العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 08:52 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (72) إلى الآية (74) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (72) إلى الآية (74) ]

{ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:05 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة والكلبي في قوله تعالى آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره قالا قال بعضهم ببغض أعطوهم الرضى بدينهم أول النهار واكفروا آخره فإنه أجدر أن يصدقوكم ويعلموا أن قد رأيتم فيهم ما تكرهون وهو أجدر أن يرجعوا عن دينهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/123]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا (خالد) بن عبد اللّه، عن حصين، عن أبي مالكٍ - في قوله عزّ وجلّ: {آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره} -، قال: قالت اليهود: آمنوا معهم بما يقولون أوّل النّهار، وارتدّوا آخره لعلهم يرجعون معكم). [سنن سعيد بن منصور: 3/1052]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون}
اختلف أهل التّأويل في صفة المعنى الّذي أمرت به هذه الطّائفة من أمرت به من الإيمان وجه النّهار، والكفر آخره، فقال بعضهم: كان ذلك أمرًا منهم إيّاهم بتصديق النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في نبوّته، وما جاء به من عند اللّه وأنّه حقٌّ في الظّاهر من غير تصديقه في ذلك بالعزم واعتقاد القلوب على ذلك، وبالكفر به وجحود ذلك كلّه في آخره.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره} فقال بعضهم لبعضٍ: أعطوهم الرّضا بدينهم أوّل النّهار، واكفروا آخره، فإنّه أجدر أن يصدّقوكم ويعلموا أنّكم قد رأيتم فيهم ما تكرهون، وهو أجدر أن يرجعوا عن دينهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا معلّى بن أسدٍ، قال: حدّثنا خالدٌ، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ، في قوله: {آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره} قال: قالت اليهود: آمنوا معهم أوّل النّهار واكفروا آخره، لعلّهم يرجعون معكم.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون} كان أحبارٌ قرًى عربيّةٍ اثني عشر حبرًا، فقالوا لبعضهم: ادخلوا في دين محمّدٍ أوّل النّهار، وقولوا نشهد أنّ محمّدًا حقٌّ صادقٌ، فإذا كان آخر النّهار فاكفروا وقولوا: إنّا رجعنا إلى علمائنا وأحبارنا فسألناهم، فحدّثونا أنّ محمّدًا كاذبٌ، وأنّكم لستم على شيءٍ، وقد رجعنا إلى ديننا فهو أعجب إلينا من دينكم، لعلّهم يشكّون، يقولون: هؤلاء كانوا معنا أوّل النّهار، فما بالهم؟ فأخبر اللّه عزّ وجلّ رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك.
- حدّثت عن عمّارٍ، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ الغفاريّ، قال: قالت اليهود بعضهم لبعضٍ: أسلموا أوّل النّهار، وارتدّوا آخره، لعلّهم يرجعون، فاطّلع اللّه على سرّهم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون}
وقال آخرون: بل الّذي أمرت به من الإيمان الصّلاة، وحضورها معهم أوّل النّهار، وبترك ذلك آخره.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ {آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار} يهود تقوله صلّت مع محمّدٍ صلاة الصّبح، وكفروا آخر النّهار مكرًا منهم؛ ليروا النّاس أن قد بدت لهم منه الضّلالة بعد أن كانوا اتّبعوه
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، بمثله.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار} الآية. وذلك أنّ طائفةً من اليهود قالوا: إذا لقيتم أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أوّل النّهار فآمنوا، وإذا كان آخره فصلّوا صلاتكم لعلّهم يقولون: هؤلاء أهل الكتاب، وهم أعلم منّا، لعلّهم ينقلبون عن دينهم، ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم
فتأويل الكلام إذًا: وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب، يعني من اليهود الّذي يقرءون التّوراة: {آمنوا} صدّقوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا، وذلك ما جاءهم به محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم من الدّين الحقّ وشرائعه وسننه {وجه النّهار} يعني أوّل النّهار.
وسمّي أوّله وجهًا له؛ لأنّه أحسنه، وأوّل ما يواجه النّاظر فيراه منه، كما يقال لأوّل الثّوب وجهه، وكما قال ربيع بن زيادٍ:
من كان مسرورًا بمقتلٍ مالكٍ = فليأت نسوتنا بوجه نهار
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال جماعةٌ من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وجه النّهار}: أوّل النّهار.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {وجه النّهار}: أوّل النّهار {واكفروا آخره} يقول: آخر النّهار.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره} قال: قال صلّوا معهم الصّبح، ولا تصلّوا معهم آخر النّهار، لعلّكم تستزلّونهم بذلك
وأمّا قوله: {واكفروا آخره} فإنّه يعني به أنّهم قالوا: واجحدوا ما صدّقتم به من دينهم في وجه النّهار في آخر النّهار. {لعلّهم يرجعون}: يعني بذلك: لعلّهم يرجعون عن دينهم معكم ويدعونه.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {لعلّهم يرجعون} يقول: لعلّهم يدعون دينهم، ويرجعون إلى الّذي أنتم عليه
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {لعلّهم يرجعون}: لعلّهم ينقلبون عن دينهم.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {لعلّهم يرجعون} لعلّهم يشكّون.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {لعلّهم يرجعون} قال: يرجعون عن دينهم). [جامع البيان: 5/495-499]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون (72)
قوله تعالى: وقالت طائفةٌ
- حدّثنا أسباطٌ عن السّدّيّ وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب قال: كان أحبار قرى عربيّةٍ اثني عشر حبرًا.
قوله تعالى: من أهل الكتاب
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب قال: كانت اليهود.
قوله تعالى: آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا
- وبه عن أبي مالكٍ وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار قال: كانت اليهود تقول أحبارها للّذين من دونهم:
آمنوا بمحمّدٍ وأصحابه أوّل النّهار، وقولوا نحن على دينكم، فإذا كان آخره فأتوهم فقولوا: إنّا على ديننا الأوّل، وإنّا سألنا علماءنا فأخبرونا أنّكم لستم على شيءٍ.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن السّدّيّ أنّه قال: ادخلوا في دين محمّدٍ وقولوا: نشهد أنّ محمد حقٌّ.
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ، عن قتادة في قوله: آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا قال بعضهم لبعضٍ: أعطوهم الرّضى بدينهم.
قوله تعالى: وجه النهار
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا سويد ابن عمرٍو، ثنا أبو كدينة يحيى بن المهلّب عن قابوس، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار قال: كانوا يكونون معه أوّل النّهار يمارونهم ويكلّمونهم.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن قتادة، وأبي مالكٍ، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ
وجه النّهار تقوله يهودٌ، وصلّت مع محمّدٍ صلاة الفجر وكفروا آخر النّهار، مكرًا منهم ليروا النّاس أن قد بدت لهم منه الضّلالة بعد إذ كانوا اتّبعوه.
قوله تعالى: واكفروا آخره
- حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا سويد ابن عمرٍو، ثنا أبو كدينة يحيى بن المهلّب، عن قابوس، عن أبيه عن ابن عبّاسٍ واكفروا آخره لعلّهم يرجعون قال: فإذا أمسوا وحضرت الصّلاة كفروا به وتركوه.
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي حدّثني الحسين عمّي، حدّثني أبي، عن جدّي، عن ابن عبّاسٍ قوله: واكفروا آخره قال ذلك، أنّ طائفةً من اليهود قالوا: إذا لقيتم أصحاب محمّدٍ أوّل النّهار فآمنوا، وإذا كان آخره فصلّوا صلاتكم لعلّهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلم منّا.
قوله تعالى: لعلّهم
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: لعلهم يعني: كي.
قوله تعالى: يرجعون
[الوجه الأول]
- حدّثنا عليّ بن حربٍ، ثنا أبو داود، عن سفيان، عن السّدّيّ، عن أبي الضّحى عن مسروقٍ، عن عبد اللّه، لعلّهم يرجعون قال: لعلّهم يتوبون.
والوجه الثّاني:
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ فيما كتب إليّ، ثنا أبي، حدّثني الحسين عمّي، حدّثني أبي، عن جدّي، عن ابن عبّاسٍ قوله: يرجعون قال لعلّهم ينقلبون عن دينهم.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن قتادة أنّه قال: لعلّهم يدعون دينهم
وقال السّدّيّ: لعلّهم يشكّون.
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ: ثنا عبيد اللّه، عن إسرائيل، عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ لعلّهم يرجعون قال: لعلّ المسلمين يرجعون إلى دينكم ويكفرون بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وروي عن الرّبيع بن أنسٍ أنّه قال: لعلّهم يرجعون عن دينهم إلى الّذي أنتم عليه). [تفسير القرآن العظيم: 2/678-680]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره قال هم اليهود صلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أول النهار صلاة الفجر وكفروا آخر النهار مكرا منهم ليروا الناس أنه قد
[تفسير مجاهد: 128]
بدت لهم منه الضلالة بعد أن كانوا اتبعوه). [تفسير مجاهد: 129]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر عن أبي مالك قال: قالت اليهود بعضهم لبعض: آمنوا معهم بما يقولون أول النهار وارتدوا آخره لعلهم يرجعون معكم، فاطلع الله على سرهم فأنزل الله تعالى {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {وقالت طائفة من أهل الكتاب} الآية، قال: كان أحبار قرى عربية اثني عشر حبرا فقالوا لبعضهم: أدخلوا في دين محمد أول النهار وقولوا: نشهد أن محمدا حق صادق فإذا كان آخر النهار فاكفروا وقولوا: إنا رجعنا إلى علمائنا وأحبارنا فسألناهم فحدثونا: إن محمدا كاذب وإنكم لستم على شيء وقد رجعنا إلى ديننا فهو أعجب إلينا من دينكم لعلهم يشكون فيقولون: هؤلاء كانوا معنا أول النهار فما بالهم فأخبر الله رسوله بذلك.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله {وقالت طائفة} الآية، قال: إن طائفة من اليهود قالت: إذا لقيتم أصحاب محمد أول النهار فآمنوا وإذا كان آخره فصلوا صلاتكم لعلهم يقولون هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلم منا لعلهم ينقلبون عن دينهم.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والضياء في المختارة من طريق أبي ظبيان عن ابن عباس في قوله {وقالت طائفة} الآية، قال: كانوا يكونون معهم أول النهار ويجالسونهم ويكلمونهم فإذا أمسوا وحضرت الصلاة كفروا به وتركوه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار} يهود تقوله صلت مع محمد صلاة الفجر وكفروا آخر النهار مكرا منهم ليروا الناس أن قد بدت لهم منه الضلالة بعد إذ كانوا اتبعوه.
وأخرج ابن جرير عن قتادة والربيع في قوله {وجه النهار} قالا: أول النهار). [الدر المنثور: 3/622-628]

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم قل إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم أو يحاجّوكم عند ربّكم قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: ولا تصدّقوا إلاّ من تبع دينكم فكان يهوديًّا.
وهذا خبرٌ من اللّه عن قول الطّائفة الّذين قالوا لإخوانهم من اليهود: {آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار}
واللام الّتي في قوله: {لمن تبع دينكم} نظيره اللاّم الّتي في قوله: {عسى أن يكون ردف لكم} [النمل] بمعنى: ردفكم {بعض الّذي تستعجلون}
وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم} هذا قول بعضهم لبعضٍ
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم} قال: لا تؤمنوا إلاّ لمن تبع اليهوديّة.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ: قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم} قال: لا تؤمنوا إلاّ لمن آمن بدينكم لا من خالفه، فلا تؤمنوا به). [جامع البيان: 5/499-501]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم أو يحاجّوكم عند ربّكم}
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: قوله: {قل إنّ الهدى هدى اللّه} اعترض به في وسط الكلام خبرًا من اللّه عن أنّ البيان بيانه والهدى هداه، قالوا: وسائر الكلام بعد ذلك متّصلٌ بالكلام الأوّل خبرًا عن قيل اليهود بعضها لبعضٍ، فمعنى الكلام عندهم: ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم، أو أن يحاجّوكم عند ربّكم: أي ولا تؤمنوا أن يحاجّكم أحدٌ عند ربّكم. ثمّ قال اللّه عزّ وجلّ لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء، وإنّ الهدى هدى اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {أن يؤتى، أحدٌ مثل ما أوتيتم}: حسدًا من يهود أن تكون النّبوّة في غيرهم، وإرادة أن يتّبعوا على دينهم
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقال آخرون: تأويل ذلك: قل يا محمّد، إنّ الهدى هدى اللّه، إنّ البيان بيان اللّه {أن يؤتى أحدٌ}، قالوا: ومعناه: لا يؤتى أحدٌ من الأمم مثل ما أوتيتم، كما قال: {يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا} بمعنى لا تضلّون، وكقوله: {كذلك سلكناه في قلوب المجرمين لا يؤمنون به} [الشعراء] يعني أن لا يؤمنوا {مثل ما أوتيتم} يقول: مثل ما أوتيت أنت يا محمّد وأمّتك من الإسلام والهدى، أو يحاجّوكم عند ربّكم. قالوا: ومعنى أو إلاّ: أي إلاّ أن يحاجّوكم، يعني إلاّ أن يجادلوكم عند ربّكم عند ما فعل بهم ربّكم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: قال اللّه عزّ وجلّ لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم} يقول: مثل ما أوتيتم يا أمّة محمّدٍ، أو يحاجّوكم عند ربّكم، يقول اليهود: فعل اللّه بنا كذا وكذا من الكرامة، حتّى أنزل علينا المنّ والسّلوى، فإنّ الّذي أعطيتكم أفضل فقولوا: {إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء} الآية
فعلى هذا التّأويل جميع هذا الكلام أمرٌ من اللّه نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقوله لليهود، وهو متلاصقٌ بعضه ببعضٍ لا اعتراض فيه، والهدى الثّاني ردٌّ على الهدى الأوّل، وأن في موضع رفعٍ على أنّه خبرٌ عن الهدى.
وقال آخرون: بل هذا أمرٌ من اللّه لنبيّه أن يقوله لليهود، وقالوا: تأويله: قل يا محمّد إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحدٌ من النّاس مثل ما أوتيتم، يقول: مثل الّذي أوتيتموه أنتم يا معشر اليهود من كتاب اللّه، ومثل نبيّكم، فلا تحسدوا المؤمنين على ما أعطيتهم، مثل الّذي أعطيتكم من فضلي، فإنّ الفضل بيدي أوتيه من أشاء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {قل إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم} يقول: لمّا أنزل اللّه كتابًا مثل كتابكم، وبعث نبيًّا مثل نبيّكم حسدتموهم على ذلك {قل إنّ الفضل بيد اللّه} الآية
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله
وقال آخرون: بل تأويل ذلك: قل يا محمّد إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم أنتم يا معشر اليهود من كتاب اللّه، قالوا: وهذا آخر القول الّذي أمر اللّه به نبيّنا محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقوله لليهود من هذه الآية، قالوا: وقوله: {أو يحاجّوكم} مردودٌ على قوله: {ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم}
وتأويل الكلام على قول أهل هذه المقالة: ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم، فتتركوا الحقّ أن يحاجّوكم به عند ربّكم من اتّبعتم دينه، فاخبترتموه أنّه محقٌّ، وأنّكم تجدون نعته في كتابكم، فيكون حينئذٍ قوله: {أو يحاجّوكم} مردودًا على جواب نهي متروكٍ على قول هؤلاء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم} يقول: هذا الأمر الّذي أنتم عليه أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم، أو يحاجّوكم عند ربّكم، قال: قال بعضهم لبعضٍ: لا تخبروهم بما بيّن اللّه لكم في كتابه ليحاجّوكم، قال: ليخاصموكم به عند ربّكم {قل إنّ الهدى هدى اللّه}
قال أبو جعفر وأولى الأقول في ذلك بالصوب ان يكون قوله {قل إنّ الهدى هدى اللّه} معترضٌا به، وسائر الكلام متّسقٌا على سياقٍ واحدٍ.
فيكون تأويله حينئذٍ: ولا تؤمنوا إلاّ لمن اتّبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم، بمعنى: لا يؤتى أحدٌ بمثل ما أوتيتم، {أو يحاجّوكم عند ربّكم} بمعنى: أو أن يحاجّكم عند ربّكم أحدٌ بإيمانكم؛ لأنّكم أكرم على اللّه منهم بما فضّلكم به عليهم.
فيكون الكلام كلّه خبرًا عن قول الطّائفة الّتي قال اللّه عزّ وجلّ {وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار} سوى قوله: {قل إنّ الهدى هدى اللّه} ثمّ يكون الكلام مبتدأً بتكذيبهم في قولهم: قل يا محمّدٍ للقائلين ما قالوا من الطّائفة الّتي وصفت لك قولها لتبّاعها من اليهود {إنّ الهدى هدى اللّه} إنّ التّوفيق توفيق اللّه، والبيان بيانه، وإنّ الفضل بيده يؤتيه من يشاء، لا ما تمنّيتموه أنتم يا معشر اليهود. وإنّما اخترنا ذلك من سائر الأقوال الّتي ذكرناها؛ لأنّه أصحّها معنًى، وأحسنها استقامةً على معنى كلام العرب، وأشدّها اتّساقًا على نظم الكلام وسياقه، وما عدا ذلك من القول فانتزاعٌ يبعد من الصّحّة على استكراهٍ شديد الكلام). [جامع البيان: 5/501-505]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: قل يا محمّد، لهؤلاء اليهود الّذين وصفت قولهم لأوليائهم: إنّ الفضل بيد اللّه، إنّ التّوفيق للإيمان، والهداية للإسلام بيد اللّه، وإليه دونكم ودون سائر خلقه، {يؤتيه من يشاء} من خلقه، يعني: يعطيه من أراد من عباده تكذيبًا من اللّه عزّ وجلّ لهم في قولهم لتبّاعهم: لا يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم، فقال اللّه عزّ وجلّ لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهم: ليس ذلك إليكم، إنّما هو إلى اللّه الّذي بيده الأشياء كلّها، وإليه الفضل، وبيده يعطيه من يشاء. {واللّه واسعٌ عليمٌ} يعني: واللّه ذو سعةٍ بفضله على من يشاء أن يتفضّل عليه عليمٌ ذو علمٍ بمن هو منهم للفضل أهلٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، قراءةً عن ابن جريجٍ، في قوله: {قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء} قال: الإسلام). [جامع البيان: 5/506]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم قل إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم أو يحاجّوكم عند ربّكم قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ (73)
قوله تعالى: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قال: كان اليهود يقول أحبارهم للّذين من دونهم لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، فأنزل اللّه تعالى: قل إنّ الهدى هدى اللّه
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قال: فأخبر اللّه رسوله بذلك وقالوا: لا تؤمنوا إلا لمن تبع اليهوديّة قالوا: لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم.
قوله تعالى: قل إنّ الهدى هدى اللّه
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، عن إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قال اليهود: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم فأنزل اللّه: قل إنّ الهدى هدى اللّه
قال أبو محمّدٍ: وروي عن السّدّيّ قوله: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قال اللّه لمحمّدٍ إنّ الهدى هدى اللّه.
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ، عن ابن جريجٍ قوله: إنّ الهدى هدى اللّه قال هذا الأمر الّذي أنتم عليه.
قوله تعالى: أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، وسعيد بن جبيرٍ قوله: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قالا:
أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا محمّد بن عثمان، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم يقول: ما أوتي أحدٌ مثل ما أوتيتم يا أمّة محمّدٍ.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم حسدًا من يهودٍ أن تكون النّبوّة في غيرهم، وإرادة أن يتابعوا على دينهم.
قوله تعالى: أو يحاجّوكم عند ربّكم
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ أو يحاجّوكم عند ربّكم يقول اليهود: فعل اللّه بنا كذا وكذا من الكرامة حتّى أنزل علينا المنّ والسّلوى.
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ، عن ابن جريجٍ أو يحاجّوكم عند ربّكم قال بعضهم لبعضٍ: لا تخبرهم بما بيّن اللّه لكم في كتابه، يخاصموكم عند ربّكم، فيكون لهم حجّةٌ عليكم.
قوله تعالى: قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء والله واسع عليم
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ قوله: إنّ يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم أو يحاجّوكم قال:
يقول لمّا أنزل اللّه كتابًا مثل كتابكم وبعث نبيًّا مثل نبيّكم حسدتموه على ذلك قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ قال أبو محمّدٍ: وروي عن قتادة نحو ذلك.
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: إنّ الفضل بيد اللّه قال: يا أمّة محمّدٍ فإنّ الّذي أعطيتكم أفضل، فقولوا : إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء
وبه عن السّدّيّ: يؤتيه من يشاء قال: يختصّ به من يشاء). [تفسير القرآن العظيم: 2/680-682]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يؤتي أحد مثل ما أوتيتم حسدا من اليهود أن تكون النبوة في غيرهم وأرادوا أن يتابعوهم على دينهم فقال قل يا محمد إن الفضل بيد الله يختص برحمته من يشاء يعني بالنبوة). [تفسير مجاهد: 129]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن قتادة {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} قال: هذا قول بعضهم لبعض.
وأخرج ابن جرير عن الربيع، مثله.
وأخرج ابن جرير عن السدي {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} قال: لا تؤمنوا إلا لمن تبع اليهودية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي مالك قال: كانت اليهود تقول أحبارها للذين من دينهم: ائتوا محمدا وأصحابه أول النهار فقولوا نحن على دينكم فإذا كان بالعشي فأتوهم فقولوا لهم: إنا كفرنا بدينكم ونحن على ديننا
الأول إنا قد سألنا علماءنا فأخبرونا أنكم لستم على شيء، وقالوا لعل المسلمين يرجعون إلى دينكم فيكفرون بمحمد {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} فأنزل الله {قل إن الهدى هدى الله}
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد {أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم} حسدا من يهود أن تكون النبوة في غيرهم وإرادة أن يتابعوا على دينهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي مالك وسعيد بن جبير {أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم} قالا: أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي قال الله لمحمد {قل إن الهدى هدى الله}.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي قال: قال الله لمحمد {قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم} يا أمة محمد {أو يحاجوكم عند ربكم} يقول اليهود: فعل الله بنا كذا وكذا من الكرامة حتى أنزل علينا المن والسلوى فإن الذي أعطاكم أفضل فقولوا {إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة {قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم} يقول: لما أنزل الله كتابا مثل كتابكم وبعث نبيا كنبيكم حسدتموه على ذلك {قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء}.
وأخرج ابن جرير عن الربيع، مثله
وأخرج ابن جرير عن ابن جريج {قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم} يقول: هذا الأمر الذي أنتم عليه مثل ما أوتيتم {أو يحاجوكم عند ربكم} قال: قال بعضهم لبعض: لا تخبروهم بما بين الله لكم في كتابه {ليحاجوكم} قال: ليخاصموكم به عند ربكم فتكون لهم حجة عليكم {قل إن الفضل بيد الله} قال: الإسلام {يختص برحمته من يشاء} قال: القرآن والإسلام). [الدر المنثور: 3/622-628]

تفسير قوله تعالى: (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يختصّ برحمته من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم}
يعني بقوله: {يختصّ برحمته من يشاء} يفتعل من قول القائل: خصصت فلانًا بكذا، أخصّه به.
وأمّا رحمته في هذا الموضع: فالإسلام والقرآن مع النّبوّة.
- كما: حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {يختصّ برحمته من يشاء} قال: النّبوّة يخصّ بها من يشاء
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع: {يختصّ برحمته من يشاء} قال: يختصّ بالنّبوّة من يشاء.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويدٌ، قال: أخبرنا ابن المبارك، قراءةً عن ابن جريجٍ: {يختصّ برحمته من يشاء} قال: القرآن والإسلام
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ مثله.
{واللّه ذو الفضل العظيم} يقول: ذو فضلٍ يتفضّل به على من أحبّ وشاء من خلقه، ثمّ وصف فضله بالعظم، فقال: فضله عظيمٌ؛ لأنّه غير مشبهٍ في عظم موقعه ممّن أفضله عليه أفضال خلقه، ولا يقاربه في جلالة خطره ولا يدانيه). [جامع البيان: 5/507]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يختصّ برحمته من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم (74)
قوله تعالى: يختص برحمته من يشاء
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ يختصّ برحمته من يشاء قال: النّبوّة- قال أبو محمّدٍ: وروي عن الرّبيع بن أنسٍ مثل ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا عبّاد بن منصورٍ، عن الحسن في قوله: يختصّ برحمته من يشاء فقال: رحمته الإسلام يختصّ بها من يشاء.
قوله تعالى: واللّه ذو الفضل العظيم
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: العظيم يعني: وافرٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/682-683]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {يختص برحمته من يشاء} قال: النبوة يختص بها من يشاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {يختص برحمته من يشاء} قال: رحمته الإسلام، يختص بها من يشاء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {ذو الفضل العظيم} يعني الوافر). [الدر المنثور: 3/622-628]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 02:26 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {وقالت طّائفةٌ مّن أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار...} يعني: صلاة الصبح, {واكفروا آخره}, يعني: صلاة الظهر هذا قالته اليهود لمّا صرفت القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة؛ فقالت اليهود: صلّوا مع محمد صلى الله عليه وعلى أصحابه وسلم الصبح، فإذا كانت الظهر, فصلّوا إلى قبلتكم ؛ لتشكّكوا أصحاب محمد في قبلتهم؛ لأنكم عندهم أعلم منهم ,فيرجعوا إلى قبلتكم). [معاني القرآن: 1/222]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وجه النّهار}: أوله، قال ربيع بن زياد العبسي:-
من كان مسروراً بمقتل مالكٍ= فليأت نسوتنا بوجه نهار
كقولك: بصدر نهار). [مجاز القرآن: 1/96-97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({وقالت طّائفةٌ مّن أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون} قال تعالى: {آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره} :جعله ظرفاً).[معاني القرآن: 1/173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({وجه النهار}: أول النهار). [غريب القرآن وتفسيره: 107]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار}, أي: صدر النهار, قال قتادة: قال بعضهم لبعض: أعطوهم الرّضا بدينهم أوّل النهار, واكفروا بالعشي، فإنه أجدر أن تصدقكم الناس، ويظنوا أنكم قد رأيتم منهم ما تكرهون فرجعتم، وأجدر أن يرجعوا عن دينهم). [تفسير غريب القرآن: 106]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون}, الطائفة: الجماعة، وهم اليهود.
{آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار},أي: أوله.
قال الشاعر:
من كان مسرورا بمقتل مالك= فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النساء قوائما يندبنه= قد جئن قبل تبلّج الأسحار
أي: في أول النهار,وقد قيل في تفسير هذا غير قول، قال بعضهم: معناه، آمنوا بصلاتهم إلى بيت المقدس, وأكفروا بصلاتهم إلى البيت.
وقيل: إن علماء اليهود قال بعضهم لبعض: قد كنا نخبر أصحابنا بأشياء قد أتى بها محمد صلى الله عليه وسلم, فإن نحن كفرنا بها كلها, اتهمنا أصحابنا, ولكن نؤمن ببعض , ونكفر ببعض لنوهمهم أننا نصدقه فما يصدق فيه، ونريهم أنا نكذبه فيما ليس عندنا.
وقيل: إنهم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم في صدر النهار, فقالوا له: إنك الذي خبرنا في التوراة بأنك مبعوث، ولكن أنظرنا إلى العشي لننظر في أمرنا، فلما كان بالعشي أتوا الأنصار , فقالوا لها: قد كنا أعلمناكم أن محمداً هو النبي الذي هو المكتوب في التوراة، إلا أننا نظرنا في التوراة فإذا هو من ولد هارون , ومحمد من ولد إسماعيل, فليس هو النبي الذي عندنا, وإنما فعلوا ذلك لعل من آمن به يرجع , فهذا ما قيل في تفسير الآية). [معاني القرآن: 1/429-430]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون} الطائفة: الفرقة, و{وجه النهار}: أوله, قال الشاعر:
وتضيء في وجه النهار منيرة = كجمانة البحري سل نظامها
قال قتادة : قال بعض اليهود: أظهروا لمحمد الرضا بما جاء به أول النهار, ثم أنكروا ذاك في آخره, فإنه أجدر أن يتوهم أنكم إنما فعلتم ذلك؛ لشيء ظهرت لكم تنكرونه, وأجدر أن يرجع أصحابه). [معاني القرآن: 1/420-421]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({وجه النهار}, أي: صدر النهار). [ياقوتة الصراط: 189]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({وَجْهَ النَّهَارِ}: أوله). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (فأما قوله: {ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم...}, فأنه يقال: إنها من قول اليهود, يقول: ولا تصدقوا إلا لمن تبع دينكم, واللام بمنزلة قوله: {عسى أن يكون ردف لكم}, المعنى: ردفكم). [معاني القرآن: 1/222]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {أن يؤتى أحدٌ مّثل ما أوتيتم...}, يقول: لا تصدّقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم, أوقعت {تؤمنوا} على {أن يؤتى}, كأنه قال: ولا تؤمنوا أن يعطى أحد مثل ما أعطيتم، فهذا وجه.
ويقال: قد انقطع كلام اليهود عند قوله: {ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم}، ثم صار الكلام من قوله: قل يا محمد: إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتى أهل الإسلام، وجاءت (أن)؛ لأنّ في قوله: {قل إنّ الهدى} , مثل قوله: إن البيان بيان الله، فقد بيّن أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتى أهل الإسلام. وصلحت (أحد) ؛ لأن معنى أن معنى لا, كما قال تبارك وتعالى: {يبيّن الله لكم أن تضلّوا}, معناه: لا تضلّون, وقال تبارك وتعالى: {كذلك سلكناه في قلوب المجرمين. لا يؤمنون به}, أن تصلح في موضع لا, وقوله: {أو يحاجّوكم عند ربّكم} في معنى حتّى, وفي معنى إلاّ؛ كما تقول في الكلام: تعلّق به أبداً أو يعطيك حقّك، فتصلح حتّى , وإلاّ في موضع أو). [معاني القرآن: 1/222-223]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} : لا تقرّوا: لا تصدّقوا). [مجاز القرآن: 1/97]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم قل إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحدٌ مّثل ما أوتيتم أو يحآجّوكم عند ربّكم قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ}
قال تعالى: {أن يؤتى أحدٌ مّثل ما أوتيتم}, يقول :لا تؤمنوا أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم وأن يحاجّوكم به عند ربّكم, أي: ولا تؤمنوا أن يحاجّوكم). [معاني القرآن: 1/173-174]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم قل إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجّوكم عند ربّكم قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسع عليم}
قيل المعنى: لا تجعلوا تصديقكم النبي في شيء مما جاءكم به إلا لليهود، فإنكم إن قلتم ذلك للمشركين كان عونا لهم على تصديقه.
وقال أهل اللغة وغيرهم من أهل التفسير: ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم، أي: لا تصدقوا أن يعطى أحد من علم النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطيتم {أو يحاجّوكم عند ربّكم}.

ومعنى {أو يحاجّوكم عند ربّكم} أي: ليس يكون لأحد حجة عند اللّه في الإيمان به؛ لعلم من عنده إلا من كان مثلكم.
وقد قيل في المعنى: {قل إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم}, أي: الهدى هو هذا الهدى، لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم.
قال بعض النحويين معنى: " أن " ههنا معنى " لا " , وإنما المعنى: أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أي: لأن لا تؤتى فحذف " لا " ؛ لأن في الكلام دليلاً عليها، كما قال اللّه عزّ وجلّ: {يبين اللّه لكم أن تضلوا}, أي: لئلا تضلوا.
قال أبو العباس محمد بن يزيد: " لا ", ليست مما يحذف ههنا, ولكن الإضافة ههنا معلومة، فحذفت الأول وأقمت الثاني مقامه، المعنى: يبين الله لكم كراهة أن تضلوا , وكذلك ههنا قال: إن الهدى هدى اللّه كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم: أي: من خالف دين الإسلام؛ لأن اللّه لا يهدي من هو كاذب كفار، فهدى الله بعيد من غير المؤمنين.
وقوله عزّ وجلّ: {قل إنّ الفضل بيد اللّه},أي: نبوته , وهداه يؤتيه من يشاء). [معاني القرآن: 1/430-431]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤته من يشاء}
قال محمد بن يزيد: في الكلام تقديم وتأخير, والمعنى: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم , أو يحاجوكم عند ربكم , قل: إن الهدى هدى الله.
وقيل المعنى: ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم, واللام زائدة.
والمعنى: ولا تصدقوا أن يؤتى أحد من علم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما أوتيتم.
وقيل المعنى: {قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم}, أي: إن الهدى هدى الله, وهو بعيد من الكفار.
وقرأ ابن عباس, ومجاهد, وعيسى:{أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم}, والمعنى: ألا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم.
وقرأ الأعمش: {إن يوأتى أحد مثل ما أتيتم}, ومعنى أن معنى ما كما قال تعالى: {إن الكافرون إلا في غرور} .
وقد زعم بعض النحويين أن هذا لحن؛ لأن قوله تعالى: {يحاجوكم} بغير نون, وكان يجب أن يكون يحاجونكم, ولا عامل لها, وهذا القول ليس بشيء ؛ لأن أو تضمر بعدها إن إذا كانت في معنى حتى وإلا أن , كما قال الشاعر:
فقلت له لا تبك عيناك إنما = نحاول ملكا أو نموت فنعذرا
وقيل إن معنى :{أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم}: لا تصدقوا أن النبوة تكون إلا منكم , واستشهد صاحب هذا القول بأن مجاهداً قال: في قوله عز وجل بعد هذا: {يختص برحمته من يشاء} , أنه يعني النبوة). [معاني القرآن: 1/421-423]

تفسير قوله تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)}

[لا يوجد]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 08:41 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) }
[لا يوجد]


تفسير قوله تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) }
[لا يوجد]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره لعلّهم يرجعون (72) ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم قل إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم أو يحاجّوكم عند ربّكم قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ (73)
أخبر تعالى في هذه الآية أن طائفة من اليهود من أحبارهم ذهبت إلى خديعة المسلمين بهذا المنزع، قال الحسن: قالت ذلك يهود خيبر ليهود المدينة، قال قتادة وأبو مالك والسدي وغيرهم: قال بعض الأحبار:
لنظهر الإيمان لمحمد صدر النهار ثم لنكفر به آخر النهار، فسيقول المسلمون عند ذلك: ما بال هؤلاء كانوا معناه ثم انصرفوا عنا؟ ما ذلك إلا لأنهم انكشفت لهم حقيقة في الأمر فيشكون، ولعلهم يرجعون عن الإيمان بمحمد عليه السلام.
قال الفقيه الإمام أبو محمد: ولما كانت الأحبار يظن بهم العلم وجودة النظر والاطلاع على الكتاب القديم، طمعوا أن تنخدع العرب بهذه النزعة ففعلوا ذلك، جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بكرة، فقالوا: يا محمد أنت هو الموصوف في كتابنا، ولكن أمهلنا إلى العشي حتى ننظر في أمرنا، ثم رجعوا بالعشي، فقالوا: قد نظرنا ولست به وجه على هذا التأويل منصوب بقوله آمنوا والمعنى أظهروا الإيمان في وجه النّهار، والضمير في قوله آخره عائد على النّهار، وقال ابن عباس ومجاهد وغيرهم: نزلت الآية، لأن اليهود ذهبت إلى المكر بالمؤمنين، فصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، ثم رجعوا آخر النهار، فصلوا صلاتهم ليرى الناس أنهم بدت لهم منه ضلالة، بعد أن كانوا اتبعوه.
قال الفقيه الإمام: وهذا القول قريب من القول الأول، وقال جماعة من المفسرين: نزلت هذه الآية في أمر القبلة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح إلى الشام، كما كان يصلي، ثم حولت القبلة، فصلى الظهر، وقيل العصر إلى مكة، فقالت الأحبار لتبّاعهم وللعرب: آمنوا بالذي أنزل في أول النهار واكفروا بهذه القبلة الأخيرة.
قال الفقيه الإمام: والعامل في قوله وجه النّهار على هذا التأويل قوله: أنزل والضمير في قوله: آخره يحتمل أن يعود على النّهار أو يعود على «الذي أنزل»، ويرجعون في هذا التأويل، معناه عن مكة إلى قبلتنا التي هي الشام كذلك قال قائل هذا التأويل، ووجه النّهار أوله الذي يواجه منه، تشبيها بوجه الإنسان، وكذلك تقول: صدر النهار وغرة العام والشهر، ومنه قول النبي عليه السلام أقتلته في غرة الإسلام؟ ومن هذا قول الربيع بن زياد العبسي: [الكامل]
من كان مسرورا بمقتل مالك = فليأت نسوتنا بوجه نهار
يجد النّساء حواسرا يندبنه = قد قمن قبل تبلّج الأسحار
يقول هذا في مالك بن زهير بن جذيمة العبسي وكانوا قد أخذوا بثأره، وكان القتيل عندهم لا يناح عليه ولا يندب إلا بعد أخذ ثأره، فالمعنى من سره مصابنا فيه فلينظر إلى ما يدله على أنّا قد أدركنا ثأره، فيكمد لذلك ويغتم، ومن استعارة الوجه قولهم: فعلت كذا على وجه الدهر، أي في القديم). [المحرر الوجيز: 2/253-254]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ولا تؤمنوا إلاّ لمن تبع دينكم قل إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم أو يحاجّوكم عند ربّكم قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء واللّه واسعٌ عليمٌ (73) يختصّ برحمته من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم (74)
وذكر الله تعالى عن هذه الطائفة من أهل الكتاب، أنهم قالوا: ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم ولا خلاف بين أهل التأويل أن هذا القول هو من كلام الطائفة، واختلف الناس في قوله تعالى: أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم أو يحاجّوكم، فقال مجاهد وغيره من أهل التأويل: الكلام كله من قول الطائفة لأتباعهم، وقوله تعالى: قل إنّ الهدى هدى اللّه اعتراض بين الكلامين.
قال القاضي: والكلام على هذا التأويل يحتمل معاني: أحدها: ولا تصدقوا تصديقا صحيحا وتؤمنوا إلا لمن جاء بمثل دينكم كراهة أو مخافة أو حذارا أن يؤتى أحد من النبوة والكرامة مثل ما أوتيتم، وحذرا أن يحاجوكم بتصديقكم إياهم عند ربكم إذا لم تستمروا عليه، وهذا القول على هذا المعنى ثمرة الحسد والكفر، مع المعرفة بصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون التقدير، أن لا يؤتى فحذفت- لا- لدلالة الكلام، ويحتمل الكلام أن يكون معناه: ولا تصدقوا وتؤمنوا بأن يؤتى أحد مثل ما
أوتيتم إلا لمن تبع دينكم وجاء بمثله وعاضدا له، فإن ذلك لا يؤتاه غيركم، أو يحاجّوكم عند ربّكم، بمعنى: إلا أن يحاجوكم، كما تقول: أنا لا أتركك أو تقتضيني حقي، وهذا القول على هذا المعنى ثمرة التكذيب بمحمد صلى الله عليه وسلم على اعتقاد منهم أن النبوة لا تكون إلا في بني إسرائيل، ويحتمل الكلام أن يكون معناه: ولا تؤمنوا بمحمد وتقروا بنبوته، إذ قد علمتم صحتها، إلا لليهود الذين هم منكم، وأن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم، صفة لحال محمد فالمعنى، تستروا بإقراركم، ان قد أوتي أحد مثل ما أوتيتم، أو فإنهم يعنون العرب يحاجوكم بالإقرار عند ربكم، قال أبو علي وتؤمنوا تعدى بالباء المقدرة في قوله أن يؤتى كما تعدى أول الآية في قوله، بالّذي أنزل، واللام في قوله، لمن تبع، لا يسهل أن تعلق ب تؤمنوا، وأنت قد أوصلته بالباء فتعلق بالفعل جارين، كما لا يستقيم أن تعديه إلى مفعولين إذا كان لا يتعدى إلا إلى واحد، وإنما يحمل أمر هذه اللام على المعنى، والمعنى: لا تقروا بأن الله يؤتي أحدا مثل ما أوتيتم إلا لمن، فهذا كما تقول: أقررت لزيد بألف فتكون اللام متعلة بالمعنى ولا تكون زائدة على حد إن كنتم للرّءيا تعبرون [يوسف: 43] ولا تتعلق على حد المفعول، قال أبو علي: وقد تعدى «آمن» باللام في قوله فما آمن لموسى إلّا ذرّيّةٌ [يونس: 83] وقوله آمنتم له [طه: 71] [الشعراء: 49] وقوله يؤمن باللّه ويؤمن للمؤمنين [التوبة: 61] واحد، إنما دخل في هذا الكلام بسبب النفي الواقع في أوله، قوله: لا تؤمنوا كما دخلت- من- في قوله ما يودّ الّذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزّل عليكم من خيرٍ من ربّكم [البقرة: 105] فكما دخلت- من- في صلة أن ينزل، لأنه مفعول النفي اللاحق لأول الكلام، فكذلك دخل أحدٌ في صلة- أن- في قوله أن يؤتى أحدٌ لدخول النفي في أول الكلام.
قال القاضي: وهذا لأن أحدا الذي فيه الشياع، لا يجيء في واجب من الكلام، لأنه لا يفيد معنى، وقرأ ابن كثير وحده بين السبعة «آن يؤتى» بالمد على جهة الاستفهام الذي هو تقرير، وفسر أبو علي قراءة ابن كثير على أن الكلام كله من قول الطائفة، إلا الاعتراض الذي هو: قل إنّ الهدى هدى اللّه فإنه لا يختلف أنه من قول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم قال: فلا يجوز مع الاستفهام أن يحمل أن يؤتى على ما قبله من الفعل، لأن الاستفهام قاطع، فيجوز أن تكون- أن- في موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف تقديره تصدقون به أو تعترفون، أو تذكرونه لغيركم، ونحو هذا مما يدل عليه الكلام ويكون يحاجّوكم على هذا معطوفا على أن يؤتى قال أبو علي: ويجوز أن يكون موضع- أن- منصوبا، فيكون المعنى: أتشيعون أو أتذكرون أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم؟ ويكون ذلك بمعنى قوله تعالى عنهم أتحدّثونهم بما فتح اللّه عليكم [البقرة: 76] فعلى كلا الوجهين معنى الآية، توبيخ من الأحبار للأتباع على تصديقهم بأن محمدا نبي مبعوث، ويكون قوله تعالى: أو يحاجّوكم في تأويل نصب أن أي أو تريدون أن يحاجوكم. قال أبو علي: وأحدٌ على قراءة ابن كثير هو الذي يدل على الكثرة، وقد منع الاستفهام القاطع من أن يشفع لدخوله النفي الذي في أول الكلام، فلم يبق إلا أن يقدر أن أحدا الذي في قولك، أحد وعشرون وهو يقع في الإيجاب لأنه بمعنى واحد، وجمع ضميره في قوله أو يحاجّوكم حملا على المعنى، إذ لأحد المراد بمثل النبوة اتباع، فهو في معنى الكثرة، قال أبو علي: وهذا موضع
ينبغي أن ترجح فيه قراءة غير ابن كثير على قراءة ابن كثير، لأن الأسماء المفردة ليس بالمستمر أن تدل على الكثرة.
قال القاضي: إلا أن أحدا في مثل النبوة يدل عليها من حيث يقتضي الاتباع، وقرأ الأعمش، وشعيب بن أبي حمزة- «إن يؤتى» - بكسر الهمزة بمعنى، لم يعط أحد مثل ما أعطيتم من الكرامة وهذه القراءة يحتمل بمعنى فليحاجوكم، وهذا على التصميم على أنه لا يؤتى أحد مثل ما أوتي، ويحتمل أن تكون بمعنى، إلا أن يحاجوكم، وهذا على تجويز أن تؤتى أحد ذلك إذا قامت الحجة له، فهذا ترتيب التفسير والقراءات على قول من قال: الكلام كله من قول الطائفة.
وقال السدي وغيره: الكلام كله من قوله قل إنّ الهدى هدى اللّه، إلى آخر الآية هو مما أمر به محمد عليه السلام أن يقوله لأمته، وحكى الزجّاج وغيره أن المعنى: قل إن الهدى هو هذا الهدى، لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وحكي عن بعض النحويين أن المعنى: أن لا يؤتي أحدا، وحذفت- لا- لأن في الكلام دليلا عليها، كما في قوله تعالى: يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا [النساء: 176] أي أن لا تضلوا، وحكي عن أبي العباس المبرد: لا تحذف لا، وإنما المعنى كراهة أن تضلوا، وكذلك هنا كراهة «أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم»، أي ممن خالف دين الإسلام، لأن الله لا يهدي من هو كاذب كفار، فهدى الله بعيد من غير المؤمنين.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق: وتبعد من هذا القول قراءة ابن كثير بالاستفهام والمد، وتحمل عليه قراءة الأعمش وابن أبي حمزة- «إن يؤتى» - بكسر الألف، كأنه عليه السلام يخبر أمته أن الله لا يعطي أحدا ولا أعطى فيما سلف مثل ما أعطى أمة محمد عليه السلام لكونها وسطا ويكون قوله تعالى: أو يحاجّوكم على هذه المعاني التي ترتبت في قول السدي، تحتمل معنيين أحدهما «أو فليحاجوكم عند ربكم»، يعني اليهود، فالمعنى لم يعط أحد مثل حظكم وإلا فليحاجوكم من ادعى سوى ذلك، والمعنى الثاني: أن يكون قوله، أو يحاجّوكم بمعنى التقرير والإزراء باليهود، كأنه قال: أو هل لهم أن يحاجوكم أو يخاصموكم فيما وهبكم الله وفضلكم به؟ وقوله: هدى اللّه على جميع ما تقدم خبران.
وقال قتادة والربيع: الكلام من قوله قل إنّ الهدى هدى اللّه إلى آخر الآية، هو مما أمر به محمد عليه السلام أن يقوله للطائفة التي قالت ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم وتتفق مع هذا القول قراءة ابن كثير بالاستفهام والمد، وتقدير الخبر المحذوف أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم، حسدتم وكفرتم، ويكون قوله أو يحاجّوكم محمولا على المعنى، كأنه قال: أتحسدون أو تكفرون لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم؟
أو يحاجّوكم على ما أوتوه فإنه يغلبونكم بالحجة، وأما على قراءة غير ابن كثير بغير المد، فيحتمل أن يكون بمعنى التقرير بغير حرف استفهام، وذلك هو الظاهر من لفظ قتادة فإنه قال: يقول لما أنزل الله كتابا مثل كتابكم وبعث نبيا مثل نبيكم حسدتموهم على ذلك، ويحتمل أن يكون قوله: أن يؤتى بدلا من قوله هدى اللّه ويكون المعنى: قل إن الهدى هدى الله، وهو أن يؤتى أحد كالذي جاءنا نحن، ويكون قوله أو يحاجّوكم بمعنى، أو فليحاجوكم، فإنه يغلبونكم، ويحتمل قوله، أن يؤتى خبر- «إن» ويكون قوله هدى اللّه بدلا من الهدى، وهذا في المعنى قريب من الذي قبله، وقال ابن جريج: قوله تعالى: أن يؤتى هو من قول محمد صلى الله عليه وسلم لليهود، وتم الكلام في قوله أوتيتم وقوله تعالى: أو يحاجّوكم متصل بقول الطائفة ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم ومنه، وهذا القول يفسر معانيه ما تقدم في قول غيره من التقسيم والله المستعان.
وقرأ ابن مسعود: «أن يحاجوكم» بدل أو، وهذه القراءة تلتئم مع بعض المعاني التي تقدمت ولا تلتئم مع بعضها، وقوله عند ربّكم يجيء في بعض المعاني على معنى عند ربكم في الآخرة، ويجيء في بعضها على معنى عند كتب ربكم، والعلم الذي جعل في العباد، فأضاف ذلك إلى الرب تشريفا، وكأن المعنى أو يحاجوكم عند الحق، وقرأ الحسن «إن يؤتى» أحد بكسر الهمزة والتاء، على إسناد الفعل إلى أحدٌ، والمعنى: أن إنعام الله لا يشبهه إنعام أحد من خلقه، وأظهر ما في القراءة أن يكون خطابا من محمد عليه السلام لأمته، والمفعول محذوف تقديره إن يؤتي أحد أحدا.
في قوله تعالى: قل إنّ الفضل بيد اللّه إلى قوله العظيم، تكذيب لليهود في قولهم: نبوءة موسى مؤبدة، ولن يؤتي الله أحدا مثل ما آتى بني إسرائيل من النبوة والشرف، وسائر ما في الآية من لفظة واسعٌ وغير ذلك قد تقدم نظيره). [المحرر الوجيز: 2/254-259]

تفسير قوله تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) }

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 11:12 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وقالت طائفةٌ من أهل الكتاب آمنوا بالّذي أنزل على الّذين آمنوا وجه النّهار واكفروا آخره [لعلّهم يرجعون]} هذه مكيدةٌ أرادوها ليلبسوا على الضّعفاء من النّاس أمر دينهم، وهو أنّهم اشتوروا بينهم أن يظهروا الإيمان أوّل النّهار ويصلّوا مع المسلمين صلاة الصّبح، فإذا جاء آخر النّهار ارتدّوا إلى دينهم ليقول الجهلة من النّاس: إنّما ردّهم إلى دينهم اطّلاعهم على نقيصةٍ وعيبٍ في دين المسلمين، ولهذا قالوا: {لعلّهم يرجعون}.
قال ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، في قوله تعالى إخبارًا عن اليهود بهذه الآية: يعني يهود، صلّت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صلاة الفجر وكفروا آخر النّهار، مكرًا منهم، ليروا النّاس أنّ قد بدت لهم منه الضّلالة، بعد أن كانوا اتّبعوه.
وقال العوفي، عن ابن عبّاسٍ: قالت طائفةٌ من أهل الكتاب: إذا لقيتم أصحاب محمّدٍ أوّل النّهار فآمنوا، وإذا كان آخره فصلّوا صلاتكم، لعلّهم يقولون: هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلم منّا. [وهكذا روي عن قتادة والسّدّيّ والرّبيع وأبي مالكٍ] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/59]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} أي: لا تطمئنّوا وتظهروا سركم وما عندكم إلا لمن اتبع دينكم ولا تظهروا ما بأيديكم إلى المسلمين، فيؤمنوا به ويحتجّوا به عليكم؛ قال اللّه تعالى: {قل إنّ الهدى هدى اللّه}
أي هو الّذي يهدي قلوب المؤمنين إلى أتمّ الإيمان، بما ينزّله على عبده ورسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم من الآيات البيّنات، والدّلائل القاطعات، والحجج الواضحات، وإن كتمتم -أيّها اليهود-ما بأيديكم من صفة محمّدٍ في كتبكم الّتي نقلتموها عن الأنبياء الأقدمين.
وقوله {أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم أو يحاجّوكم عند ربّكم} يقولون: لا تظهروا ما عندكم من العلم للمسلمين، فيتعلّموه منكم، ويساووكم فيه، ويمتازوا به عليكم لشدّة الإيمان به، أو يحاجّوكم به عند اللّه، أي: يتّخذوه حجّةً عليكم ممّا بأيديكم، فتقوم به عليكم الدّلالة وتتركّب الحجة في الدّنيا والآخرة. قال اللّه تعالى: {قل إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء} أي: الأمور كلّها تحت تصريفه، وهو المعطي المانع، يمنّ على من يشاء بالإيمان والعلم والتّصوّر التّامّ، ويضلّ من يشاء ويعمي بصره وبصيرته، ويختم على سمعه وقلبه، ويجعل على بصره غشاوةً، وله الحجّة والحكمة. {واللّه واسعٌ عليمٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/59-60]

تفسير قوله تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يختصّ برحمته من يشاء واللّه ذو الفضل العظيم} أي: اختصّكم -أيّها المؤمنون-من الفضل بما لا يحد ولا يوصف، بما شرّف به نبيّكم محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم على سائر الأنبياء وهداكم به لأحمد الشّرائع). [تفسير القرآن العظيم: 2/60]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:31 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة