جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) )
- قال نعيم بن حماد الخزاعي المروزي (ت: 228هـ): (حدثني محمد بن كثير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس، في قوله: {الكتاب والحكمة} قال: الكتاب والسنة.
- أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله). [الزهد لابن المبارك: 2/ 239-240]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {لقد منّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبينٍ}.
يعني بذلك: لقد تطوّل اللّه على المؤمنين اسمه على اهل التصديق به ورسوله، إذ بعث فيهم رسولاً، حين أرسل فيهم رسولاً من أنفسهم، نبيًّا من أهل لسانهم، ولم يجعله من غير أهل لسانهم فلا يفقهوا عنه ما يقول {يتلو عليهم آياته} يقول: يقرأ عليهم آي كتابه وتنزيله {ويزكّيهم} يعني: يطهّرهم من ذنوبهم باتّباعهم إيّاه، وطاعتهم له فيما أمرهم ونهاهم {ويعلّمهم الكتاب والحكمة} يعني: ويعلّمهم كتاب اللّه الّذي أنزل عليه، ويبيّن لهم تأويله ومعانيه، والحكمة ويعني بالحكمة السّنّة الّتي سنّها اللّه جلّ ثناؤه للمؤمنين على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبيانه لهم {وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبينٍ} يعني: إن كانوا من قبل أن يمنّ اللّه عليهم بإرساله رسوله الّذي هذه صفته، لفي ضلالٍ مبينٍ، يقول: في جهالةٍ جهلاء، وفي حيرةٍ عن الهدى عمياء، لا يعرفون حقًّا، ولا يبطلون باطلا.
وقد بيّنّا أصل الضّلال فيما مضى، وأنّه الأخذ على غير هدًى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع
والمبين: الّذي يبيّن لمن تأمّله بعقله وتدبّره بفهمه أنّه على غير استقامةٍ ولا هدًى.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {لقد منّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم} من منّ اللّه عظيم من غير دعوةٍ ولا رغبةٍ من هذه الأمّة، جعله اللّه رحمةً لهم، ليخرجهم من الظّلمات إلى النّور، ويهديهم إلى صراطٍ مستقيمٍ قوله: {ويعلّمهم الكتاب والحكمة} الحكمة: السّنّة {وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبينٍ} ليس واللّه كما تقول أهل حروراء: محنةٌ غالبةٌ من أخطأها أهريق دمه، ولكنّ اللّه بعث نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى قومٍ لا يعلمون فعلّمهم، وإلى قومٍ لا أدب لهم فأدّبهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: {لقد منّ} اللّه على المؤمنين إلى قوله {لفي ضلالٍ مبينٍ} أي لقد منّ اللّه عليكم يا أهل الإيمان إذ بعث فيكم رسولاً من أنفسكم، يتلو عليكم آياته، ويزكّيكم فيما أخذثتم، وفيما علمتم، ويعلّمكم الخير والشّرّ، لتعرفوا الخير فتعملوا به، والشّرّ فتتّقوه، ويخبركم برضاه عنكم إذ أطعتموه، لتستكثروا من طاعته، وتجتنبوا ما سخط منكم من معصيته، فتتخلّصوا بذلك من نقمته، وتدركوا بذلك ثوابه من جنّته {وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبينٍ} أي في عمياء من الجاهليّة لا تعرفون حسنةً، ولا تستغيثون من سيّئةٍ، صمٌّ عن الحقّ، عمّي عن الهدى). [جامع البيان: 6/211-213]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لقد منّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكّيهم ويعلّمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبينٍ (164)
قوله تعالى: لقد منّ اللّه على المؤمنين
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو زنيجٌ، ثنا سلمة قال ابن إسحاق قوله: لقد منّ اللّه على المؤمنين قال: أي: لقد منّ اللّه عليكم يا أهل الإيمان.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: لقد منّ اللّه على المؤمنين قال: منّ اللّه عظيمٌ من غير دعوةٍ ولا رغبةٍ من هذه الأمّة، جعله اللّه رحمةً لهم ليخرجهم من الظّلمات إلى النّور ويهديهم إلى صراط مستقيمٍ.
قوله تعالى: إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم
- حدّثنا أبي، ثنا إبراهيم بن موسى، أنبأ هشام بن يوسف، عن عبد الله ابن سليمان النّوفليّ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة: في هذه الآية: لقد منّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم قالت: هذه العرب خاصّةً
قوله تعالى: يتلوا عليهم آياته
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة ابن الفضل قال: قال محمّد بن إسحاق يعني قوله: يتلوا عليهم آياته ويزكّيهم قال: يتلو عليكم آياته ويزكّيكم فيما أحدثتم.
قوله تعالى: ويزكّيهم
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ويزكّيهم يعني: الزّكاة طاعة اللّه والإخلاص.
قوله تعالى: ويعلمهم الكتاب
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا أسباط بن محمّدٍ، عن الهذليّ، عن الحسن في قوله: ويعلّمهم الكتاب والحكمة قال: الكتاب: القرآن- وروي عن يحيى بن أبي كثيرٍ، ومقاتل بن حيّان نحو ذلك.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا زنيجٌ، ثنا سلمة، قال محمّد ابن إسحاق: ويعلّمهم الكتاب والحكمة قال: ويعلّمكم الخير والشّرّ لتعرفوا الخير فتعملوا به، والشّرّ فتتّقوا، ويخبركم برضاه عنكم إذا أطعتموه، ولتستكثروا من طاعته، وتجتنبوا ما يسخطه عنكم من معصيته.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين قال محمّد بن العلاء، ثنا يونس بن بكيرٍ، عن مطر ابن ميمونٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قوله: الكتاب قال: الخطّ بالقلم.
قوله تعالى: والحكمة
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ والحسن بن محمّد بن الصّبّاح قالا: ثنا أسباط بن محمّدٍ، عن الهذليّ، عن الحسن في قول اللّه تعالى: ويعلّمهم الكتاب والحكمة قال: الحكمة: السّنّة، وروي عن أبي مالكٍ، ومقاتل بن حيّان، ويحيى بن كثيرٍ، وقتادة نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: والحكمة: يعني النّبوّة.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أبو همّامٍ، ثنا ابن وهبٍ، حدّثني ابن زيد بن أسلم، عن أبيه الحكمة العقل في الدّين.
قوله تعالى: وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبينٌ
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبينٍ ليس واللّه كما يقول أهل حروراء: محنةٌ غالبةٌ من أخطأها أهريق دمه، ولكنّ اللّه بعث نبيّه إلى قومٍ لا يعلمون فعلّمهم، وإلى قومٍ لا أدب لهم فأدّبهم.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة قال: قال محمّد بن إسحاق قوله: وإن كانوا من قبل لفي ضلالٍ مبينٍ أي: في عمياء من الجاهليّة لا تعرفون حسنةً، ولا تستغفرون من سيّئةٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/808-810]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 164.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة في هذه الآية {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم} قالت: هذه للعرب خاصة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: من من الله عظيم من غير دعوة ولا رغبة من هذه الأمة جعله الله رحمة لهم يخرجهم من الظلمات إلى النور ويهديهم إلى صراط مستقيم بعثه الله إلى قوم لا يعلمون فعلمهم وإلى قوم لا أدب لهم فأدبهم). [الدر المنثور: 4/104-105]