التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {هب لي من لّدنك ذرّيّةً طيّبةً...}, الذرّية جمع، وقد تكون في معنى واحد. فهذا من ذلك؛ لأنه قد قال: {فهب لي من لدنك ولياً}, ولم يقل أولياء, وإنما قيل "طيبة" , ولم يقل طيباً؛ لأن الطيبة أخرجت على لفظ الذرّية , فأنثت لتأنيثها، ولو قيل ذرّية طيباً, كان صواباً, ومثله من كلام العرب قول الشاعر:
أبوك خليفةٌ ولدته أخرى = وأنت خليفة ذاك الكمال
فقال (أخرى) لتأنيث اسم الخليفة، والوجه أن تقول: ولده آخر, وقال آخر:
فما تزدري من حيّة جبليّةٍ = سكاتٍ إذا ما عضّ ليس بأدردا
فقال: جبليّة، فأنّث لتأنيث اسم الحيّة، ثم ذكّر إذ قال: إذا ما عضّ , ولم يقل: عضّت, فذهب إلى تذكير المعنى, وقال الآخر:
تجوب بنا الفلاة إلى سعيدٍ= إذا ما الشّاة في الأرطاة قالا
ولا يجوز هذا النحو إلا في الاسم الذي لا يقع عليه فلان؛ مثل: الدابّة, والذرّية, والخليفة؛ فإذا سميت رجلاً بشيء من ذلك فكان في معنى فلان, لم يجز تأنيث فعله ولا نعته, فتقول في ذلك: حدّثنا المغيرة الضّبيّ، ولا يجوز الضّبيّة, ولا يجوز أن تقول: حدّثتنا؛ لأنه في معنى فلان, وليس في معنى فلانة, وأمّا قوله:
وعنترة الفلحاء جاء ملأّماً = كأنّه فندٌ من عماية أسود
فإنه قال: الفلحاء, فنعته بشفته, قال: وسمعت أبا ثروان يقول لرجل من ضبّة, وكان عظيم العينين: هذا عينان قد جاء، جعله كالنعت له, وقال بعض الأعراب لرجل أقصم الثنيّة: قد جاءتكم القصماء، ذهب إلى سنّه). [معاني القرآن: 1/208-209]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({هنالك دعا زكريّا ربّه قال ربّ هب لي من لّدنك ذرّيّةً طيّبةً إنّك سميع الدّعاء}
قال الله تعالى: {ربّ هب لي من لّدنك ذرّيّةً طيّبةً}؛ لأن النون في "لدن" ساكنة مثل: نون "من", وهي تترك على حال جزمها في الإضافة ؛ لأنها ليست من الأسماء التي تقع عليها الحركة، ولذلك قال: {من لدنّا}، وقال تعالى: {من لدن حكيمٍ عليمٍ}, فتركت ساكنة.
وقال تعالى: {إنّك سميع الدّعاء}, مثل "كثير الدّعاء"؛ لأنه يجوز فيه الألف واللام تقول: "أنت السّميع الدّعاء", ومعناه: "إنّك مسموع الدّعاء", أي: "إنّك تسمع ما يدعى به"). [معاني القرآن: 1/168]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {هنالك دعا زكريّا ربّه قال ربّ هب لي من لدنك ذرّيّة طيّبة إنّك سميع الدّعاء}
{زكريا} بالمدّ والقصر على ما وصفنا, المعنى: عند ذلك دعا زكريا ربّه، أي: عندما صادف من أمر مريم، ثم سأل اللّه أن يرزقه ذرية طيبة.
و {هنالك} في موضع نصب؛ لأنه ظرف يقع من المكان والأحوال: أحوال الزّمان.
والمعنى في ذلك المكان من الزمان , ومن الحال دعا زكريا ربه كما تقول: من هنا قلت: كذا وكذا، ومن هنالك قلت: كذا وكذا أي: من ذلك الوجه , وتلك الجهة، وهذا في غير المكان على المثل جرى, وكسر لام (هنالك) وقع لالتقاء الساكنين؛ لأنّ هنالك إشارة إلى مكان متراخ، أو حال من أحوال الزمان نسبتها إلى المكان وقال: (طيبة) للفظ ذرية.
و (هنالك) لا يجب أن يعرف في رفع, ولا جر؛ لأنه في الإشارة إلى المكان بمنزلة الإشارة في هذا وهذاك إلى سائر الأشياء, فهو مضارع للحروف التي جاءت لمعنى). [معاني القرآن: 1/404]
تفسير قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {فنادته الملائكة...}, يقرأ بالتذكير , والتأنيث, وكذلك فعل الملائكة , وما أشبههم من الجمع: يؤنّث ويذكّر, وقرأت القراء: {يعرج الملائكة}, { وتعرج}, و{تتوفاهم}, و{يتوفاهم الملائكة}, وكل صواب.
فمن ذكّر ذهب إلى معنى التذكير، ومن أنّث , فلتأنيث الاسم، وأن الجماعة من الرجال, والنساء, وغيرهم يقع عليه التأنيث. والملائكة في هذا الموضع جبريل صلّى الله عليه وسلم وحده, وذلك جائز في العربيّة: أن يخبر عن الواحد بمذهب الجمع؛ كما تقول في الكلام: خرج فلان في السفن، وإنما خرج في سفينة واحدة، وخرج على البغال، وإنما ركب بغلاً واحداص, وتقول: ممّن سمعت هذا الخبر؟, فيقول: من الناس، وإنما سمعه من رجل واحد, وقد قال الله تبارك وتعالى: {وإذا مسّ النّاس ضرّ}، {وإذا مسّ الإنسان ضر}, ومعناهما, والله أعلم واحد: وذلك جائز فيما لم يقصد فيه قصد واحدٍ بعينه.
وقوله: {وهو قائمٌ يصلّي في المحراب أنّ اللّه} تقرأ بالكسر, والنصب فيها أجود في العربيّة فمن فتح (أنّ) أوقع النداء عليها؛ كأنه قال: نادوه بذلك أن الله يبشرك, ومن كسر قال: النداء في مذهب القول، والقول حكاية, فاكسر إنّ بمعنى الحكاية, وفي قراءة عبد الله: {فناداه الملائكة وهو قائم يصلّي في المحراب يا زكريا إن الله يبشرك}, فإذا أوقع النداء على منادىً ظاهر مثل(يا زكريا) , وأشباهه كسرت (إن) ؛ لأن الحكاية تخلص، إذا كان ما فيه (يا) ينادى بها، لا يخلص إليها رفع ولا نصب؛ ألا ترى أنك تقول: يا زيد إنك قائم، ولا يجوز يا زيد أنك قائم. وإذا قلت: ناديت زيداً أنه قائم فنصبت (زيداَ) بالنداء , جاز أن توقع النداء على (أنّ) كما أوقعته على زيد.
ولم يجز أن تجعل إنّ مفتوحة إذا قلت يا زيد؛ لأن زيدا لم يقع عليه نصب معروف. وقال في طه: {فلّما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك}, فكسرت (إني), ولو فتحت كان صواباً من الوجهين؛ أحدهما أن تجعل النداء واقعا على (إنّ) خاصّة لا إضمار فيها، فتكون (أنّ) في موضع رفع. وإن شئت جعلت في (نودي) اسم موسى مضمراً, وكانت (أنّ) في موضع نصب تريد: بأني أنا ربك. فإذا خلعت الباء نصبته, فلو قيل في الكلام: نودي أن يا زيد , فجعلت أن يا زيد هو المرفوع بالنداء, كان صواباً, كما قال الله تبارك وتعالى: {وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدّقت الرؤيا}, فهذا ما في النداء إذا أوقعت (إن), قيل: يا زيد، كأنك قلت: نودي بهذا النداء إذا أوقعته على اسم بالفعل فتحت أن وكسرتها, وإذا ضممت إلى النداء الذي قد أصابه الفعل اسماً منادىً , فلك أن تحدث (أن) معه , فتقول: ناديت أن يا زيد، فلك أن تحذفها من (يا زيد), فتجعلها في الفعل بعده ثم تنصبها, ويجوز الكسر على الحكاية.
ومما يقوّى مذهب من أجاز : {إن الله يبشرك} بالكسر على الحكاية قوله: {ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك} , ولم يقل: أن ليقض علينا ربك, فهذا مذهب الحكاية,
وقال في موضع آخر: {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا}, ولم يقل: أفيضوا، وهذا أمر, وذلك أمر؛ لتعلم أن الوجهين صواب, و{يبشرك} قرأها بالتخفيف أصحاب عبد الله في خمسة مواضع من القرآن: في آل عمران حرفان، وفي بني إسرائيل، وفي الكهف، وفي مريم, والتخفيف والتشديد صواب, وكأنّ المشدّد على بشارات البشراء، وكأن التخفيف من وجهة الإفراح والسرور, وهذا شيء كان المشيخة يقولونه, وأنشدني بعض العرب:
بشرت عيالي إذ رأيت صحيفةً = أتتك من الحجّاج يتلى كتابها
وقد قال بعضهم: أبشرت، ولعلّها لغة حجازيّة, وسمعت سفيان بن عيينة يذكرها يبشر, وبشرت لغة سمعتها من عكل، ورواها الكسائيّ عن غيرهم.
وقال أبو ثروان: بشرني بوجه حسن, وأنشدني الكسائيّ:
وإذا رأيت الباهشين إلى العلى = غبرا أكفّهم بقاع ممحل
فأعنهم وابشر بما بشروا به = وإذا هم نزلوا بضنك فانزل
وسائر القرآن يشدّد في قول أصحاب عبد الله, وغيرهم). [معاني القرآن: 1/210-212]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يبشّرك بيحيى مصدّقاً} , نصبت (مصدّقاً), لأنه نكرة، ويحيى معرفة.
وقوله: {بكلمة} يعني: مصدّقاً بعيسى.
وقوله: {وسيّداً وحصوراً ونبيّاً}, مردودات على قوله: مصدّقاً, ويقال: إن الحصور: الذي لا يأتي النساء). [معاني القرآن: 1/212-213]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({يبشّرك}، {يبشرك}, واحد.
{بكلمةٍ من الله}, أي: بكتاب من الله؛ تقول العرب للرجل: أنشدني كلمة كذا وكذا، أي: قصيدة فلان وإن طالت.
{وحصوراً}, الحصور له غير موضع, والأصل واحد؛ وهو الذي لا يأتي النساء، والذي لا يولد له، والذي يكون مع النّدامى , فلا يخرج شيئاً، قال الأخطل:
وشاربٍ مربحٍ للكأس نادمنى= لا بالحصور ولا فيها بسوّار
الذي لا يساور جليسه كما يساور الأسد؛ والحصور: أيضاً الذي لا يخرج سرّا أبداً، قال جرير:
ولقد تسقّطنى الوشاة فصادفوا= حصراً بسرّك يا أميم ضنينا). [مجاز القرآن: 1/92]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلّي في المحراب أنّ اللّه يبشّرك بيحيى مصدّقاً بكلمةٍ مّن اللّه وسيّداً وحصوراً ونبيّاً مّن الصّالحين} , قال تعالى: {فنادته الملائكة وهو قائمٌ يصلّي في المحراب أنّ اللّه يبشّرك} ؛ لأنه كأنه قال: {نادته الملائكة} ,فقالت: {إنّ اللّه يبشّرك}, وما بعد القول حكاية.
وقال بعضهم {أنّ اللّه} يقول: "فنادته الملائكة بذلك ",
وقال تعالى: {بيحيى مصدّقاً بكلمةٍ مّن اللّه وسيّداً وحصوراً}, وقوله: {وسيّداً وحصوراً} معطوف على "مصدّقاً" على الحال). [معاني القرآن: 1/168-169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({سيدا}: قال السيد الحكيم في التفسير.
{والمحصور}:الذي لا يأتي النساء). [غريب القرآن وتفسيره: 104]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({وسيّداً وحصوراً}, قال ابن عيينة: «السيد: الحليم», وقال هو: «الحصور: الذي لا يأتي النساء», وهو «فعول» بمعنى «مفعول»؛ كأنه محصور عنهن، أي: مأخوذ محبوس عنهن. وأصل الحصر: الحبس, ومثله مما جاء فيه «فعول» بمعنى «مفعول»: ركوب بمعنى: مركوب، وحلوب بمعنى: محلوب, وهيوب بمعنى مهيب). [تفسير غريب القرآن: 104-105]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {فنادته الملائكة وهو قائم يصلّي في المحراب أنّ اللّه يبشّرك بيحيى مصدّقا بكلمة من اللّه وسيّدا وحصورا ونبيّا من الصّالحين}
{فنادته الملائكة} , و (فناداه الملائكة), الوجهان جميعاً جائزان؛ لأن الجماعة يلحقها اسم التأنيث؛ لأن معناها معنى جماعة,
ويجوز أن: يعبر عنها بلفظ التذكيركما يقال: جمع الملائكة.
ويجوز أن: تقول نادته الملائكة, وإنما ناداه جبرائيل وحده؛ لأن المعنى أتاه النداء من هذا الجنس، كما نقول: ركب فلان في السفن، وإنما ركب سفينة واحدة، تريد بذلك جعل ركوبه في هذا الجنس.
ويجوز (أن اللّه يبشرك), (إن اللّه يبشرك) بفتح إن, وكسرها,
فمن فتح؟, فالمعنى: نادته بأن اللّه يبشرك, أي: نادته بالبشارة.
ومن كسر أراد, قالت الملائكة: إن اللّه يبشرك, و (إنّ) بعد القول أبداً مكسورة.
وفي {يبشرك} ثلاث لغات: {إنّ اللّه يبشّرك}
بفتح الباء,
وتشديد الشين, وهي قراءة كثيرة جداً, ويبشرك - بإسكان الباء وضم الشين-, وقرأ حميد وحده { يبشرك} بضم الياء, وإسكان الباء, وكسر الشين، فمعنى: يبشرك.
ويبشرك: البشارة، ومعنى يبشرك يسرك ويفرحك. يقال بشرت الرجل أبشره وأبشره إذا أفرحته، ويقال بشر الرجل يبشر.
وأنشد الأخفش, والكسائي,وجماعة من النحويين:
وإذا لقيت الباهشين إلى الندا= غبرا أكفّهم بقاع ممحل
فأعنهم وابشر بما بشروا به= وإذا هم نزلوا بضنك فأنزل
فهذا على بشر يبشر إذا فرح، وأصل هذا كله من أنّ بشرة الإنسان تنبسط عند السرور، ومن هذا قولهم: فلان يلقاني ببشر، أي : بوجه منبسط.
ويحيى: اسم سماه الله تعالى تولى هو - عزّ وجلّ - ذلك, ولم يسم أحد قبل يحيى بيحيى، ويحيى لا يتصرف عربياً كان, أو أعجميّاً, لأنّه إن كان أعجمياً, فقد اجتمع فيه العجمة, والتعريف: ولو كان عربياً, لم ينصرف لشبهه بالفعل, وأنه معرفة علم.
ونصب {مصدقا} على الحال.
ومعنى {مصدّقا بكلمة من اللّه} ,أي: يصدّق بأمر عيسى؛ لأن يحيى فرض عليه - وإن كان يحيى أسن من عيسى - اتباع عيسى.
ومعنى {سيّدا وحصورا}: السيّد الذي يفوق في الخير قومه، ومعنى {حصورا} أي: لا يأتي النساء، وإنما قيل للذي لا يأتي النساء حصور؛ لأنه حبس عما يكون من الرجال، كما يقال في الذي لا يتيسر له الكلام قد حصر في منطقه، والحصور: الذي لا ينفق على النّدامى، وهو ممن يفضلون عليه.
قال الشاعر:
وشارب مربح بالكأس نادمني= لا بالحصور ولا فيها بسوار
ويروى: ولا فيها بسئار، أني نادمني, وهو كريم منفق على الندامي، والسؤار المعربد يساور نديمه , أي: يثب عليه، والسار الذي يفضل في إنائه إذا شرب.
والحصور: الذي يكتم السر، أي: يحبس السر في نفسه, قال جرير:
ولقد تسقطني الوشاة فصادفوا= حصراً بسرك يا أميم ضنينا
والحصير: هذا المرمول الذي يجلس عليه، إنما سمي حصيراً؛ لأنه دوخل بعضه في بعض في النسيج, أي: حبس بعضه على بعض.
ويقال للسجن الحصير؛ لأنّ الناس يحصرون فيه، ويقال: حصرت الرجل إذا حبسته، وأحصره المرض إذا منعه من السير، والحصير: الملك, وقول اللّه - جل وعلا: {وجعلنا جهنّم للكافرين حصيرا}, أي: حبساً.
ويقال : أصاب فلاناً حصرإذا احتبس عليه بطنه، ويقال في البول: أصابه أسر إذا احتبس عليه بوله.
ومعنى {من الصّالحين}: الصالح الذي يؤدي إلى اللّه ما عليه , ويؤدي إلى الناس حقوقهم). [معاني القرآن: 1/405-407]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {فنادته الملائكة}, روي أن جبريل هو الذي ناده وحده, وهذا لا يمتنع في اللغة كما تقول: ركب فلان السفن, وإنما ركب سفينة واحدة, أي: ركب هذا الجنس). [معاني القرآن: 1/390]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {مصدقا بكلمة من الله}, قال ابن عباس: صدق بعيسى, وقال الضحاك: بشر بعيسى, ومعنى بشرته: أظهرت في بشرته السرور .
فإن قيل: فما معنى تسمية عيسى بالكلمة ؟, ففي هذا أقوال:
أحدهما: أنه لما قال الله عز وجل: كن , فكان , سماه بالكلمة, فالمعنى على هذا ذو كلمة الله كما قال تعالى: {واسأل القرية}.
2- وقيل: سمي بهذا كما يقال عبد الله, وألقاها على اللفظ .
3- وقيل : لما كانت الأنبياء قد بشرت به, وأعلمت أنه يكون من غير فحل, وبشر الله مريم به كما قال: {إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا}, فلما ولدته على الصفة التي وصف بها, قال الله عز وجل: هذه كلمتي كما تخبر الرجل بالشيء, أو تعده به , فإذا كان قلت: هذا مولي, وهذا كلامي.
والعرب تسمي الكلام الكثير , والكلمة الواحدة كلمة كما روي أن الحويدرة ذكر لحسان , فقال: لعن الله كلمته تلك , يعني قصيدته .
4- وقيل: سمي كلمة ؛ لأن الناس يهتدون به كما يهتدون بالكلمة). [معاني القرآن: 1/390-392]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {وسيداً وحصوراً ونبياً من الصالحين}
قال سعيد بن جبير, والضحاك: السيد: الحليم, وقيل: الرئيس.
وروى يحيى بن سعيد الأنصاري , عن سعيد بن المسيب أنه قرأ: {وسيداً وحصوراً}, فأخذ من الأرض شيئاً, ثم قال: الحصور الذي لا يأتي النساء ,
يقال حصر إذا منع , فـ «حصور» بمعنى محصور , وكأنه منع مما يكون في الرجال .
وفعول بمعنى مفعول كثير في كلام العرب من ذلك حلوب بمعنى محلوبة , قال الشاعر:
فيها اثنثان وأربعون حلوبة = سواد كخافية الغراب الأسحم
ويقال: حصرت الرجل إذا حسبته , وأحصر المرض إذا منعه من السير, والحصير من هذا سمي؛ لأن بعضة حبس على بعض.
وقيل: هو الحابس نفسه عن معاصي الله عز وجل
وقال ابن عباس: الذي لا ينزل). [معاني القرآن: 1/392-395]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {المحراب}: الفرفة). [ياقوتة الصراط: 187]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ( {حصوراً} أي: لا يأتي النساء). [ياقوتة الصراط: 187]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({في المحراب} , أي: الغرفة, كذا ذكر المفسرون, {وسيداً وحصوراً} , السيد: الحليم, والحصور: الذي لا يأتي النساء، وهو بمعنى مفعول، كركوب وحلوب, (الآية): العلامة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 48-49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({سَيِّداً}: حليماً, {حَصُوراً}: لا يقرب النساء). [العمدة في غريب القرآن: 98]
تفسير قوله تعالى:{قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({وقد بلغني الكبر}, أي: بلغت الكبر، والعرب تصنع مثل هذا، تقول: هذا القميص لا يقطعنى, أي: أنت لا تقطعه، أي: إنه لا يبلغ ما أريد من تقديرٍ.
{عاقرٌ}: العاقر: التي لا تلد، والرجل العاقر: الذي لا يولد له، قال عامر بن الطّفيل:
لبئس الفتى إن كنت أعور عاقراً= جباناً فما عذرى لدى كل محضر). [مجاز القرآن: 1/92]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قال ربّ أنّى يكون لي غلامٌ وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقرٌ قال كذلك اللّه يفعل ما يشاء}
قال تعالى: {وقد بلغني الكبر}, كما تقول "وقد بلغني الجهد" , أي: أنا في الجهد والكبر). [معاني القرآن: 1/169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ( (العاقر): من الرجال والنساء الذي لا يولد له). [غريب القرآن وتفسيره: 104]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (وقال الأخطل:
عَلَى العَيَارَاتِ هَدَّاجُونَ قَدْ بَلَغَتْ = نَجْرَانُ أَوْ بَلَغَتْ سَوْآتِهِمْ هَجَرُ
وكان الوجه أن يقول: (سوآتُهم- بالرفع- نجرانَ وهجرَ) فقلب، لأن ما بلغته فقد بلغك.
قال الله تعالى: {وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} أي: بلغته.
وقال آخر:
قد سالَمَ الحيَّاتِ مِنْهُ القدَمَا = الأُفْعُوَانَ وَالشُّجَاعَ الشَّجْعَمَا
(فنصب) الأفعوان والشجاع، وكان الوجه أن يرفعهما، لأن ما حالفته فقد حالفك، فهما فاعلان ومفعولان.
وقال الشمّاخ يذكر أباه:
منه وُلِدتُ ولَمْ يُؤْشَب به حَسَبي = لَمًّا، كَما عُصِبَ العِلبَاءُ بالعُودِ
وكان الوجه أن يقول: (كما عصب العود بالعلباء) فقلب، لأنك قد تقول: عصبت العلباء على العود، كما تقول: عصبت العود بالعلباء.
وقال ذو الرّمّة:
وتكسو المجنَّ الرَّخو خَصْرًا كأَنَّه = إِهَانٌ ذَوَى عَن صُفْرَةٍ فَهْوَ أَخْلَقُ
وكان الوجه أن يقول: (وتكسو الخصر مجنا) فقلب، لأنّ كسوت يقع على الثوب، وعلى الخصر، وعلى القميص ولابسه، تقول: كسوت الثوب عبد الله، وكسوت عبد الله الثوب.
وقال أبو النّجم:
قبل دنوّ الأفق من جوزائه
وكان الوجه أن يقول: (قبل دنوّ الجوزاء من الأفق) فقلب، لأن كل شيء دنا منك فقد دنوت منه.
وقال الرّاعي يصف ثورا:
فصَبَّحَتْهُ كلابُ الغوثِ يُوسِدُها = مستوضِحون يرون العينَ كالأثرِ
وكان الوجه أن يقول: (يرون الأثر كالعين) لعلمهم بالصيد وآثاره فقلب، لأنهم إذا رأوا الأثر كالعين، فقد رأوا العين كالأثر.
وقال النابغة:
وقد خِفْتُ حتى ما تزيد مَخافتي = على وَعِلٍ في ذي المطَارَةِ عَاقِلِ
وكان الوجه أن يقول: (حتى ما تزيد مخافة وعل على مخافتي) فقلب، لأن المخافتين استوتا.
وقال رؤبة بن العجّاج:
ومَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أَرْجاؤُه
كأنّ لون أرضِهِ سَمَاؤُه
وكان الوجه أن يقول: (كأن لون سمائه من غبرتها لون أرضه) فقلب، لأن اللونين استويا.
وقال الآخر:
وصار الجمرُ مثلُ ترابها
أي: صار ترابها مثل الجمر). [تأويل مشكل القرآن:194-197]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل وعلا: {قال ربّ أنّى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك اللّه يفعل ما يشاء (40)}, أي: كيف يكون لي غلام.
قال الكميت:
أنّى ومن أين آبك الطرب من= حيث لا صبوة ولا لعب
أي: كيف ومن أين آبك الطرب, ويقال: كلام بين الغلوميّة, والغلاميّة, والغلومة.
وقوله جلّ وعلا: {وقد بلغني الكبر}, بمعنى: قد بلغت الكبر, وفي موضع آخر: {وقد بلغت من الكبر عتيّا}, وكل شيء صادفته, وبلغته, فقد صادفك وبلغك.
ومعنى {كذلك اللّه يفعل ما يشاء}, أي: مثل ذلك يفعل اللّه الّذي يشاؤه, وإنّما سأل زكريا؛ لأنّه أحبّ أن يعلم : أيأتيه الولد وامراته عاقر وهو مسنّ؟, أم يجعله الله على هيئة من يولد له, ويجعل امرأته كذلك؟, أم يأتيها الولد , وهما على الهيئة التي لا يكون معها ولد؟, فأعلمهما اللّه أنّ ذلك هيّن عليه كما أنشأهما, ولم يكونا شيئاً, وأنه يعطيهما الولد, وهما في هذا السن.
ويقال في {عاقر} , قد عقرت المرأة , وعقرت، وهي عاقر، وهذا دليل أنّ عاقراً وقع على جهة النسب، لأنّ فعلت أسماء الفاعلين فيه على فعيلة, نحو : ظرفت, فهي ظريفة، وإنما عاقر له : ذات عقر، ويقال: قد عقر الرجل يعقر عقراً؛ إذا انقطع عليه الكلام من تعب , وكلال.
والعقار: كل مال له أصل, وقد قيل: إن النخل خاصّة يقال له: عقار, وعقر دار قوم أصل مقامهم الذي عليه معوّلهم، وإذا انتقلوا عنه لنجعة, فرجوعهم إليه.
ويروى عن علي إنّه قال: ما غزي قوم في عقر دارهم إلا ذلّوا، أي: ما غزوا في المكان الذي هو أصل لمقامهم). [معاني القرآن: 1/408-409]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقرا}, يقال: كيف استنكر هذا, وهو نبي يعلم أن الله يفعل ما يريد
ففي هذا جوابان:
أحدهما: أن المعنى بأي منزلة استوجبت هذا على التواضع لله, وكذلك قيل في قول مريم:{أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر }
والجواب الآخر: أن زكريا أراد أن يعلم هل يرد شاباً, وهل ترد امرأته, وهل يرزقهما الله ولداص من غير رد أو من غيرها؟, فأعلم الله عز وجل أنه يرزقهما ولدا من غير رد فقال عز وجل: {كذلك يفعل الله ما يشاء}
ويقال: عقرت المرأة إذا لم تحمل, وعقر الرجل إذا لم يولد له, والذكر والأنثى عاقر). [معاني القرآن: 1/395-396]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({عَاقِرٌ}: لا تلد). [العمدة في غريب القرآن: 99]
تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ألاّ تكلّم النّاس...}, إذا أردت الاستقبال المحض نصبت (تكلّم) , وجعلت (لا) على غير معنى ليس, وإذا أردت: آيتك أنك على هذه الحال ثلاثة أيام رفعت، فقلت: أن لا تكلّم الناس؛ ألا ترى أنه يحسن أن تقول: آيتك أنك لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً, والرمز يكون بالشفتين, والحاجبين, والعينين, وأكثره في الشفتين, كلّ ذلك رمز). [معاني القرآن: 1/213]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إلاّ رمزاً}: باللسان من غير أن يبين، ويخفض بالصوت مثل همسٍ.
{والإبكار}: مصدر من قال: أبكر يبكر، وأكثرها: بكرّ , يبكرّ, وباكر). [مجاز القرآن: 1/93]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({قال ربّ اجعل لّي آيةً قال آيتك ألاّ تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزاً واذكر رّبّك كثيراً وسبّح بالعشيّ والإبكار}
قال: {ثلاثة أيّامٍ إلاّ رمزاً}, يريد: "أن لا تكلّم الناس إلاّ رمزاً" , وجعله استثناء خارجاً من أول الكلام, والرمز: الإيماء). [معاني القرآن: 1/169]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({إلا رمزا}: قال المفسرون: الإشارة باليد وقالوا تحريك الشفتين). [غريب القرآن وتفسيره: 105]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({اجعل لي آيةً}, أي: علامة, قال: {آيتك ألّا تكلّم النّاس ثلاثة أيّامٍ إلّا رمزاً} , أي: وحياً, وإيماء باللسان, أو باليد, أو بالحاجب, يقال: رمز فلان لفلانة، إذا أشار بواحدة من هذه, ومنه قيل للفاجرة: رامزة ورمّازة، لأنها ترمز وتومئ، ولا تعلن.
قال قتادة: إنما كان عقوبة عوقب بها،إذا سأل الآية بعد مشافهة الملائكة إياه بما بشّر به). [تفسير غريب القرآن: 105]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): (الوَحْيُ: كُلُّ شَيْءٍ دَلَلْتَ به من كلام أو كتاب أو إشارة أو رسالة...
وقال: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا}، أي: أشار إليهم وأومأ.
وقال بعض المفسرين: كتب إليهم.
قال أبو محمد: والتفسير الأول أعجب ُإليَّ، لأنه قال في موضع آخر: {آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا}.
والرمز: تحريك الشفتين أو الحاجبين أو العينين، ولا يكون كتابا). [تأويل مشكل القرآن: 489]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({قال ربّ اجعل لي آية قال آيتك ألّا تكلّم النّاس ثلاثة أيّام إلّا رمزا واذكر ربّك كثيرا وسبّح بالعشيّ والإبكار (41)}.
ومعنى {ربّ اجعل لي آية}, أي: علامة أعلم بها الوقت الذي تهب له فيه الغلام.
{قال آيتك ألّا تكلّم النّاس ثلاثة أيّام إلّا رمزا}, أي: علامة ذلك أن يمسك لسانك عن الكلام وأنت صحيح سوي,
وقال في موضوع آخر: {آيتك ألّا تكلّم النّاس ثلاث ليال سويّا}, أي: وأنت سوي.
ومعنى الرمز: تحريك الشفتين باللفظ من غير إبانة بصوت ؛ إنما هو إشارة بالشفتين، وقد قيل: أن الرمز هو إشارة بالعينين، أو الحاجبين والفم، والرمز في اللغة: كل ما أشرت به إلى بيان بلفظ، أي: بأي شيء أشرت، أبفم , أم بيد, أم بعينين, والرّمز والترمز في اللغة: الحركة والتحرك.
وقوله عزّ وجلّ: {وسبّح بالعشيّ والإبكار}, قيل سبّح: صل، ويقال: فرغت من سبحتي من صلاتي، وإنما سميت الصلاة تسبيحاً؛ لأن التسبيح تعظيم الله, وتبرئته من السوء, فالصّلاة يوحّد الله فيها ويحمد، ويوصف بكل ما يبرئه من السوء, فلذلك سمّيت الصلاة : السّبحة.
والإبكار يقال فيه: أبكر الرجل يبكر إبكاراً, وبكر يبكر تبكيراً, وبكر يبكر في كل شيء يتقذم فيه، وقول الناس فيما تقدم من الثمار: " قد هرف " خطأ، إنما هي كلمة تبطئة، وإنما تقول العرب في مثل ذلك: قد بكّر، ويسمّى ما يكون منه : الباكورة). [معاني القرآن: 1/409]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {قال رب اجعل لي آية} ,أي: علامة.
{قال آيتك أن لا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا}, قال قتادة: إنما عوقب بهذا؛ لأنه طلب الآية بعد مشافهة الملائكة إياه بالبشارة
وقال مجاهد: الرمز تحرك الشفتين.
وقال الضحاك : الرمز تحريك اليدين ,والرأس.
والرمز في اللغة: الإشارة كانت بيد, أو رأس, أو حاجب, أو فم, يقال: رمز, أي: أشار, ومنه سميت الفاجرة: رامزة, ورمازة؛ لأنها تومئ, ولا تعلن.
ثم قال تعالى: {واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار} , وقرئ (الأبكار) , وهو جمع بكر, ويقال: بكر, وبكر, وابتكار, وأبكر إذا جاء في أول الوقت, ومنه سميت الباكورة .
ويقال: أبكر إذا خرج من بين مطلع الفجر إلى وقت الضحى, والعشي من حين نزول الشمس إلى أن تغيب, وهو معنى قول مجاهد). [معاني القرآن: 1/396-398]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (والرمز: الإشارة). [ياقوتة الصراط: 188]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({إلا رمزا}, أي: إشارة باليد، أو بالحاجب، أو باللسان, وقيل: هو تحريك الشفتين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 49]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({الرَّمْز}: الإشارة). [العمدة في غريب القرآن: 99]