جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى وإن من أهل الكتب لمن يؤمن بالله قال نزلت في النجاشي وأصحابه ممن آمن بالنبي واسم النجاشي أصحمة قال الثوري اسم النجاشي أصحمة قال ابن عيينة هو بالعربية عطية). [تفسير عبد الرزاق: 1/144]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا عمرو بن منصورٍ، أخبرنا يزيد بن مهران، حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن حميدٍ، عن أنسٍ، قال: لمّا جاء نعي النّجاشيّ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «صلّوا عليه» قالوا: يا رسول الله، نصلّي على عبدٍ حبشيٍّ؟ فأنزل الله عزّ وجلّ {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين} [آل عمران: 199] الآية
- أخبرنا عمرو بن منصورٍ، حدّثنا يزيد بن مهران أبو خالدٍ الخبّاز، أخبرنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن حميدٍ، عن الحسن، مثله). [السنن الكبرى للنسائي: 10/58]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه لا يشترون بآيات اللّه ثمنًا قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربّهم إنّ اللّه سريع الحساب}
اختلف أهل التّأويل فيمن عنى بهذه الآية، فقال بعضهم: عنى بها أصحمة النّجاشيّ، وفيه أنزلت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عصام بن روّاد بن الجرّاح، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الهذليّ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، عن جابر بن عبد اللّه، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: اخرجوا فصلّوا على أخٍ لكم فخرج فصلّى بنا، فكبّر أربع تكبيراتٍ، فقال: هذا النّجاشيّ أصحمة، فقال المنافقون: انظروا هذا يصلّي على علجٍ نصرانيٍّ لم يره قطّ، فأنزل اللّه: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه}الايه.
- حدّثنا محمد ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا معاذ بن هشامٍ، قال: حدّثنا أبي، عن قتادة، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:(( إنّ أخاكم النّجاشيّ قد مات فصلّوا عليه قالوا: نصلّي على رجلٍ ليس بمسلمٍ؟ قال: فنزلت: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه} قال قتادة: فقالوا: فإنّه كان لا يصلّي إلى القبلة، فأنزل اللّه: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم} ذكر لنا أنّ هذه الآية نزلت في النّجاشيّ وفي ناسٍ من أصحابه آمنوا بنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وصدّقوا به. قال: وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم استغفر للنّجاشيّ، وصلّى عليه حين بلغه موته، قال لأصحابه: صلّوا على أخٍ لكم قد مات بغير بلادكم فقال أناسٌ من أهل النّفاق: يصلّي على رجلٍ مات ليس من أهل دينه، فأنزل اللّه هذه الآية: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه لا يشترون بآيات اللّه ثمنًا قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربّهم إنّ اللّه سريع الحساب}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم} قال: نزلت في النّجاشيّ وأصحابه ممّن آمن بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم،قال الثورى واسم النّجاشيّ أصحمة.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: قال عبد الرّزّاق، وقال ابن عيينة: اسم النّجاشيّ بالعربيّة عطيّة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: لمّا صلّى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على النّجاشيّ، طعن في ذلك المنافقون فنزلت هذه الآية: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه} إلى آخر الآية
وقال آخرون: بل عنى بذلك عبد اللّه بن سلامٍ ومن معه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال قال اخرون: نزلت يعني هذه الآية في عبد اللّه بن سلامٍ ومن معه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني ابن زيدٍ، في قوله: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم} الآية كلّها، قال: هؤلاء يهود.
وقال آخرون: بل عنى بذلك: مسلمة أهل الكتاب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم} من اليهود والنّصارى، وهم مسلمة أهل الكتاب.
وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله مجاهدٌ، وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه عمّ بقوله: {وإنّ من أهل الكتاب} أهل الكتاب جميعًا، فلم يخصّص منهم النّصارى دون اليهود، ولا اليهود دون النّصارى، وإنّما أخبر أنّ من أهل الكتاب من يؤمن باللّه، وكلا الفريقين، أعني اليهود والنّصارى، من أهل الكتاب.
فإن قال قائلٌ: فما أنت قائلٌ في الخبر الّذي رويت عن جابرٍ وغيره أنّها نزلت في النّجاشيّ وأصحابه.
قيل: ذلك خبرٌ في إسناده نظرٌ، ولو كان صحيحًا لا شكّ فيه لم يكن لما قلنا في معنى الآية بخلافٍ، وذلك أنّ جابرًا ومن قال بقوله إنّما قالوا: نزلت في النّجاشيّ، وقد تنزل الآية في الشّيء ثمّ يعمّ بها كلّ من كان في معناه، فالآية وإن كانت نزلت في النّجاشيّ، فإنّ اللّه تبارك وتعالى قد جعل الحكم الّذي حكم به للنّجاشيّ حكمًا لجميع عباده الّذين هم بصفة النّجاشيّ في اتّباعهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والتّصديق بما جاءهم به من عند اللّه، بعد الّذي كانوا عليه قبل ذلك من اتّباع أمر اللّه فيما أمر به عباده في الكتابين: التّوراة والإنجيل.
فإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: وإنّ من أهل الكتاب التّوراة والإنجيل لمن يؤمن باللّه، فيقرّ بوحدانيّته، وما أنزل إليكم أيّها المؤمنون، يقول: وما أنزل إليكم من كتابه ووحيه، على لسان رسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وما أنزل إليهم، يعني: وما أنزل على أهل الكتاب من الكتب، وذلك التّوراة والإنجيل والزّبور، خاشعين للّه، يعني: خاضعين للّه بالطّاعة، مستكينين له بها متذلّلين.
- كما: حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني ابن زيدٍ، في قوله: {خاشعين للّه} قال: الخاشع: المتذلّل للّه الخائف
ونصب قوله: {خاشعين للّه} على الحال من قوله: {لمن يؤمن باللّه} وهو حالٌ ممّا في {يؤمن} من ذكر من. {لا يشترون بآيات اللّه ثمنًا قليلاً} يقول: لا يحرّفون ما أنزل إليهم في كتبه من نعت محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم فيبدّلونه، ولا غير ذلك من أحكامه وحججه فيه، لعرضٍ من الدّنيا خسيسٍ، يعطونه على ذلك التّبديل، وابتغاء الرّياسة على الجهّال، ولكن ينقادون للحقّ، فيعملون بما أمرهم اللّه به، فيما أنزل إليهم من كتبه، وينتهون عمّا نهاهم عنه فيها، ويؤثرون أمر اللّه تعالى على هوى أنفسهم). [جامع البيان: 6/327-331]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله: {أولئك لهم أجرهم عند ربّهم إنّ اللّه سريع الحساب}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {أولئك لهم أجرهم} هؤلاء الّذين يؤمنون باللّه، وما أنزل إليكم، وما أنزل إليهم، لهم أجرهم عند ربّهم؛ يعني: لهم عوض أعمالهم الّتي عملوها، وثواب طاعتهم ربّهم فيما أطاعوه فيه عند ربّهم،
يعني: مذخورٌ ذلك لهم لديه، حتّى يصيروا إليه في القيامة، فيوفّيهم ذلك {إنّ اللّه سريع الحساب} وسرعة حسابه تعالى ذكره، أنّه لا يخفى عليه شيءٍ من أعمالهم قبل أن يعملوها، وبعد ما عملوها، فلا حاجة به إلى إحصاء عدد ذلك، فيقع في الإحصاء إبطاءٌ، فلذلك قال: {إنّ اللّه سريع الحساب}). [جامع البيان: 6/331-332]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه لا يشترون بآيات اللّه ثمنًا قليلًا أولئك لهم أجرهم عند ربّهم إنّ اللّه سريع الحساب (199)
قوله تعالى: (وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه)
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن محمّد بن عبد اللّه بن القاسم بن أبي بزّة المكّيّ مؤذّن مسجد الكعبة، ثنا مؤمّل بن إسماعيل، ثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ قال: لمّا مات النّجاشيّ قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: استغفروا لأخيكم.
فقال بعض القوم: يأمرنا أن نستغفر لهذا العلج يموت بأرض الحبشة، فنزلت: وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم.
- حدّثنا أبي، ثنا ابن عائشة، ثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن الحسن
أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: استغفروا لأخيكم النّجاشيّ، فذكر مثله.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه: من اليهود والنّصارى، وهم مسلمة أهل الكتاب.
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه قال: هم أهل الكتاب الّذين كانوا قبل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، الّذين اتّبعوا محمّداً صلى الله عليه وسلم.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا يونس بن بكيرٍ، عن عيسى الرّازيّ يعني:
أبا جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ في قوله: لا يشترون بآيات اللّه ثمناً قليلا قال: لا يأخذ على تعليم القرآن أجراً
-
قال أبو محمّدٍ: يعني إذا احتسب بتعليم القرآن فلا يأخذ عليه أجراً
، وفي بعض الكتب: يا ابن آدم علّم مجّانًا كما علّمت مجّاناً.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا حمزة، أنبأ عليّ بن حمزة يعني: الحسن بن شقيقٍ أنبأ عبد اللّه بن يزيد يعني: الأهوازيّ قال: سئل الحسن عن قوله: ثمنًا قليلا قال: الثّمن القليل: الدّنيا بحذافيرها.
قوله تعالى: أولئك لهم أجرهم عند ربّهم إنّ اللّه سريع الحساب
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ:
سريع الحساب: قال أبو محمّدٍ: يعني: سريع الإحصاء). [تفسير القرآن العظيم: 2/846-847]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو العبّاس قاسم بن القاسم السّيّاريّ بمرو، ثنا عبد اللّه بن عليٍّ الغزّال، ثنا عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، ثنا عبد اللّه بن المبارك، أنبأ مصعب بن ثابتٍ، عن عامر بن عبد اللّه بن الزّبير، عن أبيه، قال: نزل بالنّجاشيّ عدوٌّ من أرضهم فجاءه المهاجرون فقالوا: إنّا نحبّ أن نخرج إليهم حتّى نقاتل معك، وترى جرأتنا ونجزيك بما صنعت معنا. فقال: " لا دواء بنصرة اللّه خيرٌ من دواءٍ بنصرة النّاس. قال: وفيه نزلت {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين للّه} [آل عمران: 199] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ). [المستدرك: 2/329]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 199.
أخرج النسائي والبزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أنس قال: لما مات النجاشي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا عليه قالوا يا رسول الله نصلي على عبد حبشي، فأنزل الله {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم} الآية.
وأخرج ابن جرير، عن جابر أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال اخرجوا فصلوا على أخ لكم فصلى بنا فكبر أربع تكبيرات فقال: هذا النجاشي أصحمة فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم نره قط، فأنزل الله {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله} الآية
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في النجاشي وفي ناس من أصحابه آمنوا بنبي الله وصدقوا به، وذكر لنا: أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم استغفر للنجاشي وصلى عليه حين بلغه موته قال لأصحابه: صلوا على أخ لكم
قد مات بغير بلادكم، فقال أناس من أهل النفاق: يصلي على رجل مات ليس من أهل دينه فأنزل الله {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله} الآية.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: لما مات النجاشي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفروا لأخيكم فقالوا: يا رسول الله أنستغفر لذلك العلج فأنزل الله {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم} الآية
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج قال لما صلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم على النجاشي طعن في ذلك المنافقون فقالوا: صلى عليه وما كان على دينه فنزلت هذه الآية {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله} الآية، قالوا: ما كان يستقبل قبلته وإن بينهما البحار، فنزلت (فأينما تولوا فثم وجه الله) (البقرة الآية 115) قال ابن جريج: وقال آخرون: نزلت في النفر الذين كانوا من يهود فأسلموا، عبد الله بن سلام ومن معه.
وأخرج الطبراني عن وحشي بن حرب قال: لما مات النجاشي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ((إن أخاكم النجاشي قد مات قوموا فصلوا عليه، فقال رجل: يا رسول الله كيف نصلي عليه وقد مات في كفره قال: ألا تسمعون قول الله :{وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله :{وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله} الآية، قال: هم مسلمة أهل الكتاب من اليهود والنصارى.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال: هؤلاء يهود.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: هم أهل الكتاب الذين كانوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم والذين اتبعوا محمدا صلى الله عليه وسلم). [الدر المنثور: 4/193-196]
تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، قال: حدثني داود بن صالح، قال: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: يا ابن أخي، هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية: {اصبروا وصابروا ورابطوا} [سورة آل عمران: 200]؟ قال: قلت: لا، قال يا ابن أخي، إنه لم يكن في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه، ولكنه انتظار الصلاة خلف الصلاة).[الزهد لابن المبارك: 2/ 182]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرني أبو صخرٍ عن محمد بن كعب القرظي أنه كان يقول في هذه الآية: {اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}، يقول: اصبروا على دينكم وصابروا الوعد الذي وعدتم عليه، ورابطوا عدوي وعدوكم حتى يترك دينه لدينكم، واتقوا الله فيما بيني وبينكم، لعلكم تفلحون غدا إذا لقيتموني؛ فذلك حين يقول: {اصبروا وصابروا ورابطوا}). [الجامع في علوم القرآن: 2/70]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسمعته يقول في قول الله: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا
[الجامع في علوم القرآن: 2/154]
وصابروا ورابطوا}، فقال: يزعمون أن ذلك لزوم الصلوات في المساجد). [الجامع في علوم القرآن: 2/155]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى (وصابروا ورابطوا يقول صابروا المشركين ورابطوا في سبيل الله). [تفسير عبد الرزاق: 1/144]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: اصبروا على دينكم، وصابروا الكفّار ورابطوهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، أنّه سمعه يقول في قول اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} قال: أمرهم أن يصبروا على دينهم، ولا يدعوه لشدّةٍ ولا رخاءٍ، ولا سرّاء ولا ضرّاء، وأمرهم أن يصابروا الكفّار، وأن يرابطوا المشركين.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} أي اصبروا على طاعة اللّه، وصابروا أهل الضّلالة، ورابطوا في سبيل اللّه {واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {اصبروا وصابروا ورابطوا} يقول: صابروا المشركين، ورابطوا في سبيل اللّه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {اصبروا} على الطّاعة {وصابروا} أعداء اللّه {ورابطوا} في سبيل اللّه.
- حدّثني يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {اصبروا وصابروا ورابطوا} قال: اصبروا على ما أمرتم به، وصابروا العدوّ ورابطوهم.
وقال آخرون: معنى ذلك: اصبروا على دينكم، وصابروا وعدي إيّاكم على طاعتكم لي ورابطوا أعداءكم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني أبو صخرٍ، عن محمّد بن كعب القرظيّ، أنّه كان يقول في هذه الآية: {اصبروا وصابروا ورابطوا} يقول: اصبروا على دينكم، وصابروا الوعد الّذي وعدتكم، ورابطوا عدوّي وعدوّكم، حتّى يترك دينه لدينكم
وقال آخرون: معنى ذلك: اصبروا على الجهاد، وصابروا عدوّكم ورابطوهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا جعفر بن عونٍ، قال: أخبرنا هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، في قوله: {اصبروا وصابروا ورابطوا} قال: اصبروا على الجهاد، وصابروا عدوّكم، ورابطوا على عدوّكم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا مطرّف بن عبد اللّه المدنّيّ، قال: حدّثنا مالك بن أنسٍ، عن زيد بن أسلم، قال: كتب أبو عبيدة بن الجرّاح إلى عمر بن الخطّاب، فذكر له جموعًا من الرّوم وما يتخوّف منهم، فكتب إليه عمر: أمّا بعد، فإنّه مهما نزل بعبدٍ مؤمنٍ منزلة شدّةٍ يجعل اللّه بعدها فرجًا، وإنّه لن يغلب عسرٌ يسرين، وإنّ اللّه يقول في كتابه: {يا أيّها الّذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}
وقال آخرون: معنى: {ورابطوا} أي رابطوا على الصّلوات: أي انتظروها واحدةً بعد واحدةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن مصعب بن ثابت بن عبد اللّه بن الزّبير، قال: حدّثني داود بن صالحٍ، قال: قال لي أبو سلمة بن عبد الرّحمن: يا ابن أخي هل تدري في أيّ شيءٍ نزلت هذه الآية {اصبروا وصابروا ورابطوا}؟ قال: قلت لا قال: إنّه يا ابن أخي لم يكن في زمان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم غزوٌ يرابط فيه، ولكنّه انتظار الصّلاة خلف الصّلاة.
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن عبد اللّه بن سعيدٍ المقبريّ، عن جدّه عن شرحبيل، عن عليٍّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((ألا أدلّكم على ما يكفّر اللّه به الذّنوب والخطايا؟ إسباغ الوضوء على المكاره، وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة، فذلك الرّباط)).
- حدّثنا موسى بن سهلٍ الرّمليّ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا محمّد بن مهاجرٍ، قال: حدّثني يحيى بن زيدٍ، عن زيد بن أبي أنيسة، عن شرحبيل، عن جابر بن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((ألا أدلّكم على ما يمحو اللّه به الخطايا ويكفّر به الذّنوب؟ قال: قلنا بلى يا رسول اللّه، قال: إسباغ الوضوء في أماكنها، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة، فذلكم الرّباط)).
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا خالد بن مخلدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((ألا أدلّكم على ما يحطّ اللّه به الخطايا ويرفع به الدّرجات؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه. قال: إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصّلاة بعد الصّلاة، فذلكم الرّباط فذلكم الرّباط)).
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا إسماعيل بن جعفرٍ، عن العلاء بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، بنحوه.
قال أبو جعفر وأولى التّأويلات بتأويل الآية، قول من قال في ذلك: {يا أيّها الّذين آمنوا} يا أيّها الّذين صدقوا اللّه ورسوله، اصبروا على دينكم، وطاعة ربّكم، وذلك أنّ اللّه لم يخصّص من معاني الصّبر على الدّين والطّاعة شيئًا فيجوز إخراجه من ظاهر التّنزيل. فلذلك قلنا إنّه عنى بقوله: {اصبروا} الأمر بالصّبر على جميع معاني طاعة اللّه فيما أمر ونهى، صعبها وشديدها، وسهلها وخفيفها {وصابروا} يعني: وصابروا أعداءكم من المشركين.
وإنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب؛ لأنّ المعروف من كلام العرب في المفاعلة، أن تكون من فريقين، أو اثنين فصاعدًا، ولا تكون من واحدٍ إلاّ قليلاً في أحرفٍ معدودةٍ، وإذ كان ذلك كذلك فإنّما أمر المؤمنون أن يصابروا غيرهم من أعدائهم، حتّى يظفّرهم اللّه بهم، ويعلي كلمته، ويخزي أعداءهم، وأن لا يكون عدوّهم أصبر منهم.
وكذلك قوله {ورابطوا} معناه: ورابطوا أعداءكم وأعداء دينكم من أهل الشّرك في سبيل اللّه.
وأرى أنّ أصل الرّباط: ارتباط الخيل للعدوّ، كما ارتبط عدوّهم لهم خيلهم، ثمّ استعمل ذلك في كلّ مقيمٍ في ثغرٍ، يدفع عمّن وراءه من أراده من أعدائهم بسوءٍ، ويحمي عنهم من بينه وبينهم، ممّن بغاهم بشرٍّ كان ذا خيلٍ قد ارتبطها، أو ذا رجلةٍ لا مركب له
وإنّما قلنا: معنى {ورابطوا} ورابطوا أعداءكم وأعداء دينكم؛ لأنّ ذلك هو المعنى المعروف من معاني الرّباط، وإنّما توجّه الكلام إلى الأغلب المعروف في استعمال النّاس من معانيه دون الخفيّ، حتّى يأتي بخلاف ذلك ما يوجب صرفه إلى الخفيّ من معانيه حجّةٌ يجب التّسليم لها من كتابٍ أو خبرٍ عن الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، أو إجماعٍ من أهل التّأويل). [جامع البيان: 6/332-337]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}
يعني بذلك تعالى ذكره: واتّقوا اللّه أيّها المؤمنون، واحذروه أن تخالفوا أمره، أو تتقدّموا نهيه {لعلّكم تفلحون} يقول: لتفلحوا فتبقوا في نعيمٍ الأبد، وتنجحوا في طلباتكم عنده.
- كما: حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني أبو صخرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، أنّه كان يقول في قوله: {واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون} واتّقونى فيما بيني وبينكم لعلّكم تفلحون غدًا إذا لقيتموني). [جامع البيان: 6/337-338]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون (200)
قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا اصبروا
الوجه الأول:
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا ابن وهبٍ، ثنا أبو صخرٍ المدينيّ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ: أنّه كان يقول في هذه الآية: اصبروا وصابروا يقول:
اصبروا على دينكم.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا أبو عمر الحوضيّ وموسى بن إسماعيل قالا: ثنا المبارك يعنيان: ابن فضالة قال: سمعت الحسن، وقرأ هذه الآية: يا أيّها الّذين آمنوا اصبروا قال الحسن: أمروا أن يصبروا على دينهم الذي ارتضاه الله لهم للإسلام، فلا ندعوا لسرّاءٍ ولا لضرّاءٍ، ولا لشدّةٍ ولا لرخاءٍ حتّى يموتوا مسلمين.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا اصبروا يعني: على الفرائض- وروي عن مقاتل بن حيّان نحوه.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني بكر بن مضرٍ، عن أبي غسّان قال: إنّ هذه الآية إنّما نزلت في لزوم المساجد: يا أيّها الّذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا محمّد بن عبد اللّه بن نميرٍ، ثنا بدلٌ يعني: ابن المحبّر، عن عبّاد بن راشدٍ، عن الحسن: اصبروا وصابروا قال: اصبروا على الصّلوات.
الوجه الرّابع:
- حدّثنا يحيى بن حبيب بن إسماعيل بن حبيب بن أبي ثابتٍ، ثنا جعفر بن عونٍ، ثنا هشام بن سعيدٍ، عن زيد بن أسلم في قوله: اصبروا: على الجهاد-
وروي عن محمّد بن كعبٍ قولٌ آخر أنّه قال: اصبروا وصابروا: للعدوّ
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا محمّد بن عمرو بن جبلة بن أبي روّادٍ، ثنا محمّد بن مروان يعني: العقيليّ، عن سعيدٌ، عن قتادة قوله: يا أيّها الّذين آمنوا اصبروا وصابروا قال: اصبروا على حقّ اللّه.
والوجه السّادس:
وروي عن عبد الصّمد بن عبد الوارث، ثنا عبّاد بن راشدٍ، عن الحسن قوله:
اصبروا وصابروا قال: اصبروا على المصائب.
والوجه السّابع:
- حدّثنا أبي، حدّثنا إبراهيم بن المنذر، ثنا زكريّا بن منظورٍ، عن زيد بن أسلم في قوله: اصبروا وصابروا قال: اصبروا على الخير.
قوله تعالى: وصابروا
الوجه الأول:
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ، أخبرني أبو صخرٍ المدينيّ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ أنّه كان يقول في هذه الآية: اصبروا وصابروا يقول: صابروا الوعد الّذي وعدتكم عليه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا أبو عمر الحوضيّ، وموسى بن إسماعيل قالا: ثنا المبارك بن فضالة قال: سمعت الحسن، وقرأ هذه الآية: اصبروا وصابروا قال:
أمروا أن يصبروا عن الكفّار، حتّى يكون في الكفّار الّذين يملّون دينهم
- وروي عن زيد بن أسلم أنّه قال: صابروا عدوّكم- وروي عن مقاتل بن حيّان وقتادة نحو ذلك.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا اصبروا وصابروا يعني: مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الموطن.
الوجه الرّابع:
- ذكر عن عبد الصّمد بن عبد الوارث، ثنا عبّاد بن راشدٍ، عن الحسن قال:
سمعته يقول في قوله: اصبروا وصابروا على الصّلوات.
والوجه الخامس:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: اصبروا وصابروا قال: صابروا على دينكم.
والوجه السّادس:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس، ثنا يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة:
اصبروا وصابروا قال: صابروا أهل الضّلالة.
قوله تعالى: ورابطوا
الوجه الأول:
- أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءةً، أنبأ ابن وهبٍ، حدّثني مالك بن أنسٍ، عن العلاء بن عبد الرّحمن عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ألا أخبركم بما يمحوا اللّه به الخطايا، ويرفع به الدّرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلك الرباط، ثلاثا.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ، أنبأ أبو صخرٍ المدينيّ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ أنّه كان يقول في هذه الآية: ورابطوا يقول: رابطوا عدوّي وعدوّكم حتّى يترك دينه لدينكم
-
وروي عن الحسن أنّه قال: أمروا أن يرابطوا المشركين، وروي عن قتادة نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: ورابطوا يعني: فيما أمركم ونهاكم.
والوجه الرّابع:
- ثنا يحيى بن حبيب بن إسماعيل بن عبد اللّه بن حبيب بن أبي ثابتٍ، ثنا جعفر بن عونٍ، ثنا هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم في قوله: ورابطوا قال:
رابطوا على دينكم- وروي عن الحسن مثله.
والوجه الخامس:
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: ورابطوا: مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم العدوّ.
والوجه السّادس:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا ابن أبي بكرٍ المقدّميّ، ثنا محمّد بن مسلمٍ يعني: المدينيّ، عن عبد الحميد بن عمران، حدّثنا بشير بن أبي سلمة أنّه سمع محمّد بن كعبٍ يقول: ورابطوا قال: الّذي يقعد بعد الصّلاة.
قوله تعالى: واتقوا الله
الوجه الأول:
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ، أنبأ أبو صخر، عن محمد ابن كعبٍ القرظيّ في هذه الآية: اصبروا وصابروا ورابطوا واتّقوا اللّه: فيما بينه وبينكم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا محمّد بن عمرو بن جبلة بن أبي روّادٍ البصريّ ثنا محمّد بن مروان يعني العقيليّ، عن سعيدٍ، عن قتادة اصبروا وصابروا ورابطوا واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون.
قوله تعالى: لعلّكم تفلحون
- حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، أنبأ ابن وهبٍ، أنبأ أبو صخرٍ المدينيّ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ أنّه كان يقول في هذه الآية اصبروا وصابروا ورابطوا واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون يقول: لعلّكم تفلحون غدًا إذا لقيتموني، فذلك حين يقول اصبروا وصابروا). [تفسير القرآن العظيم: 2/847-851]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا المبارك بن فضالة عن الحسن في قوله يا أيها الذين آمنوا اصبروا فيقول اصبروا على دينكم وصابروا الكفار حتى يملوا دينهم ورابطوا المشركين). [تفسير مجاهد: 141]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو العبّاس السّيّاريّ، ثنا عبد اللّه بن عليٍّ، أنبأ عليّ بن الحسين، ثنا عبد اللّه بن المبارك، أنبأ هشام بن سعدٍ، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه، أنّه بلغه أنّ أبا عبيدة حصر بالشّام وقد تألّب عليه القوم فكتب إليه عمر: " سلامٌ عليك أمّا بعد فإنّه ما ينزل بعبدٍ مؤمنٍ من منزلة شدّةٍ إلّا يجعل اللّه له بعدها فرجًا ولن يغلب عسرٌ يسرين {يا أيّها الّذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون} [آل عمران: 200] " قال: فكتب إليه أبو عبيدة: " سلامٌ عليك أمّا بعد، فإنّ اللّه يقول في كتابه {اعلموا أنّما الحياة الدّنيا لعبٌ ولهوٌ وزينةٌ وتفاخرٌ بينكم وتكاثرٌ في الأموال والأولاد} [الحديد: 20] إلى آخرها قال: فخرج عمر بكتابه فقعد على المنبر فقرأ على أهل المدينة، ثمّ قال: يا أهل المدينة، إنّما يعرّض بكم أبو عبيدة أن ارغبوا في الجهاد «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ ولم يخرجاه» ). [المستدرك: 2/329]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو محمّدٍ أحمد بن عبد اللّه المزنيّ، ثنا أحمد بن نجدة القرشيّ، ثنا سعيد بن منصورٍ، ثنا ابن المبارك، أنبأ مصعب بن ثابتٍ، حدّثني داود بن صالحٍ، قال: قال أبو سلمة بن عبد الرّحمن: يا ابن أخي هل تدري في أيّ شيءٍ نزلت هذه الآية {اصبروا وصابروا ورابطوا} [آل عمران: 200] قال: قلت: لا. قال: يا ابن أخي، إنّي سمعت أبا هريرة يقول: «لم يكن في زمان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم غزوٌ يرابط فيه ولكن انتظار الصّلاة بعد الصّلاة» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/329]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 200.
أخرج ابن المبارك، وابن جرير، وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان من طريق داود بن صالح قال: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: تدري في أي شيء نزلت هذه الآية {اصبروا وصابروا ورابطوا} قلت: لا، قال، سمعت أبا هريرة يقول: لم يكن في زمان النّبيّ صلى الله عليه وسلم غزو يرابط فيه ولكن انتظار الصلاة بعد الصلاة.
وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: أقبل علي أبو هريرة يوما فقال: أتدري يا ابن أخي فيم أنزلت هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} قلت: لا، قال: أما إنه لم يكن في زمان النّبيّ صلى الله عليه وسلم غزو يرابطون فيه ولكنها نزلت في قوم يعمرون المساجد يصلون الصلاة في مواقيتها ثم يذكرون الله فيها فعليهم أنزلت {اصبروا} أي على الصلوات الخمس {وصابروا} أنفسكم وهواكم {ورابطوا} في مساجدكم {واتقوا الله} فيما علمكم {لعلكم تفلحون}
وأخرج ابن مردويه عن أبي أيوب قال: وقف علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل لكم إلى ما يمحو الله تعالى به الذنوب ويعظم الأجر فقلنا: نعم يا رسول الله قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، قال: وهو قول الله {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} فذلكم هو الرباط في المساجد.
وأخرج ابن جرير، وابن حبان، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدلكم على ما يمحو الله به الذنوب قلنا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط.
وأخرج ابن جرير من حديث علي، مثله.
وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق وأحمد ومسلم والترمذي والنسائي، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي غسان قال: إن هذه الآية إنما أنزلت في لزوم المساجد {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم في الآية قال: أمرهم أن يصبروا على دينهم ولا يدعوه لشدة ولا رخاء ولا سراء ولا ضراء، وأمرهم أن يصابروا الكفار وأن يرابطوا المشركين.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي في الآية
قال: اصبروا على دينكم وصابروا الوعد الذي وعدتكم ورابطوا عدوي وعدوكم حتى يترك دينه لدينكم واتقوا الله فيما بيني وبينكم لعلكم تفلحون غدا إذا لقيتموني.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة في الآية قال: اصبروا على طاعة الله وصابروا أهل الضلالة ورابطوا في سبيل الله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن زيد بن أسلم في الآية قال: اصبروا على الجهاد وصابروا عدوكم ورابطوا على دينكم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: اصبروا عند المصيبة وصابروا على الصلوات ورابطوا: جاهدوا في سبيل الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: اصبروا على الفرائض وصابروا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الموطن ورابطوا فيما أمركم ونهاكم.
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس في الآية قال: اصبروا على طاعة الله وصابروا أعداء الله ورابطوا في سبيل الله.
وأخرج أبو النعيم عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا} على الصلوات الخمس وصابروا على قتال عدوكم بالسيف ورابطوا في سبيل الله لعلكم تفلحون.
وأخرج مالك، وابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا، وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن زيد بن أسلم قال: كتب أبو عبيدة إلى عمر بن الخطاب يذكر له جموعا من الروم وما يتخوف منهم فكتب إليه عمر: أما بعد فإنه مهما ينزل بعبد مؤمن من شدة يجعل الله بعدها فرجا وإنه لن يغلب عسر يسرين وإن الله يقول في كتابه {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}.
وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والبيهقي في الشعب عن سهل بن سعد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وصححه، وابن حبان والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عن فضالة بن عبيد: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويأمن فتنة القبر.
وأخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني والبيهقي عن سلمان: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم: يقول رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجرى عليه رزقه فأمن الفتان، زاد الطبراني: وبعث يوم القيامة شهيدا.
وأخرج الطبراني بسند جيد عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ((رباط شهر خير من صيام دهر ومن مات مرابطا في سبيل الله أمنه من الفزع الأكبر وغدى عليه برزقه وريح من الجنة ويجري عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله عز وجل)).
وأخرج الطبراني بسند جيد عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل عمل ينقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمي له عمله ويجري عليه رزقه إلى يوم القيامة)).
وأخرج أحمد بسند جيد عن أبي الدرداء يرفع الحديث قال: من رابط في شيء من سواحل المسلمين ثلاثة أيام أجزأت عنه رباط سنة.
وأخرج ابن ماجة بسند صحيح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مات مرابطا في سبيل الله أجرى عليه أجر عمله الصالح الذي كان يعمل وأجرى عليه رزقه وأمن من الفتان وبعثه الله يوم القيامة آمنا من الفزع.
وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة مرفوعا مثله، وزاد: والمرابط إذا مات في رباطه كتب له أجر عمله إلى يوم القيامة وغدي عليه وريح برزقه ويزوج سبعين حوراء وقيل له قف اشفع إلى أن يفرغ من الحساب.
وأخرج الطبراني بسند لا بأس به عن واثلة بن الأسقع عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: من سن سنة حسنة فله أجرها ما عمل بها في حياته وبعد مماته حتى تترك ومن سن سنة سيئة فعليه إثمها حتى تترك ومن مات مرابطا في سبيل الله جرى عليه عمل المرابط حتى يبعث يوم القيامة.
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند جيد عن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أجر المرابط فقال: ((من رابط ليلة حارسا من وراء المسلمين كان له أجر من خلفه ممن صام وصلى)).
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند لا بأس به، عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رابط يوما في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار سبع خنادق كل خندق كسبع سموات وسبع أرضين.
وأخرج ابن ماجة بسند واه عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لرباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من غير شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبا من شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرا من عبادة ألفي سنة صيامها وقيامها فإن رده الله إلى أهله سالما لم تكتب له سيئة وتكتب له الحسنات ويجري له أجر الرباط إلى يوم القيامة.
وأخرج ابن حبان والبيهقي عن مجاهد عن أبي هريرة، أنه كان في المرابطة ففزعوا وخرجوا إلى الساحل ثم قيل لا بأس فانصرف الناس وأبو هريرة واقف فمر به إنسان فقال: ما يوقفك يا أبا هريرة فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود.
وأخرج الترمذي وحسنه والنسائي، وابن ماجة، وابن حبان والحاكم وصححه عن عثمان بن عفان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل، ولفظ ابن ماجة: من رابط ليلة في سبيل الله كانت كألف ليلة صيامها وقيامها.
وأخرج البيهقي عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن صلاة المرابط تعدل خمسمائة صلاة ونفقة الدينار والدرهم منه أفضل من سبعمائة دينار ينفقه في غيره.
وأخرج أبو الشيخ في الثواب عن أنس مرفوعا الصلاة بأرض الرباط بألفي ألف صلاة.
وأخرج ابن حبان عن عتبة بن الندر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا انتاط غزوكم وكثرت الغرائم واستحلت الغنائم فخير جهادكم الرباط.
وأخرج البخاري والبيهقي عن أبي هريرة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة وعبد القطيفة، إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع.
وأخرج مسلم والنسائي والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من خير معاش الناس لهم رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه كلما سمع هيعة أو قزعة طار على متنه يبتغي القتل والموت من مظانه، ورجل في غنيمة في رأس شعفة من هذه الشعف أو بطن واد من هذه الأودية يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة
ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين ليس من الناس إلا في خير.
وأخرج البيهقي عن أم مبشر تبلغ به النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال خير الناس منزلة رجل على متن فرسه يخيف العدو ويخيفونه.
وأخرج البيهقي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن أحرس ثلاث ليال مرابطا من وراء بيضة المسلمين أحب إلي من أن تصيبني ليلة القدر في أحد المسجدين: المدينة أو بيت المقدس، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات مرابطا في سبيل الله آمنه الله من فتنة القبر، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المرابط في سبيل الله أعظم أجرا من رجل جمع كعبيه رياد شهر صيامه وقيامه.
وأخرج البيهقي عن ابن عابد قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل فلما وضع قال عمر بن الخطاب: لا تصل عليه يا رسول الله فإنه رجل فاجر، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس قال: هل رآه أحد منكم على الإسلام فقال رجل: نعم يا رسول الله حرس ليلة في سبيل الله، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحثى عليه التراب وقال: أصحابك يظنون أنك من أهل النار وأنا أشهد أنك من أهل الجنة، وقال: يا عمر إنك لا تسأل عن أعمال الناس ولكن تسأل عن الفطرة.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر، أن عمر كان يقول: إن الله بدأ هذا الأمر حين بدأ بنبوة ورحمة ثم يعود إلى ملك ورحمة ثم يعود جبرية يتكادمون تكادم الحمير، أيها الناس عليكم بالغزو والجهاد ما كان حلوا خضرا قبل أن يكون مرا عسرا ويكون عاما قبل أن يكون حطاما فإذا انتاطت المغازي وأكلت الغنائم واستحل الحرام فعليكم بالرباط فإنه خير جهادكم.
وأخرج أحمد عن أبي أمامة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت: رجل مات مرابطا في سبيل الله ورجل علم علما فأجره يجري عليه ما عمل به ورجل أجرى صدقة فأجرها يجري عليه ما جرت عليهم ورجل ترك ولدا صالحا يدعو له)). [الدر المنثور: 4/196-207]