التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (2)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب...}
يقول: « لا تأكلوا أموال اليتامى بدل أموالكم، وأموالهم عليكم حرام، وأموالكم حلال».
وقوله: {إنّه كان حوباً كبيراً} الحوب: الإثم العظم. ورأيت بني أسد يقولون الحائب: «القاتل، وقد حاب يحوب». وقرأ الحسن {إنه كان حوبا كبيرا} ). [معاني القرآن: 1/253]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): {إنّه كان حوباً كبيراً} أي:« إثماً»، قال أميّة بن الأسكر اللّيثيّ:
وإنّ مهاجرين تكنّفاه..... غداة إذٍ لقد خطئا وحابا
وقال الهذليّ:
ولا تخنوا عليّ ولا تشطّوا...... بقول الفخر إنّ الفخر حوب). [مجاز القرآن: 1/113-114]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): {وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنّه كان حوباً كبيراً}.
قال: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} أي:« مع أموالكم »{إنّه كان حوباً كبيرا} يقول: « أكلها كان حوباً كبيراً ». [معاني القرآن: 1/191]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): {حوبا}: « إثما ». [غريب القرآن وتفسيره: 113]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ):{ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} أي:«مع أموالكم مضمومة إليها ».
و(الحوب) الإثم. وفيه ثلاث لغات: حوب. وحوب. وحاب). [تفسير غريب القرآن: 118]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): («إلى» مكان «مع»
قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ}، أي: مع أموالكم. ومثله: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ}، أي: مع الله.
والعرب تقول: الذَّوْدُ إلى الذَّوْدِ إِبِلٌ، أي مع الذَّوْدِ.
قال ابن مفرِّغ:
شَدَخَتْ غُرَّةُ السَّوابِقَ فِيهِمْ ..... فِي وُجُوهٍ إِلَى اللِّمَام ِالجِعَادِ
أراد مع اللِّمَامِ الجِعَادِ). [تأويل مشكل القرآن: 571] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله: {وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنّه كان حوبا كبيرا}أي:« أعطوهم أموالهم إذا آنستم منهم رشدا، وإنما يسمون يتامى – بعد أن يؤنس منهم الرّشد، وقد زال عنهم اسم يتامى - بالاسم الأول الذي كان لهم، وقد كان يقال في النبي - صلى الله عليه وسلم - يتيم أبي طالب ».
وقوله - عزّ وجلّ -: {ولا تتبدّلوا الخبيث بالطّيّب} الطيب مالكم، والخبيث مال اليتيم وغيره مما ليس لكم، فلا تأكلوا مال اليتيم بدلا من مالكم، وكذلك لا تأكلوا (أيضا) {أموالهم إلى أموالكم}.
أي: لا تضيفوا أموالهم في الأكل إلى أموالكم، أي: إن احتجتم إليها فليس لكم أن تأكلوها مع أموالكم.
{إنّه كان حوبا كبيرا}والحوب: الإثم العظيم، والحوب فعل الرجل، تقول: حاب حوبا كقولك قد خان خونا). [معاني القرآن: 2/7-8]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب} قال الضحاك:«لا تعطوهم زيوفا بجياد». وقال غيره: « لا تتبدلوا الحرام بالحلال ». [معاني القرآن: 2/9]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): ثم قال تعالى: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} قيل المعنى مع أموالكم والأجود أن تكون إلى في موضعها ويكون المعنى: ولا تضموا أموالهم إلى أموالكم). [معاني القرآن: 2/9]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): ثم قال عز وجل: {إنه كان حوبا كبيرا} قال قتادة: « الحوب الإثم».
وروي أن أبا أيوب طلق امرأته أو عزم على أن يطلقها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « إن طلاق أم أيوب لحوب». [معاني القرآن: 2/10]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): قوله تبارك وتعالى: {حوبا كبيرا} أي:« إثما عظيما». [ياقوتة الصراط: 195]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): (قوله: {إِلَى أَمْوَالِكُمْ} أي:«مع أموالكم».
والحوب: الإثم، ويقال: حوب وحاب. [تفسير المشكل من غريب القرآن: 57]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ( الحُوبُ: الإثم). [العمدة في غريب القرآن: 105]
تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (3)}.
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): وقوله: {وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم...}.
واليتامى في هذا الموضع أصحاب الأموال، فيقول القائل: ما عدل الكلام من أموال اليتامى إلى النكاح؟ فيقال: إنهم تركوا مخالطة اليتامى تحرّجا، فأنزل الله تبارك وتعالى: فإن كنتم تتحرجون من مؤاكلة اليتامى فاحرجوا من جمعكم بين النساء ثم لا تعدلون بينهن، {فانكحوا ما طاب لكم} يعني الواحدة إلى الأربع.
فقال تبارك وتعالى: {ما طاب لكم} ولم يقل: من طاب. وذلك أنه ذهب إلى الفعل كما قال {أو ما ملكت أيمانكم} يريد: أو ملك أيمانكم. ولو قيل في هذين (من) كان صوابا، ولكن الوجه ما جاء به الكتاب، وأنت تقول في الكلام: خذ من عبيدي ما شئت، إذا أراد مشيئتك، فإن قلت: من شئت، فمعناه: خذ الذي تشاء.
وأما قوله: {مثنى وثلاث ورباع} فإنها حروف لا تجرى، وذلك أنهن مصروفات عن جهاتهنّ؛ ألا ترى أنهنّ للثلاث والثلاثة، وأنهن لا يضفن إلى ما يضاف إليه الثلاثة والثلاث، فكان لامتناعه من الإضافة كأنّ فيه الألف واللام، وامتنع من الألف واللام لأن فيه تأويل الإضافة؛ كما كان بناء الثلاثة أن تضاف إلى جنسها، فيقال: ثلاث نسوة، وثلاثة رجال، وربما جعلوا مكان ثلاث ورباع مثلث ومربع، فلا يجري أيضا؛ كما لم يجر ثلاث ورباع لأنه مصروف، فيه من العلّة ما في ثلاث ورباع، ومن جعلها نكرة وذهب بها إلى الأسماء أجراها.
والعرب تقول: ادخلوا ثلاث ثلاث، وثلاثا ثلاثا.
وقال الشاعر:
وإنّ الغلام المستهام بذكره .... قتلنا به من بين مثنىً وموحد
بأربعةٍ منكم وآخر خامسٍ .... وسادٍ مع الإظلام في رمح معبد
فوجه الكلام ألاّ تجرى وأن تجعل معرفة؛ لأنها مصروفة، والمصروف خلقته أن يترك على هيئته، مثل: لكع ولكاع، وكذلك قوله: {أولي أجنحةٍ مثنى وثلاث ورباع}.
والواحد يقال فيه: موحد وأحاد ووحاد، ومثنى وثناء؛ وأنشد بعضهم:
ترى النّعرات الزّرق تحت لبانه .... أحاد ومثنى أصعقتها صواهله
وقوله: {فواحدةً} تنصب على: فإن خفتم ألاّ تعدلوا على الأربع في الحبّ والجماع فانكحوا واحدة أو ما ملكت أيمانكم لا وقت عليكم فيه، ولو قال: فواحدةٌ، بالرفع كان كما قال {فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان} كان صوابا على قولك: فواحدة (مقنع، فواحدة) رضا.
وقوله: {ذلك أدنى ألاّ تعولوا}: ألاّ تميلوا. وهو أيضا في كلام العرب: قد عال يعول. وفي قراءة عبد الله: (ولا يعل أن يأتيني بهم جميعا) كأنه في المعنى: ولا يشق عليه أن يأتيني بهم جميعا. والفقر يقال منه عال يعيل عيلة؛ وقال الشاعر:
ولا يدري الفقير متى غناه * ولا يردى الغني متى يعيل). [معاني القرآن: 1/253-255].
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): {وإن خفتم ألاّ تقسطوا} وإن أيقنتم ألاّ تعدلوا.
{من النّساء مثنى} أي: ثنتين، ولا تنوين فيها، قال ابن عنمة الضّبي:
يباعون بالبعران مثنى وموحدا
وقال الشاعر:
ولكنما أهلي بوادٍ أنيسه ...... ذئابٌ تبغّي الناس مثنى وموحدا
قال النحويون: لا ينوّن (مثنى) لأنه مصروف عن حدّه، والحدّ أن يقولوا: اثنين؛ وكذلك ثلاث ورباع لا تنوين فيهما، لأنه ثلاثٌ وأربعٌ في قول النحويين، قال صخر بن عمرو بن الشّريد السلميّ:
ولقد قتلتكم ثناء وموحداً...... وتركت مرّة مثل أمس المدير
فأخرج اثنين على مخرج ثلاث، قال صخر الغيّ الهذلي:
منت لك أن تلاقيني المنايا..... أحاد أحاد في شهرٍ حلال
منت لك، تقول: قدّرت لك، والمنايا: الأقدار، يقال: منت تمنى له منياً؛ فأخرج الواحد مخرج ثناء وثلاث، ولا تجاوز العرب رباع، غير أن الكميت بن زيد الأسديّ قال:
فلم يستريثوك حتى رميت ..... فوق الرّجال خصالاً عشارا
فجعل عشار على مخرج ثلاث ورباع.
{فإن خفتم ألاّ تعدلوا}: مجازه: أيقنتم، قالت ليلى بنت الحماس:
قلت لكم خافوا بألف فارس..... مقنّعين في الحديد اليابس
أي: أيقنوا. قال: لم أسمع هذا من أبي عبيدة.
{ذلك أدنى ألاّ تعولوا} أي: أقرب ألا تجوروا، تقول: علت عليّ أي جرت عليّ). [مجاز القرآن: 1/114-117]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): {وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم مّن النّساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدةً أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألاّ تعولوا}.
قال: {وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى} لأنه من "أقسط" "يقسط". و"الإقساط": العدل. وأما "قسط" فإنّه "جار" قال: {وأمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطباً} فـ"أقسط": عدل.
و"قسط": جار، قال: {وأقسطوا إنّ اللّه يحبّ المقسطين}.
قال: {مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألاّ تعدلوا فواحدةً} يقول: "فانكحوا واحدة {أو ما ملكت أيمانكم} أي: انكحوا ما ملكت أيمانكم، وأما ترك الصرف في {مثنى وثلاث ورباع} فإنه عدل عن "اثنين" و"ثلاثٍ" و"أربعٍ" كما أنه من عدل "عمر" عن "عامر" لم يصرف.
وقال تعالى: {أولي أجنحةٍ مّثنى وثلاث ورباع} فنصب.
وقال: {أن تقوموا للّه مثنى وفرادى} فهو معدول كذلك، ولو سميت به صرفت لأنه إذا كان اسما فليس في معنى "اثنين" و"ثلاثة" و"أربعة".
كما قال "نزال" حين كان في معنى "انزلوا" وإذا سميت به رفعته.
قال الشاعر:
أحمّ اللّه ذلك من لقاءٍ ..... أحاد أساد في شهرٍ حلال
وقال :
ولكنّما أهلي بوادٍ أنيسه ..... ذئابٌ تبغّى الناس مثنى وموحدا
وقال تعالى: {فانكحوا ما طاب لكم مّن النّساء} يقول: "لينكح كلٌّ واحدٍ منكم كلّ واحدةٍ من هذه العدّة". كما قال تعالى: {فاجلدوهم ثمانين جلدةً} يقول: "فاجلدوا كلّ واحدٍ منهم"). [معاني القرآن: 1/191-192]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({إلا تقسطوا}: تعدلوا.
{ما طاب لكم}: حل لكم.
{مثنى وثلاث ورباع}: ثنتين وثلاثا وأربعا.
{أدنى ألا تعدلوا}: أقرب إلى أن لا تجوروا أو تضلوا. عال في حكمه يعول إذا جار). [غريب القرآن وتفسيره:113-114]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وإن خفتم ألّا تقسطوا في اليتامى} أي: فإن علمتم أنكم لا تعدلون بين اليتامى. يقال: أقسط الرجل: إذا عدل ومنه قول النبي صلّى اللّه عليه وعلى آله: « المقسطون في الدنيا على منابر من لؤلؤ يوم القيامة ».
ويقال: قسط الرجل: إذا جار، بغير ألف، ومنه قول اللّه: {أمّا القاسطون فكانوا لجهنّم حطباً}.
{ذلك أدنى ألّا تعولوا} أي: ذلك أقرب إلى ألا تجوروا وتميلوا، يقال: علت عليّ، أي: جرت علي، ومنه العول في الفريضة). [تفسير غريب القرآن: 119]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وأما قولهم: أين قوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} من قوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}فهل شيء أشبه بشيء أليق به من أحد الكلامين بالآخر؟!.
والمعنى: أن الله تعالى قصر الرجال على أربع نسوة وحرّم عليهم أن ينكحوا أكثر منهن، لأنه لو أباح لهم أن ينكحوا من الحرائر ما أباح من ملك اليمن لم يستطيعوا العدل عليهن بالتّسوية بينهن، فقال لنا: فكما تخافون ألا تعدلوا بين اليتامى إذا كفلتموهم، فخافوا أيضا ألا تعدلوا بين النساء إذا نكحتموهن، فانكحوا اثنتين وثلاثا وأربعا، ولا تتجاوزوا ذلك فتعجزوا عن العدل.
ثم قال: فإن خفتم أيضا ألا تعدلوا بين الثلاث والأربع، فانكحوا واحدة، أو اقتصروا على ما ملكت أيمانكم من الإماء، ذلك أدنى ألا تعولوا، أي: لا تجوروا وتميلوا.
وقال ابن عباس:« قصر الرجال على أربع من أجل اليتامى».
يقول: لما كان النساء مكفولات بمنزلة اليتامى، وكان العدل على اليتامى شديدا على كافلهم قصر الرجال على ما بين الواحدة إلى الأربع من النساء، ولم يطلق لهم ما فوق ذلك، لئلا يميلوا). [تأويل مشكل القرآن: 72]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): وقوله عزّ وجلّ: {وإن خفتم ألّا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألّا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألّا تعولوا}.
قال مجاهد: « إن تحرجتم أن تتركوا ولاية اليتامى إيمانا وتصديقا فكذلك تحرجوا من الزنا».
وقال غيره: « وإن خفتم ألا تعدلوا في أمر النساء فانكحوا ما ذكر اللّه عزّ وجلّ ».
وقال بعض المفسرين قولا ثالثا، قال أهل البصرة من أهل العربية: يقول ذلك المفسّر - قال« إنهم كانوا يتزوجون العشر من اليتامى ونحو ذلك رغبة في مالهن فقال اللّه - جلّ وعزّ - {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} أي: في نكاح اليتامى».
ودل عليه{فانكحوا} كذلك قال أبو العباس محمد ابن يزيد، وهو مذهب أهل النظر من أهل التفسير.
{فانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى وثلاث ورباع} لم يقل من طاب والوجه في الآدميين أن يقال من، وفي الصفات وأسماء الأجناس أن يقال (ما).
تقول: ما عندك؟ فيقول فرس وطيب.
فالمعنى: فانكحوا الطيب الحلال على هذه العدة التي وصفت، لأن ليس كل النساء طيبا، قال - عزّ وجلّ -: {حرّمت عليكم أمّهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعمّاتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمّهاتكم اللّاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرّضاعة وأمّهات نسائكم وربائبكم اللّاتي في حجوركم من نسائكم اللّاتي دخلتم بهنّ فإن لم تكونوا دخلتم بهنّ فلا جناح عليكم}
فليس ممن ذكر ما يطيب.
وقوله - عزّ وجلّ - {مثنى وثلاث ورباع} بدل من {ما طاب لكم} ومعناه: اثنين اثنين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا، إلا أنه لا ينصرف لجهتين لا أعلم أن أحدا من النحويين ذكرهما، وهي أنه اجتمع فيه علتان أنّه معدول عن اثنين اثنين، وثلاث ثلاث، وأنه عدل عن تأنيث.
قال أصحابنا: إنه اجتمع فيه علتان أنه عدل عن تأنيث، وأنه نكرة.
والنكرة: أصل للأسماء بهذا كان ينبغي أن نخففه. لأن النكرة تخفف ولا تعد فرعا.
وقال غيرهم: هو معرفة وهذا محال لأنه صفة للنكرة، قال اللّه - جلّ وعزّ -: {جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع}.
فهذا محال أن يكون أولي أجنحة الثلاثة والأربعة، وإنما معناه: أولي أجنحة ثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة.
قال الشاعر:
ولكنما أهلي بواد أنيسه ذئاب ..... تبغي الناس مثنى وموحد
فإن قال قائل من الرافضة: إنه قد أحلّ لنا تسع، لأنّ قوله: {مثنى وثلاث ورباع} يراد به تسع، قيل هذا يبطل من جهات: أحدها: في اللغة أن مثنى لا يصلح إلا لاثنين اثنين على التفريق.
ومنها: أنه يصير أعيى كلام، لو قال قائل في موضع تسعة أعطيك اثنين وثلاثة وأربعة يريد تسعة، قيل تسعة تغنيك عن هذا، لأن تسعة وضعت لهذا العدد كله، أعني من واحد إلى تسعة.
وبعد فيكون - على قولهم - من تزوج أقل من تسع أو واحدة فعاص لأنه إذا كان الذي أبيح له تسعا أو واحدة فليس لنا سبيل إلى اثنين.
لأنه إذا أمرك من تجب عليك طاعته فقال ادخل هذا المسجد في اليوم تسعا أو واحدة، فدخلت غير هاتين اللتين حددهما لك من المرات فقد عصيته.
هذا قول لا يعرج على مثله ولكنا ذكرناه ليعلم المسلمون أن أهل هذه المقالة مباينون لأهل الإسلام في اعتقادهم، ويعتقدون في ذلك ما لا يشتبه على أحد من الخطأ.
فأمّا قوله: {ذلك أدنى ألّا تعولوا} فمعناه: ذلك أقرب ألا تجوروا.
وقيل في التّفسير: ألّا تميلوا، ومعنى{تميلوا}: تجوروا.
فأما من قال: {ألّا تعولوا}: ألا تكثر عيالكم، فزعم جميع أهل اللغة أنّ هذا خطأ، لأن الواحدة تعول، وإباحة كل ما ملكت اليمين أزيد في العيال من أربع، ولم يكن في العدد في النكاح حين نزلت هذه الآية.
والدليل على أنهم كانوا يرغبون في التزويج من اليتامى لمالهنّ: أنهم كانوا لا يبالون ألّا يعدلوا في أمرهم.
وقوله - عزّ وجلّ - {ويستفتونك في النّساء قل اللّه يفتيكم فيهنّ وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النّساء اللّاتي لا تؤتونهنّ ما كتب لهنّ وترغبون أن تنكحوهنّ} فالمعنى: وإن خفتم ألا تقسطوا في نكاح يتامى فانكحوا الطيب الذي قد أحل لكم من غيرهنّ، والمعنى: إن أمنتم الجور في اليتامى فانكحوا منهن كهذه العدة، لأن النساء تشتمل على اليتامى وغيرهن). [معاني القرآن: 2/8-11]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} يقال أقسط الرجل إذا عدل وقسط إذا جار فكأن أقسط أزال القسوط فأما معنى {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء} ففيه قولان:
أحدهما: أن ابن عباس قال فيما روي عنه: قصر الرجل على أربع من أجل اليتامى، وروي عن جماعة من التابعين شرح هذا القول، وروي عن مجاهد والضحاك وقتادة وهذا معنى قولهم إن المسلمين كانوا يسألون عن أمر اليتامى لما شدد في ذلك فقال جل وعز: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى} أي: فكما تخافون في أمر اليتامى فخافوا في أمر النساء إذا اجتمعن أن تعجزوا عن العدل بينهن.
والقول الآخر: رواه الزهري عن عروة عن عائشة قال: سألت عائشة عن قول الله جل وعز: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء} فقالت: « يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها فيعجبه مالها وجمالها فيريد تزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره فنهوا أن ينكحوا اليتامى إذا خافوا هذا وأبيح لهم من النساء أربع، قالت عائشة: ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل الله عز وجل: {ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن} إلى قوله: {وترغبون أن تنكحوهن} قالت: والذي ذكر الله أنه يتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى التي فيها فانكحوا ما طاب لكم من النساء قالت وقوله: {وترغبون أن تنكحوهن} رغبة أحدكم عن يتيمته التي تكون في حجره حين تكون قليلة المال والجمال فنهوا أن ينكحوا من رغبوا في مالها وجمالها من يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهن »، وأهل النظر على هذا القول.
قال أبو العباس محمد بن يزيد: «التقدير وإن خفتم ألا تقسطوا في نكاح اليتامى ثم حذف هذا ودل عليه فانكحوا ».
وقد قال بالقول الأول جماعة من أهل اللغة منهم الفراء وابن قتيبة.
والقول الثاني أعلى إسنادا وأجود عند أهل النظر.
وأما من قال معنى {مثنى وثلاث ورباع}: تسع فلا يلتفت إلى قوله: ولا يصح في اللغة لأن معنى مثنى عند أهل العربية اثنتين اثنتين وليس معناه اثنتين فقط وأيضا فإن من كلام العرب الاختصار، ولا يجوز أن يكون معناه: تسعا لأنه لو كان معناه تسعا لم يكن اختصارا أن يقال انكحوا اثنتين وثلاثا وأربعا لأن تسعا أخصر من هذا وأيضا فلو كان على هذا القول لما حل لأحد أن يتزوج إلا تسعا أو واحدة فقد تبين بطلان هذا). [معاني القرآن: 2/10-14]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {ذلك أدنى ألا تعولوا} أدنى بمعنى: أقرب وروى عمر بن محمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: {ذلك أدنى ألا تعولوا} قال:« أن لا تجوروا» .
وقال ابن عباس والحسن وأبو مالك ومجاهد وعكرمة وقتادة والضحاك: معنى أن {لا تعولوا} « أن لا تميلوا».
وقال أبو العباس في قول من قال: «{أن لا تعولوا} من العيال هذا باطل وخطأ لأنه قد أحل له مما ملكت اليمين ما كان من العدد وهن مما يعال» .
وأيضا فإنه إنما ذكر النساء وما يحل منهن والعدل بينهن والجور فليس لـ {أن لا تعولوا} من العيال ههنا معنى وهو على قول أهل التفسير أن لا تميلوا ولا تجوروا ومنه عالت الفريضة إذا زادت السهام فنقص من له الفرض ومنه معولتي على فلان أي أنا أميل إليه وأتجاور في ذلك ومنه عالني الشيء إذا تجاوز المقدار ومنه فلان يعول والعويل إنما هو المجاوزة وأيضا فإنه إنما يقال أعال الرجل يعيل إذا كثر عياله). [معاني القرآن: 2/14-16]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): {وإن خفتم ألا تقسطوا} أي:« لا تعدلوا ». [ياقوتة الصراط: 195]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): {ألا تعولوا}: « ألا تجوروا ». [ياقوتة الصراط: 195]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): {أَلاَّ تُقْسِطُواْ} ألا تعدلوا، أي:« أن تجوروا وتميلوا». [تفسير المشكل من غريب القرآن: 57]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): {تُقْسِطُواْ}:« تعدلوا ».
{طَابَ لَكُم}: حل لكم.
{مَثْنَى}: اثنين اثنين.
{ثُلاَثَ}: ثلاث ثلاث.
{رُبَاعَ}: أربع أربع. {تَعُولُواْ}: تجوروا).[العمدة في غريب القرآن:105-106]
تفسير قوله تعالى: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (4)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): وقوله: {وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً...} يعني:« أولياء النساء لا الأزواج وذلك أنهم كانوا في الجاهلية لا يعطون النساء من مهورهن شيئا، فأنزل الله تعالى: أعطوهن صدقاتهن نحلة، يقول: هبة وعطية ».
وقوله: {فإن طبن لكم عن شيءٍ مّنه نفساً} ولم يقل طبن. وذلك أن المعنى - والله أعلم -: فإن طابت أنفسهن لكم عن شيء فنقل الفعل من الأنفس إليهن فخرجت النفس مفسّرة؛ كما قالوا: أنت حسن وجها، والفعل في الأصل للوجه، فلمّا حوّل إلى صاحب الوجه خرج الوجه مفسّرا لموقع الفعل ولذلك وحّد النفس ولو جمعت لكان صوابا؛ ومثله ضاق به ذراعي، ثم تحول الفعل من الذراع إليك: فتقول قررت به عينا.
قال الله تبارك وتعالى: {فكلي واشربي وقرّي عينا}.
وقال: {سيء بهم وضاق بهم ذرعا}؛ وقال الشاعر:
إذا التّيّاز ذو العضلات قلنا ..... إليك إليك ضاق بها ذراعا
وإنما قيل: ذرعا وذراعا لأن المصدر والاسم في هذا الموضع يدلاّن على معنى واحد، فلذلك كفى المصدر من الاسم). [معاني القرآن: 1/256]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ):{وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً} أي: مهورهن عن طيب نفس بالفريضة بذلك). [مجاز القرآن: 1/117]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ):{وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً فإن طبن لكم عن شيءٍ مّنه نفساً فكلوه هنيئاً مّريئاً}
قال: {وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلةً} وواحد "الصّدقات": صدقة وبنو عميم [تقول]: "صدقة" ساكنة الدال مضمومة الصاد.
وقال: {فإن طبن لكم عن شيءٍ مّنه نفساً} فقد يجري الواحد مجرى الجماعة لأنه إنما أراد "الهوى" و"الهوى" يكون جماعة. قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأمّا عظامها ..... فبيضٌ وأمّا جلدها فصليب
وأما "هنيءٌ مريء" فتقول: "هنؤ هذا الطعام ومرؤ" و"هنئ ومرئ" كما تقول: "فقه" و"فقه" يكسرون القاف ويضمونها. وتقول: "هنأني" و"هنئته" و"استمرأته"). [معاني القرآن: 1/192-193]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): {صدقاتهن}: مهورهن واحدتها صدقة). [غريب القرآن وتفسيره: 114]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): {وآتوا النّساء صدقاتهنّ} يعني: المهور. واحدها: صدقة. وفيها لغة أخرى: صدقة.
{نحلةً} أي: عن طيب نفس. يقول ذلك لأولياء النساء، لا لأزواجهن؛ لأن الأولياء كانوا في الجاهلية لا يعطون النساء من مهورهن شيئا، وكانوا يقولون لمن ولدت له بنت: هنيئا لك النّافجة. يريدون أنه يأخذ مهرها إلا فيضمها إلى إبله فتنفجها، أي: تعظّمها وتكثّرها، ولذلك قالت إحدى النساء في زوجها:
لا يأخذ الحلوان من بناتيا تقول: لا تفعل ما يفعله غيره. والحلوان هاهنا: المهور.
وأصل النّحلة: العطية. يقال: نحلته نحلة حسنة، أي: أعطيته عطية حسنة، والنحلة لا تكون إلّا عن طيب نفس فأما ما أخذ بالحكم فلا يقال له نحلة). [تفسير غريب القرآن:119-120]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ):وقوله: {وآتوا النّساء صدقاتهنّ نحلة فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا}
يقال هو صداق المرأة، وصدقة المرأة، وصدقة المرأة، وصداق المرأة.
مفتوح أولها، والذي في القرآن جمع صدقة.
ومن قال صدقة قال صدقاتهنّ، كما يقول غرفة وغرفات. ويجوز صدقاتهنّ، وصدقاتهنّ. بضم الصاد وفتح الدال.
ويجوز صدقاتهنّ، ولا تقرأنّ من هذا إلا ما قد قرئ به لأن القراءة سنة لا ينبغي أن يقرأ فيها بكل ما يجيزه النحويون، وإن تتبع فالذي روي من المشهور في القراءة أجود عند النحويين، فيجتمع في القراءة بما قد روى الاتباع وإثبات ما هو أقوى في الحجة إن شاء الله.
ومعنى قوله:{نحلة}فيه غير قول:
1- قال بعضهم: فريضة.
2- وقال بعضهم: ديانة، تقول: فلان ينتحل كذا وكذا، أي: يدين به.
3- وقال بعضهم: هي نحلة من اللّه لهن أن جعل على الرجال الصداق، ولم يجعل على المرأة شيئا من الغرم، فتلك نحلة من اللّه للنساء يقال - نحلت الرجل والمرأة - إذا وهبت له - نحلة ونحلا ويقال: قد نحل جسم فلان ونحل إذا دقّ.
والنّحل جائز أن تكون سميت نحلا، لأن الله جلّ ثناؤه نحل الناس العسل الذي يخرج من بطونها.
وقوله - جلّ؛ عزّ - {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا} أي: عن شيء من الصداق.
و " لكم " خطاب للأزواج، وقال بعضهم للأولياء ههنا.
و{نفسا} منصوب على التمييز لأنه إذا قال: طبن لكم، لم يعلم في أي صنف وقع الطيب.
المعنى: فإن طابت أنفسهن بذلك، وقد شرحناه قبل هذا المكان شرحا وافيا.
وقوله: {فكلوه هنيئا مريئا}
يقال: هنأني الطعام ومراني.
وقال بعضهم: يقال مع هنأني مراني.
فإذا لم تذكر هنأني قلت أمرأني بالألف.
وهذا حقيقته أن مرأني تبينت أنه سينهضم وأحمد مغبته، فإذا قلت أمرأني الطعام فتأويله أنه قد انهضم وحمدت فإن قال قائل: إنما قيل: (فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا) فكيف يجوز أن يقبل الرجل المهر كله، وإنما قيل له منه؟
فالجواب في ذلك أن " منه " ههنا للجنس لما قال عزّ وجلّ -: {فاجتنبوا الرّجس من الأوثان}.
فلم نؤمر أن نجتنب بعض الأوثان، ولكن المعنى اجتنبوا الرجس الذي هو وثن.
أي: فكلوا الشيء الذي هو مهر). [معاني القرآن: 2/11-13]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وآتوا النساء صدقاتهن نحلة} قيل يعنى به الأزواج ويروى أن الولي كان يأخذ الصدقة لنفسه فأمر الله عز وجل أن يدفع إلى النساء هذا قول أبي صالح .
وقال أبو العباس:« معنى نخلة أنه كان يجوز أن لا يعطين من ذلك شيئا فنحلهن الله عز وجل إياه».
وقيل معنى نحلة: دينا من قولهم فلان ينتحل كذا، أي: تعبدا من الله جل وعز.
وقيل فرضا، والمعنى واحد لأن الفرض متعبد به.
وقيل لا يكون نحلة إلا ما طابت به النفس فأما ما أكره عليه فلا يكون نحلة). [معاني القرآن: 2/16-17]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): وقوله عز وجل: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا} يعني: الصداق، أي: لا كدر فيه يقال أمرأني الشيء بالألف فإذا قلت هنأني ومرأني هذا مذهب أكثر أهل اللغة قالوا للإتباع
وأما أبو العباس فقال: « لا يقال في الخير إلا أمرأني ليفرق بينه وبين الدعاء ».
والمروءة من هذا لأن صاحبها يتجشم أمورا يستمرئ عاقبتها). [معاني القرآن: 2/17-18]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (قال وقوله: {نحلة} أي: دينا وتدينا). [ياقوتة الصراط: 196]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({نِحْلَةً} عن طيب نفس.
وقيل: معناه عطية واجبة.
وقيل: نحلة: فريضة.
وقيل: نحلة معناه (هبة) من الله للنساء، إذ خصهن بالأخذ من الرجال). [تفسير المشكل من غريب القرآن:57-58]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({صَدُقَاتِهِنَّ}: مهورهن.
{نِحْلَةً}: هبة). [العمدة في غريب القرآن: 106]