التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وإذ قالت الملائكة} مثل: قالت الملائكة). [مجاز القرآن: 1/93]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ) : ({وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين}, قال: {وإذ قالت الملائكة يا مريم} , فـ"إذ" ههنا ليس له خبر في اللفظ). [معاني القرآن: 1/169]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ اللّه اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين}
معنى {اصطفاك}: اختارك، وقالوا في طهّرك: طهّرك من الحيض , والنفاس , ومعنى: طهّرك -واللّه أعلم - أي: جعلك طاهرة من سائر الأدناس إلا أنّ الأول قد جاء في التفسير.
وقيل إن معنى {اصطفاك على نساء العالمين}, أي: على نساء أهل دهرها,
وجائز أن يكون: على نساء العالمين كلهم، أي: اختارك لعيسى على نساء العالمين كلهم، فلم يجعل مثل عيسى من امرأة من نساء العالمين). [معاني القرآن: 1/410]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك}, أي: اختارك, وطهرك من الأدناس, وقيل: من الحيض, {واصطفاك على نساء العالمين},فيه قولان:
أحدهما: أن المعنى على أهل زمانها,
والقول الآخر: على جميع النساء بعيسى., فليس مولود ولد من غير ذكر إلا عيسى عليه السلام). [معاني القرآن: 1/398]
تفسير قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): {يا مريم اقنتي لربّك واسجدي واركعي مع الرّاكعين}
ومعنى {اقنتي لربّك},أي: اعبديه بالقول, والعمل.
{واسجدي واركعي} معنى الركوع: قيل: السّجود, المعنى: اركعي, واسجدي، إلا أن الواو إذا ذكرت, فمعناها: الاجتماع، وليس فيها دليل أن أحد الشيئين قبل الآخر؛ لأنها تؤذن بالاجتماع، والعمل، والحال تدل على تقدم المتقدّم من الاثنين). [معاني القرآن: 1/410]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {يا مريم اقنتي لربك} , قيل: القنوت ههنا: القيام , وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : ما أفضل الصلاة ؟, فقال: ((طول القنوت)), أي: طول القيام, وسمي: الدعاء
قنوتاً؛ لأنه يدعى به في القيام.
وروى عمرو بن الحارث, عن دراج, عن أبي الهيثم, عن أبي سعيد الخدري, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كل حرف ذكره الله في القرآن من القنوت فهو الطاعة)).
ثم قال تعالى: {واسجدي واركعي مع الراكعين}, وفي هذا جوابان: فبدأ بالسجود قبل الركوع, وفي هذا جوابان:
أحدهما: أن في شريعتهم السجود قبل الركوع.
والقول الآخر: أن الواو تدل على الاجتماع , فإذا قلت: قام زيد وعمر, جاز أن يكون عمر قبل زيد, فعلى هذا يكون المعنى: واركعي واسجدي, ولهذا أجاز النحويون: قام وزيد عمرو, وأنشدوا:
ألا يا نخلة من ذات عرق = عليك ورحمة الله السلام). [معاني القرآن: 1/398-400]
تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({من أنباء الغيب}: من أخبار الغيب، ما غاب عنك.
{وما كنت لديهم}, أي: عندهم.
{أقلامهم}: قداحهم, {يكفل}, أي: يضمّ). [مجاز القرآن: 1/93]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون}
قال الله تعالى: {إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم}؛ لأنّ كل ما كان من طلب العلم فقد يقع بعده الاستفهام. تقول: "أزيدٌ في الدّار"؟, و: "لتعلمنّ أزيدٌ في الدّار",
وقال: {لنعلم أيّ الحزبين}, أي: لننظر, وقال تعالى: {ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً}, وأمّا قوله: {ثمّ لننزعنّ من كلّ شيعةٍ أيّهم أشدّ على الرّحمن عتيّاً}, فلم يرتفع على مثل ما ارتفع عليه الأول؛ لأن قوله: {لننزعنّ} ليس بطلب علم, ولكن لما فتحت "من" و"الذي" في غير موضع "أي" صارت غير متمكنة إذ فارقت أخواتها, تركت على لفظ واحد وهو الضم , وليس بإعراب, وجعل {أشدّ} من صلتها وقد نصبها قوم وهو قياس.
وقالوا: "إذا تكلّم بها فإنّه لا يكون فيها إلاّ الأعمال". وقد قرئ {تماماً على الّذي أحسن} فرفعوا, وجعلوه من صلة "الذي" , وفتحه على الفعل أحسن, وزعموا أن بعض العرب قال: "ما أنا بالّذي قائلٌ لك شيئاً" , فهذا الوجه لا يكون للاثنين إلا "ما نحن بالّلذين قائلان لك شيئاً"). [معاني القرآن: 1/169-170]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إذ يلقون أقلامهم}: الأقلام القداح التي كانوا يستقسمون بها والقدح السهم). [غريب القرآن وتفسيره: 105]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({يلقون أقلامهم} , أي: قداحهم، يقترعون على مريم, أيّهم يكفلها ويحضنها, والأقلام, واحدها قلم, وهي: الأزلام أيضاً, واحدها زلم وزلم). [تفسير غريب القرآن: 105]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون}, أي: الأخبار التي قصصناها عليك في زكريا, ويحيى, ومريم , وعيسى من أنباء الغيب، أي: من أخبار ما غاب عنك، وفي هذا دليل على تثبيت نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أنبأ بما لا يعلم إلا من كتاب, أو وحي, وقد أجمعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً.
فإنباؤه إياهم بالأخبار التي في كتبهم علي حقيقتها من غير قراءة الكتب دليل على أنه نبي, وأن اللّه أوحى إليه بها.
ومعنى {إذ يلقون أقلامهم أيّهم يكفل مريم},أي: هذا أيضاً مما لم تحضره , ومعنى (الأقلام) ههنا القداح , وهي قداح جعلوا
عليها علامات يعرفون بها أيهم يكفل مريم على جهة القرعة, وإنما قيل للسهم القلم؛ لأنه يقلم, أي: يبرى، وكل ما قطعت منه شيئا بعد شيء فقد قلمته، من ذلك القلم الذي يكتب به، إنما سمي؛ لأنه قلم مرة بعد مرة، ومن هذا قلمت أظافري.
ومعنى {أيّهم يكفل مريم}, أي: لينظروا أيهم تجب له كفالة مريم، وهو الضمان للقيام بأمرها، ومعنى {لديهم}: عندهم, وبحضرتهم.
{إذ يختصمون}: إذ نصب بقوله {ما كنت لديهم}, و (إذ) الثانية معلقة بـ (يختصمون) , أي: إذ يختصمون إذ قالت الملائكة، فإذ منصوبة بـ {يختصمون}.
ويكون المعنى: أنهم اختصموا بسبب مريم, وعيسى، وجائز أن يكون نصب إذ على {وما كنت لديهم}.
(إذ قالت الملائكة), هذا أيضاً مما لم يشاهده). [معاني القرآن: 1/410-411]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك}, أي: من أخبار ما غاب عنك, ثم قال تعالى: {وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم} , لديهم: معناه عندهم.
قيل الأقلام : السهام يتقارعون بها, وسمي السهم قلماً, لأنه يقلم , أي: يبرى.
ثم قال تعالى: {أيهم يكفل مريم}, أي: لينظروا أيهم تجب له كفالة مريم, وفي الكلام حذف, أي: إذ يختصمون فيها أيهم أحق بها). [معاني القرآن: 1/400]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إذ يلقون أقلامهم} أي: قداحهم، يقترعون من يكفل مريم, وقيل: هي الأزلام، واحدها زلم وزلم، وقيل: هي أقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الأَقْلاَمَ}: السهام). [العمدة في غريب القرآن: 99]