التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {قل اللّهمّ مالك الملك...}
{اللهم} كلمة تنصبها العرب,
وقد قال بعض النحويين: إنما نصبت إذ زيدت فيها الميمان؛ لأنها لا تنادى بيا؛ كما تقول: يا زيد، ويا عبد الله، فجعلت الميم فيها خلفا من يا. وقد أنشدني بعضهم:
وما عليك أن تقولي كلّما =صلّيت أو سبّحت يا اللهمّ ما
* اردد علينا شيخنا مسلما =
ولم نجد العرب زادت مثل هذه الميم في نواقص الأسماء إلا مخفّفة؛ مثل الفم وابنم وهم، ونرى أنها كانت كلمة ضمّ إليها؛ امّ، تريد: يا ألله امّنا بخير، فكثرت في الكلام فاختلطت, فالرفعة التي في الهاء من همزة أمّ لما تركت انتقلت إلى ما قبلها, ونرى أن قول العرب: (هلمّ إلينا) مثلها، إنما كانت (هل) فضمّ إليها أمّ فتركت على نصبها, ومن العرب من يقول إذا طرح الميم: يا ألله اغفر لي، ويا الله اغفر لي، فيهمزون ألفها ويحذفونه, فمن حذفها فهو على السبيل؛ لأنها ألف ولام مثل: الحارث من الأسماء. ومن همزها توهّم أنها من الحرف إذ كانت لا تسقط منه؛ أنشدني بعضهم:
مباركٌ هوّ ومن سمّاه= على اسمك اللهمّ يا ألله
وقد كثرت (اللهم) في الكلام حتى خفّفت ميمها في بعض اللغات؛ أنشدني بعضهم:
كحلفةٍ من أبي رياح = يسمعها اللهم الكبار
وإنشاد العامّة: لاهه الكبار, وأنشدني الكسائيّ:
= يسمعها الله والله كبار =
وقوله تبارك وتعالى: {تؤتي الملك من تشاء}, إذا رأيت من تشاء مع من تريد من تشاء أن تنزعه منه, والعرب تكتفي بما ظهر في أوّل الكلام ممّا ينبغي أن يظهر بعد شئت فيقولون: خذ ما شئت، وكن فيما شئت, ومعناه: فيما شئت أن تكون فيه فيحذف الفعل بعدها؛ قال تعالى: {اعملوا ما شئتم}, وقال تبارك وتعالى: {في أي صورةٍ مّا شاء ركّبك}, والمعنى -والله أعلم -: في أي صورة شاء أن يركّبك ركّبك.
ومنه قوله تعالى: {ولولا إذ دخلت جنّتك قلت ما شاء الله}, وكذلك الجزاء كله؛ إن شئت فقم، وإن شئت فلا تقم؛ المعنى: إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت ألاّ تقوم فلا تقم, وقال الله {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر} فهذا بيّن أنّ المشيئة واقعة على الإيمان والكفر، وهما متروكان, ولذلك قالت العرب: (أيّها شئت فلك), فرفعوا أيّا لأنهم أرادوا أيّها شئت أن يكون لك فهو لك, وقالوا (بأيّهم شئت فمرّ), وهم يريدون: بأيّهم شئت أن تمرّ فمرّ). [معاني القرآن: 1/203-205]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جل شأنه: {قل اللّهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير إنّك على كلّ شيء قدير}
أمر اللّه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بتقديمه وذكر ما يدل على توحيده، ومعنى{مالك الملك} : أن اللّه يملك العباد ويملك ما ملكوا, ومعنى: {تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء}.
فيه قولان: -
1-تؤتي الملك الذي هو المال والعبيد والحضرة من تشاء, وتنزعه ممن تشاء،
2-وقيل: تؤتي الملك من تشاء من جهة الغلبة بالدّين والطاعة، فجعل اللّه - عزّ وجلّ - كل ما في ملكه ملك غير مسلم للمسلمين ملكاً غنيمة، وجعلهم أحق بالأملاك كلها من كل أهل لمن خالفوا دين الإسلام.
وقيل في التفسير: إن اللّه عزّ وجلّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الآيات أن يسأله نقل عزّ فارس إلى العرب, وذل العرب إلى فارس , واللّه أعلم بحقيقة ذلك.
فأما إعراب {اللّهمّ} فضم الهاء وفتح الميم، لا اختلاف في اللفظ به بين النحويين، فأما العلة فقد اختلف فيها النحويون:
1- فقال بعضهم: معنى الكلام يا الله أم بخير، وهذا إقدام عظيم؛ لأن كل ما كان من هذا الهمز الذي طرح, فأكثر الكلام الإتيان به، يقال: ويل أمه، وويل أمه، والأكثر إثبات الهمز.
ولو كان كما يقول لجاز, أومم، واللّه أم، وكان يجب أن تلزمه ياء النداء؛ لأن العرب تقول: يا اللّه اغفر لنا، ولم يقل أحد من العرب إلا اللهم، ولم يقل أحد: يا اللهم.
قال اللّه عزّ وجلّ: {وإذ قالوا اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ}.
وقال: {قل اللّهمّ فاطر السّماوات والأرض}, فهذا القول يبطل من جهات:
أحدها: أن " يا " ليست في الكلام وأخرى أن هذا المحذوف لم يتكلم به على أصله كما نتكلم بمثله, وأنه لا يقدم أمام الدعاء هذا الذي ذكره، وزعم أن الصفة التي في الهاء ضمة الهمزة التي كانت في أم، وهذا محال أن يترك الضم الذي هو دليل على النداء للمفرد.
وأن يجعل في اللّه ضمة (أم), هذا الحاد في اسم اللّه عزّ وجل, وزعم أن قولنا: هلم مثل ذلك أن أصلها: هل أم - وإنما هي لم.
والهاء للتنبيه، وقال المحتج بهذا القول: أن " يا " قد يقال مع: {اللهم}, فيقال: يا اللّهم، ولا يروي أحد عن العرب هذا غيره , زعم أن بعضهم أنشده:
وما عليك أن تقولي كلما صليت أو سبّحت = يا اللهم مااردد علينا شيخنا مسلما
وليس يعارض الإجماع , وما أتى به كتاب اللّه تعالى , ووجد في جميع ديوان العرب بقول قائل أنشدني بعضهم، وليس ذلك البعض بمعروف , ولا بمسمى.
2- وقال الخليل , وسيبويه, وجميع النحويين الموثوق بعلمهم: أن " اللهم "بمعنى - يا اللّه، وأن الميم المشددة عوض من " يا " ؛لأنهم لم يجدوا ياء مع هذه الميم في كلمة، ووجدوا اسم اللّه جلّ وعزّ مستعملا بـ (يا) إذا لم يذكر الميم.
فعلموا أن الميم من آخر الكلمة بمنزلة يا في أولها، والضمة التي في أولها ضمة الاسم المنادى في المفرد، والميم مفتوحة لسكونها وسكون الميم التي قبلها.
وزعم سيبويه: أن هذا الاسم لا يوصف؛ لأنه قد ضمت إليه الميم، فقال في قوله جلّ وعزّ: {قل اللّهمّ فاطر السّماوات والأرض}, أن {فاطر} منصوب على النداء، وكذلك {مالك الملك} ولكن لم يذكره في كتابه.
والقول عندي أن: {مالك الملك} صفة اللّه، وأن {فاطر السّماوات والأرض} كذلك , وذلك أن الاسم, ومعه الميم بمنزلته ومعه : " يا " فلا تمنع الصفة مع الميم كما لا تمنع " مع " يا ", فهذا جملة تفسير وإعراب {اللّهمّ}.
ومعنى {وتنزع الملك ممّن تشاء}: على ما ذكرنا في {تؤتي الملك من تشاء}.
ومعنى {بيدك الخير}أي: بيدك الخير كله، خير الدنيا وخير الآخرة). [معاني القرآن: 1/392-395]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وفي قوله: {تؤتي الملك من تشاء} أي: تؤتي الملك من تشاء أن تؤتيه، وكذلك {وتنزع الملك ممّن تشاء} أن تنزعه منه إلا أنه حذف لأن في الكلام ما يدل عليه). [معاني القرآن: 1/396-397] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء} قيل: الملك ههنا: النبوة .
وقيل: هو المال, والعبيد .
وقيل: هو الغلبة
وقال قتادة: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله عز وجل أن يعطي أمته ملك فارس , فأنزل الله عز وجل هذه الآية.
ومعنى {تؤتي الملك من تشاء}أي: من تشاء أن تؤتيه, وتنزع الملك ممن تشاء, أي: ممن تشاء أن تنزعه منه, ثم حذف هذا, وأنشد سيبويه:
ألاهل لهذا الدهر من متعلعل = على الناس مهما شاء بالناس يفعل
قال أبو إسحاق: المعنى مهما شاء أن يفعل بالناس يفعل
وقوله عز وجل: {وتعز من تشاء وتذل من تشاء}
يقال: عز إذا غلب, وذل يذل ذلاً إذا غلب وقهر , قال طرفة:
بطيء على الجلى سريع إلى الخنا = ذليل بأجماع الرجال ملهد). [معاني القرآن: 1/378-397]
تفسير قوله تعالى: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ:(ت:207هـ): (وقوله:{تولج اللّيل في النّهار وتولج النّهار في اللّيل...}
جاء التفسير: أنه نقصان الليل يولج النهار، وكذلك النهار يولج في الليل، حتى يتناهى طول هذا, وقصر هذا.
وقوله: {وتخرج الحيّ من الميّت}, ذكر عن ابن عباس أنها البيضة: ميتة يخرج منها الفرخ حيّا، والنطفة: ميتة يخرج منها الولد). [معاني القرآن: 1/205]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({تولج اللّيل في النّهار}: تنقص من الليل فتزيد في النهار، وكذلك النهار من الليل, {وتخرج الحيّ من الميّت}, أي: الطيّب من الخبيث، والمسلم من الكافر). [مجاز القرآن: 1/90]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({تولج الليل في النهار}: تدخل هذا في هذا. ومنه ولجت البيت). [غريب القرآن وتفسيره: 103]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({تولج اللّيل في النّهار} أي: تدخل هذا في هذا، فما زاد في واحد نقص من الآخر مثله.
{وتخرج الحيّ من الميّت} يعني: الحيوان من النّطفة والبيضة.
{وتخرج الميّت من الحيّ} يعني: النطفة والبيضة - وهما ميتتان - من الحيّ.
{وترزق من تشاء بغير حسابٍ} أي: بغير تقدير وتضييق). [تفسير غريب القرآن: 103]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله جلّ وعزّ: {تولج اللّيل في النّهار وتولج النّهار في اللّيل وتخرج الحيّ من الميّت وتخرج الميّت من الحيّ وترزق من تشاء بغير حساب} المعنى: تدخل أحدهما في الآخر, يقال: ولج الشيء إذا دخل يلج ولوجاًوولجة، والولج والولجة شيء يكون بين يدي فناء.
فمعنى {تولج الليل في النهار}أي: تنقص من الليل, فتدخل ذلك النقصان زيادة في النهار، وتنقص من النهار, فتدخل ذلك النقصان زيادة في الليل.
{وتخرج الحيّ من الميّت}أي: تخرج الإنسان من النطفة، والطائر من البيضة، وتخرج للناس الحب الذي يعيشون به من الأرض الميتة.
{وتخرج الميّت من الحيّ} أي: تخرج النطفة من الإنسان، والبيضة من الطائر.
ومعنى {وترزق من تشاء بغير حساب} أي: بغير تقتير، وهذا مستعمل في اللغة، يقال للذي ينفق موسعاً: فلان ينفق بغير حساب، أي: يوسع على نفسه، وكأنه لا يحسب ما أنفقه إنفاقاً). [معاني القرآن: 1/394-395]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل}.
قال عبد الله بن مسعود : هو قصره في الشتاء, والصيف,
فالمعنى على هذا: تنقص من الليل , وتدخل النقصان في النهار وتنقص من النهار, وتدخل النقصان في الليل.
يقال: ولج يلج ولوجاً ولجة إذا دخل قال الراجز:
= متخذا في ضعوات تولجا). [معاني القرآن: 1/380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله عز وجل: {وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي}
قال سلمان: أي تخرج المؤمن من الكافر, والكافر من المؤمن.
قال عبد الله بن مسعود, وسعيد بن جبير, ومجاهد, والضحاك: وهذا معنى قولهم تخرج النطفة, وهي ميتة من الرجل , وهو حي , وتخرج الرجل , وهو حي من النطفة وهي ميتة.
ثم قال تعالى: {وترزق من تشاء بغير حساب}أي: يغير تضيق, ولا تقتير, كما تقول فلان يعطي بغير حساب, كأنه لا يحسب ما يعطي). [معاني القرآن: 1/382]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): (و{يولج}: يدخل). [ياقوتة الصراط: 186]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({تولج الليل في النهار} أي: تدخل هذا في هذا، فما زاد في واحد نقص من الآخر مثله.
{وتخرج الحي من الميت} يعني الحيوان من النطفة والبيضة, {وتخرج الميت من الحي} أي: النطفة والبيضة وهما ميتان، من الحي.
وقيل: هو المؤمن من الكافر, والكافر من المؤمن).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 48]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تُولِجُ}: تدخل, {حِسَابٍ}: تضييق، تقتير). [العمدة في غريب القرآن: 98]