العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 08:56 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (86) إلى الآية (90) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (86) إلى الآية (90) ]

{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:08 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرنا أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي أن ناسا من أهل مكة اتعدوا ليخرجوا إلى رسول الله حتى إذا اجتمعوا، خرجوا إليه حتى قدموا عليه المدينة فبايعوه وأقروا بالإسلام؛ ثم مكثوا ما شاء الله أن يمكثوا فخرجوا
[الجامع في علوم القرآن: 2/78]
من المدينة فارتدوا عن إيمانهم حتى لحقوا بقومهم كفارا، فأنزل الله فيهم: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حقٌ وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين (86) أولئك جزاءهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (87) خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون}، ثم تعطف عليهم برحمته فقال: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا}، لأولئك القوم، {فإن الله غفورٌ رحيمٌ}). [الجامع في علوم القرآن: 2/79]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الحسن في قوله تعالى كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم قال هم أهل الكتاب كانوا يجدون محمدا مكتوبا في كتابهم ويستخفون به فكفروا بعد إيمانهم به قال معمر وقال الكلبي هم قوم ارتدوا بعد إيمانهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/125]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا جعفر بن سليمان بن حميد الأعرج عن مجاهد قال جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه فأنزل الله تعالى فيه القرآن كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم إلى إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه قال فقال الحارث والله إنك ما علمت لصدوق وإن رسول الله لأصدق منك وإن الله لأصدق الثلاثة قال فرجع الحارث فحسن إسلامه). [تفسير عبد الرزاق: 1/125]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عزّ وجلّ: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حق وجاءهم البينات} قال: نزلت في رجلٍ من بني عمرو بن عوفٍ كفر بعد إيمانه في الشّام). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 76]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم}
- أخبرنا محمّد بن عبد الله بن بزيعٍ، حدّثنا يزيد وهو ابن زريعٍ، حدّثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " كان رجلٌ من الأنصار أسلم ثمّ ارتدّ ولحق بالشّرك، ثمّ ندم فأرسل إلى قومه: سلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: هل لي من توبةٍ؟ فجاء قومه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: إنّ فلانًا قد ندم، وإنّه قد أمرنا أن نسألك: هل له من توبةٍ؟ فنزلت {كيف يهدي الله قومًا كفروا بعد إيمانهم} [آل عمران: 86] إلى {غفورٌ رحيمٌ} [آل عمران: 89] فأرسل إليه فأسلم "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/46]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقٌّ وجاءهم البيّنات واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (86) أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين (87) خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (88) إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}
اختلف أهل التّأويل فيمن عنى بهذه الآية، وفيمن نزلت، فقال بعضهم: نزلت في الحارث بن سويدٍ الأنصاريّ، وكان مسلمًا، فارتدّ بعد إسلامه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بزيع البصريّ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان رجلٌ من الأنصار أسلم، ثمّ ارتدّ ولحق بالشّرك، ثمّ ندم، فأرسل إلى قومه: أرسلوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هل لي من توبةٍ؟ قال: فنزلت: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم} إلى قوله: {وجاءهم البيّنات واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (86) أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين (87) خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (88) إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} فأرسل إليه قومه، فأسلم.
- حدّثني ابن المثنّى، قال: حدّثني عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، عن عكرمة، بنحوه، ولم يرفعه إلى ابن عبّاسٍ، إلاّ أنّه قال: فكتب إليه قومه، فقال: ما كذبني قومي، فرجع.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا حكيم بن جميعٍ، عن عليّ بن مسهرٍ، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ، قال: ارتدّ رجلٌ من الأنصار، فذكر نحوه.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا جعفر بن سليمان، قال: أخبرنا حميدٌ الأعرج، عن مجاهدٍ، قال: جاء الحارث بن سويدٍ، فأسلم مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ كفر الحارث فرجع إلى قومه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيه القرآن: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم} إلى: {إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} قال: فحملها إليه رجلٌ من قومه، فقرأها عليه، فقال الحارث: إنّك واللّه ما علمت لصدوقٌ، وإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصدق منك، وإنّ اللّه عزّ وجلّ لأصدق الثّلاثة قال: فرجع الحارث فأسلم، فحسن إسلامه.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقٌّ} قال: أنزلت في الحارث بن سويدٍ الأنصاريّ كفر بعد إيمانه، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيه هذه الآيات، إلى: أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون. ثمّ تاب وأسلم، فنسخها اللّه عنه، قال: {إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقٌّ وجاءهم البيّنات} قال رجلٌ من بني عمرو بن عوفٍ كفر بعد إيمانه
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: هو رجلٌ من بني عمرو بن عوفٍ كفر بعد إيمانه
قال ابن جريجٍ: أخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قال: لحق بأرض الرّوم فتنصّر، ثمّ كتب إلى قومه: أرسلوا هل لي من توبةٍ؟ قال: فحسبت أنّه آمن ثمّ رجع
قال ابن جريجٍ: قال عكرمة: نزلت في أبي عامرٍ الرّاهب، والحارث بن سويد بن الصّامت، ووحوح بن الأسلت في اثني عشر رجلاً رجعوا عن الإسلام، ولحقوا بقريشٍ، ثمّ كتبوا إلى أهلهم: هل لنا من توبةٍ؟ فنزلت: {إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك} الآيات.
وقال آخرون: عنى بهذه الآية أهل الكتاب، وفيهم نزلت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ، قوله: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم} فهم أهل الكتاب عرفوا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ كفروا به.
- حدّثنا محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، في قوله: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم} الآية كلّها، قال اليهود والنّصارى.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: كان الحسن يقول في قوله: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم} الآية، هم أهل الكتاب من اليهود والنّصارى رأوا نعت محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في كتابهم، وأقرّوا به، وشهدوا أنّه حقٌّ، فلمّا بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك، فأنكروه وكفروا بعد إقرارهم حسدًا للعرب حين بعث من غيرهم.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن، في قوله: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم} قال: هم أهل الكتاب؛ كانوا يجدون محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم في كتابهم، ويستفتحون به، فكفروا بعد إيمانهم
قال أبو جعفرٍ: وأشبه القولين بظاهر التّنزيل ما قال الحسن، من أنّ هذه الآية معنيّ بها أهل الكتاب على ما قال، غير أنّ الأخبار بالقول الآخر أكثر، والقائلين به أعلم بتأويل القرآن، وجائزٌ أن يكون اللّه عزّ وجلّ أنزل هذه الآيات بسبب القوم الّذين ذكر أنّهم كانوا ارتدّوا عن الإسلام، فجمع قصّتهم وقصّة من كان سبيله سبيلهم في ارتداده عن الإيمان بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم في هذه الآيات، ثمّ عرّف عباده سنّته فيهم، فيكون داخلاً في ذلك كلّ من كان مؤمنًا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم قبل أن يبعث، ثمّ كفر به بعد أن بعث، وكلّ من كان كافرًا ثمّ أسلم على عهده صلّى اللّه عليه وسلّم ثمّ ارتدّ وهو حيّ عن إسلامه، فيكون معنيًّا بالآية جميع هذين الصّنفين وغيرهما ممّن كان بمثل معناهما، بل ذلك كذلك إن شاء اللّه.
فتأويل الآية إذًا: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم} يعني: كيف يرشد اللّه للصّواب، ويوفّق للإيمان قومًا جحدوا نبوّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، بعد إيمانهم: أي بعد تصديقهم إيّاه، وإقرارهم بما جاءهم به من عند ربّه {وشهدوا أنّ الرّسول حقٌّ} يقول: وبعد أن أقرّوا أنّ محمّدًا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى خلقه حقًّا {وجاءهم البيّنات} يعني: وجاءهم الحجج من عند اللّه، والدّلائل بصحّة ذلك. {واللّه لا يهدي القوم الظّالمين} يقول: واللّه لا يوفّق للحقّ والصّواب الجماعة الظّلمة، وهم الّذين بدّلوا الحقّ إلى الباطل، فاختاروا الكفر على الإيمان.
وقد دلّلنا فيما مضى قبل على معنى الظّلم، وأنّه وضع الشّيء في غير موضعه بما أغنى عن إعادته.
{أولئك جزاؤهم} يعني: هؤلاء الّذين كفروا بعد إيمانهم، وبعد أن شهدوا أنّ الرّسول حقٌّ {جزاؤهم} ثوابهم من عملهم الّذي عملوه {أنّ عليهم لعنة اللّه} يعني أن يحلّ بهم من اللّه الإقصاء والبعد، ومن الملائكة والنّاس مّا يسوءهم من العقاب {أجمعين} يعني من جميعهم: لا من بعض من سمّاه جلّ ثناؤه من الملائكة والنّاس، ولكن من جميعهم، وإنّما جعل ذلك جلّ ثناؤه ثواب عملهم؛ لأنّ عملهم كان باللّه كفرًا.
وقد بيّنّا صفة لعنة النّاس الكافر في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته.
{خالدين فيها} يعني: ماكثين فيها، يعني: في عقوبة اللّه {لا يخفّف عنهم العذاب} لا ينقصون من العذاب شيئًا في حالٍ من الأحوال ولا ينفّسون فيه. {ولا هم ينظرون} يعني: ولا هم ينظرون لمعذرةٍ يعتذرون، وذلك كلّه: أعني الخلود في العقوبة في الآخرة. {إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك}
ثمّ استثنى جلّ ثناؤه الّذين تابوا من هؤلاء الّذين كفروا بعد إيمانهم، فقال تعالى ذكره: {إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا} يعني: إلاّ الّذين تابوا من بعد ارتدادهم عن إيمانهم، فراجعوا الإيمان باللّه وبرسوله، وصدّقوا بما جاءهم به نبيّهم صلّى اللّه عليه وسلّم من عند ربّهم {وأصلحوا} يعني: وعملوا الصّالحات من الأعمال {فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} يعني فإنّ اللّه لمن فعل ذلك بعد كفره {غفورٌ} يعني: ساترٌ عليه ذنبه الّذي كان منه من الرّدّة، فتاركٌ عقوبته عليه، وفضيحته به يوم القيامة، غير مؤاخذه به إذا مات على التّوبة منه، {رحيمٌ} متعطّفٌ عليه بالرّحمة). [جامع البيان: 5/557-563]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم
[الوجه الأول]
- حدّثنا جعفر بن النّضر الواسطيّ الضّرير، ثنا عليّ بن عاصمٍ، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ أنّ رجلا من الأنصار ارتدّ عن الإسلام ولحق بالمشركين فأنزل اللّه تعالى: كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم إلى آخر الآية، فبعث فيها قومه إليه فرجع تائبًا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فخلّى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم سبيله.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي الحسين، حدّثني أبي عن جدّي، عن ابن عبّاسٍ قوله: كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم فهم أهل الكتاب عرفوا محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ كفروا به. قال: أبو محمّدٍ: وروي عن الحسن نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/699-700]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (س) ابن عباس - رضي الله عنه - قال: كان رجلٌ من الأنصار أسلم، ثم ارتدّ، ولحق بالشّرك، ثمّ ندم، فأرسل إلى قومه: سلوا لي رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم- هل لي من توبةٍ؟ فنزلت: {كيف يهدي اللّه قوماً كفروا بعد إيمانهم - إلى قوله - غفورٌ رحيمٌ} [آل عمران: 86، 89]. فأرسل إليه فأسلم، أخرجه النسائي). [جامع الأصول: 2/68]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا عمر بن محمّدٍ الهمدانيّ حدّثنا بشر بن معاذ العقدي حدثنا يزيد ابن زريع حدّثنا داود بن أبي هندٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال كان رجلٌ من الأنصار أسلم ثمّ ارتدّ فلحق بالشّرك ثمّ ندم فأرسل إلى قومه أن سلوا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم هل لي من توبة فأنزل الله {كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقٌّ وجاءهم البيّنات} إلى قوله: {إلّا الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ الله غفورٌ رحيمٌ} قال فأرسل إليه قومه فأسلم). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/427]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أحمد بن منيعٍ: ثنا عليٌّ، عن داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ- رضي اللّه عنهما- "أن رجلا من الأنصار ارتدّ عن الإسلام ولحق بالمشركين فأنزل اللّه- عزّ وجلّ- (كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم ... ) إلى آخر الآية، فبعث بها قوماً إليه فرجع تائبًا فقبل النّبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك منه وخلى عنه".
- قال: وثنا عليٌّ، عن خالدٍ الحذّاء، عن عكرمة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه، ولم يذكر ابن عبّاسٍ.
- قلت: رواه النّسائيّ في الكبرى: عن محمّد بن عبد الله بن بزيع عن يزيد - وهو ابن زريع-، عن داود بن أبي هندٍ ... فذكره.
هذا إسنادٌ رواته ثقاتٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/190]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مسدّدٌ: حدثنا جعفرٌ، عن حميدٍ الأعرج، عن مجاهدٍ قال: كان الحارث بن سويدٍ أسلم ثمّ لحق بقومه، وكفر، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقٌّ} إلى آخر الآية.
قال: فحملهنّ إليه رجلٌ من قومه، فقرأهنّ عليه، فقال الحارث: واللّه إنّك ما علمت لصدوقٌ، وإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصدق منك، وإنّ اللّه تعالى لأصدق الثّلاثة، ثمّ رجع فأسلم إسلامًا حسنًا). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 14/553-554]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 86 - 89.
أخرج النسائي، وابن حبان، وابن أبي حاتم والبيهقي في "سننه" من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: كان رجل من الأنصار فأسلم ثم ارتد ولحق بالمشركين ثم ندم فأرسل إلى قومه: أرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة فنزلت {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم} إلى قوله {فإن الله غفور رحيم} فأرسل إليه قومه فأسلم.
وأخرج عبد الرزاق ومسدد في مسنده، وابن جرير، وابن المنذر والباوردي في معروفة الصحابة قال: جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم ثم كفر فرجع إلى قومه فأنزل الله فيه القرآن {كيف يهدي الله قوما كفروا} إلى قوله {رحيم} فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه فقال الحارث: إنك - والله - ما علمت لصدوق وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك وإن الله عز وجل لأصدق الثلاثة، فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن السدي في قوله {كيف يهدي الله قوما} الآية قال: أنزلت في الحارث بن سويد الأنصاري كفر بعد إيمانه، فأنزلت فيه هذه الآيات ثم نزلت {إلا الذين تابوا} الآية، فتاب.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر من وجه آخر عن مجاهد في قوله {كيف يهدي الله قوما} الآية، قال: نزلت في رجل من بني عمرو بن عوف كفر بعد إيمانه فجاء الشام.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر من طريق ابن جريج عن مجاهد في الآية قال: هو رجل من بني عمرو بن عوف كفر بعد إيمانه قال: قال ابن جريج: أخبرني عبد الله بن كثير عن مجاهد قال: لحق بأرض الروم فتنصر ثم كتب إلى قومه: أرسلوا هل لي من توبة فنزلت {إلا الذين تابوا} فآمن ثم رجع، قال ابن جريج: قال عكرمة: نزلت في أبي عامر الراهب والحارث بن سويد بن الصامت ووحوح بن الأسلت في اثني عشر رجلا رجعوا عن الإسلام ولحقوا بقريش، ثم كتبوا إلى أهلهم هل لنا من توبة فنزلت {إلا الذين تابوا من بعد ذلك} الآيات.
وأخرج ابن إسحاق، وابن المنذر عن ابن عباس أن الحارث بن سويد قتل المجدر بن زياد وقيس بن زيد أحد بني ضبيعة يوم أحد ثم لحق بقريش فكان بمكة ثم بعث إلى أخيه الجلاس يطلب التوبة ليرجع إلى قومه، فأنزل الله فيه {كيف يهدي الله قوما} إلى آخر القصة
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي صالح مولى أم هانئ أن الحرث بن سويد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لحق بأهل مكة وشهد أحدا فقاتل المسلمين ثم سقط في يده فرجع إلى مكة فكتب إلى أخيه جلاس بن سويد: يا أخي إني ندمت على ما كان مني فأتوب إلى الله وأرجع إلى الإسلام فاذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن
طمعت لي في توبة فاكتب إلي، فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم} فقال قوم من أصحابه ممن كان عليه يتمنع ثم يراجع الإسلام فأنزل الله (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون)
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم} قال: هم أهل الكتاب عرفوا محمدا ثم كفروا به.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن الحسن في الآية قال: هم أهل الكتاب من اليهود والنصارى رأوا نعت محمد في كتابهم وأقروا به وشهدوا أنه حق، فلما بعث من غيرهم حسدوا العرب على ذلك فأنكروه وكفروا بعد إقرارهم حسدا للعرب حين بعث من غيرهم). [الدر المنثور: 3/653-658]

تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقٌّ وجاءهم البيّنات واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (86) أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين (87) خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (88) إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}
...
{أولئك جزاؤهم} يعني: هؤلاء الّذين كفروا بعد إيمانهم، وبعد أن شهدوا أنّ الرّسول حقٌّ {جزاؤهم} ثوابهم من عملهم الّذي عملوه {أنّ عليهم لعنة اللّه} يعني أن يحلّ بهم من اللّه الإقصاء والبعد، ومن الملائكة والنّاس مّا يسوءهم من العقاب {أجمعين} يعني من جميعهم: لا من بعض من سمّاه جلّ ثناؤه من الملائكة والنّاس، ولكن من جميعهم، وإنّما جعل ذلك جلّ ثناؤه ثواب عملهم؛ لأنّ عملهم كان باللّه كفرًا.
وقد بيّنّا صفة لعنة النّاس الكافر في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته). [جامع البيان: 5/557-563] (م)
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين
[الوجه الأوّل]
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين يعني النّاس أجمعين: المؤمنين
قال أبو جعفرٍ: وحدّثني الرّبيع قال: سمعت أبا العالية يقول: إنّ الكافر يوقف يوم القيامة فيلعنه اللّه، ثمّ تلعنه الملائكة، ثمّ يلعنه النّاس أجمعون. قال أبو محمّدٍ:
وروي عن قتادة نحو قول أبي العالية.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ أمّا: لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين فإنّه لا يتلاعن اثنان مؤمنان ولا كافران فيقول أحدهما: لعن اللّه الظّالم، إلا وجبت تلك اللّعنة على الكافر لأنّه ظالمٌ، فكلّ أحدٍ من الخلق يلعنه). [تفسير القرآن العظيم: 2/699-700]

تفسير قوله تعالى: (خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقٌّ وجاءهم البيّنات واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (86) أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين (87) خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (88) إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}
...
{خالدين فيها} يعني: ماكثين فيها، يعني: في عقوبة اللّه {لا يخفّف عنهم العذاب} لا ينقصون من العذاب شيئًا في حالٍ من الأحوال ولا ينفّسون فيه. {ولا هم ينظرون} يعني: ولا هم ينظرون لمعذرةٍ يعتذرون، وذلك كلّه: أعني الخلود في العقوبة في الآخرة). [جامع البيان: 5/557-563] (م)
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (88) إلّا الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (89)
قوله تعالى: خالدين فيها
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية خالدين فيها يعني في النّار، في اللّعنة لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون قال أبو محمّدٍ: وروي عن الرّبيع نحو ذلك.
قوله تعالى: لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون
- حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية خالدين فيها يعني في النّار في اللّعنة لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون قال: هو كقوله: هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون قال أبو محمّدٍ: وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/700-701]

تفسير قوله تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (أخبرنا أبو صخر عن محمد بن كعب القرظي أن ناسا من أهل مكة اتعدوا ليخرجوا إلى رسول الله حتى إذا اجتمعوا، خرجوا إليه حتى قدموا عليه المدينة فبايعوه وأقروا بالإسلام؛ ثم مكثوا ما شاء الله أن يمكثوا فخرجوا
[الجامع في علوم القرآن: 2/78]
من المدينة فارتدوا عن إيمانهم حتى لحقوا بقومهم كفارا، فأنزل الله فيهم: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حقٌ وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين (86) أولئك جزاءهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (87) خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون}، ثم تعطف عليهم برحمته فقال: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا}، لأولئك القوم، {فإن الله غفورٌ رحيمٌ}). [الجامع في علوم القرآن: 2/79] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقٌّ وجاءهم البيّنات واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (86) أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين (87) خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (88) إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}
...
{إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك}
ثمّ استثنى جلّ ثناؤه الّذين تابوا من هؤلاء الّذين كفروا بعد إيمانهم، فقال تعالى ذكره: {إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا} يعني: إلاّ الّذين تابوا من بعد ارتدادهم عن إيمانهم، فراجعوا الإيمان باللّه وبرسوله، وصدّقوا بما جاءهم به نبيّهم صلّى اللّه عليه وسلّم من عند ربّهم {وأصلحوا} يعني: وعملوا الصّالحات من الأعمال {فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} يعني فإنّ اللّه لمن فعل ذلك بعد كفره {غفورٌ} يعني: ساترٌ عليه ذنبه الّذي كان منه من الرّدّة، فتاركٌ عقوبته عليه، وفضيحته به يوم القيامة، غير مؤاخذه به إذا مات على التّوبة منه، {رحيمٌ} متعطّفٌ عليه بالرّحمة). [جامع البيان: 5/557-563] (م)
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: إلا الّذين تابوا من بعد ذلك
- حدّثني أبي، ثنا محمّد بن الحسن بن المختار، ثنا علي ابن مسهرٍ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: ارتدّ رجلٌ من الأنصار عن الإسلام فندم فأرسل إلى قومه: سلوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هل لي من توبةٍ؟
فسألوه، فأنزل اللّه تعالى: كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم حتّى بلغ إلا الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ فكتبوا بها إليه، فرجع وأسلم.
- حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح، ثنا حجّاج بن محمّدٍ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعثمان بن عطاءٍ عن أبيه عن ابن عبّاسٍ في قوله: كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم إلى قوله: النّاس أجمعين ثمّ استثنى فقال: إلا الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ
قال أبو محمّدٍ: وروي عن مكحولٍ نحو ذلك غير أنّه قال: ثمّ تلافاهم اللّه برحمته فقال: إلا الّذين تابوا
قوله تعالى: وأصلحوا
- أخبرنا محمّد بن عبيد اللّه بن المنادي فيما كتب إليّ، ثنا يونس بن محمّدٍ المؤدّب، ثنا شيبان النّحويّ، عن قتادة وأصلحوا قال أصلحوا ما بينهم وبين اللّه ورسوله.
قوله تعالى: فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن علي بن الحسن ابن شقيقٍ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروف، عن مقاتل ابن حيّان قوله:
فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ يغفر لهم ما كان في شركهم إذا أسلموا). [تفسير القرآن العظيم: 2/700-701]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ثم ازدادوا كفرا قال ازدادوا كفرا حتى إذا حضرهم الموت فلم تقبل توبتهم حين
[تفسير عبد الرزاق: 1/125]
حضرهم الموت
قال معمر وقال مثل ذلك عطاء الخراساني). [تفسير عبد الرزاق: 1/126]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون}
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: عنى اللّه عزّ وجلّ بقوله: {إنّ الّذين كفروا} أي ببعض أنبيائه الّذين بعثوا قبل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بعد إيمانهم {ثمّ ازدادوا كفرًا} بكفرهم بمحمّدٍ {لن تقبل توبتهم} عند حضور الموت وحشرجته بنفسه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن، في قوله: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون} قال: اليهود والنّصارى لن تقبل توبتهم عند الموت.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا} أولئك أعداء اللّه اليهود، كفروا بالإنجيل وبعيسى، ثمّ ازدادوا كفرًا بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم والفرقان.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {ثمّ ازدادوا كفرًا} قال: ازدادوا كفرًا حتّى حضرهم الموت، فلم تقبل توبتهم حين حضرهم الموت قال معمرٌ: وقال مثل ذلك عطاءٌ الخراسانيّ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن قتادة، قوله: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون} وقال: هم اليهود كفروا بالإنجيل، ثمّ ازدادوا كفرًا حين بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنكروه، وكذّبوا به.
وقال آخرون: معنى ذلك أنّ الّذين كفروا من أهل الكتاب بمحمّدٍ بعد إيمانهم بأنبيائهم {ثمّ ازدادوا كفرًا} يعني ذنوبًا {لن تقبل توبتهم} من ذنوبهم، وهم على الكفر مقيمون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عبد الوهّاب، قال: حدّثنا داود، عن رفيعٍ: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا} ازدادوا ذنوبًا وهم كفّارٌ ف {لن تقبل توبتهم} من تلك الذّنوب ما كانوا على كفرهم وضلالتهم.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن داود، قال: سألت أبا العالية، قال: قلت: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم} قال: إنّما هم هؤلاء النّصارى واليهود الّذين كفروا ثمّ ازدادوا كفرًا بذنوبٍ أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ السّكّريّ، قال: أخبرنا ابن أبي عديٍّ، عن داود، قال: سألت أبا العالية عن الّذين آمنوا ثمّ كفروا، فذكر نحوًا منه.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا داود، قال: سألت أبا العالية عن هذه الآية: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون} قال: هم اليهود والنّصارى والمجوس، أصابوا ذنوبًا في كفرهم فأرادوا أن يتوبوا منها، ولن يتوبوا من الكفر، ألا ترى أنّه يقول: {وأولئك هم الضّالّون}.
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن داود، عن أبي العالية، في قوله: {لن تقبل توبتهم} قال: تابوا من بعضٍ، ولم يتوبوا من الأصل.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية، قوله: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا} قال: هم اليهود والنّصارى يصيبون الذّنوب فيقولون نتوب وهم مشركون، قال اللّه عزّ وجلّ: لن تقبل التّوبة في الضّلالة
وقال آخرون: بل معنى ذلك أنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم بأنبيائهم، {ثمّ ازدادوا كفرًا}، يعني بزيادتهم الكفر تمامهم عليه حتّى هلكوا وهم عليه مقيمون، لن تقبل توبتهم: لن تنفعهم توبتهم الأولى، وإيمانهم لكفرهم الآخر وموتهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهد، قوله: {ثمّ ازدادوا كفرًا} قال: تمّوا على كفرهم قال ابن جريجٍ: {لن تقبل توبتهم} يقول: إيمانهم أوّل مرّةٍ لن ينفعهم.
وقال آخرون: معنى قوله: {ثمّ ازدادوا كفرًا} ماتوا كفّارًا، فكان ذلك هو زيادتهم من كفرهم. وقالوا: معنى {لن تقبل توبتهم} لن تقبل توبتهم عند موتهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون} أمّا {ازدادوا كفرًا}: فماتوا وهم كفّارٌ، وأمّا: {لن تقبل توبتهم}: فعند موته إذا تاب لم تقبل توبته
قال أبو جعفرٍ: وأولى هذه الأقوال بالصّواب في تأويل هذه الآية قول من قال: عنى بها اليهود، وأن يكون تأويله أنّ الّذين كفروا من اليهود بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم عند مبعثه بعد إيمانهم به قبل مبعثه، ثمّ ازدادوا كفرًا بما أصابوا من الذّنوب في كفرهم ومقامهم على ضلالتهم، لن تقبل توبتهم من ذنوبهم الّتي أصابوها في كفرهم، حتّى يتوبوا من كفرهم بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ويراجعوا التّوبة منه بتصديق ما جاء به من عند اللّه.
وإنّما قلنا ذلك أولى الأقوال في هذه الآية بالصّواب؛ لأنّ الآيات قبلها وبعدها فيهم نزلت، فأولى أن تكون هي في معنى ما قبلها وبعدها إذ كانت في سياقٍ واحدٍ.
وإنّما قلنا: معنى ازديادهم الكفر ما أصابوا في كفرهم من المعاصي؛ لأنّه جلّ ثناؤه قال: {لن تقبل توبتهم} فكان معلومًا أنّ معنى قوله: {لن تقبل توبتهم} إنّما هو معنيّ به: لن تقبل توبتهم ممّا ازدادوا من الكفر على كفرهم بعد إيمانهم، لا من كفرهم؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره وعد أن يقبل التّوبة من عباده، فقال: {وهو الّذي يقبل التّوبة عن عباده} [الشورى] فمحالٌ أن يقول عزّ وجلّ أقبل، ولا أقبل في شيءٍ واحدٍ، وإذ كان ذلك كذلك، وكان من حكم اللّه في عباده أنّه قابلٌ توبة كلّ تائبٍ من كلّ ذنبٍ، وكان الكفر بعد الإيمان أحد تلك الذّنوب الّتي وعد قبول التّوبة منها بقوله: {إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} علم أنّ المعنى الّذي لا تقبل التّوبة منه، غير المعنى الّذي تقبل التّوبة منه، وإذ كان ذلك كذلك، فالّذي لا تقبل منه التّوبة هو الازدياد على الكفر بعد الكفر، لا يقبل اللّه توبة صاحبه ما أقام على كفره؛ لأنّ اللّه لا يقبل من مشركٍ عملاً ما أقام على شركه وضلاله، فأمّا إن تاب من شركه وكفره وأصلح، فإنّ اللّه كما وصف به نفسه غفورٌ رحيمٌ.
فإن قال قائلٌ: وما ينكر أن يكون معنى ذلك، كما قال من قال: فلن تقبل توبتهم من كفرهم عند حضور أجله، وتوبته الأولى؟
قيل: أنكرنا ذلك؛ لأنّ التّوبة من العبد غير كائنةٍ إلاّ في حال حياته، فأمّا بعد مماته فلا توبة، وقد وعد اللّه عزّ وجلّ عباده قبول التّوبة منهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، ولا خلاف بين جميع الحجّة في أنّ كافرًا لو أسلم قبل خروج نفسه بطرفة عينٍ أنّ حكمه حكم المسلمين في الصّلاة عليه والموارثة، وسائر الأحكام غيرهما، فكان معلومًا بذلك أن توبته في تلك الحال لو كانت غير مقبولةٍ، لم ينتقل حكمه من حكم الكفّار إلى حكم أهل الإسلام، ولا منزلة بين الموت والحياة يجوز أن يقال لا يقبل اللّه فيها توبة الكافر، فإذا صحّ أنّها في حال حياته مقبولةٌ، ولا سبيل بعد الممات إليها، بطل قول الّذي زعم أنّها غير مقبولةٍ عند حضور الأجل.
وأمّا قول من زعم أنّ معنى ذلك التّوبة الّتي كانت قبل الكفر فقولٌ لا معنى له؛ لأنّ اللّه عزّ وجلّ لم يصف القوم بإيمانٍ كان منهم بعد كفرٍ، ثمّ كفرٍ بعد إيمانٍ، بل إنّما وصفهم بكفرٍ بعد إيمانٍ، فلم يتقدّم ذلك الإيمان كفرٌ كان للإيمان لهم توبةٌ منه، فيكون تأويل ذلك على ما تأوّله قائل ذلك، وتأويل القرآن على ما كان موجودًا في ظاهر التّلاوة إذا لم تكن حجّةٌ تدلّ على باطنٍ خاصٍّ أولى من غيره وإن أمكن توجيهه إلى غيره.
وأمّا قوله: {وأولئك هم الضّالّون} فإنّه يعني بذلك: وهؤلاء الّذين كفروا بعد إيمانهم، ثمّ ازدادوا كفرًا، هم الّذين ضلّوا سبيل الحقّ، فأخطئوا منهجه، وتركوا نصف السّبيل وهدى اللّه الدّين، حيرةً منهم وعمًى عنه.
وقد بيّنّا فيما مضى معنى الضّلال بما فيه الكفاية). [جامع البيان: 5/563-569]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون (90)
قوله تعالى: إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو خالدٍ، ثنا داود، عن أبي العالية قوله:
ثمّ ازدادوا كفرًا قال: هم اليهود والنّصارى أذنبوا في شركهم، ثم تابوا لم يقبل منهم ولو تابوا من الشّرك قبل منهم.
[الوجه الثّاني]
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا أمّا ازدادوا كفرًا ف ماتوا وهم كفّارٌ. قال أبو محمّدٍ: وروي عن مجاهدٍ نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- أخبرنا موسى بن هارون فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المرّوذيّ ثنا شيبان، عن قتادة إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا قال: هم اليهود كفروا بالإنجيل، ثمّ ازدادوا كفرًا حين بعث اللّه محمّدًا، فأنكروه وكذّبوه.
- حدّثني أبي، ثنا عبد العزيز بن المغيرة، أنبأ يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: ثم ازدادوا كفرا بالفرقان ومحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم.
قوله تعالى: لن تقبل توبتهم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ الأنصاريّ، ثنا أبو عاصم، عن سفيان، عن داود يعني أبي هند، عن أبي العالية لن تقبل توبتهم فقال: تابوا من بعضٍ ولم يتوبوا من الأصل.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ، عن قتادة قوله: ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم قال: ازدادوا كفرًا حين حضرهم الموت ف لن تقبل توبتهم حين حضرهم الموت. قال معمرٌ: وقال عطاءٌ مثل ذلك. قال أبو محمّدٍ: وروي عن الحسن مثل ذلك.
قوله تعالى: وأولئك هم الضّالّون
- حدّثنا عليّ بن الحسن، ثنا مسدّدٌ، ثنا يزيد بن زريعٍ، عن داود، عن أبي العالية لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون قال: لو كانوا على الهدى قبلت توبتهم ولكنّهم على ضلالٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/701-702]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 90.
أخرج البزار عن ابن عباس أن قوما أسلموا ثم ارتدوا ثم أسلموا ثم ارتدوا، فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا} الآية، هذا خطأ من البزار.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في الآية قال: اليهود والنصارى لن تقبل توبتهم عند الموت.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: هم اليهود كفروا بالإنجيل وعيسى ثم ازدادوا كفرا بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في الآية قال: إنها نزلت في اليهود والنصارى كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا بذنوب أذنبوها ثم ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب في كفرهم ولو كانوا على الهدى قبلت توبتهم ولكنهم على ضلالة.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله {لن تقبل توبتهم} قال: تابوا من الذنوب ولم يتوبوا من الأصل.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {ثم ازدادوا كفرا} قال: تموا على كفرهم.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {ثم ازدادوا كفرا} قال: ماتوا وهم كفار {لن تقبل توبتهم} قال: إذا تاب عند موته لم تقبل توبته). [الدر المنثور: 3/658-659]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 02:40 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي


تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {كيف يهدي اللّه قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقّ وجاءهم البيّنات واللّه لا يهدي القوم الظّالمين}
يقال إنها نزلت في قوم ارتدوا ثم أرادوا الرجوع إلى الإسلام ونيّتهم الكفر.
فأعلم اللّه أنّه لا جهة لهدايتهم لأنهم قد استحقوا أن يضلوا بكفرهم، لأنهم قد كفروا بعد البينات التي هي دليل على صحة أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقيل إنها نزلت في اليهود لأنهم كفروا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن كانوا - قبل مبعثه - مؤمنين.

وكانوا يشهدون بالنبوة له فلما بعث عليه السلام - وجاءهم بالآيات المعجزات وأنبأهم بما في كتبهم مما لا يقدرون على دفعه، وهو - أمّيّ - كفروا به بغيا وحسدا، فأعلم اللّه أن جزاءهم اللعنة، فقال: {أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}). [معاني القرآن: 1/439-440]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم}
روى داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس أن رجل من الأنصار ارتد.
قال مجاهد: هو الحارث بن سويد بن الصامت الأنصاري فلحق أهل الشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه أن سلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة فأنزل الله عز وجل: {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم} إلى قوله: {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}.
قال ابن عباس: فأسلم.
وقال الحسن: نزلت في اليهود لأنهم كانوا يبشرون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويستفتحون على الذين كفروا فلما بعث عاندوا وكفروا). [معاني القرآن: 1/433-434]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين}
ومعنى لعن الناس {أجمعين}: لهم أن بعضهم يوم القيامة يلعن بعضا ومن خالفهم يلعنهم، وتأويل لعنة اللّه لهم: تبعيده إياهم من رحمته وثنائه عليهم بكفرهم). [معاني القرآن: 1/440]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (قال الله عز وجل: {أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين}
فإن قيل فهل يلعنهم أهل دينهم؟ ففي هذا أجوبة
أحدهما: أن بعضهم يلعن بعضا يوم القيامة.
وجواب آخر: وهو أنه يعني بالناس المسلمين.
وقيل: وهو أحسنها إن الناس جميعا يلعنونهم لأنهم يقولون لعن الله الظالمين كما قال تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين}
ثم قال تعالى: {خالدين فيها أي في اللعنة والمعنى في عذاب اللعنة}). [معاني القرآن: 1/434-435]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون}
ومعنى {خالدين فيها أبدا}أي: فيما توجبه اللعنة أي في عذاب اللعنة {لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون} أي: لا يؤخرون عن الوقت). [معاني القرآن: 1/440]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إلّا الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفور رحيم}أي: أظهروا أنهم كانوا على ضلال وأصلحوا ما كانوا أفسدوه وغرّوا به من اتبعهم ممن لا علم عنده {فإنّ اللّه غفور رحيم} أعلم اللّه عزّ وجلّ أن من سعة رحمته وتفضله أن يغفو لمن اجترأ عليه هذا الاجتراء لأن هذا ما لا غاية بعده، وهو أنه كفر بعد تبين الحق). [معاني القرآن: 1/440]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون}
يقال في التفسير: أن هؤلاء هم النفر الذين ارتدوا بعد إسلامهم ثم أظهروا أنهم يريدون الرجوع إلى الإسلام، فأظهر اللّه أمرهم لأنهم كانوا يظهرون أنهم يرجعون إلى الإسلام وعندهم الكفر - والدليل على ذلك - قوله - عزّ وجلّ: {وأولئك هم الضّالّون} لأنهم لو حققوا في التوبة لكانوا غير معتدين، ويدل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين} لأن الكافر الذي يعتقد الكفر ويظهر الإيمان عند اللّه كمظهر الكفر لأن الإيمان هو التصديق والتصديق لا يكون إلا بالنية). [معاني القرآن: 1/440-441]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم}
قال أبو العالية: هؤلاء قوم أظهروا التوبة ولم يحققوا.
وقال غيره: نزلت قي قوم ارتدوا ولحقوا بالمشركين ثم قالوا سنرجع ونسلم.
فالمعنى: أنهم أظهروا التوبة أيضا وأضمروا خلاف ذلك والدليل على ذلك قوله عز وجل: {وأولئك هم الضالون} ولو حققوا التوبة لما قيل لهم ضالون.
ويجوز في اللغة أن يكون المعنى: لن تقبل توبتهم فيما تابوا منه من الذنوب وهم مقيمون على الكفر هذا يروي عن أبي العالية.
ويجوز أن يكون المعنى: لن تقبل توبتهم إذا تابوا إلى الكفر آخر وإنما تقبل توبتهم إذا تابوا إلى الإسلام). [معاني القرآن: 1/435-436]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 08:48 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) }
[لا يوجد]
تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) }

[لا يوجد]
تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) }
[لا يوجد]
تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) }
[لا يوجد]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) }
[لا يوجد]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 12:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 12:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 12:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 12:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: كيف يهدي اللّه قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقٌّ وجاءهم البيّنات واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (86) أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين (87) خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (88) إلاّ الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (89)
قال ابن عباس رضي الله عنهما: نزلت هذه الآيات من قوله: كيف يهدي اللّه نزلت في الحارث بن سويد الأنصاري، كان مسلما ثم ارتد ولحق بالشرك، ثم ندم فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل لي من توبة؟
قال: فنزلت كيف يهدي اللّه الآيات، إلى قوله إلّا الّذين تابوا فأرسل إليه قومه فأسلم، وقال مجاهد: حمل الآيات إليه رجل من قومه فقرأها عليه، فقال له الحارث: إنك والله لما علمت لصدوق، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصدق منك، وإن الله لأصدق الثلاثة، قال: فرجع الحارث فأسلم وحسن إسلامه، وقال السدي: نسخ الله تعالى، بقوله: إلّا الّذين تابوا قوله أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه.
قال الفقيه أبو محمد: وفي هذه العبارة تجوز كثير، وليس هذا بموضع نسخ، وقال عكرمة: نزلت هذه الآية في أبي عامر الراهب والحارث بن سويد بن الصامت ووحوح بن الأسلت في اثني عشر رجلا، رجعوا عن الإسلام ولحقوا بقريش ثم كتبوا إلى أهليهم هل لنا من توبة؟ فنزلت هذه الآيات وقال ابن عباس أيضا والحسن بن أبي الحسن: إن هذه الآيات نزلت في اليهود والنصارى، شهدوا بنعت الرسول صلى الله عليه وسلم وآمنوا به، فلما جاء من العرب حسدوه، وكفروا به ورجح الطبري هذا القول، وقال النقاش: نزلت هذه الآيات في طعيمة بن أبيرق.
وقال الفقيه القاضي: وكل من ذكر فألفاظ الآية تعممه.
وقوله تعالى: كيف سؤال عن حال لكنه سؤال توقيف على جهة الاستبعاد للأمر كما قال عليه السلام: كيف تفلح أمة أدمت وجه نبيها؟ فالمعنى أنهم لشدة هذه الجرائم يبعد أن يهديهم الله تعالى، وقوله تعالى: وشهدوا عطف على كفروا بحكم اللفظ، والمعنى مفهوم أن الشهادة قبل الكفر، والواو لا ترتب، وقال قوم: معنى قوله بعد إيمانهم بعد أن آمنوا، فقوله وشهدوا عطف على هذا التقدير، وقوله تعالى واللّه لا يهدي القوم الظّالمين عموم معناه الخصوص فيمن حتم كفره وموافاته عليه، ويحتمل أن يريد الإخبار عن أن الظالم في ظلمه ليس على هدى من الله، فتجيء الآية عامة تامة العموم). [المحرر الوجيز: 2/276-278]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و «اللعنة» الإبعاد وعدم الرحمة والعطف، وذلك مع قرينة الكفر زعيم بتخليدهم في النار، ولعنة الملائكة قول، والنّاس: بنو آدم، ويظهر من كلام أبي علي الفارسي في بعض تعاليقه، أن الجن يدخلون في لفظة الناس، وأنشد على ذلك: [الوافر]
فقلت إلى الطّعام فقال منهم = أناس يحسد الأنس الطّعاما
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: والذي يظهر، أن لفظة النّاس إذا جاءت مطلقة، فإنما هي في كلام العرب بنو آدم لا غير، فإذا جاءت مقيدة بالجن، فذلك على طريقة الاستعارة، إذ هي جماعة كجماعة، وكذلك برجالٍ من الجنّ [الجن: 6] وكذلك نفرٌ من الجنّ [الجن: 1]، ولفظة النفر أقرب إلى الاشتراك من رجال وناس، وقوله تعالى: من الجنّة والنّاس [الناس: 6] قاض بتباين الصنفين، وقوله تعالى: والنّاس أجمعين إما يكون لمعنى الخصوص في المؤمنين ويلعن بعضهم بعضا، فيجيء من هذا في كل شخص منهم أن لعنة جميع الناس، وإما أن يريد أن هذه اللعنة تقع في الدنيا من جميع الناس على من هذه صفته، وكل من هذه صفته- وقد أغواه الشيطان- يلعن صاحب الصفات ولا يشعر من نفسه أنه متصف بها، فيجيء من هذا أنهم يلعنهم جميع الناس في الدنيا حتى أنهم ليلعنون أنفسهم، لكن على غير تعيين). [المحرر الوجيز: 2/278-279]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والضمير في قوله، خالدين فيها قال الطبري: يعود على عقوبة الله التي يتضمنها معنى اللعنة، وقال قوم من المفسرين: الضمير عائد على اللعنة.
قال الفقيه الإمام أبو محمد: وقرائن الآية تقتضي أن هذه اللعنة مخلدة لهم في جهنم، فالضمير عائد على النار، وإن كان لم يجر لها ذكر، لأن المعنى يفهمها في هذا الموضع كما يفهم قوله تعالى: كلّ من عليها فانٍ [الرحمن: 26] أنها الأرض، وقد قال بعض الخراسانيين في قوله تعالى: إنّما أنت منذر من يخشاها [النازعات: 45] إن الضمير عائد على النار وينظرون في هذه الآية، بمعنى يؤخرون، ولا راحة إلا في التخفيف أو التأخير فهما مرتفعان عنهم، ولا يجوز أن يكون ينظرون هنا من نظر العين إلا على توجيه غير فصيح لا يليق بكتاب الله تعالى). [المحرر الوجيز: 2/279]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله جل وعز إلّا الّذين تابوا استثناء متصل يبين ذلك قوله تعالى: من بعد ذلك التوبة: الرجوع، والإصلاح عام في القول والعمل، وقوله تعالى: فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ وعد، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: «والناس أجمعون»). [المحرر الوجيز: 2/279]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون (90) إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذابٌ أليمٌ وما لهم من ناصرين (91)
اختلف المتأولون في كيف يترتب كفر بعد إيمان، ثم زيادة كفر، فقال الحسن وقتادة وغيرهما: الآية في اليهود كفروا بعيسى بعد الإيمان بموسى ثم ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم.
قال الإمام أبو محمد: وفي هذا القول اضطراب، لأن الذي كفر بعيسى بعد الإيمان بموسى ليس بالذي كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فالآية على هذا التأويل تخلط الأسلاف بالمخاطبين، وقال أبو العالية رفيع: الآية في اليهود، كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بصفاته وإقرارهم أنها في التوراة، ثم ازدادوا كفرا بالذنوب التي أصابوها في خلاف النبي صلى الله عليه وسلم، من الافتراء والبهت والسعي على الإسلام وغير ذلك.
قال الإمام أبو محمد: وعلى هذا الترتيب يدخل في الآية المرتدون اللاحقون بقريش وغيرهم، وقال مجاهد: معنى قوله ثمّ ازدادوا كفراً أي تموا على كفرهم وبلغوا الموت به، فيدخل في هذا القول اليهود والمرتدون، وقال السدي نحوه، ثم أخبر تعالى أن توبة هؤلاء لن تقبل، وقد قررت الشريعة أن توبة كل كافر تقبل، سواء كفر بعد إيمان وازداد كفرا، أو كان كافرا من أول أمره، فلا بد في هذه الآية من تخصيص تحمل عليه ويصح به نفي قبول التوبة فقال الحسن وقتادة ومجاهد والسدي: نفي قبول توبتهم مختص بوقت الحشرجة والغرغرة والمعاينة، فالمعنى لن تقبل توبتهم عند المعاينة، وقال أبو العالية: معنى الآية: لن تقبل توبتهم من تلك الذنوب التي أصابوها مع إقامتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا يقولون في بعض الأحيان: نحن نتوب من هذه الأفعال، وهم مقيمون على كفرهم، فأخبر الله تعالى، أنه لا يقبل تلك التوبة.
قال الفقيه الإمام: وتحتمل الآية عندي أن تكون إشارة إلى قوم بأعيانهم من المرتدين ختم الله عليهم بالكفر، وجعل ذلك جزاء لجريمتهم ونكايتهم في الدين، وهم الذين أشار إليهم بقوله كيف يهدي اللّه قوماً [آل عمران: 86] فأخبر عنهم أنهم لا تكون لهم توبة فيتصور قبولها، فتجيء الآية بمنزلة قول الشاعر:
(على لا حب لا يهتدى بمناره) = ... ... ... ...
أي قد جعلهم الله من سخطه في حيز من لا تقبل له توبة إذ ليست لهم، فهم لا محالة يموتون على الكفر، ولذلك بيّن حكم الذين يموتون كفارا بعقب الآية، فبانت منزلة هؤلاء، فكأنه أخبر عن هؤلاء المعينين، أنهم يموتون كفارا، ثم أخبر الناس عن حكم من يموت كافرا والضّالّون المخطئون الطريق القويم في الأقوال والأفعال، وقرأ عكرمة: «لن نقبل» بنون العظمة «توبتهم» بنصب التاء). [المحرر الوجيز: 2/280-281]

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 12:21 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 12:22 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقٌّ وجاءهم البيّنات واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (86) أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين (87) خالدين فيها لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون (88) إلا الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ (89)}
قال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ البصريّ، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا داود بن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كان رجلٌ من الأنصار أسلم ثمّ ارتد ولحق بالشرك، ثمّ ندم، فأرسل إلى قومه: أن سلوا لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هل لي من توبةٍ؟ قال: فنزلت: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم} إلى قوله: {[إلا الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا] فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}.
وهكذا رواه النّسائيّ، وابن حبّان، والحاكم، من طريق داود بن أبي هندٍ، به. وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرّجاه.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا جعفر بن سليمان، حدّثنا حميد الأعرج، عن مجاهدٍ قال: جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ كفر الحارث فرجع إلى قومه فأنزل اللّه فيه: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم} إلى قوله: {[إلا الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه] غفورٌ رحيمٌ} قال: فحملها إليه رجلٌ من قومه فقرأها عليه. فقال الحارث: إنّك واللّه ما علمت لصدوقٌ، وإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصدق منك، وإنّ اللّه لأصدق الثّلاثة. قال: فرجع الحارث فأسلم فحسن إسلامه.
فقوله تعالى: {كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقٌّ وجاءهم البيّنات} أي: قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول، ووضح لهم الأمر، ثمّ ارتدّوا إلى ظلمة الشّرك، فكيف يستحقّ هؤلاء الهداية بعد ما تلبّسوا به من العماية؛ ولهذا قال: {واللّه لا يهدي القوم الظّالمين} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/70-71]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين} أي: يلعنهم اللّه ويلعنهم خلقه). [تفسير القرآن العظيم: 2/71]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {خالدين فيها} أي: في اللّعنة {لا يخفّف عنهم العذاب ولا هم ينظرون} أي: لا يفتّر عنهم العذاب ولا يخفّف عنهم ساعةً واحدةً). [تفسير القرآن العظيم: 2/71]

تفسير قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {إلا الّذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} وهذا من لطفه وبرّه ورأفته ورحمته وعائدته على خلقه: أنّه من تاب إليه تاب عليه). [تفسير القرآن العظيم: 2/71]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون (90) إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبًا ولو افتدى به أولئك لهم عذابٌ أليمٌ وما لهم من ناصرين (91)}
يقول تعالى متوعّدًا ومتهدّدًا لمن كفر بعد إيمانه ثمّ ازداد كفرًا، أي: استمرّ عليه إلى الممات، ومخبرًا بأنّه لا يقبل لهم توبةً عند مماتهم، كما قال [تعالى] {وليست التّوبة للّذين يعملون السّيّئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت [قال إنّي تبت الآن ولا الّذين يموتون وهم كفّارٌ أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا]} [النساء:18].
ولهذا قال هاهنا: {لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضّالّون} أي: الخارجون عن المنهج الحقّ إلى طريق الغيّ.
قال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن بزيع، حدّثنا يزيد بن زريع، حدّثنا ابن أبي هندٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ قومًا أسلموا ثمّ ارتدّوا، ثمّ أسلموا ثمّ ارتدّوا، فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم} هكذا رواه، وإسناده جيّدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/71-72]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:22 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة