأخرج البزار، وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط، وابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الكبائر فقال: الشرك بالله واليأس من روح الله والآمن من مكر الله.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني، وابن أبي الدنيا في التوبة عن ابن مسعود قال: أكبر الكبائر الإشراك بالله والإياس من روح الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله.
وأخرج ابن المنذر عن علي أنه سئل ما أكبر الكبائر فقال: الأمن لمكر الله والإياس من روح الله والقنوط من رحمة الله.
وأخرج ابن جرير بسند حسن عن أبي أمامة أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا الكبائر وهو متكئ فقالوا: الشرك بالله وأكل مال اليتيم وفرار يوم الزحف وقذف المحصنة وعقوق الوالدين وقول الزور والغلول والسحر وأكل الربا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين تجعلون (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) (آل عمران الآية 77) إلى آخر الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس مرفوعا الضرار في الوصية من الكبائر.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن علي، قال: الكبائر: الشرك بالله وقتل النفس وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة والسحر وعقوق الوالدين وأكل الربا وفراق الجماعة ونكث الصفقة.
وأخرج البزار، وابن المنذر بسند ضعيف عن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن أكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين ومنع فضل الماء ومنع الفحل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن بريدة قال: إن أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين ومنع فضول الماء بعد الري ومنع طروق الفحل إلا بجعل
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن عائشة قالت: ما أخذ على النساء فمن الكبائر، يعني قوله (أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين) (الممتحنة الآية 12) الآية.
وأخرج البخاري في الأدب المفرد والطبراني والبيهقي عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيتم الزاني والسارق وشارب الخمر ما تقولون فيهم قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هن فواحش وفيهن عقوبة ألا أنبئكم بأكبر الكبائر الإشراك بالله ثم قرأ (ومن يشرك بالله فقد افترى إثما عظيما) (النساء الآية 48) وعقوق الوالدين ثم قرأ (أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير) (لقمان الآية 14) وكان متكئا فاحتفز فقال: ألا وقول الزور.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال: إن من أكبر الذنب عند الله أن يقول لصاحبه اتق الله فيقول: عليك نفسك من أنت تأمرني.
وأخرج ابن المنذر عن سالم بن عبد الله التمار عن أبيه أن أبا بكر وعمر وأناسا من الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا أعظم الكبائر فلم يكن عندهم فيها علم ينتهون إليه فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أسأله عن ذلك فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمر فأتيتهم فأخبرتهم فأنكروا ذلك وتواثبوا إليه جميعا حتى أتوه في داره فأخبرهم أنهم تحدثوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ملكا من بني إسرائيل أخذ رجلا فخيره أن يشرب الخمر أو يقتل نفسا أو يزني أو يأكل لحم خنزير أو يقتله إن أبى، فاختار شرب الخمر وإنه لما شربها لم يمتنع من شيء أراده منه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما أحد يشربها فيقبل الله له صلاة أربعين ليلة ولا يموت وفي مثانته منها شيء إلا حرمت عليه الجنة وإن مات في الأربعين مات ميتة جاهلية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس قال: الكبائر الإشراك بالله لأن الله يقول (لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) (يوسف الآية 87) والأمن لمكر الله لأن الله يقول (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) (الأعراف الآية 99) وعقوق الوالدين لأن الله جعل العاق جبارا عصيا وقتل النفس التي حرم الله لأن الله يقول (فجزاؤه جهنم) (النساء الآية 93) إلى آخر الآية وقذف المحصنات لأن الله يقول (لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم) (النور الآية 23) وأكل مال اليتيم لأن الله يقول (إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) (النساء الآية 10) والفرار من الزحف لأن الله يقول (ومن يولهم يومئذ دبره) إلى قوله (وبئس المصير) (الأنفال الآية 16) وأكل الربا لأن الله يقول (الذين يأكلون الربا لا يقومون) (البقرة الآية 275) الآية والسحر لأن الله يقول (ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق) (البقرة الآية 102) والزنا لأن الله يقول (يلق أثاما) (الفرقان الآية 68) الآية واليمين الغموس الفاجرة لأن الله يقول (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم) (آل عمران الآية 77) الآية والغلول لأن الله يقول (ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) (آل عمران الآية 161) ومنع الزكاة المفروضة لأن الله يقول (فتكوى بها جباههم) (التوبة الآية 35) الآية وشهادة الزور وكتمان الشهادة لأن الله يقول (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) (البقرة الآية 283) وشرب الخمر لأن الله عدل بها الأوثان وترك الصلاة متعمدا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ترك الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمة الله ورسوله ونقض العهد وقطيعة الرحم لأن الله يقول (لهم اللعنة ولهم سوء الدار) (الرعد الآية 25)، وأخرج عبد بن حميد والبزار والطبراني عن ابن مسعود أنه سئل عن الكبائر قال: ما بين أول سورة النساء إلى رأس ثلاثين آية منها.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: الكبائر من أول سورة النساء إلى قوله {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه}.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود أنه سئل عن الكبائر فقال: افتتحوا سورة النساء فكل شيء نهى الله عنه حتى تأتوا ثلاثين آية فهو كبيرة ثم قرأ مصداق ذلك {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} الآية.
وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس انه قرأ من النساء حتى بلغ ثلاثين آية منها ثم قرأ {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} مما في أول السورة إلى حيث بلغ.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن إبراهيم قال: كانوا يرون أن الكبائر فيما بين أول هذه السورة سورة النساء إلى هذه الموضع {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه}.
وأخرج ابن جرير عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة عن الكبائر فقال: الإشراك بالله وقتل النفس التي حرم الله بغير حقها وفرار يوم الزحف وأكل مال اليتيم بغير حقه وأكل الربا والبهتان ويقولون اعرابية بعد الهجرة، قيل لابن سيرين: فالسحر، قال: إن البهتان يجمع شرا كثيرا
وأخرج ابن أبي حاتم عن مغيرة قال: كان يقال: شتم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من الكبائر.
وأخرج ابن أبي الدنيا في التوبة والبيهقي في الشعب عن الأوزاعي قال: كان يقال: من الكبائر أن يعمل الرجل الذنب فيحتقره.
وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس قال: لا كبيرة بكبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة بصغيرة مع الإصرار.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس، أنه قرأ تكفر بالتاء ونصب الفاء.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم} قال: إنما وعد الله المغفرة لمن اجتنب الكبائر.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {نكفر عنكم سيئاتكم} قال: الصغار {وندخلكم مدخلا كريما} قال: الكريم: هو الحسن في الجنة.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة أنه كان يقول: المدخل الكريم، هو الجنة
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس أنه قرأ {مدخلا} بضم الميم). [الدر المنثور: 4/356-374]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن شيخ من أهل مكة في قوله تعالى ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض قال كانت النساء يقلن ليتنا كنا رجالا فنجاهد كما يجاهد الرجال ونغزو في سبيل الله فقال الله تعالى ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض.
قال معمر وقال الكلبي لا تمنى زوجة أخيك ولا مال أخيك وسل الله أنت من فضله). [تفسير عبد الرزاق: 1/156]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: قالت أم سلمة يا رسول الله أيغزو الرجال ولا نغزو وإنما لنا نصف الميراث فنزلت ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض). [تفسير عبد الرزاق: 1/156]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ولا تتمنّوا ما فضّل الله به بعضكم على بعضٍ للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن واسألوا الله من فضله إنّ الله كان بكلّ شيءٍ عليمًا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا عتّاب بن بشيرٍ، قال: نا خصيف، عن عكرمة - في قوله عزّ وجلّ: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ} -: زعم أنّ النّساء سألن الجهاد، فقلن: وددنا أنّ اللّه عزّ وجلّ جعل لنا الغزو، فنصيب من الأجر ما يصيب الرّجال، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعض}.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ قال: قالت أمّ سلمة: يغزو الرّجال ولا نغزو، (وإنّما) لنا نصف الميراث، فنزلت: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعض...} إلى آخر الآية، ونزلت: {إنّ المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات...} إلى آخر الآية). [سنن سعيد بن منصور: 4/1235-1236]

قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا جريرٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ {واسألوا اللّه من فضله} قال: ليس بعرض الدّنيا). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 435]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن أمّ سلمة، أنّها قالت: يغزو الرّجال ولا تغزو النّساء وإنّما لنا نصف الميراث. فأنزل اللّه {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ} قال مجاهدٌ: وأنزل فيها {إنّ المسلمين والمسلمات} وكانت أمّ سلمة أوّل ظعينةٍ قدمت المدينة مهاجرةً.
هذا حديثٌ مرسلٌ، ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مرسلاً، أنّ أمّ سلمة، قالت: كذا وكذا). [سنن الترمذي: 5/87]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ لّلرّجال نصيبٌ مّمّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ مّمّا اكتسبن واسألوا اللّه من فضله إنّ اللّه كان بكلّ شيءٍ عليمًا}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ولا تشتهوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ. وذكر أنّ ذلك نزل في نساءٍ تمنّين منازل الرّجال، وأن يكون لهم ما لهم، فنهى اللّه عباده عن الأمانيّ الباطلة وأمرهم أن يسألوه من فضله، إذ كانت الأمانيّ تورث أهلها الحسد والبغي بغير الحقّ ذكر الأخبار بما ذكرنا:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: قالت أمّ سلمة: يا رسول اللّه لا نعطى الميراث، ولا نغزو في سبيل اللّه فنقتل؟ فنزلت: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ}.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا معاوية بن هشامٍ، عن سفيان الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قال: قالت أمّ سلمة: يا رسول اللّه: تغزو الرّجال ولا نغزو، وإنّما لنا نصف الميراث؟ فنزلت: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن} ونزلت: {إنّ المسلمين والمسلمات}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ} يقول: لا يتمنّى الرّجل يقول: ليت أنّ لي مال فلانٍ وأهله، فنهى اللّه سبحانه عن ذلك، ولكن ليسأل اللّه من فضله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ} قال: قول النّساء: ليتنا رجالاٌ فنغزو، ونبلغ ما يبلغ الرّجال.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ} قول النّساء يتمنّين: ليتنا رجالٌ فنغزو؛ ثمّ ذكر مثل حديث محمّد بن عمرٍو.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: قالت أمّ سلمة: أي رسول اللّه، أتغزو الرّجال ولا نغزو، وإنّما لنا نصف الميراث؟ فنزلت {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن شيخٍ من أهل مكّة، قوله: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ} قال: كان النّساء يقلن: ليتنا رجالٌ فنجاهد كما يجاهد الرّجال، ونغزو في سبيل اللّه. فقال اللّه: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ}.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، قال لا تمنّى مال فلانٍ ومال فلانٍ،ولا ومال فلانٍ وما يدريك لعلّ هلاكه في ذلك المال.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، ومجاهدٍ، أنّهما قالا: نزلت في أمّ سلمة ابنة أبي أميّة بن المغيرة.
وبه قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، قال: هو الإنسان يقول: وددت أنّ لي مال فلانٍ. قال: واسألوا اللّه من فضله، وقول النّساء: ليتنا رجالٌ فنغزو، ونبلغ ما يبلغ الرّجال.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا يتمنّ بعضكم ما خصّ اللّه بعضًا من منازل الفضل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ} فإنّ الرّجال قالوا: نريد أن يكون لنا من الأجر الضّعف على أجر النّساء، كما لنا في السّهام سهمان، فنريد أن يكون لنا في الأجر أجران، وقالت النّساء: نريد أن يكون لنا أجرٌ مثل الرّجال، فإنّا لا نستطيع أن نقاتل، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا. فأنزل اللّه تعالى ذلك، وقال لهم: سلوا اللّه من فضله، يرزقكم الأعمال، وهو خيرٌ لكم.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أيّوب، عن محمّدٍ، قال: نهيتم عن الأمانيّ، ودللتم، على ما هو خيرٌ منه، واسألوا اللّه من فضله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عارمٌ، قال: حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، قال: كان محمّدٌ إذا سمع الرّجل، يتمنّى في الدّنيا قال: قد نهاكم اللّه عن هذا {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ} ودلّكم على خيرٍ منه، واسألوا اللّه من فضله.
قال أبو جعفرٍ: فتأويل الكلام على هذا التّأويل: ولا تتمنّوا أيّها الرّجال والنّساء الّذي فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ من منازل الفضل، ودرجات الخير وليرض أحدكم بما قسم اللّه له من نصيبٍ، ولكن سلوا اللّه من فضله). [جامع البيان: 6/663-667]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن}
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا من الثّواب على الطّاعة والعقاب على المعصية، وللنّساء نصيبٌ من ذلك مثل ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن} كان أهل الجاهليّة لا يورّثون المرأة شيئًا ولا الصّبيّ شيئًا، وإنّما يجعلون الميراث لمن يحترف وينفع ويدفع، فلمّا لحق للمرأة نصيبها وللصّبيّ نصيبه، وجعل للذّكر مثل حظّ الأنثيين قال النّساء: لو كان جعل أنصباءنا في الميراث كأنصباء الرّجال. وقال الرّجال: إنّا لنرجو أن نفضّل على النّساء بحسناتنا في الآخرة، كما فضّلنا عليهنّ في الميراث، فأنزل اللّه: {للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن} يقول: المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها كما يجزى الرّجل قال اللّه تعالى: {واسألوا اللّه من فضله}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، قال: حدّثني أبو ليلى قال: سمعت أبا جريرٍ، يقول: لمّا نزل: {للذّكر مثل حظّ الأنثيين} قالت النّساء: كذلك عليهم نصيبان من الذّنوب، كما لهم نصيبان من الميراث. فأنزل اللّه: {للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن} يعني الذّنوب، واسألوا اللّه يا معشر النّساء من فضله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا من ميراث موتاهم، وللنّساء نصيبٌ منهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن} يعني: ما ترك الوالدان والأقربون، يقول: {للذّكر مثل حظّ الأنثيين}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن أبي إسحاق، عن عكرمة، أو غيره، في قوله: {للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن} قال: في الميراث كانوا لا يورّثون النّساء.
قال أبو جعفرٍ: وأولى القولين في ذلك بتأويل الآية قول من قال معناه: للرّجال نصيبٌ من ثواب اللّه وعقابه ممّا اكتسبوا، فعملوه من خيرٍ أو شرٍّ، وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن من ذلك كما للرّجال.
وإنّما قلنا إنّ ذلك أولى بتأويل الآية من قول من قال تأويله: للرّجال نصيبٌ من الميراث، وللنّساء نصيبٌ منه، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر أنّ لكلّ فريقٍ من الرّجال والنّساء نصيبًا ممّا اكتسب، وليس الميراث ممّا اكتسبه الوارث، وإنّما هو مالٌ أورثه اللّه عن ميّته بغير اكتسابٍ، وإنّما الكسب العمل، والمكتسب: المحترف، فغير جائزٍ أن يكون معنى الآية، وقد قال اللّه: {للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن} للرّجال نصيبٌ ممّا ورثوا، وللنّساء نصيبٌ ممّا ورثن؛ لأنّ ذلك لو كان كذلك لقيل: للرّجال نصيبٌ ممّا لم يكتسبوا، وللنّساء نصيبٌ ممّا لم يكتسبن). [جامع البيان: 6/667-669]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واسألوا اللّه من فضله}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: واسألوا اللّه من عونه وتوفيقه للعمل بما يرضيه عنكم من طاعته، ففضله في هذا الموضع: توفيقه ومعونته. كما:.
- حدّثنا محمّد بن مسلمٍ الرّازيّ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ النّفيليّ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ عن أشعث، عن سعيدٍ: {واسألوا اللّه من فضله} قال: العبادة ليست من أمر الدّنيا.
- حدّثنا محمّد بن مسلمٍ، قال: حدّثني أبو جعفرٍ قال: حدّثنا موسى، عن ليثٍ، قال: فضله العبادة ليس من أمر الدّنيا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا هشامٌ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {واسألوا اللّه من فضله} قال: ليس بعرض الدّنيا.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {واسألوا اللّه من فضله} يرزقكم الأعمال، وهو خيرٌ لكم.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا إسرائيل، عن حكيم بن جبيرٍ، عن رجلٍ، لم يسمّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: سلوا اللّه من فضله فإنّه يحبّ أن يسأل، وإنّ من أفضل العبادة انتظار الفرج). [جامع البيان: 6/669-670]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه كان بكلّ شيءٍ عليمًا}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: إنّ اللّه كان بما يصلح عباده فيما قسم لهم من خيرٍ، ورفع بعضهم فوق بعضٍ في الدّين والدّنيا، وبغير ذلك من قضائه وأحكامه فيهم عليمًا يقول: ذا علمٍ، ولا تتمنّوا غير الّذي قضى لكم، ولكن عليكم بطاعته والتّسليم لأمره، والرّضا بقضائه ومسألته من فضله). [جامع البيان: 6/671]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن واسألوا اللّه من فضله إنّ اللّه كان بكلّ شيءٍ عليمًا (32)
قوله تعالى: ولا تتمنّوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن القاسم بن عطيّة، حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن، حدّثني أبي، ثنا الأشعث بن إسحاق، عن جعفرٍ يعني: ابن أبي المغيرة، عن سعيدٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن قال: أتت امرأةٌ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: يا نبيّ اللّه، للذّكر مثل حظّ الأنثيين، وشهادة امرأتين برجلٍ، أفنحن في العمل هكذا، إن عملت امرأةٌ حسنةً كتبت لها نصف حسنةٍ؟ فأنزل اللّه تعالى هذه الآية: ولا تتمنّوا: فإنّه عدلٌ منّي وأنا صنعته.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا يعلى، ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: قالت أمّ سلمة: يا رسول اللّه، لا نقاتل فنستشهد، ولا نقطع الميراث، فنزلت: ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن ثمّ نزلت أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكر أو أنثى قال أبو محمّدٍ: رواه يعلى، عن سفيان الثّوريّ ورواه ابن عيينة مثله.
- وروى يحيى بن سعيدٍ القطّان، ووكيع بن الجرّاح، عن الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ ، عن أمّ سلمة قالت: قلت يا رسول الله- وروى عن مقاتل ابن حيان، وخصيف نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعضٍ يقول:
لا يتمنّى الرّجل، فيقول: ليت لي مال فلانٍ وأهله، فنهى اللّه سبحانه عن ذلك، ولكن ليسأل اللّه من فضله، وروي عن محمّد بن سيرين والحسن وعطاءٍ والضّحّاك نحو ذلك.
قوله تعالى: للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيب مما اكتسبن
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن يعني: ممّا ترك الوالدان والأقربون يقول: للذّكر مثل حظّ الأنثيين.
والوجه الثّاني:
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا من الإثم، وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن من الإثم.
قوله تعالى: وسئلوا اللّه من فضله
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ قال: الرّجال قالوا نريد أن يكون لنا في الأجر أجران، وقالت النّساء: نريد أن يكون لنا أجرٌ مثل أجر الرّجال الشّهداء، فإنّا لا نستطيع أن نقاتل، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا، فأبى اللّه ذلك، ولكن قال لهنّ: سلوا اللّه من فضله يرزقكم الأعمال، وهو خيرٌ لكم.
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة، أنبأ جرير بن عبد الحميد، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ في قوله: وسئلوا اللّه من فضله قال: ليس بعرض الدّنيا.
- حدّثنا أبي، ثنا ابن نفيلٍ، ثنا يحيى بن اليمان، عن أشعث، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: وسئلوا اللّه من فضله قال: العبادة ليس من أمر الدّنيا.
قوله تعالى: إنّ اللّه كان بكلّ شيءٍ عليماً
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله تعالى: إنّ اللّه كان بكلّ شيءٍ عليماً يعني: عالما). [تفسير القرآن العظيم: 3/935-936]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولا تتمنوا ما فضل الله
[تفسير مجاهد: 153]
به بعضكم على بعض قال هذا قول النساء ليتنا كنا رجالا فنغزو ونبلغ ما بلغوا فنزلت ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض). [تفسير مجاهد: 154]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن يعقوب، ثنا محمّد بن عبد الوهّاب، أنبأ قبيصة، ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن أمّ سلمة رضي اللّه عنها، أنّها قالت: يا رسول اللّه، أيغزو الرّجال ولا نغزو ولا نقاتل فنستشهد وإنّما لنا نصف الميراث. فأنزل اللّه {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ} [النساء: 32] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد على شرط الشّيخين إن كان سمع مجاهدٌ من أمّ سلمة»). [المستدرك: 2/335]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أم سلمة - رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، يغزو الرجال، ولا تغزو النساء، وإنما لنا نصف الميراث؟ فأنزل الله تعالى: {ولا تتمنّوا ما فضّل الله به بعضكم على بعضٍ} [النساء: 32].
قال مجاهد: وأنزل فيها: {إنّ المسلمين والمسلمات} [الأحزاب: 35] وكانت أمّ سلمة أوّل ظعينةٍ قدمت المدينة مهاجرة. أخرجه الترمذي، وقال: هو مرسلٌ.
[شرح الغريب]
(الظعينة):المرأة، وهي في الأصل: ما دامت في الهودج، ثم صارت تطلق على المرأة وإن لم تكن في هودج). [جامع الأصول: 2/87-88]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد والترمذي والحاكم وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن أم سلمة أنها قالت: يا رسول الله تغزو الرجال ولا نغزو ولا نقاتل فنستشهد وإنما لنا نصف الميراث، فأنزل الله {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} وأنزل فيها (إن المسلمين والمسلمات) (الأحزاب الآية 35).
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أتت امرأة النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله للذكر مثل حظ الأنثيين وشهادة امرأتين برجل أفنحن في العمل هكذا إن عملت امرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة فأنزل الله {ولا تتمنوا} فإنه عدل مني وإن صنعته.
وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر عن عكرمة قال: إن النساء سألن الجهاد فقلن وددنا أن الله جعل لنا الغزو فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال، فأنزل الله {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}.
وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن مجاهد وعكرمة في الآية قالا: نزلت في أم سلمة بنت أبي أمية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي أن الرجال قالوا: نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء كما لنا في السهام سهمان فنريد أن يكون لنا في الأجر أجران، وقالت النساء: نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الرجال الشهداء فإنا لا نستطيع أن نقاتل ولو كتب علينا القتال لقاتلنا، فأنزل الله الآية وقال لهم سلوا الله من فضله يرزقكم الأعمال وهو خير لكم.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} يقول: لا يتمن الرجل فيقول ليت لي مال فلان وأهله، فنهى الله سبحانه عن ذلك ولكن ليسأل الله من فضله {للرجال نصيب مما اكتسبوا} يعني مما ترك الوالدان والأقربون للذكر مثل حظ الأنثيين.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: لا تتمن مال فلان ولا مال فلان وما يدريك لعل هلاكه في ذلك المال.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال: كان أهل الجاهلية لا يورثون المرأة شيئا ولا الصبي شيئا وإنما يجعلون الميراث لمن يحترف وينفع ويدفع، فلما لحق للمرأة نصيبها وللصبي نصيبه وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين قالت النساء لو كان جعل أنصباءنا في الميراث كأنصباء الرجال، وقال الرجال: إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسنات في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث، فأنزل الله {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} يقول: المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها كما يجزى الرجل.
وأخرج ابن جرير عن أبي حريز قال: لما نزل (للذكر مثل حظ الأنثيين) (النساء الآية 11) قالت النساء: كذلك عليهم نصيبان من الذنوب كما لهم نصيبان من الميراث، فأنزل الله {للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} يعني الذنوب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل {للرجال نصيب مما اكتسبوا} قال: من الإثم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن محمد بن سيرين أنه كان إذا سمع الرجل يتمنى في الدنيا قال: قد نهاكم الله عن هذا {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} ودلكم على خير منه {واسألوا الله من فضله}.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد {واسألوا الله من فضله} قال: ليس بعرض الدنيا.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {واسألوا الله من فضله} قال: العبادة ليس من أمر الدنيا.
وأخرج الترمذي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل.
وأخرج ابن جرير من طريق حكيم بن جبير عن رجل لم يسمه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل وإن من أفضل العبادة انتظار الفرج
وأخرج أحمد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما سأل رجل مسلم الله الجنة ثلاثا إلا قالت الجنة: اللهم أدخله ولا استجار رجل مسلم من النار ثلاثا إلا قالت النار: اللهم أجره). [الدر المنثور: 4/374-378]

تفسير قوله تعالى: (وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولكل جعلنا موالي قال الموالي الأولياء الأب أو الأخ أو ابن الأخ أو غيره من العصبة). [تفسير عبد الرزاق: 1/156]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى ولكل جعلنا موالي قال هم الأولياء والذين عقدت أيمانكم قال كان هذا حلفا في الجاهلية فلما كان الإسلام أمروا أن يؤتوهم نصيبهم من النصر والولاء والمشورة ولا ميراث). [تفسير عبد الرزاق: 1/157]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى والذين عقدت أيمانكم قال كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول دمي دمك وهدمي هدمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك فلما جاء الإسلام بقي منهم ناس فأمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس ثم نسخ ذلك بالميراث فقال وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتب الله). [تفسير عبد الرزاق: 1/157]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن رجلٍ عن مجاهدٍ {ولكل جعلنا موالي} قال: هم العصب [الآية: 33]). [تفسير الثوري: 93]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن رجلٍ عن مجاهدٍ (والذين عاقدت أيمانكم) قال: حلفٌ كان في الجاهليّة فأمروا في الإسلام أن يعطوهم نصيبهم من المشورة والعقل والنصر ولا ميراث [الآية: 33].
سفيان [الثوري] عن الأعمش قال: أعطاه أبو بكر السدس. يعني المعاقد). [تفسير الثوري: 94]

قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبيرٍ قال: كان الرّجل يعاقد الرّجل، فيرث كلّ واحدٍ منهما صاحبه، وكان أبو بكرٍ رضي اللّه عنه عاقد رجلًا، فورثه.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ - في قوله عزّ وجلّ: {ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون} - قال: العصبة، {والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم}، قال: الحلفاء، {فآتوهم نصيبهم} قال: من العقل والنّصر والرّفادة.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، أنّه كان يقرأ: (عاقدت أيمانكم) ). [سنن سعيد بن منصور: 4/1240-1243]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: (ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون، والّذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إنّ اللّه كان على كلّ شيءٍ شهيدًا)
وقال معمرٌ: " أولياء موالي، وأولياء ورثةٌ، (عاقدت أيمانكم):هو مولى اليمين، وهو الحليف والمولى أيضًا ابن العمّ، والمولى المنعم المعتق، والمولى المعتق، والمولى المليك، والمولى مولًى في الدّين "
- حدّثني الصّلت بن محمّدٍ، حدّثنا أبو أسامة، عن إدريس، عن طلحة بن مصرّفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، {ولكلٍّ جعلنا موالي} [النساء: 33] ، قال: ورثةً. (والّذين عاقدت أيمانكم):«كان المهاجرون لمّا قدموا المدينة يرث المهاجريّ الأنصاريّ، دون ذوي رحمه للأخوّة الّتي آخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينهم» ، فلمّا نزلت: {ولكلٍّ جعلنا موالي} [النساء: 33] نسخت، ثمّ قال: (والّذين عاقدت أيمانكم) من النّصر والرّفادة والنّصيحة، وقد ذهب الميراث ويوصي له، سمع أبو أسامة، إدريس، وسمع إدريس، طلحة). [صحيح البخاري: 6/44]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون)
ساق إلى قوله شهيدًا وسقط ذلك لغير أبي ذرٍّ قوله وقال معمرٌ أولياء موالي أولياء ورثةٌ عاقدت أيمانكم هو مولى اليمين وهو الحليف والمولى أيضا بن العمّ والمولى المنعم المعتق أي بكسر المثنّاة والمولى المعتق أي بفتحها والمولى المليك والمولى مولًى في الدّين انتهى ومعمرٌ هذا بسكون المهملة وكنت أظنّه معمر بن راشدٍ إلى أن رأيت الكلام المذكور في المجاز لأبي عبيدة واسمه معمر بن المثنّى ولم أره عن معمر بن راشدٍ وإنّما أخرج عبد الرّزّاق عنه في قوله ولكلٍّ جعلنا موالي قال الموالي الأولياء الأب والأخ والابن وغيرهم من العصبة وكذا أخرجه إسماعيل القاضي في الأحكام من طريق محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ وقال أبو عبيدة ولكلٍّ جعلنا موالي أولياء ورثة والّذين عاقدت أيمانكم فالمولى بن العمّ وساق ما ذكره البخاريّ وأنشد في المولى بن العمّ مهلًا بني عمّنا مهلًا موالينا وممّا لم يذكره وذكره غيره من أهل اللّغة المولى المحبّ والمولى الجار والمولى النّاصر والمولى الصّهر والمولى التّابع والمولى القرار والمولى الوليّ والمولى الموازى وذكروا أيضا العم والعبد وبن الأخ والشّريك والنّديم ويلتحق بهم معلّم القرآن جاء فيه حديثٌ مرفوعٌ من علّم عبدًا آيةً من كتاب اللّه فهو مولاه الحديث أخرجه الطّبرانيّ من حديث أبي أمامة ونحوه قول شعبة من كتبت عنه حديثًا فأنا له عبدٌ وقال أبو إسحاق الزّجّاج كلّ من يليك أو والاك فهو مولًى

[4580] قوله حدّثنا الصّلت بن محمّدٍ تقدّم هذا الحديث سندًا ومتنًا في الكفالة وأحيل بشرحه على هذا الموضع قوله عن إدريس هو بن يزيد الأوديّ بفتح الألف وسكون الواو والد عبد اللّه بن إدريس الفقيه الكوفيّ وإدريس ثقةٌ عندهم وما له في البخاريّ سوى هذا الحديث ووقع في رواية الطّبريّ عن أبي كريبٍ عن أبي أسامة حدّثنا إدريس بن يزيد قوله عن طلحة بن مصرّفٍ وقع في الفرائض عن إسحاق بن إبراهيم عن أبي أسامة عن إدريس حدّثنا طلحة قوله ولكلٍّ جعلنا موالي قال ورثةً هذا متّفقٌ عليه بين أهل التّفسير من السّلف أسنده الطّبريّ عن مجاهدٍ وقتادة والسّدّيّ وغيرهم ثمّ قال وتأويل الكلام ولكلّكم أيّها النّاس جعلنا عصبةً يرثونه ممّا ترك والده وأقربوه من ميراثهم له وذكر غيره للآية تقديرًا غير ذلك فقيل التّقدير جعلنا لكلّ ميّتٍ ورثةً ترث ممّا ترك الوالدان والأقربون وقيل التّقدير ولكلّ مالٍ ممّا ترك الوالدان والأقربون جعلنا ورثةً يحوزونه فعلى هذا كلٍّ متعلقة بجعل وممّا ترك صفة لكل والوالدان فاعل ترك ويلزم عليه الفصل بين الموصوف وصفته وقد سمع كثيرًا وفي القرآن قل أغير الله أتّخذ وليا فاطر السّماوات فإنّ فاطر صفة اللّه اتّفاقًا وقيل التّقدير ولكلّ قومٍ جعلناهم مولًى أي ورثةً نصيبٌ ممّا ترك والداهم وأقربوهم وهذا يقتضي أنّ لكل خبر مقدم ونصيب مبتدأ مؤخر وجعلناهم صفة لقوم وممّا ترك صفة للمبتدأ الّذي حذف ونصيب صفته وكذا حذف ما أضيفت إليه كلٌّ وبقيت صفته وكذا حذف العائد على الموصوف هذا حاصلٌ ما ذكره المعربون وذكروا غير ذلك ممّا ظاهره التّكلّف وأوضح من ذلك أنّ الّذي يضاف إليه كلٌّ هو ما تقدّم في الآية الّتي قبلها وهو قوله للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن ثمّ قال ولكلٍّ أي من الرّجال والنّساء جعلنا أي قدّرنا نصيبًا أي ميراثًا ممّا ترك الوالدان والأقربون والّذين عاقدت أيمانكم أي بالحلف أو الموالاة والمؤاخاة فآتوهم نصيبهم خطابٌ لمن يتولّى ذلك أي من ولي على ميراث أحدٍ فليعط لكلّ من يرثه نصيبه وعلى هذا المعنى المتّضح ينبغي أن يقع الإعراب ويترك ما عداه من التّعسّف قوله والّذين عاقدت أيمانكم كان المهاجرون لمّا قدموا المدينة يرث المهاجريّ الأنصاريّ دون ذوي رحمه للأخوّة هكذا حملها بن عبّاسٍ على من آخى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بينهم وحملها غيره على أعمّ من ذلك فأسند الطّبريّ عنه قال كان الرّجل يحالف الرّجل ليس بينهما نسبٌ فيرث أحدهما الآخر فنسخ ذلك ومن طريق سعيد بن جبيرٍ قال كان الرّجل يعاقد الرّجل فيرثه وعاقد أبو بكرٍ مولًى فورثه قوله فلمّا نزلت ولكلٍّ جعلنا موالي نسخت هكذا وقع في هذه الرّواية أنّ ناسخ ميراث الحليف هذه الآية وروى الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ قال كان الرّجل يعاقد الرّجل فإذا مات ورثه الآخر فأنزل اللّه عزّ وجلّ وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه من المؤمنين والمهاجرين إلّا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفًا يقول إلّا أن توصوا لأوليائكم الّذين عاقدتم ومن طريق قتادة كان الرّجل يعاقد الرّجل في الجاهليّة فيقول دمي دمك وترثني وأرثك فلمّا جاء الإسلام أمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السّدس ثمّ نسخ بالميراث فقال وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ ومن طرقٍ شتّى عن جماعةٍ من العلماء كذلك وهذا هو المعتمد ويحتمل أن يكون النّسخ وقع مرّتين الأولى حيث كان المعاقد يرث وحده دون العصبة فنزلت ولكلٍّ وهي آية الباب فصاروا جميعًا يرثون وعلى هذا يتنزل حديث بن عبّاسٍ ثمّ نسخ ذلك آية الأحزاب وخصّ الميراث بالعصبة وبقي للمعاقد النّصر والإرفاد ونحوهما وعلى هذا يتنزّل بقيّة الآثار وقد تعرّض له بن عبّاسٍ في حديثه أيضًا لكن لم يذكر النّاسخ الثّاني ولا بدّ منه واللّه أعلم قوله ثمّ قال والّذين عاقدت أيمانكم من النّصر والرّفادة والنّصيحة وقد ذهب الميراث ويوصى له كذا وقع فيه وسقط منه شيءٌ بيّنه الطّبريّ في روايته عن أبي كريبٍ عن أبي أسامة بهذا الإسناد ولفظه ثمّ قال والّذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم من النّصر إلخ فقوله من النّصر يتعلّق بآتوهم لا بعاقدت ولا بأيمانكم وهو وجه الكلام والرّفادة بكسر الرّاء بعدها فاءٌ خفيفةٌ الإعانة بالعطيّة قوله سمع أبو أسامة إدريس وسمع إدريس طلحة وقع هذا في رواية المستملي وحده وقد قدّمت التّنبيه على من وقع عنده التّصريح بالتّحديث لأبي أسامة من إدريس ولإدريس من طلحة في هذا الحديث بعينه وإلى ذلك أشار المصنّف والله أعلم). [فتح الباري: 8/247-249]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال معمر أولياء موالي وأولياء ورثه
قال إبراهيم الحربيّ في غريب الحديث له أنا الأثرم عن أبي عبيده وهو معمر بن المثنى قال موالي أولياء وورثة
وقال إسماعيل القاضي في أحكامه ثنا محمّد بن عبيد ثنا محمّد بن ثور عن معمر في قوله ولكل جعلنا موالي قال الموالي الأولياء الأب والأخ والابن أو غيرهم من العصبة
وكذا رواه عبد الرّزّاق في تفسيره عن معمر عن قتادة به). [تغليق التعليق: 4/195]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله تعالى: {ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون} (النّساء: 33) الآية)

أي: هذا باب في قوله تعالى هكذا في رواية غير أبي ذر وفي رواية أبي ذر ساق إلى قوله: (شهيدا) بعد قوله: (والأقربون) الآية. {والّذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم أن الله كان على كل شيء شهيدا} قوله: {ولكل جعلنا موالي} قال الزّمخشريّ: أي: ولكل شيء ممّا ترك الوالدان والأقربون من المال جعلنا موالي وراثا يلونه ويحرزونه أو لكل قوم جعلناهم موالي نصيب. وفي (تفسير ابن كثير) قال ابن عبّاس ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو صالح وقتادة وزيد بن أسلم والسّديّ والضّحّاك ومقاتل بن حيّان وغيرهم في قوله: {ولكل جعلنا موالي} أي: ورثة. وفي رواية عن ابن عبّاس: أي عصبة، وقال ابن جرير: ومعنى قوله: {ممّا ترك الولدان والأقربون} ما تركه والديه وأقربيه من الميراث. قوله: (والّذين عاقدت أيمانكم) ، قال الزّمخشريّ: هذا مبتدأ ضمن معنى الشّرط فوقع خبره مع الفاء، وهو معنى قوله: {فآتوهم نصيبهم} وذكر وجوهًا أخر فمن أراد أن يقف عليها فليرجع إلى تفسيره، وقال ابن كثير: أي والّذين تحالفتم بالأيمان المؤكّدة أنتم وهم فآتوهم نصيبهم من الميراث كما وعدتموهم في الأيمان المغلّظة إن الله كان شاهدا بينكم في تلك العهود والمعاقدات، وقد كان هذا في ابتداء الإسلام ثمّ نسخ بعد ذلك، وأمروا أن يؤتوا لمن عاقدوا ولا ينشئوا بعد نزول هذه الآية معاقدة.
موالي أولياء ورثة
فسر لفظ موالي: في الآية الّتي ترجم بها بقوله: أولياء ورثة وقد تقدم عن ابن عبّاس أنه فسره موالي بالورثة.
وقال معمرٌ أولياء موالي أولياء ورثة
ليس هذا بموجود في بعض النّسخ. قال الكرماني: معمر بفتح الميمين ابن راشد الصّنعانيّ، وقال بعضهم: وكنت أظن أنه معمر بن راشد إلى أن رأيت الكلام المذكور في (المجاز) لأبي عبيدة أن اسمه معمر بن المثنى ولم أره عن معمر بن راشد. (فمات) عبد الرّزّاق أيضا يروى هذا عن معمر بن راشد، ولا يلزم من ذكر أبي عبيدة هذا في (المجاز) أي يكون الّذي ذكره البخاريّ في هواياه، ولا يمتنع أن يكون هذا مرويا عن معمر بن جميعًا. ثوله: (أولياء موالي) بالإضافة نحو شجر الأراك، والإضافة فيه للبيان، وكذلك أولياء ورثة، وحاصل الكلام أن أولياء الميّت الّذين يلون ميراثه ويجوزونه على نوعين: ولي بالموالاة وعقد الولاء وهم الّذين عاقدت أيمانكم، وولى بالإرث أي القرابة وهم الوالدان والأقربون.
{والّذين عاقدت أيمانكم} هو مولى اليمين وهو الحليف
فسر لفظ {والّذين عاقدت} المذكورة في الآية المذكور في الآية المذكورة بقوله: هو مولى اليمين العاقدة بين اثنين فصاعدا والأيمان جمع يمين، ومضى الكلام فيه في كتاب الكفالة.
(والمولى أيضا ابن العمّ والمولى المنعم المعتق والمولى المعتق والمولى المليك والمولى مولًى في الدّين) .
أشار بهذا إلى أن لفظ المولى يأتي لمعانٍ كثيرة وذكر منها خمسة معان الأول: يقال لابن العم مولى، قال الشّاعر:
مهلا بني عمنا مهلا موالينا
الثّاني: المنعم. أي: الّذي ينعم على عبده بالعتق وهو الّذي يقال له المولى الأعلى. الثّالث: المولى المعتق، بفتح التّاء، وهو الّذي يقال له المولى الأسفل. الرّابع: يقال للمليك المولى لأنّه يلي أمور النّاس. الخامس: المولى مولى في الدّين، وممّا لم يذكره النّاصر والمحب والتّابع والجار والحليف والعقيد والصهر والمنعم عليه والوليّ والموازي، وقال الزّجاج: كل من يليك أو والاك فهو مولى.

- حدّثنا الصّلت بن محمّد حدّثنا أبو أسامة عن إدريس عن طلحة بن مصرّفٍ عن سعيدٍ بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ رضي الله تعالى عنهما ولكلٍّ جعلنا موالي قال ورثة والّذين عاقدت أيمانكم كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاريّ دون ذوي رحمه للأخوّة الّتي آخى النبيّ صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت ولكلٍّ جعلنا موالي نسخت ثمّ قال والّذين عاقدت أيمانكم من النّصر والرّفادة والنّصيحة وقد ذهب الميراث ويوصي له.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. والحديث بعينه سندا ومتنا مضى في الكلمة في: باب قول الله تعالى: {والّذين عاقدت أيمانكم} ومضى الكلام فيه هناك. وأبو أسامة حمّاد بن أسامة. إدريس هو ابن يزيد الأودي، وماله في البخاريّ سوى هذا الحديث.
قوله: (فلمّا نزلت {ولكل جعلنا موالي} نسخت) ، هكذا وقع في هذه الرّواية أن ناسخ ميراث الحليف هذه الآية، وفي رواية عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس أن النّسخ بقوله تعالى: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض} وبه قال الحسن وعكرمة وقتادة، وقال ابن المسيب: كان الرجل يتبنى الرجل فيتوارثان على ذلك. فسخ قوله: {والرفادة} بكسر الرّاء بالإعانة والإعطاء. قوله: (ويوصي له) ، أي: للحليف لأنّه ميراثه لما نسخ جازت الوصيّة.
سمع أبو أسامة إدريس وسمع إدريس طلحة
لم يقع هذا إلاّ في رواية المستملي وحده، وأشار بهذا إلى أن كل واحد من أبي أسامة وإدريس قد صرح بالتّحديث فأسامة من إدريس، وإدريس من طلحة بن مصرف، وصرح بذلك الحاكم في (مستدركه) في الحديث ثمّ قال: صحيح على شرط الشّيخين). [عمدة القاري: 18/169-170]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون} الآية. وقال معمرٌ: موالى أولياء ورثةً.
{عاقدت أيمانكم} هو مولى اليمين وهو الحليف، والمولى أيضًا ابن العمّ، والمولى المنعم المعتق، والمولى المعتق، والمولى المليك، والمولى مولًى في الدّين.
هذا (باب) بالتنوين كذا بإثبات الباب لأبي ذر وله عن المستملي باب قوله بالإضافة ({ولكل جعلنا موال مما ترك الوالدان والأقربون} الآية) [النساء: 33] زاد أبو ذر والوقت ({والذين عاقدت أيمانكم}) أي: والذين تحالفتم بالأيمان المؤكدة أنتم وهم فآتوهم نصيبهم من الميراث إن الله كان على كل شيء شهيدًا أي ولكل شيء تركه الوالدان والأقربون عينًا ورّاثًا يأخذونه ومما ترك بيان لكل وفيه أنه فصل بينهما بعامل الموصوف، وإن جعلنا موالي صفة لكل فالتقدير لكل طائفة جعلناهم موالي نصيب مما ترك هؤلاء أو لكل ميت جعلنا ورثة من هذا المتروك، وفيه أيضًا ضعف لخروج الأولاد عنه، وإن جعل التقدير لكل أحد جعلنا موالي فتكون من صلة موالي لأنهم في معنى الورّاث. وفاعل ترك ضمير يعود على كل الوالدان والأقربون بيان الموالي كأنه جواب من سأل عنهم، وسقط لأبي ذر لفظ الآية.
(وقال معمر) هو ابن راشد الصنعاني كما قاله الكرماني أو معمر بن المثنى كما قاله ابن حجر (موالي) أي (أولياء ورثة) بنصب الكلمتين تفسيرًا للموالي وثبت لأبي ذر وقال معمر ولأبي ذر والوقت: وقال معمر أولياء موالي بالإضافة نحو شجر الأراك والإضافة للبيان وأولياء ورثة بالإضافة أيضًا ({عاقدت أيمانكم} هو مولى اليمين وهو الحلف) يعني أولياء الميت الذين يلون ميراثه يحوزونه على نوعين: ولي بالإرث وهو الوالدان والأقربون، وولى بالموالاة وعقد الولاة وهم الذين عاقدت أيمانكم وثبت أيمانكم لأبي ذر (والمولى أيضًا ابن العم) قاله ابن جرير نقلًا عن العرب،
وأنشد عليه قول الفضل بن العباس:
مهلًا بني عمنا مهلًا موالينا = لا تظهرن لنا ما كان مدفونا
(والمولى المنعم المعتق) بكسر التاء الذي أنعم على مرقوقه بالعتق (والمولى المعتق) بفتح التاء الذي كان رقيقًا فمنّ عليه بالعتق (والمولى المليك) لأنه يلي أمور الناس (والمولى مولى في الدين) وقيل غير ذلك مما يطول استقصاؤه.
- حدّثني الصّلت بن محمّدٍ، حدّثنا أبو أسامة عن إدريس عن طلحة بن مصرّفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ -رضي الله عنهما- {ولكلٍّ جعلنا موالي} قال: ورثةً {والّذين عاقدت أيمانكم} كان المهاجرون لمّا قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاريّ دون ذوي رحمه للأخوّة الّتي آخى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بينهم فلمّا نزلت {ولكلٍّ جعلنا موالي} نسخت ثمّ قال: {والّذين عاقدت أيمانكم} من النّصر والرّفادة والنّصيحة وقد ذهب الميراث ويوصي له سمع أبو أسامة إدريس وسمع إدريس طلحة.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (الصلت بن محمد) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام آخره مثناة فوقية الخاركي بخاء معجمة البصري قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن إدريس) بن يزيد الأودي (عن طلحة بن مصرف) بفتح الصاد المهملة وكسر الراء اليامي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما) في قوله تعالى: ({ولكل جعلنا موالي}) (قال: ورثة) وبه قال قتادة ومجاهد وغيرهما ({والذين عاقدت أيمانكم}) أي عاقدت ذوو أيمانكم ذوي أيمانهم قال ابن عباس: (كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر) ولأبوي ذر والوقت: المهاجري بزيادة مثناة تحتية مشددة (الأنصاري دون ذوي رحمه) أي أقربائه (للأخوّة التي آخى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بينهم) بين المهاجرين والأنصار وهذا كان في ابتداء الإسلام (فلما نزلت {ولكل جعلنا موالي} نسخت) بضم النون مبنيًا للمفعول أي وراثة الحليف بآية {ولكل جعلنا موالي} وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: كان الرجل يعاقد الرجل فإذا مات أحدهما ورثه الآخر فأنزل الله عز وجل: ({وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين} [الأحزاب: 6].
ومن طريق قتادة كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول: دمي دمك وترثني وأرثك، فلما جاء الإسلام أمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس ثم نسخ ذلك بالميراث فقال: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض} وهذا هو المعتمد، ويحتمل أن يكون النسخ وقع مرتين.
الأولى حيث كان المعاقد يرث وحده دون العصبة فنزلت (ولكل جعلنا) فصاروا جميعًا يرثون وعلى هذا يتنزل حديث ابن عباس ثم نسخ ذلك بآية الأحزاب وخص الميراث بالعصبة قاله في الفتح.
(ثم قال) أي ابن عباس في قوله تعالى: ({والذين عاقدت أيمانكم} من النصر والرفادة)
بكسر الراء أي المعاونة (والنصيحة) والجار والمجرور متعلق بمحذوف أي والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم كما صرح به الطبري في روايته عن كريب عن أبي أسامة بهذا الإسناد (وقد ذهب الميراث) بين المتعاقدين (ويوصي له) بكسر الصاد أي للحليف.
وهذا الحديث سبق في باب: والذين عاقدت أيمانكم في الكفالة.
(سمع أبو أسامة) حماد بن أسامة (إدريس) بن يزيد الأودي (وسمع إدريس طلحة) بن مصرف وفيه التصريح بالتحديث، ولم يثبت هذا إلا في رواية أبي ذر عن المستملي والكشميهني ما في الفرع كأصله، وقال ابن حجر في رواية المستملي وحده وتبعه العيني). [إرشاد الساري: 7/80-81]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {والذين عاقدت أيمانكم} قال: هم الحلفاء نصيبهم من النّصر والرّفد). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 83]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون}
- أخبرنا هارون بن عبد الله، حدّثنا أبو أسامة، حدّثنا إدريس بن يزيد، حدّثنا طلحة بن مصرّفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} [النساء: 33] قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث الأنصار - دون رحمه - للأخوّة الّتي آخى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بينهم، فلمّا نزلت الآية {ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون} [النساء: 33] قال: فنسختها {والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} [النساء: 33] من النّصر والنّصيح والرّفادة، ويوصي له، وقد ذهب الميراث "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/63]

قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إنّ اللّه كان على كلّ شيءٍ شهيدًا}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ولكلٍّ جعلنا موالي} ولكلّكم أيّها النّاس جعلنا موالي، يقول: ورثةً من بني عمّه وإخوته وسائر عصبته غيرهم. والعرب تسمّي ابن العمّ المولى، ومنه قول الشّاعر.
ومولًى رمينا حوله وهو مدغلٌ = بأعراضنا والمنديات سروع
يعني بذلك: وابن عمٍّ رمينا حوله. ومنه قول الفضل بن العبّاس:.
مهلاً بني عمّنا مهلاً موالينا = لا تظهرنّ لنا ما كان مدفونا
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا إدريس، قال: حدّثنا طلحة بن مصرّفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ولكلٍّ جعلنا موالي} قال: ورثةً.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ قال: ثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة. عن ابن عبّاسٍ: {ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان} قال: الموالي: العصبة يعني: الورثة.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا مؤمّلٌ، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ولكلٍّ جعلنا موالي} قال: الموالي: العصبة.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا الثّوريّ، عن منصورٍ. عن مجاهدٍ قوله: {ولكلٍّ جعلنا موالي} قال: هم الأولياء.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولكلٍّ جعلنا موالي} يقول: عصبةٌ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {ولكلٍّ جعلنا موالي} قال: الموالي: أولياء الأب أو الأخ أو ابن الأخ أو غيرهما من العصبة.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولكلٍّ جعلنا موالي} أمّا موالي: فهم أهل الميراث.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ولكلٍّ جعلنا موالي} قال: الموالي: العصبة هم كانوا في الجاهليّة الموالي، فلمّا دخلت العجم على العرب لم يجدوا لهم اسمًا، فقال اللّه تبارك وتعالى: {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدّين ومواليكم} فسمّوا الموالي. قال: والمولى اليوم موليان: مولًى يرث ويورّث فهؤلاء ذوو الأرحام، ومولًى يورّث ولا يرث فهؤلاء العتاقة؛ وقال: ألا ترون قول زكريّاء: {وإنّي خفت الموالي من ورائي} فالموالي ههنا: الورثة.
ويعني بقوله: {ممّا ترك الوالدان والأقربون} من تركه والده وأقربيه من الميراث.
فتأويل الكلام: ولكلّكم أيّها النّاس جعلنا عصبةً يرثون به ممّا ترك والده وأقرباؤه من ميراثهم). [جامع البيان: 6/671-673]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم}.
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأه بعضهم: {والّذين عقدت أيمانكم} بمعنى: والّذين عقدت أيمانكم الحلف بينكم وبينهم، وهي قراءة عامّة قرّاء الكوفيّين.
وقرأ ذلك آخرون: (والّذين عاقدت أيمانكم)، بمعنى: والّذين عاقدت أيمانكم وأيمانهم الحلف بينكم وبينهم.
قال أبو جعفرٍ: والّذي نقول به في ذلك أنّهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة أمصار المسلمين بمعنًى واحدٍ.
وفي دلالة قوله: {أيمانكم} على أنّها أيمان العاقدين والمعقود عليهم الحلف، مستغنًى عن الدّلالة على ذلك بقراءة قوله {عقدت}، عاقدت، وذلك أنّ الّذين قرءوا ذلك: عاقدت، قالوا: لا يكون عقد الحلف إلاّ من فريقين، ولا بدّ لنا من دلالةٍ في الكلام على أنّ ذلك كذلك، وأغفلوا موضع دلالة قوله: {أيمانكم} على أنّ معنى ذلك: أيمانكم وأيمان المعقود عليهم، وأنّ العقد إنّما هو صفةٌ للإيمان دون العاقدين الحلف، حتّى زعم بعضهم أنّ ذلك إذا قرئ: {عقدت أيمانكم} فالكلام محتاجٌ إلى ضمير صفةٍ تقى في الكلام حتّى يكون الكلام معناه: والّذين عقدت لهم أيمانكم ذهابًا منه عن الوجه الّذي قلنا في ذلك من أنّ الأيمان معنيّ بها أيمان الفريقين.
وأمّا عاقدت أيمانكم، فإنّه في تأويل: عاقدت أيمان هؤلاء أيمان هؤلاء الحلف، فهما متقاربان في المعنى، وإن كانت قراءة من قرأ ذلك: {عقدت أيمانكم} بغير ألفٍ، أصحّ معنًى من قراءة من قرأه: عاقدت؛ للّذي ذكرنا من الدّلالة على المعنيّ في صفة الأيمان بالعقد على أنّها أيمان الفريقين من الدّلالة على ذلك بغيره.
وأمّا معنى قوله: {عقدت أيمانكم} فإنّه وصلت وشدّت ووكّدت أيمانكم، يعني: مواثيقكم الّتي واثق بعضهم بعضًا.
فآتوهم نصيبهم. ثمّ اختلف أهل التّأويل في معنى النّصيب الّذي أمر اللّه أهل الحلف أن يؤتي بعضهم بعضًا في الإسلام، فقال بعضهم: هو نصيبه من الميراث لأنّهم في الجاهليّة كانوا يتوارثون، فأوجب اللّه في الإسلام من بعضهم لبعضٍ بذلك الحلف، وبمثله في الإسلام من الموارثة مثل الّذي كان لهم في الجاهليّة، ثمّ نسخ ذلك بما فرض من الفرائض لذوي الأرحام والقرابات.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، عن الحسن بن واقدٍ، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، والحسن البصريّ، في قوله: (والّذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إنّ اللّه كان على كلّ شيءٍ شهيدًا). قال: كان الرّجل يحالف الرّجل، ليس بينهما نسبٌ، فيرث أحدهما الآخر، فنسخ اللّه ذلك في الأنفال، فقال: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه ان الله بكل شى عليم}
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قول اللّه: (والّذين عاقدت أيمانكم). قال: كان الرّجل يعاقد الرّجل فيرثه، وعاقد أبو بكرٍ رضي اللّه عنه مولًى فورّثه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: (والّذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم). فكان الرّجل يعاقد الرّجل أيّهما مات ورثه الآخر، فأنزل اللّه: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه من المؤمنين والمهاجرين إلاّ أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفًا} [الأحزاب] يقول: إلاّ أن يوصوا لأوليائهم الّذين عاقدوا وصيّةً فهو لهم جائزٌ من ثلث مال الميّت، وذلك هو المعروف.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: (والّذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إنّ اللّه كان على كلّ شيءٍ شهيدًا). كان الرّجل يعاقد الرّجل في الجاهليّة، فيقول: دمي دمك، وهدمي هدمك، وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك. فجعل له السّدس من جميع المال في الإسلام، ثمّ يقسم أهل الميراث ميراثهم، فنسخ ذلك بعد في سورة الأنفال، فقال اللّه: وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: (والّذين عاقدت أيمانكم). قال: كان الرّجل في الجاهليّة يعاقد الرّجل فيقول: دمي دمك، وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك؛ فلمّا جاء الإسلام، بقي منهم ناسٌ، فأمروا أن يؤتوهم نصيبهم من الميراث وهو السّدس، ثمّ نسخ ذلك بالميراث، فقال: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله}.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال قال: حدّثنا همّام بن يحيى قال: سمعت قتادة، يقول في قوله: (والّذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) وذلك أنّ الرّجل كان يعاقد الرّجل في الجاهليّة، فيقول: هدمي هدمك، ودمي دمك، وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك. فجعل له السّدس من جميع المال، ثمّ يقتسم أهل الميراث ميراثهم، فنسخ ذلك بعد في الأنفال، فقال: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه} فصارت المواريث لذوي الأرحام.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن جابرٍ، عن عكرمة، قال: هذا حلفٌ كان في الجاهليّة، كان الرّجل يقول للرّجل: ترثني وأرثك وتنصرني وأنصرك، وتعقل عنّي وأعقل عنك.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: (والّذين عاقدت أيمانكم) كان الرّجل يتبع الرّجل فيعاقده: إن متّ فلك مثل ما يرث بعض ولدي وهذا منسوخٌ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: (ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون والّذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) كإنّ الرّجل في الجاهليّة قد كان يلحق به الرّجل، فيكون تابعه، فإذا مات الرّجل صار لأهله وأقاربه الميراث، وبقي تابعا ليس له شيءٌ، فأنزل اللّه: (والّذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) فكان يعطى من ميراثه، فأنزل اللّه بعد ذلك: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه}.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في الّذين آخى بينهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من المهاجرين والأنصار، فكان بعضهم يرث بعضًا بتلك المؤاخاة ثمّ نسخ اللّه ذلك بالفرائض، وبقوله: {ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا إدريس بن يزيد، قال: حدّثنا طلحة بن مصرّفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: (والّذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجريّ الأنصاريّ دون ذوي رحمه للأخوّة الّتي آخى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بينهم، فلمّا نزلت هذه الآية: {ولكلٍّ جعلنا موالي} نسخت.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: (والّذين عاقدت أيمانكم) الّذين عقد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم {فآتوهم نصيبهم} إذا لم يأت رحمٌ يحول بينهم قال: وهو لا يكون اليوم، إنّما كان في نفرٍ آخى بينهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وانقطع ذلك، ولا يكون هذا لأحدٍ إلاّ للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، كان آخى بين المهاجرين والأنصار واليوم لا يؤاخى بين أحدٍ.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في أهل العقد بالحلف، ولكنّهم أمروا أن يؤتي بعضهم بعضًا أنصباءهم من النّصرة والنّصيحة وما أشبه ذلك دون الميراث.
- ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثنا إدريس الأوديّ، قال: حدّثنا طلحة بن مصرّفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} من النّصر والنّصيحة والرّفادة، ويوصي لهم، وقد ذهب الميراث.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: {والّذين عقدت أيمانكم} قال: كان حلفٌ في الجاهليّة، فأمروا في الإسلام أن يعطوهم نصيبهم من العقل والنّصرة والمشورة، ولا ميراث.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ قال: حدّثنا شعبة، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ أنّه قال في هذه الآية: (والّذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) من العون والنّصر والحلف.
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا الثّوريّ، عن منصورٍ عن مجاهدٍ في قول اللّه: (والّذين عاقدت أيمانكم) قال: كان هذا حلفًا في الجاهليّة، فلمّا كان الإسلام أمروا أن يؤتوهم نصيبهم من النّصر والولاء والمشورة، ولا ميراث.
- حدّثنا زكريّا بن يحيى بن أبي زائدة، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال ابن جريجٍ: (والّذين عاقدت أيمانكم) أخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، أنّه سمع مجاهدًا، يقول: هو الحلف عقدت أيمانكم قال: فآتوهم نصيبهم قال: النّصر.
- حدّثني زكريّا بن يحيى، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال ابن جريجٍ. أخبرني عطاءٌ، قال: هو الحلف قال: {فآتوهم نصيبهم} قال: العقل والنّصر.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قول اللّه: (والّذين عاقدت أيمانكم) قال: لهم نصيبهم من النّصر والرّفادة والعقل.
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن سالمٍ، عن سعيدٍ: (والّذين عاقدت أيمانكم) قال: هم الحلفاء.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا عبّاد بن العوّام، عن خصيفٍ، عن عكرمة، مثله.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن مفضّلٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: (والّذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) أمّا عاقدت أيمانكم فالحلف كان الرّجل في الجاهليّة ينزل في القوم فيحالفونه على أنّه منهم يواسونه بأنفسهم، فإذا كان لهم حقٌّ أو قتالٌ كان مثلهم، وإذا كان له حقٌّ أو نصرةٌ خذلوه؛ فلمّا جاء الإسلام سألوا عنه، وأبى اللّه إلاّ أن يشدّده، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لم يزد الإسلام الحلفاء إلا شدّةً.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في الّذين كانوا يتبنّون أبناء غيرهم في الجاهليّة، فأمروا في الإسلام أن يوصوا لهم عند الموت وصيّةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني اللّيث، عن عقيلٍ، عن ابن شهابٍ، قال: حدّثني سعيد بن المسيّب: أنّ اللّه، قال: (ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون والّذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم) قال سعيد بن المسيّب: إنّما نزلت هذه الآية في الّذين كانوا يتبنّون رجالاً غير أبنائهم ويورّثونهم، فأنزل اللّه فيهم، فجعل لهم نصيبًا في الوصيّة وردّ الميراث إلى الموالي في ذوي الرّحم والعصبة، وأبى اللّه للمدّعين ميراثًا ممّن ادّعاهم وتبنّاهم، ولكنّ اللّه جعل لهم نصيبًا في الوصيّة.
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال بالصّواب في تأويل قوله: {والّذين عقدت أيمانكم} قول من قال: والّذين عقدت أيمانكم على المحالفة، وهم الحلفاء، وذلك أنّه معلومٌ عند جميع أهل العلم بأيّام العرب وأخبارها أنّ عقد الحلف بينها كان يكون بالأيمان والعهود والمواثيق، على نحو ما قد ذكرنا من الرّواية في ذلك. فإذ كان اللّه جلّ ثناؤه إنّما وصف الّذين عقدت أيمانهم ما عقدوه بها بينهم دون من لم يعقد عقد ما بينهم أيمانهم، وكانت مؤاخاة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بين من آخى بينه وبينه من المهاجرين والأنصار، لم تكن بينهم بأيمانهم، وكذلك التّبنّي كان معلومًا أنّ الصّواب من القول في ذلك قول من قال: هو الحلف دون غيره لما وصفنا من العلّة.
وأمّا قوله: {فآتوهم نصيبهم} فإنّ أولى التّأويلين به، ما عليه الجميع مجمعون من حكمه الثّابت، وذلك إيتاء أهل الحلف الّذي كان في الجاهليّة دون الإسلام بعضهم بعضًا أنصباءهم من النّصرة والنّصيحة والرّأي دون الميراث.وذلك لصحّة الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّه قال: لا حلف في الإسلام، وما كان من حلفٍ في الجاهليّة فلم يزده الإسلام إلا شدّةً.
حدّثنا بذلك أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن شريكٍ، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- وحدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا مصعب بن المقدام، عن إسرائيل بن يونس، عن محمّد بن عبد الرّحمن، مولى آل طلحة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا حلف في الإسلام، وكلّ حلفٍ كان في الجاهليّة فلم يزده الإسلام إلاّ شدّةً وما يسرّني أنّ لي حمر النّعم وأنّى نقضت الحلف الّذي كان في دار النّدوة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن أبيه، عن شعبة بن التّوأم الضّبّيّ: أنّ قيس بن عاصمٍ، سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الحلف، فقال: لا حلف في الإسلام، ولكن تمسّكوا بحلف الجاهليّة.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا هشيمٌ قال: أخبرنا مغيرة، عن أبيه، عن شعبة بن التّوأم، عن قيس بن عاصمٍ أنّه سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الحلف قال: فقال: ما كان من حلفٍ في الجاهليّة فتمسّكوا به ولا حلف في الإسلام.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن داود بن أبي عبد اللّه، عن ابن جدعان، عمّن جدّته، عن أمّ سلمة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا حلف في الإسلام، وما كان من حلفٍ في الجاهليّة لم يزده الإسلام إلا شدّةً.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، قال: حدّثنا حسينٌ المعلّم، وحدّثنا مجاهد بن موسى، قال: حدّثنا يزيد بن هارون، قال: حدّثنا حسينٌ المعلّم، وحدّثنا حاتم بن بكرٍ الضّبّيّ، قال: حدّثنا عبد الأعلى بن حسينٍ المعلّم، قال: حدّثنا أبي، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال في خطبته يوم فتح مكّة: فوا بحلفٍ، فإنّه لا يزيده الإسلام إلاّ شدّةً، ولا تحدثوا حلفًا في الإسلام.
- حدّثنا أبو كريبٍ، وعبدة بن عبد اللّه الصّفّار، قالا: حدّثنا محمّد بن بشرٍ، قال: حدّثنا زكريّا بن أبي زائدة، قال: حدّثني سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جبير بن مطعمٍ: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا حلف في الإسلام، وأيّما حلفٍ كان في الجاهليّة فلم يزده الإسلام إلا شدّةً.
- حدّثنا حميد بن مسعدة، ومحمّد بن عبد الأعلى، قالا: حدّثنا بشر بن المفضّل، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن إسحاق، وحدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن عبد الرّحمن بن إسحاق، عن الزّهريّ، عن محمّد بن جبير بن مطعمٍ، عن أبيه، عن عبد الرّحمن بن عوفٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: شهدت حلف المطيّبين وأنا غلامٌ مع عمومتي فما أحبّ أنّ لي حمر النّعم وأنّي أنكثه.زاد يعقوب في حديثه عن ابن عليّة قال: وقال الزّهريّ: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لم يصب الإسلام حلفًا إلاّ زاده شدّةً قال: ولا حلف في الإسلام قال: وقد ألّف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين قريشٍ والأنصار.
- حدّثنا تميم بن المنتصر قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه قال: لمّا دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مكّة عام الفتح، قام خطيبًا في النّاس، فقال: يا أيّها النّاس، ما كان من حلفٍ في الجاهليّة فإنّ الإسلام لم يزده إلاّ شدّةً، ولا حلف في الإسلام.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، نحوه.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا خالد بن مخلدٍ قال: حدّثنا سليمان بن بلالٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحوه.
فإذ كان ما ذكرنا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صحيحًا، وكانت الآية إذا اختلف في حكمها منسوخٌ هو أم غير منسوخٍ، غير جائزٍ القضاء عليه بأنّه منسوخٌ مع اختلاف المختلفين فيه، ولوجوب حكمها ونفي النّسخ عنه وجهٌ صحيحٌ إلاّ بحجّةٍ يجب التّسليم لها لمّا قد بيّنّا في غير موضعٍ من كتبنا الدّلالة على صحّة القول بذلك، فالواجب أن يكون الصّحيح من القول في تأويل قوله: {والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} هو ما ذكرنا من التّأويل، وهو أنّ قوله: {عقدت أيمانكم} من الحلف، وقوله: {فآتوهم نصيبهم} من النّصرة والمعونة والنّصيحة والرّأي على ما أمره به من ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الأخبار الّتي ذكرناه عنه، دون قول من قال: معنى قوله: {فآتوهم نصيبهم} من الميراث، وإنّ ذلك كان حكمًا، ثمّ نسخ بقوله: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه} دون ما سوى القول الّذي قلناه في تأويل ذلك.
وإذا صحّ ما قلنا في ذلك وجب أن تكون الآية محكمةً لا منسوخةً). [جامع البيان: 6/673-686]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ اللّه كان على كلّ شيءٍ شهيدًا}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: فآتوا الّذين عقدت أيمانكم نصيبهم من النّصرة والنّصيحة والرّأي، فإنّ اللّه شاهدٌ على ما تفعلون من ذلك وعلى غيره من أفعالكم، مراعٍ لكلّ ذلك حافظٌ، حتّى يجازي جميعكم على جميع ذلك جزاءه، أمّا المحسن منكم المتّبع أمري وطاعتي فبالحسنى، وأمّا المسيء منكم المخالف أمري ونهيي فبالسّوأى.
ومعنى قوله: {شهيدًا} ذو شهادةٍ على ذلك). [جامع البيان: 6/686]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إنّ اللّه كان على كلّ شيءٍ شهيدًا (33)
قوله تعالى: ولكلٍّ جعلنا موالي
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة قال إدريس الأوديّ: أخبرني طلحة بن مصرّفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله ولكلٍّ جعلنا موالي قال: ورثةً.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون قال: الموالي: العصبة يعني الورثة- وروي عن مجاهدٍ وسعيد بن جبيرٍ وأبي صالحٍ، وقتادة وزيد بن أسلم والسّدّيّ والضّحّاك، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
قوله تعالى: ممّا ترك الوالدان والأقربون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: ممّا ترك الوالدان والأقربون يعني:
من الميراث.
قوله تعالى: والّذين عقدت أيمانكم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة قال إدريس الأوديّ، أخبرني طلحة بن مصرّفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يورث الأنصاريّ دون ذوي رحمه بالأخوّة الّتي آخى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بينهم، فلمّا نزلت هذه الآية: ولكلٍّ جعلنا موالي نسخت ثمّ قال: والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، وعثمان بن عطاءٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم وكان الرّجل قبل الإسلام يعاقد الرّجل يقول: ترثني وأرثك، وكان الأحبّاء يتحالفون، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: كلّ حلفٍ كان في الجاهليّة أو عقدٍ أدركه الإسلام، فلا يزيده الإسلام إلا شدّةً، ولا عقد ولا حلف عن الإسلام، فنسختها هذه
الآية: وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه
- وروي عن سعيد بن المسيّب ومجاهدٍ ، والحسن وعطاءٍ وسعيد بن جبيرٍ وأبي صالحٍ، والشّعبيّ وسليمان بن يسارٍ وعكرمة والسّدّيّ والضّحّاك وقتادة، ومقاتل بن حيّان قالوا: هم الحلفاء.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو الأصبغ الحرّانيّ، ثنا محمّد بن سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن داود ابن حصينٍ قال: كنت أقرأ على أمّ سعد بن سعد بن الرّبيع مع ابنها موسى بن سعدٍ، وكانت يتيمةً في حجر أبي بكرٍ، فقرأت عليها: والّذين عاقدت أيمانكم فقالت: لا ولكن والّذين عقدت أيمانكم قالت: إنّما أنزلت في أبي بكرٍ وابنه عبد الرّحمن حين أبى أن يسلم، فحلف أبو بكرٍ ألا يورّثه فلمّا أسلم حين حمل على الإسلام بالسّيف، أمره اللّه أن يؤتيه نصيبه.
قوله تعالى: فآتوهم نصيبهم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو أسامة قال إدريس الأوديّ: أخبرني طلحة بن مصرّفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: فآتوهم نصيبهم قال: من النّصر والنّصيحة والرّفادة، ويوصى لهم، وقد ذهب الميراث.
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ: فآتوهم نصيبهم قال: من النّصر والمشورة والعقل.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا إسحاق بن سليمان أبو يحيى الرّازيّ، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ: والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم قال: هو حليف القوم، يقول: أشهدوه أمركم ومشورتكم.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن عمران، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ في قوله: والّذين عقدت أيمانكم الآية. قال: كان الرّجل في الجاهليّة يأتي القوم، فيعقدون له أنّه رجلٌ منهم إن كان ضرّاً أو نفعاً أو دماً، فإنّه فيهم مثلهم، ويأخذوا له من أنفسهم مثل الّذي يأخذون منه، قال: فكانوا إذا كان قتالٌ قالوا: يا فلان: أنت منّا فانصرنا، قالوا: وإن كانت منفعةٌ قالوا: أعطنا أنت منّا، ولم ينصروه كنصرة بعضهم بعضاً إن استنصروه، وإن نزل به أمرٌ أعطاه بعضهم ومنعه بعضهم، ولم يعطوه مثل الّذي يأخذون منه، قال: فأتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسألوه وتحرّجوا من ذلك، وقالوا: قد عاقدناهم في الجاهليّة، فأنزل اللّه تعالى: والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم قال: أعطوهم مثل الّذي تأخذون منهم.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: فآتوهم نصيبهم: من الميراث.
قوله تعالى: إنّ اللّه كان على كلّ شيءٍ شهيدًا ... ). [تفسير القرآن العظيم: 3/937-939]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم يعني من العقل والنصر والرفد). [تفسير مجاهد: 154]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا أبو جعفرٍ أحمد بن عبد الحميد الحارثيّ، ثنا أبو أسامة، حدّثني إدريس بن يزيد، ثنا طلحة بن مصرّفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله عزّ وجلّ " {والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} [النساء: 33] قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يورّثون الأنصار، دون ذوي القربى، رحمةً للأخوّة الّتي آخى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بينهم فلمّا نزلت {ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون} [النساء: 33] قال: فنسختها ثمّ قال {والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} [النساء: 33] من النّصر والنّصيحة «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/335]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ د) ابن عباس - رضي الله عنهما - {ولكلٍّ جعلنا موالي} ورثة {والّذين عاقدت أيمانكم} [النساء: 33] كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجريّ الأنصاريّ، دون ذوي رحمه، للأخوّة التي آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بينهم، فلما نزلت: {ولكلٍ جعلنا موالي}، نسختها ثم قال: {والذين عقدت أيمانكم} إلا النّصر والرّفادة والنّصيحة، وقد ذهب الميراث، ويوصى له. أخرجه البخاري وأبو داود.
وفي أخرى لأبي داود قال: {والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} كان الرّجل يحالف الرّجل، ليس بينهما نسبٌ، فيرث أحدهما الآخر، فنسخ ذلك الأنفال، فقال: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ}.
[شرح الغريب]
(عاقدت أيمانكم) المعاقدة: المعاهدة والميثاق، و «الأيمان» جمع يمين: القسم أو اليد.
(ذوي رحمه) ذوو الرحم: الأقارب في النسب..
(الرّفادة):الإعانة، رفدت الرجل: إذا أعنته، وإذا أعطيته). [جامع الأصول: 2/88-89]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (د) داود بن الحصين - رحمه الله - قال: كنت أقرأ على أم سعد بنت الربيع - وكانت يتيمة في حجر أبي بكر - فقرأت: {والذين عاقدت أيمانكم} فقالت: لا تقرأ {والذين عاقدت أيمانكم} إنما نزلت في أبي بكرٍ وابنه عبد الرحمن، حين أبى الإسلام، فحلف أبو بكر أن لا يورّثه، فلما أسلم أمره الله أن يؤتيه نصيبه.
زاد في رواية: فما أسلم حتى حمل على الإسلام بالسيف. أخرجه أبو داود). [جامع الأصول: 2/89]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج البخاري وأبو داود والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس والحاكم والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس {ولكل جعلنا موالي} قال: ورثة {والذين عقدت أيمانكم} قال: كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت {ولكل جعلنا موالي} نسخت ثم قال {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} من النصر والرفادة والنصيحة وقد ذهب الميراث ويوصي له.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه، وابن مردويه عن ابن عباس {ولكل جعلنا موالي} قال: عصبة {والذين عقدت أيمانكم} قال: كان الرجل يعاقد الرجل أيهما مات ورثه الآخر فأنزل الله (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا) (الأحزاب الآية 6) يقول: إلا أن يوصوا إلى أوليائهم الذين عقدوا وصية فهو لهم جائز من ثلث مال الميت وهو المعروف.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {ولكل جعلنا موالي} قال: الموالي، العصبة هم كانوا في الجاهلية الموالي فلما دخلت العجم على العرب لم يجدوا لهم اسما، فقال الله (فإن لم تعلموا أباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم) (الأحزاب الآية 5) فسموا الموالي.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {والذين عقدت أيمانكم} قال: كان الرجل قبل الإسلام يعاقد الرجل يقول: ترثني وأرثك وكان الأحياء يتحالفون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل حلف كان في الجاهلية أو عقد أدركه الإسلام فلا يزيده الإسلام إلا شدة ولا عقد ولا حلف في الإسلام نسختها هذه الآية (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض) (الأحزاب الآية 6).
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: كان الرجل يعاقد الرجل فيرث كل واحد منهما صاحبه وكان أبو بكر عاقد رجلا فورثه.
وأخرج أبو داود، وابن جرير، وابن مردويه عن عكرمة عن ابن عباس في قوله {والذين عقدت أيمانكم} قال: كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما الآخر فنسخ في ذلك في الأنفال فقال: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) (الأحزاب الآية 6).
وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة في الآية قال: كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول: دمي دمك وهدمي هدمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك، فجعل له السدس من جميع المال في الإسلام ثم يقسم أهل الميراث ميراثهم، فنسخ ذلك بعد في سورة الأنفال فقال: (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض) فقذف ما كان من عهد يتوارث به وصارت المواريث لذوي الأرحام.
وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في الآية قال: كان الرجل في الجاهلية قد كان يلحق به الرجل فيكون تابعه فإذا مات الرجل صار لأهله وأقاربه الميراث وبقي تابعا ليس له شيء، فأنزل الله {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} فكان يعطي من ميراثه فأنزل الله بعد ذلك (وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله).
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله {والذين عقدت أيمانكم} الذين عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم {فآتوهم نصيبهم} إذا لم يأت رحم يحول بينهم، قال: وهو لا يكون اليوم إنما كان نفر آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم وانقطع ذلك وهذا لا يكون لأحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بين المهاجرين والأنصار واليوم لا يؤاخى بين أحد، واخرج ابن جرير والنحاس عن سعيد بن المسيب قال: إنما أنزلت هذه الآية في الحلفاء والذين كانوا يتبنون رجالا غير أبنائهم ويورثونهم، فأنزل الله فيهم فجعل لهم نصيبا في الوصية ورد الميراث إلى الموالي في ذي الرحم والعصبة.
وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير والنحاس عن مجاهد {ولكل جعلنا موالي} قال: العصبة {والذين عقدت أيمانكم} قال: الحلفاء {فآتوهم نصيبهم} قال: من العقل والنصر والرفادة
واخرج أبو داود، وابن أبي حاتم عن داود بن الحصين قال: كنت أقرأ على أم سعد ابنة الربيع وكانت يتيمة في حجر أبي فقرأت عليها {والذين عقدت أيمانكم} فقالت: لا ولكن {والذين عقدت أيمانكم} إنما نزلت في أبي بكر وابنه عبد الرحمن حين أبى أن يسلم فحلف أبو بكر أن لا يورثه فلما أسلم أمره الله أن يورثه نصيبه.
وأخرج سعيد بن منصور عن مجاهد أنه كان يقرأ عقدت أيمانكم.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم، أنه قرأ {والذين عقدت} خفيفة بغير ألف.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: كان الرجل في الجاهلية يأتي القوم فيعقدون له أنه منهم إن كان ضرا أو نفعا أو دما فإنه فيهم مثلهم ويأخذون له من أنفسهم مثل الذي يأخذون منه فكانوا إذا كان قتال قالوا: يا فلان أنت منا فانصرنا وإن كانت منفعة قالوا: أعطنا أنت منا ولم ينصروه كنصرة بعضهم بعضا إن استنصر وإن نزل به أمر أعطاه بعضهم ومنعه بعضهم ولم يعطوه مثل الذين يأخذون منه، فأتوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسألوه وتحرجوا من ذلك وقالوا: قد عاقدناهم في الجاهلية، فأنزل الله {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} قال: أعطوهم مثل الذي تأخذون منهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي مالك {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} قال: هو حليف القوم يقول: أشهدوه أمركم ومشورتكم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن ابن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعد الفتح: فوا بحلف الجاهلية فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدة ولا تحدثوا حلفا في الإسلام.
وأخرج أحمد، وعبد بن حميد ومسلم، وابن جرير والنحاس عن جبير بن مطعم أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا حلف في الإسلام وتمسكوا بحلف الجاهلية
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس رفعه كل حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا جدة وشدة). [الدر المنثور: 4/378-384]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 19 ربيع الثاني 1434هـ/1-03-2013م, 09:03 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31)}

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{وندخلكم مّدخلاً كريماً...} ومدخلا، وكذلك: {أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق} وإدخال صدق.
ومن قال: مدخلا ومخرجا ومنزلا، فكأنه بناه على: أدخلني دخول صدق وأخرجني خروج صدق.
وقد يكون إذا كان مفتوحا أن يراد به المنزل بعينه؛ كما قال: {ربّ أنزلني منزلا مباركا}، ولو فتحت الميم كانت كالدار والبيت، وربما فتحت العرب الميم منه، ولا يقال في الفعل منه إلا أفعلت، من ذلك قوله:
* بمصبح الحمد وحيث يمسي *
وقال الآخر:
الحمد لله ممسانا ومصبحنا * بالخير صبّحنا ربي ومسّانا
وأنشدني المفضّل.
وأعددت للحرب وثّابة * جواد المحثّة والمرود
فهذا مما لا يبني على فعلت، وإنما يبنى على أرودت، فلمّا ظهرت الواو في المرود ظهرت في المرود كما قالوا: مصبح وبناؤه أصبحت لا غير). [معاني القرآن: 1/263-264]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مّدخلاً كريماً}
قال:
{ويدخلكم مّدخلاً كريماً} لأنها من "أدخل" "يدخل": والموضع من هذا مضموم الميم لأنه مشبه ببنات الأربعة "دحرج" ونحوها، ألا ترى أنك تقول: "هذا مدحرجنا" فالميم إذا جاوز الفعل الثلاثة مضمومة.
قال أميّة بن أبي الصلت:
الحمد للّه ممسانا ومصبحنا = بالخير صبّحنا ربّي ومسّانا
لأنه من "أمسى" و"أصبح".

وقال: {رّبّ أدخلني مدخل صدقٍ وأخرجني مخرج صدقٍ} وتكون الميم مفتوحة إن شئت إذا جعلته من "دخل" و"خرج".
وقال: {إنّ المتّقين في مقامٍ أمينٍ} إذا جعلته من "قام" "يقوم"، فإن جعلته من "أقام" "يقيم" قلت: "مقامٍ أمين"). [معاني القرآن: 1/199]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم} يعني: الصغائر من الذنوب.

{وندخلكم مدخلًا كريماً} أي: شريفا). [تفسير غريب القرآن: 125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الكريم: الشريف الفاضل...، وقال: {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} أي: شريفا). [تأويل مشكل القرآن: 494]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ:
{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلا كريما}
{تجتنبوا} تتركوا نهائيا.

والكبائر حقيقتها: أنها كل ما وعد اللّه عليه النار نحو القتل والزنا والسّرقة وأكل مال اليتيم.
ويروى عن ابن عباس: الكبائر إلى أن تكون سبعين أقرب منها إلى أن تكون سبعا.

قال بعضهم: الكبائر من أول سورة النساء إلى رأس الثلاثين.
والكبائر: ما كبر وعظم من الذنوب.
وقوله - عزّ وجلّ -
{وندخلكم مدخلا كريما}
الاسم على أدخلت، ومن قال: " مدخلا " بفتح الميم، فهو مبني على دخل مدخلا، يعني به ههنا الجنة). [معاني القرآن: 2/45]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الكبائر الشرك بالله والسحر وقذف المحصنة وأكل الربا وأكل مال اليتيم والفرار من الزحف وعقوق الوالدين.
وقال عبد الله بن مسعود:
الكبائر الشرك بالله والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله وأمن مكر الله.

وقال طاووس: قيل لابن عباس الكبائر سبع قال: هي إلى السبعين أقرب.
وحقيقة الكبيرة في اللغة: أنها ما كبر وعظم مما وعد الله جل وعز عليه النار أو أمر بعقوبة فيه فما كان على غير هذين جاز أن يكون كبيرة وأن يكون صغيرة). [معاني القرآن: 2/71-72]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {نكفر عنكم سيئاتكم} قال أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من مسلم يصيبه هم أو نصب إلا كفر عنه به)).). [معاني القرآن: 2/73]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال جل وعز:
{وندخلكم مدخلا كريما} قيل يعني به: الجنة والله أعلم). [معاني القرآن: 2/73]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} أي: الصغائر.

{مُّدْخَلاً كَرِيمًا} أي: شريفاً حسناً، وهو الجنة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 60]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({مُّدْخَلاً كَرِيماً}: شريفاً). [العمدة في غريب القرآن: 109]


تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله:
{ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ...}
ليس هذا بنهي محرّم؛ إنما هو من الله أدب، وإنما قالت أم سلمة وغيرها: ليتنا كنا رجالا فجاهدنا وغزونا وكان لنا مثل أجر الرجال، فأنزل الله تبارك وتعالى: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه} وقد جاء: لا يتمنين أحدكم مال أخيه، ولكن ليقل: اللهمّ ارزقني، اللهمّ أعطني).
[معاني القرآن: 1/264-265]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): (
{ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ لّلرّجال نصيبٌ مّمّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ مّمّا اكتسبن واسألوا اللّه من فضله إنّ اللّه كان بكلّ شيءٍ عليماً}
قال:
{ولا تتمنّوا} إن شئت أدغمت التاء الأولى في الآخرة، فإن قيل كيف يجوز إدغامها، وأنت إذا أدغمتها سكنت وقبلها الألف الساكنة التي في "لا" فتجمع ما بين ساكنين؟

قلت: "إن هذه الألف حرف لين"، وقد يدغم بعد مثلها في الاتصال وفي غيره نحو "يضرباني" [و] {فلا تّناجوا بالإثم والعدوان} وتدغم أيضاً.
ومثله {قل أتحاجّونّا في اللّه} أدغمت وقبلها واو ساكنة، وإن شئت لم تدغم هذا كله.
وقد قرأ بعض القراء {فبم تبشّرون} أراد {تبشّرونني} فأذهب أحد النونين استثقالا لاجتماعهما، كما قال: "ما أحسست منهم أحدا" فألقوا إحدى السينين استثقالا، فهذا أجدر أن يستثقل لأنّهما جميعا متحركان. قال الشاعر:
تراه كالثّغام يعلّ مسكاً = يسوء الفاليات إذا فليني
فحذف النون الآخرة لأنها النون التي تزاد ليترك ما قبلها على حاله وليست باسم، فأما الأولى: فلا يجوز طرحها فإنها الاسم المضمر وقال أبو حية النميري:

أبالموت الذي لا بدّ أنّي = ملاقٍ - لا أباك - تخوّفيني
فحذف النون.
ولو قرئت {فبم تبشّرونّ} بتثقيل النون كان جيدا ولم اسمعه، كأن النون أدغمت وحذفت الياء كما تحذف من رؤوس الآي نحو {بل لّمّا يذوقوا عذاب} يريد "عذابي".
وأما قوله: {فظلتم تفكّهون} فإنها إنما كسر أولها لأنه يقول: "ظللت" فلما ذهب أحد الحرفين استثقالا حولت حركته على الظاء. قال أوس بن مغراء:
مسنا السّماء فنلناها وطالهم = حتّى رأوا أحداً يهوي وثهلانا
لأنها من "مسست".

وقال بعضهم: {فظلتم} ترك الظاء على فتحتها وحذف احد اللامين، ومن قال هذا قال "مسنا السماء". وهذا الحذف ليس بمطرد، وإنما حذف من هذه الحروف التي ذكرت لك خاصة ولا يحذف إلا في موضع لا تحرك فيه لام الفعل، فأما الموضع الذي تحرك فيه لام الفعل فلا حذف فيه). [معاني القرآن: 1/200-201]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم} على بعضٍ، أي: لا يتمني النساء ما فضل به الرجال عليهن.

{للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا} أي: نصيب من الثواب فيما عملوا من أعمال البر، وللنّساء أيضا نصيبٌ منه فيما عملن من البر). [تفسير غريب القرآن: 125]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله -جلّ وعزّ-
{ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعض للرّجال نصيب ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيب ممّا اكتسبن واسألوا اللّه من فضله إنّ اللّه كان بكلّ شيء عليما}
قيل: لا ينبغي أن يتمنى الرجل مال غيره ومنزل غيره، فإن ذلك هو الحسد، ولكن ليقل: اللهم إني أسألك من فضلك، وقيل إنّ أمّ سلمة قالت:
ليتنا كنا رجالا فجاهدنا وغزونا وكان لنا ثواب الرجال.
وقال بعضتهم: قال الرجال: ليتنا فضلنا في الآخرة على النساء كما فضلنا في الدنيا.
وهذا كله يرجع إلى تمني الإنسان ما لغيره). [معاني القرآن: 2/45-46]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} روي أن أم سلمة قالت: يا رسول الله فضل الله الرجال على النساء بالغزو وفي الميراث، فأنزل الله: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}
وقيل إنما نهي عن الحسد.
والحسد عند أهل اللغة: أن يتمنى الإنسان ما لغيره بأن يزول عنه فإن تمنى ما لغيره ولم يرد أن يزول عنه سمي ذلك غبطة، المعنى: ولا تتمنوا تلف ما ثم حذف.

وقال قتادة: كان أهل الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان فلما ورثوا وجعل للذكر مثل حظ الأنثيين تمنى النساء أن لو جعل أنصباؤهن كأنصباء الرجال وقال الرجال إنا لنرجوا أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهن في الميراث فنزلت: {ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} أي: المرأة تجزى بحسنتها عشر أمثالها كما يجزى الرجال .
وقال سعيد بن جبير :
{واسألوا الله من فضله} العبادة ليس من أمر الدنيا.
وقيل: سلوه التوفيق للعمل لما يرضيه.
{إن الله كان بكل شيء عليما} أي: بما يصلح عباده). [معاني القرآن: 2/73-75]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (
{ولكلٍّ جعلنا موالى} أي: أولياء ورثة، المولى: ابن العم.
والمولى: الحليف وهو العقيد والمنعم عليه.
والمولى: الأسفل.
والمولى: الوليّ؛ (اللّهمّ من كنت مولاه).
والمولى: المنعم على المعتق، وقال الشاعر:
ومولىً كداء البطن لو كان قادراً... على الموت أفنى الموت أهلي وماليا
يعني: ابن العم، وقال الفضل بن عبّاس:
مهلاً بنى عمّنا مهلاً موالينا... لا تظهرنّ لنا ما كان مدفونا
وقال ابن الّطيفان من بني عبد الله بن دارم والطّيفان أمّه:
ومولىً كمولى الزّبرقان أدّملته... كما اندملت ساقٌ يهاض بها كسر
ادّملته: أصلحته واحتملت ما جاء منه.
{والّذين عاقدت أيمانكم} عاقده، حالفه). [مجاز القرآن: 1/124-125]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ولكل جعلنا موالي}: أولياء وورثة.

" المولى: ابن العم.
والمولى: الحليف.
والمولى: المنعم.
والمولى: المنعم عليه".
{والذين عاقدت أيمانكم}: الحلفاء.
{فآتوهم نصيبهم}: قال في النصرة والعقل ولا ميراث). [غريب القرآن وتفسيره: 117]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولكلٍّ جعلنا موالي} أولياء. ورثة عصبة). [تفسير غريب القرآن: 125]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({والّذين عقدت أيمانكم} يريد الذين حالفتم.

{فآتوهم نصيبهم} من النظر والرّفد والمعونة). [تفسير غريب القرآن: 126]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله - عزّ وجلّ -
{ولكلّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إنّ اللّه كان على كلّ شيء شهيدا} أي: جعلنا الميراث لمن هو مولى الميّت، والمولى: كلّ من يليك، وكلّ من والاك فهو مولى لك في المحبّة.
والمولى: مولى نعمة نحو مولى العبد.
والمولى: العبد إذا عتق.
وقوله
{والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} هؤلاء كانوا في الجاهلية، كان الرجل الذليل يأتي الرّجل العزيز فيعاقده، أي: يحالفه، ويقول له أنا ابنك ترثني وأرثك؛ حرمتي حرمتك، ودمي دمك، وثأرى ثأرك، وأمر اللّه - عزّ وجلّ - بالوفاء لهم.
وقيل: إن ذلك أمر به قبل تسمية المواريث.

وقيل أيضا: أمر أن يوفّى لهم بعقدهم الذي كان في الجاهلية، ولا يعقد المسلمون مثل ذلك.
وقال بعضهم: الذي يعقد على الموالاة، ويجب أن يجعل له نصيب في المال يذهب إلى أن ذلك من الثلث الذي هو للميت.
وإجماع الفقهاء: أنّه لا ميراث لغير من وصف من الآباء والأبناء، وذوي العصبة والموالي والأزواج). [معاني القرآن: 2/46]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز:
{ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون} قال مجاهد: هم بنو العم.

وقال قتادة: هم الأقرباء منهم الأب والأخ.
وقال الضحاك: يعني الأقرباء، وهذا قول أكثر أهل اللغة). [معاني القرآن: 2/75]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} هذه الآية منسوخة.

قال ابن عباس: كانوا في الجاهلية يجيء الرجل إلى الرجل فيقول له: أرثك وترثني، فيكون ذلك بينهما حلفا فنسخ الله ذلك بقوله: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله}.
وكذلك روي عن الحسن وعكرمة وقتادة أن الآية منسوخة.
وقال سعيد بن المسيب: كان الرجل يتبنى الرجل فيتوارثان على ذلك فنسخه الله جل وعز). [معاني القرآن: 2/76]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({جَعَلْنَا مَوَالِيَ} أي: أولياء، ورثة، عصبة.

{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي: حالفتم.

{فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} أي: من النصر والرفد والمعونة).
[تفسير المشكل من غريب القرآن: 60]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (
{المَوَالِي}: الأولياء والورثة.

{المَوْلَى}: ابن العم.
{عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ}: الحلف.
{نَصِيبَهُمْ}: من النصرة والعطاء دون الميراث). [العمدة في غريب القرآن:109-110]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 ربيع الثاني 1434هـ/8-03-2013م, 10:01 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي التفسير اللغوي المجموع

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) }


تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) }

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري


تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلاً كريماً (31)
تجتنبوا معناه: تدعون جانبا، وقرأ ابن مسعود وابن جبير «إن تجتنبوا كبير» وقرأ المفضل عن عاصم «يكفّر» و «يدخلكم» على علامة الغائب، وقرأ الباقون بالنون والقراءتان حسنتان، وقرأ ابن عباس «عنكم من سيئاتكم» بزيادة «من» وقرأ السبعة سوى نافع «مدخلا» بضم الميم، وقرأ نافع: «مدخلا» بالفتح وقد رواه أيضا أبو بكر عن عاصم هاهنا وفي الحج، ولم يختلف في سورة بني إسرائيل في مدخل ومخرج صدقٍ [الإسراء: 80] أنهما بضم الميم، قال أبو علي: «مدخلا» بالفتح يحتمل أن يكون مصدرا، والعامل فيه فعل يدل عليه الظاهر، التقدير: ويدخلكم فتدخلون مدخلا، ويحتمل أن يكون مكانا، فيعمل فيه الفعل الظاهر، وكذلك يحتمل «مدخلا» بضم الميم للوجهين، وإذا لم يعمل الفعل الظاهر فمعموله الثاني محذوف، تقديره: ويدخلكم الجنة، واختلف أهل العلم في «الكبائر»، فقال علي بن أبي طالب: هي سبع، الإشراك بالله، وقتل النفس، وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا والفرار يوم الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وقال عبيد بن عمير: الكبائر سبع في كل واحدة منها آية في كتاب الله عز وجل.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وذكر كقول علي، وجعل الآية في التعرب قوله تعالى: إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدى [محمد: 25]، ووقع في البخاري في كتاب الحدود في باب رمي المحصنات «اتقوا السبع الموبقات، الإشراك بالله، والسحر، وقتل النفس، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» وقال عبد الله بن عمر: هي تسع «الإشراك بالله، والقتل، والفرار، والقذف، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، وإلحاد في المسجد الحرام، والذي يستسحر، وبكاء الوالدين من العقوق» قال عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي: هي في جميع ما نهى عنه من أول سورة النساء إلى ثلاثين آية منها وهي إن تجتنبوا وقال عبد الله بن مسعود: هي أربع أيضا الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، وروي أيضا عن ابن مسعود: هي ثلاث: القنوط، واليأس، والأمن المتقدمة، وقال ابن عباس أيضا وغيره: «الكبائر» كل ما ورد عليه وعيد بنار أو عذاب أو لعنة أو ما أشبه ذلك، وقالت فرقة من الأصوليين: هي في هذا الموضع أنواع الشرك التي لا تصلح معها الأعمال، وقال رجل لابن عباس: أخبرني عن الكبائر السبع، فقال: هي إلى السبعين أقرب، وقال ابن عباس: كل ما نهى الله عنه فهو كبير، فهنا يدخل الزنا، وشرب الخمر، والزور، والغيبة، وغير ذلك مما قد نص عليه في أحاديث لم يقصد الحصر للكبائر بها، بل ذكر بعضها مثالا، وعلى هذا القول أئمة الكلام: القاضي، وأبو المعالي، وغيرهما: قالوا: وإنما قيل: صغيرة بالإضافة إلى أكبر منها وهي في نفسها كبيرة من حيث المعصي، بالجميع واحد، وهذه الآية يتعاضد معها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتاب الوضوء من مسلم، عن عثمان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهر كله.
واختلف العلماء في هذه المسألة فجماعة من الفقهاء وأهل الحديث يرون أن الرجل إذا اجتنب الكبائر وامتثل الفرائض، كفرت صغائره كالنظر وشبهه قطعا بظاهر هذه الآية وظاهر الحديث، وأما الأصوليون فقالوا: لا يجب على القطع تكفير الصغائر باجتناب الكبائر، وإنما يحمل ذلك على غلبة الظن وقوة الرجاء، والمشيئة ثابتة، ودل على ذلك أنه لو قطعنا لمجتنب الكبائر وممتثل الفرائض بتكفير صغائره قطعا لكانت له في حكم المباح الذي يقطع بأنه لا تباعة فيه، وذلك نقض لعرى الشريعة. ومحمل الكبائر عند الأصوليين في هذه الآية أجناس الكفر، والآية التي قيدت الحكم فترد إليها هذه المطلقات كلها: قوله تعالى: ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء [النساء: 48 و 116] وكريماً يقتضي كرم الفضيلة ونفي العيوب، كما تقول: ثوب كريم، وكريم المحتد، وهذه آية رجاء، روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: خمس آيات من سورة النساء هي أحب إليّ من الدنيا جميعا، قوله: إن تجتنبوا الآية، وقوله: إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به [النساء: 48 و 116]، وقوله: ومن يعمل سوءاً أو يظلم [النساء: 110] وقوله أيضا: يضاعفها [النساء: 40] وقوله: والّذين آمنوا باللّه ورسله الآية [النساء: 152]). [المحرر الوجيز: 2/531-534]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن وسئلوا اللّه من فضله إنّ اللّه كان بكلّ شيءٍ عليماً (32)
سبب الآية أن النساء قلن: ليتنا استوينا مع الرجال في الميراث وشركناهم في الغزو، وروي أن أم سلمة قالت ذلك أو نحوه، وقال الرجال: ليت لنا في الآخرة حظا زائدا على النساء، كما لنا عليهن في الدنيا، فنزلت الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: لأن في تمنيهم هذا تحكما على الشريعة وتطرقا إلى الدفع في صدر حكم الله، فهذا نهي عن كل تمنّ لخلاف حكم شرعي، ويدخل في النهي أن يتمنى الرجل حال الآخر من دين أو دنيا، على أن يذهب ما عند الآخر، إذ هذا هو الحسد بعينه، وقد كره بعض العلماء أن يتمنى أحد حال رجل ينصبه في فكره وإن لم يتمنّ زوال حاله، وهذا في نعم الدنيا، وأما في الأعمال الصالحة فذلك هو الحسن، وأما إذا تمنى المرء على الله من غير أن يقرن أمنيته بشيء مما قدمناه فذلك جائز، وذلك موجود في حديث النبي عليه السلام في قوله «وددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا فأقتل» وفي غير موضع، ولقوله تعالى: وسئلوا اللّه من فضله وقوله تعالى: للرّجال نصيبٌ الآية قال قتادة: معناه من الميراث، لأن العرب كانت لا تورث النساء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول ضعيف، ولفظة الاكتساب ترد عليه ردا بينا، ولكنه يتركب على قول النساء: ليتنا ساوينا الرجال في الميراث، فكأنه قيل بسببهن: لا تتمنوا هذا فلكل نصيبه، وقالت فرقة:
معناه من الأجر والحسنات، فكأنه قيل للناس: لا تتمنوا في أمر خلاف ما حكم الله به، لاختيار ترونه أنتم، فإن الله قد جعل لكلّ أحد نصيبا من الأجر والفضل، بحسب اكتسابه فيما شرع له.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا القول هو الواضح البيّن الأعم، وقالت فرقة: معناه: لا تتمنوا خلاف ما حد الله في تفضيله، فإنه تعالى قد جعل لكل أحد مكاسب تختص به، فهي نصيبه، قد جعل الجهاد والإنفاق وسعي المعيشة وحمل الكلف كالأحكام والإمارة والحسبة وغير ذلك للرجال، وجعل الحمل ومشقته وحسن التبعل وحفظ غيب الزوج وخدمة البيوت للنساء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا كقول الذي قبله، إلا أنه فارقه بتقسيم الأعمال، وفي تعليقه النصيب بالاكتساب حض على العمل، وتنبيه على كسب الخير، وقرأ جمهور السبعة «واسألوا» بالهمز وسكون السين، وقرأ الكسائي وابن كثير «وسلوا» ألقيا حركة الهمزة على السين، وهذا حيث وقعت اللفظة إلا في قوله وسئلوا ما أنفقتم [الممتحنة: 10] فإنهم أجمعوا على الهمز فيه، قال سعيد بن جبير، وليث بن أبي سليم: هذا في العبارات والدين وأعمال البر ليس في فضل الدنيا، وقال الجمهور: ذلك على العموم، وهو الذي يقتضيه اللفظ، وقوله: واسألوا يقتضي مفعولا ثانيا، فهو عند بعض النحويين في قوله: من فضله التقدير واسألوا الله فضله، وسيبويه لا يجيز هذا لأن فيه حذف «من» في الواجب، والمفعول عنده مضمر، تقديره واسألوا الله الجنة أو كثيرا أو حظا من فضله.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا هو الأصح، ويحسن عندي أن يقدر المفعول- أمانيكم، إذ ما تقدم يحسن هذا التقدير، وقوله: بكلّ شيءٍ عليماً معناه: أن علم الله قد أوجب الإصابة والإتقان والإحكام، فلا تعارضوا بثمن ولا غيره، وهذه الآية تقتضي أن الله يعلم الأشياء، والعقائد توجب أنه يعلم المعدومات الجائز وقوعها وإن لم تكن أشياء، والآية لا تناقض ذلك، بل وقفت على بعض معلوماته وأمسكت عن بعض). [المحرر الوجيز: 2/535-537]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إنّ اللّه كان على كلّ شيءٍ شهيداً (33) الرّجال قوّامون على النّساء بما فضّل اللّه بعضهم على بعضٍ وبما أنفقوا من أموالهم فالصّالحات قانتاتٌ حافظاتٌ للغيب بما حفظ اللّه واللاّتي تخافون نشوزهنّ فعظوهنّ واهجروهنّ في المضاجع واضربوهنّ فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهنّ سبيلاً إنّ اللّه كان عليًّا كبيراً (34)
«كل» إنما تستعمل مضافة ظهر المضاف إليه أو تقدر، فهي بمثابة قبل وبعد، ولذلك أجاز بعض النحاة مررت بكل، على حد قبل وبعد، فالمقدر هنا على قول فرقة، ولكل أحد وعلى قول فرقة «ولكل شيء» يعني التركة، والمولى في كلام العرب: لفظة يشترك فيها القريب القرابة، والصديق، والحليف، والمعتق، والمعتق، والوارث، والعبد، فيما حكى ابن سيده، ويحسن هنا من هذا الاشتراك الورثة، لأنها تصلح على تأويل «ولكل أحد»، وعلى تأويل، «ولكل شيء» وبذلك فسر قتادة والسدي وابن عباس وغيرهم: أن «الموالي» العصبة والورثة، قال ابن ابن زيد: لما أسلمت العجم سموا موالي استعارة وتشبيها، وذلك في قول الله تعالى: فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدّين ومواليكم [الأحزاب: 5].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وقد سمي قوم من العجم ببني العم، وممّا متعلقة «بشيء»، تقديره ولكل شيء مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا ورثة، وهي متعلقة على تأويل «ولكل أحد» بفعل مضمر تقديره: ولكل أحد جعلنا موالي يرثون مما ترك الوالدان والأقربون، ويحتمل على هذا أن تتعلق «من» ب موالي، وقوله: والّذين رفع بالابتداء والخبر في قوله: فآتوهم وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «عاقدت» على المفاعلة أي إيمان هؤلاء عاقدت أولئك، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «عقدت» بتخفيف القاف على حذف مفعول، تقديره: عقدت إيمانكم حلفهم أو ذمتهم، وقرأ حمزة في رواية علي ابن كبشة عنه، «عقّدت» مشددة القاف، واختلف المتأولون في من المراد ب الّذين، فقال الحسن وابن عباس وابن جبير وقتادة وغيرهم: هم الأحلاف، فإن العرب كانت تتوارث بالحلف فشدد الله ذلك بهذه الآية، ثم نسخه بآية الأنفال وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه [الأنفال: 75] وقال ابن عباس أيضا: هم الذين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم آخى بينهم، فإنهم كانوا يتوارثون بهذه الآية حتى نسخ ذلك بما تقدم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وورد لابن عباس: أن المهاجرين كانوا يرثون الأنصار دون ذوي رحمهم، للأخوة التي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، فنزلت الآية في ذلك ناسخة، وبقي إيتاء النصيب من النصر والمعونة، أو من المال على جهة الندب في الوصية، وقال سعيد بن المسيب: هم الأبناء الذين كانوا يتبنون، والنصيب الذي أمر الناس بإيتائه هو الوصية لا الميراث، وقال ابن عباس أيضا: هم الأحلاف إلا أن النصيب هو المؤازرة في الحق والنصر والوفاء بالحلف لا الميراث، وروي عن الحسن: أنها في قوم يوصى لهم فيموت الموصى له قبل نفوذ الوصية ووجوبها فأمر الموصي أن يؤديها إلى ورثة الموصى له.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولفظة المعاقدة والأيمان ترجح أن المراد الأحلاف لأن ما ذكر من غير الأحلاف ليس في جميعه معاقدة ولا أيمان، وشهيداً معناه: أن الله شهيد بينكم على المعاقدة والصلة، فأوفوا بالعهد بحسب ذلك مراقبة ورهبة). [المحرر الوجيز: 2/537-539]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 13 جمادى الآخرة 1435هـ/13-04-2014م, 08:26 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم [وندخلكم مدخلا كريمًا]}. أي: إذا اجتنبتم كبائر الآثام الّتي نهيتم عنها كفّرنا عنكم صغائر الذّنوب وأدخلناكم الجنّة؛ ولهذا قال: {وندخلكم مدخلا كريمًا}.
وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدثنا مؤمل بن هشام، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدّثنا خالد بن أيّوب، عن معاوية بن قرّة، عن أنسٍ [يرفعه]: " الّذي بلغنا عن ربّنا، عزّ وجلّ، ثمّ لم نخرج له عن كلّ أهلٍ ومالٍ أن تجاوز لنا عمّا دون الكبائر، يقول اللّه [تعالى] {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم [وندخلكم مدخلا كريمًا]} ".
وقد وردت أحاديث متعلّقةٌ بهذه الآية الكريمة فلنذكر منها ما تيسّر:
قال الإمام أحمد: حدّثنا هشيم عن مغيرة، عن أبي معشر، عن إبراهيم، عن قرثع الضّبّي، عن سلمان الفارسيّ قال: قال لي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أتدري ما يوم الجمعة؟ " قلت: هو اليوم الّذي جمع اللّه فيه أباكم. قال: "لكن أدري ما يوم الجمعة، لا يتطهّر الرّجل فيحسن طهوره، ثمّ يأتي الجمعة فينصت حتّى يقضي الإمام صلاته، إلّا كان كفّارةً له ما بينه وبين الجمعة المقبلة، ما اجتنبت المقتلة وقد روى البخاريّ من وجهٍ آخر عن سلمان نحوه.
وقال أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثني المثنّى [بن إبراهيم] حدّثنا أبو صالحٍ، حدّثنا اللّيث، حدّثني خالدٌ، عن سعيد بن أبي هلالٍ، عن نعيمٍ المجمر، أخبرني صهيبٌ مولى العتواري، أنّه سمع من أبي هريرة وأبي سعيدٍ يقولان: خطبنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يومًا فقال: "والّذي نفسي بيده" -ثلاث مرّاتٍ-ثمّ أكبّ، فأكبّ كلّ رجلٍ منّا يبكي، لا ندري على ماذا حلف عليه ثمّ رفع رأسه وفي وجهه البشر فكان أحبّ إلينا من حمر النّعم، فقال [صلّى اللّه عليه وسلّم] ما من عبدٍ يصلّي الصّلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويخرج الزّكاة، ويجتنب الكبائر السّبع، إلّا فتحت له أبواب الجنّة، ثمّ قيل له: ادخل بسلامٍ".
وهكذا رواه النّسائيّ، والحاكم في مستدركه، من حديث اللّيث بن سعدٍ، رواه الحاكم أيضًا وابن حبّان في صحيحه، من حديث عبد اللّه بن وهبٍ، عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلالٍ، به. ثمّ قال الحاكم: صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرجاه.
تفسير هذه السّبع:
وذلك بما ثبت في الصّحيحين من حديث سليمان بن بلالٍ، عن ثور بن زيدٍ، عن سالمٍ أبي الغيث، عن أبي هريرة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "اجتنبوا السبع الموبقات" قيل: يا رسول اللّه، وما هنّ؟ قال: "الشّرك باللّه، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، والسّحر، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، والتّولّي يوم الزّحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات".
طريقٌ أخرى عنه: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا فهد بن عوف، حدّثنا أبو عوانة، عن عمرو بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: "الكبائر سبعٌ، أوّلها الإشراك باللّه، ثمّ قتل النّفس بغير حقّها، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم إلى أن يكبر، والفرار من الزّحف، ورمي المحصنات، والانقلاب إلى الأعراب بعد الهجرة".
فالنّصّ على هذه السّبع بأنّهنّ كبائر لا ينفي ما عداهنّ، إلّا عند من يقول بمفهوم اللّقب، وهو ضعيفٌ عند عدم القرينة، ولا سيّما عند قيام الدّليل بالمنطوق على عدم المفهوم، كما سنورده من الأحاديث المتضمّنة من الكبائر غير هذه السّبع، فمن ذلك ما رواه الحاكم في مستدركه حيث قال:
حدّثنا أحمد بن كاملٍ القاضي، إملاءً حدّثنا أبو قلابة عبد الملك بن محمّدٍ، حدّثنا معاذ بن هانئٍ، حدّثنا حرب بن شدّاد، حدّثنا يحيى بن أبي كثيرٍ، عن عبد الحميد بن سنان، عن عبيد بن عمير، عن أبيه -يعني عمير بن قتادة-رضي اللّه عنه أنّه حدّثه -وكانت له صحبةٌ-أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجّة الوداع: "ألا إنّ أولياء اللّه المصلّون من يقيم الصلوات الخمس الّتي كتبت عليه، ويصوم رمضان ويحتسب صومه، يرى أنّه عليه حقٌّ، ويعطي زكاة ماله يحتسبها، ويجتنب الكبائر الّتي نهى اللّه عنها". ثمّ إنّ رجلًا سأله فقال: يا رسول اللّه، ما الكبائر؟ فقال: "تسعٌ: الشّرك باللّه، وقتل نفس مؤمنٍ بغير حقٍّ وفرار يوم الزّحف، وأكل مال اليتيم، وأكل الرّبا، وقذف المحصنة وعقوق الوالدين المسلمين، واستحلال البيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتًا، ثمّ قال: لا يموت رجلٌ لا يعمل هؤلاء الكبائر، ويقيم الصّلاة، ويؤتي الزّكاة، إلّا كان مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في دارٍ أبوابها مصاريعٌ من ذهبٍ".
وهكذا رواه الحاكم مطوّلًا وقد أخرجه أبو داود والتّرمذيّ مختصرًا من حديث معاذ بن هانئٍ، به وكذا رواه ابن أبي حاتمٍ من حديثه مبسوطًا ثمّ قال الحاكم: رجاله كلّهم يحتجّ بهم في الصّحيحين إلّا عبد الحميد بن سنان.
قلت: وهو حجازيٌّ لا يعرف إلّا بهذا الحديث، وقد ذكره ابن حبّان في كتاب الثّقات، وقال البخاريّ: في حديثه نظرٌ.
وقد رواه ابن جريرٍ، عن سليمان بن ثابتٍ الجحدريّ، عن سلم بن سلامٍ، عن أيّوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبيد بن عمير، عن أبيه، فذكره. ولم يذكر في الإسناد: عبد الحميد بن سنانٍ، فاللّه أعلم .
حديثٌ آخر في معنى ما تقدّم: قال ابن مردويه: حدّثنا عبد اللّه بن جعفرٍ، حدّثنا أحمد بن يونس، حدّثنا يحيى بن عبد الحميد، حدّثنا عبد العزيز بن مسلم بن الوليد، عن المطّلب عن عبد اللّه بن حنطبٍ عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: صعد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المنبر فقال: "لا أقسم، لا أقسم". ثمّ نزل فقال: "أبشروا، أبشروا، من صلّى الصّلوات الخمس، واجتنب الكبائر السّبع، نودي من أبواب الجنّة: ادخل". قال عبد العزيز: لا أعلمه إلّا قال: "بسلامٍ". قال المطّلب: سمعت من سأل عبد اللّه بن عمرو: أسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يذكرهنّ؟ قال: نعم: "عقوق الوالدين، وإشراكٌ باللّه، وقتل النّفس، وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزّحف، وأكل الرّبا".
حديثٌ آخر في معناه: قال أبو جعفر بن جريرٍ في التّفسير: حدّثنا يعقوب، حدّثنا ابن عليّة، أخبرنا زياد بن مخراق عن طيسلة بن ميّاسٍ قال: كنت مع النّجدات، فأصبت ذنوبًا لا أراها إلّا من الكبائر، فلقيت ابن عمر فقلت له: إنّي أصبت ذنوبا لا أراها إلّا من الكبائر قال: ما هي؟ قلت: أصبت كذا وكذا. قال: ليس من الكبائر. قلت: وأصبت كذا وكذا. قال: ليس من الكبائر قال -بشيءٍ لم يسمّه طيسلة-قال: هي تسعٌ وسأعدّهنّ عليك: الإشراك باللّه، وقتل النّفس بغير حقّها والفرار من الزّحف، وقذف المحصنة، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم ظلمًا، وإلحادٌ في المسجد الحرام، والّذي يستسحر وبكاء الوالدين من العقوق. قال زيادٌ: وقال طيسلة لمّا رأى ابن عمر: فرقي. قال: أتخاف النّار أن تدخلها؟ قلت: نعم. قال: وتحبّ أن تدخل الجنّة؟ قلت: نعم. قال: أحيٌّ والداك؟ قلت: عندي أمّي. قال: فواللّه لئن أنت ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطّعام، لتدخلنّ الجنّة ما اجتنبت الموجبات.
طريقٌ أخرى: قال ابن جريرٍ: حدّثنا سليمان بن ثابتٍ الجحدري الواسطيّ، حدّثنا سلم بن سلامٍ، حدّثنا أيّوب بن عتبة، عن طيسلة بن عليٍّ النّهديّ قال: أتيت ابن عمر وهو في ظل أراك يوم عرفة، وهو يصبّ الماء على رأسه ووجهه قلت أخبرني عن الكبائر؟ قال: هي تسعٌ. قلت: ما هي؟ قال: الإشراك باللّه، وقذف المحصنة -قال: قلت: قبل القتل ؟ قال: نعم ورغما -وقتل النّفس المؤمنة، والفرار من الزّحف، والسّحر، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين المسلمين، وإلحاد بالبيت الحرام، قبلتكم أحياءً وأمواتًا.
هكذا رواه من هذين الطّريقين موقوفًا، وقد رواه عليّ بن الجعد، عن أيّوب بن عتبة، عن طيسلة بن علي [النهدي] قال: أتيت ابن عمر عشيّة عرفة، وهو تحت ظلّ أراكة، وهو يصبّ الماء على رأسه، فسألته عن الكبائر، فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "هنّ سبعٌ". قال: قلت: وما هنّ؟ قال: "الإشراك باللّه، وقذف المحصنة -قال: قلت: قبل الدّم؟ قال: نعم ورغمًا -وقتل النّفس المؤمنة، والفرار من الزّحف، والسّحر، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، وعقوق الوالدين، وإلحادٌ بالبيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتًا".
وكذا رواه الحسن بن موسى الأشيب، عن أيّوب بن عتبة اليمانيّ -وفيه ضعفٌ -واللّه أعلم.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا زكريّا بن عديّ، حدّثنا بقيّة، عن بحير بن سعدٍ عن خالد بن معدان: أنّ أبا رهم السّمعيّ حدّثهم، عن أبي أيّوب قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "من عبد اللّه لا يشرك به شيئًا، وأقام الصّلاة، وآتى الزّكاة، وصام رمضان، واجتنب الكبائر، فله الجنّة -أو دخل الجنّة" فسأله رجلٌ: ما الكبائر؟ فقال الشّرك باللّه، وقتل نفسٍ مسلمةٍ، والفرار يوم الزّحف".
ورواه أحمد أيضًا والنّسائيّ، من غير وجهٍ، عن بقيّة.
حديثٌ آخر: روى الحافظ أبو بكر ابن مردويه في تفسيره، من طريق سليمان بن داود اليمانيّ -وهو ضعيفٌ-عن الزّهريّ، عن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزمٍ، عن أبيه، عن جدّه قال: كتب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أهل اليمن كتابًا فيه الفرائض والسّنن والدّيات، وبعث به مع عمرو بن حزمٍ، قال: وكان في الكتاب: "إنّ أكبر الكبائر عند اللّه يوم القيامة: إشراكٌ بالله وقتل النفس المؤمنة بغير حقٍّ، والفرار في سبيل اللّه يوم الزّحف، وعقوق الوالدين، ورمي المحصنة، وتعلّم السحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم".
حديثٌ آخر: فيه ذكر شهادة الزّور؛ قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدثنا شعبة، حدّثني عبيد اللّه بن أبي بكرٍ قال: سمعت أنس بن مالكٍ قال: ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الكبائر -أو سئل عن الكبائر-فقال: "الشّرك باللّه، وقتل النفس، وعقوق الوالدين". وقال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ " قال: "قول الزّور -أو شهادة الزّور". قال شعبة: أكبر ظنّي أنّه قال" "شهادة الزّور".
أخرجاه من حديث شعبة به. وقد رواه ابن مردويه من طريقين آخرين غريبين عن أنسٍ، بنحوه.
حديثٌ آخر: أخرجه الشّيخان من حديث عبد الرّحمن بن أبي بكرة، عن أبيه قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ "، قلنا: بلى يا رسول اللّه، قال: "الإشراك باللّه، وعقوق الوالدين" وكان متّكئًا فجلس فقال: "ألا وشهادة الزّور، ألا وقول الزّور". فما زال يكرّرها حتّى قلنا: ليته سكت.
حديثٌ آخر: فيه ذكر قتل الولد، وهو ثابتٌ في الصّحيحين، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قلت: يا رسول اللّه، أيّ الذّنب أعظم؟ -وفي روايةٍ: أكبر-قال: "أن تجعل للّه ندا وهو خلقك" قلت: ثمّ أيّ؟ قال: "أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك". قلت: ثمّ أي؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك" ثمّ قرأ: {والّذين لا يدعون مع اللّه إلهًا آخر [ولا يقتلون النّفس الّتي حرّم اللّه إلا بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثامًا]} إلى قوله: {إلا من تاب} [الفرقان: 68].
حديثٌ] آخر [ فيه ذكر شرب الخمر. قال ابن أبي حاتمٍ: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهبٍ، حدّثني أبو صخرٍ: أنّ رجلًا حدّثه عن عمرة بن حزمٍ أنّه سمع عبد اللّه بن عمرو بن العاص وهو بالحجر بمكّة وسئل عن الخمر، فقال: واللّه إنّ عظيمًا عند اللّه الشيخ مثلي يكذب في هذا المقام على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذهب فسأله ثمّ رجع فقال: سألته عن الخمر فقال: "هي أكبر الكبائر، وأمّ الفواحش، من شرب الخمر ترك الصّلاة ووقع على أمّه وخالته وعمّته" غريبٌ من هذا الوجه.
طريقٌ أخرى: رواها الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث عبد العزيز بن محمّدٍ الدّراوردي، عن داود بن صالحٍ، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه: أنّ أبا بكرٍ الصّدّيق، رضي اللّه عنه، وعمر بن الخطّاب وأناسًا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ورضي اللّه عنهم أجمعين، جلسوا بعد وفاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكروا أعظم الكبائر، فلم يكن عندهم ما ينتهون إليه، فأرسلوني إلى عبد اللّه بن عمرو بن العاص أسأله عن ذلك، فأخبرني أنّ أعظم الكبائر شرب الخمر، فأتيتهم فأخبرتهم، فأنكروا ذلك، فوثبوا إليه حتّى أتوه في داره، فأخبرهم أنّهم تحدّثوا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن ملكا من بني إسرائيل أخذ رجلًا فخيّره بين أن يشرب خمرًا أو يقتل نفسًا، أو يزاني أو يأكل لحم خنزيرٍ، أو يقتله فاختار شرب الخمر وإنّه لمّا شربها لم يمتنع من شيء أراده منه، وإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا مجيبًا: "ما من أحدٍ يشرب خمرًا إلّا لم تقبل له صلاةٌ أربعين ليلةً، ولا يموت أحدٌ في مثانته منها شيءٌ إلّا حرّم اللّه عليه الجنّة فإن مات في أربعين ليلةً مات ميتةً جاهليّةً".
هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه جدًّا، وداود بن صالحٍ هو التّمار المدنيّ مولى الأنصار، قال الإمام أحمد: لا أرى به بأسًا. وذكره ابن حبّان في الثّقات، ولم أر أحدًا جرحه.
حديثٌ آخر: عن عبد اللّه بن عمرو وفيه ذكر اليمين الغموس. قال الإمام أحمد: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة، عن فراسٍ، عن الشّعبيّ، عن عبد اللّه بن عمرو، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "أكبر الكبائر الإشراك باللّه، وعقوق الوالدين، أو قتل النّفس -شعبة الشّاكّ-واليمين الغموس". ورواه البخاريّ والتّرمذيّ والنّسائيّ من حديث شعبة: زاد البخاريّ وشيبان، كلاهما عن فراس، به.
حديثٌ آخر: في اليمين الغموس: "قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثنا اللّيث بن سعدٍ، حدّثنا هشام بن سعدٍ، عن محمّد بن يزيد بن مهاجر بن قنفذ التّيميّ، عن أبي أمامة الأنصاريّ، عن عبد اللّه بن أنيسٍ الجهنيّ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: أكبر الكبائر الشّرك باللّه، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، وما حلف حالفٌ باللّه يمين صبر فأدخل فيها مثل جناح البعوضة، إلّا كانت وكتةً في قلبه إلى يوم القيامة". وهكذا رواه] الإمام [ أحمد في مسنده، وعبد بن حميدٍ في تفسيره، كلاهما عن يونس بن محمّدٍ المؤدّب، عن اللّيث بن سعدٍ، به. وأخرجه التّرمذيّ] في تفسيره [ عن عبد بن حميدٍ] به [ ثمّ قال: وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وأبو أمامة الأنصاريّ هذا هو ابن ثعلبة، ولا يعرف اسمه. وقد روى عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أحاديث.
قال شيخنا الحافظ أبو الحجّاج المزّي: وقد رواه عبد الرّحمن بن إسحاق المدنيّ، عن محمّد بن زيدٍ، عن عبد اللّه بن أبي أمامة، عن أبيه عن عبد اللّه بن أنيسٍ. فزاد عبد اللّه بن أبي أمامة.
قلت: هكذا وقع في تفسير ابن مردويه وصحيح ابن حبّان، من طريق عبد الرحمن بن إسحاق كما ذكره شيخنا، فسح الله في أجله.
حديثٌ آخر: عن عبد اللّه بن عمرٍو، في التّسبّب إلى شتم الوالدين. قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عمرو بن عبد اللّه الأوديّ، حدّثنا وكيعٌ، عن مسعر وسفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن حميد بن عبد الرّحمن، عن عبد اللّه بن عمرٍو -رفعه سفيان إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ووقفه مسعرٌ على عبد اللّه بن عمرٍو -قال: "من الكبائر أن يشتم الرجل والديه": قالوا: وكيف يشتم الرّجل والديه؟ قال: "يسبّ الرجل أبا الرّجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمّه فيسب أمه".
وقد أخر هذا الحديث البخاريّ عن أحمد بن يونس، عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرّحمن بن عوفٍ، عن أبيه، عن عمّه حميد بن عبد الرّحمن بن عوفٍ، عن عبد اللّه بن عمرو قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه". قالوا: وكيف يلعن الرجل والديه؟! قال: "يسبّ الرجل أبا الرّجل فيسبّ أباه، ويسبّ أمّه فيسبّ أمّه".
وهكذا رواه مسلمٌ من حديث سفيان وشعبة ويزيد بن الهاد، ثلاثتهم عن سعد بن إبراهيم، به مرفوعًا بنحوه. وقال التّرمذيّ: صحيحٌ.
وثبت في الصّحيح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "سباب المسلم فسوقٌ، وقتاله كفر".
حديثٌ آخر في ذلك: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عبد الرّحمن بن إبراهيم دحيم، حدّثنا عمرو بن أبي سلمة، حدّثنا زهير بن محمّدٍ، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من أكبر الكبائر عرض الرّجل المسلم، والسّبّتان والسّبّة ".
هكذا روي هذا الحديث، وقد أخرجه أبو داود في كتاب الأدب في سننه، عن جعفر بن مسافرٍ، عن عمرو بن أبي سلمة، عن زهير بن محمّدٍ، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجلٍ مسلمٍ بغير حقٍّ، ومن الكبائر السّبّتان بالسّبّة".
وكذا رواه ابن مردويه من طريق عبد اللّه بن العلاء بن زير عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر مثله.
حديثٌ آخر: في ذكر الجمع بين الصّلاتين من غير عذرٍ؛ قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا نعيم بن حمّادٍ، حدّثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن حنش عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من جمع بين الصّلاتين من غير عذرٍ، فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر". وهكذا رواه أبو عيسى التّرمذيّ عن أبي سلمة يحيى بن خلفٍ، عن المعتمر بن سليمان، به ثمّ قال: حنش هو أبو عليٍّ الرّحبيّ، وهو حسين بن قيسٍ، وهو ضعيفٌ عند أهل الحديث، ضعّفه أحمد وغيره.
وقد روى ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، حدّثنا إسماعيل بن عليّة، عن خالدٍ الحذّاء، عن حميد بن هلالٍ، عن أبي قتادة -يعني العدويّ-قال: قرئ علينا كتاب عمر: من الكبائر جمعٌ بين الصّلاتين -يعني بغير عذر-والفرار من الزّحف، والنّهبة.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ: والغرض أنّه إذا كان الوعيد فيمن جمع بين الصّلاتين كالظّهر والعصر تقديمًا أو تأخيرًا، وكذا المغرب والعشاء هما من شأنه أن يجمع بسببٍ من الأسباب الشّرعيّة، فإذا تعاطاه أحدٌ بغير شيءٍ من تلك الأسباب يكون مرتكبًا كبيرةً، فما ظنّك بمن ترك الصلاة بالكلّيّة؟ ولهذا روى مسلمٌ في صحيحه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "بين العبد وبين الشّرك ترك الصّلاة " وفي السّنن عنه، عليه السّلام، أنّه قال: "العهد الّذي بيننا وبينهم الصّلاة، فمن تركها فقد كفر" وقال: "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله" وقال: "من فاتته صلاة العصر فكأنّما وتر أهله وماله".
حديثٌ آخر: فيه اليأس من روح اللّه، والأمن من مكر اللّه. قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصمٍ النّبيل، حدّثنا أبي، حدّثنا شبيب بن بشر، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان متّكئًا فدخل عليه رجلٌ فقال: ما الكبائر؟ فقال: "الشّرك باللّه، واليأس من روح اللّه، والقنوط من رحمة اللّه، والأمن من مكر اللّه، وهذا أكبر الكبائر".
وقد رواه البزّار، عن عبد اللّه بن إسحاق العطّار، عن أبي عاصمٍ النّبيل، عن شبيب بن بشرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ رجلًا قال: يا رسول اللّه، ما الكبائر؟ قال: "الإشراك باللّه، واليأس من روح اللّه، والقنوط من رحمة اللّه عز وجل".
وفي إسناده نظرٌ، والأشبه أن يكون موقوفًا، فقد روي عن ابن مسعودٍ نحو ذلك قال ابن جريرٍ:
حدّثني يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا هشيم، أخبرنا مطرّفٌ، عن وبرة بن عبد الرّحمن، عن أبي الطّفيل قال: قال ابن مسعودٍ: أكبر الكبائر الإشراك باللّه والإياس من روح اللّه، والقنوط من رحمة اللّه، والأمن من مكر اللّه.
وكذا رواه من حديث الأعمش وأبي إسحاق، عن وبرة، عن أبي الطّفيل، عن ابن مسعودٍ، به ثمّ رواه من طرق عدّةٍ، عن أبي الطّفيل، عن ابن مسعودٍ. وهو صحيحٌ إليه بلا شكّ.
حديثٌ آخر: فيه سوء الظّنّ باللّه؛ قال ابن مردويه: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن بندار، حدّثنا أبو حاتمٍ بكر بن عبدان، حدّثنا محمّد بن مهاجرٍ حدّثنا أبو حذيفة البخاريّ، عن محمّد بن عجلان، عن نافعٍ، عن ابن عمر أنّه قال:] قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [ "أكبر الكبائر سوء الظّنّ باللّه عزّ وجلّ". حديثٌ غريبٌ جدًّا.
حديثٌ آخر: فيه التّعرّب بعد الهجرة، قد تقدّم في رواية عمرو بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا، قال أبو بكر بن مردويه: حدّثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أحمد بن رشدين، حدّثنا عمرو بن خالدٍ الحرّانيّ، حدّثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن محمد بن سهل ابن أبي حثمة عن أبيه قال: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "الكبائر سبعٌ، ألا تسألوني عنهنّ؟ الشّرك باللّه، وقتل النفس، والفرار يوم الزّحف، وأكل مال اليتيم، وأكل الرّبا، وقذف المحصنة، والتّعرّب بعد الهجرة".
وفي إسناده نظرٌ، ورفعه غلطٌ فاحشٌ والصّواب ما رواه ابن جريرٍ: حدّثنا تميم بن المنتصر، أخبرنا يزيد، أخبرنا محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن سهيل بن أبي حثمة عن أبيه قال: إنّي لفي هذا المسجد -مسجد الكوفة-وعليٌّ، رضي اللّه عنه، يخطب الناس على المنبر، فقال: يا أيّها النّاس، الكبائر سبعٌ فأصاخ الناس، فأعادها ثلاث مرّاتٍ، ثمّ قال: لم لا تسألوني عنها؟ قالوا: يا أمير المؤمنين ما هي؟ قال: الإشراك باللّه، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه وقذف المحصنة، وأكل مال اليتيم، وأكل الرّبا، والفرار يوم الزّحف، والتّعرّب بعد الهجرة. فقلت لأبي: يا أبت، التّعرّب بعد الهجرة، كيف لحق هاهنا؟ قال: يا بنيّ، وما أعظم من أن يهاجر الرّجل، حتّى إذا وقع سهمه في الفيء، ووجب عليه الجهاد خلع ذلك من عنقه فرجع أعرابيًّا كما كان.
حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا هاشم، حدّثنا أبو معاوية -يعني شيبان-عن منصورٍ، عن هلال بن يساف، عن سلمة بن قيسٍ الأشجعيّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في حجّة الوداع: "ألا إنّما هنّ أربعٌ: ألّا تشركوا باللّه شيئًا، ولا تقتلوا النفس الّتي حرّم اللّه إلّا بالحقّ، ولا تزنوا، ولا تسرقوا". قال: فما أنا بأشحّ عليهنّ منّي، إذ سمعتهنّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ثمّ رواه أحمد أيضًا والنّسائيّ وابن مردويه، من حديث منصورٍ، بإسناده مثله.
حديثٌ آخر: تقدّم من رواية عمر بن المغيرة، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "الإضرار في الوصيّة من الكبائر". والصّحيح ما رواه غيره، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ [قوله] قال ابن أبي حاتمٍ: وهو الصّحيح عن ابن عبّاسٍ من قوله.
حديثٌ آخر في ذلك: "قال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا أحمد بن عبد الرّحمن، حدّثنا عبّاد بن عبّادٍ، عن جعفر بن الزّبير، عن القاسم، عن أبي أمامة؛ أنّ ناسًا من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ذكروا الكبائر وهو متّكئٌ، فقالوا: الشّرك باللّه، وأكل مال اليتيم، وفرارٌ من الزّحف، وقذف المحصنة، وعقوق الوالدين، وقول الزّور، والغلول، والسّحر، وأكل الرّبا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "فأين تجعلون {الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلا} [آل عمران:77]؟! إلى آخر الآية. في إسناده ضعفٌ، وهو حسنٌ.
ذكر أقوال السّلف في ذلك:
قد تقدّم ما روي عن أمير المؤمنين عمر وعليٍّ، رضي اللّه عنهما، في ضمن الأحاديث المذكورة. وقال ابن جريرٍ:
حدّثني يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن عليّة، عن ابن عون، عن الحسن: أنّ ناسًا سألوا عبد اللّه بن عمرٍو بمصر فقالوا: نرى أشياء من كتاب اللّه، أمر أن يعمل بها فلا يعمل بها، فأردنا أن نلقى أمير المؤمنين في ذلك؟ فقدم وقدموا معه، فلقيه عمر، رضي اللّه عنه، فقال: متى قدمت؟
فقال: منذ كذا وكذا قال: أبإذنٍ قدمت؟ قال: فلا أدري كيف ردّ عليه. فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ ناسًا لقوني بمصر فقالوا: إنّا نرى أشياء من كتاب اللّه، أمر أن يعمل بها فلا يعمل بها فأحبّوا أن يلقوك في ذلك فقال: اجمعهم لي. قال: فجمعتهم له -قال ابن عونٍ: أظنّه قال: في بهو-فأخذ أدناهم رجلًا فقال: نشدتك باللّه وبحقّ الإسلام عليك، أقرأت القرآن كلّه؟ قال: نعم قال فهل أحصيته في نفسك؟ قال اللّهمّ لا. قال: ولو قال: نعم لخصمه. قال: فهل أحصيته في بصرك؟ فهل أحصيته في لفظك؟ هل أحصيته في أمرك ؟ ثمّ تتبّعهم حتّى أتى على آخرهم. قال: فثكلت عمر أمّه. أتكلّفونه أن يقيم النّاس على كتاب اللّه؟! قد علم ربّنا أنّه ستكون لنا سيّئاتٌ. قال: وتلا {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلا كريمًا]} ثمّ قال: هل علم أهل المدينة -أو قال: هل علم أحدٌ-بما قدمتم؟ قالوا: لا. قال: لو علموا لوعظت بكم.
إسنادٌ حسنٌ ومتنٌ حسنٌ، وإن كان من رواية الحسن عن عمر، وفيها انقطاعٌ، إلّا أنّ مثل هذا اشتهر فتكفي شهرته.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنانٍ، حدّثنا أبو أحمد -يعني الزّبيريّ-حدّثنا عليّ بن صالحٍ، عن عثمان بن المغيرة، عن مالك بن جوينٍ، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: الكبائر الإشراك باللّه، وقتل النّفس، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، والفرار من الزّحف، والتّعرّب بعد الهجرة، والسّحر، وعقوق الوالدين، وأكل الرّبا، وفراق الجماعة، ونكث الصّفقة.
وتقدّم عن ابن مسعودٍ أنّه قال: أكبر الكبائر الإشراك باللّه، واليأس من روح اللّه، والقنوط من رحمة اللّه، والأمن من مكر اللّه، عزّ وجلّ.
وروى ابن جريرٍ، من حديث الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، والأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، كلاهما عن ابن مسعودٍ قال: الكبائر من أوّل سورة النّساء إلى ثلاثين آيةً منها. ومن حديث سفيان الثّوريّ وشعبة، عن عاصم بن أبي النّجود، عن زرّ بن حبيش، عن ابن مسعودٍ قال: الكبائر من أوّل سورة النّساء إلى ثلاثين آيةً منها ثمّ تلا {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه [نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلا كريمًا]}
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا المنذر بن شاذان، حدّثنا يعلى بن عبيدٍ، حدّثنا صالح بن حيّان، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: أكبر الكبائر: الشّرك باللّه، وعقوق الوالدين، ومنع فضول الماء بعد الرّيّ، ومنع طروق الفحل إلا بجعلٍ.
وفي الصّحيحين، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "لا يمنع فضل الماء ليمنع به الكلأ" وفيهما عنه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "ثلاثةٌ لا ينظر اللّه إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذابٌ أليمٌ: رجلٌ على فضل ماءٍ بالفلاة يمنعه ابن السّبيل"، وذكر الحديث بتمامه.
وفي مسند الإمام أحمد، من حديث عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه مرفوعًا: "من منع فضل الماء وفضل الكلأ منعه اللّه فضله يوم القيامة".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا الحسين بن محمّد بن شنبة الواسطيّ، حدّثنا أبو أحمد حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ، عن عائشة، قالت: ما أخذ على النّساء من الكبائر. قال ابن أبي حاتمٍ: يعني قوله: {على أن لا يشركن باللّه شيئًا ولا يسرقن [ولا يزنين ولا يقتلن أولادهنّ ولا يأتين ببهتانٍ يفترينه بين أيديهنّ وأرجلهنّ ولا يعصينك]} الآية [الممتحنة: 12].
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن عليّة، حدّثنا زياد بن مخراق، عن معاوية بن قرّة قال: أتينا أنس بن مالكٍ، فكان فيما حدّثنا قال: لم أر مثل الّذي بلغنا عن ربّنا تعالى ثمّ لم نخرج له عن كلّ أهلٍ ومالٍ. ثمّ سكت هنية ثمّ قال: واللّه لما كلّفنا ربّنا أهون من ذلك، لقد تجاوز لنا عمّا دون الكبائر، فما لنا ولها، ثمّ تلا {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه [نكفّر عنكم سيّئاتكم وندخلكم مدخلا كريمًا]}.
أقوال ابن عبّاسٍ في ذلك:
روى ابن جريرٍ، من حديث المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن طاوسٍ قال: ذكروا عند ابن عبّاسٍ الكبائر فقالوا: هي سبعٌ، فقال: هي أكثر من سبعٍ وسبعٍ. قال سليمان: فما أدري كم قالها من مرّةٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا قبيصة، حدّثنا سفيان، عن ليثٍ، عن طاوسٍ قال: قلت لابن عبّاسٍ: ما السّبع الكبائر؟ قال: هي إلى السّبعين أقرب منها إلى السّبع.
ورواه ابن جريرٍ، عن ابن حميدٍ، عن ليثٍ، عن طاوسٍ قال: جاء رجلٌ إلى ابن عبّاسٍ فقال: أرأيت الكبائر السّبع الّتي ذكرهنّ اللّه؟ ما هنّ؟ قال: هنّ إلى السّبعين أدنى منهنّ إلى سبعٍ.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمرٌ عن طاوسٍ، عن أبيه قال: قيل لابن عبّاسٍ: الكبائر سبعٌ؟ قال: هنّ إلى السّبعين أقرب، وكذا قال أبو العالية الرياحي، رحمه الله.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا المثنّى، حدّثنا أبو حذيفة، حدّثنا شبل، عن قيسٍ عن سعدٍ، عن سعيد بن جبير؛ أنّ رجلًا قال لابن عبّاسٍ: كم الكبائر؟ سبعٌ؟ قال: هنّ إلى سبعمائةٍ أقرب منها إلى سبعٍ، غير أنّه لا كبيرة مع استغفارٍ، ولا صغيرة مع إصرارٍ. وكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، من حديث شبلٍ، به.
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} قال: الكبائر كلّ ذنبٍ ختمه اللّه بنارٍ أو غضب أو لعنةٍ أو عذابٍ. ورواه ابن جريرٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن حربٍ الموصليّ، حدّثنا ابن فضيلٍ، حدّثنا شبيبٌ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: الكبائر: كلّ ما وعد اللّه عليه النّار كبيرةٌ. وكذا قال سعيد بن جبيرٍ والحسن البصريّ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب، حدّثنا ابن عليّة، أخبرنا أيّوب، عن محمّد بن سيرين قال: نبّئت أنّ ابن عبّاسٍ كان يقول: كلّ ما نهى اللّه عنه كبيرةٌ. وقد ذكرت الطّرفة [فيه] قال: هي النّظرة.
وقال أيضًا: حدّثنا أحمد بن حازمٍ، أخبرنا أبو نعيمٍ، حدّثنا عبد اللّه بن معدان، عن أبي الوليد قال: سألت ابن عبّاسٍ عن الكبائر فقال هي كلّ شيءٍ عصي اللّه فيه فهو كبيرةٌ.
أقوال التّابعين
قال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن عليّة، عن ابن عون، عن محمّدٍ قال: سألت عبيدة عن الكبائر، فقال: الإشراك باللّه، وقتل النّفس الّتي حرّم اللّه بغير حقّها، وفرار يوم الزّحف، وأكل مال اليتيم بغير حقّه، وأكل الرّبا، والبهتان. قال: ويقولون: أعرابيّةٌ بعد هجرةٍ. قال ابن عونٍ: فقلت لمحمّدٍ: فالسّحر؟ قال: إنّ البهتان يجمع شرًّا كبيرًا.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن عبيدٍ المحاربي حدّثنا أبو الأحوص سلّام بن سليمٍ، عن أبي إسحاق، عن عبيد بن عمير قال: الكبائر سبعٌ، ليس منهنّ كبيرةٌ إلّا وفيها آيةٌ من كتاب اللّه: الإشراك باللّه منهنّ: {ومن يشرك باللّه فكأنّما خرّ من السّماء فتخطفه الطّير أو تهوي به الرّيح} [الحجّ:31] و {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا} [النّساء: 10] {الّذين يأكلون الرّبا لا يقومون إلا كما يقوم الّذي يتخبّطه الشّيطان من المسّ} [البقرة: 275] و {إنّ الّذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات} [النّور: 23] والفرار من الزّحف: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفًا [فلا تولّوهم الأدبار]} [الأنفال: 15]، والتّعرّب بعد الهجرة: {إنّ الّذين ارتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدى} [محمّدٍ: 25]، وقتل المؤمن: {ومن يقتل مؤمنًا متعمّدًا فجزاؤه جهنّم خالدًا فيها} الآية [النّساء: 93].
وكذا رواه ابن أبي حاتمٍ من حديث أبي إسحاق، عن عبيد، بنحوه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا المثنّى، حدّثنا أبو حذيفة، حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيح، عن عطاءٍ -يعني ابن أبي رباحٍ-قال: الكبائر سبعٌ: قتل النّفس، وأكل الرّبا وأكل مال اليتيم، ورمي المحصنة، وشهادة الزّور، وعقوق الوالدين، والفرار من الزّحف.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة قال: كان يقال شتم أبي بكرٍ وعمر، رضي اللّه عنهما، من الكبائر.
قلت: وقد ذهب طائفةٌ من العلماء إلى تكفير من سبّ الصّحابة، وهو روايةٌ عن مالك بن أنسٍ، رحمه اللّه: وقال محمّد بن سيرين: ما أظنّ أحدًا ينتقص أبا بكرٍ، وعمر، وهو يحبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. رواه التّرمذيّ.
وقال ابن أبي حاتمٍ أيضًا: حدّثنا يونس، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عبد اللّه بن عيّاش، قال زيد بن أسلم في قول اللّه عزّ وجلّ: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} من الكبائر: الشّرك، والكفر بآيات اللّه ورسوله، والسّحر، وقتل الأولاد، ومن دعا للّه ولدًا أو صاحبةً، ومثل ذلك من الأعمال، والقول الّذي لا يصلح معه عملٌ، وأمّا كلّ ذنبٍ يصلح معه دينٌ، ويقبل معه عملٌ فإنّ اللّه يغفر السّيّئات بالحسنات.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا بشر بن معاذٍ، حدّثنا يزيد، حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} الآية: إنّما وعد اللّه المغفرة لمن اجتنب الكبائر. وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "اجتنبوا الكبائر، وسدّدوا، وأبشروا".
وقد روى ابن مردويه من طرقٍ عن أنسٍ، وعن جابرٍ مرفوعًا: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي" ولكن في إسناده من جميع طرقه ضعفٌ، إلّا ما رواه عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن ثابتٍ، عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي". فإنّه إسنادٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين وقد رواه أبو عيسى التّرمذيّ منفردًا به من هذا الوجه، عن عبّاسٍ العنبري، عن عبد الرّزّاق ثمّ قال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وفي الصّحيح شاهدٌ لمعناه، وهو قوله صلّى اللّه عليه وسلّم بعد ذكر الشّفاعة: "أترونها للمؤمنين المتقين؟ لا ولكنها للخاطئين المتلوّثين".
وقد اختلف علماء الأصول والفروع في حدّ الكبيرة فمن قائلٍ: هي ما عليه حدٌّ في الشرع.
ومنهم من قال: هي ما عليه وعيدٌ لخصوصه من الكتاب والسّنّة. وقيل غير ذلك. قال أبو القاسم عبد الكريم بن محمّدٍ الرّافعيّ، في كتابه الشّرح الكبير الشّهير، في كتاب الشّهادات منه: ثمّ اختلف الصّحابة، رضي اللّه [تعالى] عنهم، فمن بعدهم في الكبائر، وفي الفرق بينها وبين الصّغائر، ولبعض الأصحاب في تفسير الكبيرة وجوهٌ:
أحدها: أنّها المعصية الموجبة للحدّ.
والثّاني: أنّها المعصية الّتي يلحق صاحبها الوعيد الشّديد بنصّ كتابٍ أو سنّةٍ. وهذا أكثر ما يوجد لهم، وهو وإلى الأوّل أميل، لكنّ الثّاني أوفق لما ذكروه عند تفسير الكبائر.
والثّالث: قال إمام الحرمين في "الإرشاد" وغيره: كلّ جريمةٍ تنبئ بقلّة اكتراث مرتكبها بالدّين ورقّة الدّيانة، فهي مبطلةٌ للعدالة.
والرّابع: ذكر القاضي أبو سعيدٍ الهرويّ أنّ الكبيرة: كلّ فعل نصّ الكتاب على تحريمه، وكلّ معصيةٍ توجب في جنسها حدًّا من قتلٍ أو غيره، وترك كلّ فريضةٍ مأمورٍ بها على الفور، والكذب في الشّهادة، والرّواية، واليمين.
هذا ما ذكره على سبيل الضّبط.
ثمّ قال: وفصّل القاضي الرّويانيّ فقال: الكبائر سبعٌ: قتل النّفس بغير الحقّ، والزّنا، واللّواط، وشرب الخمر، والسّرقة، وأخذ المال غصبًا، والقذف. وزاد في "الشّامل" على السّبع المذكورة: شهادة الزّور. وأضاف إليها صاحب العدّة: أكل الرّبا، والإفطار في رمضان بلا عذرٍ، واليمين الفاجرة، وقطع الرّحم، وعقوق الوالدين، والفرار من الزّحف، وأكل مال اليتيم، والخيانة في الكيل والوزن، وتقديم الصّلاة على وقتها، وتأخيرها عن وقتها، بلا عذرٍ، وضرب المسلم بلا حقٍّ، والكذب على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عمدًا، وسبّ أصحابه، وكتمان الشّهادة بلا عذرٍ، وأخذ الرّشوة، والقيادة بين الرّجال والنّساء، والسّعاية عند السّلطان، ومنع الزّكاة، وترك الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مع القدرة، ونسيان القرآن بعد تعلّمه، وإحراق الحيوان بالنّار، وامتناع المرأة من زوجها بلا سببٍ، واليأس من رحمة اللّه، والأمن من مكر اللّه ويقال: الوقيعة في أهل العلم وحملة القرآن. وممّا يعدّ من الكبائر: الظّهار، وأكل لحم الخنزير والميتة إلّا عن ضرورةٍ.
ثمّ قال الرّافعيّ: وللتّوقّف مجالٌ في بعض هذه الخصال.
قلت: وقد صنّف النّاس في الكبائر مصنّفاتٌ، منها ما جمعه شيخنا الحافظ أبو عبد اللّه الذّهبيّ الّذي بلغ نحوًا من سبعين كبيرةً، وإذا قيل: إن الكبيرة [هى] ما توعد الشّارع عليها بالنّار بخصوصها، كما قال ابن عبّاسٍ، وغيره، وتتبّع ذلك، اجتمع منه شيءٌ كثيرٌ، وإذا قيل: كلّ ما نهى اللّه [تعالى] عنه فكثيرٌ جدًّا، واللّه [تعالى] أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 2/271-286]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن واسألوا اللّه من فضله إنّ اللّه كان بكلّ شيءٍ عليمًا (32)}
قال الإمام أحمد: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ قال: قالت أمّ سلمة: يا رسول اللّه، يغزو الرّجال ولا نغزو، ولنا نصف الميراث. فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ}
ورواه التّرمذيّ عن ابن أبي عمر، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، عن أمّ سلمة أنّها قالت: قلت: يا رسول اللّه ... فذكره، وقال: غريبٌ ورواه بعضهم عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، أنّ أمّ سلمة قالت ...
ورواه ابن أبي حاتمٍ، وابن جريرٍ وابن مردويه، والحاكم في مستدركه، من حديث الثّوريّ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قال: قالت أمّ سلمة: يا رسول اللّه، لا نقاتل فنستشهد، ولا نقطع الميراث! فنزلت: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن} ثمّ نزلت: {أنّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ أو أنثى} [آل عمران: 195].
ثمّ قال ابن أبي حاتمٍ: وكذا روى سفيان بن عيينة، يعني عن ابن أبي نجيحٍ بهذا اللّفظ. وروى يحيى القطّان ووكيع بن الجرّاح، عن الثّوريّ، وعن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن أمّ سلمة قالت: قلت: يا رسول اللّه = وروي عن مقاتل بن حيّان وخصيف نحو ذلك.
وروى ابن جريرٍ من حديث ابن جريجٍ، عن عكرمة ومجاهدٍ أنّهما قالا أنزلت في أمّ سلمة.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن شيخٍ من أهل مكّة قال: نزلت هذه الآية في قول النّساء: ليتنا الرّجال فنجاهد كما يجاهدون ونغزو في سبيل اللّه عزّ وجلّ.
وقال ابن أبي حاتمٍ أيضًا: حدّثنا أحمد بن القاسم بن عطيّة، حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن، حدّثني أبي، حدّثنا الأشعث بن إسحاق، عن جعفرٍ -يعني ابن أبي المغيرة-عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في] قوله [ {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن} قال: أتت امرأةٌ النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقالت: يا نبيّ اللّه، للذّكر مثل حظّ الأنثيين، وشهادة امرأتين برجلٍ، فنحن في العمل هكذا، إن عملت امرأةٌ حسنةً كتبت لها نصف حسنةٍ. فأنزل اللّه هذه الآية: {ولا تتمنّوا} فإنه عدل مني، وأنا صنعته.
وقال السّدّيّ: قوله: في الآية {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ} فإنّ الرّجال قالوا: نريد أن يكون لنا من الأجر الضّعف على أجر النّساء، كما لنا في السّهام سهمان. وقالت النّساء: نريد أن يكون لنا أجرٌ مثل أجر الرّجال الشّهداء، فإنّا لا نستطيع أن نقاتل، ولو كتب علينا القتال لقاتلنا فأبى اللّه ذلك، ولكن قال لهم: سلوني من فضلي قال: ليس بعرض الدّنيا.
وقد روي عن قتادة نحو ذلك. وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: قوله: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ} قال ولا يتمنّى الرّجل فيقول: "ليت لو أنّ لي مال فلانٍ وأهله! " فنهى اللّه عن ذلك، ولكن يسأل اللّه من فضله.
وكذا قال محمّد بن سيرين والحسن والضّحّاك وعطاءٌ نحو ذلك وهو الظّاهر من الآية ولا يرد على هذا ما ثبت في الصّحيح: "لا حسد إلّا في اثنتين: رجلٌ آتاه اللّه مالًا فسلّطه على هلكته في الحقّ، فيقول رجلٌ: لو أنّ لي مثل ما لفلانٍ لعملت مثله. فهما في الأجر سواءٌ" فإنّ هذا شيءٌ غير ما نهت الآية عنه، وذلك أنّ الحديث حضّ على تمنّي مثل نعمة هذا، والآية نهت عن تمنّي عين نعمة هذا، فقال: {ولا تتمنّوا ما فضّل اللّه به بعضكم على بعضٍ} أي: في الأمور الدّنيويّة، وكذا الدّينيّة أيضًا لحديث أمّ سلمة، وابن عبّاسٍ. وهكذا قال عطاء بن أبي رباحٍ: نزلت في النّهي عن تمنّي ما لفلانٍ، وفي تمنّي النّساء أن يكنّ رجالًا فيغزون. رواه ابن جريرٍ.
ثمّ قال: {للرّجال نصيبٌ ممّا اكتسبوا وللنّساء نصيبٌ ممّا اكتسبن} أي: كلٌّ له جزاءٌ على عمله بحسبه، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ. وهو قول ابن جريرٍ.
وقيل: المراد بذلك في الميراث، أي: كلٌّ يرث بحسبه. رواه التّرمذيّ عن ابن عبّاسٍ:
ثمّ أرشدهم إلى ما يصلحهم فقال: {واسألوا اللّه من فضله}] أي [ لا تتمنّوا ما فضّل به بعضكم على بعضٍ، فإنّ هذا أمرٌ محتومٌ، والتّمنّي لا يجدي شيئًا، ولكن سلوني من فضلي أعطكم؛ فإنّي كريمٌ وهّابٌ.
وقد روى التّرمذيّ، وابن مردويه من حديث حمّاد بن واقدٍ: سمعت إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "سلوا اللّه من فضله؛ فإنّ اللّه يحبّ أن يسأل وإنّ أفضل العبادة انتظار الفرج".
ثمّ قال التّرمذيّ: كذا رواه حمّاد بن واقدٍ، وليس بالحافظ، ورواه أبو نعيم، عن إسرائيل، عن حكيم بن جبيرٍ، عن رجلٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وحديث أبي نعيمٍ أشبه أن يكون أصحّ
وكذا رواه ابن مردويه من حديث وكيع، عن إسرائيل. ثمّ رواه من حديث قيس بن الربيع، عن حكيم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه: "سلوا اللّه من فضله، فإنّ اللّه يحبّ أن يسأل، وإنّ أحبّ عباده إليه الّذي يحب الفرج".
ثمّ قال: {إنّ اللّه كان بكلّ شيءٍ عليمًا} أي: هو عليمٌ بمن يستحقّ الدّنيا فيعطيه منها، وبمن يستحقّ الفقر فيفقره، وعليمٌ بمن يستحقّ الآخرة فيقيّضه لأعمالها، وبمن يستحقّ الخذلان فيخذله عن تعاطي الخير وأسبابه؛ ولهذا قال: {إنّ اللّه كان بكلّ شيءٍ عليمًا} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/286-288]

تفسير قوله تعالى: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآَتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم إنّ اللّه كان على كلّ شيءٍ شهيدًا (33)}
قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وسعيد بن جبير، وأبو صالحٍ، وقتادة، وزيد بن أسلم، والسّدّيّ، والضّحّاك، ومقاتل بن حيّان، وغيرهم في قوله: {ولكلٍّ جعلنا موالي} أي: ورثةً. وعن ابن عبّاسٍ في روايةٍ: أي عصبة. قال ابن جريرٍ: والعرب تسمّي ابن العمّ مولًى، كما قال الفضل بن عبّاسٍ:
مهلا بني عمّنا مهلا موالينا = لا تظهرن لنا ما كان مدفونا
قال: ويعني بقوله: {ممّا ترك الوالدان والأقربون} من تركة والديه وأقربيه من الميراث، فتأويل الكلام: ولكلّكم -أيّها النّاس-جعلنا عصبةً يرثونه ممّا ترك والداه وأقربوه من ميراثهم له.
وقوله: {والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} أي: والّذين تحالفتم بالأيمان المؤكّدة -أنتم وهم-فآتوهم نصيبهم من الميراث، كما وعدتموهم في الأيمان المغلّظة، إنّ اللّه شاهدٌ بينكم في تلك العهود والمعاقدات، وقد كان هذا في ابتداء الإسلام، ثمّ نسخ بعد ذلك، وأمروا أن يوفّوا لمن عاقدوا، ولا ينشئوا بعد نزول هذه الآية معاقدةً.
قال البخاريّ: حدّثنا الصّلت بن محمّدٍ، حدّثنا أبو أسامة، عن إدريس، عن طلحة بن مصرّفٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {ولكلٍّ جعلنا موالي} قال: ورثةً، {والّذين عقدت أيمانكم} كان المهاجرون لمّا قدموا المدينة يرث المهاجريّ الأنصاريّ، دون ذوي رحمه؛ للأخوّة الّتي آخى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بينهم، فلمّا نزلت {ولكلٍّ جعلنا موالي} نسخت، ثمّ قال: {والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} من النّصر والرّفادة والنّصيحة، وقد ذهب الميراث ويوصي له.
ثمّ قال البخاريّ: سمع أبو أسامة إدريس، وسمع إدريس عن طلحة.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو أسامة، حدّثنا إدريس الأوديّ، أخبرني طلحة بن مصرف، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {والّذين عقدت أيمانكم [فآتوهم نصيبهم]} الآية، قال: كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجريّ الأنصاريّ، دون ذوي رحمه؛ بالأخوّة الّتي آخى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بينهم، فلمّا نزلت هذه الآية: {ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون} نسخت. ثمّ قال: {والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم}
وحدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، حدّثنا حجّاج، عن ابن جريج -وعثمان بن عطاءٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: {والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} فكان الرّجل قبل الإسلام يعاقد الرّجل، يقول: ترثني وأرثك وكان الأحياء يتحالفون، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كلّ حلف كان في الجاهليّة أو عقد أدركه الإسلام، فلا يزيده الإسلام إلّا شدّةً، ولا عقد ولا حلفٌ في الإسلام". فنسختها هذه الآية: {وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب اللّه} [الأنفال:75].
ثمّ قال: وروي عن سعيد بن المسيّب، ومجاهدٍ، وعطاءٍ، والحسن، وسعيد بن جبير، وأبي صالحٍ، والشّعبي، وسليمان بن يسار، وعكرمة، والسّدّي، والضّحّاك، وقتادة، ومقاتل بن حيّان أنّهم قالوا: هم الحلفاء.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ -ورفعه-قال: "ما كان من حلفٍ في الجاهليّة لم يزده الإسلام إلّا حدّةً وشدّةً".
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا وكيعٌ، عن شريكٌ، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -وحدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا مصعب بن المقدام، عن إسرائيل عن يونس، عن محمّد بن عبد الرّحمن مولى آل طلحة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا حلف في الإسلام، وكلّ حلف كان في الجاهليّة فلم يزده الإسلام إلّا شدّة، وما يسرّني أنّ لي حمر النّعم وإنّي نقضت الحلف الّذي كان في دار النّدوة" هذا لفظ ابن جريرٍ.
وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا ابن عليّة، عن عبد الرّحمن بن إسحاق عن الزّهريّ، عن محمّد بن جبير بن مطعمٍ، عن أبيه، عن عبد الرّحمن بن عوفٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "شهدت حلف المطيّبين، وأنا غلامٌ مع عمومتي، فما أحبّ أنّ لي حمر النّعم وأنا أنكثه". قال الزّهريّ: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لم يصب الإسلام حلفا إلّا زاده شدّةً". قال: "ولا حلف في الإسلام". وقد ألّف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بين قريشٍ والأنصار.
وهكذا رواه الإمام أحمد عن بشر بن المفضّل عن عبد الرّحمن بن إسحاق، عن الزّهريّ، بتمامه.
وحدّثني يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا هشيم، أخبرني مغيرة، عن أبيه، عن شعبة بن التّوأم، عن قيس بن عاصمٍ: أنّه سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الحلف، قال: فقال: "ما كان من حلفٍ في الجاهليّة فتمسّكوا به، ولا حلفٍ في الإسلام".
وكذا رواه أحمد عن هشيمٍ.
وحدّثنا أبو كريبٍ حدّثنا وكيع، عن داود بن أبي عبد اللّه، عن ابن جدعان، عن جدّته، عن أمّ سلمة: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لا حلف في الإسلام، وما كان من حلفٍ في الجاهليّة لم يزده الإسلام إلّا شدّةً".
وحدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا يونس بن بكيرٍ حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه عن جدّه قال: لمّا كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بمكّة عام الفتح قام خطيبًا في النّاس فقال: "يا أيّها النّاس، ما كان من حلفٍ في الجاهليّة، لم يزده الإسلام إلّا شدّةً، ولا حلف في الإسلام".
ثمّ رواه من حديث حسينٍ المعلّم، وعبد الرّحمن بن الحارث، عن عمرو بن شعيبٍ، به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد اللّه بن محمّدٍ، حدّثنا ابن نميرٍ وأبو أسامة، عن زكريّا، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن جبير بن مطعمٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "لا حلف في الإسلام، وأيّما حلفٍ كان في الجاهليّة لم يزده الإسلام إلّا شدّةً".
وهكذا رواه مسلمٌ عن عبد اللّه بن محمد، وهو أبو بكر بن أبي شيبة، بإسناده، مثله. ورواه أبو داود عن عثمان عن محمّد بن أبي شيبة، عن محمّد بن بشرٍ وابن نمير وأبي أسامة، ثلاثتهم عن زكريّا -وهو ابن أبي زائدة -بإسناده، مثله.
ورواه ابن جريرٍ من حديث محمّد بن بشرٍ، به. ورواه النّسائيّ من حديث إسحاق بن يوسف الأزرق، عن زكريّا، عن سعد بن إبراهيم، عن نافع بن جبير بن مطعمٍ، عن أبيه، به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا هشيمٌ، قال: مغيرة أخبرني، عن أبيه، عن شعبة بن التّوأم، عن قيس بن عاصمٍ: أنّه سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الحلف، فقال: "ما كان من حلفٍ في الجاهليّة فتمسّكوا به، ولا حلف في الإسلام".
وكذا رواه شعبة، عن مغيرة -وهو ابن مقسم-عن أبيه، به.
وقال محمّد بن إسحاق، عن داود بن الحصين قال: كنت أقرأ على أمّ سعدٍ بنت الرّبيع، مع ابن ابنها موسى بن سعدٍ -وكانت يتيمةً في حجر أبي بكرٍ -فقرأت عليها {والّذين عقدت أيمانكم} فقالت: لا ولكن: {والّذين عقدت أيمانكم} قالت: إنّما نزلت في أبي بكرٍ وابنه عبد الرّحمن، حين أبى أن يسلم، فحلف أبو بكرٍ أن لا يورّثه، فلمّا أسلم حين حمل على الإسلام بالسّيف أمر اللّه أن يؤتيه نصيبه.
رواه ابن أبي حاتمٍ، وهذا قولٌ غريبٌ، والصّحيح الأوّل، وأنّ هذا كان في ابتداء الإسلام يتوارثون بالحلف، ثمّ نسخ وبقي تأثير الحلف بعد ذلك، وإن كانوا قد أمروا أن يوفوا بالعقود والعهود، والحلف الّذي كانوا قد تعاقدوا قبل ذلك تقدّم في حديث جبير بن مطعمٍ وغيره من الصّحابة: لا حلف في الإسلام، وأيّما حلفٍ كان في الجاهليّة لم يزده الإسلام إلّا شدّةً.
وهذا نصٌّ في الرّدّ على ما ذهب إلى التّوارث بالحلف اليوم كما هو مذهب أبي حنيفة وأصحابه، وروايةٌ عن أحمد بن حنبلٍ، رحمه اللّه.
والصحيح قول الجمهور ومالكٍ والشّافعيّ وأحمد في المشهور عنه؛ ولهذا قال تعالى: {ولكلٍّ جعلنا موالي ممّا ترك الوالدان والأقربون} أي: ورثهً من أقربائه من أبويه وأقربيه، وهم يرثونه دون سائر النّاس، كما ثبت في الصّحيحين، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأولى رجلٍ ذكرٍ" أي: اقسموا الميراث على أصحاب الفروض الّذين ذكرهم اللّه في آيتي الفرائض، فما بقي بعد ذلك فأعطوه العصبة، وقوله: {والّذين عقدت أيمانكم} أي: قبل نزول هذه الآية فآتوهم نصيبهم، أي من الميراث، فأيّما حلفٌ عقد بعد ذلك فلا تأثير له.
وقد قيل: إنّ هذه الآية نسخت الحلف في المستقبل، وحكم الماضي أيضًا، فلا توارث به، كما قال ابن أبي حاتمٍ.
حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو أسامة، حدّثنا إدريس الأوديّ، أخبرني طلحة بن مصرّف، عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاسٍ: {فآتوهم نصيبهم} قال: من النّصرة والنّصيحة والرّفادة، ويوصى له، وقد ذهب الميراث.
ورواه ابن جريرٍ، عن أبي كريبٍ، عن أبي أسامة وكذا روي عن مجاهدٍ، وأبي مالكٍ، نحو ذلك.
وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قوله: {والّذين عقدت أيمانكم} قال: كان الرّجل يعاقد الرّجل، أيّهما مات ورثه الآخر، فأنزل اللّه: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفًا} [الأحزاب: 6]. يقول: إلّا أن يوصوا لأوليائهم الّذين عاقدوا وصيّةً فهو لهم جائزٌ من ثلث مال الميّت، وذلك هو المعروف.
وهذا نصّ غير واحدٍ من السّلف: أنّها منسوخةٌ بقوله: {وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفًا}
وقال سعيد بن جبيرٍ: {فآتوهم نصيبهم} أي: من الميراث. قال: وعاقد أبو بكرٍ مولًى فورثه. رواه ابن جريرٍ.
وقال الزّهريّ عن سعيد بن المسيّب: أنزلت هذه الآية في الّذين كانوا يتبنّون رجالًا غير أبنائهم، يورّثونهم، فأنزل اللّه فيهم، فجعل لهم نصيبًا في الوصيّة، وردّ الميراث إلى الموالي في ذي الرّحم والعصبة وأبى اللّه للمدّعين ميراثًا ممّن ادّعاهم وتبنّاهم، ولكن جعل لهم نصيبًا من الوصيّة. رواه ابن جرير.
وقد اختار ابن جريرٍ أنّ المراد بقوله: {فآتوهم نصيبهم} أي: من النّصرة والنّصيحة والمعونة، لا أنّ المراد فآتوهم نصيبهم من الميراث -حتّى تكون الآية منسوخةً، ولا أنّ ذلك كان حكمًا ثمّ نسخ، بل إنّما دلّت الآية على الوفاء بالحلف المعقود على النّصرة والنّصيحة فقط، فهي محكمةٌ لا منسوخةٌ.
وهذا الّذي قاله فيه نظرٌ، فإنّ من الحلف ما كان على المناصرة والمعاونة، ومنه ما كان على الإرث، كما حكاه غير واحدٍ من السّلف، وكما قال ابن عبّاسٍ: كان المهاجريّ يرث الأنصاريّ دون قراباته وذوي رحمه، حتّى نسخ ذلك، فكيف يقول: إنّ هذه الآية محكمة غير منسوخة ؟! والله أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 2/288-292]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:21 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة