التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (وقوله: {إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه يبشّرك بكلمةٍ مّنه اسمه...}
مما ذكرت لك في قوله: {ذرّيّةً طيّبةً}, قيل فيها اسمه بالتذكير للمعنى، ولو أنّث كما قال {ذرّيّةً طيّبةً} , كان صواباً.
وقوله: {وجيهاً} قطعاً من عيسى، ولو خفضت على أن تكون نعتاً للكلمة لأنها هي عيسى, كان صواباً). [معاني القرآن: 1/213]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({بكلمةٍ منه}: الرسالة، هو ما أوحى الله به إلى الملائكة في أن يجعل لمريم ولداً.
{وجيهاً}: الوجيه: الذي يشرف، ويكون له وجه عند الملوك). [مجاز القرآن: 1/93]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه يبشّرك بكلمةٍ مّنه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً في الدّنيا والآخرة ومن المقرّبين}
قوله: {إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه يبشّرك}, و{يوم تجد كلّ نفسٍ مّا عملت من خيرٍ مّحضراً}, وأشباه هذا في "إذ" , و"الحين", وفي "يوم" كثير, وإنما حسن ذلك للمعنى؛لأن القرآن إنما أنزل على الأمر, والذي كأنه قال لهم: "اذكروا كذا وكذا", وهذا في القرآن في غير موضع و"اتّقوا يوم كذا" , أو"حين كذا".
وقال تعالى: {اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهاً} نصبه على الحال, {ومن المقرّبين} عطف على {وجيهاً},
وكذلك {وكهلاً} معطوف على {وجيهاً} ؛ لأن ذلك منصوب,
وأما قوله تعالى: {بكلمةٍ مّنه اسمه المسيح}, فإنه جعل "الكلمة" هي "عيسى"؛ لأنه في المعنى كذلك كما قال: {أن تقول نفسٌ يا حسرتا}, ثم قال: {بلى قد جاءتك آياتي فكذّبت بها}, وكما قالوا: "ذو الثديّة"؛ لأن يده كانت مثل الثدي, كانت قصيرة قريبة من ثديه, فجعلها كأن اسمها "ثديّة", ولولا ذلك لم تدخل الهاء في التصغير). [معاني القرآن: 1/171]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({المسيح}: في التفسير الصديق). [غريب القرآن وتفسيره: 105]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وجيهاً في الدّنيا والآخرة}, أي: ذا جاه فيهما). [تفسير غريب القرآن: 105]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({إذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه يبشّرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدّنيا والآخرة ومن المقرّبين}
سمّى اللّه عزّ وجلّ عيسى المسيح، وسمّاه عيسى، وسمي ابتداء أمره كلمة {منه}, فهو صلى الله عليه وسلم كلمة من اللّه, ألقاها إلى مريم، ثم كوّن تلك الكلمة بشراً.
وقوله جلّ وعزّ: {اسمه}, وإنما جرى ذكر الكلمة؛ لأن معنى الكلمة معنى الولد، المعنى أن اللّه يبشرك بهذا الولد، {وجيها في الدّنيا والآخرة}.
{وجيها} منصوب على الحال، والوجيه: الذي له المنزلة الرفيعة عند ذوي القدر والمعرفة، ويقال: قد وجه الرجل يوجه وجاهة، ولفلان جاه عند الناس ووجاهة عند الناس، أي: منزلة رفيعة.
وقال بعض النحويين: {وجيها} منصوب على القطع من عيسى، وقطع ههنا: كلمة محال؛ لأنه إنما بشر به في هذه الحال، أي : في حال فضله, فكيف يكون قطعها منه، ولم يقل لم نصب هذا القطع، فإن كان القطع إنما هو معنى، فليس ذلك المعنى موجوداً في هذا اللفظ، وإن كان القطع هو العامل , فما بينّ ما هو، وإن كان أراد أن الألف واللام قطعاً منه فهذا محال ؛ لأنّ جميع الأحوال نكرات, والألف واللام لمعهود، فكيف يقطع من الشيء ما لم يكن فيه قط). [معاني القرآن: 1/411-412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين}, الوجيه الذي له القدر , والمنزلة الرفيعة يقال: لفلان جاه وجاهة, وقد وجه يوجه وجاهة). [معاني القرآن: 1/401]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الْمَسِيحُ}: الصِّدِّيق). [العمدة في غريب القرآن: 99]
تفسير قوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت:207هـ): (قوله: {ويكلّم النّاس في المهد وكهلاً...}, والكهل مردود على الوجيه, {ويكلّم النّاس} ولو كان في موضع {ويكلّم}, ومكلماً كان نصباً, والعرب تجعل يفعل وفاعلٌ إذا كانا في عطوف مجتمعين في الكلام، قال الشاعر:
بتّ أعشّيها بغضبٍ باتر = يقصد في أسوقها وجائر
وقال آخر:
من الذّريحيّات جعدا آركا= يقصر يمشي ويطول باركا
كأنه قال: يقصر ماشياً فيطول باركاً, فكذلك (فعل) إذا كانت في موضع صلة لنكرة أتبعها (فاعل) وأتبعته, تقول في الكلام: مررت بفتىً ابن عشرين, أو قد قارب ذلك، ومررت بغلام قد احتلم , أو محتلمٍ؛ قال الشاعر:
يا ليتني علقت غير خارج =قبل الصباح ذات خلقٍ بارج
= أمّ الصبيّ قد حبا أو دارج =). [معاني القرآن: 1/214]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ويكلّم النّاس في المهد وكهلا ومن الصّالحين}و, معطوف على {وجيهاً}، المعنى: يبشرك به وجيهاً, ومكلماً الناس في المهد,
وجائز أن: يعطف يفعل على فاعل، لمضارعه بفعل فاعل.
قال الشاعر:
بات يعيشها بغضب باتر= يقصد في أسواقها وجائر
{وكهلاً}, أي: ويكلم الناس كهلاً, أعلمها اللّه أن عيسى يبقى إلى حال الكهولة.
وقيل: إن كهلاً، أي: ينزل من السماء لقتل الرجال, وهو كهل, واللّه أعلم). [معاني القرآن: 1/412]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ويكلم الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين}
يقال: اكتهل النبت إذا تم, والكهل ابن الأربعين, أو ما قاربها .
وقال يزيد بن أبي حبيب :الكهل: منتهى الحلم.
والفائدة في قوله تعالى: {وكهلاً},أنه خبرها أنه يعيش إلى أن يصير كهلاً). [معاني القرآن: 1/401]
تفسير قوله تعالى: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) }
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قالت ربّ أنّى يكون لي ولدٌ ولم يمسسني بشرٌ قال كذلك اللّه يخلق ما يشاء إذا قضى أمراً فإنّما يقول له كن فيكون}, أما قوله: {كذلك اللّه} , فكسر الكاف؛ لأنها مخاطبة امرأة, وإذا كانت الكاف للرجل فتحت, قال للمؤنث: {واستغفري لذنبك إنّك كنت من الخاطئين}). [معاني القرآن: 1/171]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({قالت ربّ أنّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك اللّه يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنّما يقول له كن فيكون},
ومعنى {كذلك اللّه يخلق ما يشاء} أي: يخلق الله ما يشاء مثل ذلك). [معاني القرآن: 1/412-413]
تفسير قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ويعلّمه الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل}, قوله: {ويعلّمه الكتاب والحكمة}, موضع نصب على {وجيهاً}, و{رسولاً}, معطوف على {وجيهاً}). [معاني القرآن: 1/171]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({ويعلّمه الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل}, أي: يعلمه ذلك وحياً, وإلهاماً). [معاني القرآن: 1/413]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} قيل: يعني إلهاماً). [معاني القرآن: 1/402]