العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة آل عمران

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م, 08:49 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي تفسير سورة آل عمران[من الآية (64) إلى الآية (68) ]

تفسير سورة آل عمران
[من الآية (64) إلى الآية (68) ]

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:04 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قل: يا {أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم أن لا نعبد إلّا اللّه} "
سواءٍ: قصدٍ "
- حدّثني إبراهيم بن موسى، عن هشامٍ، عن معمرٍ، ح وحدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، قال: أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، قال: حدّثني ابن عبّاسٍ، قال: حدّثني أبو سفيان، من فيه إلى فيّ، قال: انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، قال: فبينا أنا بالشّأم، إذ جيء بكتابٍ من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل، قال: وكان دحية الكلبيّ جاء به، فدفعه إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل، قال: فقال هرقل: هل ها هنا أحدٌ من قوم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيٌّ؟ فقالوا: نعم، قال: فدعيت في نفرٍ من قريشٍ، فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه، فقال: أيّكم أقرب نسبًا من هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيٌّ؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا، فأجلسوني بين يديه، وأجلسوا أصحابي خلفي، ثمّ دعا بترجمانه، فقال: قل لهم: إنّي سائلٌ هذا عن هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيٌّ، فإن كذبني فكذّبوه، قال أبو سفيان: وايم اللّه، لولا أن يؤثروا عليّ الكذب لكذبت، ثمّ قال: لترجمانه، سله كيف حسبه فيكم؟ قال: قلت: هو فينا ذو حسبٍ، قال: فهل كان من آبائه ملكٌ؟ قال: قلت: لا، قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: أيتّبعه أشراف النّاس أم ضعفاؤهم؟ قال: قلت: بل ضعفاؤهم، قال: يزيدون أو ينقصون؟ قال: قلت لا بل يزيدون، قال: هل يرتدّ أحدٌ منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطةً له؟ قال: قلت: لا، قال: فهل قاتلتموه؟ قال: قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إيّاه؟ قال: قلت: تكون الحرب بيننا وبينه سجالًا يصيب منّا ونصيب منه، قال: فهل يغدر؟ قال: قلت: لا، ونحن منه في هذه المدّة لا ندري ما هو صانعٌ فيها، قال: واللّه ما أمكنني من كلمةٍ أدخل فيها شيئًا غير هذه، قال: فهل قال هذا القول أحدٌ قبله؟ قلت: لا، ثمّ قال لترجمانه: قل له: إنّي سألتك عن حسبه فيكم، فزعمت أنّه فيكم ذو حسبٍ، وكذلك الرّسل تبعث في أحساب قومها، وسألتك: هل كان في آبائه ملكٌ، فزعمت أن لا، فقلت: لو كان من آبائه ملكٌ، قلت: رجلٌ يطلب ملك آبائه، وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم، فقلت: بل ضعفاؤهم، وهم أتباع الرّسل، وسألتك: هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فزعمت أن لا، فعرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب على النّاس، ثمّ يذهب فيكذب على اللّه، وسألتك هل يرتدّ أحدٌ منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطةً له، فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب، وسألتك هل يزيدون أم ينقصون، فزعمت أنّهم يزيدون وكذلك الإيمان حتّى يتمّ، وسألتك: هل قاتلتموه فزعمت أنّكم قاتلتموه، فتكون الحرب بينكم وبينه سجالًا ينال منكم وتنالون منه، وكذلك الرّسل تبتلى ثمّ تكون لهم العاقبة، وسألتك هل يغدر فزعمت أنّه لا يغدر، وكذلك الرّسل لا تغدر، وسألتك: هل قال أحدٌ هذا القول قبله، فزعمت أن لا، فقلت: لو كان قال هذا القول أحدٌ قبله، قلت: رجلٌ ائتمّ بقولٍ قيل قبله، قال: ثمّ قال: بم يأمركم؟ قال: قلت: يأمرنا بالصّلاة والزّكاة والصّلة والعفاف، قال: إن يك ما تقول فيه حقًّا، فإنّه نبيٌّ، وقد كنت أعلم أنّه خارجٌ، ولم أك أظنّه منكم، ولو أنّي أعلم أنّي أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه، وليبلغنّ ملكه ما تحت قدميّ، قال: ثمّ دعا بكتاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقرأه: " فإذا فيه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من محمّدٍ رسول اللّه إلى هرقل عظيم الرّوم، سلامٌ على من اتّبع الهدى، أمّا بعد: فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك اللّه أجرك مرّتين، فإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين، و: {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم، أن لا نعبد إلّا اللّه} إلى قوله: {اشهدوا بأنّا مسلمون} [آل عمران: 64] " فلمّا فرغ من قراءة الكتاب، ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللّغط، وأمر بنا فأخرجنا، قال: فقلت لأصحابي حين خرجنا: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، إنّه ليخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقنًا بأمر رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنّه سيظهر حتّى أدخل اللّه عليّ الإسلام، قال الزّهريّ: فدعا هرقل عظماء الرّوم فجمعهم في دارٍ له، فقال: يا معشر الرّوم، هل لكم في الفلاح والرّشد آخر الأبد، وأن يثبت لكم ملككم، قال: فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلّقت، فقال: عليّ بهم، فدعا بهم فقال: إنّي إنّما اختبرت شدّتكم على دينكم، فقد رأيت منكم الّذي أحببت فسجدوا له ورضوا عنه). [صحيح البخاري: 6/35-36]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله تعالى قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم أن لا نعبد إلّا الله)
كذا للأكثر ولأبي ذرٍّ وبينكم الآية قوله سواءٍ قصدًا كذا لأبي ذرٍّ بالنّصب ولغيره بالجرّ فيهما وهو أظهر على الحكاية لأنّه يفسر قوله إلى كلمة سواء وقد قرئ في الشّواذّ بالنّصب وهي قراءة الحسن البصريّ قال الحوفيّ انتصب على المصدر أي استوت استواءً والقصد بفتح القاف وسكون المهملة الوسط المعتدل قال أبو عبيدة في قوله إلى كلمةٍ سواءٍ أي عدلٍ وكذا أخرجه الطّبريّ وبن أبي حاتمٍ من طريق الرّبيع بن أنسٍ وأخرج الطّبريّ عن قتادة مثله ونسبها الفرّاء إلى قراءة بن مسعودٍ وأخرج عن أبي العالية أنّ المراد بالكلمة لا إله إلّا اللّه وعلى ذلك يدل سياق الآية الّذي تضمنه قوله أن لا نعبد إلّا اللّه ولا نشرك به شيئًا ولا يتّخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون اللّه فإنّ جميع ذلك داخلٌ تحت كلمة الحقّ وهي لا إله إلّا اللّه والكلمة على هذا بمعنى الكلام وذلك سائغٌ في اللّغة فتطلق الكلمة على الكلمات لأنّ بعضها ارتبط ببعضٍ فصارت في قوّة الكلمة الواحدة بخلاف اصطلاح النّحاة في تفريقهم بين الكلمة والكلام ثمّ ذكر المصنّف حديث أبي سفيان في قصّة هرقل بطوله وقد شرحته في بدء الوحي وأحلت بقيّة شرحه على الجهاد فلم يقدّر إيراده هناك فأوردته هنا وهشامٌ في أول الإسناد هو بن يوسف الصّنعانيّ

- قوله حدّثني أبو سفيان من فيه إلى فيّ إنّما لم يقل إلى أذني يشير إلى أنّه كان متمكّنًا من الإصغاء إليه بحيث يجيبه إذا احتاج إلى الجواب فلذلك جعل التّحديث متعلّقًا بفمه وهو في الحقيقة إنّما يتعلّق بأذنه واتّفق أكثر الرّوايات على أنّ الحديث كلّه من رواية بن عبّاسٍ عن أبي سفيان إلّا ما وقع من رواية صالح بن كيسان عن الزّهريّ في الجهاد فإنّه ذكر أوّل الحديث عن بن عبّاسٍ إلى قوله فلمّا جاء قيصر كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال حين قرأه التمسوا لي ها هنا أحدا من قومه لأسألهم عنه قال بن عبّاسٍ فأخبرني أبو سفيان أنّه كان بالشّام الحديث كذا وقع عند أبي يعلى من رواية الوليد بن محمّدٍ عن الزّهريّ وهذه الرّواية المفصّلة تشعر بأنّ فاعل قال الّذي وقع هنا من قوله قال وكان دحية الخ هو بن عبّاسٍ لا أبو سفيان وفاعل قال وقال هرقل هل هنا أحدٌ هو أبو سفيان قوله هرقل بكسر الهاء وفتح الرّاء وسكون القاف على المشهور في الرّوايات وحكى الجوهريّ وغير واحدٍ من أهل اللّغة سكون الرّاء وكسر القاف وهو اسمٌ غير عربيٍّ فلا ينصرف للعلميّة والعجمة قوله فدعيت في نفرٍ من قريشٍ فدخلنا على هرقل فيه حذفٌ تقديره فجاءنا رسوله فتوجّهنا معه فاستأذن لنا فأذن فدخلنا وهذه الفاء تسمّى الفصيحة وهي الدّالّة على محذوفٍ قبلها هو سببٌ لما بعدها سمّيت فصيحةً لإفصاحها عمّا قبلها وقيل لأنّها تدلّ على فصاحة المتكلّم بها فوصفت بالفصاحة على الإسناد المجازيّ ولهذا لا تقع إلّا في كلامٍ بليغٍ ثمّ إنّ ظاهر السّياق أنّ هرقل أرسل إليه بعينه وليس كذلك وإنّما كان المطلوب من يوجد من قريشٍ ووقع في الجهاد قال أبو سفيان فوجدنا رسول قيصر ببعض الشّام فانطلق بي وبأصحابي حتّى قدمنا إلى إيلياء وتقدّم في بدء الوحي أنّ المراد بالبعض غزّة وقيصر هو هرقل وهرقل اسمه وقيصر لقبه قوله فدخلنا على هرقل تقدّم في بدء الوحي بلفظ فأتوه وهو بإيلياء وفي روايةٍ هناك وهم بإيلياء واستشكلت ووجّهت أنّ المراد الرّوم مع ملكهم والأوّل أصوب قوله فأجلسنا بين يديه فقال أيّكم أقرب نسبًا من هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيٌّ فقال أبو سفيان فقلت أنا فأجلسوني بين يديه وأجلسوا أصحابي خلفي ثمّ دعا بترجمانه وهذا يقتضي أنّ هرقل خاطبهم أوّلًا بغير ترجمانٍ ثمّ دعا بالترجمان لكن وقع في الجهاد بلفظ فقال لترجمانه سلهم أيّهم أقرب نسبًا إلخ فيجمع بين هذا الاختلاف بأنّ قوله ثمّ دعا بترجمانه أي فأجلسه إلى جنب أبي سفيان لا أنّ المراد أنّه كان غائبًا فأرسل في طلبه فحضر وكأنّ التّرجمان كان واقفًا في المجلس كما جرت به عادة ملوك الأعاجم فخاطبهم هرقل بالسّؤال الأوّل فلمّا تحرّر له حال الّذي أراد أن يخاطبه من بين الجماعة أمر التّرجمان بالجلوس إليه ليعبّر عنه بما أراد والتّرجمان من يفسّر لغةً بلغةٍ فعلى هذا لا يقال ذلك لمن فسّر كلمةً غريبةً بكلمةٍ واضحةٍ فإن اقتضى معنى التّرجمان ذلك فليعرف أنّه الّذي يفسّر لفظًا بلفظٍ وقد اختلف هل هو عربيٌّ أو معرّبٌ والثّاني أشهر وعلى الأوّل فنونه زائدةٌ اتّفاقًا ثمّ قيل هو من ترجيم الظّنّ وقيل من الرّجم فعلى الثّاني تكون التّاء أيضًا زائدةً ويوجب كونه من الرّجم أنّ الّذي يلقي الكلام كأنّه يرجم الّذي يلقيه إليه قوله أقرب نسبًا من هذا الرّجل من كأنّها ابتدائيّةٌ والتّقدير أيّكم أقرب نسبًا مبدؤه من هذا الرّجل أو هي بمعنى الباء ويؤيّده أنّ في الرّواية الّتي في بدء الوحي بهذا الرّجل وفي رواية الجهاد إلى هذا الرّجل ولا إشكال فيه فإنّ أقرب يتعدّى بإلى قال اللّه تعالى ونحن أقرب إليه من حبل الوريد والمفضّل عليه محذوفٌ تقديره من غيره ويحتمل أن يكون في رواية الباب بمعنى الغاية فقد ثبت ورودها للغاية مع قلّةٍ قوله وأجلسوا أصحابي خلفي في رواية الجهاد عند كتفي وهي أخصّ وعند الواقديّ فقال لترجمانه قل لأصحابه إنّما جعلتكم عند كتفيه لتردّوا عليه كذبًا إن قاله قوله عن هذا الرّجل أشار إليه إشارة القرب لقرب العهد بذكره أو لأنّه معهودٌ في أذهانهم لاشتراك الجميع في معاداته ووقع عند بن إسحاق من الزّيادة في هذه القصّة قال أبو سفيان فجعلت أزهّده في شأنه وأصغّر أمره وأقول إنّ شأنه دون ما بلغك فجعل لا يلتفت إلى ذلك قوله فإن كذبني بالتّخفيف فكذّبوه بالتّشديد أي قال لترجمانه يقول لكم ذلك ولمّا جرت العادة أنّ مجالس الأكابر لا يواجه أحدٌ فيها بالتّكذيب احترامًا لهم أذن لهم هرقل في ذلك للمصلحة الّتي أرادها قال محمّد بن إسماعيل التّيميّ كذب بالتّخفيف يتعدّى إلى مفعولين مثل صدق تقول كذبني الحديث وصدقني الحديث قال اللّه تعالى لقد صدق اللّه رسوله الرّؤيا بالحقّ وكذّب بالتّشديد يتعدّى إلى مفعولٍ واحدٍ وهما من غرائب الألفاظ لمخالفتهما الغالب لأنّ الزّيادة تناسب الزّيادة وبالعكس والأمر هنا بالعكس قوله وأيم الله بالهمز وبغير الهمز وفيها لغاتٌ أخرى تقدّمت قوله يؤثر بفتح المثلّثة أي ينقل قوله كيف حسبه كذا هنا وفي غيرها كيف نسبه والنّسب الوجه الّذي يحصل به الإدلاء من جهة الآباء والحسب ما يعدّه المرء من مفاخر آبائه وقوله هو فينا ذو حسبٍ في غيرها ذو نسبٍ واستشكل الجواب لأنّه لم يزد على ما في السّؤال لأنّ السّؤال تضمّن أنّ له نسبًا أو حسبًا والجواب كذلك وأجيب بأنّ التّنوين يدلّ على التّعظيم كأنّه قال هو فينا ذو نسبٍ كبيرٍ أو حسب رفيع ووقع في رواية بن إسحاق كيف نسبه فيكم قال في الذّروة وهي بكسر المعجمة وسكون الرّاء أعلى ما في البعير من السّنام فكأنّه قال هو من أعلانا نسبًا وفي حديث دحية عند البزّار حدّثني عن هذا الّذي خرج بأرضكم ما هو قال شابٌّ قال كيف حسبه فيكم قال هو في حسب ما لا يفضل عليه أحدٌ قال هذه آيةٌ قوله هل كان في آبائه ملكٌ في رواية الكشميهنيّ من آبائه وملكٌ هنا بالتّنوين وهي تؤيّد أنّ الرّواية السّابقة في بدء الوحي بلفظ من ملكٍ ليست بلفظ الفعل الماضي قوله قال يزيدون أم ينقصون كذا فيه بإسقاط همزة الاستفهام وقد جزم بن مالكٍ بجوازه مطلقًا خلافًا لمن خصّه بالشّعر قوله قال هل يرتدّ إلخ إنّما لم يستغن هرقل بقوله بل يزيدون عن هذا السّؤال لأنّه لا ملازمة بين الارتداد والنّقص فقد يرتدّ بعضهم ولا يظهر فيهم النّقص باعتبار كثرة من يدخل وقلّة من يرتدّ مثلًا قوله سخطةً له يريد أنّ من دخل في الشّيء على بصيرةٍ يبعد رجوعه عنه بخلاف من لم يكن ذلك من صميم قلبه فإنّه يتزلزل بسرعةٍ وعلى هذا يحمل حال من ارتدّ من قريشٍ ولهذا لم يعرّج أبو سفيان على ذكرهم وفيهم صهره زوج ابنته أمّ حبيبة وهو عبيد اللّه بن جحشٍ فإنّه كان أسلم وهاجر إلىالحبشة بزوجته ثمّ تنصّر بالحبشة ومات على نصرانيّته وتزوّج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أمّ حبيبة بعده وكأنّه ممّن لم يكن دخل في الإسلام على بصيرةٍ وكان أبو سفيان وغيره من قريشٍ يعرفون ذلك منه ولذلك لم يعرّج عليه خشية أن يكذّبوه ويحتمل أن يكونوا عرفوه بما وقع له من التّنصّر وفيه بعدٌ أو المراد بالارتداد الرّجوع إلى الدّين الأوّل ولم يقع ذلك لعبيد اللّه بن جحشٍ ولم يطّلع أبو سفيان على من وقع له ذلك زاد في حديث دحية أرأيت من خرج من أصحابه إليكم هل يرجعون إليه قال نعم قوله فهل قاتلتموه نسب ابتداء القتال إليهم ولم يقل قاتلكم فينسب ابتداء القتال إليه محافظةً على احترامه أو لاطّلاعه على أنّ النّبيّ لا يبدأ قومه بالقتال حتّى يقاتلوه أو لما عرفه من العادة من حميّة من يدعى إلى الرّجوع عن دينه وفي حديث دحية هل ينكب إذا قاتلكم قال قد قاتله قومٌ فهزمهم وهزموه قال هذه آيةٌ قوله يصيب منّا ونصيب منه وقعت المقاتلة بين النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وبين قريشٍ قبل هذه القصّة في ثلاثة مواطن بدرٌ وأحدٌ والخندق فأصاب المسلمون من المشركين في بدرٍ وعكسه في أحدٍ وأصيب من الطّائفتين ناسٌ قليلٌ في الخندق فصحّ قول أبي سفيان يصيب منّا ونصيب منه ولم يصب من تعقّب كلامه وأنّ فيه دسيسةً لم ينبّه عليها كما نبّه على قوله ونحن منه في مدّةٍ لا ندري ما هو صانعٌ فيها والحقّ أنّه لم يدسّ في هذه القصّة شيئًا وقد ثبت مثل كلامه هذا من لفظ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كما أشرت إليه في بدء الوحي قوله إنّي سألتك عن حسبه فيكم ذكر الأسئلة والأجوبة على ترتيب ما وقعت وأجاب عن كلّ جوابٍ بما يقتضيه الحال وحاصل الجميع ثبوت علامات النّبوّة في الجميع فالبعض ممّا تلقّفه من الكتب والبعض ممّا استقرأه بالعادة ووقع في بدء الوحي إعادة الأجوبة مشوّشة التّرتيب وهو من الرّاوي بدليل أنّه حذف منها واحدةً وهي قوله هل قاتلتموه إلخ ووقع في رواية الجهاد شيءٌ خالفت فيه ما في الموضعين فإنّه أضاف قول بم يأمركم إلى بقيّة الأسئلة فكملت بها عشرةً وأمّا هنا فإنّه أخّر قوله بم يأمركم إلى ما بعد إعادة الأسئلة والأجوبة وما رتّب عليها وقوله قال لترجمانه قل له أي قل لأبي سفيان إنّي سألتك أي قل له حاكيًا عن هرقل إنّي سألتك أو المراد إنّي سألتك على لسان هرقل لأنّ التّرجمان يعيد كلام هرقل ويعيد لهرقل كلام أبي سفيان ولا يبعد أن يكون هرقل كان يفقه بالعربيّة ويأنف من التّكلّم بغير لسان قومه كما جرت به عادة الملوك من الأعاجم قوله قلت لو كان من آبائه أي قلت في نفسي بن وأطلق على حديث النّفس قولًا قوله ملك أبيه أفرده ليكون أعذر في طلب الملك بخلاف ما لو قال ملك آبائه أو المراد بالأب ما هو أعمّ من حقيقته ومجازه قوله وكذلك الإيمان إذا خالط يرجّح أنّ الرّواية الّتي في بدء الوحي بلفظ حتّى يخالط وهمٌ والصّواب حين كما للأكثر قوله قلت يأمرنا بالصّلاة إلخ في بدء الوحي فقلت يقول اعبدوا اللّه إلخ واستدلّ به على إطلاق الأمر على صيغة افعل وعلى عكسه وفيه نظرٌ لأنّ الظّاهر أنّه من تصرف الرواة ويستفاد منه أن المأموارت كلّها كانت معروفةً عند هرقل ولهذا لم يستفسره عن حقائقها قوله إن يك ما تقول فيه حقًّا فإنّه نبيٌّ وقع في رواية الجهاد وهذه صفة نبيٍّ
وفي مرسل سعيد بن المسيب عند بن أبي شيبة فقال هو نبيٌّ ووقع في أمالي المحامليّ رواية الأصبهانيّين من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أبي سفيان أنّ صاحب بصرى أخذه وناسًا معه وهم في تجارةٍ فذكر القصّة مختصرةً دون الكتاب وما فيه وزاد في آخرها قال فأخبرني هل تعرف صورته إذا رأيتها قلت نعم فأدخلت كنيسةً لهم فيها الصّور فلم أره ثمّ أدخلت أخرى فإذا أنا بصورة محمّدٍ وصورة أبي بكرٍ إلّا أنّه دونه وفي دلائل النّبوّة لأبي نعيمٍ بإسنادٍ ضعيفٍ إنّ هرقل أخرج لهم سقطا من ذهبٍ عليه قفلٌ من ذهبٍ فأخرج منه حريرةً مطويّةً فيها صورٌ فعرضها عليهم إلى أن كان آخرها صورة محمّدٍ فقلنا بأجمعنا هذه صورة محمّدٍ فذكر لهم أنّها صور الأنبياء وأنّه خاتمهم صلّى اللّه عليه وسلّم قوله وقد كنت أعلم أنّه خارجٌ ولم أك أظنّه منكم أي أعلم أنّ نبيًّا سيبعث في هذا الزّمان لكن لم أعلم تعيين جنسه وزعم بعض الشّرّاح أنّه كان يظنّ أنّه من بني إسرائيل لكثرة الأنبياء فيهم وفيه نظرٌ لأنّ اعتماد هرقل في ذلك كان على ما اطّلع عليه من الإسرائيليّات وهي طافحةٌ بأنّ النّبيّ الّذي يخرج في آخر الزّمان من ولد إسماعيل فيحمل قوله لم أكن أظنّ أنّه منكم أي من قريشٍ قوله لأحببت لقاءه في بدء الوحي لتجشّمت بجيمٍ ومعجمةٍ أي تكلّفت ورجّحها عياضٌ لكن نسبها لرواية مسلمٍ خاصّةً وهي عند البخاريّ أيضًا وقال النّوويّ قوله لتجشّمت لقاءه أي تكلّفت الوصول إليه وارتكبت المشقّة في ذلك ولكنّي أخاف أن أقتطع دونه قال ولا عذر له في هذا لأنّه عرف صفة النّبيّ لكنّه شحّ بملكه ورغب في بقاء رياسته فآثرها وقد جاء ذلك مصرّحًا به في صحيح البخاريّ قال شيخنا شيخ الإسلام كذا قال ولم أر في شيءٍ من طرق الحديث في البخاريّ ما يدلّ على ذلك قلت والّذي يظهر لي أنّ النّوويّ عنى ما وقع في آخر الحديث عند البخاريّ دون مسلمٍ من القصّة الّتي حكاها بن النّاطور وأنّ في آخرها في بدء الوحي أنّ هرقل قال إنّي قلت مقالتي آنفًا أختبر بها شدّتكم على دينكم فقد رأيت وزاد في آخر حديث الباب فقد رأيت الّذي أحببت فكأنّ النّوويّ أشار إلى هذا واللّه أعلم وقد وقع التّعبير بقوله شحّ بملكه في الحديث الّذي أخرجه قوله ثمّ دعا بكتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقرأه ظاهره أنّ هرقل هو الّذي قرأ الكتاب ويحتمل أن يكون التّرجمان قرأه ونسبت قراءته إلى هرقل مجازًا لكونه الآمر به وقد تقدّم في رواية الجهاد بلفظ ثمّ دعا بكتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقرئ وفي مرسل محمّد بن كعبٍ القرظيّ عند الواقديّ في هذه القصّة فدعا التّرجمان الّذي يقرأ بالعربيّة فقرأه ووقع في رواية الجهاد ما ظاهره أنّ قراءة الكتاب وقعت مرّتين فإنّ في أوّله فلمّا جاء قيصر كتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال حين قرأه التمسوا لي ها هنا أحدا من قومه لأسالهم عنه قال بن عبّاسٍ فأخبرني أبو سفيان أنّه كان بالشّام في رجالٍ من قريشٍ فذكر القصّة إلى أن قال ثمّ دعا بكتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقرئ والّذي يظهر لي أنّ هرقل قرأه بنفسه أوّلًا ثمّ لمّا جمع قومه وأحضر أبا سفيان ومن معه وسأله وأجابه أمر بقراءة الكتاب على الجميع ويحتمل أن يكون المراد بقوله أوّلًا فقال حين قرأه أي قرأ عنوان الكتاب لأنّ كتاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان مختومًا بختمه وختمه محمّدٌ رسول اللّه ولهذا قال إنّه يسأل عن هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيٌّ ويؤيّد هذا الاحتمال أنّ من جملة الأسئلة قول هرقل بم يأمركم فقال أبو سفيان يقول اعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئًا وهذا بعينه في الكتاب فلو كان هرقل قرأه أوّلًا ما أحتاج إلى السّؤال عنه ثانيًا نعم يحتمل أن يكون سأل عنه ثانيًا مبالغةً في تقريره قال النّوويّ في هذه القصّة فوائد منها جواز مكاتبة الكفّار ودعاؤهم إلى الإسلام قبل القتال وفيه تفصيلٌ فمن بلغته الدّعوة وجب إنذارهم قبل قتالهم وإلّا استحبّ ومنها وجوب العمل بخبر الواحد وإلّا لم يكن في بعث الكتاب مع دحية وحده فائدةٌ ومنها وجوب العمل بالخطّ إذا قامت القرائن بصدقه قوله فإذا فيه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم قال النّوويّ فيه استحباب تصدير الكتب ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم وإن كان المبعوث إليه كافرًا ويحمل قوله في حديث أبي هريرة كلّ أمرٍ ذي بالٍ لا يبدأ فيه بحمد اللّه فهو أقطع أي بذكر اللّه كما جاء في روايةٍ أخرى فإنّه روي على أوجهٍ بذكر اللّه ببسم اللّه بحمد اللّه قال وهذا الكتاب كان ذا بالٍ من المهمّات العظام ولم يبدأ فيه بلفظ الحمد بل بالبسملة انتهى والحديث الّذي أشار إليه أخرجه أبو عوانة في صحيحه وصححه بن حبّان أيضًا وفي إسناده مقالٌ وعلى تقدير صحّته فالرّواية المشهورة فيه بلفظ حمد الله وما عدا ذلك من الألفاظ الّتي ذكرها النّوويّ وردت في بعض طرق الحديث بأسانيد واهيةٍ ثمّ اللّفظ وإن كان عامّا لكن أريد به الخصوص وهي الأمور الّتي تحتاج إلى تقدّم الخطبة وأمّا المراسلات فلم تجر العادة الشّرعيّة ولا العرفيّة بابتدائها بذلك وهو نظير الحديث الّذي أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة أيضًا بلفظ كلّ خطبةٍ ليس فيها شهادةٌ فهي كاليد الجذماء فالابتداء بالحمد واشتراط التّشهّد خاصٌّ بالخطبة بخلاف بقيّة الأمور المهمّة فبعضها يبدأ فيه بالبسملة تامّةً كالمراسلات وبعضها ببسم اللّه فقط كما في أوّل الجماع والذّبيحة وبعضها بلفظٍ من الذّكر مخصوصٍ كالتّكبير وقد جمعت كتب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الملوك وغيرهم فلم يقع في واحدٍ منها البداءة بالحمد بل بالبسملة وهو يؤيّد ما قرّرته واللّه أعلم وقد تقدّم في الحيض استدلال المصنّف بهذا الكتاب على جواز قراءة الجنب القرآن وما يرد عليه وكذا في الجهاد الاستدلال به على جواز السّفر بالقرآن إلى أرض العدوّ وما يرد عليه بما أغنى عن الإعادة ووقع في مرسل سعيد بن المسيّب عند بن أبي شيبة أنّ هرقل لمّا قرأ الكتاب قال هذا كتابٌ لم أسمعه بعد سليمان عليه السّلام كأنّه يريد الابتداء ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم وهذا يؤيّد ما قدّمناه أنّه كان عالمًا بأخبار أهل الكتاب قوله من محمّدٌ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقع في بدء الوحي وفي الجهاد من محمّد بن عبد اللّه ورسوله وفيه إشارةٌ إلى أنّ رسل اللّه وإن كانوا أكرم الخلق على اللّه فهم مع ذلك مقرونٌ بأنّهم عبيد اللّه وكأنّ فيه إشارةً إلى بطلان ما تدّعيه النّصارى في عيسى عليه السّلام وذكر المدائنيّ أنّ القارئ لمّا قرأ من محمّدٍ رسول اللّه إلى عظيم الرّوم غضب أخو هرقل واجتذب الكتاب فقال له هرقل مالك فقال بدأ بنفسه وسمّاك صاحب الرّوم فقال هرقل إنّك لضعيف الرّأي أتريد أن أرمي بكتابٍ قبل أن أعلم ما فيه لئن كان رسول اللّه إنّه لأحقّ أن يبدأ بنفسه ولقد صدق أنا صاحب الرّوم واللّه مالكي ومالكهم وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده من طريق عبد اللّه بن شدّادٍ عن دحية بعثني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بكتابٍ إلى هرقل فقدمت عليه فأعطيته الكتاب وعنده بن أخٍ له أحمر أزرق سبط الرّأس فلمّا قرأ الكتاب نخر بن أخيه نخرةً فقال لا تقرأ فقال قيصر لم قال لأنّه بدأ بنفسه وقال صاحب الرّوم ولم يقل ملك الرّوم قال اقرأ فقرأ الكتاب قوله إلى هرقل عظيم الرّوم عظيم بالجرّ على البدل ويجوز الرّفع على القطع والنّصب على الاختصاص والمراد من تعظّمه الرّوم وتقدّمه للرّياسة عليها قوله أمّا بعد تقدّم في كتاب الجمعة في باب من قال في الخطبة بعد الثّناء أمّا بعد الإشارة إلى عدد من روى من الصّحابة هذه الكلمة وتوجيهها ونقلت هناك أنّ سيبويه قال إنّ معنى أمّا بعد مهما يكن من شيءٍ وأقول هنا سيبويه لا يخصّ ذلك بقولنا أمّا بعد بل كلّ كلامٍ أوّله أمّا وفيه معنى الجزاء قاله في مثل أمّا عبد اللّه فمنطلقٌ والفاء لازمةٌ في أكثر الكلام
وقد تحذف وهو نادرٌ قال الكرمانيّ فإن قلت أمّا للتّفصيل فأين القسيم ثمّ أجاب بأنّ التّقدير أمّا الابتداء فهو بسم اللّه وأمّا المكتوب فهو من محمّدٍ إلخ وأمّا المكتوب به فهو ما ذكر في الحديث وهو توجيهٌ مقبولٌ لكنّه لا يطّرد في كلّ موضعٍ ومعناها الفصل بين الكلامين واختلف في أوّل من قالها فقيل داود عليه السّلام وقيل يعرب بن قحطان وقيل كعب بن لؤيٍّ وقيل قسّ بن ساعدة وقيل سحبان وفي غرائب مالكٍ للدّارقطنيّ أنّ يعقوب عليه السّلام قالها فإن ثبت وقلنا إنّ قحطان من ذرّيّة إسماعيل فيعقوب أوّل من قالها مطلقًا وإن قلنا إنّ قحطان قبل إبراهيم عليه السّلام فيعرب أوّل من قالها واللّه أعلم قوله أسلم تسلم فيه بشارةٌ لمن دخل في الإسلام أنّه يسلم من الآفات اعتبارًا بأنّ ذلك لا يختصّ بهرقل كما أنّه لا يختصّ بالحكم الآخر وهو قوله أسلم يؤتك اللّه أجرك مرّتين لأنّ ذلك عامٌّ في حقّ من كان مؤمنًا بنبيّه ثمّ آمن بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم قوله وأسلم يؤتك فيه تقويةٌ لأحد الاحتمالين المتقدّمين في بدء الوحي وأنّه أعاد أسلم تأكيدًا ويحتمل أن يكون قوله أسلم أوّلًا أي لا تعتقد في المسيح ما تعتقده النّصارى وأسلم ثانيًا أي ادخل في دين الإسلام فلذلك قال بعد ذلك يؤتك اللّه أجرك مرّتين تنبيهٌ لم يصرّح في الكتاب بدعائه إلى الشّهادة للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بالرّسالة لكنّ ذلك منطوٍ في قوله والسّلام على من اتّبع الهدى وفي قوله أدعوك بدعاية الإسلام وفي قوله أسلم فإنّ جميع ذلك يتضمّن الإقرار بالشّهادتين قوله إثم الأريسيّين تقدّم ضبطه وشرحه في بدء الوحي ووجدته هناك في أصلٍ معتمدٍ بتشديد الرّاء وحكى هذه الرّواية أيضًا صاحب المشارق وغيره وفي أخرى الأريسين بتحتانيّةٍ واحدةٍ قال بن الأعرابيّ أرس يأرس بالتّخفيف فهو أريسٌ وأرّس بالتّشديد يؤرّس فهو إرّيسٌ وقال الأزهريّ بالتّخفيف وبالتّشديد الأكّار لغةٌ شاميّةٌ وكان أهل السّواد أهل فلاحةٍ وكانوا مجوسًا وأهل الرّوم أهل صناعةٍ فأعلموا بأنّهم وإن كانوا أهل كتابٍ فإنّ عليهم إن لم يؤمنوا من الإثم إثم المجوس انتهى وهذا توجيهٌ آخر لم يتقدّم ذكره وحكى غيره أنّ الأريسيّين ينسبون إلى عبد الله بن أريس رجل كان تعظّمه النّصارى ابتدع في دينهم أشياء مخالفةً لدين عيسى وقيل إنّه من قومٍ بعث إليهم نبيٌّ فقتلوه فالتّقدير على هذا فإنّ عليك مثل إثم الاريسيين وذكر بن حزمٍ أنّ أتباع عبد اللّه بن أريسٍ كانوا أهل مملكة هرقل وردّه بعضهم بأنّ الأريسيّين كانوا قليلًا وما كانوا يظهرون رأيهم فإنّهم كانوا ينكرون التّثليث وما أظنّ قول بن حزمٍ إلّا عن أصلٍ فإنّه لا يجازف في النّقل ووقع في رواية الأصيليّ اليريسيّين بتحتانيّةٍ في أوّله وكأنّه بتسهيل الهمزة وقال بن سيده في المحكم الأريس الأكّار عند ثعلبٍ والأمين عند كراعٍ فكأنّه من الأضداد أي يقال للتّابع والمتبوع والمعنى في الحديث صالحٌ على الرّأيين فإن كان المراد التّابع فالمعنى إنّ عليك مثل إثم التّابع لك على ترك الدّخول في الإسلام وإن كان المراد المتبوع فكأنّه قال فإنّ عليك إثم المتبوعين وإثم المتبوعين يضاعف باعتبار ما وقع لهم من عدم الإذعان إلى الحقّ من إضلال أتباعهم وقال النّوويّ نبّه بذكر الفلّاحين على بقيّة الرّعيّة لأنّهم الأغلب ولأنّهم أسرع انقيادًا وتعقّب بأنّ من الرّعايا غير الفلّاحين من له صرامةٌ وقوّةٌ وعشيرةٌ فلا يلزم من دخول الفلّاحين في الإسلام دخول بقيّة الرّعايا حتّى يصحّ أنّه نبّه بذكرهم على الباقين كذا تعقّبه شيخنا شيخ الإسلام والّذي يظهر أن مراد النّوويّ أنه نبه بذكر طائفةً من الطّوائف على بقيّة الطّوائف كأنّه يقول إذا امتنعت كان عليك إثم كلّ من امتنع بامتناعك وكان يطيع لو أطعت الفلّاحين فلا وجهٌ للتّعقّب عليه نعم قول أبي عبيدٍ في كتاب الأموال ليس المراد بالفلاحين الزراعين فقط بل المراد به جميع أهل المملكة إن أراد به على التّقرير الّذي قرّرت به كلام النّوويّ فلا اعتراض عليه وإلّا فهو معترضٌ وحكى أبو عبيدٍ أيضًا أنّ الأريسيّين هم الخول والخدم وهذا أخصّ من الّذي قبله إلّا أن يريد بالخول ما هو أعمّ بالنّسبة إلى من يحكم الملك عليه وحكى الأزهريّ أيضًا أنّ الأريسيّين قومٌ من المجوس كانوا يعبدون النّار ويحرّمون الزّنا وصناعتهم الحراثة ويخرجون العشر ممّا يزرعون لكنّهم يأكلون الموقوذة وهذا أثبت فمعنى الحديث فإنّ عليك مثل إثم الأريسيّين كما تقدّم قوله فلمّا فرغ أي القارئ ويحتمل أن يريد هرقل ونسب إليه ذلك مجازًا لكونه الآمر به ويؤيّده قوله بعده عنده فإنّ الضّمير فيه وفيما بعده لهرقل جزمًا قوله ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللّغط ووقع في الجهاد فلمّا أن قضى مقالته علت أصوات الّذين حوله من عظماء الرّوم وكثر لغطهم فلا أدري ما قالوا لكن يعرف من قرائن الحال أنّ اللّغط كان لما فهموه من هرقل من ميله إلى التّصديق قوله لقد أمر أمر ابن أبي كبشة تقدّم ضبطه في بدء الوحي وأنّ أمر الأوّل بفتح الهمزة وكسر الميم والثّاني بفتح الهمزة وسكون الميم وحكى بن التّين أنّه روي بكسر الميم أيضًا وقد قال كراعٌ في المجرّد ورع أمر بفتحٍ ثمّ كسرٍ أي كثيرٌ فحينئذٍ يصير المعنى لقد كثر كثيرا بن أبي كبشة وفيه قلقٌ وفي كلام الزّمخشريّ ما يشعر بأنّ الثّاني بفتح الميم فإنّه قال أمرةٌ على وزن بركةٍ الزّيادة ومنه قول أبي سفيان لقد أمر أمر محمّدٍ انتهى هكذا أشار إليه شيخنا شيخ الإسلام سراج الدّين في شرحه وردّه والّذي يظهر لي أنّ الزّمخشريّ إنّما أراد تفسير اللّفظة الأولى وهي أمر بفتحٍ ثمّ كسرٍ وأنّ مصدرها أمرٌ بفتحتين والأمر بفتحتين الكثرة والعظم والزّيادة ولم يرد ضبط اللّفظة الثّانية واللّه أعلم قوله قال الزّهريّ فدعا هرقل عظماء الرّوم فجمعهم إلخ هذه قطعةٌ من الرّواية الّتي وقعت في بدء الوحي عقب القصّة الّتي حكاها بن النّاطور وقد بيّن هناك أنّ هرقل دعاهم في دسكرةٍ له بحمص وذلك بعد أنّ رجع من بيت المقدس وكاتب صاحبه الّذي بروميّة فجاءه جوابه يوافقه على خروج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعلى هذا فالفاء في قوله فدعا فصيحةٌ والتّقدير قال الزّهريّ فسار هرقل إلى حمص فكتب إلى صاحبه بروميّة فجاءه جوابه فدعا الرّوم تنبيهٌ وقع في سيرة بن إسحاق من روايته عن الزّهريّ بإسناد حديث الباب إلى أبي سفيان بعض القصّة الّتي حكاها الزّهريّ عن بن النّاطور والّذي يظهر لي أنّه دخل عليه حديثٌ في حديثٍ ويؤيّده أنّه حكى قصّة الكتاب عن الزّهريّ قال حدّثني أسقفٌّ من النّصارى قد أدرك ذلك الزّمان قلت وهذا هو بن النّاطور وقصّة الكتاب إنّما ذكرها الزّهريّ من طريق أبي سفيان وقد فصّل شعيب بن أبي حمزة عن الزّهريّ الحديث تفصيلًا واضحًا وهو أوثق من بن إسحاق وأتقن فروايته هي المحفوظة ورواية بن إسحاق شاذّةٌ ومحلّ هذا التّنبيه أن يذكر في الكلام على الحديث في بدء الوحي لكن فات ذكره هناك فاستدركته هنا قوله فجمعهم في دارٍ له فقال تقدّم في بدء الوحي أنّه جمعهم في مكانٍ وكان هو في أعلاه فاطلع عليهم وصنع ذلك خوفًا على نفسه أن ينكروا مقالته فيبادروا إلى قتله قوله آخر الأبد أي يدوم ملككم إلى آخر الزّمان لأنّه عرف من الكتب أن لا أمّة بعد هذه الأمّة ولا دين بعد دينها وأنّ من دخل فيه آمن على نفسه فقال لهم ذلك قوله فقال عليّ بهم فدعا بهم فقال فيه حذفٌ تقديره فردّوهم فقال قوله فقد رأيت منكم الّذي أحببت يفسر ما وقع مختصرًا في بدء الوحي مقتصرًا على قوله فقد رأيت واكتفى بذلك عمّا بعده قوله فسجدوا له ورضوا عنه يشعر بأنّه كان من عادتهم السّجود لملوكهم ويحتمل أن يكون ذلك إشارةً إلى تقبيلهم الأرض حقيقةً فإنّ الّذي يفعل ذلك ربّما صار غالبًا كهيئة السّاجد وأطلق أنّهم رضوا عنه بناءً على رجوعهم عمّا كانوا همّوا به عند تفرّقهم عنه من الخروج واللّه أعلم وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدّم البداءة باسم الكاتب قبل المكتوب إليه وقد أخرج أحمد وأبو داود عن العلاء بن الحضرميّ أنّه كتب إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وكان عامله على البحرين فبدأ بنفسه من العلاء إلى محمد رسول اللّه وقال ميمونٌ كانت عادة ملوك العجم إذا كتبوا إلى ملوكهم بدءوا باسم ملوكهم فتبعتهم بنو أميّة قلت وسيأتي في الأحكام أن بن عمر كتب إلى معاوية فبدأ باسم معاوية وإلى عبد الملك كذلك وكذا جاء عن زيد بن ثابت إلى معاوية وعند البزّار بسندٍ ضعيفٍ عن حنظلة الكاتب أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وجّه عليًّا وخالد بن الوليد فكتب إليه خالدٌ فبدأ بنفسه وكتب إليه عليٌّ فبدأ برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلم يعب على واحدٍ منهما وقد تقدّم الكلام على أمّا بعد في كتاب الجمعة). [فتح الباري: 8/216-223]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (4 - (بابٌ: {قل يا أهل الكتاب تعالو إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم أن لا نعبد إلّا الله} (آل عمران: 64)

أي: هذا باب في قوله عز وجل: {قل يا أهل الكتاب} الآية. وهذا المقدار وقع من الآية المذكورة في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر هكذا {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} الآية. قوله: (قل) أي: يا محمّد (يا أهل الكتاب) قيل: هم أهل الكتابين، وقيل: وفد نجران، وقيل: يهود المدينة. قوله: (إلى كلمة) أراد بها الجملة المفيدة ثمّ وصفها بقوله: (سواء بيننا وبينكم) نستوي نحن وأنتم فيها وفسرها بقوله: (أن لا نعبد إلّا الله ولا نشرك به شيئا) لا وثنا ولا صنما ولا صليبا ولا طاغوتا ولا نارا بل نعبد الله وحده لا شريك له. ولا يتّخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله، فلا نقول عزير ابن الله. ولا المسيح ابن، لأن كل واحد منهما بشر مثلنا (فإن تولّوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون) .
سواءٌ قصدا
هكذا وقع بالنّصب في رواية أبي، وفي رواية غيره بالجرّ فيهما على الحكاية، والنّصب قراءة الحسن البصريّ. وقيل: وجه النصب على أنه مصدر تقديره: استوت استواء. قوله: (قصدا) ، تفسير استواء أي: عدلا. وكذا فسر أبو عبيدة في قوله: سواء. أي: عدل، وكذا أخرجه الطّبريّ وابن أبي حاتم من طريق الرّبيع بن أنس وأخرج الطّبريّ أيضا عن قتادة نحوه.

- حدّثني إبراهيم بن موسى عن هشام عن معمرٍ وحدّثني عبد الله بن محمّدٍ حدّثنا عبد الرّزّاق أخبرنا معمرٌ عن الزّهريّ قال أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتيبة قال حدّثني ابن عبّاسٍ قال حدّثني أبو سفيان من فيه إلى فيّ قال انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فبينا أنا بالشّام إذ جيء بكتابٍ من النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى هرقل قال وكان دحية الكلبيّ جاء به إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل قال فقال هرقل هل هاهنا أحدٌ من قوم هذا الرّجل يزعم أنّه نبيٌّ فقالوا نعم قال فدعيت في نفرٍ من قريشٍ فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه فقال أيّكم أقرب نسبا من هاذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيٌّ فقال أبو سفيان فقلت أنا فأجلسوني بين يديه وأجلسوا أصحابي خلفي ثمّ دعا بترجمانه فقال قل لهم إنّي سائلٌ هاذا عن هاذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيٌّ فإن كذبني فكذّبوه قال أبو سفيان وايم الله لولا أن يؤثروا عليّ الكذب لكذبت ثمّ قال لترجمانه سله كيف حسبه فيكم قال قلت هو فينا ذو حسبٍ قال فهل كان من آبائه ملكٌ قال قلت لا قال فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال قلت لا قال أيتّبعه أشراف النّاس أم ضعفاؤهم قال قلت بل ضعفاؤهم قال يزيدون أو ينقصون قال قلت لا بل يزيدون قال هل يرتدّ أحدٌ منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطةً له قال قلت لا قال فهل قاتلتموه قال قلت نعم قال فكيف كان قتالكم إيّاه قال قلت تكون الحرب بيننا وبينه سجالاً يصيب منا ونصيب منه قال فهل يغدر قال قلت لا ونحن منه في هاذه المدّة لا ندري ما هو صانعٌ فيها قال والله ما أمكنني من كلمةٍ أدخل فيها شيئا غير هاذه قال فهل قال هاذا القول أحدٌ قبله قلت لا ثمّ قال لترجمانه قل له إنّي سألتك عن حسبه فيكم فزعمت أنّه فيكم ذو حسبٍ وكذلك الرّسل تبعث في أحساب قومها وسألتك هل كان في آبائه ملكٌ فزعمت أن لا فقلت لو كان من آبائه ملكٌ قلت رجلٌ يطلب ملك آبائه وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم فقلت بل ضعفاؤهم وهم أتباع الرّسل وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا فعرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب على النّاس ثمّ يذهب فيكذب على الله وسألتك هل يرتدّ أحدٌ منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطةً له فزعمت أن لا وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب وسألتك هل يزيدون أم ينقصون فزعمت أنّهم يزيدون وكذلك الإيمان حتّى يتمّ وسألتك هل قاتلتموه فزعمت أنّكم قاتلتموه فتكون الحرب بينكم وبينه سجالاً ينال منكم وتنالون منه وكذلك الرّسل تبتلى ثمّ تكون لهم العاقبة وسألتك هل يغدر فزعمت أنّه لا يغدر وكذلك الرّسل لا تغدر وسألتك هل قال أحدٌ هذا القول قبله فزعمت أن لا فقلت لو كان قال هذا القول أحدٌ قبله قلت رجلٌ ائتمّ بقولٍ قيل قبله قال ثمّ قال بم يأمركم قال قلت يأمرنا بالصّلاة والزكاة والصّلة والعفاف قال إن يك ما تقول فيه حقا فإنّه نبي وقد كنت أعلم أنّه خارجٌ ولم أك أظنّه منكم ولو أنّي أعلم أنّي أخلص إليه لأحببت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه وليبلغنّ ملكه ما تحت قدميّ قال ثمّ دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه فإذا فيه بسم الله الرّحمان الرّحيم من محمّدٍ رسول الله إلى هرقل عظيم الرّوم سلامٌ على من اتّبع الهدى أما بعد فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين فإن توليت فإنّ عليك إثم الأريسيّين ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلاّ الله إلى قوله اشهدوا بأنّا مسلمون فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللّفظ وأمر بنا فأخرجنا قال فقلت لأصحابي حين خرجنا لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أنّه ليخافه ملك بني الأصفر فما زلت موقنا بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سيظهر حتّى أدخل الله عليّ الإسلام. قال الزّهريّ فدعا هرقل عظماء الرّوم فجمعهم في دارٍ له فقال يا معشر الرّوم هل لكم في الفلاح والرّشد آخر الأبد وأن يثبت لكم ملككم قال فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت فقال عليّ بهم فدعا بهم فقال إنّي إنّما اختبرت شدّتكم على دينكم فقد رأيت منكم الّذي أحببت فسجدوا له ورضوا عنه.

مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وأخرجه من طريقين. (الأول) : عن إبراهيم بن موسى أبو إسحاق الفراء عن هشام بن يوسف عن معمر بن راشد عن الزّهريّ. الخ (والآخر) : عن عبد الله بن محمّد المعروف بالمسندي عن عبد الرّزّاق عن معمر عن الزّهريّ إلى آخره، وقد مر الحديث في أول الكتاب، فإنّه أخرجه هناك بأتم منه عن أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب بن أبي حمزة عن الزّهريّ إلى آخره، ومضى الكلام فيه مطولا ولنذكر بعض شيء لطول المسافة.
قوله: (من فيه إلى في) أي: حدثني حال كونه من فمه إلى فمي وأراد به شدّة تمكنه من الإصغاء إليه. وغاية قربه من تحديثه، وإلاّ فهو في الحقيقة أن يقال إلى أذني. قوله: (في المدّة) أي: في مدّة المصالحة. قوله: (فدعيت) ، على صيغة المجهول. قوله: (في نفر) كلمة في بمعنى: مع نحو ادخلوا في أمم أي: معهم، ويجوز أن يكون التّقدير: فدعيت في جملة نفر، والنفر اسم جمع يقع على جماعة من الرّجال خاصّة ما بين الثّلاثة إلى العشرة ولا واحد له من لفظه. قوله: (فدخلنا) الفاء فيه تسمى فاء الفصيحة لأنّها تفصح عن محذوف قبلها لأن التّقدير: فجاءنا رسول هرقل فطلبنا فتوجهنا معه حتّى وصلنا إليه فاستأذن لنا فأذن فدخلنا. قوله: (فأجلسنا) بفتح اللّام جملة من الفعل والفاعل والمفعول. قوله: (إنّي سائل هذا) أي: أبا سفيان. قوله: (بترجمانه) هو الّذي يترجم لغة بلغة ويفسرها. قيل إنّه عربيّ. وقيل: معرب وهو الأشهر فعلى الأول النّون زائدة. قوله: (فإن كذبني) بتخفيف الذّال (فكذبوه) بالتّشديد. ويقال: كذب. بالتّخفيف يتعدّى إلى مفعولين مثل: صدق تقول كذبني الحديث وصدقني الحديث. قال الله: {لقد صدق الله رسوله الرّؤيا} (الفتح: 27) وكذب بالتّشديد يتعدّى إلى مفعول واحد، وهذا من الغرائب قوله: (لولا أن يؤثروا عليّ) ، بصيغة الجمع وصيغة المعلوم، ويروي: ويؤثر، بفتح الثّاء المثلّثة بصيغة الإفراد على بناء المجهول. وقال ابن الأثير: لولا أن يؤثروا عني. أي: لولا أن يؤثروا عني ويحكوا قوله: (كيف حسبه) ؟ والحسب ما يعده المرء من مفاخر آبائه. فإن قلت: ذكر في كتاب الوحي، كيف نسبه؟ قلت: الحسب مستلزم للنسب الّذي يحصل به الإدلاء إلى جهة الآباء قوله: (فهل كان من آبائه ملك) وفي رواية غير الكشميهني (في آبائه ملك) ؟ . قوله: (يزيدون أو ينقصون) ؟ كذا فيه بإسقاط همزة الاستفهام. وأصله أيزيدون أو ينقصون، ويروى: (أم ينقصون) . وقال ابن مالك: يجوز حذف همزة الاستفهام مطلقًا. وقال بعضهم: لا يجوز إلّا في الشّعر. قوله: (هل يرتد) ؟ إلى آخره. فإن قلت:؟ لم لم يستغن هرقل عن هذا السّؤال بقول أبي سفيان: بل يزيدون؟ قلت: لا ملازمة بين الارتداد والنّقص. فقد يرتد بعضهم ولا يظهر فيهم النّقص باعتبار كثرة من يدخل وقلة من يرتد، مثلا. قوله: (سخطة له) ، يريد أن من دخل في الشّيء على بصيرة يبعد رجوعه عنه بخلاف من لم يكن ذلك من صميم قلبه فإنّه يتزلزل سرعة، وعلى هذا يحمل حال من ارتدّ من قريش، ولهذا لم يعرج أبو سفيان على ذكرهم وفيهم صهره زوج ابنته أم حبيبة وهو عبد الله بن جحش فإنّه كان أسلم وهاجر إلى الحبشة ومات على نصرانيته وتزوج النّبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بعده، وكأنّه لم يكن دخل في الإسلام على بصيرة. وكان أبو سفيان وغيره من قريش يعرفون ذلك منه فلذلك لم يعرج عليه خشية أن يكذبوه قوله: (قال: فهل قاتلتموه) ؟ إنّما نسب ابتداء القتال إليهم ولم يقل هل قاتلكم؟ لاطلاعه على أن النّبي لا يبدأ قومه حتّى يبدؤا. قوله: (يصيب منا ونصيب منه) ، الأول بالياء بالإفراد والثّاني بالنّون علامة الجمع. قوله: (إنّي سألتك عن حسبه فيكم) ذكر الأسئلة والأجوبة المذكورتين على ترتيب ما وقعت وحاصل الجميع ثبوت علامات النّبوّة في الكل فالبعض ما تلقفه من الكتب والبعض ممّا استقرأه بالعادة ولم تقع في كتاب بدء الوحي الأجوبة بترتيب. والظّاهر أنه من الرّاوي بدليل أنه حذف منها واحدة. وهي قوله: (هل قاتلتموه) ؟ ووقع في رواية الجهاد مخالفة في الموضعين فإنّه أضاف قوله: بم يأمركم؟ إلى بقيّة الأسئلة، فكملت بها عشرة. وأما هنا فإنّه أخر قوله: بم يأمركم؟ إلى ما بعد إعادة الأسئلة والأجوبة وما رتب عليها. قوله: (وقال لترجمانه: قل له) ، أي: قال هرقل لترجمانه: قل لأبي سفيان. قوله: (فإنّه نبي) ، ووقع في رواية الجهاد (وهذه صفة نبي) وفي مرسل سعيد بن المسيب عند ابن أبي شيبة فقال: (هو نبي) . قوله: (لأحببت لقاءه) ، وفي كتاب الوحي: (لتشجشمت) . أي: لتكلفت، ورجح عياض هذه لكن نسبها إلى مسلم خاصّة وهي عند البخاريّ أيضا. قوله: (ثمّ دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأه) ، قيل: ظاهره أن هرقل هو الّذي قرأ الكتاب، ويحتمل أن يكون الترجمان قرأه فنسبت إلى هرقل مجازًا لكونه آمرا بها. قلت: ظاهر العبارة يقتضي أن يكون فاعل: دعا، هو هرقل، ويحتمل أن يكون الفاعل الترجمان لكون هرقل آمرا بطلبه وقراءته فلا يرتكب فيه المجاز. وعند ابن أبي شيبة في مرسل سعيد بن المسيب: أن هرقل لما قرأ الكتاب قال: هذا لم أسمعه بعد سليمان. عليه السّلام، فكأنّه يريد الابتداء: ببسم الله الرحمان الرّحيم، وهذا يدل على أن هرقل كان عالما بأخبار أهل الكتاب. قوله: (من محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ذكر المدايني أن القارئ لما قرأ بسم الله الرحمان الرّحيم. من محمّد رسول الله، غضب أخو هرقل واجتذب الكتاب. فقال هرقل: مالك؟ فقال: بدأ بنفسه وسماك صاحب الرّوم. قال: إنّك لضعيف الرّأي، أتريد أن أرمي بكتاب قبل أن أعلم ما فيه؟ لئن كان رسول الله فهو حق أن يبدأ بنفسه. ولقد صدق أنا صاحب الرّوم، والله مالكي ومالكهم. قوله: (عظيم الرّوم) بالحرّ على أنه بدل من هرقل، ويجوز بالرّفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، ويجوز بالنّصب أيضا على الاختصاص ومعناه: من تعظمه الرّوم، وتقدمه للرياسة. قوله: (ثمّ الأريسين) ، قد مضى ضبطه مشروحا وجزم ابن التّين أن المراد هنا بالأريسيين أتباع عبد الله بن أريس كان في الزّمن الأول بعث إليهم نبي فاتفقواكلهم على مخالفة نبيّهم. فكأنّه قال: عليك إن خالفت إثم الّذين خالفوا نبيّهم، وقيل: الأريسيون الملوك وقيل: العلماء، وقال ابن فارس: الزراعون، وهي شامية الواحد أويس وقد مر الكلام فيه مستقصىً في أول الكتاب. قوله: (فلمّا فرغ) أي: قارئ الكتاب. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون هرقل ونسب إليه ذلك مجازًا لكونه الآمر به. قلت: الّذي يظهر أن الضّمير في: فرغ، يرجع إلى هرقل ويؤيّد. قوله: عنده بعد قوله: فلمّا فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده. أي: عندهم هرقل، فحينئذٍ يكون حقيقة لا مجازًا. قوله: (لقد أمر أمر ابن أبي كبشة) بفتح الهمزة وكسر الميم وفتح الرّاء على وزن علم ومعناه، عظم وقوى أمر ابن أبي كبشة، وهذا يكون الميم وضم الرّاء لأنّه فاعل أمر الأول. وقال الكرماني: ابن أبي كبشة كتابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، شبهوه به في مخالفته دين آبائه. قلت: هذا توجيه بعيد. وقد مر في بدء الوحي بيان ذلك مبسوطا. قوله: (قال الزّهريّ) أي: أحد الرواة المذكورين في الحديث: هذه قطعة من الرّواية الّتي وقعت في يده الوحي عقيب القصّة الّتي حكاها ابن الناطور، وقد بين هناك أن هرقل دعاهم في دسكرة له بحمص وذلك بعد أن رجع من بيت المقدّس، فعاد جوابه يوافقه على خروج النّبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالفاء في قوله: فدعا فاء فصيحة، والتّقدير: قال الزّهريّ: فسار هرقل إلى حمص فكتب إلى صاحبه ضغاطر الأسقف برومية فجاءه جوابه، فدعا الرّوم. قوله: (آخر الأبد) أي: إلى آخر الزّمان. قوله: (فحاصوا) بالمهملتين أي: نفروا قوله: (فقال: عليّ بهم) أي: هاتوهم لي، يقال: عليّ يزيد. أي: احضروه لي. قوله: (اختبرت) أي: جربت. قوله: (الّذي أحببت) أي: الشّيء الّذي أحببته). [عمدة القاري: 18/142-145]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (4 - باب {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم أن لا نعبد إلاّ اللّه} سواءٌ: قصدٌ
هذا (باب) بالتنوين وسقط لغير أبي ذر ({قل يا أهل الكتاب}) هم نصارى نجران أو يهود المدينة أو الفريقان لعموم اللفظ ({تعالوا}) أي هلموا ({إلى كلمة}) من إطلاقها على الجمل المفيدة ثم وصفها بقوله تعالى: ({سواء بيننا وبينكم}) أي عدل ونصف نستوي نحن وأنتم فيها ثم فسرها بقوله: ({أن لا نعبد إلا الله}) [آل عمران: 64] الآية ({سواء}) بالجر على الحكاية ولأبي ذر: سواء بالنصب أي استوت استواء ويجوز الرفع قال أبو عبيدة أي (قصد) بالجر أو قصد بالنصب كما لأبي ذر وبالرفع كما مر في سواء.
- حدّثني إبراهيم بن موسى، عن هشامٍ عن معمرٍ ح وحدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، قال: أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، حدّثني
ابن عبّاسٍ، حدّثني أبو سفيان من فيه إلى فيّ قال: انطلقت في المدّة الّتي كانت بيني وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: فبينا أنا بالشّام إذ جيء بكتابٍ من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى هرقل قال: وكان دحية الكلبيّ جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل قال: فقال هرقل هل ها هنا أحدٌ من قوم هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيٌّ؟ فقالوا: نعم. قال: فدعيت في نفرٍ من قريشٍ، فدخلنا على هرقل فأجلسنا بين يديه فقال: أيّكم أقرب نسبًا من هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيٌّ؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا. فأجلسوني بين يديه وأجلسوا أصحابي خلفي ثمّ دعا بترجمانه فقال: قل لهم إنّي سائلٌ هذا عن هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيٌّ فإن كذبني فكذّبوه قال أبو سفيان: وايم اللّه لولا أن يؤثروا عليّ الكذب لكذبت ثمّ قال لترجمانه: سله كيف حسبه فيكم؟ قال: قلت هو فينا ذو حسبٍ، قال: فهل كان من آبائه ملكٌ؟ قال: قلت. لا، قال فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: أيتّبعه أشراف النّاس أم ضعفاؤهم؟ قال: قلت بل ضعفاؤهم، قال: يزيدون أو ينقصون قال: قلت لا، بل يزيدون قال: هل يرتدّ أحدٌ منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطةً له؟ قال: قلت: لا، قال: فهل قاتلتموه؟ قال: قلت نعم، قال: فكيف كان قتالكم إيّاه؟ قال: قلت تكون الحرب بيننا وبينه سجالًا يصيب منّا ونصيب منه، قال: فهل يغدر؟ قال: قلت: لا، ونحن منه في هذه المدّة، لا ندري ما هو صانعٌ فيها؟ قال: واللّه ما أمكنني، من كلمةٍ أدخل فيها شيئًا غير هذه، قال: فهل قال هذا القول أحدٌ قبله؟ قلت: لا، ثمّ قال لترجمانه: قل له إنّي سألتك عن حسبه فيكم فزعمت أنّه فيكم ذو حسبٍ، وكذلك الرّسل تبعث في أحساب قومها، وسألتك هل كان في آبائه ملكٌ فزعمت، أن لا، فقلت لو كان من آبائه ملكٌ قلت: رجلٌ يطلب ملك آبائه، وسألتك عن أتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم وهم أتباع الرّسل، وسألتك هل كنتم تتّهمونه بالكذب؟ قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا، فعرفت أنّه لم يكن ليدع الكذب على النّاس ثمّ يذهب فيكذب على اللّه وسألتك هل يرتدّ أحدٌ منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطةً له؟ فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب، وسألتك هل يزيدون أم ينقصون؟ فزعمت أنّهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتّى يتمّ. وسألتك هل قاتلتموه؟ فزعمت أنّكم قاتلتموه فتكون الحرب بينكم وبينه سجالًا ينال منكم وتنالون منه، وكذلك الرّسل تبتلى ثمّ تكون لهم العاقبة، وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أنّه لا يغدر وكذلك الرّسل لا تغدر، وسألتك هل قال أحدٌ هذا القول قبله؟ فزعمت أن لا، فقلت: لو كان قال: هذا القول أحدٌ قبله، قلت رجلٌ ائتمّ بقولٍ، قيل قبله قال: ثمّ قال: بم يأمركم؟ قال: قلت يأمرنا بالصّلاة، والزّكاة، والصّلة، والعفاف. قال: إن يك ما تقول فيه حقًّا فإنّه نبيٌّ، وقد كنت أعلم أنّه خارجٌ، ولم أك أظنّه منكم، ولو أنّي
أعلم أنّي أخلص إليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه وليبلغنّ ملكه ما تحت قدميّ، قال: ثمّ دعا بكتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقرأه فإذا فيه:
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
من محمّدٍ رسول اللّه إلى هرقل عظيم الرّوم، سلامٌ على من اتّبع الهدى أمّا بعد: فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم، وأسلم يؤتك اللّه أجرك مرّتين، فإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين و {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم أن لا نعبد إلاّ اللّه} -إلى قوله- {اشهدوا بأنّا مسلمون} فلمّا فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللّغط وأمر بنا فأخرجنا قال: فقلت لأصحابي حين خرجنا لقد أمر أمر ابن أبي كبشة أنّه ليخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقنًا بأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه سيظهر حتّى أدخل اللّه عليّ الإسلام، قال الزّهريّ: فدعا هرقل عظماء الرّوم فجمعهم في دارٍ له فقال: يا معشر الرّوم هل لكم في الفلاح والرّشد آخر الأبد وأن يثبت لكم ملككم قال: فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت فقال: عليّ بهم فدعا بهم فقال: إنّي إنّما اختبرت شدّتكم على دينكم، فقد رأيت منكم الّذي أحببت فسجدوا له ورضوا عنه.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) أبو إسحاق الفراء الرازي الصغير (عن هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد. قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد المذكور (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن عباس قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (أبو سفيان) صخر بن حرب حال كونه (من فيه إلى فيّ) عبر بفيه موضع أذنه إشارة إلى تمكنه من الإصغاء إليه بحيث يجيبه إذا احتاج إلى الجواب (قال: انطلقت في المدة التي كانت بيني وبين رسول الله) ولأبي ذر وبين النبي (صلّى اللّه عليه وسلّم) مدة الصلح بالحديبية على وضع الحرب عشر سنين (قال: فبينا) بغير ميم (أنا بالشام إذ جيء بكتاب من النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى هرقل) الملقب قيصر عظيم الروم (قال) أبو سفيان: (وكان دحية) بن خليفة (الكلبي جاء به) من عند النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في آخر سنة ست (فدفعه) دحية (إلى عظيم) أهل (بصرى) الحرث بن أبي شمر الغساني (فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل) فيه مجاز لأنه أرسل به إليه صحبة عدي بن حاتم كما عند ابن السكن في الصحابة.
(قال) أبو سفيان: (فقال هرقل: هل هاهنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي فقالوا: نعم. قال) أبو سفيان: (فدعيت) بضم الدال مبنيًا للمفعول (في) أي مع (نفر) ما بين
الثلاثة إلى العشرة (من قريش فدخلنا على هرقل) الفاء فصيحة أفصحت عن محذوف أي فجاءنا رسول هرقل فطلبنا فتوجهنا معه حتى وصلنا إليه فاستأذن لنا فأذن لنا فدخلنا عليه (فأجلسنا بين يديه) بضم الهمزة وسكون الجيم وكسر اللام وسكون السين (فقال: أيكم أقرب نسبًا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا) أي أقربهم نسبًا واختار هرقل ذلك لأن الأقرب أحرى بالإطلاع على قريبه من غيره (فأجلسوني بين يديه) أي يدي هرقل (وأجلسوا أصحابي) القرشيين (خلفي). وعند الواقدي فقال لترجمانه قل لأصحابه إنما جعلتكم عند كتفيه لتردوا عليه كذبًا إن قاله (ثم دعا بترجمانه) الذي يفسر لغة بلغة (فقال) له: (قل لهم إني سائل) بالتنوين (هذا) أي أبا سفيان (عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي) أشار إليه إشارة القريب لقرب العهد بذكره (فإن كذبني) بتخفيف المعجمة أي نقل إليّ الكذب (فكذبوه) بتشديدها مكسورة يتعدى إلى مفعول واحد والمخفف إلى مفعولين تقول كذبني الحديث وهذا من الغرائب.
(قال أبو سفيان: وأيم الله) بالهمزة وبغيره (لولا أن يؤثروا) بضم التحتية وكسر المثلثة بصيغة الجمع (علي الكذب) نصب على المفعولية ولأبي ذر: أن يؤثر بفتح المثلثة مع الإفراد مبنيًّا للمفعول عليّ الكذب رفع مفعول ناب عن الفاعل أي لولا أن يرووا ويحكوا عني الكذب وهو قبيح (لكذبت) أي عليه (ثم قال لترجمانه: سله كيف حسبه فيكم)؟ وفي كتاب الوحي: كيف نسبه فيكم؟ والحسب ما بعده الإنسان من مفاخر آبائه قاله الجوهري، والنسب: الذي يحصل به الإدلاء من جهة الآباء (قال) أبو سفيان: (قلت هو فينا ذو حسب) رفيع، وعند البزار من حديث دحية قال: كيف حسبه فيكم؟ قال: هو في حسب ما لا يفضل عليه أحد. (قال: فهل) ولأبي ذر: هل (كان من) وللمستملي في (آبائه ملك؟) بفتح الميم وكسر اللام (قال) أبو سفيان: (قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب) على الناس (قبل أن يقول ما قال؟) قال أبو سفيان (قلت: لا. قال: أيتبعه) بتشديد المثناة الفوقية وهمزة الاستفهام (أشراف الناس أم ضعفاؤهم. قال) أبو سفيان: (قلت: بل ضعفاؤهم. قال) هرقل: (يزيدون أو ينقصون) بحذف همزة الاستفهام وجوزه ابن مالك مطلقًا خلافًا لمن خصه بالشعر (قال) أبو سفيان: (قلت: لا) ينقصون (بل يزيدون. قال) هرقل: (هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟) بضم السين وفتحها والنصب مفعولًا لأجله أو حالًا وقال العيني: السخطة بالتاء إنما هي بفتح السين فقط أي هل يرتد أحد منهم كراهة لدينه وعدم رضا (قال) أبو سفيان (قلت: لا. قال: فهل قاتلتموه؟ قال) أبو سفيان (قلت: نعم) قاتلناه (قال) هرقل: (فكيف كان قتالكم إياه؟) بفصل ثاني الضميرين (قال) أبو سفيان (قلت: تكون) بالفوقية (الحرب بيننا وبينه سجالًا) بكسر السين وفتح الجيم أي نوبًا أي نوبة له ونوبة لنا كما قال (يصيب منا ونصيب منه) وقد كانت المقاتلة وقعت بينه عليه الصلاة والسلام وبينهم في بدر فأصاب المسلمون منهم وفي أحد فأصاب المشركون من المسلمين وفي الخندق فأصيب من الطائفتين ناس قليل (قال) هرقل: (فهل يغدر؟) بكسر الدال أي ينقض العهد (قال) أبو سفيان: (قلت: لا) يغدر (ونحن منه في هذه المدة) مدة صلح الحديبية أو غيبته وانقطاع أخباره
عنا (لا ندري ما هو صانع فيها) لم يجزم بغدره (قال) أبو سفيان: (والله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئًا) أنتقصه به (غير هذه) الكلمة (قال) هرقل: (فهل قال هذا القول أحد) من قريش (قبله؟ قال) أبو سفيان (قلت: لا ثم قال) هرقل: (لترجمانه: قل له) أي لأبي سفيان (إني سألتك) أي قل له حاكيًا عن هرقل إني سألتك أو المراد إني سألتك على لسان هرقل لأن الترجمان يعيد كلام هرقل ويعيد لهرقل كلام أبي سفيان (عن) رتبة (حسبه فيكم فزعمت أنه فيكم ذو حسب) رفيع (وكذلك الرسل تبعث في) أرفع (أحساب قومها، وسألتك هل كان في آبائه ملك) بفتح الميم وكسر اللام وإسقاط من الجارة (فزعمت أن لا، فقلت) أي في نفسي وأطلق على حديث النفس قولاً (لو كان من آبائه ملك قلت رجل يطلب ملك آبائه) بالجمع وفي كتاب الوحي ملك أبيه بالإفراد (وسألتك عن أتباعه) بفتح الهمزة وسكون الفوقية (أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم) اتبعوه (وهم أتباع الرسل) عليهم الصلاة والسلام غالبًا بخلاف أهل الإستكبار المصرين على الشقاق بغضًا وحسدًّا كأبي جهل (وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال فزعمت أن لا، فعرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس) قبل أن يظهر رسالته (ثم يذهب فيكذب على الله) بعد إظهارها ويذهب ويكذب نصب عند أبي ذر عطفًا على المنصوب السابق (وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه) الإسلام (بعد أن يدخل فيه سخطة له) بفتح السين (فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان إذا خالط بشاشة القلوب) التي يدخل فيها والقلوب بالجر على الإضافة (وسألتك هل يزيدون أم ينقصون فزعمت أنهم يزيدون وكذلك الإيمان) لا يزال في زيادة (حتى يتم) بالأمور المعتبرة فيه من الصلاة وغيرها (وسألتك هل قاتلتموه فزعمت أنكم قاتلتموه فتكون الحرب بينكم وبينه سجالًا ينال منكم وتنالون منه) هو معنى قوله في الأول يصيب منا ونصيب منه (وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لهم العاقبة) وهذه الجملة من قوله وسألتك هل قاتلتموه إلى هنا حذفها الراوي في كتاب الوحي (وسألتك هل يغدر) بكسر الدال (فزعمت أنه لا يغدر وكذلك الرسل لا تغدر) لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر. (وسألتك هل قال أحد هذا القول قبله؟ فزعمت أن لا فقلت: لو كان قال هذا القول أحد قبله قلت رجل ائتم) وفي كتاب الوحي لقلت رجل يأتسي (بقول قيل قبله) ذكر الأجوبة على ترتيب الأسئلة. وأجاب عن كل بما يقتضيه الحال مما دل على ثبوت النبوّة مما رآه في كتبهم أو استقرأه من العادة ولم يقع في بدء الوحي مرتبًا وأخر هنا بقية الأسئلة وهو العاشر إلى بعد الأجوبة كما أشار إليه بقوله:
(قال) أي أبو سفيان: (ثم قال) أي هرقل: (بم) بغير ألف بعد الميم (يأمركم؟ قال) أبو سفيان: (قلت: يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة) للأرحام (والعفاف) بفتح العين المهملة أي الكف عن المحارم وخوارم المروءة وزاد في الوحي الجواب عن هذه (قال) أي هرقل: (إن يك ما) ولأبي ذر كما (تقول فيه حقًّا فإنه نبي) وفي دلائل النبوة لأبي نعيم بسند ضعيف أن هرقل أخرج لهم سفطًا من ذهب عليه قفل من ذهب فأخرج منه حريرة مطوية فيها صور فعرضها عليهم إلى أن كان آخرها صورة محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: فقلنا جميعًا هذه صورة محمد فذكر لهم أنها صور الأنبياء وأنه
خاتمهم صلّى اللّه عليه وسلّم (وقد كنت أعلم أنه خارج) أي أنه سيبعث في هذا الزمان (ولم أك) بحذف النون ولأبي ذر ولم أكن (أظنه منكم) معشر قريش (ولو أني أعلم أني أخلص) بضم اللام أي أصل (إليه لأحببت لقاءه) وفي بدء الوحي لتجشمت بجيم وشين معجمة أي لتكلفت الوصول إليه (ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه) ما لعله يكون عليهما قاله مبالغة في خدمته (وليبلغن ملكه ما تحت قدميّ) بالتثنية وزاد في بدء الوحي هاتين أي أرض بيت المقدس أو أرض ملكه. (قال) أبو سفيان: (ثم دعا) هرقل (بكتاب رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم فقرأه) بنفسه أو الترجمان بأمره (فإذا فيه) (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم إلى هرقل عظيم) طائفة (الروم سلام على من اتبع الهدى) هو كقول موسى وهارون لفرعون والسلام على من اتبع الهدى (أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام) بكسر الدال المهملة أي بالكلمة الداعية إلى الإسلام وهي شهادة التوحيد (أسلم) بكسر اللام (تسلم) بفتحها (وأسلم) بكسرها توكيد (يؤتك الله أجرك مرتين) لكونه مؤمنًا بنبيه ثم آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام أو أن إسلامه سبب لإسلام أتباعه والجزم في أسلم على الأمر والثالث تأكيد له والثاني جواب للأوّل ويؤتك بحذف حرف العلة جواب آخر، ويحتمل أن يكون أسلم أوّلًا أي لا تعتقد في المسيح ما يعتقده النصارى وأسلم ثانيًا أي دخل في دين الإسلام ولذا قال: يؤتك الله أجرك مرتين (فإن توليت فإن عليك) مع إثمك (إثم الأريسيين) بهمزة وتشديد التحتية بعد السين أي الزراعين نبه بهم على جميع الرعايا وقيل: الأريسيين ينسبون إلى عبد الله بن أريس رجل كان تعظمه النصارى ابتدع في دينه أشياء مخالفة لدين عيسى عليه السلام و ({يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله}) بدل من كلمة بدل كل من كل إلى قوله: ({اشهدوا بأنا مسلمون}) والخطاب في اشهدوا للمسلمين أي فإن تولوا عن هذه الدعوة فأشهدوهم أنتم على استمراركم على الإسلام الذي شرعه الله لكم.
فإن قلت: إن هذه القصة كانت بعد الحديبية وقبل الفتح كما صرح به في الحديث، وقد ذكر ابن إسحاق وغيره أن صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها نزلت في وفد نجران.
وقال الزهري: هم أول من بذل الجزية ولا خلاف أن آية الجزية نزلت بعد الفتح فما الجمع بين كتابة هذه الآية قبل الفتح إلى هرقل في جملة الكتاب، وبين ما ذكره ابن إسحاق والزهري؟
أجيب: باحتمال نزول الآية مرة قبل الفتح، وأخرى بعده وبأن قدوم وفد نجران كان قبل الحديبية وما بذلوه كان مصالحة عن المباهلة لا عن الجزية، ووافق نزول الجزية بعد ذلك على وفق ذلك كما جاء وفق الخمس والأربعة الأخماس وفق ما فعله عبد الله بن جحش في تلك السرية قبل بدر، ثم نزلت فريضة القسم على وفق ذلك، وباحتمال أن يكون صلّى اللّه عليه وسلّم أمر بكتابتها قبل نزولها ثم نزل القرآن موافقة له كما نزل بموافقة عمر في الحجاب وفي الأسارى وعدم الصلاة على المنافقين قاله ابن كثير.
(فلما فرغ) هرقل (من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط) من عظماء الروم ولعله بسبب ما فهموه من ميل هرقل إلى التصديق (وأمر بنا فأخرجنا) بضم الهمزة وكسر الراء في
الثاني والميم في الأول (قال) أبو سفيان: (فقلت لأصحابي) القرشيين (حين خرجنا) والله (لقد أمر) بفتح الهمزة مع القصر وكسر الميم أي عظم (أمر ابن أبي كبشة) بسكون الميم أي شأن ابن أبي كبشة بفتح الكاف وسكون الموحدة كنية أبي النبي صلّى اللّه عليه وسلّم من الرضاع الحرث بن عبد العزى كما عند ابن ماكولا وقيل غير ذلك مما سبق في بدء الوحي (إنه) بكسر الهمزة على الاستئناف (ليخافه ملك بني الأصفر) وهم الروم قال أبو سفيان (فما زلت موقنًا بأمر رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أنه سيظهر حتى أدخل الله عليّ الإسلام) فأظهرت ذلك اليقين.
(قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (فدعا هرقل) الفاء فصيحة أي فسار هرقل إلى حمص فكتب إلى صاحبه ضغاطر الأسقف برومية فجاء جوابه فدعا (عظماء الروم فجمعهم في دار له) وفي بدء الوحي أنه جمعهم في دسكرة أي قصر حوله بيوت وأغلقه ثم اطلع عليهم من مكان فيه عال خوفًا على نفسه أن ينكروا مقالته فيبادروا إلى قتله ثم خاطبهم (فقال: يا معشر الروم هل لكم) رغبة (في الفلاح والرشد) بفتح الراء والمعجمة ولأبي ذر والرشد بضم الراء وسكون المعجمة (آخر الأبد) أي الزمان (وأن يثبت لكم ملككم) لأنه علم من الكتب أن لا أمة بعد هذه الأمة (قال: فحاصوا حيصة حمر الوحش) بحاء وصاد مهملتين أي نفروا نفرتها (إلى الأبواب) التي للبيوت الكائنة في الدار الجامعة ليخرجوا منها (فوجدوها قد غلقت) بضم الغين وكسر اللام مشددة (فقال) هرقل: (عليّ بهم) أي أحضروهم لي (فدعا بهم) فردهم (فقال) لهم (إني إنما اختبرت شدتكم على دينكم) بمقالتي هذه (فقد رأيت منكم الذي أحببت فسجدوا له) حقيقة إذ كانت عادتهم ذلك لملوكهم أو كناية عن تقبيلهم الأرض بين يديه لأن فاعل ذلك يصير غالبًا كهيئة الساجد (ورضوا عنه) أي رجعوا عما كانوا هموا به عند نفرتهم من الخروج عليه). [إرشاد الساري: 7/55-59]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (4 ـ باب {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله}
قوله: (إلى في) عبر بفيّ موضع أذني إشارة إلى تمكنه من الإصغاء إليه بحيث يجيبه إذا احتاج إلى الجواب. قوله: (انطلقت في المدة الخ) أي: مدة الصلح بالحديبية على وضع الحرب عشر سنين. قوله: (قال: فقال هرقل) أي: قال أبو سفيان، فقال هرقل. قوله: (فإن كذبني): بتخفيف المعجمة أي نقل إليّ الكذب. قوله: (أن يؤثروا) أي: يرووا، ويحكوا عني الكذب، وهو قبيح. قوله: (ملك): بفتح الميم، وكسر اللام. قوله: (هذه المدة) أي: مدة صلح الحديبية. قوله: (قال: والله الخ) أي: قال أبو سفيان، وقوله: شيئاً، أي: أنتقصه به.
قوله: (وهم أتباع الرسل) أي: غالباً بخلاف أهل الاستكبار. قوله: (سجالاً) أي: نوباً
أي: نوبة له ونوبة عليه. قوله: (أخلص إليه): بضم اللام أي: أصل. قوله: (بدعاية الإسلام): بكسر الدال المهملة، أي: بالكلمة الداعية للإسلام، وهي شهادة التوحيد. قوله: (أجرك مرتين) أي: لكونه مؤمناً بنبيه المسيح، ثم آمن بمحمد، أو لأن إسلامه سبب لإسلام أتباعه. قوله: (الأريسيين): بهمزة، وتشديد التحتية بعد السين، أي: الزراعين نبه بهم على جميع الرعايا. قوله: (لقد أمر): بفتح الهمزة مع القصر، وكسر الميم، أي: عظم. وقوله: أمر ابن أبي كبشة بسكون الميم، أي: شأن ابن أبي كبشة، بفتح الكاف، وسكون الموحدة كنية أبي النبي صلى الله عليه وسلّم من الرضاع الحرثبن عبد العزى.
قوله: (قوله بني الأصفر) وهم: الروم اهـ قسطلاني). [حاشية السندي على البخاري: 3/43-44]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم}
- أخبرنا أبو داود سليمان بن سيفٍ، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعدٍ، حدّثنا أبي، عن صالحٍ، عن ابن شهابٍ، أخبرني عبيد الله بن عبد الله: أنّ عبد الله بن عبّاسٍ قال: أخبرني أبو سفيان بن حربٍ، أنّه كان بالشّام في رجالٍ من قريشٍ قدموا تجّارًا في المدّة الّتي كانت بين رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وبين كفّار قريشٍ، قال أبو سفيان: فوجدنا رسول قيصر ببعض الشّام، فانطلق بي وبأصحابي حتّى قدمنا إيلياء، فأدخلنا عليه فإذا هو جالسٌ في مجلس ملكه وعليه التّاج وحوله علماء الرّوم، فقال لترجمانه: سلهم أيّهم أقرب نسبًا إلى هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيٌّ، قال أبو سفيان: أنا أقربهم إليه نسبًا، فقال: ما قرابة ما بينك وبينه؟ فقلت: هو ابن عمّي، قال: وليس في الرّكب يومئذٍ رجلٌ من بني عبد منافٍ غيري، قال: فقال قيصر: أدنوه منّي، ثمّ أمر بأصحابي فجعلوا خلف ظهري عند كتفي، ثمّ قال لترجمانه: قل لأصحابه إنّي سائلٌ هذا عن هذا الرّجل الّذي يزعم أنّه نبيٌّ، فإن كذب فكذّبوه، قال أبو سفيان: والله لولا الحياء يومئذٍ أن يأثر عليّ أصحابي الكذب لحدّثته عنه حين سألني، ولكن استحييت أن يأثروا عليّ الكذب فصدقته عنه، ثمّ قال لترجمانه: قل له: كيف نسب هذا الرّجل فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسبٍ، قال: فقال: هل قال هذا القول منكم أحدٌ قبله؟ قلت: لا، قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا، قال: فأشراف النّاس اتّبعوه أم ضعفاؤهم؟ قلت: بل ضعفاؤهم،
[السنن الكبرى للنسائي: 10/43]
قال: فيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتدّ أحدٌ سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه، قلت: لا، قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه الآن في مدّةٍ، ونحن نخاف أن يغدر، قال أبو سفيان: ولم تمكنّي كلمةٌ أدخل فيها شيئًا أنتقصه بها أخاف أن تؤثر عنّي غيرها، قال: فهل قاتلتموه، وهل قاتلكم؟ فقلت: نعم، قال: فكيف كان حربكم وحربه؟ قلت: كانت دولًا وسجالًا، يدال علينا المرّة، وندال عليه الأخرى، قال: فما كان يأمركم به؟ قلت: " يأمرنا أن نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئًا، ونهانا عمّا كان يعبد آباؤنا، ويأمرنا بالصّلاة والصّدق والعفاف والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، فقال لترجمانه حين قلت ذلك: قل له إنّي سألتك عن نسبه فيكم، فزعمت أنّه فيكم ذو نسبٍ، وكذلك الرّسل تبعث في نسب قومها، وسألتك هل قال هذا القول أحدٌ منكم قبله، فزعمت أن لا، فقلت: أن لو قال هذا القول أحدٌ منكم قبله، قلت: رجلٌ يأتمّ بقولٍ قيل قبله، وسألتك: هل كنتم تتّهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فزعمت أن لا، فقد علمت أنّه لم يكن ليذر الكذب على النّاس ويكذب على الله، وسألتك: هل كان من آبائه من ملكٍ، فزعمت أن لا، فقلت: أن لو كان من آبائه ملكٌ لقلت: رجلٌ يطلب ملك آبائه، وسألتك: أشراف النّاس اتّبعوه أم ضعفاؤهم، فزعمت أنّ ضعفاءهم اتّبعوه، وهم أتباع الرّسل، وسألتك: هل يزيدون أم ينقصون، فزعمت أنّهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتّى يتمّ، وسألتك: هل يرتدّ أحدٌ سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه، فزعمت أن لا، وكذلك الإيمان حين يخالط بشاشة القلب لا يبغضه أحدٌ، وسألتك: هل يغدر، فزعمت أن لا، وكذلك الرّسل لا تغدر،
[السنن الكبرى للنسائي: 10/44]
وسألتك: هل قاتلتموه وقاتلكم، فزعمت أن قد فعل، وأنّ حربكم وحربه تكون دولًا، يدال عليكم المرّة، وتدالون عليه الأخرى، وكذلك الرّسل، تبتلى ويكون لها العاقبة، وسألتك: بماذا أمركم، فزعمت أنّه يأمركم أن تعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئًا، وينهاكم عمّا كان يعبد آباؤكم، ويأمركم بالصّلاة والصّدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانات، قال: وهذه صفة نبيٍّ قد كنت أعلم أنّه خارجٌ، ولم أكن أظنّ أنّه منكم، وإن يكن ما قلت حقًّا، فيوشك أن يملك موضع قدميّ هاتين، فوالله لو أرجو أن أخلص إليه لتجشّمت لقيّه، ولو كنت عنده غسلت عن قدميه، قال أبو سفيان: ثمّ دعا بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأمر به فقرئ، فإذا فيه: بسم الله الرّحمن الرّحيم، من محمّدٍ عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الرّوم، سلامٌ على من اتّبع الهدى، أمّا بعد، فإنّي أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، وإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين، و {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا الله، ولا نشرك به شيئًا، ولا يتّخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله، فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون} [آل عمران: 64] قال أبو سفيان: فلمّا قضى مقالته علت أصوات الرّوم حوله من عظماء الرّوم، وكثر لغطهم، فلا أدري ماذا قالوا، وأمر بنا فأخرجنا، قال أبو سفيان: فلمّا خرجت مع أصحابي وخلصت بهم قلت: لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، هذا ملك بني الأصفر يخافه، قال أبو سفيان: فوالله ما زلت ذليلًا مستيقنًا بأنّ أمره سيظهر حتّى أدخل الله قلبي الإسلام وأنا كارهٌ). [السنن الكبرى للنسائي: 10/45]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ اللّه ولا نشرك به شيئًا ولا يتّخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون اللّه فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: قل يا محمّد لأهل الكتاب وهم أهل التّوراة والإنجيل: {تعالوا} هلمّوا {إلى كلمةٍ سواءٍ} يعني إلى كلمةٍ عدلٍ {بيننا وبينكم} والكلمة العدل: هي أن نوحّد اللّه فلا نعبد غيره، ونبرأ من كلّ معبودٍ سواه فلا نشرك به شيئًا.
وقوله: {ولا يتّخذ بعضنا بعضًا أربابًا} يقول: ولا يدين بعضنا لبعضٍ بالطّاعة فيما أمر به من معاصي اللّه، ويعظّمه بالسّجود له، كما يسجد لربّه. {فإن تولّوا} يقول: فإن أعرضوا عمّا دعوتهم إليه من الكلمة السّواء الّتي أمرتك بدعائهم إليها، فلم يجيبوك إليها، فقولوا أيّها المؤمنون للمتولّين عن ذلك: اشهدوا بأنّا مسلمون.
واختلف أهل التّأويل فيمن نزلت فيه هذه الآية، فقال بعضهم: نزلت في يهود بني إسرائيل الّذين كانوا حوالي مدينة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دعا يهود أهل المدينة إلى الكلمة السّواء، وهم الّذين حاجّوا في إبراهيم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دعا اليهود إلى كلمة السّواء.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: بلغنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دعا يهود أهل المدينة إلى ذلك، فأبوا عليه، فجاهدهم، قال: دعاهم إلى قول اللّه عزّ وجلّ: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم} الآية
وقال آخرون: بل نزلت في الوفد من نصارى نجران.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن جعفر بن الزّبير: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم} الآية، إلى قوله: {فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون} قال: فدعاهم إلى النّصف، وقطع عنهم الحجّة؛ يعني وفد نجران.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: ثمّ دعاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعني الوفد من نصارى نجران فقال: {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم} الآية.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: حدّثنا ابن زيدٍ، قال: قال: يعني جلّ ثناؤه: {إنّ هذا لهو القصص الحقّ} في عيسى على ما قد بيّنّاه فيما مضى قال: {فأبوا} [الكهف] يعني الوفد من نجران، فقال: ادعهم إلى أيسر من هذا، {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم} فقرأ حتّى بلغ: {أربابًا من دون اللّه} فأبوا أن يقبلوا هذا ولا الآخر
وإنّما قلنا: عنى بقوله: {يا أهل الكتاب} أهل الكتابين؛ لأنّهما جميعًا من أهل الكتاب، ولم يخصّص جلّ ثناؤه بقوله: {يا أهل الكتاب} بعضًا دون بعضٍ، فليس بأن يكون موجّهًا ذلك إلى أنّه مقصودٌ به أهل التّوراة بأولى منه، بأن يكون موجّهًا إلى أنّه مقصودٌ به أهل الإنجيل، ولا أهل الإنجيل بأولى أن يكونوا مقصودين به دون غيرهم من أهل التّوراة. وإذ لم يكن أحد الفريقين بذلك بأولى من الآخر؛ لأنّه لا دلالة على أنّه المخصوص بذلك من الآخر، ولا أثر صحيحٌ فالواجب أن يكون كلّ كتابيٍّ معنيًّا به، لأنّ إفراد العبادة للّه وحده، وإخلاص التّوحيد له واجبٌ على كلّ مأمورٍ منهٍيٍّ من خلق اللّه واسم، وأهل الكتاب يعلزمّ أهل التّوراة وأهل الإنجيل فكان معلومًا بذلك أنّه عني به الفريقان جميعًا.
وأمّا تأويل قوله: {تعالوا} فإنّه: أقبلوا وهلمّوا، وإنّما هو تفاعلوا من العلوّ، فكأنّ القائل لصاحبه: تعالى إليّ قال تفاعل من العلوّ، كما يقال: تدان منّي من الدّنوّ، وتقارب منّي من القرب.
وقوله: {إلى كلمةٍ سواءٍ} فإنّها الكلمة العدل، والسّواء: من نعت الكلمة.
وقد اختلف أهل العربيّة في وجه إتباع سواءٍ في الإعراب لكلمةٍ، وهو اسمٌ لا صفةٌ، فقال بعض نحويّي البصرة: جرّ سواءٍ لأنّها من صفة الكلمة: وهي العدل، وأراد مستويةً، قال: ولو أراد استواءً كان النّصب، وإن شاء أن يجعلها على الاستواء ويجرّ جاز، ويجعله من صفة الكلمة مثل الخلق؛ لأنّ الخلق هو المخلوق، والخلق قد يكون صفةً واسمًا، ويجعل الاستواء مثل المستوي، قال عزّ وجلّ: {الّذي جعلناه للنّاس سواءً العاكف فيه والباد} [الحج] لأنّ السّواء للآخر وهو اسمٌ ليس بصفةٍ، فيجري على الأوّل وذلك إذا أراد به الاستواء، فإن أراد به مستويًا جاز أن يجري على الأوّل، والرّفع في ذا المعنى جيّدٌ؛ لأنّها لا تغيّر عن حالها، ولا تثنّى، ولا تجمع، ولا تؤنّث، فأشبهت الأسماء الّتي هي مثل عدلٍ ورضًا وجنبٍ، وما أشبه ذلك، وقال: {أن نجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواءً محياهم ومماتهم} فالسّواء للمحيا والممات بهذا المبتدأ.
وإن شئت أجريته على الأوّل وجعلته صفةً مقدّمةً، كأنّها من سبب الأوّل فجرت عليه، وذلك إذا جعلته في معنى مستوٍ، والرّفع وجه الكلام كما فسّرت لك.
وقال بعض نحويّي الكوفة: سواءٌ مصدرٌ وضع موضع الفعل، يعني موضع متساويةٍ ومتساو، فمرّةً يأتي عن الفعل، ومرّةً على المصدر، وقد يقال في سواءٍ بمعنى عدلٍ: سوًى وسوًى كما قال جلّ ثناؤه: {مكانًا سوًى} وسوًى يراد به عدلٌ ونصفٌ بيننا وبينك. وقد روي عن ابن مسعودٍ رضي اللّه عنه أنّه كان يقرأ ذلك إلى كلمةٍ عدلٍ بيننا وبينكم
وبمثل الّذي قلنا في تأويل قوله: {إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم} بأنّ السّواء: هو العدل، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم} عدلٍ بيننا وبينكم {ألاّ نعبد إلاّ اللّه} الآية
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ اللّه ولا نشرك به شيئًا} بمثله.
وقال آخرون: هو قول لا إله إلاّ اللّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، قال: قال أبو العالية: كلمة السّواء: لا إله إلاّ اللّه.
وأمّا قوله: {ألاّ نعبد إلاّ اللّه} فإنّ أن في موضع خفضٍ على معنى: تعالوا إلى أن لا نعبد إلاّ اللّه.
وقد بيّنّا معنى العبادة في كلام العرب فيما مضى، ودلّلنا على الصّحيح من معانيه بما أغنى عن إعادته.
وأمّا قوله: {ولا يتّخذ بعضنا بعضًا أربابًا} فإنّ اتّخاذ بعضهم بعضًا، ما كان بطاعة الأتباع الرّؤساء فيما أمروهم به من معاصي اللّه وتركهم ما نهوهم عنه من طاعة اللّه، كما قال جلّ ثناؤه: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه والمسيح ابن مريم وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلهًا واحدًا}.
- كما: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: {ولا يتّخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون اللّه} يقول: لا يطع بعضنا بعضًا في معصية اللّه، ويقال: إنّ تلك الرّبوبيّة أن يطيع النّاس سادتهم وقادتهم في غير عبادةٍ إن لم يصلّوا لهم
وقال آخرون: اتّخاذ بعضهم بعضًا أربابًا: سجود بعضهم لبعضٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا حفص بن عمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، في قوله: {ولا يتّخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون اللّه} قال: سجود بعضهم لبعضٍ
وأمّا قوله: {فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون} فإنّه يعني: فإن تولّى الّذين تدعونهم إلى الكلمة السّواء عنها وكفروا، فقولوا أنتم أيّها المؤمنون لهم: اشهدوا علينا بأنّا بما تولّيتم عنه من توحيد اللّه وإخلاص العبوديّة له، وأنّه الإله الّذي لا شريك له مسلمون، يعني خاضعين للّه به متذلّلين له بالإقرار بذلك بقلوبنا وألسنتنا.
وقد بيّنّا معنى الإسلام فيما مضى، ودلّلنا عليه بما أغنى عن إعادته). [جامع البيان: 5/473-480]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قل يا أهل الكتاب
- حدّثنا أبي، ثنا هشام بن عمّارٍ، ثنا الوليد، ثنا الضّحّاك، عن عبد الرّحمن بن أبي حوشبٍ وغيره أنّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى أليون طاغية الرّوم قال: فيما أنزل على محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم قل يا أهل الكتاب يعني اليهود والنّصارى تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم.
قوله تعالى: قل يا أهل الكتاب تعالوا
- حدّثنا أبي، ثنا أبو اليمان، أخبرني شعيبٌ، عن الزّهريّ، أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعودٍ أنّ عبد اللّه بن عبّاسٍ أخبره بأنّ أبا سفيان بن حربٍ أخبره أنّ هرقل دعا بكتاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فإذا فيه: من محمّدٍ عبد اللّه ورسوله إلى هرقل عظيم الرّوم، سلامٌ على من اتّبع - أمّا بعد: فإنّي أدعوكم بدعاية الإسلام، فأسلم تسلم يؤتك اللّه أجرك مرّتين، فإن تولّيت فإنّ عليك إثم اليريسيّن، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا اللّه ولا نشرك به شيئًا ولا يتّخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون اللّه، فإن تولّوا فقولوا: اشهدوا بأنّا مسلمون.
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ عن ابن جريجٍ في قوله: تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا اللّه قال: بلغني أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم دعا يهود أهل المدينة إلى ذلك فأبوا عليه فجاهدهم حتّى أقرّوا الجزية.
قوله تعالى: كلمةٍ
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، ثنا الرّبيع بن أنسٍ قال أبو العالية: كلمة السّواء لا إله إلا اللّه.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة قال: دعوا الإسلام فأبوا.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة قال: قال محمّد ابن إسحاق تعالوا إلى كلمةٍ قال: دعاهم إلى النّصف وقطع عنهم الحجّة
قوله تعالى: سواءٍ بيننا وبينكم ألّا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع قوله: قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم يقول: عدلٌ بيننا وبينكم.
قوله تعالى: ولا يتّخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون اللّه
- حدّثني أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، أنبأ حفص بن عمر العدنيّ، ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة في قوله: أربابًا يعني الأصنام.
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ، عن ابن جريجٍ قوله: أربابًا من دون اللّه قال: يقال: إنّ الرّبوبيّة أن يطيع النّاس سادتهم وقادتهم في غير عبادةٍ.
- حدّثنا محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ، ثنا حفص بن عمر العدنيّ، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله: ولا يتّخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون اللّه قال:
سجود بعضهم لبعضٍ.
قوله تعالى: فإن تولوا فقولوا اشهدوا
الآية قد تقدم تفسيره). [تفسير القرآن العظيم: 2/669-670]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 64.
أخرج ابن أبي شيبة ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي في "سننه" عن ابن عباس قال كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما (قولوا آمنا بالله وما أنزل
إلينا) (البقرة الآية 136) الآية، وفي الثانية {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم}.
وأخرج عبد الرزاق والبخاري ومسلم والنسائي، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: حدثني أبو سفيان أن هرقل دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإن عليك إثم الأريسين {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا} إلى قوله {اشهدوا بأنا مسلمون}.
وأخرج الطبراني عن ابن عباس أن كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الكفار {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله {تعالوا إلى كلمة} الآية، قال: بلغني أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم دعا يهود أهل المدينة إلى ذلك فأبوا عليه فجاهدهم حتى أتوا بالجزية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة قال ذكر لنا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم دعا يهود أهل المدينة إلى الكلمة السواء وهم الذين حاجوا في إبراهيم وزعموا أنه مات يهوديا وأكذبهم الله ونفاهم منه فقال (يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم) (آل عمران الآية 65) الآية.
وأخرج ابن جرير عن الربيع قال: ذكر لنا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم دعا اليهود إلى الكلمة السواء.
وأخرج عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله {قل يا أهل الكتاب تعالوا} الآية قال: فدعاهم إلى النصف وقطع عنهم الحجة، يعني وفد نجران.
وأخرج عن السدي قال: ثم دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني الوفد من نصارى نجران فقال {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء} الآية.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن قتادة {تعالوا إلى كلمة سواء} قال: عدل.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الربيع، مثله.
وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله {سواء بيننا وبينكم} قال: عدل، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت قول الشاعر: تلاقينا تعاصينا سواء * ولكن حم عن حال بحال.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: كلمة السواء لا إله إلا الله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد {تعالوا إلى كلمة سواء} قال: لا إله إلا الله.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله {ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} قال: لا يطيع بعضنا بعضا في معصية الله ويقال: إن تلك الربوبية أن يطيع الناس سادتهم وقادتهم في غير عبادة وإن لم يصلوا لهم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا} قال: سجود بعضهم لبعض). [الدر المنثور: 3/612-615]

تفسير قوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أهل الكتاب لم تحاجّون في إبراهيم وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلاّ من بعده أفلا تعقلون}
قال أبو جعفرٍ: يعني تعالى ذكره بقوله: {يا أهل الكتاب} يا أهل التّوراة والإنجيل {لم تحاجّون} لم تجادلون {في إبراهيم} وتخاصمون فيه، يعني في إبراهيم خليل الرّحمن صلوات اللّه عليه.
وكان حجاجهم فيه: ادّعاء كلّ فريقٍ من أهل هذين الكتابين أنّه كان منهم، وأنّه كان يدين دين أهل نحلته، فعابهم اللّه عزّ وجلّ بادّعائهم ذلك، ودلّ على مناقضتهم ودعواهم، فقال: وكيف تدّعون أنّه كان على ملّتكم ودينكم، ودينكم إمّا يهوديّةً أو نصرانيّةً، واليهوديّ منكم يزعم أنّ دينه إقامة التّوراة والعمل بما فيها، والنّصرانيّ منكم يزعم أنّ دينه إقامة الإنجيل وما فيه، وهذان كتابان لم ينزلا إلاّ بعد حينٍ من مهلك إبراهيم ووفاته؟ فكيف يكون منكم؟ فما وجه اختصامكم فيه وادّعائكم أنّه منكم، والأمر فيه على ما قد علمتم؟
وقيل: نزلت هذه الآية في اختصام اليهود والنّصارى في إبراهيم، وادّعاء كلّ فريقٍ منهم أنّه كان منهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، وحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ، مولى زيد بن ثابتٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلاّ يهوديًّا، وقالت النّصارى: ما كان إبراهيم إلاّ نصرانيًّا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ فيهم: {يا أهل الكتاب لم تحاجّون في إبراهيم وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلاّ من بعده أفلا تعقلون} قالت النّصارى: كان نصرانيًّا، وقالت اليهود: كان يهوديًّا، فأخبرهم اللّه أنّ التّوراة والإنجيل انما أنزلا إلا من بعده، وبعده كانت اليهوديّة والنّصرانيّة.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا أهل الكتاب لم تحاجّون في إبراهيم} يقول: لم تحاجّون في إبراهيم وتزعمون أنّه كان يهوديًّا أو نصرانيًّا، وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلاّ من بعده، فكانت اليهوديّة بعد التّوراة، وكانت النّصرانيّة بعد الإنجيل أفلا تعقلون
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية في دعوى اليهود إبراهيم أنّه منهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دعا يهود أهل المدينة إلى كلمة السّواء، وهم الّذين حاجّوا في إبراهيم، وزعموا أنّه مات يهوديًّا. فأكذبهم اللّه عزّ وجلّ، ونفاهم منه، فقال: {يا أهل الكتاب لم تحاجّون} في إبراهيم وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلاّ من بعده أفلا تعقلون
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {يا أهل الكتاب لم تحاجّون في إبراهيم} قال: اليهود والنّصارى برّأه اللّه عزّ وجلّ منهم حين ادّعت كلّ أمّةٍ أنّه منهم، وألحق به المؤمنين من كان من أهل الحنيفيّة
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله.
وأمّا قوله: {أفلا تعقلون} فإنّه يعني: أفلا تعقلون، تفقهون خطأ قيلكم إنّ إبراهيم كان يهوديًّا أو نصرانيًّا، وقد علمتم أنّ اليهوديّة والنّصرانيّة حدثت من بعد مهلكه بحينٍ؟). [جامع البيان: 5/480-483]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أهل الكتاب لم تحاجّون في إبراهيم وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلّا من بعده أفلا تعقلون (65)
قوله تعالى: يا أهل الكتاب
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ يا أهل الكتاب قال: اليهود.
والوجه الثّاني:
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ يا أهل الكتاب لم تحاجّون في إبراهيم قالت:
النّصارى كان نصرانيًّا، وقالت اليهود كان يهوديًّا. قال: أبو محمّدٍ: وروي عن الشّعبيّ نحو ذلك.
قوله تعالى: لم تحاجّون في إبراهيم
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ قوله: يا أهل الكتاب لم تحاجّون في إبراهيم اليهود والنّصارى برّأه اللّه منهم حين ادّعت كلّ أمّةٍ أنّه منهم، وألحق به المؤمنين مّن كان من أهل الكتاب الحنيفيّة. قال أبو محمّدٍ: وروي عن أبي العالية والسّدّيّ وقتادة نحو ذلك.
قوله تعالى: وما أنزلت التّوراة والإنجيل
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: وما أنزلت التّوراة والإنجيل قال:
واللّه ما أنزلت التّوراة والإنجيل إلّا على ملة إبراهيم، ف لم تحاجّون في إبراهيم.
قوله تعالى: إلا من بعده أفلا تعقلون
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلا من بعده كانت اليهوديّة والنّصرانيّة.
قال أبو محمّدٍ: وروي عن قتادة أنّه قال: كانت اليهوديّة بعد التّوراة، وكانت النّصرانيّة بعد الإنجيل.
قوله تعالى: أفلا تعقلون
- أخبرنا أبو زيدٍ القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرحمن ابن زيدٍ يقول في قوله: أفلا تعقلون أفلا تتفكّرون). [تفسير القرآن العظيم: 2/671]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 65 - 66
أخرج ابن إسحاق، وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا عنده فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيا، فأنزل الله فيهم {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده} إلى قوله {والله ولي المؤمنين} فقال أبو رافع القرظي: أتريد منا يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى بن مريم فقال رجل من أهل نجران: أذلك تريد يا محمد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معاذ الله أن أعبد غير الله أو آمر بعبادة غيره، ما بذلك بعثني ولا أمرني، فأنزل الله في ذلك من قولهما (ما كان لبشر أن يؤتيه الله
الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله) (آل عمران الآية 79) إلى قوله (بعد إذ أنتم مسلمون) ثم ذكر ما أخذ عليهم وعلى آباءهم من الميثاق بتصديقه إذا هو جاءهم وإقرارهم به على أنفسهم فقال (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) (آل عمران الآية 81) إلى قوله (من الشاهدين).
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة قال ذكر لنا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم دعا يهود أهل المدينة وهم الذين حاجوا في إبراهيم وزعموا أنه مات يهوديا، فأكذبهم الله ونفاهم منه وقال {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم} وتزعمون أنه كان يهوديا أو نصرانيا {وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده} فكانت اليهودية بعد التوراة وكانت النصرانية بعد الإنجيل {أفلا تعقلون}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم} قال: اليهود والنصارى برأه الله منهم حين ادعى كل أمة منهم وألحق به المؤمنين من كان من أهل الحنيفية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم} قالت النصارى: كان نصرانيا، وقالت اليهود: كان يهوديا، فأخبرهم الله أن التوراة والإنجيل إنما أنزلتا من بعده وبعده كانت اليهودية والنصرانية). [الدر المنثور: 3/615-618]

تفسير قوله تعالى: (هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علمٌ فلما تحاجّون فيما ليس لكم به علمٌ واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: {ها أنتم} هؤلاء القوم الّذين خاصمتم وجادلتم فيما لكم به علمٌ من أمر دينكم الّذي وجدتموه في كتبكم، وأتتكم به رسل اللّه من عنده، وفي غير ذلك ممّا أوتيتموه وثبتت عندكم صحّته، فلم تحاجّون؟ يقول: فلم تجادلون وتخاصمون فيما ليس لكم به علمٌ؟ يعني الّذي لا علم لكم به من أمر إبراهيم ودينه، ولم تجدوه في كتب اللّه، ولا أتتكم به أنبياؤكم ولا شاهدتموه فتعلموه.
- كما: حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علمٌ فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علمٌ} أمّا الّذي لهم به علمٌ: فما حرّم عليهم وما أمروا به، وأمّا الّذي ليس لهم به علمٌ: فشأن إبراهيم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علمٌ} يقول: فيما شهدتم ورأيتم وعاينتم {فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علمٌ} فيما لم تشاهدوا ولم تروا ولم تعاينوا، واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
وقوله: {واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون} يقول: واللّه يعلم ما غاب عنكم فلم تشاهدوه ولم تروه ولم تأتكم به رسله من أمر إبراهيم وغيره من الأمور، وممّا تجادلون فيه؛ لأنّه لا يغيب عنه شيءٌ، ولا يعزب عنه علم شيءٍ في السّماوات ولا في الأرض، وأنتم لا تعلمون من ذلك إلاّ ما عاينتم فشاهدتم، أو أدركتم علمه بالإخبار والسّماع). [جامع البيان: 5/483-484]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علمٌ فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علمٌ واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون (66)
قوله تعالى: ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع قال: قال أبو العالية ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علمٌ يقول: فيما شهدتم ورأيتم وعاينتم.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علمٌ أمّا الّذي لهم به علمٌ فما حرّم عليهم وما أمروا به.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علمٌ فقال: يعذر من حاجّ بعلمٍ، ولا يعذر من حاجّ بالجهل.
قوله تعالى: فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع قال: قال أبو العالية فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علمٌ يقول فيما لم يشهدوا، ولم يروا، ولم يعاينوا، واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ ابن نصرٍ عن السّدّيّ فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علمٌ أمّا الّذي ليس لهم به علمٌ فشأن إبراهيم.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علمٌ قال: لا يعذر من حاجّ بالجهل). [تفسير القرآن العظيم: 2/672]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم} يقول: فيما شهدتم ورأيتم وعاينتم {فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم} يقول: فيما لم تشهدوا ولم تروا ولم تعاينوا.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة، مثله
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: أما الذي لهم به علم فما حرم عليهم وما أمروا به وأما الذي ليس لهم به علم فشأن إبراهيم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: يعذر من حاج بعلم ولا يعذر من حاج بالجهل). [الدر المنثور: 3/615-618]

تفسير قوله تعالى: (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) )
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قول اللّه عزّ وجلّ: {حنيفًا مسلمًا} قال: مخلصًا مسلمًا). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 103]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين}
وهذا تكذيبٌ من اللّه عزّ وجلّ دعوى الّذين جادلوا في إبراهيم وملّته من اليهود والنّصارى، وادّعوا أنّه كان على ملّتهم، وتبرئةٌ لهم منه، وأنّهم لدينه مخالفون، وقضاءٌ منه عزّ وجلّ لأهل الإسلام ولأمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّهم هم أهل دينه، وعلى منهاجه وشرائعه دون سائر أهل الملل والأديان غيرهم.
يقول اللّه عزّ وجلّ {ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولاكان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين} الّذين يعبدون الأصنام والأوثان، أو مخلوقًا دون خالقه الّذي هو إله الخلق وبارئهم {ولكن كان حنيفًا} يعني: متّبعًا أمر اللّه وطاعته، مستقيمًا على محجّة الهدى الّتي أمر بلزومها {مسلمًا} يعني: خاشعًا للّه بقلبه، متذلّلاً له بجوارحه، مذعنًا لما فرض عليه وألزمه من أحكامه
وقد بيّنّا اختلاف أهل التّأويل في معنى الحنيف فيما مضى، ودلّلنا على القول الّذي هو أولى بالصّحّة من أقوالهم بما أغنى عن إعادته.فى هذا الموضع
وبنحو ما قلنا في ذلك من التّأويل، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني إسحاق بن شاهين الواسطيّ، قال: حدّثنا خالد بن عبد اللّه، عن داود، عن عامرٍ، قال: قالت اليهود: إبراهيم على ديننا، وقالت النّصارى: هو على ديننا، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا} الآية، فأكذبهم اللّه، وأدحض حجّتهم، يعني اليهود الّذين ادّعوا أنّ إبراهيم مات يهوديًّا
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يعقوب بن عبد الرّحمن الزّهريّ، عن موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد اللّه، لا أراه إلاّ يحدّثه عن أبيه، أنّ زيد بن عمرو بن نفيلٍ خرج إلى الشّام يسأل عن الدّين، ويتبعه، فلقي عالمًا من اليهود، فسأله عن دينه، وقال: إنّي لعلّي أن أدين دينكم، فأخبرني عن دينكم، فقال له اليهوديّ: إنّك لن تكون على ديننا حتّى تأخذ بنصيبك من غضب اللّه، قال زيدٌ: ما أفرّ إلاّ من غضب اللّه، ولا أحمل من غضب اللّه شيئًا أبدًا، وأنا لا أستطيع، فهل تدلّني على دينٍ ليس فيه هذا؟ قال: ما أعلمه إلا أن تكون حنيفًا، قال: وما الحنيف؟
قال: دين إبراهيم، لم يك يهوديًّا ولا نصرانيًّا، وكان لا يعبد إلاّ اللّه، فخرج من عنده، فلقي عالمًا من النّصارى، فسأله عن دينه، فقال: إنّي لعلّي أن أدين دينكم، فأخبرني عن دينكم، قال: إنّك لن تكون على ديننا حتّى تأخذ بنصيبك من لعنة اللّه، قال: لا أحتمل من لعنة اللّه شيئًا، ولا من غضب اللّه شيئًا أبدًا، وأنا أستطيع، فهل تدلّني على دينٍ ليس فيه هذا؟ فقال له نحوًا ممّا قاله اليهوديّ: لا أعلمه إلا أن تكون حنيفًا، فخرج من عنده، وقد رضي الّذي أخبراه والّذي اتّفقا عليه من شأن إبراهيم، فلم يزل رافعًا يديه إلى اللّه وقال: اللّهمّ إنّي أشهدك أنّي على دين إبراهيم). [جامع البيان: 5/485-487]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين (67)
قوله تعالى: ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، أنبأ محمّد بن مزاحمٍ، ثنا بكير بن معروفٍ، عن مقاتلٍ قال: قال كعبٌ وأصحابه ونفرٌ من النّصارى: إنّ إبراهيم منّا وموسى منّا والأنبياء منّا، فقال اللّه عزّ وجلّ: ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن السّعديّ، ثنا عبد الله ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع قال: قال أبو العالية: زعموا أنّه مات يهوديًّا فأكذبهم اللّه وأدحض حجّتهم.
قوله تعالى: ولكن كان حنيفا
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ حنيفًا يقول: حاجًّا. قال أبو محمّدٍ: وروي عن الحسن، والضّحّاك، وعطيّة، والسّدّيّ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا قبيصة، وعيسى بن جعفرٍ قالا: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ حنيفًا قال: متّبعًا. قال أبو محمّدٍ: وروي عن الرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم، ثنا عثمان ابن صالحٍ، ثنا ابن لهيعة، عن أبي صخرٍ، عن محمّد بن كعبٍ حنيفًا قال:
الحنيف المستقيم. قال أبو صخرٍ عن عيسى بن جارية: سمعته يقول مثله
والوجه الرّابع:
- حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسيّ، ثنا أبو يحيى الحمّانيّ، عن أبي قتيبة النّضريّ يعني نعيم بن ثابتٍ، عن أبي قلابة في قوله: حنيفًا الحنيف الّذي يؤمن بالرّسل كلّهم من أوّلهم إلى آخرهم.
والوجه الخامس:
- حدّثنا أبي، ثنا النّفيليّ، ثنا محمّد بن سلمة، عن خصيفٍ في قوله:
حنيفًا قال: الحنيف المخلص.
قوله تعالى: مسلمًا وما كان من المشركين
- حدّثنا العبّاس بن الوليد بن مزيدٍ قراءةً، أخبرني محمد ابن شعيب بن شابور، أخبرني عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه عطاء بن أبي مسلمٍ الخراسانيّ في قوله:
حنيفًا مسلمًا مخلصًا قال أبو محمّدٍ: وروي عن مقاتل بن حيّان نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/673-674]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 67
أخرج ابن جرير عن الشعبي قال: قالت اليهود: إبراهيم على ديننا، وقالت النصارى: هو على ديننا، فأنزل الله {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا} الآية، فأكذبهم الله وأدحض حجتهم.
وأخرج عن الربيع، مثله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان قال: قال كعب وأصحابه ونفر من النصارى: إن إبراهيم منا وموسى منا والأنبياء منا، فقال الله {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما}.
وأخرج ابن جرير عن سالم بن عبد الله لا أراه إلا يحدثه عن أبيه، أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينه وقال: إني لعلي أن أدين دينكم فأخبرني عن دينكم فقال له اليهودي: إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله قال زيد: ما أفر إلا من غضب الله ولا أحمل من غضب الله شيئا أبدا فهل تدلني على دين ليس فيه هذا قال: ما أعلمه إلا أن تكون حنيفا، قال: وما الحنيف قال: دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا وكان لا يعبد إلا الله، فخرج من عنده فلقي عالما من النصارى فسأله عن دينه فقال: إني لعلي أن أدين دينكم فأخبرني عن دينكم قال: إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله قال: لا أحتمل من لعنة الله شيئا ولا من غضب الله شيئا أبدا فهل تدلني على دين ليس فيه هذا فقال له نحو ما قال اليهودي: لا أعلمه إلا أن تكون حنيفا، فخرج من عندهم وقد رضي بالذي أخبراه والذي اتفقا عليه من شأن إبراهيم، فلم يزل رافعا يديه إلى الله وقال: اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم). [الدر المنثور: 3/618-619]

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا والله وليّ المؤمنين} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا أبو الأحوص، عن سعيد بن مسروقٍ، عن (أبي) الضّحى، (عن مسروقٍ)، عن ابن مسعودٍ: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: ((إنّ لكلّ نبيٍّ ولاةً من المؤمنين، وإنّ وليّي منهم: أبي وخليل ربّي))، ثمّ قرأ: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ} ). [سنن سعيد بن منصور: 3/1047]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن أبيه، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ لكلّ نبيٍّ ولاةً من النّبيّين، وإنّ وليّي أبي وخليل ربّي، ثمّ قرأ: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين}.
حدّثنا محمودٌ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبيه، عن أبي الضّحى، عن عبد الله، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثله ولم يقل فيه عن مسروقٍ.
هذا أصحّ من حديث أبي الضّحى عن مسروقٍ، وأبو الضّحى اسمه: مسلم بن صبيحٍ.
حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضّحى، عن عبد الله، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم نحو حديث أبي نعيمٍ وليس فيه عن مسروقٍ). [سنن الترمذي: 5/73-74]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم} إنّ أحقّ النّاس بإبراهيم ونصرته وولايته {للّذين اتّبعوه} يعني الّذين سلكوا طريقه ومنهاجه، فوحّدوا اللّه مخلصين له الدّين وسنّوا سننه وشرّعوا شرائعه وكانوا للّه حنفاء مسلمين غير مشركين به {وهذا النّبيّ} يعني محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم. {والّذين آمنوا}
يعني والّذين صدّقوا محمّدًا، وبما جاءهم به من عند اللّه {واللّه وليّ المؤمنين} يقول: واللّه ناصر المؤمنين بمحمّدٍ المصدّقين له في نبوّته، وفيما جاءهم به من عنده على من خالفهم من أهل الملل والأديان.
وبمثل الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه} يقول: الّذين اتّبعوه على ملّته وسنّته ومنهاجه وفطرته، {وهذا النّبيّ} وهو نبيّ اللّه محمّدٌ {والّذين آمنوا} معه وهم المؤمنون الّذين صدّقوا نبيّ اللّه واتّبعوه، كان محمّدٌ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والّذين معه من المؤمنين أولى النّاس بإبراهيم
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، مثله.
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، وجابر بن الكرديّ، والحسن بن أبي يحيى المقدسيّ، قالوا: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن أبيه، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ لكلّ نبيٍّ ولاةً من النّبيّين، وإنّ وليّي منهم أبي وخليل ربّي، ثمّ قرأ: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين}
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ الفضل بن دكينٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن أبيه، عن أبي الضّحى، عن عبد اللّه، أراه قال عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر نحوه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: يقول اللّه سبحانه: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه} وهم المؤمنون). [جامع البيان: 5/487-489]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين (68)
قوله تعالى: إنّ أولى النّاس بإبراهيم للذين اتبعوه
[الوجه الأول]
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، عن سفيان، (ح) وحدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا وكيعٌ، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضّحى، عن عبد اللّه (ح) وحدّثنا أحمد بن عصامٍ، عن مسروقٍ عن عبد اللّه قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إنّ لكلّ نبيٍّ ولاةً من النّبيّين، وإنّ وليّي منهم أبي وخليل ربّي إبراهيم ثمّ قرأ إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا والله ولي المؤمنين.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: يقول اللّه تعالى: إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهم المؤمنون.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن السّعديّ، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه عن الرّبيع بن أنسٍ قوله: إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه على ملّته وسنّته ومنهاجه، وكان محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم والّذين معه من المؤمنين أولى النّاس بإبراهيم.
قوله تعالى: وهذا النّبيّ
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ في قوله: وهذا النّبيّ وهو نبيّ اللّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. قال أبو محمّدٍ: وروي عن قتادة نحو ذلك.
قوله تعالى: والذين آمنوا
[الوجه الأول]
- ذكر محمّد بن المثنّى، حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبد الحميد بن جعفرٍ، أنبأ سعيدٌ المقبريّ، عن أبي الحويرث سمع الحكم بن ميناءٍ يقول: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: يا معشر قريشٍ إنّ أولى النّاس بالنّبيّ المتّقون فكونوا أنتم بسبيل ذلك فانظروا أن لا يلقاني النّاس يحملون الأعمال، وتلقوني بالدّنيا تحملونها فأصدّ عنكم بوجهي، ثمّ قرأ عليهم هذه الآية: إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والذين آمنوا والله ولي المؤمنين
[الوجه الثّاني]
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ والّذين آمنوا وهم المؤمنون الّذين صدّقوا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم واتّبعوه، فكان محمّدٌ رسول اللّه والّذين معه من المؤمنين أولى النّاس بإبراهيم. قال أبو محمّدٍ: وروي عن قتادة نحو ذلك.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا الحسن بن أحمد، ثنا موسى بن محكمٍ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبّاد بن منصورٍ قال: سألت الحسن عن قوله: إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا قال: كلّ مؤمنٍ وليٌّ لإبراهيم ممّن مضى وممّن بقي
قوله تعالى: واللّه وليّ المؤمنين
- ذكر عن شيبان، ثنا أبو هلالٍ، ثنا قتادة قال: لقد أعظم على اللّه الفرية من قال: يكون مؤمنًا فاسقًا، ومؤمنًا جاهلا، ومؤمنًا خائنًا قال اللّه تعالى في كتابه: إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين فالمؤمن ولي الله والمؤمن حبيب الله). [تفسير القرآن العظيم: 2/674-675]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا الحسن بن عليّ بن عفّان العامريّ، ثنا محمّد بن عبيدٍ الطّنافسيّ، ثنا سفيان بن سعيدٍ، عن أبيه، وعن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ لكلّ نبيٍّ ولاةٌ من النّبيّين، وإنّ وليّي منهم أبي وخليلي إبراهيم» ثمّ قرأ {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه، وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين} [آل عمران: 68] «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه» ). [المستدرك: 2/320]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «إنّ لكلّ نبيٍ ولاةً من النبيّين، وإنّ وليّي أبي وخليل ربّي إبراهيم»، ثم قرأ {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين} [آل عمران: 68] أخرجه الترمذي.
[شرح الغريب]
(ولاة) الولاة: جمع ولي، وهو الذي يوالي الإنسان، وينضم إليه ويكون من جملته وأتباعه والناصرين له). [جامع الأصول: 2/66]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ) ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: وآل عمران: المؤمنون من آل إبراهيم، وآل عمران، وآل ياسين، وآل محمد، يقول: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه} وهم المؤمنون. أخرجه البخاري بغير إسناد). [جامع الأصول: 2/67]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو يعلى الموصليّ: ثنا محمّد بن أبي بكرٍ المقدميّ، ثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، ثنا عبد الحميد بن جعفرٍ، عن سعيدٍ المقبريّ، عن أبي الحويرث أنّه سمع الحكم يقول: "إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال لعمر- رضي اللّه عنه-: اجمع لي من ها هنا من قريشٍ. فجمعهم، ثمّ قال: يا رسول اللّه، أتخرج إليهم أم يدخلون؟ قال: بل أخرج إليهم. فخرج فقال: يا معشر قريشٍ، هل فيكم غيركم؟ قالوا: لا، إلّا بنو أخواتنا. قال: إنّ ابن أخت القوم منهم. ثمّ قال: يا معشر قريشٍ، اعلموا أنّ أولى النّاس بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المتّقون، فانظروا، لا يأتي النّاس بالأعمال يوم القيامة وتأتون بالدّنيا تحملونها فأصدّ عنكم بوجهي ثمّ قرأ: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين} ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/190]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 68.
أخرج عبد بن حميد من طريق شهر بن حوشب حدثني ابن غنم أنه لما أن خرج أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي أدركهم عمرو بن العاص وعمارة بن أبي معيط فأرادوا عنتهم والبغي عليهم فقدموا على النجاشي وأخبروه أن هؤلاء الرهط
الذين قدموا عليك من أهل مكة إنما يريدون أن يخبلوا عليك ملكك ويفسدوا عليك أرضك ويشتموا ربك، فأرسل إليهم النجاشي فلما أن أتوه قال: ألا تسمعون ما يقول صاحباكم هذان لعمرو بن العاص وعمارة بن أبي معيط يزعمان إنما جئتم لتخبلوا علي ملكي وتفسدوا علي أرضي، فقال عثمان بن مظعون وحمزة: إن شئتم فخلوا بين أحدنا وبين النجاشي فلنكلمه فأنا أحدثكم سنا فإن كان صوابا فالله يأتي به وإن كان غير ذلك قلتم رجل شاب لكم في ذلك عذر، فجمع النجاشي قسيسيه ورهبانه وتراجمته ثم سألهم أرأيتكم صاحبكم هذا الذي من عنده جئتم ما يقول لكم وما يأمركم به وما ينهاكم عنه، هل له كتاب يقرأه قالوا: نعم، هذا الرجل يقرأ ما أنزل الله عليه وما قد سمع منه وهو يأمر بالمعروف ويأمر بحسن المجاورة ويأمر باليتيم ويأمر بأن يعبد الله وحده ولا يعبد معه إله آخر، فقرأ عليه سورة الروم وسورة العنكبوت وأصحاب الكهف ومريم، فلما أن ذكر عيسى في القرآن أراد عمرو أن يغضبه عليهم فقال: والله إنهم ليشتمون عيسى ويسبونه قال النجاشي: ما يقول صاحبكم في عيسى قال: يقول إن عيسى عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم فأخذ النجاشي نفثة من سواكه قدر ما يقذي العين فحلف ما زاد المسيح على ما يقول صاحبكم ما يزن ذلك القذى في يده من نفثة سواكه فأبشروا ولا تخافوا فلا دهونة - يعني بلسان الحبشة اليوم على حزب إبراهيم - قال عمرو بن العاص: ما حزب إبراهيم قال: هؤلاء الرهط وصاحبهم الذي جاؤوا من عنده ومن اتبعهم، فأنزلت ذلك اليوم خصومتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النّبيّ والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد والترمذي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن لكل نبي ولاة من النبيين وإن وليي منهم أبي وخليل ربي ثم قرأ {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النّبيّ والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحكم بن ميناء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر قريش إن أولى الناس بالنبي المتقون فكونوا أنتم بسبيل ذلك فانظروا أن لا يلقاني الناس يحملون الأعمال وتلقوني بالدنيا تحملونها فأصد عنكم بوجهي، ثم قرأ عليهم
هذه الآية {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النّبيّ والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه} قال: هم المؤمنون.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه} يقول الذين اتبعوه على ملته وسنته ومنهاجه وفطرته {وهذا النبي} وهو نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم {والذين آمنوا معه} وهم المؤمنون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في الآية قال: كل مؤمن ولي لإبراهيم ممن مضى وممن بقي.
وأخرج أحمد، وابن أبي داود في البعث، وابن أبي الدنيا في العزاء والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولاد المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة). [الدر المنثور: 3/619-622]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 6 جمادى الآخرة 1434هـ/16-04-2013م, 02:22 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم...}, وهي في قراءة عبد الله :{إلى كلمة عدل بيننا وبينكم}, وقد يقال في معنى عدل: سوىً وسوىً، قال الله تبارك وتعالى في سورة طه: {فاجعل بيننا وبينك موعداً لا نخلفه نحن ولا أنت مكاناً سوىً} , وسوىً؛ يراد به عدل ونصف بيننا وبينك.
ثم قال: {ألاّ نعبد إلاّ اللّه},
فأن في موضع خفض على معنى: تعالوا إلى ألاّ نعبد إلا الله, ولو أنك رفعت {ما نعبد} مع العطوف عليها على نية: تعالوا نتعاقد لا نعبد إلا الله؛ لأن معنى الكلمة: القول، كأنك حكيت: تعالوا نقول: لا نعبد إلا الله. ولو جزمت العطوف؛ لصلح على التوهّم؛ لأن الكلام مجزوم لو لم تكن فيه أن؛ كما تقول: تعالوا لا نقل إلا خيراً.

ومثله مما يرد على التأويل: {قل إنّي أمرت أن أكون أوّل من أسلم ولا تكوننّ} , فصيّر {ولا تكونن} نهياً في موضع جزم، والأول منصوب، ومثله: {وأمرنا لنسلم لربّ العالمين. وأن أقيموا الصّلاة} , فردّ أن على لام كي؛ لأن (أن) تصلح في موقع اللام, فردّ أن على أن مثلها يصلح في موقع اللام؛ ألا ترى أنه قال في موضع: {يريدون ليطفئوا}, وفي موضع : {يريدون أن يطفئوا}). [معاني القرآن: 1/221]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({سواء بيننا وبينكم} أي: النّصف، يقال: قد دعاك إلى السواء فاقبل منه.
{إلى كلمةٍ} مفسرة بعد {أن لا نعبد إلاّ الله، ولاّ نشرك به شيئاً}, بهذه الكلمة التي دعاهم إليها). [مجاز القرآن: 1/96]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ اللّه ولا نشرك به شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً مّن دون اللّه فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون} , قال سبحانه وتعالى: {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم} , فجر {سواء}؛ لأنها من صفة الكلمة, وهو "العدل", أراد "مستويةٍ" , ولو أراد:"استواءً", لكان النصب, وإن شاء أن يجعله على الاستواء , ويجرّ جاز، ويجعله من صفة الكلمة مثل :"الخلق"؛ لأن "الخلق" , قد يكون صفة, ويكون اسماً, قال الله تعالى: {الّذي جعلناه للنّاس سواء العاكف فيه والباد}؛ لأن "السّواء" للآخر , وهو اسم ليس بصفة, فيجرى على الأول، وذلك إذا أراد به الاستواء, فإن أراد "مستوياً" جاز أن يجري على الأول، فالرفع في ذا المعنى جيد؛ لأنها صفة لا تغير عن حالها, ولا تثنى, ولا تجمع على لفظها, ولا تؤنث، فأشبهت الأسماء, وقال تعالى: {أن نّجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواء مّحياهم ومماتهم} , فـ"السواء" للمحيا , والممات، فهذا المبتدأ, وإن شئت أجريته على الأول, وجعلته صفة مقدمة من سبب الأول, فجرى عليه، فذا إذا جعلته في معنى مستو , فالرفع وجه الكلام كما فسرته لك من قوله: {ألاّ نعبد إلاّ اللّه}, فهو بدل كأنه قال "تعالوا إلى أن لا نعبد إلاّ اللّه"). [معاني القرآن: 1/172-173]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({كلمة سواء}: نصف وعدل.
تقول العرب: قد دعاك إلى السواء فاقبل منه).
[غريب القرآن وتفسيره: 106]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم} ,أي: نصف, يقال: دعاك إلى السواء، أي: إلى النّصفة, وسواء كلّ شيء: وسطه, ومنه يقال للنصفة: سواء، لأنها عدل, وأعدل الأمور: أوساطها). [تفسير غريب القرآن: 106]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألّا نعبد إلّا اللّه ولا نشرك به شيئا ولا يتّخذ بعضنا بعضا أربابا من دون اللّه فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون}
معنى{سواء}: معنى:عدل، ومعنى كلمة : كلام فيه شرح قصة , وإن طال, وكذلك يقول العرب للقصيدة:كلمة.
يروى أن حسان بن ثابت الأنصاري كان إذا قيل له: أنشد , قال للقائل: هل أنشدت كلمة الحويدرة؟, يعني قصيدته التي أولها:
بكرت سمية بكرة فتمتعي= ويقال للعدل سواء وسوى وسوى.
قال زهير بن أبي سلمى:
أروني خطة لا ضيم فيها= يسوي بيننا فيها السواء
فإن ترك السّواء فليس بيني= وبينكم بني حصن بناء
يريد بالسواء: العدل , كذا يقول أهل اللغة، وهو الحق, وهو من استواء الشيء، ولو كان في غير القرآن لجاز: سواء بيننا وبينكم، فمن قال:سواء جعله نعتاً للكلمة , يريد: ذات سواء، ومن قال: سواء, جعله مصدراً في معنى: استواء، كأن قال: استوت استواء.
وموضع {ألّا نعبد إلّا اللّه}, موضع " أن " خفض على البدل من كلمة.
المعنى: تعالوا إلى أن لا نعبد إلا اللّه، وجائز أن تكون أن في موضع رفع، كأن قائلاً قال: ما الكلمة؟.
فأجيب: فقيل: هي ألا نعبد إلا اللّه، ولو كان ألّا نعبد إلّا اللّه, ولا نشرك به شيئاً؛لجاز على أن يكون تفسيراً للقصة في تأويل أي: كأنهم قالوا: أي: لا نعبد إلا الله كما قال عزّ وجلّ: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا}, وقال قوم معنى أن ههنا معنى يقولون امشوا، والمعنى واحد لأن القول ههنا تفسير لما قصدوا له وكذلك " أي يفسّر بها، ولو كان {ألّا نعبد إلّا اللّه} بالجزم, لجاز على أن يكون " أن " كما فسّرنا في تأويل: أي ويكون {ألّا نعبد} على جهة النهي، والمنهي هو الناهي في الحقيقة؛ كأنّهم نهوا أنفسهم.
ومعنى {ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللّه},أي: نرجع إلى أن معبودنا اللّه، وأن عيسى بشر، كما أننا بشر؛ فلا نتخذه , ومعنى {فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون}, أي: مقرون بالتوحيد, مستسلمون لما أتتنا به الأنبياء من قبل اللّه عزّ وجلّ). [معاني القرآن: 1/424-426]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} , معنى كلمة قصة فيها شرح , ثم بين الكلمة بقوله: {ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله} , السواء:النصفة, قال زهير:
أروني خطة لا ضيم فيها = يسوى بيننا فيها السواء). [معاني القرآن:1/417-418]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({إلى كلمة سواء}, أي: إلى نصفة). [ياقوتة الصراط: 189]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({سواء بيننا} أي: نصف). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 50]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سَوَاء}: نصفة وعدل). [العمدة في غريب القرآن: 100]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لم تحاجّون في إبراهيم...}, فإن أهل نجران قالوا: كان إبراهيم نصرانيّاً على ديننا، وقالت اليهود: كان يهودياً على ديننا، فأكذبهم الله فقال: {وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلاّ من بعده} , أي: بعد إبراهيم بدهر طويل، ثم عيّرهم أيضاً.
فقال: {هاأنتم هؤلاء حاججتم...}, إلى آخر الآية, ثم بيّن ذلك.
فقال: {ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مّسلماً...}, إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/221] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين}, ومعنى {حنيفاً مسلماً}, معنى الحنف في اللغة: إقبال صدور القدمين كل واحدة على أختها إقبالاً, يكون خلقة لا رجوع فيه أبداً، فمعنى الحنيفية في الإسلام: الميل إليه, والإقامة على ذلك العقد). [معاني القرآن: 1/427]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده}
لأن اليهود قالوا كان إبراهيم منا وقالت النصارى كان منا فأعلم الله أن اليهودية والنصرانية كانتا بعد إبراهيم عليه السلام وأن دين إبراهيم الإسلام لأن الإسلام هو التوحيد فهو دين جميع الأنبياء
ثم قال تعالى: {ولكن كان حنيفا مسلما} والحنف في اللغة: إقبال صدر القدم على الأخرى إذا كان ذلك خلقه
فمعنى الحنيف: المائل إلى الإسلام على حقيقته). [معاني القرآن: 1/418-419]

تفسير قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لم تحاجّون في إبراهيم...}
فإن أهل نجران قالوا: كان إبراهيم نصرانيّا على ديننا، وقالت اليهود: كان يهوديا على ديننا، فأكذبهم الله فقال {وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلاّ من بعده} أي: بعد إبراهيم بدهر طويل، ثم عيّرهم أيضا فقال: {هاأنتم هؤلاء حاججتم...} إلى آخر الآية. ثم بيّن ذلك فقال: {ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مّسلماً...} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/221] (م)

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لم تحاجّون في إبراهيم...}
فإن أهل نجران قالوا: كان إبراهيم نصرانيّا على ديننا، وقالت اليهود: كان يهوديا على ديننا، فأكذبهم الله فقال {وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلاّ من بعده} أي: بعد إبراهيم بدهر طويل، ثم عيّرهم أيضا فقال: {هاأنتم هؤلاء حاججتم...}إلى آخر الآية. ثم بيّن ذلك فقال: {ما كان إبراهيم يهوديّاً ولا نصرانيّاً ولكن كان حنيفاً مّسلماً...} إلى آخر الآية). [معاني القرآن: 1/221] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ( {ما كان إبراهيم يهوديّا ولا نصرانيّا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين}
ومعنى {حنيفا مسلما}.
معنى الحنف في اللغة: إقبال صدور القدمين كل واحدة على أختها إقبالا يكون خلقة لا رجوع فيه أبدا، فمعنى الحنيفية في الإسلام الميل إليه والإقامة على ذلك العقد). [معاني القرآن: 1/427]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُواوَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين}, أي: فهم الذين ينبغي لهم أن يقولوا: إنا على دين إبراهيم, ولهم ولاية.
{واللّه وليّ المؤمنين}, أي: يتولى نصرهم؛ لأن حزبهم هم الغالبون، ويتولى مجازاتهم بالحسنى). [معاني القرآن: 1/427]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين}, والمعنى: والنبي, والذين آمنوا أولى بإبراهيم , ويعني بالنبي: محمد صلى الله عليه وسلم , ومعنى: {والله ولي المؤمنين}: ناصرهم). [معاني القرآن: 1/419]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 9 جمادى الآخرة 1434هـ/19-04-2013م, 08:37 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قوله: الآساس واحدها أس، وتقديرها فعل وأفعال وقد يقال للواحد: أساس، وجمعه أسس.

والبهلول: الضحاك.
وقوله:
بعد ميل من الزمان ويأس
يقال: فيك ميل علينا، وفي الحائط ميل، وكذلك كل منتصب.
وقوله: واقطعن كل رقلة، الرقلة: النخلة الطويلة، ويقال إذا وصف الرجل بالطول: كأنه رقلة.
والأواسي، ياؤه مشددة في الأصل وتخفيفها يجوز، ولو لم يجز في الكلام لجاز في الشعر؛ لأن القافية تقتطعه، وكل مثقل فتخفيفه في القوافي جائز، كقوله:


أصحوت اليوم أم شاقتك هرومـــن الـحــب جـنــون مـسـتـعـر

وواحدها أسية وهي أصل البناء بمنزلة الأساس.
وقوله: وغاظ سوائي تقول: ما عندي رجل سوى زيد، فتقصر إذا كسرت أوله، فإذا فتحت أوله على هذا المعنى مددت، قال الأعشى:


تجانف عن جو اليمامة، ناقتيوما قصدت من أهلها لسوائكا

والسواء ممدود في كل موضع وإن اختلفت معانيه، فهذا واحد منه، والسواء: الوسط، ومنه قوله عز وجل: {فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ}, وقال:


يــا ويــح أنـصـار الـنـبـي ورهـطــهبعد المغيب في سواء الملحد

والسواء: العدل والاستواء، ومنه قوله عز وجل: {إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}، ومن ذلك: عمرو وزيد سواء، والسواء: التمام، يقال: هذا درهم سواء، وأصله من الأول، وقوله عز وجل: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}، معناه تمامًا. ومن قرأ: (سَواءٍ) فإنما وضعه في موضع مستويات). [الكامل: 3/1368-1369] (م)

تفسير قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) }
[لا يوجد]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) }
[لا يوجد]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 10:06 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 10:06 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 10:06 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 10:07 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف المفسرون من المراد بقوله: قل يا أهل الكتاب تعالوا فقال قتادة: ذكر لنا أن رسول الله عليه السلام دعا يهود المدينة إلى الكلمة السواء، وهم الذين حاجوا في إبراهيم، وقاله الربيع وابن جريج، وقال محمد بن جعفر بن الزبير: نزلت الآية في وفد نجران، وقاله السدي، وقال ابن زيد: لما أبى أهل نجران ما دعوا إليه من الملاعنة، دعوا إلى أيسر من ذلك وهي «الكلمة السواء»، والذي يظهر لي أن الآية نزلت في وفد نجران، لكن لفظ أهل الكتاب يعمهم وسواهم من النصارى واليهود، فدعا النبي عليه السلام بعد ذلك يهود المدينة بالآية، وكذلك كتب بها إلى هرقل عظيم الروم، وكذلك ينبغي أن يدعى بها أهل الكتاب إلى يوم القيامة، وقرأ جمهور الناس «إلى كلمة» بفتح الكاف وكسر اللام، وروى أبو
السمال: «كلمة» بفتح الكاف وسكون اللام، وروي عنه أنه قرأ «كلمة» بكسر الكاف وسكون اللام، وذلك على إلقاء حركة اللام على الكاف كما قالوا في كبد، كبد بكسر الكاف وسكون الباء، و «الكلمة» هنا عبارة عن الألفاظ التي تتضمن المعاني المدعو إليها، وهي ما فسره بعد ذلك بقوله ألّا نعبد الآية وهذا كما تسمي العرب القصيدة كلمة، وجمهور المفسرين على أن الكلمة هي ما فسر بعد، وقال أبو العالية:
«الكلمة السواء»، لا إله إلا الله.
قال الفقيه الإمام: وقوله: سواءٍ نعت للكلمة، قال قتادة والربيع وغيرهما: معناه إلى كلمة عدل، فهذا معنى «السواء»، وفي مصحف عبد الله بن مسعود: «إلى كلمة عدل بيننا وبينكم»، كما فسر قتادة والربيع، وقال بعض المفسرين: معناه إلى كلمة قصد.
قال الفقيه الإمام أبو محمد: وهذا قريب في المعنى من الأول، والسواء والعدل والقصد مصادر وصف بها في هذه التقديرات كلها، والذي أقوله في لفظة سواءٍ انها ينبغي أن تفسر بتفسير خاص بها في هذا الموضع وهو أنه دعاهم إلى معان جميع الناس فيها مستوون، صغيرهم وكبيرهم، وقد كانت سيرة المدعوين أن يتخذ بعضهم بعضا أربابا فلم يكونوا على استواء حال فدعاهم بهذه الآية إلى ما تألفه النفوس من حق لا يتفاضل الناس فيه، ف سواءٍ على هذا التأويل بمنزلة قولك لآخر: هذا شريكي في مال سواء بيني وبينه. والفرق بين هذا التفسير وبين تفسير اللفظة بعدل، أنك لو دعوت أسيرا عندك إلى أن يسلم أو تضرب عنقه، لكنت قد دعوته إلى السواء الذي هو العدل، وعلى هذا الحد جاءت لفظة سواءٍ في قوله تعالى:
فانبذ إليهم على سواءٍ [الأنفال: 58] على بعض التأويلات، ولو دعوت أسيرك إلى أن يؤمن فيكون حرا مقاسما لك في عيشك، لكنت قد دعوته إلى السواء، الذي هو استواء الحال على ما فسرته، واللفظة على كل تأويل فيها معنى العدل، ولكني لم أر لمتقدم أن يكون في اللفظة معنى قصد استواء الحال، وهو عندي حسن، لأن النفوس تألفه، والله الموفق للصواب برحمته.
وقوله ألّا نعبد يحتمل أن يكون في موضع خفض بمعنى، إلى ألّا نعبد، فذلك على البدل من كلمةٍ ويحتمل أن يكون في موضع رفع بمعنى، هي ألّا نعبد وما ذكره المهدوي وغيره من أن تكون مفسرة إلى غير ذلك من الجائزات التي يلزم عنها رفع نعبد إكثار منهم فاختصرته، واتخاذ بعضهم بعضا أربابا هو على مراتب، أعلاها اعتقادهم فيهم الألوهية، وعبادتهم لهم على ذلك، كعزير وعيسى ابن مريم، وبهذا فسر عكرمة، وأدنى ذلك طاعتهم لأساقفتهم ورؤسائهم في كل ما أمروا به من الكفر والمعاصي والتزامهم طاعتهم شرعا، وبهذا فسر ابن جريج، فجاءت الآية بالدعاء إلى ترك ذلك كله وأن يكون الممتثل ما قاله الله تعالى على لسان نبيه عليه السلام، وقوله تعالى: فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون أمر بتصريح مخالفتهم بمخاطبتهم ومواجهتهم بذلك، وإشهادهم على معنى التوبيخ والتهديد، أي سترون أنتم أيها المتولون عاقبة توليكم كيف تكون). [المحرر الوجيز: 2/244-246]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: يا أهل الكتاب لم تحاجّون في إبراهيم وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلاّ من بعده أفلا تعقلون (65) ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علمٌ فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علمٌ واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون (66)
اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآية، فقال ابن عباس: اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند النبي عليه السلام فتنازعوا عنده فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا، وقالت النصارى، ما كان إبراهيم إلا نصرانيا، فأنزل الله الآية، وقال السدي وقتادة: وحكى الطبري عن مجاهد وقتادة أيضا: أنهما قالا نزلت الآية بسبب دعوى اليهود أنه منهم وأنه مات يهوديا، وجعل هذا القول تحت ترجمة مفردة له، والصحيح أن جميع المتأولين إنما نحوا منحى واحدا، وأن الآية في اليهود والنصارى، وألفاظ الآية تعطي ذلك فكيف يدافع أحد الفريقين عن ذلك؟ وهذه الآية مبينة فساد هذه الدعاوى، التي لا تشبه لقيام الدليل القاطع على فسادها، لأنهم ادعوا لإبراهيم الخليل نحلا لم تحدث في الأرض، ولا وجدت إلا بعد موته بمدة طويلة، ولما كان الدليل عقليا قال الله تعالى لهم موبخا أفلا تعقلون؟). [المحرر الوجيز: 2/247]

تفسير قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف القراء في قوله ها أنتم في المد والهمز وتركه، فقرأ ابن كثير، «هأنتم»، في وزن هعنتم، وقرأ نافع وأبو عمرو «هانتم» استفهاما بلا همز، وقرأ الباقون، «ها أنتم»، ممدودا مهموزا، ولم يختلفوا في مد هؤلاء وأولاء، فوجه قراءة ابن كثير، أنه أبدل من همزة الاستفهام الهاء، أراد «أأنتم»، ووجه قراءة نافع وأبي عمرو أحد أمرين، يجوز أن تكون «ها» التي للتنبيه دخلت على «أنتم»، ويكون التنبيه داخلا على الجملة، كما دخل على قولهم هلم وكما دخلت- يا- التي للتنبيه في قوله ألا يا اسجدوا، وفي قول الشاعر: [البسيط]
يا قاتل الله صبيانا تجيء بهم = أمّ الهنيّد من زند لها واري
وقول الآخر: [البسيط]
يا لعنة الله والأقوام كلّهم = والصّالحين على سمعان من جار
وخففت الهمزة من «أنتم» ولم تحقق بعد الألف، كما قالوا في هباءة هباة، ويجوز أن تكون الهاء في ها أنتم بدلا من همزة الاستفهام، كوجه قراءة ابن كثير، وتكون الألف هي التي تدخل بين الهمزتين، لتفصل بينهما، ووجه قراءة الباقين «ها أنتم» مهموز ممدود يحتمل الوجهين اللذين في قراءة نافع وأبي عمرو، وحققوا الهمزة التي بعد الألف، ولم يخففوها كما خففها أبو عمرو ونافع، ومن لم ير إلحاق الألف للفصل بين الهمزتين كما يراه أبو عمرو، فينبغي أن تكون «ها» في قوله للتنبيه ولا تكون بدلا من همزة الاستفهام، وأما هؤلاء ففيه لغتان، المد والقصر، وقد جمعهما بيت الأعشى في بعض الروايات: [الخفيف].
هؤلا ثمّ هؤلاء قد أعطيت = نعالا محذوّة بنعال
وأما إعراب ها أنتم هؤلاء فابتداء وخبر، وحاججتم في موضع الحال لا يستغنى عنها، وهي بمنزلة قوله تعالى: ثمّ أنتم هؤلاء تقتلون [البقرة: 85] ويحتمل أن يكون هؤلاء بدلا أو صفة ويكون الخبر حاججتم وعلى مذهب الكوفيين حاججتم، صلة لأولاء والخبر في قوله: فلم تحاجّون ومعنى قوله تعالى: فيما لكم به علمٌ أي على زعمكم، وإنما المعنى فيما تشبه فيه دعواكم، ويكون الدليل العقلي لا يرد عليكم وفسر الطبري هذا الموضع بأنه فيما لهم به علم من جهة كتبهم وأنبائهم مما أيقنوه وثبت عندهم صحته.
قال الفقيه الإمام: وذهب عنه رحمه الله أن ما كان هكذا فلا يحتاج معهم فيه إلى محاجة، لأنهم يجدونه عند محمد صلى الله عليه وسلم، كما كان هنالك على حقيقته، وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 2/247-248]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين (67) إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين (68)
أخبر الله تعالى في هذه الآية، عن حقيقة أمر إبراهيم، فنفى عنه اليهودية والنصرانية والإشراك الذي هو عبادة الأوثان، ودخل في ذلك الإشراك الذي تتضمنه اليهودية والنصرانية، وجاء ترتيب النفي على غاية الفصاحة، نفى نفس الملل وقرر الحالة الحسنة، ثم نفى نفيا بين به أن تلك الملل فيها هذا الفساد الذي هو الشرك، وهذا كما تقول: ما أخذت لك مالا بل حفظته، وما كنت سارقا، فنفيت أقبح ما يكون في الأخذ.
ثم أخبر تعالى إخبارا مؤكدا أن أولى الناس بإبراهيم الخليل عليه السلام هم القوم الذين اتبعوه على ملته الحنيفية.
قال الفقيه الإمام أبو محمد: وهنا يدخل كل من اتبع الحنيفية في الفترات وهذا النّبيّ محمد صلى الله عليه وسلم لأنه بعث بالحنيفية السمحة، والنّبيّ في الإعراب نعت أو عطف بيان، أو بدل، وفي كونه بدلا نظر، والّذين آمنوا يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء على ما يجب دون المحرفين المبدلين، ثم أخبر أن الله تعالى وليّ المؤمنين، وعدا منه لهم بالنصر في الدنيا والنعيم في الآخرة، و «الحنيف» مأخوذ من الحنف، وهو الاستقامة وقيل هو الميل، ومنه قيل للمائل الرجل أحنف، فالحنيف من الاستقامة معناه المستقيم، ومن الميل معناه المائل عن معوج الأديان إلى طريق الحق، واختلفت عبارة المفسرين عن لفظة الحنيف، حتى قال بعضهم: الحنيف الحاج، وكلها عبارة عن الحنف بإجراء منه كالحج وغيره، وأسند الطبري عن عبد الله بن عمر عن أبيه، أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه، فلقي عالما من اليهود، فسأله عن دينه، وقال له: إني أريد أن أكون على دينكم، فقال اليهودي: إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله، قال زيد: ما أفر إلا من غضب الله ولا أحمل من غضب الله شيئا أبدا وأنا أستطيع، فهل تدلني على دين ليس فيه هذا؟ قال: ما أعلمه إلا أن يكون حنيفا، قال وما الحنيف؟ قال دين إبراهيم، لم يكن يهوديا ولا نصرانيا وكان لا يعبد إلا الله، فخرج من عنده فلقي عالما من النصارى، فقاوله بمثل مقاولة اليهودي، إلا أن النصراني قال:
بنصيبك من لعنة الله، فخرج من عنده وقد اتفقا له على دين إبراهيم فلم يزل رافعا يديه إلى الله، وقال اللهم إني أشهدك أني على دين إبراهيم، وروى عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لكل نبي ولاة من النبيين وإن وليي منهم أبي وخليل ربي إبراهيم، ثم قرأ إنّ أولى النّاس بإبراهيم الآية). [المحرر الوجيز: 2/249-250]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 10:07 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري

....

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 12 جمادى الآخرة 1435هـ/12-04-2014م, 10:07 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا اللّه ولا نشرك به شيئًا ولا يتّخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون اللّه فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون (64)}
هذا الخطاب يعمّ أهل الكتاب من اليهود والنّصارى، ومن جرى مجراهم {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ} والكلمة تطلق على الجملة المفيدة كما قال هاهنا. ثمّ وصفها بقوله: {سواءٍ بيننا وبينكم} أي: عدلٌ ونصفٌ، نستوي نحن وأنتم فيها. ثمّ فسّرها بقوله: {ألا نعبد إلا اللّه ولا نشرك به شيئًا} لا وثنا، ولا صنمًا، ولا صليبًا ولا طاغوتًا، ولا نارًا، ولا شيئًا بل نفرد العبادة للّه وحده لا شريك له. وهذه دعوة جميع الرّسل، قال اللّه تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]. [وقال تعالى] {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولا أن اعبدوا اللّه واجتنبوا الطّاغوت} [النّحل: 36].
ثمّ قال: {ولا يتّخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون اللّه} وقال ابن جريج: يعني: يطيع بعضنا بعضًا في معصية اللّه. وقال عكرمة: يعني: يسجد بعضنا لبعضٍ.
{فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون} أي: فإن تولّوا عن هذا النّصف وهذه الدّعوة فأشهدوهم أنتم على استمراركم على الإسلام الّذي شرعه اللّه لكم.
وقد ذكرنا في شرح البخاريّ، عند روايته من طريق الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعودٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن أبي سفيان، في قصّته حين دخل على قيصر، فسألهم عن نسب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعن صفته ونعته وما يدعو إليه، فأخبره بجميع ذلك على الجليّة، مع أنّ أبا سفيان كان إذ ذاك مشركًا لم يسلم بعد، وكان ذلك بعد صلح الحديبية وقبل الفتح، كما هو مصرّح به في الحديث، ولأنّه لمّا قال هل يغدر؟ قال: فقلت: لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانعٌ فيها. قال: ولم يمكنّي كلمةً أزيد فيها شيئًا سوى هذه: والغرض أنّه قال: ثمّ جيء بكتاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقرأه، فإذا فيه:
"بسم الله الرّحمن الرّحيم، من محمّدٍ رسول الله إلى هرقل عظيم الرّوم، سلامٌ على من اتّبع الهدى. أمّا بعد، فأسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرّتين فإن تولّيت فإنّ عليك إثم الأريسيّين، و {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم ألا نعبد إلا اللّه ولا نشرك به شيئًا ولا يتّخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون اللّه فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون}.
وقد ذكر محمّد بن إسحاق وغير واحدٍ أنّ صدر سورة آل عمران إلى بضعٍ وثمانين آيةً منها نزلت في وفد نجران، وقال الزّهريّ: هم أوّل من بذل الجزية. ولا خلاف أنّ آية الجزية نزلت بعد الفتح، فما الجمع بين كتابة هذه الآية قبل الفتح إلى هرقل في جملة الكتاب، وبين ما ذكره محمّد بن إسحاق والزّهريّ؟ والجواب من وجوه:
أحدها: يحتمل أنّ هذه الآية نزلت مرّتين، مرّةً قبل الحديبية، ومرة بعد الفتح.
الثّاني: يحتمل أن صدر سورة آل عمران نزل في وفد نجران إلى عند هذه الآية، وتكون هذه الآية نزلت قبل ذلك، ويكون قول ابن إسحاق: "إلى بضعٍ وثمانين آيةً" ليس بمحفوظٍ، لدلالة حديث أبي سفيان.
الثّالث: يحتمل أنّ قدوم وفد نجران كان قبل الحديبية، وأنّ الّذي بذلوه مصالحةً عن المباهلة لا على وجه الجزية، بل يكون من باب المهادنة والمصالحة، ووافق نزول آية الجزية بعد ذلك على وفق ذلك كما جاء فرض الخمس والأربعة الأخماس وفق ما فعله عبد اللّه بن جحشٍ في تلك السّريّة قبل بدرٍ، ثمّ نزلت فريضة القسم على وفق ذلك.
الرّابع: يحتمل أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا أمر بكتب هذا [الكلام] في كتابه إلى هرقل لم يكن أنزل بعد، ثمّ نزل القرآن موافقةً له كما نزل بموافقة عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه في الحجاب وفي الأسارى، وفي عدم الصّلاة على المنافقين، وفي قوله: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} [البقرة: 125] وفي قوله: {عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجًا خيرًا منكنّ} الآية [التّحريم: 5] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/55-57]

تفسير قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أهل الكتاب لم تحاجّون في إبراهيم وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون (65) ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علمٌ فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علمٌ واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون (66) ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين (67) إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين (68)}
ينكر تعالى على اليهود والنّصارى في محاجّتهم في إبراهيم الخليل، ودعوى كلّ طائفةٍ منهم أنّه كان منهم، كما قال محمّد بن إسحاق بن يسارٍ:
حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، حدّثني سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة، عن ابن عباس قال: اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلّا يهوديًّا. وقالت النّصارى ما كان إبراهيم إلّا نصرانيًّا. فأنزل اللّه تعالى: {يا أهل الكتاب لم تحاجّون في إبراهيم [وما أنزلت التّوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون]} أي: كيف تدّعون، أيّها اليهود، أنّه كان يهوديًّا، وقد كان زمنه قبل أن ينزّل اللّه التّوراة على موسى، وكيف تدّعون، أيّها النّصارى، أنّه كان نصرانيًّا، وإنّما حدثت النّصرانيّة بعد زمنه بدهرٍ. ولهذا قال: {أفلا تعقلون}). [تفسير القرآن العظيم: 2/57]

تفسير قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علمٌ فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علمٌ [واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون]}
هذا إنكارٌ على من يحاجّ فيما لا علم له به، فإنّ اليهود والنّصارى تحاجوا في إبراهيم بلا علمٍ، ولو تحاجّوا فيما بأيديهم منه علم ممّا يتعلّق بأديانهم الّتي شرعت لهم إلى حين بعثة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم لكان أولى بهم، وإنّما تكلّموا فيما لم يعلموا به، فأنكر اللّه عليهم ذلك، وأمرهم بردّ ما لا علم لهم به إلى عالم الغيب والشّهادة، الّذي يعلم الأمور على حقائقها وجليّاتها، ولهذا قال: {واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون} ). [تفسير القرآن العظيم: 2/57-58]

تفسير قوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {ما كان إبراهيم يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولكن كان حنيفًا مسلمًا} أي: متحنفًا عن الشّرك قصدًا إلى الإيمان {وما كان من المشركين} [البقرة: 135]
وهذه الآية كالّتي تقدّمت في سورة البقرة: {وقالوا كونوا هودًا أو نصارى تهتدوا [قل بل ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين]} [البقرة: 135] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/58]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال تعالى: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين} يقول تعالى: أحقّ النّاس بمتابعة إبراهيم الخليل الّذين اتّبعوه على دينه، وهذا النّبيّ -يعني محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم-والّذين آمنوا من أصحابه المهاجرين والأنصار ومن بعدهم.
قال سعيد بن منصورٍ: أخبرنا أبو الأحوص، عن سعيد بن مسروقٍ، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، عن ابن مسعودٍ، رضي اللّه عنه؛ أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: "إنّ لكلّ نبيٍّ ولاةً من النّبيّين، وإنّ وليّي منهم أبي وخليل ربّي عزّ وجلّ". ثمّ قرأ: {إنّ أولى النّاس بإبراهيم للّذين اتّبعوه [وهذا النّبيّ والّذين آمنوا واللّه وليّ المؤمنين]}.
وقد رواه التّرمذيّ والبزّار من حديث أبي أحمد الزّبيري، عن سفيان الثّوريّ، عن أبيه، به ثمّ قال البزّار: ورواه غير أبي أحمد، عن سفيان، عن أبيه، عن أبي الضّحى، عن عبد اللّه، ولم يذكر مسروقًا. وكذا رواه التّرمذيّ من طريق وكيع، عن سفيان، ثمّ قال: وهذا أصحّ لكن رواه وكيعٌ في تفسيره فقال: حدّثنا سفيان، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن عبد الله ابن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ... فذكره.
وقوله: {واللّه وليّ المؤمنين} أي: ولي جميع المؤمنين برسله). [تفسير القرآن العظيم: 2/58]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:43 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة