جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: (قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل آمنّا باللّه وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: أفغير دين اللّه تبغون يا معشر اليهود، وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا، وإليه ترجعون، فإن ابتغوا غير دين اللّه يا محمّد، فقل لهم: آمنّا باللّه، فترك ذكر قوله: فإن قالوا: نعم، وذكر قوله: فإن ابتغوا غير دين اللّه لدلالة ما ظهر من الكلام عليه.
وقوله: {قل آمنّا باللّه} يعني به: قل لهم يا محمّد: صدّقنا باللّه أنّه ربّنا وإلهنا، لا إله غيره، ولا نعبد أحدًا سواه؛ {وما أنزل علينا} يقول: وقل: وصدّقنا أيضًا بما أنزل علينا من وحيه وتنزيله، فأقررنا به {وما أنزل على إبراهيم} يقول: وصدّقنا أيضًا بما أنزل على إبراهيم خليل اللّه وعلى ابنيه {إسماعيل وإسحاق} وابن ابنه {ويعقوب} وبما أنزل على الأسباط، وهم ولد يعقوب الاثنا عشر، وقد بيّنّا أسماءهم بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع {وما أوتي موسى وعيسى} يقول: وصدّقنا أيضًا مع ذلك بالّذي أنزل اللّه على موسى وعيسى من الكتب والوحي، وبما أنزل على النّبيّين من عنده.
والّذي آتى اللّه موسى وعيسى، ممّا أمر اللّه عزّ وجلّ محمّدًا بتصديقهما فيه والإيمان به التّوراة الّتي آتاها موسى، والإنجيل الّذي أتاه عيسى.
{لا نفرّق بين أحدٍ منهم} يقول: لا نصدّق بعضهم ونكذّب بعضهم، ولا نؤمن ببعضهم ونكفر ببعضهم، كما كفرت اليهود والنّصارى ببعض أنبياء اللّه، وصدّقت بعضًا، ولكنّا نؤمن بجميعهم، ونصدّقهم.
{ونحن له مسلمون} يعني: ونحن ندين للّه بالإسلام، لا ندين غيره، بل نتبرّأ إليه من كلّ دينٍ سواه، ومن كلّ ملّةٍ غيره.
ويعني بقوله: {ونحن له مسلمون} ونحن له منقادون بالطّاعة، متذلّلون بالعبوديّة، مقرّون له بالألوهة والرّبوبيّة، وأنّه لا إله غيره.
وقد ذكرنا الرّواية بمعنى ما قلنا في ذلك فيما مضى وكرهنا إعادته). [جامع البيان: 5/553-555]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل آمنّا باللّه وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنّبيّون من ربّهم لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون (84)
قوله تعالى: قل آمنّا باللّه وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن عطاء بن يسارٍ قال: كان اليهود يجيئون إلى أصحاب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فيحدّثونهم فيسبّحون، فذكروا ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: لا تصدّقوهم ولا تكذّبوهم وقولوا آمنّا باللّه.
قوله تعالى والأسباط
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم، ثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع عن أبي العالية قال: الأسباط: هو يوسف وإخوته بنوا يعقوب اثنا عشر رجلا، ولد كلّ رجلٍ منهم أمّةً من النّاس فسمّوا الأسباط. قال أبو محمّدٍ وروي عن قتادة، والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا عمرو بن حمّاد بن طلحة، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قال: وأمّا الأسباط فهم بنو يعقوب: يوسف، وبنيامين وروبيل، ويهوذا وشمعون، ولاوي، ودانٌ وقهاثٌ.
قوله تعالى: وما أوتي موسى وعيسى والنّبيّون من ربّهم
- حدّثنا محمّد بن أبي محمّدٍ الصّوريّ، ثنا مؤمّل بن إسماعيل، ثنا عبد اللّه بن أبي حميدٍ، عن أبي المليح، عن معقل بن يسارٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: آمنوا بالتّوراة والزّبور والإنجيل وليسعكم القرآن.
- أخبرنا محمّد بن عبيد اللّه بن المنادي فيما كتب إليّ، ثنا يونس بن محمّدٍ المؤدّب، ثنا شيبان النّحويّ، عن قتادة وما أوتي موسى وعيسى قال أمر اللّه المؤمنين أن يؤمنوا به، ويصدّقوا بكتبه كلّها وبرسله.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عبّاسٌ الخلال، ثنا مروان بن محمّدٍ، ثنا كلثوم بن زيادٍ، قال: سمعت سليمان بن حبيبٍ المحاربيّ يقول: إنّما أمرنا أن نؤمن بالتّوراة ولا نعمل بما فيها.
قوله تعالى: لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: لا نفرّق بين أحدٍ منهم ونحن له مسلمون قال: أمر اللّه المؤمنين أن لا يفرّقوا بين أحدٍ منهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/697-698]
تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: (عن سفيان)، عن ابن أبي نجيح، عن عكرمة قال: لمّا نزلت: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه}، قالت اليهود: فنحن مسلمون، فقال اللّه عزّ وجلّ: فاخصمهم بحجّتهم، وقل: ((إنّ اللّه فرض على المسلمين حجّ البيت، من استطاع إليه سبيلًا، ومن كفر من أهل الملل، فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين)) ). [سنن سعيد بن منصور: 3/1063]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ومن يطلب دينًا غير دين الإسلام ليدين به، فلن يقبل اللّه منه {وهو في الآخرة من الخاسرين}، يقول: من الباخسين أنفسهم حظوظها من رحمة اللّه عزّ وجلّ،
وذكر أنّ أهل كلّ ملّةٍ ادّعوا أنّهم هم المسلمون لمّا نزلت هذه الآية، فأمرهم اللّه بالحجّ إن كانوا صادقين؛ لأنّ من سنّة الإسلام الحجّ، فامتنعوا، فأدحض اللّه بذلك حجّتهم.
ذكر الخبر بذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، قال: زعم عكرمة: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا} فقالت الملل: نحن المسلمون، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين} فحجّ المسلمون، وقعد الكفّار.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا القعنبيّ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عكرمة، قال: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه} قالت اليهود: فنحن مسلمون، فأنزل اللّه عزّ وجلّ لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحجّهم أنّ {للّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن عكرمة، قال: لمّا نزلت: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا} إلى آخر الآية قالت اليهود: فنحن مسلمون، قال اللّه عزّ وجلّ لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهم: إنّ للّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر من أهل الملل فإنّ اللّه غنيّ عن العالمين}
وقال آخرون في هذه الآية بما:
- حدّثنا به المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين من آمن باللّه واليوم الآخر} إلى قوله: {ولا هم يحزنون} فأنزل اللّه عزّ وجلّ بعد هذا {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه} ). [جامع البيان: 5/555-556]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين (85) كيف يهدي اللّه قومًا كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أنّ الرّسول حقٌّ وجاءهم البيّنات واللّه لا يهدي القوم الظّالمين (86) أولئك جزاؤهم أنّ عليهم لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين (87)
قوله تعالى: ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ قال:
قال عكرمة قوله: ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فقالت الملل: نحن مسلمون، فأنزل اللّه تعالى وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا فحجّ المسلمون وقعد الكفّار). [تفسير القرآن العظيم: 2/699-700]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ومن يبتغ غير الإسلام دينا قال لما نزلت هذه الآية قال أهل الملل كلهم نحن مسلمون فأنزل الله ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا
[تفسير مجاهد: 130]
يعني على الناس فحجه المسلمون وتركه المشركون قال سمعت مجاهدا يقول كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء ففعل ثم دعاها عمر فأعتقها ثم تلا لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قال مجاهد وهي مثل قوله ويطعمون الطعام على حبه مسكينا إلى آخر الآية ومثل قوله ويؤثرون على أنفسهم). [تفسير مجاهد: 131]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 85.
أخرج أحمد والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تجيء الأعمال يوم القيامة فتجيء الصلاة فتقول: يا رب أنا الصلاة فيقول: إنك على خير وتجيء الصدقة فتقول: يا رب أنا الصدقة فيقول: إنك على خير ثم يجيء الصيام فيقول: أنا الصيام فيقول إنك على خير ثم تجيء الأعمال كل ذلك يقول الله: إنك على خير ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب أنت السلام وأنا الإسلام فيقول الله: إنك على خير، بك اليوم آخذ وبك أعطي، قال الله في كتابه {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}). [الدر المنثور: 3/653]