التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {لاّ يتّخذ المؤمنون...}
نهي، ويجزم في ذلك, ولو رفع على الخبر كما قرأ من قرأ: {لا تضارّ والدةٌ بولدها}, وقوله: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً} هي أكثر كلام العرب، وقرأه القرّاء, وذكر عن الحسن ,ومجاهد أنهما قرءا "تقيّة", وكلّ صواب). [معاني القرآن: 1/205]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({تقاةً}: وتقيّة واحدة). [مجاز القرآن: 1/90]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({لاّ يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيءٍ إلاّ أن تتّقوا منهم تقاةً ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير}
وقال: {لاّ يتّخذ المؤمنون الكافرين} بكسر {يتّخذ} ؛ لأنه لقيته لام ساكنة, وهي نهي, فكسرته.
وقال تعالى: {إلاّ أن تتّقوا منهم تقيّةً},
وقال بعضهم {تقاةً}, وكلٌّ عربي, و{تقاةٌ} أجود، مثل: "إتّكأ" "تكأةً", و"إتّخم" "تخمةً" و"إتّحف" "تحفةً"). [معاني القرآن: 1/166]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وذكر الله جلّ وعزّ بعد هذا التقديس, والتعظيم أمر المنافقين فقال:{لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيء إلّا أن تتّقوا منهم تقاة ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير}, القراءة بالجزم، وكسر الذال لالتقاء السّاكنين، ولو رفعت لكان وجهاً.
فقلت: {لا يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين}
المعنى: أنه من كان مؤمنا فلا ينبغي أن يتخذ الكافر ولياً ؛ لأن ولي الكافر راض بكفره، فهو كافر.
قال الله جلّ وعزّ: {ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم}.
وقال: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض},ومعنى: {من دون المؤمنين}أي: لا يجعل ولاية لمن هو غير مؤمن، أي لا يتناول الولاية من مكان دون مكان المؤمنين، وهذا كلام جرى على المثل في المكان كما تقول: زيد دونك, فلست تريد أنه في موضع مستقل , وأنك في موضع مرتفع، ولكنك جعلت الشرف بمنزلة الارتفاع في المكان، وجعلت الخسّة كالاستقبال في المكان, فالمعنى: أن المكان المرتفع في الولاية مكان المؤمنين, فهذا بيان قوله: {من دون المؤمنين}.
ومعنى{ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شيء} أي : من يتول غير المؤمنين , فاللّه بريء منه.
{إلّا أن تتّقوا منهم تقاة}: و (تقيّة) قرئا جميعاً, فأباح الله جلّ وعزّ الكفر مع القصة.
والتقيّة خوف القتل، إلا أن هذه الإباحة لا تكون إلا مع سلامة النية وخوف القتل.
{ويحذّركم اللّه نفسه وإلى اللّه المصير}, معنى: (نفسه) إيّاها إلا أن النفس يستغنى بها هنا عن " إياه " وهو الكلام، وأما قوله عز وجل: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك}, فممّا به خوطب العباد على قدر علمهم، ومعناه: تعلم ما عندي وما في حقيقتي, ولا أعلم ما عندك لا ما في حقيقتك.
وفي قوله: {تؤتي الملك من تشاء} أي: تؤتي الملك من تشاء أن تؤتيه، وكذلك {وتنزع الملك ممّن تشاء} أن تنزعه منه إلا أنه حذف ؛ لأن في الكلام ما يدل عليه). [معاني القرآن: 1/396-397]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين}أي: لا يتولوهم في الدنيا؛ لأن المنافقين أظهروا الإيمان وعاضدوا الكفار , فقال الله عز وجل: {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} , وقال: {ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة}
قال ابن عباس: هو أن يتكلم بلسانه, ولا يقتل, ولا يأتي إنما ويكون قلبه مطمئناً بالإيمان.
وقرأ جابر بن زيد,ومجاهد, وحميد, والضحاك: {إلا أن تتقوا منهم تقية} .
وقال الضحاك: التقية باللسان ,
والمعنى عند أكثر أهل اللغة واحد
وروى عوف عن الحسن, قال: التقية جائزة للمسلم إلى يوم القيامة غير أنه لا يجعل في القتل تقية .
ومعنى{فليس من الله شيء}: فليس من حزب الله .
وحكى سيبويه هو منى فرسخين , أي: من أصحابي .
ومعنى {من دون المؤمنين} :من مكان دون مكان المؤمنين, وهو مكان الكافرين
ويحذركم الله نفسه, والله رؤوف بالعباد, أي: يحذركم إياه). [معاني القرآن: 1/384]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (والتقاة والتقية واحد، والاتقاء والتقوى، كله بمعنى واحد). [ياقوتة الصراط: 187]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يعلمه اللّه...}جزم على الجزاء, {ويعلم ما في السّماوات وما في الأرض} رفع على الاستئناف؛ كما قال الله في سورة براءة {قاتلوهم يعذّبهم الله} , فجزم الأفاعيل، ثم قال: {ويتوب الله على من يشاء} رفعاً على الاستئناف, وكذلك قوله: {فإن يشأ الله يختم على قلبك}, ثم قال: {ويمح الله الباطل}, ويمح في نيّة رفع مستأنفة وإن لم تكن فيها واو؛ حذفت منها الواو كما حذفت في قوله: {سندع الزّبانية}, وإذا عطفت على جواب الجزاء, جاز الرفع , والنصب, والجزم, وأمّا قوله: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر}, وتقرأ جزماً على العطف ومسكّنة تشبه الجزم, وهي في نية رفع تدغم الراء من يغفر عند اللام، والباء من يعذب عند الميم؛ كما يقال {أرأيت الذي يكذّب بالدّين} وكما قرأ الحسن {شهر رمضان}). [معاني القرآن: 1/206]
تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {يوم تجد كلّ نفسٍ مّا عملت من خيرٍ مّحضراً...}, ما في مذهب الذي, ولا يكون جزاء ؛ لأن (تجد) قد وقعت على ما.
وقوله: {وما عملت من سوءٍ} , فإنك تردّه أيضا على (ما) , فتجعل (عملت) صلة لها في مذهب رفع لقوله: {تودّ لو أنّ بينها}, ولو استأنفتها فلم توقع عليها (تجد) جاز الجزاء؛ تجعل (عملت) مجزومة, ويقول في تودّ: تودّ بالنصب وتودّ, ولو كان التضعيف ظاهر لجاز تودد, وهي في قراءة عبد الله "وما عملت من سوء ودّت" , فهذا دليل على الجزم، ولم أسمع أحدا من القراء قرأها جزماً). [معاني القرآن: 1/206-207]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أمداً} : الأمد الغاية). [مجاز القرآن: 1/90]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت:215هـ): ({يوم تجد كلّ نفسٍ مّا عملت من خيرٍ مّحضراً وما عملت من سوءٍ تودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً ويحذّركم اللّه نفسه واللّه رءوفٌ بالعباد}
قال الله تعالى: {تودّ لو أنّ بينها وبينه أمداً بعيداً}‘؛ لأنّ "البين" ههنا ظرف وليس باسم, ولو كان اسماً لارتفع "الأمد", فإذا جئت بشيء هو ظرف للآخر, وأوقعت عليه حروف النصب, فانصب نحو قولك: "إنّ عندنا زيداً" ؛ لأن "عندنا" ليس باسم , ولو قلت: "إنّ الذي عندنا" قلت: "زيدٌ" ؛ لأن "الذي عندنا" اسم, قال: {إنّما صنعوا كيد ساحرٍ}, فجعل "إنّ" و"ما" حرفاً واحداً واعمل "صنعوا" كما تقول: "إنّما ضربوا زيداً", ومن جعل "ما" بمنزلة "الذي" يرفع الكيد). [معاني القرآن: 1/167]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): ({يوم تجد كلّ نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودّ لو أنّ بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذّركم اللّه نفسه واللّه رءوف بالعباد}
ونصب: {يوم تجد كلّ نفس} بقوله: {ويحذّركم اللّه نفسه}: كأنه قال: ويحذركم اللّه نفسه في ذلك اليوم، ويجوز أن يكون نصب على قوله: {وإلى اللّه المصير يوم تجد كل نفس}، والقول الأول أجود). [معاني القرآن: 1/397]