العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 09:01 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (105) إلى الآية (109) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (105) إلى الآية (109) ]

{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:11 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذابٌ عظيمٌ}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ولا تكونوا يا معشر الّذين آمنوا كالّذين تفرّقوا من أهل الكتاب واختلفوا في دين اللّه وأمره ونهيه، من بعد ما جاءهم البيّنات من حجج اللّه، فيما اختلفوا فيه، وعلموا الحقّ فيه، فتعمّدوا خلافه، وخالفوا أمر اللّه، ونقضوا عهده وميثاقه، جراءةً على اللّه وأولئك لهم: يعني ولهؤلاء الّذين تفرّقوا، واختلفوا من أهل الكتاب، من بعد ما جاءهم عذابٌ من عند اللّه عظيمٌ.
يقول جلّ ثناؤه: فلا تفرّقوا يا معشر المؤمنين في دينكم تفرّق هؤلاء في دينهم، ولا تفعلوا فعلهم، وتستنّوا في دينكم بسنّتهم، فيكون لكم من عذاب اللّه العظيم مثل الّذي لهم.
- كما: حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات} قال: هم أهل الكتاب، نهى اللّه أهل الإسلام أن يتفرّقوا ويختلفوا، كما تفرّق واختلف أهل الكتاب، قال اللّه عزّ وجلّ: {وأولئك لهم عذابٌ عظيمٌ}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا} ونحو هذا في القرآن أمر اللّه جلّ ثناؤه المؤمنين بالجماعة، فنهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم إنّما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين اللّه.
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، عن عبّادٍ، عن الحسن، في قوله: {ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذابٌ عظيمٌ} قال هم اليهود والنّصارى). [جامع البيان: 5/662-663]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذابٌ عظيمٌ (105) يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (106)
قوله تعالى: ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ، أنبأ أبو عامرٍ يعني: العقديّ، ثنا كثيرٌ عن أبيه عن جدّه، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: يا معشر قريشٍ إنّكم لولاة هذا الأمر من بعدي، فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون، ولا تفرّقوا ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا ونحو هذا في القرآن- قال: أمر اللّه عزّ وجلّ بالجماعة ونهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم إنّما هلك من كان قبلكم بالمراء والخصومات في دين اللّه عزّ وجلّ.
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ عن الحسن في قوله: ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا قال: من اليهود والنّصارى.
قوله تعالى: واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن الحسن، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: ولا تكونوا يعني:
للمؤمنين يقول: لا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد موسى فنهى اللّه تعالى المؤمنين أن يتفرّقوا من بعد نبيّهم كفعل اليهود.
قوله تعالى: وأولئك لهم عذابٌ عظيمٌ
قد تقدم في تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 2/728-730]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا} قال: هم أهل الكتاب، نهى الله أهل الإسلام أن يتفرقوا ويختلفوا كما تفرق واختلف أهل الكتاب.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا} قال: من اليهود والنصارى.
وأخرج أبو داود والترمذي، وابن ماجة والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: كيف يصنع أهل هذه الأهواء الخبيثة بهذه الآية في آل عمران {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات} قال: نبذوها ورب الكعبة وراء ظهورهم.
وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم عن معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أهل الكتاب تفرقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة وتفترق هذه الأمة على ثلاث
وسبعين ملة كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة ويخرج في أمتي أقوام تتجارى تلك الأهواء بهم كما يتجارى الكلب بصاحبه فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله.
وأخرج الحاكم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى لو كان فيهم من نكح أمه علانية كان في أمتي مثله إن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلها في النار إلا ملة واحدة فقيل له: ما الواحدة قال: ما أنا عليه اليوم وأصحابي
وأخرج الحاكم عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لتسلكن سنن من قبلكم إن بني إسرائيل افترقت، الحديث.
وأخرج ابن ماجة عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة فإحدى وسبعين في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار، قيل: يا رسول الله من هم قال: الجماعة.
وأخرج أحمد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن بني إسرائيل تفرقت إحدى وسبعين فرقة فهلكت سبعون فرقة وخلصت فرقة واحدة وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة تهلك إحدى وسبعون فرقة وتخلص فرقة قيل: يا رسول الله من تلك الفرقة قال: الجماعة الجماعة.
وأخرج أحمد عن أبي ذر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: اثنان خير من واحد وثلاثة خير من اثنين وأربعة خير من ثلاثة فعليكم بالجماعة فإن الله لم يجمع أمتي إلا على هدى
وأخرج ابن مردويه عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ادخلوا علي ولا يدخل علي إلا قرشي فقال: يا معشر قريش أنتم الولاة بعدي لهذا الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات}
{وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} البينة الآية 5). [الدر المنثور: 3/716-721]

تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) )
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن الرّبيع بن صبيحٍ، وحمّاد بن سلمة، عن أبي غالبٍ، قال: رأى أبو أمامة رءوسًا منصوبةً على درج دمشق، فقال أبو أمامة: كلاب النّار شرّ قتلى تحت أديم السّماء، خير قتلى من قتلوه، ثمّ قرأ: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ} إلى آخر الآية، قلت لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لو لم أسمعه إلاّ مرّةً أو مرّتين أو ثلاثًا أو أربعًا حتّى عدّ سبعًا ما حدّثتكموه.
هذا حديثٌ حسنٌ، وأبو غالبٍ اسمه: حزوّرٌ، وأبو أمامة الباهليّ اسمه: صديّ بن عجلان وهو سيّد باهلة). [سنن الترمذي: 5/76]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (106) وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمة اللّه هم فيها خالدون}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: أولئك لهم عذابٌ عظيمٌ في يومٍ تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ.
وأمّا قوله: {فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم} فإنّ معناه: فأمّا الّذين اسودّت وجوههم، فيقال لهم: {أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون}
ولا بدّ ل أمّا من جوّاب بالفاء، فلمّا أسقط الجوّاب سقطت الفاء معه، وإنّما جاز ترك ذكره فيقال لدلالة ما ذكر من الكلام عليه.
وأمّا معنى قوله جلّ ثناؤه: {أكفرتم بعد إيمانكم} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا فيمن عني به، فقال بعضهم: عني به أهل قبلتنا من المسلمين.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ} الآية، لقد كفر أقوامٌ بعد إيمانهم كما تسمعون، ولقد ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: والّذي نفس محمّدٍ بيده، ليردنّ عليّ الحوض ممّن صحبني أقوامٌ، حتّى إذا رفعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني، فلأقولنّ: ربّ أصحابي أصحابي، فليقالنّ: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك. وقوله: {وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمة اللّه} هؤلاء أهل طاعة اللّه والوفاء بعهد اللّه، قال اللّه عزّ وجلّ: {ففي رحمة اللّه هم فيها خالدون}.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} فهذا من كفر من أهل القبلة حين اقتتلوا.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن حمّاد بن سلمة، والرّبيع بن صبيحٍ، عن أبي غالب، عن أبي أمامة: {فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم} قال: هم الخوارج
وقال آخرون: عنى بذلك كلّ من كفر باللّه بعد الإيمان الّذي آمن حين أخذ اللّه من صلب آدم ذرّيّته وأشهدهم على أنفسهم بما بيّن في كتابه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عليّ بن الهيثم، قال: أخبرنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية، عن أبيّ بن كعبٍ، في قوله: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ} قال: صاروا يوم القيامة فريقين، فقال لمن اسودّ وجهه وغيرهم {أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} قال: هو الإيمان الّذي كان قبل الاختلاف في زمان آدم، حين أخذ منهم عهدهم وميثاقهم، وأقرّوا كلّهم بالعبوديّة، وفطرهم على الإسلام، فكانوا أمّةً واحدةً مسلمين، يقول: أكفرتم بعد إيمانكم، يقول بعد ذلك الّذي كان في زمان آدم. وقال في الآخرين: الّذين استقاموا على إيمانهم ذلك، فأخلصوا له الدّين والعمل، فبيّض اللّه وجوههم، وأدخلهم في رضوانه وجنّته
وقال آخرون: بل الّذين عنوا بقوله: {أكفرتم بعد إيمانكم} المنافقون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، عن عبّادٍ، عن الحسن: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ} الآية، قال: هم المنافقون كانوا أعطوا كلمة الإيمان بألسنتهم، وأنكروها بقلوبهم وأعمالهم.
وأولى الأقوال الّتي ذكرناها في ذلك بالصّواب القول الّذي ذكرناه عن أبيّ بن كعبٍ أنّه عنى بذلك جميع الكفّار، وأنّ الإيمان الّذي يوبّخون على ارتدادهم عنه، هو الإيمان الّذي أقرّوا به يوم قيل لهم: {ألست بربّكم قالوا بلى شهدنا} وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه جعل جميع أهل الآخرة فريقين: أحدهما سوداء وجوهه، والآخر بيضاء وجوهه، فمعلومٌ إذ لم يكن هنالك إلاّ هذان الفريقان أنّ جميع الكفّار داخلون في فريق من سوّد وجهه، وأنّ جميع المؤمنين داخلون في فريق من بيّض وجهه، فلا وجه إذًا لقول قائلٍ عنى بقوله: {أكفرتم بعد إيمانكم} بعض الكفّار دون بعضٍ، وقد عمّ اللّه جلّ ثناؤه الخبر عنهم جميعهم، وإذا دخل جميعهم في ذلك ثمّ لم يكن لجميعهم حالةٌ آمنوا فيها، ثمّ ارتدّوا كافرين بعد إلاّ حالةٌ واحدةٌ، كان معلومًا أنّها المرادة بذلك.
فتأويل الآية إذًا: أولئك لهم عذابٌ عظيمٌ في يومٍ تبيضّ وجوه قومٍ، وتسودّ وجوه آخرين؛ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم، فيقال: أجحدتم توحيد اللّه وعهده وميثاقه الّذي واثقتموه عليه، بأن لا تشركوا به شيئًا، وتخلصوا له العبادة بعد إيمانكم، يعني: بعد تصديقكم به {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} يقول: بما كنتم تجحدون في الدّنيا ما كان اللّه قد أخذ ميثاقكم بالإقرار به والتّصديق.
{وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم} ممّن ثبت على عهد اللّه وميثاقه، فلم يبدّل دينه، ولم ينقلب على عقبيه بعد الإقرار بالتّوحيد، والشّهادة لربّه بالألوهة، وأنّه لا إله غيره {ففي رحمة اللّه} يقول: فهم في رحمة اللّه، يعني في جنّته ونعيمها، وما أعدّ اللّه لأهلها فيها، {هم فيها خالدون} أي باقون فيها أبدًا بغير نهايةٍ ولا غايةٍ). [جامع البيان: 5/663-667]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: يوم تبيضّ وجوهٌ
- حدّثنا أبي، ثنا أبو توبة الرّبيع بن نافعٍ، ثنا معاوية بن سلامٍ، عن زيد ابن سلامٍ، أنّه سمع أبا سلامٍ، حدّثني عبد الرّحمن، حدّثني رجلٌ من كندة قال:
أتيت عائشة رضي اللّه عنها قالت: حدّثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وسألته؟
قال: نعم يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ حتّى أنظر ما يفعل بي، أو قال: بوجهي.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا ابن نميرٍ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ أبو إسرائيل الملائيّ، عن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ قال: هذا لأهل القبلة.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة المروزيّ، ثنا حفص بن عمر المقرئ، ثنا عليّ بن قدامة، عن مجاشع بن عمرٍو عن عبد الكريم الجزريّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ قال: تبيضّ وجوه أهل السّنّة والجماعة.
قوله تعالى: وتسود وجوه
[الوجه الأول]
- وبه عن ابن عبّاسٍ وتسودّ وجوهٌ قال: تسودّ أهل البدع والضّلالة
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا ابن نميرٍ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، ثنا أبو إسرائيل الملائيّ، عن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ قوله: يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ قال: هذا لأهل القبلة.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أحمد ثنا موسى بن محكمٍ ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ عن الحسن قوله: يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ قال: هم المنافقون كانوا أعطوا كلمة الإيمان بألسنتهم، فأنكروها في قلوبهم وأعمالهم.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن مروان، ثنا حسينٌ الأشقر، ثنا أبو قتيبة، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، يعني قوله: وتسودّ وجوهٌ قال: هم اليهود
قوله تعالى: فأمّا الّذين اسودّت وجوههم
- حدّثنا أبو بدرٍ عبّاد بن الوليد الخيّاط قال: سألت أبا غالبٍ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون فقال:
حدّثني أبو أمامة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنهم الخوارج.
قوله تعالى: أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن سهل بن زنجلة وكثير بن شهابٍ القزوينيّ قالا: ثنا محمّد بن سعيد بن سابقٍ، ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع، عن أبي العالية عن أبيّ بن كعبٍ في قوله: فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون قال: فصاروا فريقين يوم القيامة، يقال لمن اسودّت وجوههم:
أكفرتم بعد إيمانكم قال: فهو الإيمان الّذين كان في زمن آدم حيث كانوا أمّةً واحدةً مسلمين.
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ عن ابن جريجٍ أكفرتم بعد إيمانكم قال: إيمانهم الّذي أخذ عليهم العهد في ظهر آدم عليه السّلام.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون قال: فهذا من كفر من أهل القبلة حين اقتتلوا). [تفسير القرآن العظيم: 2/728-730]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا الربيع بن صبيح والربيع بن بدر عن علي بن أبي
[تفسير مجاهد: 132]
طالب عن أبي أمامة في قوله فأما الذين اسودت وجوههم يعني الحرورية ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين ولا ثلاثة ولا أربعة ولا خمسة ولا ستة ولا سبعة). [تفسير مجاهد: 133]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) أبو غالب - رحمه الله- : قال: رأى أبو أمامة رؤوساً منصوبة على درج دمشق، فقال أبو أمامة: كلاب النّار، شرّ قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه، ثم قرأ: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ} إلى آخر الآية [آل عمران: 106]، قلت لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؟ قال: لو لم أسمعه إلا مرّة أو مرّتين أو ثلاثاً، [أو أربعاً] حتّى عدّ سبعاً، ما حدّثتكموه. أخرجه الترمذي). [جامع الأصول: 2/68-69]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 106 - 109.
أخرج أحمد والترمذي، وابن ماجة والطبراني، وابن المنذر عن أبي غالب قال: رأى أبو أمامة رؤوس الأزارقة منصوبة على درج مسجد دمشق فقال أبو أمامة: كلاب النار شر قتلى تحت أديم السماء خير قتلى من قتلوه، ثم قرأ {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} الآية، قلت لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين أو ثلاثا أو أربعا حتى عد سبعا ما حدثتكموه.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو نصر في الإبانة والخطيب في تاريخه واللالكائي في السنة عن ابن عباس في هذه الآية قال {تبيض وجوه وتسود وجوه} قال تبيض وجوه أهل السنة والجماعة وتسود وجوه أهل البدع والضلالة
وأخرج الخطيب في رواة مالك والديلمي عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} قال: تبيض وجوه أهل السنة وتسود وجوه أهل البدع.
وأخرج أبو نصر السجزي في الإبانة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} قال: تبيض وجوه أهل الجماعات والسنة وتسود وجوه أهل البدع والأهواء.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب في الآية قال:
صاروا فرقتين يوم القيامة يقال لمن اسود وجهه {أكفرتم بعد إيمانكم} فهو الإيمان الذي كان في صلب آدم حيث كانوا أمة واحدة وأما الذين ابيضت وجوههم فهم الذين استقاموا على إيمانهم وأخلصوا له الدين فبيض الله وجوههم وأدخلهم في رضوانه وجنته.
وأخرج الفريابي، وابن المنذر عن عكرمة في الآية قال: هم أهل الكتاب كانوا مصدقين بأنبيائهم مصدقين بمحمد فلما بعثه الله كفروا، فذلك قوله {أكفرتم بعد إيمانكم}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي أمامة في قوله {فأما الذين اسودت وجوههم} قال: هم الخوارج.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير في الآية عن قتادة قال: لقد كفر أقوام بعد إيمانهم كما تسمعون {فأما الذين اسودت وجوههم} فأهل طاعة الله والوفاء بعهد الله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {فأما الذين اسودت وجوههم} قال: هم المنافقون كانوا أعطوا كلمة الإيمان بألسنتهم وأنكروها بقلوبهم وأعمالهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {وتسود وجوه} قال: هم اليهود.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} قال: هذا لأهل القبلة.
وأخرج ابن المنذر عن السدي بسند فيه من لا يعرف {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} قال: بالأعمال والأحداث
وأخرج ابن أبي حاتم بسند فيه من لا يعرف عن عائشة قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل تأتي عليك ساعة لا تملك فيها لأحد شفاعة قال: نعم {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} حتى أنظر ما يفعل بي، أو قال: بوجهي.
وأخرج الطبراني في الأوسط بسند ضعيف عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المصيبة تبيض وجه صاحبها يوم تسود الوجوه.
وأخرج أبو نعيم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الغبار في سبيل الله إسفار الوجوه يوم القيامة.
وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ليس من عبد يقول لا إله إلا الله مائة مرة إلا بعثه الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر). [الدر المنثور: 3/721-724]

تفسير قوله تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (106) وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمة اللّه هم فيها خالدون}
...
{وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم} ممّن ثبت على عهد اللّه وميثاقه، فلم يبدّل دينه، ولم ينقلب على عقبيه بعد الإقرار بالتّوحيد، والشّهادة لربّه بالألوهة، وأنّه لا إله غيره {ففي رحمة اللّه} يقول: فهم في رحمة اللّه، يعني في جنّته ونعيمها، وما أعدّ اللّه لأهلها فيها، {هم فيها خالدون} أي باقون فيها أبدًا بغير نهايةٍ ولا غايةٍ). [جامع البيان: 5/663-667] (م)
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمة اللّه هم فيها خالدون (107)
قوله تعالى: وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمت اللّه
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية عن أبيّ بن كعبٍ في قوله: وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم قال: الّذين استقاموا على إيمانهم ذلك وأخصلوا له الدّين فبيّض وجوههم وأدخلهم في رضوانه وجنّته.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ عن قتادة قوله: وأما الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمت اللّه هم فيها خالدون هؤلاء أهل طاعة اللّه، والوفاء بعهد اللّه، قال اللّه تعالى: ففي رحمت اللّه هم فيها خالدون). [تفسير القرآن العظيم: 2/730]

تفسير قوله تعالى: (تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحقّ وما اللّه يريد ظلمًا للعالمين}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {تلك آيات اللّه} هذه آيات اللّه
وقد بيّنّا كيف وضعت العرب تلك وذلك مكان هذا وهذه في غير هذا الموضع فيما مضى قبل بما أغنى عن إعادته.
وقوله: {آيات اللّه} يعني مواعظ اللّه، وعبره وحججه. {نتلوها عليك} نقرؤها عليك ونقصّها {بالحقّ} يعني: بالصّدق واليقين.
وإنّما يعني بقوله: {تلك آيات اللّه} هذه الآيات الّتي ذكر فيها أمور المؤمنين من أنصار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأمور يهود بني إسرائيل وأهل الكتاب، وما هو فاعلٌ بأهل الوفاء بعهده وبالمبدّلين دينه والنّاقضين عهده بعد الإقرار به، ثمّ أخبر عزّ وجلّ نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه يتلو ذلك عليه بالحقّ، وأعلمه أنّ من عاقب من خلقه بما أخبر أنّه معاقبه من تسويد وجهه وتخليده في أليم عذابه وعظيم عقابه ومن جازاه منهم بما جازاه من تبييض وجهه وتكريمه وتشريف منزلته لديه بتخليده في دائم نعيمه فبغير ظلمٍ منه لفريقٍ منهم بل لحقٍّ استوجبوه وأعمالٍ لهم سلفت جازاهم عليها، فقال تعالى ذكره: {وما اللّه يريد ظلمًا للعالمين} يعني بذلك: وليس اللّه يا محمّد بتسويد وجوه هؤلاء، وإذاقتهم العذاب العظيم؛ وتبييضه وجوه هؤلاء، وتنعيمه إيّاهم في جنّته، طالبًا وضع شيءٍ ممّا فعل من ذلك في غير موضعه الّذي هو موضعه إعلامًا بذلك عباده أنّه لن يصلح في حكمته بخلقه غير ما وعد أهل طاعته والإيمان به، وغير ما أوعد أهل معصيته والكفر به، وإنذارًا منه هؤلاء وتبشيرًا منه هؤلاء). [جامع البيان: 5/667-668]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحقّ وما اللّه يريد ظلمًا للعالمين (108) وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وإلى اللّه ترجع الأمور (109) كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرًا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون (110)
قوله تعالى: هم فيها خالدون
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: هم فيها خالدون أي خالداً أبدًا يخبرهم أنّ الثّواب بالخير والشّرّ مقيمٌ على أهله أبدًا لا انقطاع له.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه ابن لهيعة حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: هم فيها خالدون يعني لا يموتون.
قوله تعالى: تلك
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ قوله: تلك يعني: هذه.
قوله تعالى: آيات اللّه نتلوها عليك
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عبيد اللّه، ثنا عبد اللّه بن المبارك، عن معمرٍ عن قتادة في قوله: آيات اللّه قال: القرآن.
قوله تعالى: بالحقّ
- حدّثنا أبي، ثنا الحسين بن الرّبيع، ثنا ابن إدريس، ثنا محمّد بن إسحاق قوله: نتلوها عليك بالحقّ يقول: بالفضل.
قوله تعالى: وما اللّه يريد ظلما للعالمين). [تفسير القرآن العظيم: 2/731]

تفسير قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وللّه ما في السّموات وما في الأرض وإلى اللّه ترجع الأمور}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: أنّه يعاقب الّذين كفروا بعد إيمانهم بما ذكر أنّه معاقبهم به من العذاب العظيم، وتسويد الوجوه، ويثيب أهل الإيمان به الّذين ثبتوا على التّصديق والوفاء بعهودهم الّتي عاهدوا عليها، بما وصف أنّه مثيبهم به من الخلود في جنّاته من غير ظلمٍ منه لأحد الفريقين فيما فعل؛ لأنّه لا حاجة به إلى الظّلم، وذلك أنّ الظّالم إنّما يظلم غيره ليزداد إلى عزّة عزّةً بظلمه إيّاه، وإلى سلطانه سلطانًا، اوإلى ملكه ملكًا؛ اوالى لنقصانٍ في بعض أسبابه يتمّم بما ظلم غيره فيه ما كان ناقصًا من أسبابه عن التّمام، فأمّا من كان له جميع ما بين أقطار المشارق والمغارب، وما في الدّنيا والآخرة، فلا معنى لظلمه أحدًا فيجوز أن يظلم شيئًا؛ لأنّه ليس من أسبابه شيءٌ ناقصٌ يحتاج إلى تمامٍ، فيتمّ ذلك بظلم غيره، تعالى اللّه علوًّا كبيرًا؛ ولذلك قال جلّ ثناؤه عقيب قوله: {وما اللّه يريد ظلمًا للعالمين}: {وللّه ما في السّموات وما في الأرض وإلى اللّه ترجع الأمور}.
واختلف أهل العربيّة في وجه تكرير اللّه تعالى ذكره اسمه مع قوله: {وإلى اللّه ترجع الأمور}. ظاهرًا وقد تقدّم اسمه ظاهرًا مع قوله: {وللّه ما في السّموات وما في الأرض} فقال بعض أهل العربيّة من أهل البصرة: ذلك نظير قول العرب: أمّا زيدٌ فذهب زيدٌ، وكما قال الشّاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شيءٌ = نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا
فأظهر في موضع الإضمار.
وقال بعض نحويّي الكوفة: ليس ذلك نظير هذا البيت؛ لأنّ موضع الموت الثّاني في البيت موضع كنايةٍ؛ لأنّه كلمةٌ واحدةٌ، وليس ذلك كذلك في الآية؛ لأنّ قوله: {وللّه ما في السّموات وما في الأرض} خبر ليس من قوله: {وإلى اللّه ترجع الأمور} في شيءٍ، وذلك أنّ كلّ واحدةٍ من القصّتين مفارقٌ معناها معنى الأخرى مكتفيةٌ كلّ واحدةٍ منهما بنفسها غير محتاجةٍ إلى الأخرى، وما قال الشّاعر: لا أرى الموت محتاجٌ إلى تمام الخبر عنه.
وهذا القول الثّاني عندنا أولى بالصّواب؛ لأنّ كتاب اللّه عزّ وجلّ لا يؤخذ معانيه، وما فيه من البيان إلى الشّواذّ من الكلام والمعاني وله في الفصيح من المنطق والظّاهر من المعاني المفهوم وجهٌ صحيحٌ موجودٌ.
وأمّا قوله: {وإلى اللّه ترجع الأمور} فإنّه يعني تعالى ذكره: إلى اللّه مصير أمر جميع خلقه الصّالح منهم، والطّالح والمحسن والمسيء، فيجازي كلًّا على قدر استحقاقهم منه الجزاء بغير ظلمٍ منه أحدًا منهم). [جامع البيان: 5/669-671]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: ولله ما في السّماوات وما في الأرض
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن العلاء، ثنا عثمان بن سعيدٍ، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: ثمّ قال يا محمّد للّه الخلق كلّه السّموات كلّهنّ ومن فيهنّ، والأرضون كلّهنّ، ومن فيهنّ وما بينهنّ ممّا يعلم وممّا لا يعلم). [تفسير القرآن العظيم: 2/731]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن يحيى بن وثاب أنه قرأ كل شيء في القرآن {وإلى الله ترجع الأمور} بنصب التاء وكسر الجيم). [الدر المنثور: 3/724]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 02:54 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل ثناؤه: {ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذاب عظيم} أي: لا تكونوا كأهل الكتاب، يعني به اليهود والنصارى وكتابهم جميعا التوراة، وهم مختلفون، كل فرقة منهم - وإن اتفقت في باب النصرانية أو اليهودية - مختلفة أيضا، كالنصارى الذين هم نسطورية ويعقوبية وملكانية، فأمر اللّه بالاجتماع على كتابه، وأعلم أن التفرق فيه يخرج أهله إلى مثل ما خرج إليه أهل الكتاب في كفرهم، فأعلم الله أن لهم عذابا عظيما، فقال: {وأولئك لهم عذاب عظيم}.
ثم أخبر بوقت ذلك العذاب فقال: {يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون}]). [معاني القرآن: 1/453]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ...}
لم يذكّر الفعل أحد من القرّاء كما قيل {لن ينال الله لحومها ولا دماؤها} وقوله: {لا يحلّ لك النساء من بعد} وإنما سهل التذكير في هذين لأن معهما جحدا، والمعنى فيه: لا يحلّ لك أحد من النساء، ولن ينال الله شيء من لحومها، فذهب بالتذكير إلى المعنى، والوجوه ليس ذلك فيها، ولو ذكّر فعل الوجوه كما تقول: قام القوم لجاز ذلك.
وقوله: {فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم} يقال: (أمّا) لا بدّ لها من الفاء جوابا فأين هي؟ فيقال: إنها كانت مع قولٍ مضمر، فلمّا سقط القول سقطت الفاء معه،
والمعنى - والله أعلم -:
فأمّا الذين اسودّت وجوههم فيقال: أكفرتم،
فسقطت الفاء مع (فيقال). والقول قد يضمر. ومنه في كتاب الله شيء كثير؛ من ذلك قوله: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا} وقوله: {وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا} وفي قراءة عبد الله "ويقولان ربّنا"). [معاني القرآن: 1/228-229]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فأمّا الذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم}: العرب تختصر لعلم المخاطب بما أريد به، فكأنه خرج مخرج قولك: فأما الذين كفروا فيقول لهم: أكفرتم، فحذف هذا واختصر الكلام، وقال الأسديّ:
كذبتم وبيت الله لا تنكحونها... بني شاب قرناها تصرّ وتحلب
أراد: بنى التي شاب قرناها، وقال النابغة الذيبانيّ:
كأنك من جمال بني أقيشٍ... يقعقع خلف رجليه بشنّ
بني أقيشٍ: حيٌّ من الجن، أراد: كأنك جمل يقعقع خلف الجمل بشنّ، فألقى الجمل، ففهم عنه ما أراد). [مجاز القرآن: 1/100-101]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون}
أما قوله: {فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم} على "فيقال لهم أكفرتم".
مثل قوله: {والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم} وهذا في القرآن كثير).
[معاني القرآن: 1/179]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومن ذلك: حذف الكلمة والكلمتين.
كقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ} والمعنى: فيقال لهم: أكفرتم؟). [تأويل مشكل القرآن: 216] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} أي: يثبت لهم العذاب ذلك اليوم، وابيضاضها إشراقها وإسفارها، قال الله عزّ وجلّ: (وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة} أسفرت واستبشرت لما تصير إليه من ثواب الله ورحمته، وتسود وجوه اسودادها لما تصير إليه من العذاب، قال اللّه: {ووجوه يومئذ عليها غبرة }
والكلام. تسود وتبيض بفتح التاء - الأصل " تسودد " و " تبيضض إلا أن الحرفين إذا اجتمعا وتحركا أدغم الأول في الثاني.
وكثير من العرب تكسر هذه التاء من تسود وتبيض والقراءة بالفتح والكسر قليل إلا أن كئيرا من العرب يكسر هذه التاء ليبيّن أنها من قولك أبيض وأسود فكأن الكسرة دليل على أنه كذلك في الماضي.
وقرأ بعضهم " تسواد وتبياض " وهو جيّد في العربية إلا أن المصحف ليست فيه ألف فأنا أكرهها لخلافه على أنه قد تحذف ألفات في القرآن نحو ألف إبراهيم وإسماعيل ونحو ألف الرحمن؛ ولكن الإجماع على إثبات هذه الألفات المحذوفة في الكتاب في اللفظ، وتبيض وتسود إجماع بغير ألف فلا ينبغي أن يقرأ بإثبات الألف.
وقوله جل وعلا: {فأمّا الّذين اسودّت وجوههم} تدل على: أن القراءة تسود، ومن قرأ بالألف تسواد وتبياض وجب أن يقرأ: فأما الذين اسوادت وجوههم.
وجواب أما محذوف مع القول.
المعنى فيقال لهم: {أكفرتم بعد إيمانكم}.
وحذف القول لأن في الكلام دليلا عليه وهذا كثير في القرآن، كقوله عزّ وجلّ: (والملائكة يدخلون عليهم من كلّ باب * سلام عليكم}المعنى: يقولون {سلام عليكم}.
وكذلك قوله: {وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا} المعنى: يقولان ربّنا تقبّل منّا - هذه الألف لفظها لفظ الاستفهام ومعناها التقرير والتوبيخ.
وإنّما قيل لهم {أكفرتم بعد إيمانكم} لأنهم كفروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد كانوا به مؤمنين قبل مبعثه.
وهذا خطاب لأهل الكتاب). [معاني القرآن: 1/453-455]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه}
ابيضاضها إشراقها كما قال تعالى: {وجوه يوم يومئذ مسفرة}
ثم قال تعالى: {فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون}
في الكلام محذوف، والمعنى: فأما الذين اسودت وجوههم فيقال لهم أكفرتم بعد إيمانكم.
وأجمع أهل العربية على: أنه لا بد من الفاء في جواب أما لأن المعنى في قولك أما زيد فمنطلق مهما يكن من شيء فزيد منطلق.
قال مجاهد في قوله تعالى: {أكفرتم بعد إيمانكم} بعد أخذ الميثاق.
ويدل على هذا قوله جل وعلا: {وإذ أخذ ربك من بني آدم} الآية
وقيل: هم اليهود بشروا بالنبي صلى الله عليه وسلم ثم كفروا به من بعد مبعثه فقيل لهم أكفرتم بعد إيمانكم
وقيل: هو عام أي كفرتم بعد أن كنتم صغارا تجري عليكم أحكام المؤمنين). [معاني القرآن: 1/456-458]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (ومن الاستعارة: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} يعني: جنّته، سمّاها رحمة، لأن دخولهم إيّاها كان برحمته.
ومثله قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ} {فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ}). [تأويل مشكل القرآن: 145-146]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعلا: {وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمة اللّه هم فيها خالدون}
{ففي رحمة اللّه هم فيها خالدون} أي: في الثواب - الذي أصارهم اللّه إليه برحمة - خالدون.
أعلم أنّه إنما يدخل الجنة برحمته وإن اجتهد المجتهد في طاعة اللّه لأن نعم اللّه عزّ وجلّ دون الجنة لا يكافئها اجتهاد الآدميين.
وقال {ففي رحمة اللّه} وهو يريد ثواب رحمة اللّه كما فال: {واسأل القرية} المعنى: أهل القرية، كما تقول العرب بنو فلان يطؤهم الطريق، المعنى: يطؤهم مارة الطريق.
وذكر {فيها} ثانية على جهة التوكيد). [معاني القرآن: 1/455]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله جل وعز: {وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون}معنى: ففي رحمة الله هم فيها خالدون ففي ثواب رحمة الله). [معاني القرآن: 1/458]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {تلك آيات اللّه...}
يريد: هذه آيات الله. وقد فسّر شأنها في أوّل البقرة). [معاني القرآن: 1/229]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحقّ} أي: عجائب الله، {نتلوها}: نقصّها). [مجاز القرآن: 1/101]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل وعلا: {تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحقّ وما اللّه يريد ظلما للعالمين} أي: تلك التي قد جرى ذكرها حجج اللّه وعلاماته {نتلوها عليك}أي: نعرفك إياها {وما اللّه يريد ظلما للعالمين} أي: من أعلم اللّه أنه يعذبه فباستحقاق يعذبه). [معاني القرآن: 1/455]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وإلى اللّه ترجع الأمور}
قال عز وجل: {وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وإلى اللّه ترجع الأمور} فثنى الاسم وأظهره، وهذا مثل "أمّا زيدٌ فقد ذهب زيدٌ". قال الشاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شيءٌ = نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا
فأظهر في موضع الإضمار). [معاني القرآن: 1/179]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل وعلا: {وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وإلى اللّه ترجع الأمور}
{وإلى اللّه ترجع الأمور}.
ولو كانت " وإليه ترجع الأمور " لكان حسنا ولكن إعادة اسم الله أفخم وأوكد، والعرب إذا جرى ذكر شيء مفخم أعادوا لفظه مظهرا غير مضمر، أنشد النحويون قول الشاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء... نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا
فأعادوا ذكر الموت لفخامة في نفوسهم). [معاني القرآن: 1/455-456]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 08:56 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (ومما جاء في القرآن من الموات قد حذفت فيه التاء قوله عز وجل: {فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى} وقوله: {من بعد ما جاءهم البينات}.

وهذا النحو كثير في القرآن وهو في [الواحدة إذا كانت من] الآدميين أقل منه في سائر الحيوان. ألا ترى أن لهم في الجميع حالا ليست لغيرهم لأنهم الأولون وأنهم قد فضلوا بما لم يفضل به غيرهم من العقل والعلم.
وأما الجميع من الحيوان الذي يكسر عليه الواحد فبمنزلة الجميع من غيره الذي يكسر عليه الواحد [في أنه مؤنث]. ألا ترى أنك تقول هو رجل وتقول هي الرجال فيجوز لك. وتقول هو جمل وهي الجمال وهو عير وهي الأعيار فجرت هذه كلها مجرى هي الجذوع. وما أشبه ذلك يجري هذا المجرى لأن الجميع يؤنث وإن كان كل واحد منه مذكرا من الحيوان. فلما كان كذلك صيروه بمنزلة الموات لأنه قد
خرج من الأول الأمكن حيث أردت الجميع. فلما كان ذلك احتملوا أن يجروه مجرى الجميع الموات قالوا جاء جواريك وجاء نساؤك وجاء بناتك. وقالوا فيما لم يكسر عليه الواحد لأنه في معنى الجمع كما قالوا في هذا كما قال الله تعالى جده: {ومنهم من يستمعون إليك} إذ كان في معنى الجميع وذلك قوله تعالى: {وقال نسوة في المدينة}.
واعلم أن من العرب من يقول ضربوني قومك وضرباني أخواك فشبهوا هذا بالتاء التي يظهرونها في قالت فلانة وكأنهم أرادوا أن يجعلوا للجمع علامة كما جعلوا للمؤنث وهي قليلة. قال الشاعر وهو الفرزدق:


ولـــكـــن ديـــافـــىٌّ أبــــــوه وأمّــــــهبحوران يعصرن السّليط أقاربه

وأما قوله جل ثناؤه: {وأسروا النجوى الذين ظلموا} فإنما يجيء على البدل وكأنه قال انطلقوا فقيل له من فقال بنو فلان. فقوله جل وعز: {وأسروا النجوى الذين ظلموا} على هذا فيما زعم يونس). [الكتاب: 2/39-41] (م)

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقال المفسرون في قول الله عز وجل عن إبراهيم صلوات الله عليه: {واجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ} أي ثناء حسناٌ، وفي قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} أي يقال له هذا في الآخرين. والعرب تحذف هذا الفعل من "قال" ويقول "استغناءٌ عنه، قال الله عز وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}، أي فيقال لهم. ومثله: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} أي يقولون، وكذلك: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ}). [الكامل: 1/485-486] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)}
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108)}
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)}
[لا يوجد]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 04:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 04:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 04:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 04:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم نهى الله تعالى هذه الأمة عن أن يكونوا كالمتفرقين من الأمم، واختلفت عبارة المفسرين في المشار إليهم، فقال ابن عباس: هي إشارة إلى كل من افترق في الأمم في الدين فأهلكهم الافتراق، وقال الحسن: هي إشارة إلى اليهود والنصارى، وقال الزجاج: يحتمل أن تكون الإشارة أيضا إلى فرق اليهود وفرق النصارى، ومجيء البيّنات هو ببعث الرسل، وإنزال الكتب، وأسند الفعل دون علامة إلى البيّنات، من حيث نزلت منزلة البيان، ومن حيث لا حقيقة لتأنيثها، وباقي الآية وعيد، وقوله: عذابٌ عظيمٌ يعني أنه أعظم من سواه، ويتفاضل هذان العرضان بأن أحدهما يتخلله فتور، وأما الجزء الفرد من هذا وذلك فسواء، هذا تحرير مذهب أصحابنا الأصوليين رحمهم الله). [المحرر الوجيز: 2/312]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون (106) وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمت اللّه هم فيها خالدون (107)
والعامل في قوله يوم الفعل الذي تتعلق به اللام، في قوله ولهم عذابٌ عظيمٌ [آل عمران: 105] قال الزجاج: تقديره ويثبت لهم عذاب عظيم.
قال القاضي: وذلك ضعيف من جهة المعنى، لأنه يقتضي أن عظم العذاب في ذلك اليوم، ولا يجوز أن يكون العامل قوله عذاب، لأنه مصدر قد وصف، «وبياض الوجوه»: عبارة عن إشراقها واستنارتها وبشرها برحمة الله، قال الزجّاج- وغيره-: ويحتمل عندي أن يكون ذلك من آثار الوضوء كما قال النبي عليه السلام، أنتم الغر المحجلون من آثار الوضوء، وأما «سواد الوجوه»، فقال المفسرون هي عبارة عن اربدادها وإظلامها بغمم العذاب، ويحتمل أن يكون ذلك تسويدا ينزله الله بهم على جهة التشويه والتمثيل بهم، على نحو حشرهم زرقا وهذه أقبح طلعة، ومن ذلك قول بشار: [البسيط]
وللبخيل على أمواله علل = زرق العيون عليها أوجه سود
وقرأ يحيى بن وثاب، «تبيض وتسود» بكسر التاء، وقرأ الزهري، «تبياض» وجوه، و «تسواد» وجوه بألف، وهي لغة، ولما كان صدر هذه الآية، إخبارا عن حال لا تخص أحدا معينا، بدئ بذكر البياض لشرفه، وأنه الحالة المثلى، فلما فهم المعنى، وتعين له «الكفار والمؤمنون»، بدئ بذكر الذين اسودت وجوههم للاهتمام بالتحذير من حالهم، وقوله تعالى: أكفرتم تقرير وتوبيخ، متعلق بمحذوف، تقديره، فيقال لهم: أكفرتم؟ وفي هذا المحذوف هو جواب «أما»، وهذا هو فحوى الخطاب، وهو أن يكون في الكلام شيء مقدر لا يستغني المعنى عنه، كقوله تعالى: فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدّةٌ [البقرة: 184] المعنى فأفطر فعدة وقوله تعالى: بعد إيمانكم يقتضي أن لهؤلاء الموقنين إيمانا متقدما، فاختلف أهل التأويل في تعيينهم، فقال أبي بن كعب: الموقفون جميع الكفار، والإيمان الذي قيل لهم بسببه بعد إيمانكم هو الإيمان الذي أقروا به يوم قيل لهم- ألست بربكم؟ قالوا بلى- وقال أكثر المتأولين: إنما عني بالتوقيف في هذه الآية أهل القبلة من هذه الأمة، ثم اختلفوا، فقال الحسن: الآية في المنافقين، يؤمنون بألسنتهم ويكفرون بقلوبهم، فيقال لهم: أكفرتم بعد إيمانكم؟ أي ذلك الإيمان بألسنتهم، وقال السدي: هي فيمن كفر من أهل القبلة حين اقتتلوا، وقال أبو أمامة: الآية في الخوارج وقال قتادة: الآية في أهل الردة، ومنه الحديث: ليردن عليّ الحوض رجال من أصحابي حتى إذا رفعوا إليّ اختلجوا فأقول: أصحابي أصحابي، فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: فسحقا فسحقا، وفي بعض طرقه: فأناديهم: ألا هلم، ألا هلم، وذكر النحاس قولا: إن الآية في اليهود، وذلك أنهم آمنوا بصفة محمد واستفتحوا به، فلما جاءهم من غيرهم كفروا، فهذا كفر بعد إيمان، وروي عن مالك أنه قال: الآية في أهل الأهواء.
قال القاضي: إن كان هذا ففي المجلحين منهم القائلين ما هو كفر، وروي حديث: أن الآية في القدرية وقال أبو أمامة: سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنها في الحرورية، وقد تقدم عنه أنها في الخوارج وهو قول واحد، وما في قوله بما كنتم مصدرية). [المحرر الوجيز: 2/312-314]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: ففي رحمت اللّه أي في النعيم الذي هو موجب رحمة الله وقوله بعد ذلك هم فيها تأكيد بجملتين، إذ كان الكلام يقوم دونها). [المحرر الوجيز: 2/314]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: تلك آيات اللّه نتلوها عليك بالحقّ وما اللّه يريد ظلماً للعالمين (108) وللّه ما في السّماوات وما في الأرض وإلى اللّه ترجع الأمور (109) كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون (110)
الإشارة بتلك إلى هذه الآيات المتقدمة المتضمنة تعذيب الكفار وتنعيم المؤمنين، ولما كان فيها ذكر التعذيب، أخبر تعالى: أنه لا يريد أن يقع منه ظلم لأحد من العباد، وإذا لم يرد ذلك فلا يوجد البتة، لأنه لا يقع من شيء إلا ما يريد تعالى، وقوله تعالى: بالحقّ معناه: بالإخبار الحق، ويحتمل أن يكون المعنى: نتلوها عليك مضمنة الأفاعيل التي هي «حق» في أنفسها، من كرامة قوم، وتعذيب آخرين، وقرأ أبو نهيك: «يتلوها» بالياء، وجاء الإعلام بأنه تعالى لا يريد ظلما في حكمه، فإذا لا يوجد). [المحرر الوجيز: 2/315]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ولما كان للذهن أن يقف هنا في الوجه الذي به خص الله قوما بعمل يرحمهم من أجله، وآخرين بعمل يعذبهم عليه، ذكر تعالى الحجة القاطعة في ملكه جميع المخلوقات، وأن «الحق» لا يعترض عليه، وذلك في قوله، وللّه ما في السّماوات وما في الأرض الآية، وقال: ما ولم يقل «من» من حيث هي جمل وأجناس، وذكر الطبري: أن بعض البصريين نظر قوله تعالى: وإلى اللّه فأظهر الاسم، ولم يقل إليه بقول الشاعر:
لا أرى الموت يسبق الموت شيء = نغّص الموت ذا الغنى والفقيرا
[المحرر الوجيز: 2/315]
وما جرى مجراه، وقاله الزجّاج، وحكي أن العرب تفعل ذلك إرادة تفخيم الكلام والتنبيه على عظم المعنى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والآية تشبه البيت في قصد فخامة النظم، وتفارقه من حيث الآية جملتان مفترقتان في المعنى، فلو تكررت جمل كثيرة على هذا الحد لحسن فيها كلها إظهار الاسم، وليس التعرض بالضمير في ذلك بعرف، وأما البيت وما أشبهه فالضمير فيه هو العرف، إذ الكلام في معنى واحد، ولا يجوز إظهار الاسم إلا في المعاني الفخمة في النفوس من التي يؤمن فيها اللبس على السامع، وقرأ بعض السبعة، «ترجع الأمور» بفتح التاء على بناء الفعل للفاعل، وقد تقدم ذكر ذلك). [المحرر الوجيز: 2/315-316]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 04:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 04:37 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {ولا تكونوا كالّذين تفرّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات [وأولئك لهم عذابٌ عظيمٌ]} ينهى هذه الأمّة أن تكون كالأمم الماضية في تفرّقهم واختلافهم، وتركهم الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مع قيام الحجّة عليهم.
قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو المغيرة، حدّثنا صفوان، حدّثني أزهر بن عبد اللّه الهوزني عن أبي عامرٍ عبد اللّه بن لحيٍّ قال: حججنا مع معاوية بن أبي سفيان، فلمّا قدمنا مكّة قام حين صلّى [صلاة] الظّهر فقال: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملّةً، وإنّ هذه الأمّة ستفترق على ثلاثٍ وسبعين ملّةً -يعني الأهواء-كلّها في النّار إلّا واحدةٌ، وهي الجماعة، وإنّه سيخرج في أمّتي أقوامٌ تجارى بهم تلك الأهواء، كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى منه عرقٌ ولا مفصلٌ إلّا دخله. والله -يا معشر العرب-لئن لم تقوموا بما جاء به نبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم لغيركم من النّاس أحرى ألّا يقوم به".
وهكذا رواه أبو داود، عن أحمد بن حنبلٍ ومحمّد بن يحيى، كلاهما عن أبي المغيرة -واسمه عبد القدّوس بن الحجّاج الشّاميّ-به، وقد روي هذا الحديث من طرقٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/91-92]


تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ} يعني: يوم القيامة، حين تبيضّ وجوه أهل السّنّة والجماعة، وتسودّ وجوه أهل البدعة والفرقة، قاله ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما.
{فأمّا الّذين اسودّت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم} قال الحسن البصريّ: وهم المنافقون: {فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون} وهذا الوصف يعمّ كلّ كافرٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/92]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأمّا الّذين ابيضّت وجوههم ففي رحمة اللّه هم فيها خالدون} يعني: الجنّة، ماكثون فيها أبدًا لا يبغون عنها حولا. وقد قال أبو عيسى التّرمذيّ عند تفسير هذه الآية: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا وكيع، عن ربيع -وهو ابن صبيح -وحمّاد بن سلمة، عن أبي غالبٍ قال: رأى أبو أمامة رءوسًا منصوبةً على درج دمشق، فقال أبو أمامة: كلاب النّار، شرّ قتلى تحت أديم السّماء، خير قتلى من قتلوه، ثمّ قرأ: {يوم تبيضّ وجوهٌ وتسودّ وجوهٌ} إلى آخر الآية. قلت لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: لو لم أسمعه إلّا مرّةً أو مرّتين أو ثلاثًا أو أربعًا -حتّى عدّ سبعًا-ما حدّثتكموه.
ثمّ قال: هذا حديثٌ حسنٌ: وقد رواه ابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة عن أبي غالبٍ، وأخرجه أحمد في مسنده، عن عبد الرّزّاق، عن معمر، عن أبي غالبٍ، بنحوه. وقد روى ابن مردويه عند تفسير هذه الآية، عن أبي ذرٍّ، حديثًا مطوّلًا غريبًا عجيبًا جدًّا). [تفسير القرآن العظيم: 2/92]

تفسير قوله تعالى: {تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال [تعالى] {تلك آيات اللّه} أي: هذه آيات اللّه وحججه وبيّناته {نتلوها عليك} يا محمّد {بالحقّ} أي: نكشف ما الأمر عليه في الدّنيا والآخرة.
{وما اللّه يريد ظلمًا للعالمين} أي: ليس بظالمٍ لهم بل هو الحكم العدل الّذي لا يجور؛ لأنّه القادر على كلّ شيءٍ، العالم بكلّ شيءٍ، فلا يحتاج مع ذلك إلى أن يظلم أحدًا من خلقه؛ ولهذا قال: {وللّه ما في السّماوات وما في الأرض} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/92-93]

تفسير قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وللّه ما في السّماوات وما في الأرض} أي: الجميع ملك له وعبيدٌ له. {وإلى اللّه ترجع الأمور} أي: هو المتصرّف في الدّنيا والآخرة، الحاكم في الدّنيا والآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 2/93]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:54 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة